سماحة الإسلام وحقوق الأقليّات الدينيّة

السيد سعيد كاظم العذاري

سماحة الإسلام وحقوق الأقليّات الدينيّة

المؤلف:

السيد سعيد كاظم العذاري


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-414-0
الصفحات: ١١٨

واحتراماً للحريات العامة وقد تقدّم ذكرها.

وكان غير المسلمين في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتمتعون بحرية التفكير وفي إبداء وجهات نظرهم وآرائهم دون ضغط أو إكراه ، وكانت تلك الآراء تلقى على مسامع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

عن عبدالله بن عباس : إنّ عبدالله بن صوريا وكعب بن الأشرف ومالك ابن الصيف وجماعة من اليهود ونصارى أهل نجران خاصموا أهل الإسلام كل فرقة تزعم انها أحقّ بدين الله من غيرها ، فقالت اليهود : نبينا موسى أفضل الأنبياء ، وقالت النصارى : نبينا عيسى أفضل الأنبياء وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب ، وكل فريق منهما قالوا للمؤمنين : كونوا على ديننا ، فانزل الله تعالى : ( وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (١).

وقيل : ان ابن صوريا قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما الهدى إلاّ ما نحن عليه فاتبعنا يا محمّد تهتد ، وقالت النصارى مثل ذلك ، فأنزل الله هذه الآية (٢).

ولم تقتصر الحرية في الرأي على أهل الكتاب ، بل شملت حتى المشركين من غيرهم ، فحينما قدم وفد بني تميم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نادوه من وراء الحجرات : « اخرج إلينا يا محمّد » ، فخرج إليهم ، فقالوا : جئناك لنفاخرك فاذن لشاعرنا وخطيبنا ، فقال : « قد أذنت » ، فقام عطارد بن حاجب وقال : الحمد لله الذي جعلنا ملوكاً والذي له الفضل علينا ، والذي وهب علينا أموالاً عظاماً نفعل بها المعروف ، وجعلنا أعزّ أهل المشرق وأكثر عدداً وعدّة ، فمن مثلنا في

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٣٥.

(٢) مجمع البيان ١ : ٢١٦.

٨١

الناس ؟ فمَن فاخرنا فليعد مثل ما عددنا ، ولو شئنا لأكثرنا من الكلام ، ولكنا نستحي من الإكثار ، ثمّ جلس.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لثابت بن قيس بن شماس : « قم فأجبه » ، فقام ، فقال : الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه ، قضى فيهن أمره ، ووسع كرسيه علمه ، ولم يكن شيء قط إلاّ من فضله ، ثم كان من فضله أن جعلنا ملوكاً ، واصطفى من خير خلقه رسولاً أكرمهم نسباً وأصدقهم حديثاً وأفضلهم حسباً ...

ثم قام الزبرقان بن بدر ينشد ، وأجابه حسان بن ثابت ، فلما فرغ حسان من قوله ، قال الأقرع : إنّ هذا الرجل خطيبه أخطب من خطيبنا ، وشاعره أشعر من شاعرنا ، وأصواتهم أعلى من أصواتنا ، فلما فرغوا أجازهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأحسن جوائزهم وأسلموا (١).

ومن الوقائع الدالة على التمتع بحرية إبداء الرأي انّ قوماً من اليهود أتوا عمر بن الخطاب ، فقالوا : قد أتيناك نسألك عن أشياء ، فقال عمر : سلوا عمّا بدا لكم ، قالوا : أخبرنا عن أقفال السماوات السبع ومفاتيحها ... فأطرق عمر ساعة ثمّ فتح عينيه ثم قال : سألتم عمر بن الخطاب عمّا ليس له به علم ، ولكن ابن عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يعني : عليّاً عليه‌السلام ـ يخبركم بما سألتموني عنه ، فأرسل إليه فدعاه ، فلما أتاه قال له : يا أبا الحسن إن معاشر اليهود سألوني عن أشياء لم أجبهم فيها بشيء ، وقد ضمنوا لي أن أخبرتهم أن يؤمنوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال لهم أمير المؤمنين عليه‌السلام : « يا معشر اليهود أعرضوا عليّ مسائلكم » فقالوا له مثل ما قالوا لعمر ، فلما أجابهم ، أقبلوا يقولون : نشهد أن لا إله إلاّ الله ،

__________________

(١) مجمع البيان ٥ : ١٣٠.

٨٢

وأنّ محمّداً رسول الله ، وأنّك ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وكان لهم الحرية في إبداء وجهات النظر ، ومن ذلك قول أحد اليهود للإمام علي عليه‌السلام : « ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه ! » ، فأجابه عليه‌السلام : « إنما اختلفنا عنه لا فيه » (٢).

ولأهل الكتاب حقّ كتابة التوراة والإنجيل وسائر الكتب الخاصة بهم ، ولهم حقّ الطبع والنشر. (٣)

رابعاً ـ حقّ التقاضي والحماية القانونية :

من مصاديق انسانية الإسلام ورحمته باتباع الاديان ان تبنى حمايتهم من كل الوان الاضطهاد والظلم والعدوان ، بقسميه الخارجي والداخلي ، فهم آمنون على ارواحهم واعراضهم وممتلكاتهم ، وتجلى هذا التبني منذ الايام الاولى لاقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة ، حيث كتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كتاباً حدد فيه دستور العلاقات بين مواطني المدينة على اختلاف أديانهم ، وقد جاء في هذا الكتاب الشريف : « ... وانه من تبعنا من يهود فان له النصرة والاسوة ، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم ... وان على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم ، وان بينهم النصر على من حارب اهل هذه الصحيفة ، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون

__________________

(١) الخصال / الصدوق : ٤٥٦ / ١ ، أبواب الاثنى عشر.

(٢) نهج البلاغة / ترتيب الدكتور صبحي الصالح : ٥٣١.

(٣) تحرير الوسيلة / الإمام الخميني ٢ : ٥٠٧.

٨٣

الاثم ... » (١).

وكان أهل الكتاب يتمتعون بجميع مظاهر الأمن في ظل الدولة الإسلامية ، حتى وصل الامر إلى ان الإمام علياً عليه‌السلام يتأسف لاعتداء البغاة على نساء المسلمين وأهل الكتاب على حد سواء ، ففي حثّه على ردع البغاة الذين بعثهم معاوية بن أبي سفيان الخبيث ابن الخبيث للفتك بالمسلمين وغيرهم من أهل الذمّة لا لذنب وإنما لكونهم في طاعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن رعيته في دولته المثالية المباركة يقول : « ... وقد بلغني ان الرجل منهم ـ أي من جند معاوية الخبيث ـ كان يدخل على المرأة المسلمة والاخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ... فلو أنّ امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً ». (٢)

وكتب الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام إلى أحد حكام بني امية حول التعامل مع اهل الكتاب : « ... ومن أقرّ بالجزية لم يتعد عليه ، ولم تخفر ذمته ، وكلف دون طاقته » (٣).

وللمواطنين الذين يعيشون في ظل المجتمع المسلم سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين لهم حق التقاضي.

ويجب الحكم بالحق بين المسلم وغيره ، أو بين غير المسلمين فيما بينهم ،

__________________

(١) الصحيح من السيرة / السيد جعفر مرتضى العاملي ٤ : ٢٤٨ ـ ٢٥٣ ، دار السيرة ، بيروت ، مكاتيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله / الأحمدي ٣ : ٤٣ ، سيد المرسلين / جعفر السبحاني ٢ : ٢٣.

(٢) الكافي / الكليني ٥ : ٥ / ٦ ، باب فضل الجهاد ، كتاب الجهاد.

(٣) الكافي ٥ : ٣ / ٤ ، باب فضل الجهاد ، كتاب الجهاد.

٨٤

لا تمييز بينهم على اساس الانتماء العقائدي ، فالجميع متساوون امام القضاء ، والدليل على ذلك ان جميع الآيات القرآنية الدالة على الحكم بالعدل بين الناس ، لم تخصص في مورد معيّن ، وإنما هي عامة بين المسلمين وغير المسلمين ، ومن وصية أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام لواليه على مصر : « هذا ما عهد عبدالله علي أمير المؤمنين إلى محمّد بن أبي بكر حين ولاّه مصر : أمره بتقوى الله ، والطاعة له في السرّ والعلانية ، وخوف الله في الغيب والمشهد ، وباللين للمسلم ، وبالغلظة على الفاجر ... وبالعدل على أهل الذمة ، وبانصاف المظلوم ، وبالشدة على الظالم ، وبالعفو عن الناس ، وبالاحسان ما استطاع ، والله يجزي المحسنين ويعذّب المجرمين ... وأمره أن يحكم بين الناس بالعدل ، وأن يقيم بالقسط » (١).

واكد الإمام عليّ بن الحسين عليه‌السلام على العدالة في الحكم في رسالة الحقوق فقال عليه‌السلام : « واما حق أهل الذمة فالحكم فيهم : ان تقبل منهم ما قبل الله ، وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده ، وتكلهم إلى الله فيما طلبوا من انفسهم واجبروا عليه ، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملة ، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسوله حائل ، فانه بلغنا انه قال : من ظلم معاهداً كنت خصمه » (٢).

وكانت سيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائمة على اساس العدل في الحكم ، ففي عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله اتهم الانصار اليهود بقتل احدهم ، فتحاكموا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال

__________________

(١) تحف العقول / الحرّاني : ١١٨.

(٢) تحف العقول : ١٩٥ ، ١٩٦.

٨٥

لهم صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الكم بينة ؟ » فقالوا : لا ، فقال : « أفتقسمون ؟ » فقالوا : كيف نقسم على ما لم نره ؟ فقال : « فاليهود يقسمون » ، فقالوا : يقسمون على صاحبنا ، وكانت نتيجة الحكم ان برأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اليهود من التهمة ، واعطى ديته من عنده (١).

واروع صور ومظاهر العدل ، ان الامام عليه‌السلام في عهد خلافته ، تحاكم مع نصراني عند القاضي شريح ، فقال شريح للامام عليه‌السلام : ما أرى ان تخرج من يده ، فهل من بينة ؟ فقال عليّ عليه‌السلام : « صدق شريح » ، وحينما لمس النصراني العدالة بافضل صورها قال : « اما انا فاشهد ان هذه احكام الانبياء ... امير المؤمنين يجيء إلى قاضيه ، وقاضيه يقضي عليه » ، واعترف ان الحق للامام عليه‌السلام (٢).

وفي إقامة الحدود فإنّ الإمام أو حاكم المسلمين العادل مخيّرٌ بين إقامة الحدّ على الذمّي أو الذميّة بما تقتضيه شريعة الإسلام ، وبين تسليمه إلى أهل دينه أو دين المرأة ، ليقيموا عليهم الحدود على ما يعتقدونه (٣).

وفي حال الضرورة يجوز الشهادة وان اختلف الانتماء الديني ، سئل الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام عن شهادة اهل الملل ، قال : « لا تجوز إلاّ على اهل ملتهم ، فان لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية ، لانه لا يصلح ذهاب

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه / الصدوق ٤ : ٩٩ / ٥١٧٦ ، باب القسامة ، كتاب الديات.

(٢) جواهر الكلام / محمّد حسن النجفي ٤٠ : ١٤٣ ، ومختصر تاريخ دمشق / محمّد بن مكرم بن منظور ١٠ : ٢٩٦.

(٣) النهاية : ٦٩٦ ، غاية المراد في شرح نكت الارشاد / محمّد بن مكّي العاملي : ٤٩٩ ، الكافي في الفقه / أبو صلاح الحلبي : ٤٠٥ ، تحرير الوسيلة ٢ : ٤٦٤ ، مهذب الأحكام / السيد السبزواري ٢٧ : ٢٧٩.

٨٦

حق احد » (١).

ويحلف أهل الكتاب كما يحلف المسلم ، ويترتب على الحلف الحكم النهائي بلا فرق بين المسلم وغيره ، قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلفوهم إلاّ بالله عزوجل » (٢).

وفي قضايا الدّيات يتساوى المسلمون وغيرهم في ذلك ، مع فارق في القدر المأخوذ ، وإذا عجز الذمي عن دفع الدية لقتله مسلماً خطأ ، فديته على بيت المال (٣) أي : يعامل الذمي في هذه الحالة كما لو كان مسلماً بلا فرق.

ويحق لهم الترافع إلى حاكم المسلمين أو إلى حكّامهم ، وإذا ترافعوا إلى حاكم المسلمين فيجب عليه العدل في الحكم سواء أكان بين ذمي وذمي أو بين ذمّي ومسلم.

وتترتب العقوبة على المسلم ان اعتدى عليهم طبقاً للقوانين الموضوعة في أبواب القضاء ، ويرد الحق للمعتدى عليه منهم (٤).

وفي مسائل الزنا المتعلقة بالشهود وبالتوبة وبالعقوبة ، يرى الفقهاء أنّه « لا فرق في الأحكام بين كون الزاني مسلماً أو كافراً ، وكذا لا فرق بين كون المزني بها مسلمة أو كافرة ، وأما إذا زنى كافر بكافرة أو لاط بمثله ، فالإمام مخيّر بين إقامة الحدّ عليه ، وبين دفعه إلى أهل ملّته ليقيموا عليه الحدّ » (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة / الحرّ العاملي ٢٧ : ٣٩٠ / باب (٤٠) ، ٤ ، كتاب الشهادات.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥١ / ٥ ، باب استحلاف أهل الكتاب ، كتاب الايمان والنذور والكفارات.

(٣) النهاية / الشيخ الطوسي : ٧٤٩ ، الكافي في الفقه : ٣٩٥.

(٤) تحريرالوسيلة ٢ :٤٠٩ ، ٤٦٤ ، ٥١٩.

(٥) منهاج الصالحين ٢ : ٣٤ للسيّد الخوئي.

٨٧

ويرى الفقهاء : وجوب التسوية بين الخصماء ـ وإن اختلفا في الشرف والصفة ـ في التحية والردّ ، ومحلّ الجلوس ، والنظر ، والكلام ، والانصات ، وطلاقة الوجه ، وغيرها من الآداب والإكرام ، وكذا العدل في الحكم ، ولا يجب التسوية في الميل بالقلب ، هذا إذا كانا مسلمين ، ولو كان أحدهما غير مسلم فلا يسقط وجوب العدل بالحكم مطلقاً (١).

ومقتضى القاعدة الاولية المنصوصة في القرآن ، هو أن يكون القاضي المسلم مخيّراً بين الحكم بين المتخاصمين الكتابيين بحكم الإسلام أو تركهم يترافعون إلى قضاتهم ليحكموا باحكام دينهم نفسه ، وهذا من اشكال الحرية التي تمنح لهم في ظل الإسلام ، قال تعالى : ( ... فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ وَإنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ) (٢).

نماذج من قوانين الحماية

توفّر القضاء الاسلامي على جملة من القوانين الخاصة بحماية غير المسلمين من الظلم والاضطهاد والاعتداء ، فمن قتل أحداً من غير المسلمين فعليه دفع الديّة ، في حالة غشهم للمسلمين واظهار العداوة لهم.

ويقتل المسلم إذا كان متعوداً على قتل أهل الذمة ، وإن كانوا مظهرين العداوة للمسلمين.

عن إسماعيل بن الفضل قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن دماء المجوس واليهود والنصارى ، هل على من قتلهم شيء إذا غشّوا المسلمين وأظهروا

__________________

(١) مهذب الأحكام ٢٧ : ٥٢ ، ٥٣.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٤٢.

٨٨

العداوة والغش لهم ؟ قال : « لا إلاّ أن يكون متعوداً لقتلهم ».

قال : وسألته عن المسلم يقتل بأهل الذمة وأهل الكتاب إذا قتلهم ؟ قال : « لا إلاّ أن يكون معتاداً لذلك لا يدع قتلهم فيقتل وهو صاغر » (١).

وقد سنّ الإسلام قانون القصاص لردع الجريمة ، ولذا فإن أمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام كان يقول : « يقتص للنصراني واليهودي والمجوسي بعضهم من بعض ، ويقتل بعضهم ببعض إذا قتلوا عمداً » (٢).

وعن بريد العجلي قال : سألت ابا عبدالله عليه‌السلام عن رجل مسلم فقأ عين نصراني ، فقال : « ان دية عين النصراني اربعمائة درهم » (٣).

ووضع الإسلام عقوبات لردع الاعتداء على غير المسلمين من ظلم أو اذى أو سرقة ، وهناك فتاوى كثيرة من لدن فقهاء مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام تصبّ في هذا الاطار نكتفي بالاشارة السريعة إلى بعضها ، وهي كما وردت على لسان كبار فقهاء مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام المعاصرين ، وهم :

ـ السيد محسن الحكيم : يضمن الخمر والخنزير للذمي بقيمتهما عندهم مع الاستتار ، وكذا للمسلم حق اختصاصه فيما إذا استولى عليهما لغرض صحيح ، ويجب ردّ المغصوب فان تعيب ضمن الأرش.

ويجوز لمالك العين المغصوبة انتزاعها من الغاصب ولو قهراً ، وإذا انحصر

__________________

(١) الاستبصار / الشيخ الطوسي ٤ : ٢٧٢ / ٥ ، باب لا يقاد مسلم بكافر ، كتاب الديات.

(٢) الكافي ٧ : ٣٠٩ / ٦ ، باب المسلم يقتل الذمي أو يجرحه والذمي يقتل المسلم أو يجرحه أو يقتص بعضهم بعضاً ، كتاب الديات.

(٣) الكافي ٧ : ٣١٠ / ١٠ ، من الباب السابق.

٨٩

استنقاذ الحق بمراجعة الحاكم الجائر جاز ذلك (١).

ـ السيد روح الله الخميني : « وهناك ممارسات يقتل فيها المسلم دون الكافر والذمي ، وعلى سبيل المثال ، العامل بالسحر يقتل إن كان مسلماً ، ويؤدّب ان كان كافراً ، ويثبت ذلك بالاقرار.

وليس بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة ، وانّما يؤخذ ذلك من أموالهم ، فان لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين » (٢).

ـ السيد أبو القاسم الخوئي : ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفار لا يقتل.

يقتل الذمي بالذمي وبالذمية بعد رد فاضل ديته إلى أوليائه ، وتقتل الذمية بالذمية ، ولو قتل الذمي غيره من الكفار المحقوني الدم قتل به ، ولو اعتاد المسلم قتل أهل الذمة جاز لولي الذمي المقتول قتله بعد رد فاضل ديته (٣).

ـ السيد عبد الأعلى السبزواري : « لو زنى الذمي بالمسلمة يقتله الحاكم الشرعي ، وإن زنى بذمّية أو كافرة يرى الحاكم المصلحة في أنّها هل تقتضي إقامة الحد عليه بحسب شريعة الإسلام أو تقتضي دفعه إلى أهل ملّته ليقيموا عليه حدّهم.

وإذا زنى المسلم بكافر يحكم على المسلم بحكمه جلداً أو رجماً » (٤).

ـ السيد علي السيستاني : يضمن المسلم للذمي الخمر والخنزير بقيمتهما عندهم مع الاستتار ، وكذا يضمن للمسلم حق اختصاصه فيما إذا استولى عليهما

__________________

(١) منهاج الصالحين / السيد الحكيم ٢ : ١٧٨ ، ١٧٩.

(٢) تحرير الوسيلة ٢ : ٤٧٧ ، ٦٠٠.

(٣) منهاج الصالحين / السيد الخوئي ٢ : ٤٤ ، ٧٢.

(٤) مهذب الاحكام ٢٧ : ٢٧٨ ، ٢٧٩.

٩٠

لغرض صحيح كتصنيع الخمر خلاً أو استعمالها دواءً (١).

المبحث الثاني

الحقوق الاقتصادية والمالية

ضمن الإسلام لغير المسلمين حقوقهم الاقتصادية والمالية ، وحرّم الاعتداء على اموالهم ، بالسرقة والغصب والغش والاحتيال ، ولم يأخذ الإسلام منهم غير الجزية وقد « جعلها الله تعالى حقناً لدمائهم ، ومنعاً من استرقاقهم ، ووقاية لما عداها من أموالهم » (٢).

وراعى الإسلام في أخذ الجزية التفاوت الاقتصادي بينهم ، فقرر اعفاء العاجزين عن دفعها ، واعفاء الصبيان والنساء والعبيد ، والشيوخ المسنين وأصحاب العاهات الجسدية والعقلية ، واعفاء مطلق الفقراء فلاتؤخذ منهم (٣).

وأمر الإسلام بحسن التعامل عند اخذ الجزية ، والاكتفاء بأخذ اليسير من أموالهم وترك ما يحتاجون إليه ، ومن ذلك ان أمير المؤمنين علياً عليه‌السلام أمر جباة الجزية بأن لا يضربوا أحداً ، ولا يبيعوا لهم رزقاً ، ولا كسوة شتاء ولا صيف ولا دابة يعملون عليها ، فقال : « إياك أن تضرب مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً في درهم خراج ، أو تبيع دابة عمل في درهم ، فانا أمرنا أن نأخذ منه العفو » (٤).

__________________

(١) منهاج الصالحين / السيد علي السيستاني ٢ : ٢٤٥.

(٢) المقنعة / الشيخ المفيد : ٢٦٩.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٤٩ ، تحرير الوسيلة : ٢٠٥.

(٤) روضة المتقين / محمّد تقي المجلسي ٣ : ٥٩ ، المطبعة العلمية ، قم ، ١٣٩٥ ه‍.

٩١

وتؤخذ الجزية منهم على قدر ما يطيقون ، عن زرارة قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام ما حدّ الجزية على أهل الكتاب ، وهل عليهم في ذلك شيء موظّف لا ينبغي أن يجوزوا إلى غيره ، فقال : « ذاك إلى الإمام أن يأخذ من كل إنسان منهم ما شاء على قدر ماله بما يطيق » (١).

وكتب أمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام إلى أصحاب الخراج : « ... ولا تمسّنَّ مال أحدٍ من الناس ، مصلٍّ ولا معاهد ، إلاّ أن تجدوا فرساً أو سلاحاً يعدى به على أهل الإسلام ، فإنّه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام » (٢).

وروى زيد عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ان مسلماً قتل خنزيراً لنصراني ، فضمنه علي عليه‌السلام قيمته ، وقال : « انما أعطيناهم الذمة على أن يتركوا يستحلون في دينهم ما كانوا يستحلون من قبل » (٣) وفيما يلي نستعرض تلك الحقوق.

أولاً ـ العدالة في أخذ الجزية :

لا يجوز للمسلمين اخذ مالم يتّفق عليه في عقد الجزية.

فيحق للمسلمين اخذ اموالهم حسب المعاهدة ، وما سوى ذلك فلا يجوز ، فعن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر الباقر عليه‌السلام في أهل الجزية يؤخذ من أموالهم ومواشيهم شيء سوى الجزية ؟ فقال : « لا » (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٦ / ١ ، باب صدقة أهل الجزية ، كتاب الزكاة.

(٢) نهج البلاغة : ٤٢٥.

(٣) مسند الامام زيد : ٢٦٧.

(٤) الكافي ٥ : ٥٦٨ / ٧ ، باب صدقة أهل الجزية ، كتاب الزكاة.

٩٢

وسئل الإمام الصادق عليه‌السلام عن حق المسلمين في أموال أهل الذمة ، فقال : « الخراج ، فإن أخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على أرضهم ، وإن أخذ من أرضهم فلا سبيل على رؤوسهم » (١).

وعن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : أرأيت ما يأخذ هؤلاء من أرض الجزية ، وما يأخذون من الدّهاقين جزية رؤوسهم ، أما عليهم في ذلك شيء موظّف ؟ فقال : « عليهم ما أجازوه على أنفسهم ، وليس للإمام أكثر من الجزية إن شاء وضعها على رؤوسهم ، وليس على أموالهم شيء ، وإن وضعها على أموالهم فليس على رؤوسهم شيء » فقلت له : فهذا الخمس ؟ فقال عليه‌السلام : « هذا شيء كان رسول الله عليه‌السلام صالحهم عليه » (٢).

وأفتى الفقهاء بذلك ، قال المحقق الكركي : « أرض الصلح ، وهي : كل أرض صالح أهلها عليها ، وهي أرض الجزية ، فيلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع أو غير ذلك ، وليس عليهم شيء سواه » (٣).

ثانياً ـ الفصل بين الموقف السياسي وحقّ الملكية :

فصل الإسلام بين الموقف السياسي وحق الملكية ، فالحق يبقى لصاحبه وإن اتخذ موقفاً سياسياً معادياً للاسلام والمسلمين ، وأصبح حربياً ، وقد ورد في كلام الفقهاء انّ « أهل الحرب عندنا لهم أملاك تامة صحيحة ، فعلى هذا إذا كاتب الحربي عبداً له صحّت كتابته لأنه عقد معاوضة ، والحربي والمسلم فيه

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٦٧ / ٢ ، باب صدقة أهل الجزية ، كتاب الزكاة.

(٢) المقنعة : ٢٧٤.

(٣) رسائل المحقق الكركي ١ : ٢٤٢.

٩٣

سواء » (١).

ولا « يعرض لشيء من أموالهم وأملاكهم الخارجة عن محل الحرب » (٢).

وإذا نقض الذمي العهد ولحق بدار الحرب فانّ « أمان أمواله باقٍ ، فإن مات ورثه وارثه الذمي والحربي ، وأما الأولاد الأصاغر فهم باقون على الذمة ، ومع بلوغهم يخيرون بين عقد الذمة لهم بأداء الجزية وبين الانصراف إلى مأمنهم » (٣).

وهذا ـ كما تراه ـ سابق على نشوء منظمات حقوق الإنسان بعدة قرون.

فحقّ الملكية مفصول عن الموقف السياسي والعسكري ، وهذا ما يجسد إنسانية الإسلام في تعامله مع غير المسلمين فلا يبيح التعرّض لأموالهم وممتلكاتهم وإن أعلنوا العداء ونقضوا العهود.

ثالثاً ـ اعادة الحقوق المغتصبة :

حرّم الإسلام الاعتداء على أموال أهل الذمة بل مطلق الناس ، ولذا سنّ قانون الضمان في حال الاعتداء من غصب أو سرقة أو غش أو احتيال ، فمن أتلف من المسلمين أو من غيرهم مالاً لهم فعليه ضمانه.

ويشمل الضمان حقّ الملكية التي لا اعتبار لها في الإسلام كالخمر والخنزير أو آلات اللهو ، فلو « اتلف لذمي خمراً أو آلة لهو ، ضمنها المتلف ولو كان مسلماً ، ويشترط في الضمان الاستتار » (٤).

وخمر الكافر المستتر محترم يضمن بالغصب بقيمته عند مستحلّيه ، وكذلك

__________________

(١) المبسوط في فقه الإمامية ٦ : ١٢٩.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٥٢.

(٣) شرائع الإسلام / المحقق الحليّ ٤ : ١٨٦.

(٤) شرائع الإسلام ٤ : ٢٨٦.

٩٤

في الخنزير (١).

وكان المسلمون لا يعتدون على أملاكهم وأموالهم ، وإن حدث ذلك ضمن من قبلهم ، ولم يستثمر قادة الدولة الإسلامية الظروف لأخذ بعض أموالهم منهم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأخذ بعض ما يحتاج عارية مضمونة وبرضى من صاحبه ، فقد طلب صلى‌الله‌عليه‌وآله من صفوان بن اُمية مئة درع ، فقال : أغصباً يا محمد ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ، ولكن عارية مضمونة » ، قال : لا بأس بهذا (٢).

وقد أفتى الفقهاء ببقاء الحق وعدم سقوطه ووجوب الضمان في مختلف الظروف والاحوال.

قال الشيخ محمد حسن الجواهري : فإن « دخل المسلم دار الحرب مستأمناً فسرق وجب إعادته ـ أي المسروق ـ سواء كان صاحبه في دار الإسلام أو في دار الحرب » (٣).

وقال : ولو « ادخل المسلم دار الحرب بأمان ، فاقترض مالاً من حربي وعاد إلينا ، ودخل صاحب المال بأمان ، كان عليه رده إليه ، لأنّ مقتضى الأمان الكفّ عن أموالهم ».

وقال : ولو « اقترض حربي من حربي مالاً ثمّ دخل المقترض إلينا بأمان ، فإنّ عليه ردّه إليه » (٤).

وقال أيضاً : ولو « دخل حربي دار الإسلام بأمان ، فاشترى عبداً مسلماً ثمّ لحق بدار الحرب فغنمه المسلمون ، كان باقياً على ملك البائع لفساد الشراء ، نعم

__________________

(١) اللمعة الدمشقية / الشهيد الأول : ٢٣٤.

(٢) اعلام الورى : ١١٩.

(٣) جواهر الكلام ٢١ : ١٠٧.

(٤) جواهر الكلام ٢١ : ١٠٧.

٩٥

الظاهر وجوب ردّ الثمن على الكافر ، لأنه قد أخذ منه حال الأمان » (١).

وقال السيد محسن الحكيم والسيد الخوئي « يجب ردّ الوديعة إلى المودع أو وارثه بعد موته وإن كان كافراً ، إلاّ إذا كان المودع غاصباً ، فيجب ردّها إلى مالكها. وإذا أودعه الكافر الحربي حرمت عليه الخيانة ، ولم يصحّ له التملّك للمال ولا بيعه » (٢).

رابعاً ـ حق العمل :

غير المسلمين لهم حق العمل في بلاد المسلمين ، ولا يكرهون على اختيار عمل معين ، فهم احرار في ذلك ، ولا قيود عليهم في العمل ، وإن وجدت فهي على حدّ سواء بين المسلمين وبينهم ، ومنها الأعمال التي تضرّ بالمصلحة العامة ، أما في الاُمور المباحة فهم أحرار ، وقد جعل لهم الحقّ في التصرّف في بعض الأمور ما دامت محلّلة في دينهم ، فيجوز للمسلم قبض دَينه من الذميّ من ثمن ما باعا من المحرّمات في شريعة الإسلام ، ولو أسلم الذميّ بعد البيع استحقّ المطالبة بالثمن (٣).

ولأهل الذمّة حقّ إحياء الأرض الميتة في زمان الفتح ، فإذا « أحياها أحد ملكها بالإحياء مسلماً كان المحيي أو كافراً ، وليس عليه دفع العوض » (٤).

وجوّز الإسلام مشاركتهم للمسلم في الاُمور التجارية والزراعية وغيرها ، فعن إبراهيم بن ميمون قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قرية لأُناس من أهل الذمّة لا أدري أصلها لهم أم لا ، غير انها في أيديهم وعليهم خراج فاعتدى

__________________

(١) جواهر الكلام ٢١ : ٢٢٧.

(٢) منهاج الصالحين / السيد محسن الحكيم ٢ : ١٦٣ ، منهاج الصالحين / السيد الخوئي ٢ : ١٣٤.

(٣) منهاج الصالحين / السيد محسن الحكيم ٢ : ١٨٩ ، منهاج الصالحين / السيد الخوئي ٢ : ١٧٤.

(٤) منهاج الصالحين / السيد محسن الحكيم ٢ : ٣٦ ، المسائل المنتخبة / الشيخ جواد التبريزي : ٢٤٢.

٩٦

عليهم السلطان ، فطلبوا إلي فاعطوني أرضهم وقريتهم على أن أكفيهم السلطان بما قل أو كثر ، ففضل لي بعد ذلك فضل بعد ما قبض السلطان ما قبض ، قال عليه‌السلام : « لا بأس بذلك ، لك ما كان من فضل » (١). فقد أجاز عليه‌السلام صحّة العمل مع أهل الذمة من قبل المسلم.

وعن إسماعيل بن فضل الهاشمي قال : سألت الإمام الصادق عليه‌السلام عن رجل اشترى منهم أرضاً من أراضي الخراج فبنى فيها أو لم يبنِ ، غير ان اُناساً من أهل الذمة نزلوها ، أله أن يأخذ منهم اُجور البيوت إذا أدّوا جزية رؤوسهم ، قال عليه‌السلام : « يشارطهم ، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال » (٢).

وعنه أيضاً قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل اكترى أرضاً من أهل الذمّة من الخراج وأهلها كارهون ، وإنّما تقبّلها من السلطان لعجز أهلها عنها أو غير عجز ، فقال : « إذا عجز أربابها عنها فلك أن تأخذها إلاّ أن يضارّوا ، وإن أعطيتهم شيئاً فسخت أنفس أهلها لكم بها فخذوها » (٣).

والمشاركة من قبل المسلم مع غيره جائزة ولكنها مكروهة ، وترتفع الكراهة إذا كانت المعاملة تجارية وحضور المسلم فيها ، فعن الإمام الصادق عليه‌السلام انه قال : « ان أمير المؤمنين ٧ كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي إلاّ أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم » (٤).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧٠ / ٥ ، باب : قبالة أراضي أهل الذمّة ، كتاب المعيشة.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨٢ / ١ ، باب : شراء أرض الخراج ، كتاب المعيشة.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨٢ / ١ ، باب : شراء أرض الخراج ، كتاب المعيشة.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨٦ / ٢ ، باب : مشاركة الذمي ، كتاب المعيشة.

٩٧

ووجه الكراهة هو عدم التزام كثير من غير المسلمين بأحكام الإسلام في حرمة الربا وسائر المعاملات المحرّمة.

ويجوز أن يستأجر الكافر مسلماً لعملٍ في ذمّته لأنّه دين عليه ويتمكّن من تحصيله بغيره ، وآجر بعض الأنصار نفسه من ذمّي يستقي له كلّ دلو بتمرة ، وأتى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم ينكره (١).

ويكره للمسلم بيع أرضه من ذمي وإجارتها منه لأدائه إلى إسقاط عشر الخارج منها ، فإن باعها من ذمّي أو آجره وكانت من أرض الصلح أو من أرض أسلم أهلها طوعاً صحّ البيع والاجارة (٢).

وتثبت الشفعة للكافر على الكافر ، وإن اختلفا في الدين (٣).

وتثبت الشفعة للذمي على مثله ، سواء تساويا في الكفر أو اختلفا (٤).

وثبوت الشفعة للكافر على مثله محل اتفاق الفقهاء (٥).

ولم يحرّم الإسلام حتّى مهنة الرضاعة للطفل المسلم من قبل المرضعة غير المسلمة.

عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام هل يصلح للرجل أن ترضع له اليهودية والنصرانية والمشركة ، قال عليه‌السلام : « لا بأس » ،

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١٠ : ٢١.

(٢) تذكرة الفقهاء ٥ : ١٥٦.

(٣) تذكرة الفقهاء ١٢ : ٢١٤.

(٤) تذكرة الفقهاء ١٢ : ٢١٢.

(٥) منهاج الصالحين / السيد محسن الحكيم ٢ : ٩٨ ، منهاج الصالحين / السيد الخوئي ٢ : ٧٤ ، جامع الأحكام الشرعية / السيد السبزواري : ٢٦٦ ، منهاج الصالحين / السيد محمّد الصدر ٢ : ٩٨.

٩٨

وقال : « امنعوهنّ من شرب الخمر » (١).

وقد شهد بعض المستشرقين بذلك ، ومنهم آدم متز حيث قال : « من الاُمور التي نعجب لها كثرة عدد العمال والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية » (٢).

خامساً ـ حق الضمان الاجتماعي وتكفّل الدولة الإسلامية :

تبنى الإسلام التكافل الاجتماعي ، واشباع حاجات الفقراء والمستضعفين ، سواء أكانوا مسلمين ام غير مسلمين ، ماداموا يعيشون في ظل الدولة الإسلامية.

روي أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه‌السلام مر بشيخ مكفوف كبير يسأل الناس ، فقال عليه‌السلام : ما هذا ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين نصراني ، فقال عليه‌السلام : « استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه ، أنفقوا عليه من بيت المال » (٣).

وعن عمرو بن أبي نصر قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : ان أهل السواد يقتحمون علينا ، وفيهم اليهود والنصارى والمجوس ، فنتصدّق عليهم ، فقال : « نعم » (٤).

وقال السيد العاملي في ( مفتاح الكرامة ) : « الأقرب جواز الصدقة على الذمي كما في اللمعة ، وظاهر اطلاقهما انه لا فرق فيه بين الرحم والأجنبي ، وقد نصّ على جوازها عليه وإن كان أجنبياً في : الشرائع والتذكرة والتحرير

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٣ / ٤ ، باب من يكره لبنه ومن لا يكره ، كتاب العقيقة.

(٢) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري / آدم متز ١ : ١٠٥.

(٣) تهذيب الاحكام ٦ : ٢٩٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٤ / ٣ ، باب الصدقة على أهل البوادي ، كتاب الزكاة.

٩٩

والارشاد والتبصرة والدروس والروض والمسالك والروضة والمفاتيح ، وجامع المقاصد » (١).

وتبنى القانون الاسلامي دفع الدّية عن الذمي العاجز من بيت المال ، فإذا قتل الذمّي مسلماً خطأً فديته عليه ، فإن لم يكن له مال ، ولا يستطيع السعي ، فعلى بيت مال المسلمين (٢).

وقد تقدّم ان المسلمين كانوا لا يأخذون الجزية من الأطفال والفقراء والشيوخ والمرضى والنساء.

ولو قدر للاسلام ان يطبق في الواقع ، لتمتع جميع المواطنين مسلمين وغير مسلمين بالرفاه والرخاء ، ولزال شبح الفقر والعوز ، إذ حثّ المنهج الاسلامي على التكافل الاجتماعي ، والمساهمة في اشباع حاجات الفقراء والمساكين ، ابتداء بالارحام ثم الجيران ثم المجتمع.

وقد اثبتت السيرة النبوية تمتع اهل الذمة بكامل حقوقهم في العهد النبوي ، حيث منحوا حقّ الضمان اسوة بالمسلمين.

على أن هناك جملة وافرة من الفتاوى الفقهية الرائدة في مجال الكشف عن الوجه الحقيقي لمدرسة أهل البيت عليهم‌السلام إزاء حقوق غير المسلمين من وجهة النظر الإسلامية ، نكتفي باليسير منها وهي :

١ ـ يحرم على المسلم خيانة من يأتمنه على مال أو عمل حتى لو كان كافراً.

٢ ـ لا تجوز السرقة من أموال غيرالمسلمين الخاصة والعامة ولا يجوز اتلافها.

٣ ـ لا يجوز للمسلم أن يأخذ الرواتب والمساعدات بطرق غير قانونية

__________________

(١) مفتاح الكرامة / محمّد جواد الحسيني العاملي ٩ : ١٥٣.

(٢) الكافي في الفقه : ٣٩٥.

١٠٠