نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٦

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٦

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٤

وقال في ( الرياض النضرة ) :

« ذكر اختصاصه بعشر :

عن عمرو بن ميمون قال :

إني لجالس عند ابن عباس ... » فرواه بطوله ، فقال :

« أخرجه بتمامه أحمد والحافظ أبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال ، وأخرج النسائي بعضه » (١).

(١٩)

رواية المزّي

وقال الحافظ الجمال المزي بترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« وقال أبو عمر بن عبدالبر ...

وقال أيضاً : روي عن : سلمان وأبي ذر ، و ... ».

فأورد كلام ابن عبدالبر المتقدّم حتى قوله بعد نقل الحديث عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس :

« هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد ، لصحّته وثقة نقلته » (٢).

(٢٠)

رواية الذهبي

وروى الحافظ الذهبي هذا الحديث في ( تلخيص المستدرك ) تبعاً

__________________

(١) الرياض النضرة في مناقب العشرة ٣ / ١٧٤ ـ ١٧٥.

(٢) تهذيب الكمال في أسماء الرجال ٢٠ / ٤٨١.

٢٢١

للحاكم ، ونصَّ على صحّته (١).

(٢١)

رواية ابن كثير

وقال الحافظ ابن كثير الدمشقي :

« قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، ثنا أبو عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال : أوّل من صلّى ـ وفي رواية : أسلم ـ مع رسول الله بعد خديجة : علي بن أبي طالب.

ورواه الترمذي من حديث شعبة عن أبي بلج به » (٢).

وقال ابن كثير :

« رواية ابن عباس : وقال أبو يعلى : حدثنا يحيى بن عبدالحميد ، ثنا أبو عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس ...

ورواه الإمام أحمد ، عن يحيى بن حماد ، عن أبي عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس ، فذكره بتمامه. فقال الإمام أحمد عن يحيى بن حماد ...

وقد روى الترمذي بعضه من طريق شعبة ، عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم ، واستغربه.

__________________

(١) تلخيص المستدرك ٣ / ٣٠٤.

(٢) البداية والنهاية ٧ / ٣٣٥.

٢٢٢

وأخرج النسائي بعضه عن محمّد بن المثنى ، عن يحيى بن حماد ، به » (١).

أقول :

قد عرفت اعتبار هذه الأسانيد فلا نعيد.

(٢٢)

روية أبي بكر الهيثمي

ورواه الحافظ نور الدين أبو بكر الهيثمي بطوله ، في ( مجمع الزوائد ) تحت عنوان :

« باب جامع في مناقبه ».

ثم قال :

« رواه أحمد ، والطبراني في الكبير والأوسط باختصار ، ورجال أحمد رجال الصحيح ، غير أبي بلج الفزاري وهو ثقة ، وفيه لين » (٢).

(٢٣)

رواية ابن حجر العسقلاني

ورواه الحافظ ابن حجر بترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث قال :

« وأخرج أحمد والنسائي ، من طريق عمرو بن ميمون :

__________________

(١) البداية والنهاية ٧ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١١٩ ـ ١٢٠.

٢٢٣

إني لجالس عند ابن عبّاس ، إذ أتاه سبعة رهط ، فذكر قصةً فيها :

قد جاء ينفض ثوبه فقال : وقعوا في رجلٍ له عز ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : لأبعثنّ رجلاً لا يخزيه الله يحبّ الله ورسوله ، فجاء وهو أرمد ... » (١).

أقول :

لاحظ كيف وقع التصرف في لفظ الحديث :

أسقط من اللفظ كلام ابن عباس متضجّراً : « اف وتف » ففي رواية أحمد وغيره : « جاء ينفض ثوبه ويقول : اف وتف ، وقعوا في رجلٍ ».

وحرّف لفظ « عشر » كما في رواية النسائي وغيره ، إلى « عز ».

ثم نقص من الحديث بعض الفضائل ، من غير إشارة إلى ذلك ، فقارن بين ( الإصابة ) وبين ( مسند أحمد ) وكتاب ( الخصائص ) للنسائي ... وكان ممّا نقص من الحديث قول ابن عباس : بأنّ علياً عليه‌السلام أول الناس إسلاماً بعد خديجة ، وقد رواه الحافظ ابن حجر بترجمة الإمام من ( تهذيب التهذيب ) وتكلَّم على معناه ، فقال :

« وروى أبو عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس قال : كان علي أوّل من آمن بالله من الناس بعد خديجة. قال ابن عبدالبر : هذا إسناد لا مطعن فيه لأحدٍ ، لصحّته وثقة نقلته ، وهو يعارض ما ذكرنا عن ابن عباس في باب أبي بكر ... » (٢).

__________________

(١) الاصابة في تمييز الصحابة ٢ / ٥٠٩. الطبعة القديمة ، بهامشها الاستيعاب ، ٤ / ٤٦٦. الطبعة الحديثة المحققة.

(٢) تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٥.

٢٢٤

تكميل

قد تبيّن ممّا أوردناه في هذا الفصل ، أنّ جماعةً من أئمة الحديث ونقدته ينصّون على صحّة حديث عمرو بن ميمون عن ابن عباس وثقة نقلته ، فرأينا من المناسب ذكرهم في نهاية الفصل :

١ ـ الحافظ أبو عبدالله الحاكم النيسابوري.

٢ ـ الحافظ ابن عبدالبر القرطبي.

٣ ـ الحافظ جمال الدين المزّي.

٤ ـ الحافظ شمس الدين الذهبي.

٥ ـ الحافظ أبو بكر الهيثمي.

٦ ـ الحافظ ابن حجر العسقلاني.

٢٢٥

تنبيه

إنّ الحديث المشتمل على المناقب العشر لعلي عليه‌السلام إنما رواه عمرو بن ميمون عن ابن عباس في قضيّة خاصّةٍ وواقعةٍ معيّنة ، وهي تكلّم بعض الناس في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فروى لهم ابن عباس هذه الفضائل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدالّة على أفضليّة علي عليه‌السلام عند الله ورسوله ، حتى ينتهوا عمّا يقولون.

والعلماء الأعلام الذين ذكرناهم في هذا الفصل ، يروون هذا الحديث بأسانيدهم المتّصلة إلى عمرو بن ميمون عن ابن عباس عن رسول الله.

فلماذا الإختلاف الموجود في لفظه في كتب القوم؟

الحقيقة : إن من الإختلاف الموجود ، ما يرجع إلى اختلاف النّسخة ، كلفظ « تسعة رهط » في بعض الروايات ، و« سبعة رهط » في البعض الآخر ، ونحو ذلك من الألفاظ ، وهذا الإختلاف غير مهم ، لأنّه لا يضر بأصل المطلب.

ومن الإختلاف غير المؤثّر على أصل المطلب ، هو التقديم والتأخير في الفضائل العشر ، مع اشتمال اللفظ عليها جميعاً.

ومنه ما يرجع إلى متن الحديث ، فبعضهم لم يرو منه قسماً ، ومنهم من لم يرو منه إلاّفضيلةً واحدةً ، ولكنّ هذا الإختلاف قد يعود إلى الإختصار أو نقل قدر الحاجة من الحديث.

٢٢٦

إلاّ أن من المقطوع به تعمّد البعض للتّحريف ، إمّا محاولةً للتقليل من شأن هذا الحديث وعظمة دلالته ، كإسقاط ما يدلّ منه على اختصاص المناقب بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، مع أنّ مثل الحافظ المحبّ الطبري يجعل العنوان : « ذكر اختصاصه بعشر ».

وإمّا محاولةً للتستّر على حال بعض لأسلاف ، كإسقاط القصّة التي ورد فيها الحديث ، لأنّها تفيد أنّ رجال صدر الإسلام كان فيهم من يقع في علي عليه‌السلام ، وأن ابنعباس وأمثاله كانوا يتضجّرون من ذلك ، ويدافعون عن الإمام عليه‌السلام ... بل لو دقّقت النظر في لنظر الحديث في بعض الكتب لرأيت التحريف المخلّ بالمعنى ، المقصود منه التغطية على بعض الحقائق ، ففي كتاب ( السنّة ) لابن أبي عاصم : « وبعث أبا بكر بسورة التوبة ، فبعث علياً خلفه فأخذها منه فقال أبو بكر لعلي : الله ورسوله. قال : لا ولكنْ لا يذهب بها إلاّرجل هو مني وأنا منه » والصحيح في اللفظ : « وبعث أبا بكر بسورة التوبة ... فقال أبو بكر : يا علي ، لعلّ الله ورسوله سخطا عليَّ. فقال علي : لا ولكنْ قال نبي الله : لا ينبغي أن يبلّغ عني إلاّرجل مني وأنا منه ».

ولاحظ أيضاً كلامنا على رواية ابن حجر في ( الإصابة ).

وعلى الجملة ، فإنّ من التصرّفات ما يمكن أن يحمل على محامل صحيحة ، ومنه مالا يمكن ، فليتنبّه إلى ذلك.

٢٢٧
٢٢٨

تحريف حديث الولاية أو تكذيبه

٢٢٩
٢٣٠

قد عرفت أنّ ( حديث الولاية ) صحيح سنداً ، فرواته من أئمة القوم في مختلف القرون كثيرون جدّاً.

وجماعة منهم ينصّون على صحّته وثقة رواته.

وله أسانيد معتبرة في غير واحد من كتبهم المشتهرة.

مضافاً اللى أن ( حديث الولاية ) من جملة ( المناقب العشر ) التي ذكر الصحابي الجليل ( عبدالله بن العباس ) كونها من خصائص ( أمير المؤمنين عليه‌السلام ) في حديث صحيح أوردنا عدّةً من طرقه.

والمناقشة في سند ( حديث الولاية ) لكون راويه « الأجلح » شيعيّاً ، فلا يجوز الإحتجاج بروايته ، قد ظهر إندفاعها بما لا مزيد عليه ، مع عدم وجوده في كثير من طرقه ... أما حديث ( المناقب العشر ) فلم يقع في شيء من طرقه أصلاً.

إذن ، لا مناص لهم من الإذعان بصحّة ( حديث الولاية ) وشهرته بينهم.

إلاّ أنّ غير واحد منهم ـ وعلى رأسهم البخاري ـ عمدوا إلى تحريف متنه والتلاعب بلفظه ، كيلا يتمّ الاحتجاج به والإستناد إليه ، كما التجأ ابن تيميّة إلى تكذيبه من أصله على عادته.

وفيما يلي بيان التصرّفات الواقعة في متن الحديث ، وكلام ابن تيميّة في تكذيبه.

٢٣١
٢٣٢

تحريف البخاري

قال البخاري في ( صحيحه ) : « باب بعث عليّ بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجّة الوداع : حدثني أحمد بن عثمان : حدّثنا شريح بن مسلمة : حدّثنا إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق ، حدّثني أبي ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء رضي‌الله‌عنه قال :

بعثنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ مع خالد بن الوليد إلى اليمن قال : ثمّ بعث عليّاً بعد ذلك مكانه فقال : مرّ أصحاب خالد من شاء منهم أنْ يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل ، فكنت فيمن عقب معه قال : فغنمت أواقٍ ذوات عددٍ.

حدثني محمّد بن بشار حدّثنا روح بن عبادة ، حدثنا علي بن سويد بن منجوف ، عن عبدالله بن بريدة عن أبيه رضي‌الله‌عنه : قال :

بعث النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عليّاً إلى خالد ليقبض الخمس ، وكنت أبغض عليّاً ، وقد اغتسل ، فقلت لخالدٍ : ألا ترى إلى هذا!

فلمّا قدمنا على النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ذكرت ذلك له ، فقال :

يا بريدة أتبغض عليّاً؟

فقلت : نعم.

قال : لا تبغضه ، فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك » (١).

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

٢٣٣

أقول :

لا يخفى على الخبير أنّ إسقاط قول النبي صلّى الله عليه وسلّم : « إنّه وليّكم بعدي » ليس إلاّمن البخاري نفسه ، لأنّ غير واحد من الأئمة يروون هذا الحديث بأسانيدهم عن علي بن سويد بن منجوف عن عبدالله بن بريدة عن أبيه ، وفيه ( حديث الولاية ).

فهذا التحريف من البخاري وليس من غيره ، وإلى ذلك أشار الحاكم النيسابوري ، وبه صرّح بعض كبار المحدّثين :

تنبيه ابن دحية على تحريف البخاري

قال ذو النّسبين ابن دحية الأندلسي : « ترجم البخاري في صحيحه في وسط المغازي ما هذا نصّه : بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع : حدّثني أحمد بن عثمان قال : ثنا شريح بن مسلمة قال : ثنا إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق قال : حدّثني أبي ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء قال : بعثنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ مع خالد بن الوليد إلى اليمن ، ثمّ بعث عليّاً بعد ذلك مكانه ـ فقال : مر أصحاب خالد من شاء منهم أنْ يعقّب معك فليعقّب ومن شاء فليقبل ، فكنت فيمن عقّب معه قال : فغنمت أواقي ذوات عدد.

حدّثني محمّد بن بشّار قال : ثنا روح بن عبادة قال : ثنا علي بن سويد بن منجوف ، عن عبدالله بن بريدة ، عن أبيه قال : بعث النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ

٢٣٤

علياً إلى خالدٍ ليقبض الخمس ، وكنت أبغض علياً ، وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا! فلمّا قدمنا إلى النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ذكرت له ذلك ، فقال : يا بريدة أتبغض علياً؟ فقلت : نعم ، لا تبغضه فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك.

قال ذو النسبين ـ رحمة الله ـ : أورده البخاري ناقصاً مبتّراً كما ترى ، وهي عادته في إيراد الأحاديث التي من هذا القبيل ، وما ذاك إلاّلسوء رأيه في التنكّب عن هذا السبيل!

وأورده الإمام أحمد بن حنبل كاملاً محقّقاً ، وإلى طريق الصحة فيه موفّقاً فقال فيما حدّثني القاضي العدل ، بقيّة مشايخ العراق ، تاج الدين أبو الفتح محمّد ابن أحمد المندائي ـ قراءةً عليه بواسط العراق ـ بحقّ سماعه على الثقة الرئيس أبي القاسم ابن الحصين ، بحقّ سماعه على الثقة الواعظ أبي الحسن ابن المذهب ، بحقّ سماعه على الثقة أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، بحقّ سماعه من الإمام أبي عبدالرحمن عبدالله ، بحقّ سماعه على أبيه إمام أهل السنّة أبي عبدالله أحمد بن محمّد بن حنبل ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا عبدالجليل قال : إنتهيت إلى حلقةٍ فيها أبو مجلز وابن بريدة فقال : حدّثني أبي قال :

أبغضت عليّاً بغضاً لم أبغضه أحداً قط. قال : وأحببت رجلاً لم أحبّه إلاّ على بغضه عليّاً. قال : فبعث ذلك الرجل على خيلٍ فصحبته ـ ما أصحبه إلاّ على بغضه عليّاً ـ قال : فأصبنا سبياً قال : فكتب إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إبعث علينا من يخمّسه قال : فبعث إلينا عليّاً ـ وفي السّبي وصيفة هي أفضل من في السبي ـ فخمّس وقسّم ، فخرج ورأسه يقطر. فقلنا : يا أبا الحسن ما هذا؟

٢٣٥

قال : ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السّبي؟ فإنّي قسّمت وخمّست ، فصارت في الخمس ، ثم صارت في أهل بيت النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ثم صارت في آل علي ، ووقعت بها.

قال : فكتب الرجل إلى نبي الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ. قلت : إبعثني مصدّقاً. قال : فجعلت أقرأ الكتاب وأقول : صدق صدق. فأمسك يدي والكتاب ، قال : أتبغض عليّاً؟ قال : قلت : نعم. قال : فلا تبغضه وإنْ كنت تحبّه فازدد له حبّاً ، فوالذي نفس محمّد بيده نصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة.

قال : فما كان من الناس أحد بعد قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أحبّ إليَّ من علي.

قال عبدالله : فوالذي لا إله غيره ، ما بيني وبين النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في الحديث غير أبي بريدة » (١).

أقول :

فانظر إلى تورّع البخاري وتديّنه في نقل أحاديث مناقب أمير المؤمنين! كيف أسقط من هذا الحديث الشطر الدالّ منه على أفضليته؟ وليس تحريفه مقصوراً على هذا الحديث ، فقد نصّ ذو النّسبين على أنّ ذلك « عادته »! ونصّ

__________________

(١) شرح أسماء النبي. قال في كشف الظنون ٢ / ١٦٧٠ : « المستوفى في أسماء المصطفى ، لأبي الخطّاب ابن دحية عمر بن علي البستي اللغوي ، المتوفى سنة ٦٣٣ ، لخّصه القاضي ناصر الدين ابن المبلق المتوفى سنة ... في كراسة ، ذكره السخاوي في القول البديع » ومن الكتاب نسخة في مكتبة السيد صاحب العبقات رحمه‌الله.

٢٣٦

أيضاً على أنّ الباعث له على ذلك هو « سوء رأيه في التنكّب عن هذا السّبيل » وناهيك بهذا القول شاهداً على انحراف البخاري عن أمير المؤمنين ودليلاً على سوء رأيه وقبح عقيدته ... وأيّ خزيٍ أعظم من أنْ يبتّر الإنسان أحاديث الرسول عليه وآله الصلاة والسلام بمحض هواه وسوء رأيه؟!

ومن موارد تلك العادة الخبيثة ما ذكره ذو النسبين أيضاً بعد حديثٍ رواه عن مسلم ثم عن البخاري فقال : « بدأنا بما أورده مسلم لأنه أورده بكماله ، وقطّعه البخاري وأسقط منه على عادته كما ترى ، وهو ممّا عيب عليه في تصنيفه على ما جرى ، ولا سيّما إسقاطه لذكر علي رضي‌الله‌عنه ».

ترجمة ابن دحية الأندلسي

وهذه نتف من ترجمة ابن دحية ذي النسبين ، ننقلها عن بعض الكتب المعتبرة لتعرف :

١ ـ ابن خلكان : « أبو الخطّاب عمر بن الحسن بن علي بن محمّد [ بن ] الجمّيل ابن فرح بن خلف بن قومس بن مزلال بن ملاّل بن بدر بن دحية بن خليفة بن فروة الكلبي ، المعروف بذي النسبين ، الأندلسي البلنسي ، الحافظ ... كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء ، متقناً لعلم الحديث النبوي وما يتعلّق به ، عارفاً بالنحو واللّغة وأيام العرب وأشعارها ... » (١).

٢ ـ السيوطي : « الحافظ أبو الخطّاب. كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء ، متقناً لعلم الحديث وما يتعلّق به ، عارفاً بالنحو واللغة وأيام العرب

__________________

(١) وفيات الأعيان ٣ / ٤٤٨.

٢٣٧

وأشعارها. سمع الحديث ورحل ، وله بنى الكامل دار الحديث الكاملية بالقاهرة ، وجعله شيخها. حدّث عنه ابن الصّلاح وغيره. ومات ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأوّل سنة ٦٣٣ » (١).

وقال : « ابن دحية ، الإمام العلاّمة الحافظ الكبير ، أبو الخطّاب ... » (٢).

٣ ـ المقري : « الحافظ أبو الخطّاب ابن دحية .. كان من كبار المحدّثين ، ومن الحفّاظ الثقات الأثبات المحصّلين ... » (٣).

٤ ـ الزرقاني : « الإمام الحافظ المتقن ... البصير بالحديث ، المعتني به ، دو الحظ الوافي في اللّغة والمشاركة في العربية ، صاحب التصانيف ... » (٤).

٥ ـ الذهبي : « ابن دحية ، الشيخ العلاّمة المحدّث الرحّال المتفنّن ، كان بصيراً بالحديث ، معتنياً بتقييده ، مكبّاص على سماعه ، سحن الخط ، معروفاً بالضبط ، له حظ وافر من اللغة ومشاركة في العربية وغيرها ... » ثم ذكر عن بعضهم التكلّم فيه بسبب أنه « كثير الوقيعة في السلف » ونحو ذلك (٥).

وله ترجمة في :

شذرات الذهب ٥ / ١٦٠

والنجوم الزاهرة ٦ / ٢٩٥

والبداية والنهاية ١٣ / ١٤٤

وغيرها.

__________________

(١) بغية الوعاة ٢ / ٢١٨.

(٢) حسن المحاضرة ١ / ٣٥٥.

(٣) نفح الطيب ٢ / ٣٠٥.

(٤) شرح المواهب اللدنية ١ / ٧٩ ـ ٨٠.

(٥) سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٣٨٩.

٢٣٨

تحريف البغوي

ولمحيي السنّة ـ كما لقّبوه ـ البغوي صاحب كتاب ( مصابيح السنّة ) تحريف آخر ...

فإنّه قد أسقط من الحديث لفظ « بعدي » وهو القرينة الدالة على كون « الولي » فيه بمعنى « المتصرف في الأمر » و« الحاكم » فقال :

« من الحسان : عن عمران بن حصين رضي‌الله‌عنه : إنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال : إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن » (١).

وهل يمكن القول بأنّه لم ير الحديث في ( مسند أحمد ) ولا في ( صحيح الترمذي ) وغيرهما مشتملاً على لفظ « بعدي »؟

أليس قد صرّح في مقدّمة كتابه بدرجه روايات الترمذي فيه ، وقد علمت أن الترمذي أخرج هذا الحديث مع لفظة « بعدي »؟!

فما هو الغرض من هذا التصرّف؟

مع أنّهم في كثير من الموارد يلتزمون بنقل الحديث كما هو ، وحتّى أنّهم ينبّهون على اختلاف النسخ في لفظه ، حتّى في أبسط الأشياء وأقلّ الاختلاف غير المغيّر للمعنى؟!

__________________

(١) مصابيح السنّة ٤ / ١٧٢ رقم ٤٧٦٦.

٢٣٩

تحريف التبريزي ونسبته إلى الترمذي!

لكنّ ولي الدين الخطيب التبريزي زاد في الطنبور تغمةً اخرى.

فنسب الحديث المبتور كذلك ، أي المحذوف منه لفظة « بعدي » إلى الترمذي!

وهذه عبارته :

« عن عمران بن حصين رضي الله عنهما : إنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال : إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن. رواه الترمذي » (١).

فقد كذب هذا المحدّث الجليل مرّتين :

لقد أسقط من الحديث لفظة « بعدي » ، مع وجودها في متن الحديث ، في صحيح الترمذي وغيره ...

ونسب هذا اللّفظ المحرَّف إلى صحيح الترمذي!

ألا يظن هؤلاء أنّ في الناس من يراجع ( صحيح الترمذي ) ويطّلع على تحريفاتهم وتصرّفاتهم فتنكشف سوءاتهم؟

__________________

(١) مشكاة المصابيح ٣ / ١٧٢٠.

٢٤٠