نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٥

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٥

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٨

كافية لوجوب قبول حديث الولاية المخرج في المسند ، ووافية بالردّ على من طعن فيه ...

وقال ابن الجوزي في ( كتاب الموضوعات ) : « فمتى رأيت حديثا خارجا عن دواوين الإسلام : كالموطأ ، ومسند أحمد ، والصحيحين ، وسنن أبي داود ، والترمذي ، ونحوها ، فانظر فيه ، فإن كان له نظير في الصحاح والحسان فرتّب أمره ، وإن ارتبت به فرأيته يباين الأصول فتأمّل رجال إسناده واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمّى بالضعفاء والمتروكين ، فإنّك تعرف وجه القدح فيه » (١).

وفي هذه العبارة عدّ المسند من دواوين الإسلام ، وذكره في عداد الموطأ والصحيحين وغيرها من الكتب غير المحتاج إلى نظر والتأمّل في أسانيد أخبارها ...

اعتماد أبناء روزبهان وتيمية وحجر على ابن الجوزي

فهذا حكم ابن الجوزي في كتابه الموضوعات ... ولكم اعتمد أمثال أبناء تيميّة وروزبهان وحجر على أحكام ابن الجوزي في كتابه المذكور ، خاصّة في باب فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام وأهل البيت ... وكذلك صاحب الصواقع و ( الدهلوي ) وأتباعهما ... ولنذكر نبذة من موارد اعتماد القوم على آراء ابن الجوزي :

قال أبو المؤيد الخوارزمي في أوائل كتابه ( جامع مسانيد أبي حنيفة ) : « والدليل على ما ذكرنا أن التعديل متى ترجّح على الجرح يجعل الجرح كأن لم يكن ، وقد ذكر ذلك إمام أئمة التحقيق ابن الجوزي في كتاب التحقيق في أحاديث التعليق ... ».

__________________

(١) الموضوعات ١ / ٩٩.

١٠١

وقال ابن الوزير الصنعاني ـ في الأمور الدالة على عدم جواز تكفير أحمد بسبب الإعتقاد بالتشبيه ـ : « ومنها ـ إنّه قد ثبت بالتواتر أنّ الحافظ ابن الجوزي من أئمّة الحنابلة وليس في ذلك نزاع ، ولا شك أن تصانيفه في المواعظ وتواليفه في الرقائق مدرس فضلائهم وتحفة علمائهم ، فبها يتواعظون ويخطبون ، وعليها في جميع أحوالهم يعتمدون ، وقد ذكر ابن الجوزي في كتبه هذه ما يقتضي نزاهتهم عن هذه العقيدة ، وأنا أورد من كلامه في ذلك ... » (١).

وقال ابن حجر المكي ـ بعد حديث أنا مدينة العلم ـ : « وقد اضطرب الناس في هذا الحديث ، فجماعة منهم ابن الجوزي والنووي وناهيك بهما معرفة بالحديث وطرقه ... » (٢).

وقال ( الدهلوي ) في جواب حديث أنا مدينة العلم : « ... وذكره ابن الجوزي في الموضوعات ».

وقال ابن روزبهان ـ في بحث حديث النور ـ : « ذكر ابن الجوزي هذا الحديث بمعناه في كتاب الموضوعات ... » (٣).

وقال ابن تيمية في حديث : « أنت أخي ووصيي ... » : « قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الموضوعات ... » (٤).

ثناء ابن خلكان على ابن الجوزي

وأثنى ابن خلكان على ابن الجوزي وبالغ في إطرائه حيث ترجمه ، وهذه خلاصتها :

__________________

(١) الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

(٢) الصواعق المحرقة : ١٨٩.

(٣) إبطال الباطل ـ مخطوط.

(٤) منهاج السنّة ٤ / ٩٥.

١٠٢

« أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي ... الفقيه الحنبلي ، الواعظ الملقب جمال الدين ، الحافظ ، كان علاّمة عصره ، وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ ، صنف في فنون عديدة منها ... فكتبه أكثر من أن تعد ، وكتب بخطّه شيئا كثيرا ... وكانت له في مجالس الوعظ أجوبة نادرة ... وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر شهر رمضان سنة ٥٩٧ ببغداد ، ودفن بباب حرب » (١).

ثناء الذهبي على ابن الجوزي

وكذلك الذهبي حيث قال :

« ابن الجوزي ، الإمام العلاّمة الحافظ ، عالم العراق وواعظ الآفاق ... المفسّر صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم ... حدّث عنه : ابنه الصاحب محيي الدين ، وسبطه الواعظ شمس الدين يوسف بن قزغلي ، والحافظ عبد الغني ، وابن الدبيثي ، وابن النجار ، وابن خليل والتقي البلداني ، وابن عبد الدائم ، والنجيب عبد اللطيف ، وخلق سواهم ... وما علمت أحدا من العلماء صنّف ما صنف هذا الرجل ... حصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحد قط ... » (٢).

ثناء السيوطي على ابن الجوزي

والسيوطي أيضا ... أثنى عليه كذلك ، قال :

__________________

(١) وفيات الأعيان ٣ / ١٤٠.

(٢) تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٣٤٢.

١٠٣

« ابن الجوزي ، الإمام العلاّمة الحافظ ، عالم العراق وواعظ الآفاق ، جمال الدين أبو الفرج ... صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم ... وما علمت أحدا من العلماء صنّف ما صنّف ، وحصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحد قط. قيل : إنّه حضره في بعض المجالس مائة ألف ، وحضره ملوك ووزراء وخلفاء ، وقال : كتبت بإصبعي ألف مجلّد ، وتاب على يدي مائة ألف ، وأسلم على يدي عشرون ألفا » (١).

كلام ابن الوزير في مدح المسند

وقال محمّد بن إبراهيم الصّنعاني المعروف بابن الوزير ـ بعد ذكر عبارة ابن دحية حول استشهاد الإمام الحسين بن علي عليهما‌السلام ـ : « وفيما ذكره ابن دحية أوضح دليل على براءة المحدّثين وأهل السنّة فيما افتراه عليهم المعترض من نسبتهم إلى التشيع ليزيد وتصويب قتله الحسين. كيف؟ وهذه رواياتهم مفصحة بضد ذلك كما بيّناه ، في مسند أحمد ، وصحيح البخاري ، وجامع الترمذي ، وأمثالها.

وهذه الكتب هي مفزعهم وإلى ما فيها مرجعهم ، وهي التي يخضعون لنصوصها ويقصرون التعظيم عليها بخصوصها » (٢).

وعليه ، فمسند أحمد مفزع المحدّثين وإليه مرجعهم وهم خاضعون لنصوصه ... والأحاديث المروية فيه ... فويل ( للدهلوي ) المقلّد ( للكابلي ) التابع ( لابن تيمية ) ... هؤلاء الذين أبطلوا حديث الولاية المخرّج في ( المسند ) و ( جامع الترمذي ) وأمثالهما ... فإنّهم خرجوا عن طريقة المحدّثين ،

__________________

(١) طبقات الحفّاظ : ٤٨٠.

(٢) الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

١٠٤

وشقّوا عصا المجمعين ، وخالفوا سنّة رسول ربّ العالمين.

كلام أبي مهدي المغربي في مدح المسند

وقال أبو مهدي عيسى بن محمّد المغربي ـ وهو أحد المشايخ السبعة الذين يفتخر شاه ولي الله الدهلوي باتّصال أسناده إليهم ـ في مدح كتاب ( المسند ) ما نصّه :

« وألّف مسنده ، وهو أصل من اصول هذه الامة ، جمع فيه ما لم يتّفق لغيره ... وله التصانيف الفائقة ، فمنها المسند ، وهو ثلاثون ألفا وبزيادة ابنه عبد الله أربعون ألف حديث وقال فيه ـ وقد جمع أولاده وقرأه عليهم ـ : هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فارجعوا إليه ، فإن وجدتموه فيه وإلاّ ليس بحجة » (١).

كلام عبد الحق الدهلوي في مدح المسند

وقال الشيخ عبد الحقّ الدّهلوي في وصف المسند :

« ومسند الإمام أحمد معروف بين الناس ، جمع فيه أكثر من ثلاثين ألف حديث ، وكان كتابه في زمانه أعلى وأرفع وأجمع الكتب » (٢).

__________________

(١) مقاليد الأسانيد ـ ترجمة أحمد بن حنبل

(٢) رجال المشكاة ـ ترجمة أحمد بن حنبل

١٠٥

كلام ولي الله الدهلوي في مدح المسند

وقال عبد الرحيم الدهلوي والد ( الدهلوي ) : « الطبقة الثانية : كتب لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين ولكنها تتلوها ، كان مصنّفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحّر في فنون الحديث ، لم يرضوا في كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم ، فتلقاها من بعدهم بالقبول واعتنى بها المحدّثون والفقهاء طبقة بعد طبقة ، واشتهرت فيما بين الناس وتعلّق بها القوم شرحا لغريبها وفحصا عن رجالها واستنباطا لفقهها ، وعلى تلك الأحاديث بناء عامّة العلوم ، كسنن أبي داود وجامع الترمذي ومجتبى النسائي. وهذه الكتب مع الطبقة الاولى اعتنى بأحاديثها رزين في تجريد الصّحاح ، وابن الأثير في جامع الأصول.

وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة ، فإن الإمام أحمد جعله أصلا يعرف به الصحيح والسقيم. قال : ما ليس فيه فلا تقبلوه » (١).

كلام ( الدهلوي ) في مدح المسند

و ( الدهلوي ) نفسه مدح المسند كذلك ، ونقل حكاية جمع أحمد أولاده وقراءته عليهم المسند وما قال لهم في وصفه (٢).

__________________

(١) حجّة الله البالغة ـ طبقات كتب الحديث.

(٢) بستان المحدّثين ـ ترجمة أحمد

١٠٦

(٤)

رواية الترمذي

وأخرج الترمذي حديث الولاية في صحيحه قائلا :

« حدّثنا قتيبة بن سعيد ، نا جعفر بن سليمان الضبعي ، عن يزيد الرشك ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصين قال : بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ جيشا ، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ، فمضى في السرية ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه ، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فقالوا : إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي ، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدءوا برسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم ، فلما قدمت السرية سلّموا على النبيّ ، فقام أحد الأربعة فقال :

يا رسول الله ، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا ، فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ثم قام الثاني ، فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه رسول الله.

ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه رسول الله.

ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا : فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ والغضب يعرف في وجهه ـ فقال :

ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! إن عليا منّي وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمن من بعدي.

هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلاّ من حديث جعفر بن سليمان » (١).

__________________

(١) صحيح الترمذي ٥ / ٦٣٢.

١٠٧

وثاقة رجال الإسناد

ورجال هذا السند كلّهم ثقات بلا كلام :

١ ـ الترمذي

أما الترمذي نفسه ، فغني عن التعريف ، وإن شئت الوقوف على طرف من كلماتهم في مدحه والثناء عليه وتوثيقه والاستناد إليه ، فراجع الكتب الرجاليّة وغيرها ، مثل :

١ ـ سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٧٠.

٢ ـ تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٣٣.

٣ ـ الوافي بالوفيات ٤ / ٢٩٤.

٤ ـ تهذيب التهذيب ٩ / ٣٨٧.

٥ ـ البداية والنهاية ١١ / ٦٦.

٦ ـ العبر ٢ / ٦٢.

٧ ـ النجوم الزاهرة ٣ / ٨٨.

٨ ـ طبقات الحفّاظ : ٢٧٨.

٩ ـ وفيات الأعيان ٤ / ٢٧٨.

١٠ ـ شذرات الذهب ٢ / ١٧٤.

١١ ـ مرآة الجنان ٢ / ١٩٣.

١٢ ـ الكامل في التاريخ ٧ / ١٥٢.

١٣ ـ المختصر في أخبار البشر ٢ / ٥٩.

١٤ ـ اللباب في الأنساب ١ / ١٧٤.

١٠٨

٢ ـ قتيبة بن سعيد

وأما قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف ، فهو محدّث جليل القدر ، روى عنه الشيخان وغيرهما :

السمعاني : « قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله البغلاني ، المحدّث المشهور في الشرق والغرب ، له رحلة إلى : العراق ، والحجاز ، والشام ، وديار مصر ، وعمّر العمر الطويل حتى كتب عنه البطون ، ورحل إليه أئمة الدنيا من الأمصار.

سمع مالك بن أنس ، والليث ، وأقرانهما.

روى عنه الأئمّة الخمسة : البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، وأبو عيسى ، وأبو عبد الرحمن ، ومن لا يحصى كثرة » (١).

الذهبي : « قال أبو بكر الأثرم : وسمعته ـ يعني أحمد بن حنبل ـ ذكر قتيبة فأثنى عليه وقال : هو آخر من سمع من ابن لهيعة. وقال أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين ، وأبو حاتم ، والنسائي : ثقة. زاد النسائي : صدوق. وقال أبو داود : قدم قتيبة بغداد سنة ١٦ فجاء ، أحمد ويحيى ، وقال ابن خراش : صدوق ... وقال عبد الله بن محمّد بن سيّار الفرهاني : قتيبة صدوق ليس أحد من الكبار إلاّ وقد حمل عنه بالعراق » (٢).

٣ ـ جعفر بن سليمان

٤ ـ يزيد الرشك

__________________

(١) الأنساب ـ البغلاني ٢ / ٢٥٧.

(٢) تذهيب تهذيب الكمال ـ مخطوط

١٠٩

٥ ـ مطرف بن عبد الله

وهؤلاء عرفتهم سابقا فلا نكرّر ...

(٥)

رواية النسائي

ورواه أبو عبد الرحمن النسائي بإسناده قائلا :

« ثنا قتيبة بن سعيد قال : ثنا جعفر ـ يعني ابن سليمان ـ عن يزيد الرشك ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصين قال : بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشا واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ... ».

« ثنا واصل بن عبد الأعلى ، عن ابن فضيل ، عن الأجلح ، عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه قال : بعثنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إلى اليمن مع خالد ابن الوليد وبعث عليا على آخر ، وقال : إن التقيتما فعليّ على الناس ، وإن تفرّقتما فكل واحد منكما على جنده ، فلقينا بني زبيد من أهل اليمن ، وظفر المسلمون على المشركين ، فقاتلنا المقاتلة وسبينا الذرية ، فاصطفى علي جارية لنفسه من السبي ، فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وأمرني أن أنال منه. قال : فدفعت الكتاب إليه ونلت من علي ، فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت : هذا مكان العائذ ، بعثتني مع رجل وألزمتني بطاعته فبلّغت ما أرسلت به. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لي :

لا تقعنّ يا بريدة في علي ، فإنّ عليّا منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي » (١).

وثاقة رجال السند

هذا ، وقد روى النسائي في هذا الحديث بطريقين ، أوّلهما هو عين سند

__________________

(١) خصائص علي بن أبي طالب : ٧٥.

١١٠

الترمذي المتقدّم الذي عرفت وثاقة رجاله ... فلا حاجة إلى الإعادة.

ترجمة النسائي

والنسائي نفسه ، وإن كان غنيا عن التّعريف ، لإجماع القوم على توثيقه والثناء عليه وعلى كتبه وعلومه ... حتى أنّ الدار قطني قدّمه على جميع محدّثي زمانه كما في ( تذكرة الحفّاظ ) ، وقال الذهبي ووالد السبكي : بأنّه أحفظ من مسلم بن الحجاج كما في ( مقاليد الأسانيد ) ... ولكن لا بأس بإيراد بعض الكلمات في حقّه عن كتاب تذكرة الحفّاظ للذهبي باختصار :

« النسائي ، الحافظ الإمام ، شيخ الإسلام ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب ... برع في هذا الشأن وتفرّد بالمعرفة والإتقان وعلوّ الإسناد ... قال حافظ خراسان أبو علي النيسابوري : ثنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي. قال أحمد بن نصر أبو طالب الحافظ : من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟ قال الدارقطني : أبو عبد الرحمن مقدّم على كلّ من يذكر بهذا العلم من أهل عصره. وقال محمّد بن المظفر الحافظ : سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار ... قال الدار قطني : كان أبو بكر الشافعي كثير الحديث ولم يحدّث عن غير النسائي وقال : رضيت به حجة بيني وبين الله ... وكانت وفاته في شعبان سنة ٣٠٣. وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال. قال أبو سعيد بن يونس في تاريخه : كان النسائي إماما حافظا ثبتا ... » (١).

وإن شئت المزيد فراجع :

وفيات الأعيان ١ / ٧٧.

__________________

(١) تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٩٨.

١١١

الوافي بالوفيات ٦ / ٤١٦.

مرآة الجنان ٢ / ٢٤٠.

طبقات الشّافعية للسبكي ٣ / ١٤.

طبقات الحفّاظ : ٣٠٣.

وغيرها من كتب التاريخ والرجال ...

اعتبار كتاب الخصائص

وكتاب ( خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام ) للنسائي من أنفس الكتب وأجلّها وأشهرها ... ألّفه النسائي لمّا دخل دمشق ووجد المنحرف بها عن أمير المؤمنين عليه‌السلام كثيرا ...

وقد اعتمد علماء أهل السنّة على هذا الكتاب ونقلوا عنه ، كما أنّ غير واحد منهم ذكروه في بحوثهم مستشهدين به على ولاء أهل السنّة لأهل البيت عليهم‌السلام ...

كما أنّا قد بيّنا في بعض المجلّدات السّابقة ـ وعلى ضوء كلمات القوم ـ أن ( خصائص أمير المؤمنين ) للحافظ النسائي إنّما هو قطعة من ( سننه ) الكبير ، فتكون الأحاديث الواردة فيه من أحد ( الصحّاح الستّة ) عندهم.

١١٢

(٦)

رواية الحسن بن سفيان النسوي

ورواه الحسن بن سفيان النسوي البالوزي ، كما جاء في كتاب الوصابي اليمني حيث روى :

« عن عمران بن حصين ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يقول : إنّ عليا منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ، والحسن بن سفيان في فوائده ، وأبو نعيم في فضائل الصحابة » (١).

ترجمة الحسن بن سفيان

والحسن بن سفيان من أكابر المحدّثين الثقات كما يظهر من ترجمته :

١ ـ السمعاني : « البالوزي ـ بفتح الباء الموحّدة بعدها الألف واللاّم والواو وفي آخرها الزاء ـ هذه النسبة إلى بالوز ، وهي قرية من قرى نسا على ثلاث أو أربع فراسخ منها.

خرجت إليها لزيارة قبر أبي العباس الحسن بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء الشيباني البالوزي النسوي من قرية بالوز.

كان محدّث خراسان في عصره ، وكان مقدّما في الفقه والعلم والأدب ، وله الرحلة إلى : العراق ، والشام ، ومصر ، والكوفة ... وصنّف : المسند

__________________

(١) أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ـ مخطوط.

١١٣

الكبير ، والجامع ، والمعجم. وهو الرّاوية بخراسان لمصنفات الأئمة ... وكانت إليه الرحلة بخراسان من أقطار الأرض. سمع منه : أبو حاتم محمّد بن حبان البستي ، وأبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الحافظ ، وإمام الأئمة أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة ... ومات في سنة ٣٠٣ وقبره بقرية بالوز مشهور يزار ، زرته » (١).

٢ ـ الذهبي : « الحسن بن سفيان بن عامر ، الحافظ الإمام ، شيخ خراسان ... قال الحاكم : كان محدّث خراسان في عصره ، متقدّما في التثبّت والكثرة والفهم والفقه والأدب. وقال ابن حبان : كان الحسن ممّن رحل وصنّف وحدّث على تيقّظ ، مع صحة الديانة والصلابة في السنّة. وقال أبو بكر أحمد ابن الرازي الحافظ : ليس للحسن في الدنيا نظير ... » (٢).

وكذلك ترجم له السبكي وابن قاضي شهبة في ( طبقاتهما ) والسيوطي في ( طبقات الحفّاظ ) حيث ذكروا كلمة الحاكم وغيره في مدحه ، ووصفوه بالحفظ والإمامة والتثبّت ، وكذلك تجد ترجمته في غيرها من الكتب.

(٧)

رواية أبي يعلى الموصلي

ورواه أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي حيث قال :

« حدّثنا عبيد الله ، ثنا جعفر بن سليمان ، نا يزيد الرشك ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصين ، قال : بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ

__________________

(١) الأنساب ـ البالوزي ٢ / ٥٨.

(٢) تذكرة الحفاظ ٢ / ٧٠٣.

١١٤

سرية ، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ، قال : فمضى على السرية. قال عمران : وكان المسلمون إذا قدموا من سفر أو من غزوة أتوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قبل أن يأتوا منازلهم ، فأخبروه بمسيرهم. قال : فأصاب علي جارية ، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إذا قدموا على رسول الله ليخبروا به. قال : فقدمت السرية على رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فأخبروه بمسيرهم ، فقام أحد الأربعة فقال :

يا رسول الله ، أصاب علي جارية. فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال : يا رسول الله صنع علي كذا وكذا. فأعرض عنه.

قال : ثم قام الثالث فقال : يا رسول الله ، صنع علي كذا وكذا. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال : يا رسول الله صنع علي كذا وكذا.

قال : فأقبل رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ مغضبا والغضب يعرف في وجهه فقال : ما تريدون من علي؟ علي منّي فأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي » (١).

وثاقة رجال الإسناد

ولا يخفى وثاقة رجال هذا السند :

١ ـ عبيد الله القواريري

أمّا عبيد الله ، فهو عبيد الله بن عمر القواريري :

__________________

(١) مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ رقم ٣٥٥.

١١٥

السمعاني : « كان ثقة صدوقا ، مكثرا من الحديث ... روى عنه : أبو قدامة السرخسي ، ومحمّد بن إسحاق الصنعاني ، وأبو داود السجستاني ، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان ، وأحمد بن أبي خيثمة ، وأبو القاسم البغوي ، وأبو يعلى الموصلي ، وغيرهم.

وكان أحمد بن سيّار المروزي يقول : لم أر في جميع من رأيت مثل مسدّد بالبصرة ، والقواريري ببغداد ، وصدقة بمرو. وثّقه يحيى بن معين وغيره. وقال أبو علي جزرة الحافظ : القواريري. أثبت من الزهراني وأشهر وأعلم بحديث البصرة ، وما رأيت أحدا أعلم بحديث البصرة منه.

وتوفي في ذي الحجة سنة ٢٣٥ ... » (١).

الذهبي : « خ م د س ـ عبيد الله بن عمر القواريري ، أبو سعيد البصري الحافظ. حدّث بمائة ألف حديث. سمع : حماد بن زيد ، وأبا عوانة ، وخلقا. وعنه : خ م د ، والفريابي ، والبغوي ، وخلق. وكان يذكر مع مسدّد والزهراني. مات في ذي الحجة ٢٣٥ » (٢).

ابن حجر : « وعنه : البخاري ومسلم وأبو داود ... قال ابن معين والعجلي والنسائي : ثقة. وقال صالح جزرة : ثقة صدوق قال : وهو أثبت من الزهراني وأشهر وأعلم بحديث البصرة. قال ابن سعد : ثقة كثير الحديث. وقال أبو حاتم : صدوق ... وذكره ابن حبان في الثقات. وقال مسلمة بن قاسم : ثقة. وفي الزهرة : روى عنه البخاري خمسة ، ومسلم أربعين » (٣).

٢ ـ جعفر بن سليمان

٣ ـ يزيد الرشك

__________________

(١) الأنساب ـ القواريري

(٢) الكاشف ٢ / ٢٠٣ وانظر العبر ودول الإسلام حوادث سنة ٢٣٥.

(٣) تهذيب التهذيب ٧ / ٣٦ وانظر تقريب التهذيب أيضا ١ / ٥٣٧.

١١٦

٤ ـ المطرف بن عبد الله

وهؤلاء عرفت وثاقتهم وشيئا من مناقبهم فيما سبق.

ترجمة أبي يعلى

ولنذكر طرفا من كلماتهم في الثناء على أبي يعلى الموصلي :

١ ـ ابن حبّان : « أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي أبو يعلى ، من أهل الموصل ، من المتقنين في الروايات والمواظبين على رعاية الدين وأسباب الطاعات. مات سنة ٣٠٧ ... » (١).

٢ ـ الذهبي : « أبو يعلى الموصلي ، الحافظ الثقة ، محدّث الجزيرة ... قال يزيد بن محمّد الأزدي : كان أبو يعلى من أهل الصّدق والأمانة والدين والعلم ... ووثقه ابن حبان ووصفه بالإتقان والدين ثم قال : وبينه وبين النبيّ ثلاثة أنفس. وقال الحاكم : كنت أرى أبا علي الحافظ معجبا بأبي يعلى وإتقانه وحفظه لحديثه حتى كان لا يخفى عليه منه إلاّ اليسير. قال الحاكم : هو ثقة مأمون ... » (٢).

٣ ـ الذهبي أيضا : « كان ثقة صالحا متقنا يحفظ حديثه. توفي وله ٩٧ سنة » (٣).

٤ ـ الصفدي : « الحافظ صاحب المسند ، سمع جماعة كبارا ، وله تصانيف في الزهد وغيره. غلّقت له الأسواق يوم جنازته. وكانت وفاته سنة ٣٠٧ وكنيته أبو يعلى » (٤).

__________________

(١) الثقات ٨ / ٥٥.

(٢) تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٠٧.

(٣) العبر حوادث ٣٠٧.

(٤) الوافي بالوفيات ٧ / ٢٤١.

١١٧

وكذلك تجد ترجمته في المصادر الأخرى ، وقد وصفوه جميعا : بالحافظ الثبت الثقة محدّث الجزيرة صاحب المسند ...

(٨)

رواية ابن جرير الطبري وتصحيحه

رواه محمد بن جرير الطبري في ( تهذيب الآثار ). فقد ذكر المتّقي ما نصه :

« عن عمران بن حصين : بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ سرية واستعمل عليها عليا ، فغنموا ، فصنع علي شيئا أنكروه. وفي لفظ : فأخذ علي من الغنيمة جارية ، فتعاقد أربعة من الجيش إذا قدموا على رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أن يعلموه ، وكانوا إذا قدموا من سفر بدءوا برسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فسلّموا عليه ونظروا إليه ، ثم ينصرفون إلى رحالهم. فلمّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فقام أحد الأربعة فقال :

يا رسول الله ، ألم تر أن عليا قد أخذ من الغنيمة جارية؟ فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الثالث فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع. فأقبل إليه رسول الله يعرف الغضب في وجهه فقال : ما تريدون من علي! علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ش. وابن جرير وصحّحه » (١).

__________________

(١) كنز العمال ١٣ / ١٤٢ رقم ٣٦٤٤٤.

١١٨

ترجمة الطبري

ولابن جرير الطبري في كتب القوم تراجم مفصّلة ، نلخص بعضها فيما يلي :

١ ـ ياقوت الحموي : « قال أبو محمّد عبد العزيز بن محمّد الطبري : كان أبو جعفر من الفضل والعلم والذكاء والحفظ على ما لا يجهله أحد عرفه ، لجمعه من علوم الإسلام ما لم نعلمه اجتمع لأحد من هذه الامة ، ولا ظهر من كتب المصنّفين وانتشر من كتب المؤلّفين ما انتشر له.

وكان راجحا في علوم القرآن ، والقراءات ، وعلم التاريخ من الرسل والخلفاء والملوك ، واختلاف الفقهاء ، مع الرواية لذلك على ما في كتابه :

البسيط ، والتهذيب ، وأحكام القراءات ، من غير تعويل على المناولات والإجازات ولا على ما قيل في الأقوال ، بل يذكر ذلك بالأسانيد المشهورة.

وقد بان فضله في علم اللغة والنحو على ما ذكره في كتاب التفسير وكتاب التهذيب مخبرا عن حاله فيه.

وقد كان له قدم في علم الجدل ، يدل على ذلك مناقضاته في كتبه على المعارضين لمعاني ما أتى به.

وكان فيه من الزهد والورع والخشوع والأمانة ، وتصفية الأعمال وصدق النية وحقائق الأفعال ما دل عليه كتابه في آداب النفوس ».

« كان أبو جعفر يذهب في جلّ مذاهبه إلى ما عليه الجماعة من السلف وطريق أهل العلم المتمسكين بالسّنن ، شديدا على مخالفيهم ، ماضيا على منهاجهم ، لا تأخذه في ذلك ولا في شيء لومة لائم ».

« كان أبو جعفر يذهب في الإمامة إلى إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وما عليه أصحاب الحديث في التفضيل ، وكان يكفّر من خالفه في كلّ مذهب

١١٩

إذا كانت أدلّة العقول تدفع كالقول في القدر ، وقول من كفّر أصحاب رسول الله من الروافض والخوارج ، ولا يقبل أخبارهم ولا شهاداتهم ، وذكر ذلك في كتابه في الشهادات ، وفي الرسالة ، وفي أول ذيل المذيّل » (١).

٢ ـ السمعاني : « وكان أحد أئمة العلماء ، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه ، لمعرفته وفضله. وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره ، وكان حافظا لكتاب الله ، عارفا بالقراءات ، بصيرا بالمعاني ، فقيها في أحكام القرآن ، عالما بالسّنن وطرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها ، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام ، عارفا بأيّام الناس وأخبارهم ... قال أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة : ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمّد بن جرير ... وتوفي سنة ٣١٠ » (٢).

٣ ـ النووي : « هو الإمام البارع في أنواع العلوم ، وهو في طبقة الترمذي والنسائي. قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : استوطن الطبري بغداد فأقام بها حتى توفي ، وكان أحد الأئمة والعلماء ، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه ... » (٣).

٤ ـ الذهبي : « الإمام العلم الفرد الحافظ أبو جعفر الطبري ، أحد الأعلام وصاحب التصانيف ... قال أبو بكر الخطيب : كان ابن جرير أحد الأئمة ... وقال أبو حامد الإسفرائيني : لو سافر رجل إلى الصّين في تحصيل تفسير ابن جرير لم يكن كثيرا ... قال الفرغاني : بثّ مذهب الشافعي ببغداد سنتين واقتدى به ، ثمّ اتّسع علمه وأدّاه اجتهاده إلى ما اختاره في كتبه. وقد عرض عليه القضاء فأبى. قال محمّد بن علي بن سهل الإمام : سمعت ابن جرير قال : من

__________________

(١) معجم الأدباء ٥ / ٢٥٤ ـ ٢٦٨.

(٢) الأنساب ـ الطّبري ٨ / ٢٠٥ ـ ٢٠٧.

(٣) تهذيب الأسماء واللّغات ١ / ٧٨.

١٢٠