نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٦

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٦

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٤

تكذيب ابن تيميّة الحديث من أصله!

وجاء ابن تيميّة فأفرط في الوقاحة ، فكذّب الحديث من أصله بصراحة!! فقال :

« وكذلك قوله : وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ، كذب على رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بل هو في حياته وبعد مماته ولي كلّ مؤمن ، وكلّ مؤمن وليّه في المحيا والممات.

فالولاية التي هي ضدّ العداوة لا تختص بزمان.

وأمّا الولاية التي هي الأمارة فيقال فيها : والي كلّ مؤمن بعدي ، كما يقال في صلاة الجنازة : إذا اجتمع الولي والوالي قدّم الوالي في قول الأكثر ، وقيل : يقدم الولي.

فقول القائل : علي ولي كلّ مؤمن بعدي ، كلام يمتنع نسبته إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فإنّه إنْ أراد الموالاة لم يحتج أنْ يقول « بعدي » ، وإنْ أراد الأمارة كان ينبغي أن يقال « والٍ على كلّ مؤمن » (١).

أقول :

وهذا كلام ناشئ عن الحقد والعدوان ، لأنّه تكذيب لحديثٍ أخرجه

__________________

(١) منهاج السنة ٧ / ٣٩١. الطبعة الحديثة.

٢٤١

الأئمة : كالترمذي ، وابن حبان ، والضياء ، في صحاحهم ، ونصّ آخرون : كابن أبي شيبة ، وابن جرير ، على صحته ، ووثّق أئمة الرجال أسانيده ...

وأما قوله : « إنْ أراد الموالاة ... » فتخرّص محض ، لأنّ لفظ « الولي » كما يكون بمعنى « المحب » كذلك يكون بمعنى « الولي » وهو هنا بقرينة « بعدي » صريح في المعنى الثاني ... فلا ضرورة لأنْ يقول « وال » ... وهل على النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنْ يتكلّم كما يشتهي ابن تيميّة ونظراؤه؟

إنّه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يريد إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وخلافته من بعده بلا فصل ، هذا الأمر الذي بيّنه مرّةً بعد اخرى ، بأساليب وألفاظ مختلفة ، لكنّ القوم إذا استدل عليهم بحديث الغدير وضعوا على لسان الحسن بن الحسن أنّه إنْ أراد الأمارة قال « إنّه الولي بعدي ». وإذا استدل عليهم بلفظ « وليّكم بعدي » قالوا : « كان ينبغي أن يقول : الوالي » فلو استدل عليهم بحديثٍ فيه « الولي » لقالوا شيئاً آخر ...

لكنّ هذه المكابرات والتعصّبات إنّما تدل على عجزهم عن الجواب الصحيح عن استدلالات واحتجاجات أهل الحق ، وعلى بطلان أساس مذهبهم الذي يحاولون الدفاع عنه حتى بالتحريف والتزوير!

هذا ، ولم نجد سلفاً لابن تيمية في إبطال هذا الحديث وتكذيبه ...

ولا يتوهّم أن تكذيبه منحصر بحديث الولاية من مناقب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام ، فقد أنفرد ابن تيميّة بتكذيب كثيرٍ من مناقبه وفضائله عليه‌السلام ، حتى اضطرّ غير واحدٍ من علمائهم الكبار إلى الردّ عليه ...

فمن خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام التي كذّبها ابن تيميّة قضيّة

٢٤٢

المؤاخاة ، إذ أنكر أنْ يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخى بين نفسه وبين علي.

وكان من جملة من ردّ عليه إنكاره ذلك : الحافظ ابن حجر العسقلاني في ( فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري ).

وللتفصيل في هذا الموضوع مجال آخر ...

٢٤٣

أباطيل ابن حجر المكي ووجوه النظر فيها

وكذا في المتأخّرين ابن تيميّة ، لا يوجد مكذّب لحديث الولاية ... وحتى ابن حجر المكّي ... فإنّه وإنْ حاول القدح والجرح ، لكن لم يجسر على تكذيبه ... وهذه عبارته :

« أمّا رواية ابن بريدة عنه : لا تقع يا بريدة في علي فإنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي. ففي سنده الأجلح ، وهو وإنْ وثّقه ابن معين لكنْ ضعّفه غيره. على أنّه شيعي. وعلى تقدير الصحّة فيحتمل أنه رواه بالمعنى بحسب عقيدته. وعلى فرض أنه رواه بلفظه ، فيتعيّن تأويله على ولايةٍ خاصة ، نظير قوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : أقضاكم علي. على أنّه وإنْ لم يحتمل التأويل فالإجماع على حقيّة ولاية أبي بكر وفرعيها قاض بالقطع بحقيّتها لأبي بكر وبطلانها لعلي ، لأن مفاد الإجماع قطعي ومفاد خبر الواحد ظنّي ، ولا تعارض بين ظنّي وقطعي ، بل يعمل بالقطعي ويلغى الظنّي ، على أنّ الظنّي لا عبرة به فيها عند الشيعة » (١).

أقول :

إنّ للحديث طريقاً أو طرقاً ليس فيها الأجلح ، وقد سكت عن ذلك ابن حجر ، ليوهم الناظر أنْ لا طريق للحديث سوى الذي فيه الأجلح!

ومن طرائف الامور : أنّه أورد في كتابه حديث الولاية في فضائل أمير

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٦٦.

٢٤٤

المؤمنين عليه‌السلام برواية عمران بن حصين وليس فيه الأجلح! ففي الفصل الثّاني من الباب التاسع : « واقتصرت هنا على أربعين حديثاً لأنّها من غرر فضائله ... الحديث الخامس والعشرون :

أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. ومرّ الكلام في حادي عشر الشّبه على هذا الحديث وبيان معنه وما فيه » (١).

فلو نظر ابن حجر إلى سند هذا الحديث الذي جعله من غرر فضائل الإمام لوجوده خلواً من الأجلح ، ولكنّه الجهل أو التعصّب! نعوذ بالله!

وأيضاً ، فإنّ توثيق الأجلح غير منحصر بابن معين ، إذ قد وثّقه غيره كذلك ، وأخرج عنه : أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، في صحاحهم ، فزعم انفراد ابن معين في توثيق الأجلح باطل ، كزعم انفراد الأجلح بالحديث.

وأيضاً ، فإن كلامه هنا يناقضه تصريحه بصحّة الحديث في ( شرح الهمزيّة ) حيث قال بشرح : « وعلي صنو النبيّ ... » :

« وذلك عملاً بما صحّ عنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وإنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ».

كما أنّه ينافيه جعله هذا الحديث في كتاب ( الصّواعق ) من غرر فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما رأيت ...

__________________

(١) كذا في الصواعق ، لكن الجملة في الترمذي والحاكم مكررة ثلاث مرات.

٢٤٥

فعجيب أمر هؤلاء! كيف يضطربون أمام الحق وأهله ، فيناقضون أنفسهم ويكذّبون أئمتهم!!

وأمّا احتمال نقل الأجلح الحديث بالمعنى بحسب عقيدته ، فاحتمال سخيف جدّاً ، ولا يخفى ما يترتّب على فتح باب هكذا احتمالات في الأحاديث من المفاسد التي لا تحصى ، بل إنّ مثل هذا الاحتمال يؤدي إلى هدم أساس الدين واضمحلال الشريعة المقدّسة!

وكذلك تأويله ـ على فرض أنّه رواه بلفظه ـ على ولايةٍ خاصّة نظير قوله صلّى الله عليه وسلّم : أقضاكم علي ... فإنّ التأويل بلا دليل لا يدلّ إلاّ على التلميع والتسويل. على أنّه باطل بالأدلّة والبراهين الآتية ... ومع ذلك ، فإنّ قوله صلّى الله عليه وسلّم : « أقضاكم علي » إنّما يفيد أعلميّة علي عليه‌السلام وأفضليّته ممّن عدا النبيّ ، فاذا كان المعنى الذي يريد ابن حجر تنزيل الولاية عليه مماثلاً للحديث المذكور في الدلالة على الأفضليّة ، لم يخرج حديث الولاية عن الدلالة على المذهب الحق.

وكأنّ ابن حجر يعلم بعدم جواز التأويل بلا دليل ، وبأن الحديث غير قابلٍ لذلك ، فيضطرّ إلى التمسّك بالإجماع الموهوم على خلافة أئمتهم الثلاثة ... لكن هذا الإجماع المدّعى لا أساس له كما بيّن في محلّه.

٢٤٦

ودعوى أنّ حديث الولاية خبر واحد مردودة بوجوه :

اتّفاق الفريقين على نقله يوجب اليقين بصدوره

الوجه الأوّل : إنّ رواية الجمّ الغفير من أساطين الفريقين مع نصّ جمع منهم على الصحّة ، وإيراد جمعٍ آخر بالقطع والجزم ، يورث اليقين بثبوت الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

لقد روى هذا الحديث العشرات من أئمة أهل السنة في مختلف العلوم عبر القرون ، وإنّ جماعةً من مشاهيرهم ينصّون عى صحّته ووثاقة رواته :

وإنّ من أشهر المصرّحين بصحّة هذا الحديث هو : ابن أبي شيبه ، وأبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، والحاكم النيسابوري ، والحافظ الهيثمي صاحب مجمع الزوائد ، وجماعة آخرون.

كما أنّ للحديث أسانيد صحيحة في خارج الصحاح والمسانيد أيضاً ، وقد أوقفناك على عدّةٍ من تلك الأسانيد ؛ والحمد لله.

هذا ، مضافاً إلى وجود ( حديث الولاية ) ضمن حديث المناقب العشر ، الوارد في كتب القوم بأسانيد متكثّرة معتبرة ، كما عرفت ذلك فيما تقدّم.

الصحابة الرواة لحديث الولاية

الوجه الثاني : إنّ هذا الحديث وارد عن أربعة عشر شخصاً من الصحابة :

١ ـ أفضلهم على الإطلاق أمير المؤمنين عليه‌السلام.

فقد روى الديلمي ـ كما في ( كنز العمّال ) و ( مفتاح النجا ) عنه ـ أنّه قال

٢٤٧

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا بريدة إنّ عليّاً وليّكم بعدي ، فأحبّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر ».

وأيضاً : فإنّه عليه‌السلام ناشد به جماعةً من الأنصار والمهاجرين ،كما سجيء عن ( ينابيع المودة ) إنْ شاء الله تعالى.

وأيضاً : رواه عليه‌السلام في قصّة نزول قوله تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) ... روى ذلك : ابن مردويه ، والمتّقي ، ومحمّد محبوب عالم.

وأيضاً : رواه الإمام عليه‌السلام عن رسول الله ضمن حديث سؤاله من الله خمسة أشياء. أخرجه : الخطيب البغدادي ، والرافعي ، والزرندي ، والسّيوطي ، والمتّقي ، وغيرهم من المحدّثين في كتبهم.

٢ ـ الإمام الحسن عليه‌السلام.

رواه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في رواية الشيخ القندوزي في ( ينابيع المودّة ) كما سيجيء ، ولفظه : « أمّا أنت يا علي فمنّي وأنا منك ، وأنت وليّ كلّ مؤمنٍ ومؤمنة بعدي ».

٣ ـ أبو ذر الغفاري.

روى حديث الولاية بلفظ : « علي منّي وأنا من علي ، وعلي وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ، حبّه إيمان وبغضه نفاق ، والنظر اليه رأفة ». أخرجه الديلمي في ( مسند الفردوس ) ، وعنه الوصّابي في ( الاكتفاء ).

٤ ـ عبدالله بن عباس.

وروايته أخرجها : أبو داود الطيالسي ، وأحمد ، وأبو يعلى ، والحاكم ، والبيهقي ، وابن عبدالبرّ ، والخطيب الخوارزمي ، وابن عساكر ، والمحبّ

٢٤٨

الطبري ، وابن حجر العسقلاني ... وغيرهم.

٥ ـ أبو سعيد الخدري.

فقد رواه عنه : النطنزي في ( الخصائص العلويّة ) وفيه : « الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النّعمة ورضا الربّ برسالتي والولاية لعلي من بعدي ». وقد ذكره أبو نعيم الأصفهاني في كتاب ( ما نزل من القرآن في علي ) ، وجمال الدين المحدّث الشيرازي في ( الأربعين ).

٦ ـ البراء بن عازب الأنصاري الأوسي.

أخرج حديثه : أبو المظفر السمعاني ضمن حديث الغدير ، ولفظه : « هذا وليّكم من بعدي ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ».

٧ ـ جابر بن عبدالله الأنصاري.

رواه عنه البيهقي صاحب كتاب ( المحاسن والمساوئ ).

٨ ـ أبو ليلى الأنصاري.

وحديثه في ( المناقب للخوارزمي ) ولفظه : « أنت إمام كلّ مؤمنٍ ومؤمنة ووليّ كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ بعدي ».

٩ ـ عمران بن الحصين.

وروايته عند : أبي داود الطيالسي ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي ، والنسائي ، والحسن بن سفيان ، وأبي يعلى ، ابن جرير ، وخيثمة بن سليمان ، وأبي حاتم ابن حبان ، والطبراني ، والحاكم ، وأبي نعيم ، وابن المغازلي ، والديلمي ، وابن الأثير ... وجماعة آخرين ...

١٠ ـ بريدة بن الحصيب الأسلمي.

٢٤٩

وأخرج روايته : ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والنسائي ، ومسعود السجستاني ، والديلمي ، وابن سبع الأندلسي ، والضياء ، والمحبّ الطبري ، وابن حجر العسقلاني ، والقسطلاني ، والسّيوطي ، والمتّقي ... وغيرهم.

١١ ـ عبدالله بن عمر.

ففي ( مودّة القربى ) عنه عن رسول الله : « يا أيّها الناس هذا وليّكم بعدي في الدنيا والآخرة فاحفظوه. يعني علياً ».

١٢ ـ عمرو بن العاص.

ففي ( المناقب للخوارزمي ) في كتابٍ له إلى معاوية « وقد قال فيه : علي وليّكم بعدي وذلك عليَّ وعليك وعلى جميع المسلمين ».

١٣ ـ وهب بن حمزة.

قال ابن كثير : « قال خيثمة بن سليمان : حدّثنا أحمد بن حازم ، أخبرنا عبيدالله بن موسى عن يوسف بن صهيب ، عن ركين ، عن وهب بن حمزة قال : سافرت مع علي بن أبي طالب من المدينة إلى مكّة ، فرأيت نمه جفوة ، فقلت : لئت رجعت فلقيت رسول الله لأنالنَّ منه. قال : فرجعت فلقيت رسول الله ، فذكرت عليّاً فنلت منه. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لا تقولنَّ هذا لعلي ، فإنّ عليّاً وليّكم بعدي ».

١٤ ـ حبشي بن جنادة.

رواه عنه الترمذي والنسائي وابن ماجة بلفظ : « علي وليّ كلّ مؤمن بعدي ».

هذا ، وإنّ ابن حجر يدّعي في ( الصّواعق ) تواتر الحديث الموضوع « مروا

٢٥٠

أبا بكر فليصلّ بالناس » بزعم وروده عن ثمانيةٍ من الصحابة ... فكيف يكون حديث موضوع متواتراً بزعم وروده عن ثمانية ـ إثنان منهم عائشة وحفصة ـ ويكون حديث صحيح مروي بطرقٍ عن أربعة عشر صحابيّاً احاداً؟

حديث الولاية متواتر

الوجه الثالث : إنّ ابن حزم يدّعي في حديثٍ رواه عن أربعة من الصّحابة أنّه متواتر ... وهو حديث رواه عنهم في مسألة بيع الماء. فيكون ما رواه أربعة عشر صحابياً متواتراً بالأولويّة القطعيّة.

الوجه الرابع : إنّ ( الدهلوي ) يزعم في كتابه ( التحفة ) أنّ ما نسب إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّه قال : « لا نورّث ما تركناه صدقة » لم ينفرد به أبو بكر ، بل رواه أهل السنّة عن جماعةٍ ذكر أسمائهم ثمّ قال :

« إنّ هذا الحديث بمثابة الآية القرآنية في قطعيّة الصّدور ، لأنّ نقل الواحد من هذه الجماعة يفيد اليقين فكيف وهم متّفقون على نقله » (١).

فهذا الكلام يقتضي الحكم بقطعيّة صدور حديث الولاية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكونه نظير القرآن الكريم في ذلك.

وأمّا قول ابن حجر : « على أنّ الظنّي لا عبرة به فيها عند الشّيعة كما مرّ » فمندفع بأنّ الحديث قطعي وليس ظنّياً ، وعلى فرض ذلك ، فإنّ الإمامة لدى جمهور أهل السنّة من الفروع يكفي فيها خبر الواحد.

__________________

(١) التحفة الاثنا عشرية : ٢٧٥.

٢٥١

تقليد الكابلي ابن حجر الهيتمي

وبما ذكرنا في ردّ أباطيل الهيتمي يظهر الجواب عمّا ذكره نصر الله الكابلي تبعاً له حيث قال في كتابه ( الصواقع ) :

« الثالث : ما رواه بريدة عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّه قال : إنّ عليّاً منّي وأنا من علي وهو وليّ كلّ مؤمنٍ من بعدي. الولي الأولى بالتصرف ، فيكون هو الإمام.

وهو باطل.

لأنّ في إسناده الأجلح وهو شيعي متّهم في روايته ، فلا يصلح خبره للإحتجاج.

ولأنّ الجمهور ضعّفوه فلا يحتج بحديثه.

ولأنّه يحتمل أنّه رواه بالمعنى بحسب عقيدته.

ولأنّ الولي من الألفاظ المشتركة كما سلف.

ولأنّه من أخبار الآحاد ، وهي لا تفيد إلاّ الظن.

ولأنّه لا يقاوم ما تقدّم من النصُوص الدالّة على إمامة من تقدَّم عليه ».

أقول :

قد عرفت : أنّ الأجلح ليس شيعيّاً ، وأنّ الجمهور لم يضعّفوه ، فيسقط

٢٥٢

قوله : « فلا يصلح خبره للإحتجاج » وقوله : « فلا يحتج بحديثه ».

هذا ، مع ثبوت أنه ليس إلاّفي بعض أسانيد الحديث كما عرفت ، فلا تأثير لتضعيف الأجلح في حال الحديث.

وعرفت أيضاً : فسَاد احتمال نقله بالمعنى حسب عقيدته ...

ولعلّه لوضوح فساده أعرض ( الدهلوي ) عن إبدائه.

وعرفت أيضاً : بطلان دعوى كونه من الأخبار الآحاد ...

وأمّا أنّ « الولي من الألفاظ المشتركة » فسيأتي الجواب عنه بالتفصيل.

وأمّا قوله : « لا يقاوم ما تقدّمه من النصُوص ... » فهو ممّا تضحك منه الثّكلى ، فإنّ أكابر القوم يسلّمون بعدم وجود نصّ على خلافة المتقدّمين على أمير المؤمنين عليه‌السلام.

على أنّ جميع ما أورده في الباب من الكتاب والسنّة منتحل عنه في ( التحفة ) وما هو إلاّبعض آياتٍ يدّعون تأويلها بأقوال بعض مفسّريهم ، وأحاديث موضوعة يعترف بوضعها أكابر محدّثيهم ، كحديث : « اقتدوا باللّذين من بعدي ... » الذي هو من عمدتها ، ومخرّج من كتب الحديث أشهرها ...

على أنّ الإحتجاج بما انفردوا بروايته ، ومعارضة حديث الولاية ونحوه من الأحاديث المتّفق عليها به ، مخالفة لقواعد المناظرة وآداب البحث.

وعلى الجملة ، فإنّ جميع مستندات الكابلي في الجواب عن حديث الولاية كلّها مردودة :

فالمناقشة في سنده من أجل الأجلح ، مردودة بوجهين :

أحدهما : عدم الدليل على ضعف الأجلح ، بل هو ثقة.

٢٥٣

والثاني : عدم وجود الأجلح في جميع طرق الحديث.

واحتمال أنّه رواه بالمعنى ، مردود بعدم الدليل.

والمناقشة في الدلالة من جهة اشتراك لفظ « الولي » مردودة ، وكذا دعوى كونه من أخبار الآحاد.

ودعوى المعارضة بما رووه في إمامة غيره ـ بل تقدّم تلك على حديث الولاية ـ فبطلانها أوضح من سائر الدعاوى والمناقشات.

٢٥٤

تحريف السهارنفوري تبعاً لصاحب المشكاة

وقد اقتفى حسام الدين السهارنفوري إثر صاحب المشكاة في تحريف الحديث ، بإسقاط لفظ « بعدي » ، وفي غزوه هذا اللفظ المحرّف إلى الترمذي.

قال في كتاب ( مرافض الروافض ) :

« عن عمران بن حصين : إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم :

إنّ عليّاً مني وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمن.

رواه الترمذي ».

ثمّ إنّ السهارنفوري لدى ترجمة هذا الحديث إلى الفارسيّة ، ترجم لفظة « الولي » فيه بلفظ « الناصر » و« المحبوب ».

وبذلك يظهر أن لهذا الرجل في الحديث تحريفين :

الأوّل : تحريف اللفظ ، بإسقاط لفظة « بعدي ».

والثاني : تحريف المعنى ، بحمل لفظة « الولي » فيه على معنى « الناصر » و« المحبوب ».

ثمّ إنّه ارتكب الكذب بنسبته اللفظ المحرَّف إلى الترمذي.

٢٥٥

حكم البدخشي بوضع لفظة « بعدي »!

ومحمّد بن رستم معتمد خان البدخشي ... لم يكتف بالحذف والإسقاط ، بل نصَّ على أنّ كلمة « بعدي » في هذا الحديث من الموضوعات!! فقد قال في رسالته المسمّاة ( ردّ البدعة ) في ذكر الأحاديث التي يتمسّك بها الإمامية :

« الثالث : حديث عمران بن حصين : إنّ رسول الله عليه‌السلام ، قال : إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ.

والجواب : لفظ « الولي » هنا بمعنى « المحبّ ». ولفظ « بعدي » في آخر الحديث من الموضوعات. وإنْ صحّ فمن أين الحكم بأنّ المراد من « بعدي » أي : الوفاة ».

أقول :

وهذا من غرائب الامور وطرائف الدهور!

ويكفي في ردّه والكشف عن واقع حاله وحقيقة أمره ، أن تنظر نظرةً واحدةً في مؤلَّفاته هو : ( نزل الأبرار ) و ( مفتاح النجا ) و ( تحفة المحبين ) ، لترى نصوص الحديث المشتملة على لفظ « بعدي » منقولةً فيها عن أهمّ كتب القوم ... وقد أوردنا طرفاً من تلك النصوص عن تلك الكتب ، حيث ذكرنا روايته في قسم السند ...

٢٥٦

ومن ذلك : قوله في الفصل الثاني من الباب الرابع من الأصل الثالث المعقود للأحاديث الحسان ، قال ما نصّه :

« لا تقع يا بريدة في علي ، فإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليكم بعدي.

أحمد عن بريدة.

وفي سنده الأجلح بن عبدالله أبو حجيّة الكندي ، شيعي ، لكنْ وثّقه يحيى ابن معين وحسّنوا حديثه ».

ولكن يزول العجب عن كلّ ذلك ، إذا ما علمنا أنّ البدخشي ينسب القدح في حديث الغدير إلى أبي داود والمحقّقين ، مع أنّه في ( نزل الأبرار ) يشنّع على القادح في حديث الغدير. وأيضاً يحصر روايته ـ لفرط ديانته! ـ في أحمد والترمذي ، مع أنّ بطلان هذا الحصر ظاهر من كلماته هو في ( مفتاح النجا ) و ( نزل الأبرار ) فهو متناقض في غير مورد.

٢٥٧

تحريفات وليّ الله الدّهلوي

والأعجب الأغرب من الكلّ : صنيع وليّ الله الدّهلوي!! فإنّه وضع لفظة « أنا » بدل « إنّه » وحذف لفظة « بعدي ».

وهذا ما صنعه في ( إزالة الخفا ) لدى الجواب عن حديث الغدير حيث قال بعد إخراج رواية الحاكم عن بريدة الأسلمي :

« أخرج الحاكم والترمذي نحوه عن عمران بن حصين قال : بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريةً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ـ رضي‌الله‌عنه ـ فمضي علي في السرية ، فأصاب جارية ، فأنكروا ذلك عليه ، فتعاقد عليه أربعة من أصحاب رسول الله إذا لقينا النبيّ أخبرناه بما صنع علي.

قال عمران : وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدأوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فنظروا إليه وسلّموا عليه ، ثمّ يتطرّقون إلى رحالهم.

فلما قدمت السريّة سلّموا على رسول الله ، فقام أحد الأربعة فقال يا رسول الله : ألم تر أنّ عليّاً صنع كذا ، فأعرض عنه ، ثمّ قام الثاني فقال مثل ذلك فأعرض عنه ، ثمّ قام الثالث فقال مثل ذلك فأعرض عنه ، ثمّ قام الرابع فقال : يا رسول الله ، ألم تر أنّ عليّاً صنع كذا وكذا. فأقبل عليه رسول الله والغضب في وجهه فقال :

ما تريدون من علي؟ إن عليّاً منّي وأنا منه وأنا وليّ كلّ مؤمن ».

٢٥٨

مع أنّه روى في نفس هذا الكتاب حديث ابن عبّاس ، المشتمل على عشرة مناقب خاصة للإمام عليه‌السلام منها حديث الولاية.

وروى في كتابه ( قرّة العينين ) حديث الولاية عن الترمذي والحاكم على ما هو عليه ، بلا تحريف وتصرّف!

لكن الأفظع حكمه في ( قرّة العينين ) ببطلان حديث الولاية ، حيث قال بجواب حديث الغدير : « وأمّا : وهو الخليفة بعدي. وهو وليّكم بعدي. وأمثالهما ، فزيادة منكرة موضوعة من تصرّفات الشّيعة »!!

٢٥٩

خلاصة الفصل

أنّ بعضهم تجرّأ فحكم ببطلان الحديث من أصله ، لكنّه قولٌ شاذ احترز عن التفوّه به المتعصّبون منهم ، لكونه في الحقيقة طعنٌ في صحاحهم وتكذيب لكبار أئمتهم ... ولكنْ لا يريدون الاعتراف بصحّته!

فاضطرّ قوم إلى القول بضعفه بدعوى وجود الأجلح في سنده ... لكنّ الأجلح ليس بضعفٍ ولا هو منفرد به ، فللحديث طرق رجاله موثّقون منصوص على صحّته ، كالذي في ( الإستيعاب ) للحاظ ابن عبدالبر ...

فوقعوا في حيص بيص ... وجعلوا يتلاعبون بلفظه ... بحذف كلمةٍ أو كلمتين أو أكثر ، وتبديل كلمةٍ باخرى ... وكأنّهم غافلون عن أنّ الكتب الأصليّة المعتبرة من الصحاح والمسانيد ، الناقلة للحديث بالأسانيد الصحيحة والألفاظ الكاملة ... موجودة بين أيدي النّاس ، ومراجعة واحدة إلى واحدٍ منها تكفي لكشف التخديع ورفع الإلتباس ...

فما كان نتيجة ما جاء به ابن تيميّة وابن حجر ومن تبعهما ، وما ارتكبته يد التحريف من البغوي والخطيب التبريزي ومن شاكلهما ... إلاّ الإعلان عمّا تكنّه صدورهم وتخفيه سرائرهم ، من الحقد والشنآن بالنّسبة إلى أمير المؤمنين وأهل بيته عليهم‌السلام ... وعلى هذا ، فاللاّزم على رجال التحقيق المنصفين الأخذ بعين الاعتبار بكلّ حديثٍ يرويه هكذا اناس في فضل أئمّة العترة الطّاهرة ، لأنّه

٢٦٠