نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٤

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٤

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٦

الجملة المختصرة الدالّة على المقصود إلى جملة طويلة غير واضحة الدلالة عليه؟!

النكات واللّطائف فيما قاله النبيّ ودعا به

لكنّ دعائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : « اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك » ... من جوامع كلمه وسواطع حكمه ، فيه لطائف ونكت رفيعة ، وهي بمجموعها تدلّ على اهتمام منه بليغ بإظهار علوّ مقام أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذلك المقام :

١ ـ خطابه الباري عزّ وجلّ ونداؤه إيّاه باسم ذاته « الله » الذي هو أحبّ الأسماء إليه.

٢ ـ قوله : « اللهم » دون « يا الله » إذ في الأول دلالة على التفخيم والتعظيم ليست هي في الثاني ، لاشتماله على شدّتين ليستا في « يا الله ». وهذه النكتة نظير النكتة في اختيار ضم الضمير المجرور في قوله تعالى : ( عَلَيْهُ اللهَ ).

٣ ـ في « اللهم » نكتة أخرى ليست في « يا الله » ، هي أنّ الميم عوض حرف النداء ، فدلّت الكلمة على النداء لله سبحانه مع الابتداء باسمه العظيم ، بخلاف « يا الله ». ومن الواضح أنّ الابتداء باسمه أدخل في التعظيم والتبرّك.

٤ ـ في أكثر طرق الحديث لفظ « ائتني ». وإنّما اختار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا اللّفظ على « أرسل إليّ » و « أبعث إليّ » ونحوهما لما في « الإتيان » ـ مع تعديته بالباء ـ من الدّلالة على مزيد العناية والاحتفال بشأن المأتيّ به ، فكأن المرسل مصاحب للمأتيّ به ، كما عن المبرّد في معنى : « ذهب فلان بزيد » أنّه يدّل على مصاحبة الفاعل للمفعول به ، لأنّ الباء المعديّة عنده بمعنى مع.

٥ ـ قوله : « ائتني » دون « ائت » ليدلّ على أنّ مطلوبه حضور أحبّ الخلق عنده ، لا مطلق إتيان أحبّ الخلق.

٢٢١

٦ ـ إختياره لفظ « الأحب » على غيره من الألفاظ الدالّة على التفضيل والتّرجيح ... لأنّ كثرة محبّة الله تعالى لشخص تدلّ على جمعه لجميع صفات الكمال والمجد والعظمة ، لأنّ مقام المحبّة أعلى المقامات وأسنى الدرجات.

٧ ـ « الأحب » هو « الأكثر محبوبية » فأمير المؤمنين عليه‌السلام أشدّ الخلق حبا لله ، لأنّ « المحبوبية » فرع « المحبيّة » قال الله تعالى : ( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ).

٨ ـ أضاف لفظة « أحب » إلى « الخلق » ليدلّ بصراحة على أنّ عليا أحبّ خلق الله ، ولو لا إرادة الدّلالة الصرّيحة لا كتفي بأن يقول « الأحب » معرفا باللاّم.

٩ ـ أضاف كلمة « خلق » إلى ضمير الخطاب حيث قال : « خلقك » ليظهر أنّه عليه‌السلام أحبّ جميع الخلق بحيث كان أهلا لأن يضاف إلى الحقّ جلّ جلاله ... والمراد من « الخلق » هو « المخلصون » فهو الأحبّ من غير المخلصين بالأولويّة.

١٠ ـ لفظة « الخلق » اسم جنس. واسم الجنس المضاف يفيد العموم ، كما نصّ عليه أكابر العلماء ، فالمراد : جميع الخلق المخلصين.

١١ ـ إتيانه بكلمة « إليك » هو لغرض إفادة الدّلالة الصريحة ، وإلاّ لكانت مقدرّة أو كانت الدّلالة على أحبيّته إلى الله بالالتزام ، لأنّه مع وجود « إليّ » يكون الأحب إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن كان أحبّ إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو أحبّ إلى الله تعالى بالالتزام.

١٢ ـ أضاف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفظ « وإلى رسولك » أو « وإليّ » ليصرّح وينصّ على أن عليّا أحبّ الخلق إليه ، وإن كان في قوله « إليك » كفاية ، لأنّ « الأحبّ إلى الله » هو « الأحبّ إلى الرسول » قطعا ... فهو إذن ، « الأحبّ إلى النبيّ » بالدّلالتين.

١٣ ـ إنّه لم يذكر لـ « أحبّ » متعلّقا خاصّا ، ليدل على عموم أحبيّته

٢٢٢

وشمولها لجميع الأنواع والأقسام والأصناف ، لأنّ حذف المتعلّق في مقام البيان دليل العموم ..

١٤ ـ قوله « يأكل معي من هذا الطائر » لإثبات أنّ سبب طلبه للأكل معه هو أحبيّته إلى الله ورسوله ، وليس أمرا نفسانيا.

١٥ ـ كلمة « معي » في قوله : يأكل معي من هذا الطائر ، لإفادة أنّ عليا عليه‌السلام لا يأكل الطائر بانفراد ، بل إنّه لمّا كان الغرض من الطّلب للأكل إظهار شأن علي ومنزلته عند الله ورسوله فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوف يشاركه في الأكل من الطير ، ليكشف عن سببيّة مقاماته المعنوية ومراتبه الدينيّة وقربه من الله ورسوله لطلب حضوره والمؤاكلة معه.

٩ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أحبّ الخلق إليك » يكذّب الحمل المذكور

وأيضا : لو كان المراد هو « الأحبّ في الأكل » لم يكن لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أحبّ الخلق إليك » معنى ، لأنّ « الأحبيّة في الأكل » ميل طبعي ، وذلك محال في صفة الله تعالى ، كما سبق في كلام الغزالي ... بل هذه الأحبيّة هي الثواب ورفعة المقام والمرتبة. وقال السيّد المرتضى :

« قد قال السائل : هب أنا سلّمنا صحة الخبر ، ما أنكرت أن لا يفيد ما ادّعيت من فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام على المجاعة ، وذلك أن معنى فيه : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي. يريد : أحبّ الخلق إلى الله تعالى في الأكل معه ، دون أن يكون أراد أحبّ الخلق إليه في نفسه لكثرة أعماله ، إذ قد يجوز أن يكون الله تعالى يحبّ أن يأكل مع نبيّه من هو غير أفضل ، ويكون ذلك أحبّ إليه للمصلحة.

٢٢٣

فقال الشيخ أيّده الله (١) : هذا الذي اعترضت به ساقط ، وذلك أن محبّة الله تعالى ليست ميل الطباع وإنّما هي الثواب ، كما أنّ بغضه وغضبه ليستا باهتياج الطباع وإنّما هما العقاب. ولفظ أفعل في أحبّ وأبغض لا يتوجه إلاّ ومعناهما من الثواب والعقاب ، ولا معنى على هذا الأصل لقول من زعم أنّ أحبّ الخلق إلى الله يأكل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توجه إلى محبّة الأكل والمبالغة في ذلك بلفظ أفعل ، لأنّه يخرج اللفظ ممّا ذكرناه من الثّواب إلى ميل الطباع ، وذلك محال في صفة الله تعالى » (٢).

١٠ ـ قوله : « ... بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك ... »

عن ( كتاب الطير ) قال الحافظ أبو بكر ابن مردويه : « نا فهد بن إبراهيم البصري قال : نا محمّد بن زكريا قال : نا العبّاس بن بكّار الضّبي قال : نا عبد الله ابن المثنى الأنصاري ، عن عمّه ثمامة بن عبد الله ، عن أنس بن مالك :

إن امّ سلمة صنعت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طيرا أو أضباعا فبعثت به إليه ، فلمّا وضع بين يديه قال : اللهم جئني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء علي بن أبي طالب فقال له أنس : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، واجتهد النبيّ في الدعاء وقال : اللهم جئني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك. فجاء علي ، فقال له أنس : إنّ رسول الله على حاجة. قال أنس : فرفع علي يده فوكز على صدري ثمّ دخل. فلمّا نظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام قائما فضمّه إليه وقال : يا ربّ وإليّ ، يا ربّ وإليّ. ما أبطأ بك يا علي؟ قال : يا رسول الله ، قد جئت ثلاثا كلّ ذلك يردّني أنس ، فرأيت الغضب في وجه رسول الله وقال : يا أنس ما حملك على

__________________

(١) يعني : الشيخ محمّد بن النعمان المفيد البغدادي

(٢) الفصول المختارة : ٦٥.

٢٢٤

ردّه؟ قلت : يا رسول الله ، سمعتك تدعو فأحببت أن تكون الدّعوة في الأنصار. قال : لست بأوّل رجل أحبّ قومه ، أبى الله ـ يا أنس ـ إلاّ أن يكون ابن أبي طالب ».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم جئني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك » يكذّب الحمل والتأويل المذكور ، إذ « الأوجه » في هذا المقام بمعنى « الأفضل على الإطلاق » ... ومنه يعلم أنّ « الأحبّ » كذلك ... فقد دلّ الحديث على أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام « أحبّ » و « أوجه » و « أشرف » و « أفضل » جميع « الخلق » عند الله سبحانه ـ عدا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ من الأنبياء والملائكة والناس أجمعين ...

١١ ـ قوله : « ... بخير خلقك ... »

وعن ( كتاب الطير ) للحافظ أبي نعيم الأصفهاني : « نا علي بن حميد الواسطي ، نا أسلم بن سهل ، نا محمّد بن صالح بن مهران قال : نا عبد الله بن محمّد بن عمارة قال : سمعت من مالك بن أنس ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال بعثتني أم سليم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بطير مشوي ومعه أرغفة من شعير ، فأتيته به فوضعته بين يديه فقال : يا أنس ادع لنا من يأكل معنا هذا الطير ، اللهم ائتنا بخير خلقك ، فخرجت فلم يكن همّي إلاّ رجلا من أهلي آتيه فأدعوه ، فإذا أنا بعلي بن أبي طالب ، فدخلت ، فقال : أما وجدت أحدا؟ قلت : لا. قال : انظر. فنظرت فلم أجد أحدا إلاّ عليّا. ففعل ذلك ثلاث مرّات. فرجعت فقلت : هذا علي بن أبي طالب. فقال : ائذن له ، اللهم وإليّ ، اللهم وإليّ ».

٢٢٥

١٢ ـ قوله : « ... أدخل عليّ أحبّ خلقك إليّ من الأوّلين والآخرين ... »

وروى ابن المغازلي حديث الطير بإسناده عن أنس بن مالك وفيه : « اللهم أدخل عليّ أحبّ خلقك إليّ من الأوّلين والآخرين يأكل معي من هذا الطائر ... فجاء علي ... » وقد تقدّم الحديث بتمامه في موضعه من قسم السّند ، لكنّنا نذكر هنا متنه مرة أخرى :

« ... عن أنس بن مالك قال : أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طائر مشوي ـ أهدته له امرأة من الأنصار ـ فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوضعت ذلك بين يديه. فقال : اللهم أدخل عليّ أحبّ خلقك إليّ من الأوّلين والآخرين يأكل معي من هذا الطائر. قال أنس : فقلت في نفسي : اللهم اجعله رجلا من الأنصار من قومي. فجاء علي ، فطرق الباب فرددته وقلت : رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متشاغل ـ ولم يعلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك ـ فقال : اللهم أدخل علىّ أحبّ الخلق من الأوّلين والآخرين يأكل معي من هذا الطائر. قلت : اللهم رجلا من قومي الأنصار. فجاء علي فرددته. فلمّا جاء الثّالثة قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : قم يا أنس فافتح الباب لعلي. فقمت ففتحت الباب فأكل معه ، فكانت الدعوة له » (١).

وهل بعد هذه الجملة من مجال لتأويل لفظ « الأحبّ » وتقييده؟ لقد ثبت من هذا الحديث ـ أيضا ـ أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أحبّ الخلق إلى النبيّ ـ وإلى الله بالملازمة ـ من جميع الخلق من الأوّلين والآخرين ... أي حتى الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين.

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب : ١٦٨.

٢٢٦

١٣ ـ لو كان الغرض تضاعف لذّة الطعام لجاءت إحدى نسائه

إنّه لو كان المقصود حضور أحبّ الخلق في الأكل مع النبيّ حتى يتضاعف لذّة الطعام ، لكان مقتضى استجابة هذا الدعاء حضور إحدى زوجات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لوضوح حصول الغرض من الدعاء ـ وهو الالتذاذ المتضاعف من الطعام ـ بمؤاكلة الزوجة المحبوبة ، وأنّه لا يسدّ مسدّها في هذه الناحية أحد من الأولاد فضلا عن غيرهم.

لكنّ عدم حضور أحد من نسائه ـ لا سيّما تلك التي يزعمون أنّها أحبّ نسائه بل النساء عامّة إليه ـ وكذا عدم حضور فاطمة عليها‌السلام وهي ابنته لو كان الغرض يحصل بمؤاكلة الأولاد ، دليل على أنّ غرضه من الدّعاء شيء آخر ، وأنّ المقصود من « الأحبّ » ليس « الأحبّ في الأكل » ...

لقد استجاب الله عزّ وجلّ دعاء نبيّه وحبيبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأحضر عنده أحبّ الخلق إليه وأفضل الناس عنده.

١٤ ـ صنائع أنس دليل بطلان التأويل

ولو كان المراد مجرّد الأحبيّة في الأكل فلما ذا كلّ هذا الاهتمام من أنس ابن مالك لأنّ يختص بذلك قومه من الأنصار؟ ولما ذا منع عليا عليه‌السلام مرة بعد أخرى من الدخول على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

إنّ كلّ عاقل يلحظ أخبار قصّة الطير وما كان فيها من أنس من كذب واحتيال وتعلّل ، يحصل له اليقين الثابت بأنّ الدخول على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الساعة والأكل معه من ذاك الطائر ، مرتبة عظيمة ومنزلة رفيعة.

وأيضا : من الظّاهر جدّا ـ بناء على حمل الأحبيّة على الأحبيّة في خصوص الأكل ـ أنّ الشخص الأحبّ إليه في الأكل ليس إلاّ من كان أكثر

٢٢٧

معاشرة أو أقرب نسبا أو أشدّ ألفة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... ومن المعلوم أن الأنصار لم يكونوا حائزين لهذا الشّرف وتلك المرتبة ، فكيف يرجو أنس أن يكونوا مصداق دعاء الرسول؟

١٥ ـ قول أنس : « اللهم اجعله رجلا منّا حتى نشرّف به »

وعن ( كتاب الطير ) للحافظ ابن مردويه : « نا محمّد بن الحسين قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن قال : نا علي بن الحسن السمالي قال : حدّثني محمّد بن الحسن بن الجهم ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن أنس قال : أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طائر فأعجبه ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطير. قال أنس قلت : اللهم اجعله رجلا منّا حتّى نشرّف به. قال : فإذا علي. فلمّا أن رأيته حسدته فقلت : النبيّ مشغول ، فرجع ، قال : فدعا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الثانية ، فأقبل علي كأنّما يضرب بالسيّاط ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : افتح افتح ، فدخل ، فسمعته يقول : اللهم وإليّ ، حتى أكل معه من ذلك الطير ».

فإذن ... كانت القضيّة ممّا يتشرف ويعتّز به ... ولم تكن الأحبيّة في الأكل العارية من كلّ فضيلة والخالية من كلّ شرف ... كما يزعم النّواصب ...

ونعم ما أفاد الشيخ المفيد البغدادي ـ طاب ثراه ـ حيث قال :

« إنّ الذي يسقط ما اعترض به السائل في تأويل قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك » على المحبّة في الأكل معه ، دون محبّته في نفسه بإعظام ثوابه بعد الذي ذكرناه في إسقاطه : أن الرواية جاءت عن أنس بن مالك أنّه قال : لمّا دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتيه تعالى بأحبّ الخلق إليه : قلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار لتكون

٢٢٨

لي الفضيلة بذلك. فجاء علي فرددته وقلت له إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على شغل ، فمضى ، ثمّ دعا ثانية فقال لي : استأذن لي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقلت له : إنّه على شغل. ثمّ عاد ثالثة فاستأذنت له ، ودخل ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد كنت سألت الله تعالى أن يأتيني بك دفعتين ، ولو أبطأت عليّ الثالثة لأقسمت على الله أن يأتيني بك.

ولو أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل الله تعالى أن يأتيه بأحبّ خلقه إليه في نفسه ، وأعظمهم ثوابا عنده ، وكانت هذه من أجلّ الفضائل ، لما آثر أنس أن يختص بها قومه ، ولو لا أنّ أنسا فهم ذلك من معنى كلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما دافع أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الدخول ، ليكون ذلك الفضل لرجل من الأنصار ، فيحصل له جزء منه » (١).

١٦ ـ قول أنس : « فإذا علي فلمّا أن رأيته حسدته »

وجاء في الحديث ـ فيما رواه ابن مردويه ـ : « قلت اللهم اجعله رجلا منّا حتى نشرّف به. قال : فإذا علي ، فلمّا أن رأيته حسدته ، فقلت : النبيّ مشغول ، فرجع ». وفي لفظ خبر ابن المغازلي عنه : « بينا أنا كذلك إذ دخل علي فقال : هل من إذن؟ فقلت : لا ، ولم يحملني على ذلك إلاّ الحسد ».

وهذا دليل آخر على أنّ الأحبيّة لم تكن في الأكل فقط ... بل إنّها كانت أحبيّة جليلة القدر وعظيمة الفخر ... توجب الأفضليّة التامّة والأكرمية الكاملة ...

__________________

(١) الفصول المختارة من العيون والمحاسن : ٦٨.

٢٢٩

١٧ ، ١٨ ـ قول عائشة وحفصة : « اللهم اجعله أبي »

وأخرج أبو يعلى حديث الطير بسنده باللفظ التالي :

« ثنا قطن بن نسير ، ثنا جعفر بن سليمان الضبّعي ، ثنا عبد الله بن مثنّى ، نبأ عبد الله بن أنس ، عن أنس بن مالك قال : اهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجل مشوي ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام. فقالت عائشة : اللهم اجعله أبي. وقالت حفصة : اللهم اجعله أبي. قال أنس : فقلت اللهم اجعله سعد بن عبادة.

قال أنس : سمعت حركة الباب فسلّم فإذا علي. فقلت : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، فانصرف ثمّ. ثمّ سمعت حركة الباب فسلّم عليّ فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوته فقال : انظر من هذا! فخرجت فإذا علي. فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته. فقال : ائذن له ، فأذنت له فدخل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : وإليّ وإليّ » (١).

فلو كان معنى الحديث « الأحبّ في الأكل » فما هذا الولوع والشغف من عائشة وحفصة؟! وهلاّ فهمتا هذا المعنى من الحديث ، لا سيّما عائشة التي يزعم المتعصّبون من القوم إرجاع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الامة إليها ، لأخذ الدين والأحكام الفقهية منها!! فلا تدعوان لوالديهما اللذين هما ـ بزعمهما ـ أعلى مرتبة وأجلّ شأنا ، لحضور أمر جزئيّ تافه لا أثر له!!

لكنّ هذه الأحبيّة هي الأحبيّة التامّة العامّة المطلقة ، المقتضية للأفضلية التامة المطلقة ... وهي التي تمنّتها عائشة لأبيها!! وحفصة لأبيها!! وأنس

__________________

(١) تاريخ دمشق ٢ / ١١١ رقم : ٦١٤.

٢٣٠

لسعد أو غيره من الأنصار!!

١٩ ـ تكرار النبيّ الدعاء واجتهاده فيه

وقد اتّفقت الأخبار على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرّر دعائه وطلبه من الله تعالى أن يأتيه بأحبّ الخلق إليه ... بل في بعضها : « واجتهد النبيّ في الدعاء » ...

وهكذا يكشف عن أن لمطلوبه شأنا عظيما ومرتبة عالية ... فاللازم بحكم العقل أن تكون صفة « الأحبيّة » المذكورة في دعائه المتكرّر صفة جليلة تكشف عن مقام صاحبها ...

٢٠ ـ قيام النبيّ لدى دخول علي وضمّه إليه

وفيما رواه الحافظ ابن مردويه عن أنس : « قال أنس : فرفع علي يده ، فوكز على صدري ثمّ دخل ، فلمّا نظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام قائما فضمّه إليه وقال : يا ربّ وإليّ ، يا ربّ وإليّ ، ما أبطأ بك يا علي! ».

وهذه قرائن أخرى على أنّ هذه « الأحبيّة » شرف عظيم شاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إظهاره وإثباته لأمير المؤمنين عليه‌السلام باهتمام بالغ ...

٢١ ـ فلمّا رآه تبسّم وقال : الحمد لله ...

وهكذا في رواية النجار وبعض العلماء الكبار ... عن أنس : « قال : فدخل ، فلمّا رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبسّم ثمّ قال : الحمد لله الذي جعلك. فإنّي أدعو في كلّ لقمة أن يأتيني أحبّ الخلق إليه وإليّ ، فكنت أنت ».

فما كلّ هذا لو كانت « الأحبيّة » في الأكل فقط!!

٢٣١

٢٢ ـ غضبه على أنس لردّه عليّا

وفي رواية ابن مردويه عنه أنّه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما أبطأ بك يا علي؟. قال : يا رسول الله قد جئت ثلاثا ، كلّ ذلك يردّني أنس. قال أنس : فرأيت الغضب في وجه رسول الله وقال : يا أنس ما حملك على ردّه؟ قلت : يا رسول الله ، سمعتك تدعو ، فأحببت أن تكون الدعوة في الأنصار. قال : لست بأوّل رجل أحبّ قومه. أبى الله يا أنس إلاّ أن يكون ابن أبي طالب ».

فلماذا الغضب من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على خلق عظيم؟! الأمر جزئي لا يعبؤ به؟! ولما ذا ذاك السّرور والاستبشار من حضور أحبّ الخلق إلى الله وإليه؟! ألأمر جزئي لا يعبؤ به؟!

٢٣ ـ قوله : أبى الله يا أنس إلاّ أن يكون ابن أبي طالب

من الأدّلة الواضحة والبراهين الساطعة على أنّ هذه الأحبيّة تشريف خاص من الله لعلي بواسطته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن دون أن يكون لميله النفساني دخل في ذلك ... وإلاّ لقال : يا أنس أما علمت أنّ عليا أحبّ الخلق إليّ في الأكل ، لكونه مني بمنزلة ولدي ، فلا يكون الدعاء إلاّ فيه.

نعم ... يدل هذا الكلام من النبيّ عليه‌السلام أن ذاك المقام كان من الله سبحانه ، وأنّه لا ينال إلاّ عليا عليه‌السلام ... فظهر بطلان ما سنذكره من تأويلي ( الدهلوي ) ...

٢٤ ـ قوله له : علي أحبّ الخلق إلى الله

وفي رواية فخر الدين الهانسوي : « فآذنه النبيّ بالدخول وقال : ما أبطأ بك عنّي؟ قال : جئت فردّني أنس ، ثمّ جئت الثانية والثالثة فردّني. فقال صلّى الله عليه وسلّم : يا أنس ما حملك على هذا؟ قال : رجوت أن يكون

٢٣٢

الدعاء لأحد من الأنصار. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : عليّ أحبّ الخلق إلى الله. فأكل معه » (١).

أي : كيف ترجو أن يكون الدعاء لأحد من الأنصار ، وعليّ أحبّ الخلق إلى الله؟! وقد دعوت أن يأتيني بأحبّ خلقه إليه ... فبطل تأويل « الأحبيّة » إلى الأحبيّة في الأكل لأجل تضاعف لذّة الطّعام ... بل هي الأحبيّة التامة العامّة ... وبذلك تبطل التأويلات الأخرى كذلك ...

٢٥ ـ قوله في جوابه : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ...

وقال محمّد مبين اللكهنوي : « عن أنس بن مالك قال : كنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقدّم لرسول الله فرخ مشوي فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. قال فقلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار. فجاء علي ، فقلت : إن رسول الله على حاجة ، ثمّ جاء فقال رسول الله : افتح ، فدخل. فقال رسول الله : ما حملك على ما صنعت؟ فقلت : يا رسول الله ، سمعت دعاءك ، فأحببت أن يكون رجلا من قومي. فقال رسول الله : الرجل قد يحب قومه. وفي بعض الروايات : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. وهذا الحديث في المشكاة أيضا برواية الترمذي » (٢)

أي : ليس لك أن ترجو أن يكون الذي دعوت الله أن يأتيني به رجلا من قومك ... ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ... إنّه لا يكون برجاء هذا وذاك ... بل ليس للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا دخل فيه ... إنّه بيد الله وفضل منه ...

__________________

(١) دستور الحقائق ـ مخطوط.

(٢) وسيلة النجاة : ٢٨.

٢٣٣

٢٦ ـ قوله في جوابه : أو في الأنصار خير من علي؟!

قال وليّ الله اللكهنوي : « ووقع في رواية الطبراني ، وأبي يعلى ، والبزار بعد قوله فجاء علي رضي‌الله‌عنه فرددته ، ثمّ جاء فرددته ، فدخل في الثّالثة أو في الرابعة. فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ما حبسك عنّي ـ أو ما أبطأ بك عنّي ـ يا علي؟ قال : جئت فردّني أنس ، ثمّ جئت فردّني أنس. فقال صلّى الله عليه وسلّم : يا أنس ، ما حملك على ما صنعت؟ قال : رجوت أن يكون رجلا من الأنصار. فقال صلّى الله عليه وسلّم : أوفي الأنصار خير من عليّ ، أو أفضل من علي؟ » (١).

فإذن ، ملاك « الأحبيّة » في حديث الطير هو « الأفضليّة » وأمير المؤمنين عليه‌السلام هو الأفضل من جميع المهاجرين والأنصار ... فهل تأويلها إلى ما ذكره ( الدهلوي ) إلاّ مكابرة ولجاج؟ وهل يجنح إليه ويقبله إلاّ من أعمته العصبيّة العمياء ، وغلبت على قلبه البغضاء؟

٢٧ ـ قول أنس لعلي : إن عندي بشارة ...

وعن كتاب ( المعرفة ) لعبّاد بن يعقوب الرواجني وفي غير واحد من الكتب : « قال أنس : قلت : يا أبا الحسن استغفر لي فإنّ لي إليك ذنبا ، وإنّ عندي بشارة. فأخبرته بما كان من دعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فحمد الله واستغفر لي ورضي عنّي وأذهب ذنبي عنده بشارتي إيّاه ».

ففي هذا الحديث : إنّ أنسا طلب من أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يستغفر له ذنبه وهو ردّه إيّاه مرة بعد مرة ، للحيلولة دون دخوله عليه‌السلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووعده ـ في مقابل الاستغفار له ـ أن يبشّره

__________________

(١) مرآة المؤمنين ـ مخطوط.

٢٣٤

ببشارة ، وهي إخباره بما كان من دعاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الواقعة.

فلو كانت « الأحبيّة » خاصّة بالأكل معه لم يجعلها بشارة ، لأنّ الأحبيّة على تقدير تقييدها بمحض الأكل الذي هو أمر حقير يسير ، ممّا لا يصلح للاعتناء حتّى يهنّأ به وصيّ البشير النذير ...

٢٨ ـ حديث الطير من خصائص علي عند سعد بن أبي وقاص

وروى الحافظ أبو نعيم عن سعد بن أبي وقاص قوله : « قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في علي بن أبي طالب ثلاث خصال : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله. وحديث الطير. وحديث غدير خم » (١).

إنّ ( حديث الغدير ) و ( حديث الرّاية ) من أقوى الأدلّة الصريحة في خلافة الأمير عليه‌السلام ، فمقتضى السّياق ـ بغض النظر عن الوجوه الأخرى ـ أن يكون حديث الطير كذلك ... وكيف يرضى العاقل البصير أن يكون مدلول حديث الطير الواقع في هذا السياق مجرّد الأحبيّة في الأكل لتضاعف لذّة الطعام؟

٢٩ ـ احتجاج الأمير بحديث الطير في الشورى

وفي حديث الشورى ـ الذي رواه : ابن عقدة ، والحاكم ، وابن مردويه ، وابن المغازلي ، والخطيب الخوارزمي ، والكنجي ـ إنّ الإمام عليه‌السلام احتجّ على القوم ـ فيما احتجّ به على أفضليته منهم وأحقيّته بالإمامة ـ بحديث الطير ـ.

فحديث الطير كسائر أحاديث فضائله عليه‌السلام ممّا يحتجّ به على

__________________

(١) حلية الأولياء ـ ترجمة ابن أبي ليلى ٤ / ٣٥٦.

٢٣٥

الإمامة والخلافة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لوضوح دلالته على أفضليّته كالأحاديث الأخرى.

ونقول ـ بقطع النظر عن أدلّة عصمة الأمير عليه‌السلام ـ إنّه لا يجوّز مسلم تطرّق الغلط في استدلاله ، فإن تجويز ذلك في الشناعة بحيث جعله ( الدهلوي ) ووالده شاهدا على حمق قائله وجهله.

وأيضا : فليس في حديث الشورى مطلقا ما يدلّ على عدم تسليم القوم ما قاله ... بل إنّه ظاهر في قبولهم وإن أعرضوا عن ترتيب الأثر عليه ظلما وعدوانا!!

وحينئذ ، فإنّ جميع التأويلات التي ذكرها المكابرون ساقطة ، وهلاّ تبعوا أئمتهم في التسليم والقبول!! ولنعم ما قال الشيخ المفيد طاب ثراه :

« وشيء آخر وهو : أنّه لو احتمل معنى آخر لا يقتضي الفضيلة لأمير المؤمنين عليه‌السلام لما احتجّ به أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الدار ، ولا جعله شاهده على أنّه أفضل من الجماعة ، وذلك أنّه لو لم يكن الأمر على ما وصفناه ، وكان محتملا لما ظنّه المخالفون من أنّه سأل ربّه تعالى أن يأتيه بأحبّ الخلق إليه في الأكل معه ، لما أمن أمير المؤمنين عليه‌السلام من أن يتعلّق بذلك بعض خصومه في الحال ، أو يشتبه ذلك على إنسان ، فلمّا احتجّ به أمير المؤمنين عليه‌السلام على القوم ، واعتمده في البرهان ، دلّ على أنّه لم يكن مفهوما منه إلاّ فضله عليه‌السلام.

وكان إعراض الجماعة أيضا بتسليم ادّعائه دليلا على صحة ما ذكرناه ، وهذا بعينه يسقط قول من زعم أنّه يجوز مع إطلاق النبيّ عليه‌السلام ما يقتضي فضله عند الله تعالى على الكافّة وجود من هو أفضل منه في المستقبل ، لأنّه لو جاز ذلك لما عدل القوم عن الاعتماد عليه ، ولجعلوه شبهة في منعه ممّا ادّعاه من القطع على نقصانهم عنه في الفضل.

وفي عدول القوم عن ذلك دليل على أنّ القول مفيد بإطلاقه فضله ،

٢٣٦

ومؤمن بلوغ أحد منزلته في الثواب بشيء من الأعمال. وهذا بيّن لمن تدبّره » (١).

٣٠ ـ حديث الطير من فضائل علي وخصائصه عند عمرو بن العاص

وفي كتاب ( مناقب علي بن أبي طالب ) لموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي : أنّ عمرو بن العاص كتب إلى معاوية كتابا ذكر فيه مناقب لأمير المؤمنين عليه‌السلام ... وقد جاء حديث الطير ضمن تلك الفضائل والمناقب التي احتّج بها ابن العاص ، لعلّو مقام الإمام وسمّو مرتبة ...

وهل من المعقول أن يحتّج به ابن العاص لو كان معناه الأحبّ في الأكل فقط؟

إنّه لو لا دلالته التامّة على فضل الإمام عليه‌السلام لما شهد به ابن العاص ـ المعاند له ـ في مقابل رئيس الفرقة الباغية ... وهذا أمر يعترف به من كان له أقل بصيرة وإنصاف ...

أقول :

فمن هذه الوجوه ـ ووجوه أخرى لم نذكرها اختصارا ـ لا يبقى أيّ ريب في عموم « الأحبيّة » الواردة في حديث الطير ... وبطلان تأويلات ( الدّهلوي ) ومن تقدّمة لهذا الحديث الشريف ، لأجل صرفه عن الدلالة على أفضليّة أمير المؤمنين عليه‌السلام فخلافته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وبالرغم من كفاية تلك الوجوه المتينة في الدلالة على ما ذكرنا ، فإنّا نورد فيما يلي نبذة من الأحاديث الدالّة بوضوح على عموم أحبيّة سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، تأكيدا لفساد تخيّلات ( الدهلوي ) وغيره من المسوّلين ...

__________________

(١) الفصول المختارة من العيون والمحاسن : ٦٩.

٢٣٧
٢٣٨

الأخبار والآثار

في أنّ عليّا أحبّ الخلق مطلقا

٢٣٩
٢٤٠