سماحة الإسلام وحقوق الأقليّات الدينيّة

السيد سعيد كاظم العذاري

سماحة الإسلام وحقوق الأقليّات الدينيّة

المؤلف:

السيد سعيد كاظم العذاري


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-414-0
الصفحات: ١١٨

مُسْلِمُونَ ) (١).

ونفى القرآن الكريم أَيّ عنوان آخر غير الإسلام عن دين الأنبياء السابقين ، وأثبت انّ الإسلام هو دينهم : ( وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأََسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (٢).

واعتراف أهل الكتاب بانتمائهم للاسلام قبل نزول القرآن الكريم وقبل البعثة النبوية الخاتمة : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُوَْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ) (٣).

وأكّد القرآن الكريم على انّ الدين نزل في اُمة واحدة ، فاستعرض مسيرة الأنبياء عليهم‌السلام في الدعوة والهداية وفي الصراع مع الكفّار وأتباعهم ، ثم ختم ذلك الاستعراض بخطابه للمسلمين : ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (٤).

وأكدّ القرآن الكريم على وحدة التشريع في منهج وحركة الانبياء ، فالله تعالى لم يشرع ديناً جديداً بالبعثة النبوية الخاتمة ، وإنّما هو دين واحد وشريعة

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ / ٥٢.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٣٥ و ١٣٦.

(٣) سورة القصص : ٢٨ / ٥٢ و ٥٣.

(٤) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٢.

٦١

واحدة منذ القدم ، ويظهر هذا التأكيد في خطابه للمسلمين : ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ... ) (١).

والدين واحد في اصوله وفي غاياته وأهدافه وفي وسائله ، متنوع في أدوار المكلّفين بحمله ، فلكلّ مرحلة تاريخية نبيّ خاص وكتاب خاص ينسجم مع أحوال الناس وظروفهم المادية والروحية وطاقاتهم الذاتية ، ولا تناقض بين الكتب المنزلة على الأنبياء ؛ فلكلّ مرحلة كتاب مصدّق للكتاب الأسبق ومكمل له : ( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأََحْبَارُ ... وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِْنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ... وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ... ) (٢).

والدين في مرحلة بعثة النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله هو المرحلة الأخيرة من المراحل التي مّرت بها البشرية ، وبها ختمت الرسالة بعد كمالها ، وهو الحلقة الاخيرة من حلقات الدعوة والهداية.

فالإسلام إذن هو العنوان للدين في جميع مراحله ، وقد أخرج القرآن الكريم الديانات المحرّفة من هذا العنوان ، فأصبحت اليهودية عنواناً لمن حرّف التوراة التي انزلت على موسى عليه‌السلام ، وأصبحت النصرانية عنواناً لمن حرّف الانجيل الذي نزل على عيسى عليه‌السلام ، وكذا الحال في بقية الديانات المحرّفة ،

__________________

(١) سورة الشورى : ٤٢ / ١٣.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٤٤ ، ٤٦ ، ٤٨.

٦٢

واختص عنوان الإسلام بمجموعة المفاهيم والشرائع التي جاء بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتي هي المرحلة الأخيرة من مراحل مسيرة الانبياء عليهم‌السلام.

ونجد الإسلام قد اقرّ المفاهيم والقيم غير المحرّفة ودعا إلى اظهارها وتقريرها في الواقع ، وتعامل مع اتباع الديانات المحرّفة ضمن الاطر والمحاورالمشتركة ، فأقرّهم على ما يتبنونه من عقائد وتشريعات ، فلم يكرههم على التخلي عنها مادامت لا تصطدم مع المصلحة العامة ، وجسّدت مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام جميع مفاهيم وقيم التعاون والرحمة والعفو مع غير المسلمين في العلاقات والمعاملات ، ولا زالت إلى اليوم فئات كثيرة من أهل الكتاب تعيش مع المسلمين مع احتفاظها بجميع الحقوق الفردية والاجتماعية ، ولا زال الكثير منهم يشهد للاسلام وللمسلمين بحسن التعامل معهم ، بخلاف ما نجده في التاريخ القديم والمعاصر من معاملة أهل الأديان للمسلمين بقسوة وفضاضة لا سيما في العصر الحاضر الذي بلغ التمدّن فيه ذروته ، ومع هذا لم تزل قيم غير المسلمين في النظر إلى المسلم قائمة على أسس ومفاهيم عنصرية وعرقية محضة.

ثمّ نقول بعد هذا ، وبعد أن اتضح لنا عنوان الإسلام ، ووحدة الأديان في أهدافها وغاياتها : ستنتفي أية غرابة في الدعوة إلى الإسلام في مكاتيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنها دعوة إلى توحيد الله عزّوجلّ ، دعوة الإنسان إلى فطرته التي فطره الله عليها.

* * *

٦٣

المبحث الثاني

مكاتيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله

أولاً ـ وثيقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في موادعة اليهود :

وهي أول وثيقة كتبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لليهود ، ليحافظ بذلك على الأمن والهدوء والاستقرار في المجتع المدني الذي كانت تسوده البلبلة والاضطرابات بسبب كثافة اليهود وتحزبهم بين حين وآخر للكيد بالمسلمين والرسالة الفتية. وهذا هو نصّ الوثيقة :

« بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من محمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم فلحق بهم ... وانّه من تبعنا من يهود فإنّ له النصر والاسوة ، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم. وانّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين. وانّ يهود بني عوف أمّة مع المؤمنين ، لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم إلاّ من ظلم وأثم ، فإنّه لا يوتغ (١) إلاّ نفسه وأهل بيته. وانّ ليهود بني النّجار مثل ما ليهود بني عوف. وانّ ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف. وانّ ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف. وانّ ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف. وانّ ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف. وانّ ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف ؛ إلاّ من ظلم

__________________

(١) أي يهلك أو يفسد.

٦٤

وأثم ، فإنّه لا يُوتغ إلاّ نفسه وأهل بيته. وانّ لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف ، وإن البرّ دون الإثم. وإنّ موالي ثعلبة كأنفسهم. وان بطانة يهود كأنفسهم ؛ وإنّه لا يخرج منهم أحد إلاّ باذن محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ وانّه لا ينحجر على ثأر جرح (١) ؛ وإنّه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته ، إلاّ من ظلم ؛ وانّ الله على أبرّ هذا (٢). وانّ على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم ، وإنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصّحيفة ؛ وان بينهم النصح والنصيحة والبرّ دون الإثم ، وإنّه يأثم امرؤ بحليفه ؛ وإنّ النصر للمظلوم. وإنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين. وإنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة. وانّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم. وإنّه لاتجار حرمة إلاّ باذن أهلها. وإنّه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإنّ مردّه إلى الله عزّوجلّ ، وإلى محمد رسول الله ٩ ، وإنّ الله على أتقى مافي هذه الصحيفة وأبرّه.

وان بينهم النصر على من دهم يثرب ، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه ، فإنّهم يصالحونه ويلبسونه ، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنّه لهم على المؤمنين إلاّ من حارب في الدين ، على كلّ أناس حصّتهم من جانبهم الذي قبلهم. وإنّ يهود الأوس مواليهم وأنفسهم ، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البرّ المحض من أهل هذه الصحيفة.

وانّ البرّ دون الإثم ، لايكسب كاسب إلاّ على نفسه ؛ وانّ الله على اصدق ما في هذه الصحيفة وأبرّه ، وإنّه لايحول هذا الكتاب دون ظالم

__________________

(١) أي لا يضيع دم حتى الجرح.

(٢) أي ان الله تعالى مع من كان أطوع لهذا العهد.

٦٥

وآثم. وانّه من خرج آمنٌ ، ومن قعد آمِنٌ بالمدينة ، إلاّ من ظلم أو أثم. وانّ الله جار لمن برّ واتقى ، ومحمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١).

ثانياً ـ كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل نجران :

« ... لنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبيّ رسول الله على أنفسهم ، وملتهم ، وارضهم ، وأموالهم ، وغائبهم وشاهدهم وعيرهم وبعثهم وامثلتهم لا يغير ما كانوا عليه ولا يغير حقّ من حقوقهم وامثلتهم ؛ لايفتن أسقف من أسقفيته ، ولا راهب من رهبانيته ، ولاواقه من وقاهيته (٢) على ماتحت أيديهم من قليل أو كثير ؛ وليس عليهم رقق ولا دم جاهلية ، ولا يحشرون ولا يعشرون ولا يطأ ارضهم جيش ، ومن سأل منهم حقاً فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين بنجران ، ومن اكل منهم رباً من ذي قبل فذمتي منه بريئة ، ولا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر ، ولهم على مافي هذه الصحيفة جوار الله وذمة محمد النبي أبداً حتى يأتي أمر الله مانصحوا واصلحوا فيما عليهم غير مكلفين شيئاً بظلم » (٣).

ثالثاً ـ كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل جرباء وأذرح :

« بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من محمّد النبي رسول الله

__________________

(١) مكاتيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله / علي الأحمدي الميانجي ٣ : ٦ ، ٤٤ ، دار الحديث ، طهران ، ١٤١٩ ه‍.

(٢) الواقه : قيّم البيعة. والوقاهية : وظيفته. وأكثر ما يرد بالفاء ( الوافه ).

(٣) مكاتيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله / علي الأحمدي الميانجي ٣ : ١٦٥ ، وقد ورد النص بصيغ متعدّدة.

٦٦

لأهل جرباء وأذرح : إنهم آمنون بأمان الله وأمان محمّد ، وانّ عليهم مائة دينار في كل رجب ومائة أوقية طيبة ، وانّ الله عليهم كفيل بالنصح والاحسان إلى المسلمين ومن لجأ إليهم من المسلمين » (١).

رابعاً ـ كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قيصر :

« بسم الله الرحمن الرحيم : من محمّد رسول الله عبده ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فاني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فانّ عليك إثم اليريسيين ، و ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الأَّ نَعْبُدَ الأَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (٢) » (٣).

خامساً ـ كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى كسرى :

« بسم الله الرحمن الرحيم : من محمّد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأدعوك بداعية الله عزّوجلّ ، فانّي أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيّاً ويحقّ القول على الكافرين فأسلم تسلم ، فإن أبيت فإنّ إثم المجوس عليك » (٤).

__________________

(١) مكاتيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ٣ : ١١٣.

(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٦٤.

(٣) تاريخ اليعقوبي : ٧٧.

(٤) بحار الأنوار ٢٠ : ٣٨٩.

٦٧

سادساً ـ كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى النجاشي :

« بسم الله الرحمن الرحيم : من محمّد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة ، انّي أحمد اليك الله الملك القدوس السلام المهيمن ، وأشهد أنّ عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة ، فحملت بعيسى ، واني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له ، فإن تبعتني وتؤمن بالذي جاءني فانّي رسول الله ، وقد بعثت إليك ابن عمّي جعفراً ومعه نفر من المسلمين ، والسلام على من اتبع الهدى » (١).

سابعاً ـ كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المقوقس :

« بسم الله الرحمن الرحيم : من محمّد بن عبدالله إلى المقوقس عظيم القبط ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فانّي أدعوك بداعية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين ، فإن تولّيت فإنّ عليك إثم القبط ، و ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الأَّ نَعْبُدَ الأَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) » (٢).

ثامناً ـ كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المنذربن ساوي العبدي صاحب البحرين :

كتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المنذر بن ساوي كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام ، فكتب المنذر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما بعد يارسول الله فانّي قرأت كتابك على أهل البحرين ، فمنهم من أحبّ الإسلام وأعجبه ودخل فيه ، ومنهم من كرهه ، وبأرضي مجوس ويهود فأحدث إليّ في ذلك أمرك.

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٠ : ٣٩٢.

(٢) مكاتيب الرسول ٢ : ٤١٧.

٦٨

فكتب إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « بسم الله الرحمن الرحيم : من محمّد النبي رسول الله إلى المنذر بن ساوي : سلام عليك فاني أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو ، أما بعد : فان كتابك جاءني ورسلك ، وانه من صلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا واستقبل قبلتنا ، فانه مسلم ، له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين ، ومن أبى فعليه الجزية » (١).

تاسعاً ـ كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يهود خيبر :

« بسم الله الرحمن الرحيم : من محمّد رسول الله صاحب موسى وأخيه المصدّق لما جاء به ، ألا إنّ الله قال لكم : يا معشر أهل التوراة ، وانكم لتجدون ذلك في كتابكم : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِْنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (٢) وإني انشدكم بالله ، وانشدكم بما أنزل عليكم ، وانشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسباطكم المنّ والسلوى ، وأنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاكم من فرعون وعمله إلاّ أخبرتموني هل تجدون فيما أنزل الله عليكم أن تؤمنوا بمحمّد ؟ فإن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كره عليكم ( قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) (٣) فأدعوكم إلى الله ونبيه » (٤).

__________________

(١) مكاتيب الرسول ٢ : ٦٥٩.

(٢) سورة الفتح : ٤٨ / ٢٩.

(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٥٦.

(٤) مكاتيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ٢ : ٤٨٧.

٦٩

العاشر ـ كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى هوذة الحنفي :

« بسم الله الرحمن الرحيم : من محمّد رسول الله إلى هوذة بن علي ، سلام على من اتّبع الهدى ، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر أسلم تسلم ، وأجعل لك ما تحت يديك » (١).

الحادي عشر ـ كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الحارث بن أبي شمر الغساني :

« بسم الله الرحمن الرحيم : من محمّد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر ، سلام على من اتّبع الهدى وآمن به وصدق ، وانّي أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك » (٢).

ومن ملاحظة جميع هذه المكاتيب يتّضح ان هدفها الأول والأخير هو الدعوة إلى الإيمان بالله عزّوجلّ ، وتحقيق حلم الأنبياء جميعاً بأن يُعبد الله في أرضه ولا يشرك به شيئاً.

المبحث الثالث

شرائط الذمّة

الأول : الموافقة على دفع الجزية.

الثاني : أن لا يفعلوا ما ينافي الامان ضد المسلمين ، مثل العزم على حرب المسلمين ، أو امداد المشركين بالمال والسلاح.

الثالث : أن لا يؤذوا المسلمين في أعراضهم أو السرقة لأموالهم ، أو إيواء

__________________

(١) مكاتيب الرسول ٢ : ٣٤٣.

(٢) مكاتيب الرسول ٢ : ٤٥٧.

٧٠

عين المشركين ضدهم.

الرابع : أن لا يتظاهروا بالمنكرات ، كشرب الخمر والزنا وأكل لحم الخنزير ونكاح المحارم ، ومن ذلك أن يحدثوا كنيسة جديدة أو بيعة ، أو يضربوا ناقوساً ، وما شاكل ذلك.

الخامس : أن يجري عليهم أحكام المسلمين من ناحيتي الولاية والقضاء.

السادس : أن لا يربّوا أولادهم بالمنع عن معرفة الدين الاسلامي ولا غير أولادهم ممّن يريد ذلك ، بل يجب عليهم اعطاؤهم الحرية والاختيار في الدين كمطالعة الكتب الإسلامية وحضور مجالس المسلمين ونحو ذلك.

السابع : أن لا يأووا إليهم أعداء الإسلام (١).

فلو اشترطت عليهم هذه الشرائط أو غيرها ، وجب على الكفار الالتزام بها ، وإن اخلّوا بها مع الشرط ، فقد أخلوا بالذمة وخرجوا عن ذمة الإسلام ، واما الشرطان الأولان فحاصلان على كل حال ، بمعنى انهم يخرجون عن الذمة بنقضهما أو أحدهما ولو لم يشترطا بصراحة في العهد.

وطرف الذمة من المسلمين هو الإمام أو نائبه ، وهو المشرف الرئيسي على تطبيق الشروط ، وطرفها الآخر هم أهل الكتاب من النصارى واليهود والمجوس دون غيرهم ، بل لا يخلو الحاق المجوس من اشكال ، فضلاً عن الصابئة ، ونتيجتها انهم إذا التزموا بالشروط يرتفع عنهم القتال والاستعباد ويقرون على أديانهم ، ويسمح لهم بالسكنى في دار الإسلام آمنين على أنفسهم وأموالهم ، بل

__________________

(١) المبسوط في فقه الإمامية ٧ : ٢٧٢ ، الكافي في الفقه : ٢٥٠ ، ٢٥١ ، تذكرة الفقهاء ٩ : ٣١٧ وما بعدها ، رياض المسالك ٨ : ٤٨ ، جواهر الكلام ٢١ : ٢٦٧ ، تحرير الوسيلة ٢ : ٥٠١ ، ما وراء الفقه / السيد محمّد صادق الصدر ١٠ : ١٨٣.

٧١

يجب ضمان الدفاع عنهم إذا اعتدى عليهم معتد ، فانّ هذا هو معنى دخولهم في ذمة الإسلام ، كما يجب عليهم ان يدافعوا عن المسلمين لو حصل الاعتداء عليهم ، ولكن لو تركوا ذلك فقط ، لم يخلّوا بشرائط الذمة ، ما لم يكن مشترطاً عليهم في العهد الاصلي.

ولا يجوز لأهل الذمّة احداث الكنائس والبيع والصوامع والاديرة وبيوت النيران في بلاد الإسلام ، والبلاد الداخلة في ذمة الإسلام ، وإذا أحدثوها خرجوا عن الذمة.

واما إذا كانت هذه الامور موجودة قبل الفتح ، فاما أن يشترط إزالتها في العهد الاصلي أولا ، فإن اشترط وجب إزالتها ، وإن رفضوا خرجوا عن العهد ، وإن اشترطوا استمرارها وجب الالتزام لهم ، وإن لم يشترطوا شيئاً ، فإن كان بقاؤها منافياً لمظاهر الإسلام وشوكته ، فعلى ولي الأمر هدمها وإزالتها ، وإلاّ فلا مانع من إقرارهم عليها ...

إن شرائط الذمة لا يتعيّن فيها إلاّ اثنان ، وهما الشرطان الأولان من الشرائط الستة السابقة ، وأمّا الشرائط الاُخرى ، فيتبع في تعيينها وزيادتها ونقصها ، وضع المجتمع الفعلي ، والمصلحة الوقتية عند وضع الشروط.

وانما ذكر الفقهاء هذه الشروط كنماذج للشرائط التي تكون غالباً موافقة مع المصلحة العامة ...

وان المجتمع الكتابي بعد قبوله لشروط الذمة يجب حفظ نفوسه وأمواله عن اعتداء المسلمين وغيرهم افراداً كانوا أو جماعات ، كما يقر على دينه وطقوسه وعاداته.

وانّ من نتائج قبول هذه الشرائط ، امكان اختلاط أفراد المجتمعين المسلم

٧٢

والذمّي ببعضهم البعض ، اختلاطاً غير محدود ، من جميع الجهات المنظورة والجائزة في الشرع الاسلامي ، وخاصة إذا قلنا بطهارة أهل الكتاب ، وقلنا بجواز التزاوج معهم كما عليه جملة من الفقهاء ، فسوف يكون الاختلاط كاملاً من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والاسرية كذلك (١).

والفلسفة من هذه الشرائط هي باختصار الحفاظ على سيادة الدولة وكيانها من الفساد ومن الاضطراب والانحلال والضعف الذي يترتّب على عدم ضبط مثل هذه الأمور الملحة في المجتمع ، والالتزام بها يجعل المجتمع آمناً لا اضطراب فيه ، ويكون الناس آمنين على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم سواء أكانوا مسلمين أم أهل ذمّة.

__________________

(١) ماوراء الفقه ١٠ : ١٨٣ ـ ١٩٢.

٧٣

الفصل الخامس

حقوق الأقليات الدينية في مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام

المبحث الأول

حق الاعتقاد وإبداء الرأي والتقاضي

أولاً ـ حق الاعتقاد والتديّن :

جاء الإسلام لهداية البشرية وانقاذها من الضلالة والاوهام ، ومن ظلمات الجهل والخرافة ، وقد فتح للهداية أبواباً من البينات والدلائل العقلية الواضحة ، وحث الإنسان على التدبر في الكون والحياة ، وفي آفاق النفس البشرية ليهتدي بعد التدبر والاستدلال ، وجعله حرّاً في ارادته في الايمان والاعتقاد مخيراً لا مسيراً ، ولهذا لم يكره احداً على تبني العقيدة الإسلامية ، قال تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأََرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤمِنِينَ ) (١).

وصرّح القرآن الكريم بعدم الأكراه في الدين والاعتقاد فقال : ( لا إِكْرَاهَ

__________________

(١) سورة يونس : ١٠ / ٩٩.

٧٤

فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ... ) (١).

وحول تفسير الآية الكريمة قال العلاّمة الطبرسي : « إنّ المراد ليس في الدين إكراه من الله ، ولكنّ العبد مخيّر فيه لأنّ ما هو دين في الحقيقة هو من أفعال القلوب إذا فعل لوجه وجوبه ، فأمّا ما يكره عليه من إظهار الشهادتين فليس بدين حقيقة » (٢).

وقال العلاّمة الطباطبائي : « وهذه إحدى الآيات الدالّة على أنّ الإسلام لم يبتنِ على السيف والدم ولم يفتِ بالاكراه والعنوة على خلاف ما زعمه عدة من الباحثين من المنتحلين وغيرهم انّ الإسلام دين السيف ... انّ القتال الذي ندب إليه الإسلام ليس لغاية احراز التقدّم وبسط الدين بالقوة والاكراه ، بل لإحياء الحق والدفاع عن أنْفَسِ متاعٍ للفطرة وهو التوحيد ، وأمّا بعد انبساط التوحيد بين الناس وخضوعهم لدين النبوة ولو بالتهوّد والتنصّر ، فلا نزاع لمسلم مع موحّد ولا جدال ».

وقال أيضاً : « إن الآية أعني قوله : ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) (٣) غير منسوخة بآية السيف » (٤).

وقد جسّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الحقيقة في سيرته العملية ، فلم يكره أيّ أحد على تبني العقيدة الإسلامية ، ففي أوائل هجرته « جاءه اليهود : ( قريظة والنضير والقينقاع ) فقالوا : يامحمّد إلى ما تدعو ؟ قال : إلى شهادة أنّ لا إله إلاّ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٥٦.

(٢) مجمع البيان / الطبرسي ١ : ٣٦٤.

(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٥٦.

(٤) الميزان في تفسير القرآن / السيد الطباطبائي ٢ : ٣٤٣.

٧٥

الله ، وأنّي رسول الله الذي تجدونني مكتوباً في التوراة ، والذي أخبركم به علماؤكم أن مخرجي بمكة ومهاجري بهذه الحرّة ... فقالوا له : قد سمعنا ما تقول وقد جئناك لنطلب منك الهدنة على أن لا نكون لك ولا عليك ، ولا نعين عليك أحداً ، ولا تتعرض لنا ولا لأحد من أصحابنا حتى نظرنا إلى ما يصير أمرك وأمر قومك ، فأجابهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ذلك وكتب بينهم كتاباً أن لا يعينوا على رسول الله ، ولا على أحد من أصحابه بلسان ولا يد ولا بسلاح ولا بكراع في السرّ والعلانية لا بليل ولا بنهار ، والله بذلك عليهم شهيد » (١).

ثانياً ـ شهادات من الواقع واعترافات غير المسلمين :

الاعتراف بحق الاعتقاد والتدين من قبل الإسلام والمسلمين من الحقائق البارزة التي اعترف بها غير المسلمين انصافاً منهم في قول الحقيقة لما لمسوه وشاهدوه من ممارسات ايجابية في علاقات المسلمين بغيرهم.

فقد كتب البطريك المسيحي ( سيمون ) من مدينة مرو : « انّ العرب الذين اورثهم الله ملك الارض لايهاجمون الدين المسيحي أبداً ... انهم يساعدوننا ويحترمون الهنا وقديسنا ... » (٢).

وقال مونتجومري وات : « كان السبب الأول في نجاح محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاذبية الإسلام ، وقيمته كنظام ديني واجتماعي لسد حاجات العرب الدينية والاجتماعية.

كما انّ بصيرة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ودبلوماسيته ومهارته الادارية لعبت دوراً كبيراً في نجاحه ... يضاف إلى ذلك انّ مهارته في ادارة التحالف الذي يرأسه ... جعل

__________________

(١) إعلام الورى بأعلام الهدى / الطبرسي : ٧٩.

(٢) روح الإسلام / سيد أمير علي : ٢٦٥.

٧٦

الكل يشعرون ، ماعدا أقلية لا أهمية لها ، انّهم يعاملون معاملة حسنة ، زادت الفرق بين شعور الانسجام والرضى في الامة الإسلامية وشعور القلق في مكة ، ولا شك انّ ذلك اثّر في كثير من الناس وجذبهم إلى محمّد » (١).

وقال أيضاً : « حتى إذا مابدت علامات التحلل على الامبراطورية البيزنطية والفارسية ، وشعر الناس بالحاجة إلى شيء متين يتمسكون به ، قدمت الامة الإسلامية لهم هذا الاستقرار المطلوب » (٢).

وقال جوستاف لوبون : « انّ القوة لم تكن عاملاً في انتشار الإسلام ... والحق ان الامم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب ـ أي المسلمين ـ » (٣).

وقال سيرتوماس وأرنولد : « يمكننا ان نحكم من الصلات الودية التي قامت بين المسيحيين والمسلمين من العرب بانّ القوة لم تكن عاملاً حاسماً في تحويل الناس إلى الإسلام » (٤).

وقال توماس كاريل : « ان اتهام محمد بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم » (٥).

وقالت الكاتبة الايطالية لورافيشيا فاغليري : « ان الإسلام لا يبيح

__________________

(١) محمّد في المدينة / مونتجومري وات : ١٠٣ ، ١٠٤ ، ترجمة شعبان بركات ، المكتبة العصرية ، بيروت.

(٢) محمّد في المدينة : ٢٢١.

(٣) حضارة العرب / جوستاف لوبون : ١٤٥ ، ١٤٦ ، طبعة البابي ، القاهرة ، ١٩٦٩.

(٤) الدعوة إلى الإسلام / سير تومانس وأرنولد : ٦٥ ، مطبعة الدجوى ، القاهرة ، ١٩٧١ م.

(٥) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه / عباس محمود العقاد : ٢٢٧ ، مطبعة مصر ، ١٣٧٦ ه‍.

٧٧

امتشاق الحسام إلاّ دفاعاً عن النفس ، وهو يحرم العدوان تحريماً صريحاً ... واباحت الشريعة القتال للمسلمين دفاعاً عن حرية الضمير لاقرار السلم واستتاب الأمن والنظام » (١).

وقال روبرتسون : « ان المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الجهاد والتسامح نحو اتباع الاديان الاخرى الذين غلبوهم وتركوهم احراراً في اقامة شعائرهم الدينية » (٢).

وقال المسيوبونه موري : « الاسباب التي جعلت للاسلام الفوز في افريقية بين السود ، وأهم هذه الاسباب بساطة العقيدة الإسلامية التي تنحصر في كلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ... كذلك الإسلام ليس فيه طبقات ودرجات ، فالزنجي لا يرى نفسه محتقراً في الجماعة الإسلامية » (٣).

ونحو هذا صرّح الكاتب المسيحي الفرنسي هوبير ديتان حاكم المستعمرات الفرنسية بأفريقيا حتى سنة ١٩٥٠ م في كتابه « الديانات في أفريقيا السوداء » قال : « إن انتشار دعوة الإسلام في أغلب الظروف لم تقم على القسر ، وإنما قامت على الاقناع ... وكثيراً ما انتشر الإسلام بالتسرب السلمي البطيء من قوم إلى قوم .. وقد يسّر انتشار الإسلام أمر آخر هو أنه دين فطرة بطبيعته سهل التناول ، لا لبس ولا تعقيد في مبادئه ، سهل التكييف والتطبيق في مختلف الظروف ، ووسائل الانتساب إليه أيسر وأيسر ، إذ لا يطلب من الشخص

__________________

(١) دفاع عن الإسلام / لورافيشيا فاغليري : ١١ ، ١٢ ، دار العلم ، بيروت ، ١٩٦٠ م.

(٢) الإسلام في قفص الاتهام / شوقي أبو خليل : ١٢٥ ، دار الفكر ، ط ٢.

(٣) حاضر العالم الاسلامي / لوثروب ستودارد ٣ : ٣ ، دار الفكر ، بيروت ، ١٣٩٤ ه‍.

٧٨

لاعلان إسلامه سوى النطق بالشهادتين ، فيصبح بذلك في عداد المسلمين » (١).

وقال الأب ميشون : « انّ من المحزن للأُمم المسيحية ان يكون التسامح الديني الذي هو اعظم ناموس للمحبة بين شعب وشعب ، هو مما يجب ان يتعلمه المسيحيون من المسلمين » (٢).

ويرى المؤرخ المسلم شكيب ارسلان انّ « الذي منع الترك عن حمل النصارى الذين كانوا تحت سلطانهم على الإسلام او الجلاء ، هو الشرع المحمدي الذي يمنع الاكراه في الدين ويرضى من المعاهد بالجزية ».

وقال أيضاً : « ولقد كانت في السلطنة العثمانية عشرات ملايين من المسيحيين يعيشون وافرين مترفهين كاسبين متمتعين بامتيازات كثيرة مدة عمل الاتراك بالشرع الاسلامي ، فلما جاءت الجمهورية التركية الحاضرة وبطل العمل بالشرع واخذ الاتراك باوضاع الافرنج وقلدوهم في كل شيء ... لم يبق في جميع الاناضول إلاّ فئة قليلة جداً من المسيحيين عدة آلاف » (٣).

ثالثاً ـ حرية التفكير وحق ابداء الرأي :

منح الإسلام حرية التفكير ، وحق ابداء الرأي لاتباع الأديان التي تعيش في ظل الدولة الإسلامية ، وفي داخل المجتمع الاسلامي ، وفقاً لمتبنياته في تحرير العقل والتفكير ، باقامة الحجة والبرهان ، فلا يمنع من ان يكون الإنسان حراً في إبداء رأيه غير مقلد ولا تابع ، وان يعبر عن هذا الرأي عن طريق الحوار ،

__________________

(١) مقارنة الأديان / د.أحمد شلبي ٣ :١٨٥ ـ ١٨٨ ، مكتبة النهضة ، القاهرة ، ١٩٦٧.

(٢) حاضر العالم الإسلامي / لوثروب ستودارد ٣ : ٢١١ ، دار الفكر ، بيروت ، ١٣٩٤ ه‍.

(٣) المصدر السابق ٣ : ٢٠٩ ، ٣٢٨.

٧٩

وبالاُسلوب الذي يريده ، حتّى وإن كان رأيه ساذجاً ومخالفاً للواقع ، كما هو الحال عن تعبير أهل الكتاب عن آرائهم ( وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (١).

وأمر القرآن الكريم باستخدام الاسلوب الحسن في الجدال مع أصحاب الديانات ، وهذا يقتضي منح الحرية لهم في إبداء وجهات نظرهم في مختلف القضايا والأحداث ، قال تعالى : ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (٢).

والقرآن الكريم يدعو صراحة إلى حرية الحوار وإبداء وجهات النظر المختلفة ، دون إكراه أو إرهاب فيقول : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (٣).

فالإسلام لم يمنع غيره من إبداء وجهات النظر عن طريق الحوار العلمي الهادئ الذي يقوم على اُسس سليمة عن طريق إقامة الدليل والحجّة والبرهان ، وهنالك قيود قيّد بها الإسلام غير المسلمين طبقاً لمعاهدة التعايش السلمي التي اتفق عليها المسلمون مع من يعيش في مجتمعهم وبيئتهم ، وهذه القيود لا تختص بهم ، بل هي شاملة لهم وللمسلمين حفاظاً على المقدسات

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١١١.

(٢) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٤٦.

(٣) سورة آل عمران : ٣ / ٦٤.

٨٠