نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٤

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٤

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٦

ما أعلم رجلا كان أحب إلى رسول الله من علي ولا في الأرض امرأة كانت أحب إلى رسول الله من امرأته ».

وتاسعا : إنّ بعض المنقول عنها في حق أمير المؤمنين عليه‌السلام مؤيّد باليمين بخلاف ما رووه عنها في حق أبيها.

وعاشرا : إن أقوالها في حقّه عليه‌السلام مؤيّدة ببراهين منها نفسها حيث قالت : « أن كان ما علمت صوّاما قوّاما » هكذا رواه الترمذي ، وإن أطرح منه ولي الله الدهلوي هذه الجملة لدى نقله عن الترمذي! وفي لفظ آخر : « فو الله لقد كان صوّاما قوّاما ، ولقد سالت نفس رسول الله في يده فردّها إلى فيه ». وليست هذه الأشياء في قولها في حق أبي بكر.

والحادي عشر : لو كان أحبيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعنى مجرّد محبّة الإنسان لأولاده وأقربائه ، لما أجابت عائشة سؤال المرأة من الأنصار « أيّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم »؟ فقالت : « علي بن أبي طالب » ، لأن الأصحاب لم يكونوا منحصرين في الأولاد والأقارب ، فالسؤال والجواب لم يكن في حدود الأولاد والأقرباء فقط ، حتى يحمل ما ورد عن عائشة في أحبيّة الإمام إلى النبي على أنّه كان أحبّ الأولاد والأقرباء.

والثاني عشر : إنّ حمل كلامها على ذلك يبطله أيضا قولها للنبيّ : « والله لقد علمت أن عليا أحبّ إليك من أبي » فما قالته لجميع بن عمير باق على إطلاقه ، وتأويله من قبيل تأويل الكلام بما لا يرضى صاحبه.

والثالث عشر : إنّه لو كان مرادها أحبيّة الإمام إلى النبيّ من بين الأولاد والأقرباء فقط ، لكان ذلك خير طريق لها للتخلّص عن تعيير جميع بن عمير وعروة بن الزبير ومعاذة الغفارية ، لخروجها على أمير المؤمنين عليه‌السلام.

والرابع عشر : إنه لو سلّمنا ما ادّعاه وليّ الله الدهلوي من أنّ مراد عائشة

٣٨١

ـ فيما روي عنها في أحبيّة الأمير عليه‌السلام إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أنّه أحبّ إليه من بين الأولاد والأقرباء ... فإنّ ذلك لم يكن إلاّ اجتهادا منها في مقابلة النصّ الوارد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطبا إيّاها : « يا عائشة ، إن هذا أحب الرجال إليّ وأكرمهم عليّ ، فاعرفي له حقّه وأكرمي مثواه » ومن المعلوم أن لا اعتبار باجتهادها في مقابل النص عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل يظهر من ذلك كونها في مقام العناد والمخالفة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذا حال وليّ الله الدهلوي الذي يحاول تثبيت التأويل المذكور ، وحال غيره أصحاب التأويلات الأخرى.

تأويل الحديث ببعض الوجوه

وبالجملة ، فقد ثبت ـ والحمد لله ـ إطلاق أحبيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو أحبّ الخلق إليه من جميع الجهات ، وإنّ تأويل ذلك بشيء من التأويلات تأباه ألفاظ حديث الطير وغيره من الأخبار والرّوايات ، فيبطل قول ولي الله : « وإمّا أن نقول بأنّ الحبّ يتعلّق بالصّفات المحمودة ... ».

مضافا إلى بطلان ما يومي إليه كلامه من أنّ أحبيّة الإمام عليه‌السلام كانت لمجرّد الشجاعة ومحاربة الأعداء ، فإنّه باطل بالأدلة المتكثرة ومنها أقوال عائشة المشتملة على التعليل بكونه « صوّاما قوّاما » وهو الشيء الذي حذفه ولي الله!!

ومضافا إلى بطلان ما يومي إليه كلامه من كون الشيخين أحبّ إليه من حيث صفة الحلّ والعقد ، فإنّه لو كان كذلك فلما ذا أعرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّا قال له ابن مسعود ليلة الجنّ بشأن استخلافهما من بعده كما في ( آكام المرجان لبدر الدين محمّد بن عبد الله الشبلي )؟!

٣٨٢

ومما ذكرنا ـ من إطلاق أحبيّة الإمام إلى النبيّ وبطلان تقييده بجهة من الجهات ـ يبطل أيضا قوله :

« وإمّا أن نقول : إن الأحبّ بمعنى من الأحب ... ».

فإنّ هذا تأويل التوربشتي ومن تبعه ... وقد عرفت سقوطه بحمد الله ... فلا نعيد.

الخلاصة :

إنّ كلّ مساعي القوم في ردّ حديث الطّير لا تسمن ولا تغني من جوع ، وإنّ كلّ أعمالهم ذاهبة هباء منثورا ...

لقد سعوا كثيرا وبذلوا جهدا كبيرا ... لكن ضلّ سعيهم وما شروا بذلك إلاّ جهنّم وسعيرا ...

كلمات في ذم التأويل

إنّه ما كان عند القوم أزيد من القدح في السند ، والمعارضة في الدلالة ، والحمل والتأويل ... وقد عرفت سقوط ذلك كلّه ... ولننقل بعض الكلمات في ذم التأويل لآيات الكتاب والأحاديث النبويّة عن بعض أكابرهم :

قال الغزالي : « وأمّا الطامّات فيدخلها ما ذكرناه في الشطح ، وأمر آخر يخصّها وهو : صرف ألفاظ الشرع عن ظواهرها المفهومة إلى أمور باطنة لا يسبق منها إلى الأفهام شيء يوثق به ، كدأب الباطنيّة في التأويلات ، فهذا أيضا حرام وضرره عظيم ، فإنّ الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل ، اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ ، وسقط به منفعة كلام الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ، فإن ما يسبق منه إلى الفهم لا يوثق به والباطن لا ضبط له ، بل يتعارض فيه الخواطر ويمكن تنزيلها على وجوه شتّى. وهذا أيضا من البدع

٣٨٣

الشائعة العظيمة الضرر ، وإنّما قصد أصحابها الإغراب ، لأنّ النفوس مائلة إلى الغريب ، ومستلّذة له ، وبهذا الطريق توصّل الباطنية إلى هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها وتنزيلها على رأيهم ... » (١).

وقال ابن قيّم الجوزيّة : « إذا سئل عن تفسير آية من كتاب الله وسنّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه وسلّم فليس أن يخرجها عن ظاهرها بوجوه التأويلات الفاسدة الموافقة نحلته وهواه ، ومن فعل ذلك استحق المنع من الإفتاء والحجر عليه ، وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرح به أئمة الكلام قديما وحديثا » (٢).

قال : « وقال بعض أهل العلم : كيف لا يخشى الكذب على الله ورسوله من يحمل كلامه على التأويلات المستنكرة والمجازات المستكرهة التي هي بالألغاز والأحاجي أولى منها بالبيان والهداية؟ وهل يأمن على نفسه أن يكون ممن قال الله فيهم : ( وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ )؟ ...

ويكفي المتأوّلين كلام الله ورسوله بالتأويلات التي لم يردها ولم يدل عليها كلامه أنهم قالوا برأيهم على الله ، وقدّموا آراءهم على نصوص الوحي ، وجعلوا آراءهم عيارا على كلام الله ورسوله؟ ولو علموا علموا أيّ باب شرّ فتحوا على الامّة بالتأويلات الفاسدة ، وأيّ بناء الإسلام هدموا بها ، وأيّ معاقل وحصون استباحوها ، وكان أحدهم لأن يخرّ من السماء إلى الأرض أحبّ إليه من أن يتعاطى شيئا من ذلك ... » (٣).

وقال محمّد معين السندي : « ومن أشنع ما يخرجون كلام الشارع ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عن الحقيقة والمجاز ، ويفتحون فيه باب التأويل ، فهو فعلهم ذلك إذا حملهم عليه نصرة إمامهم على غيره من الأئمة ،

__________________

(١) إحياء علوم الدين ١ / ٣٧.

(٢) أعلام الموقعين ٤ / ٢٤٥.

(٣) أعلام الموقعين ٤ / ٢٤٩.

٣٨٤

فحفظ رأيه أهم عليهم من إخراج كلام نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم عن الحقيقة ... والإمام ليس بمعصوم حتى نأوّل له كلمات الشريعة ونترك حقيقة الكلام ، ولم يأذن الله تعالى ورسوله لأحد بهذه النصرة لأحد ... » (١).

__________________

(١) دراسات اللبيب ـ الدراسة الثامنة.

٣٨٥
٣٨٦

تفنيد المعارضة

بحديث الاقتداء بالشيخين

٣٨٧
٣٨٨

وبقي شيء ... وهو آخر ما تذرّع به ( الدّهلوي ) في جواب حديث الطّير ... دعوى معارضته بحديث الاقتداء الذي يروونه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وهذا :

قوله :

« وأيضا ، فإنّه ـ على تقدير دلالته على المدعى ـ لا يقاوم الأخبار الصحاح الدالة على خلافة أبي بكر وعمر ، مثل : اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر ، وغير ذلك ».

أقول :

هذا الكلام المشتمل على الإحتجاج بحديث الاقتداء في غاية الوهن والهوان ، لأنّ الحديث المذكور من الأحاديث الموضوعة ، فدعوى صحّته والاحتجاج به باطلة ، مضافا إلى الوجوه الأخرى لبطلان هذا الكلام ... فنقول :

١ ـ المعارضة بما اختصوا بروايته غير مسموعة

إنّ هذا الكلام لا يناسب شأن ( الدّهلوي ) ... لأنّ من القواعد المقرّرة

٣٨٩

للبحث والمناظرة ، المعلومة لأصاغر الطلبة فضلا عن الأفاضل : عدم جواز الإحتجاج على الخصم بما لا يرويه ولا يرضاه ، فكيف يحتّج ( الدّهلوي ) بحديث الاقتداء ونحوه ممّا اختصّ أهل السنّة بروايته ويريد إلزام الشيعة بذلك؟

إنّه لا يجوز الإحتجاج على الشيعة بما لا ترضاه حتى لو كان في غاية الصحة عند أهل السنّة ...

٢ ـ المعارضة به ينافي ما التزم به ( الدّهلوي )

بل معارضة ( الدّهلوي ) واستدلاله بهذا الحديث ينافي ما التزم به في نفس كتابه ( التحفة ) ... فإنّه قد صرّح في أوّله بأنّه قد التزم فيه بعدم النقل إلاّ عن الكتب المعتبرة للشيعة ، وأن يكون إلزامهم بها لا بما يرويه أهل السنّة ...

فالعجب منه كيف نسي هذا الأصل في غير موضع من بحوث كتابه!! والأعجب من ذلك تكراره لهذا الذي التزم به وتأكيده إيّاه ، فراجع كلامه في الباب الرابع بعد ذكر حديث الثقلين ، وفي الباب السادس بعد ذكر مسألة تفضيل غير الأنبياء ، وفي الباب السّابع أيضا ـ وهو باب الإمامة ـ نصّ على عدم تمسكّه بغير روايات الشيعة ... في مقابلتها!

فقد تعهّد ( الدّهلوي ) وجدّد عهده وميثاقه غير مرة ، ولكنّه نقض العهد وخالف الالتزام غير مرة كذلك!!

٣ ـ المعارضة به ينافي ما نصّ عليه والده

وينافي أيضا ما نصّ عليه والده ولي الله الدهلوي ، وهو إمامه واستاذه ومقتداه في كلّ شيء ... فقد نص وليّ الله في آخر كتابه ( قرة العينين في تفضيل الشيخين ) على عدم جواز المناظرة مع الإمامية والزيدية حتى بأحاديث الصحيحين وأمثالها ، لكونهم لا يرون صحّتها ، فكيف يلزمون بها.

٣٩٠

٤ ـ المعارضة به ينافي ما نصّ عليه تلميذه

وهذا هو الذي نصّ عليه وقرّره تلميذه رشيد الدين الدهلوي ، فقد نصّ في كتابه ( الشوكة العمرية على أنّ كلّ فرقة من الشيعة والسنة لا تعتمد على ما تختص به الأخرى ، إذن ، لا يجوز الإحتجاج بهكذا روايات من الطّرفين ...

وتلخص ـ إلى الآن ـ أنّ احتجاج ( الدهلوي ) بحديث الاقتداء ، وكذا احتجاجه بغير هذا الحديث من أخبارهم التي اختصّوا بها ، وكذا احتجاج غيره من علماء القوم ... باطل ... بمقتضى المناظرة ... وهو ما نصّ عليه ( الدهلوي ) نفسه ووالده وتلميذه ...

٥ ـ هذا الحديث واه بجميع طرقه حسب تصريحاتهم

وبعد ... فإنّ ما ذكرناه هو القاعدة العامّة التي يسقط على أساسها كثير من احتجاجات القوم واستدلالاتهم ... ومنها الإحتجاج والمعارضة بحديث الاقتداء ...

لكنّ هذا الحديث مقدوح مطعون فيه بجميع طرقه ... فوصف ( الدهلوي ) إياه بالصحّة جهل أو كذب ... وإليك بيان ذلك في رسالة خاصّة استفيد فيها كثيرا من تحقيقات السيّد في هذا الحديث :

٣٩١
٣٩٢

رسالة في

تحقيق حديث الاقتداء بالشّيخين

تأليف

السيّد علي الحسيني الميلاني

٣٩٣
٣٩٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين.

وبعد ، فلا يخفى أنّ السنّة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي عند المسلمين ـ وإن وقع الخلاف بينهم في طريقها ـ فمنها ـ بعد القرآن الكريم ـ تستخرج الأحكام الإلهية ، وأصول العقائد الدينية ، والمعارف الفذّة ، والأخلاق الكريمة ، بل فيها بيان ما أجمله الكتاب ، وتفسير ما أبهمه ، وتقييد ما أطلقه ، وإيضاح ما أغلقه ...

فنحن مأمورون باتّباع السنّة والعمل بما ثبت منها ، ومحتاجون إليها في جميع الشئون ومناحي الحياة ، الفردية والاجتماعيّة ...

إلاّ أنّ الأيدي الأثيمة تلاعبت بالسنّة الشريفة حسب أهوائها وأهدافها ... وهذا أمر ثابت يعترف به الكلّ ...

ولهذا وذاك ... انبرى علماء الحديث لتمييز الصحيح من السقيم ، والحقّ من الباطل ... فكانت كتب ( الصحاح ) وكتب ( الموضوعات ) ...

٣٩٥

ولكنّ الحقيقة هي تسرّب الأغراض والدوافع الباعثة إلى الاختلاق والتحريف إلى المعايير التي اتّخذوها للتمييز والتمحيص ... فلم تخل ( الصحاح ) من الموضوعات والأباطيل ، ولم تخل ( الموضوعات ) من الصحاح والحقائق ... وهذا ما دعا آخرين إلى وضع كتب تكلّموا فيها على ما اخرج في الصحاح وأخرى تعقّبوا فيها ما أدرج في الموضوعات ... وقد تعرّضنا لهذا في بعض بحوثنا المنشورة ...

وحديث : « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » أخرجه غير واحد من أصحاب الصحاح ... وقال بصحّته غيرهم تبعا لهم ... ومن ثمّ استندوا إليه في البحوث العلميّة.

ففي كتب العقائد ... في مبحث الإمامة ... جعلوه من أقوى الحجج على إمامة أبي بكر وعمر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...

وفي الفقه ... استدلّوا به لترجيح فتوى الشيخين في المسألة إذا خالفهما غيرهما من الأصحاب ...

وفي الأصول ... في مبحث الإجماع ... يحتجّون به لحجّيّة اتّفاقهما وعدم جواز مخالفتهما فيما اتّفقا عليه ...

فهل هو حديث صحيح حقّا؟

لقد تناولنا هذا الحديث بالنقد ، فتتبّعنا أسانيده في كتب القوم ، ودقّقنا النظر فيها على ضوء كلمات أساطينهم ، ثم عثرنا على تصريحات لجماعة من كبار أئمّتهم في شأنه ، ثم كانت لنا تأمّلات في معناه ومتنه ...

فإلى أهل الفضل والتحقيق هذه الصفحات اليسيرة المتضمّنة تحقيق هذا الحديث في ثلاثة فصول ... والله أسأل أن يهدينا إلى صراطه المستقيم ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ... إنّه خير مسئول.

٣٩٦

(١)

نظرات في أسانيد

حديث الاقتداء

إنّ حديث الاقتداء من الأحاديث المشهورة في فضل الشيخين ، فقد رووه عن عدّة من الصحابة وبأسانيد كثيرة ... لكن لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مطلقا ، ولم يخرج في شيء من الصحاح عن غير حذيفة وعبد الله بن مسعود ، وقد ذهب غير واحد من أعلام القوم إلى عدم قبول ما لم يخرجه الشيخان من المناقب ، وكثيرون منهم إلى عدم صحّة ما أعرض عنه أرباب الصحاح.

وعلى ما ذكر يسقط حديث الاقتداء مطلقا أو ما كان من حديث غير ابن مسعود وحذيفة.

لكنّا ننظر في أسانيد هذا الحديث عن جميع من روي عنه من الصحابة ، إلاّ أنّا نهتمّ في الأكثر بما كان من حديث حذيفة وابن مسعود ، ونكتفي في البحث عن حديث الآخرين بقدر الضرورة فنقول :

لقد رووا هذا الحديث عن :

١ ـ حذيفة بن اليمان.

٢ ـ عبد الله بن مسعود.

٣ ـ أبي الدرداء.

٤ ـ أنس بن مالك.

٥ ـ عبد الله بن عمر.

٦ ـ جدّة عبد الله بن أبي الهذيل.

ونحن نذكر الإسناد إلى كلّ واحد منهم ، وننظر في رجاله :

٣٩٧

حديث حذيفة

رواه أحمد بن حنبل قال :

« حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ابن حراش ، عن حذيفة : أنّ النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، قال اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » (١)

وقال أيضا :

« حدثنا وكيع ، حدّثنا سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مولى لربعي ابن حراش ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، كنّا جلوسا عند النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فقال : إنّي لست أدري ما قدر بقائي فيكم ، فاقتدوا باللذين من بعدي ـ وأشار إلى أبي بكر وعمر ـ قال : وما حدّثكم ابن مسعود فصدّقوه » (٢).

ورواه الترمذي حيث قال :

« حدّثنا الحسن بن الصباح البزّاز ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن.

وفيه عن ابن مسعود قال :

« روى سفيان الثوري هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير ، عن مولى لربعي ، عن ربعيّ ، عن حذيفة ، عن النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ».

قال : « حدّثنا أحمد بن منيع وغير واحد ، قالوا : أخبرنا سفيان بن عيينة ،

__________________

(١) مسند أحمد ٥ / ٣٨٢.

(٢) مسند أحمد ٥ / ٣٨٥.

٣٩٨

عن عبد الملك بن عمير ، نحوه ».

« وكان سفيان بن عيينة يدلّس في هذا الحديث فربّما ذكره عن زائدة عن عبد الملك بن عمير ، وربّما لم يذكر فيه عن زائدة ».

« وروى هذا الحديث ابراهيم بن سعد ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الملك بن عمير ، عن هلال مولى ربعي ، عن ربعي ، عن حذيفة ، عن النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم » (١).

وقال :

« حدّثنا محمود بن غيلان ، أخبرنا وكيع ، أخبرنا سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مولى لربعي ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، قال : كنّا جلوسا .... » (٢).

ورواه ابن ماجة بسنده

« عن عبد الملك بن عمير ، عن مولى لربعي بن حراش ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : إنّي لا أدري ما قدر بقائي فيكم .... » (٣).

ورواه الحاكم بإسناده :

« عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم يقول : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار ، وتمسّكوا بعهد ابن امّ عبد »

__________________

(١) صحيح الترمذي ـ مناقب أبي بكر وعمر ٥ / ٦٠٩.

(٢) صحيح الترمذي ـ مناقب عمّار بن ياسر.

(٣) سنن ابن ماجة ـ مناقب أبي بكر ١ / ٣٧.

٣٩٩

وعنه ، عن ربعي ، عن حذيفة ، قال :

« قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار ، وإذا حدّثكم ابن امّ عبد فصدّقوه ».

وعنه :

« عن هلال مولى ربعي ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ».

وبإسناده :

« عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة بن اليمان : أنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار ، وتمسّكوا بعهد ابن أمّ عبد ».

ثمّ قال الحاكم : « هذا حديث من أجلّ ما روي في فضائل الشيخين ، وقد أقام هذا الإسناد عن الثوري ومسعر : يحيى الحمّاني ، وأقامه أيضا عن مسعر : وكيع وحفص بن عمر الإيلي (١) ثم قصر بروايته عن ابن عيينة : الحميدي وغيره ، وأقام الإسناد عن ابن عيينة : إسحاق بن عيسى بن الطبّاع.

فثبت بما ذكرنا صحّة هذا الحديث وإن لم يخرجاه » (٢).

__________________

(١) لقد اقتصرنا في النقد على الكلام حول « عبد الملك بن عمير » الذي عليه مدار هذا الحديث الذي بذل الحاكم جهدا في تصحيحه فكان أكثر حرصا من الشيخين على رواية ما وصفه بـ « أجلّ ما روي في فضائل الشيخين » وإلاّ فإنّ « حفص بن عمر الإيلي » هذا مثلا أدرجه العقيلي في الضعفاء وروى عنه حديث الاقتداء ثم قال : « أحاديثه كلّها إمّا منكر المتن ، أو منكر الإسناد ، وهو إلى الضعف أقرب » الضعفاء ٢ / ٧٩٧.

و « يحيى الحمّاني » قال الحافظ الهيثمي بعد أن روى الحديث عن الترمذي والطبراني في الأوسط : « وفيه يحيى بن عبد الحميد الحمّاني وهو ضعيف » مجمع الزوائد ٩ / ٢٩٥.

(٢) المستدرك ٣ / ٧٥.

٤٠٠