نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

من غير غمز في سنده ، و ( الدّهلوي ) يقتدي به وينتحل أباطيله ، لكن لا ينظر إلى موقفه من هذا الحديث بعين الإعتبار!!

(٨١)

رواية البدخشاني

ورواه محمّد بن معتمد خان البدخشاني الحارثي ـ الذي صرّح ( الدهلوي ) وتلميذه الرشيد بكونه من أعاظم أهل السنّة ـ حيث قال : « أخرج الترمذي عن أنس رضي‌الله‌عنه قال : كان عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم طير فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاء علي فأكل معه » (١).

ترجمته

وترجم له الندوي اللكهنوي في مشاهير علماء الهند ووصفه بـ « الشيخ العالم المحدّث ، محمّد بن رستم بن قباد الحارثي البدخشي ، أحد الرجال المشهورين في الحديث والرجال » ثمّ ذكر كتبه : تراجم الحفّاظ ، مفتاح النجا ، نزل الأبرار ، تحفة المحبّين (٢).

(٨٢)

رواية محمّد صدر العالم

ورواه محمّد صدر العالم في كتابه ( معارج العلى ) حيث قال : « أخرج

__________________

(١) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ـ مخطوط.

(٢) نزهة الخواطر ٦ / ٢٥٩.

٣٨١

الترمذي عن أنس قال : كان عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم طير فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. فجاء علي فأكل معه » (١).

وقد ذكر صدر العالم في خطبة كتابه : أنّه رأى أمير المؤمنين عليه‌السلام في مبشرة فبايعه قال : « وتوجّهت إليه لأبايع معه ، فمدّ إليّ يده الكريمة فأخذتها وتمسّكت واعتصمت ، وبايعت معه كما يبايع مع الشيوخ ، فأرشدني وأخذ منّي المواثيق الجليلة : فصرت تلميذا له ومريدا.

فبعثني حبّ التلميذ لاستاذه ، والمريد لشيخه ، بل العبد لمولاه والعاشق لعشيقه : أن أمدحه وأذكر مناقبه العليا ، وأقرّ عين المحبّين ببيان فضائله الفضلى ، ومآثره السميا ، لكي أدخل في زمرة المدّاحين له والمثنين عليه ، وأحسب في شيعته والمقرّبين لديه.

ثمّ إنّي ما أردت بكلمة الشيعة الفرقة الرّافضة الشنيعة ، ولكنّي قصدت بها الأمة العارفة المحققة الصوفيّة ، التي هي الشيعة على الحقيقة ، فشرعت في تأليف مختصر مسمّى بمعارج العلى في مناقب المرتضى ... ».

ترجمته

قال الندوي اللكهنوي : « الشيخ الفاضل ، أحد العلماء العاملين ، وعباد الله الصالحين » ، ثمّ ذكر مصنّفاته ومنها ( معارج العلى ) وذكر كلمة ولي الله الدهلوي وقصيدته في تقريظ الكتاب المذكور (٢).

__________________

(١) معارج العلى في مناقب المرتضى ـ مخطوط.

(٢) نزهة الخواطر ٦ / ١١٣.

٣٨٢

(٨٣)

رواية محمّد الأمير الصّنعاني

والشيخ محمّد بن إسماعيل الأمير اليمني الصّنعاني روى هذا الحديث وحقّقه وأثبته وشيّده ... وهذه عبارته كاملة :

« وغداة الطير من شاركه

فيه إذ جاء له الطير شوّيا

الغداة أريد اليوم نفسه ، والطير هو الحجل ـ بالحاء المهملة والجيم كما يأتي به الرواية ـ والشوي : المشوي.

والبيت : إشارة إلى حديث الطير المشهور ، وما فيه من الفضيلة القاضية له لمحبّة الله له ومحبّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، بل بما أحبّه الله له وأحبّه رسوله صلّى الله عليه وسلّم له. قال المحبّ الطبري رحمه‌الله : ذكر أنّه عليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الله بعد رسوله صلّى الله عليه وسلّم :

عن أنس بن مالك قال : كان عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم طير فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك يأكل معي من هذا الطير ، فجاء علي بن أبي طالب فأكل معه. خرّجه الترمذي ، والبغوي في المصابيح ـ في الحسان ـ.

أخرجه الحربي وقال : أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير ، وكان ممّا يعجبه أكله. مّ ذكر الحديث.

وخرّجه الإمام أبو بكر محمّد بن عمير بن بكير النجار وقال : عن أنس قال : قدمت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طيرا ، فسمّى وأكل لقمة ثمّ قال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليّ ، فأتى علي فضرب الباب. فقلت : من أنت؟ فقال : علي. فقلت : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، ثمّ أكل لقمة فقال مثل الاولى. قال : فضرب علي فقلت : من أنت؟ فقال :

٣٨٣

علي. فقلت : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة. ثمّ أكل لقمة فقال مثل ذلك. قال : فضرب علي ورفع صوته. فقال رسول الله : يا أنس ، افتح الباب. قال : فدخل علي ، فلمّا رآه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تبسّم ثمّ قال : الحمد لله الذي جعلك. فإنّي أدعو في كل لقمة أن يأتيني بأحبّ الخلق إليه وإليّ. فكنت أنت. فقال : والذي بعثك بالحقّ إنّي لأضرب الباب ثلاث مرّات ويردّني أنس. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لم رددته؟ قال : كنت أحبّ معه رجل من الأنصار. فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : لا يلام الرّجل على حبّه قومه.

قلت : وفي الجامع الكبير في مسند أنس قال : إن أم سلمة أتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحجلان قد شركتهنّ بأصابعهن وخمرهن ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : اللهم ايتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر. قال أنس : فجاء علي بن أبي طالب فقال : استأذن لي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت : هو على حاجة ، وأحببت أن يجئ رجل من الأنصار. فرجع ثمّ عاد ، فسمع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صوته فقال : ادخل يا علي ، اللهم وإليّ ، اللهم وإليّ ، اللهم وإليّ. أخرجه ابن عساكر.

وأخرج ابن عساكر أيضا عن دينار عن أنس قال : كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فأهدي له طائر مشوي فقال : اللهم ائتني بأحبّ الخلق إليك ، فجاء علي بن أبي طالب. فقلت : رسول الله مشغول ، فرجع ثمّ جاء بعد ساعة ، فدقّ الباب ورددته مثل ذلك. ثمّ قال رسول الله : يا أنس ، افتح له فطال ما رددته. قلت : يا رسول الله ، كنت أطمع أن يكون رجلا من الأنصار. فدخل علي بن أبي طالب ، فأكل معه من الطير. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : المرء يحبّ قومه.

وأخرج ابن عساكر أيضا عن عبد الله القشيري قال : حدّثني أنس بن مالك قال : كنت أحجب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فسمعته يقول : اللهم أطعمنا

٣٨٤

من طعام الجنّة ، فأتي بلحم طير مشوي فوضع بين يديه فقال : اللهم ائتنا بمن نحبه ويحبّك ويحبّ نبيّك ويحبّه نبيّك. قال أنس : فخرجت فإذا علي بالباب ، فاستأذنني فلم آذن له ، ثمّ عدت فسمعت من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك ، فخرجت فإذا علي بالباب فاستأذنني فلم آذن له ـ أحسب أنّه قال ثلاثا ـ فدخل بغير إذني. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ما الذي أبطأ بك يا علي؟ قال : يا رسول الله جئت لأدخل فحجبني أنس. قال : يا أنس لم حجبته؟ قال : يا رسول الله لمّا سمعت الدعوة أحببت أن يجئ رجل من قومي فيكون له. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : لا يضر الرجل محبّة قومه ما لم يبغض سواهم.

وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل من حديث سفينة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : أهدت امرأة من الأنصار طيرين بين رغيفين ، فقدمت إليه الطّيرين فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ، فجاء علي فرفع صوته فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من هذا؟ قلت : علي. قال : فافتح له ، ففتحت له ، فأكلا من الطيرين حتى فنيا.

وأخرج ابن المغازلي في مناقبه بسنده إلى أنس قال : أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير مشوي ، فلمّا وضع بين يديه قال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليّ يأكل معي من هذا الطائر ، قال : فقلت : في نفسي : اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، قال : فجاء علي فقرع الباب قرعا خفيفا فقلت : من هذا؟ قال : علي. قلت : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة. فانصرف. فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول الثانية : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر. فقلت في نفسي : اللهم اجعله رجلا من الأنصار. قال : فجاء علي فقرع الباب. فقلت : ألم أخبرك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة! فانصرف. قال : فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول الثالثة : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر. فجاء علي فضرب الباب ضربا شديدا. فقال رسول الله

٣٨٥

صلّى الله عليه وسلّم : افتح افتح افتح. فلمّا نظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : اللهم وإليّ ، اللهم وإليّ ، اللهم وإليّ. قال : فجلس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأكل معه من الطير.

قلت : وهذا الخبر رواه جماعة عن أنس ، منهم : سعيد بن المسيب ، وعبد الملك بن عمير ، وشيبة بن الحجاج الطائفي ، وابن أبي الرجال الكوفي ، وأبو الهندي ، وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر ، ويغنم بن سالم بن قنبر.

وغيرهم » (١).

ترجمته

١ ـ الشوكاني : « السيد محمّد بن إسماعيل بن صلاح ... الصنعاني المعروف بالأمير. الإمام الكبير ، المجتهد المطلق ، صاحب التصانيف ...

رجل إلى مكّة وقرأ الحديث على أكابر علمائها وعلماء المدينة ، وبرع في جميع العلوم ، وفاق الأقران ، وتفرّد برئاسة العلم في صنعاء ، وتظهر بالاجتهاد ، وعمل بالأدلّة ، ونفر عن التقليد ، وزيّف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية ، وجرت له مع أهل عصره خطوب ومحن ... وله مصنّفات جليلة حافلة ، وقد أفرد كثيرا من المسائل بالتّصنيف.

وبالجملة ، فهو من الأئمة المجددين لمعالم الدين ... وتوفي رحمه‌الله في يوم الثلاثاء ، ثالث شهر شعبان ، سنة ١١٨٢ ... » (٢).

٢ ـ القنوجي : « هو الإمام الكبير المحدّث الاصولي المتكلم الشهير ، قرأ كتب الحديث وبرع فيها ، وكان إماما في الزهد والورع ، يعتقده العامّة والخاصة ، ويأتونه بالنذور ...

__________________

(١) الروضة الندية ـ شرح التحفة العلوية

(٢) البدر الطالع ٢ / ١٣٣.

٣٨٦

قال الشيخ أحمد بن عبد القادر الحفظي الشافعي في ذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآل : الإمام السيد المجتهد الشهير ، المحدّث الكبير السراج المنير ، محمّد بن إسماعيل الأمير ، مسند الدّيار ومجدّد الدين في الأقطار ، صنّف أكثر من مائة مؤلّف ، وهو لا ينسب إلى مذهب بل مذهبه الحديث.

له مصنفات جليلة ممتعة ، تنبئ عن سعة علمه وغزارة اطلاعه على العلوم النقلية والعقلية ، وكان ذا علم كبير ورياسة عالية ، وله في النظم اليد الطولى ، بلغ رتبة الاجتهاد المطلق ، ولم يقلّد أحدا من أهل المذاهب ، وصار إماما كاملا مكملا بنفسه ... » (١).

(٨٤)

رواية محمّد مبين السهالي

ورواه المولوي محمّد مبين بن محبّ الله بن أحمد عبد الحقّ السهالي ، قال :

« عن أنس بن مالك ، قال : كنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : فقدّم لرسول الله فرخ مشوي فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. قال فقلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، فجاء علي فقلت : إنّ رسول الله على حاجة. ثمّ جاء فقال رسول الله : افتح. فدخل ، فقال رسول الله : ما حملك على ما صنعت؟ فقلت : يا رسول الله : سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلا من قومي. فقال رسول الله : إنّ الرجل قد يحبّ قومه. وفي بعض الروايات : ( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ). وهذا الحديث

__________________

(١) أبجد العلوم : ٨٦٨.

٣٨٧

في المشكاة أيضا برواية الترمذي » (١).

ترجمته وكتابه :

والمولوي محمّد مبين من أكابر محدّثي أهل السنّة وعلمائهم الأعلام في بلاد الهند ، وقد ترجمنا له في قسم ( حديث الولاية ).

وقال الندوي اللكهنوي : « الشيخ الفاضل الكبير مبين بن محبّ اللكهنوي ، أحد الفقهاء الحنفيّة ... » ثمّ ذكر كتابه ، وأرّخ وفاته بسنة ١٢٢٥ (٢).

وكتابه ( وسيلة النجاة ) من الكتب المعروفة المؤلّفة في فضل أهل البيت ، وقد ذكر مؤلّفه في خطبته قصة قال بعدها : « وبهذه القصة حداني صدق النيّة ـ وأنا أضعف الخليقة ، بل لا شيء في الحقيقة ، خادم العلماء الراسخين ، وتراب أقدام العرفاء والكاملين ، المدعو بمحمّد مبين ، نوّر الله قلبه بنور الصدق واليقين ، ورزقه شفاعة سيد المرسلين وآله الطيّبين الطاهرين عليهم الصلاة والسلام من ربّ العالمين ـ على أن أؤلّف رسالة مشتملة على الآيات النازلة والأحاديث الواردة في مودّة القربى ، متضمنة لبيان الشمائل والخصائل التي كانت لهم في الدنيا ، وما ثبت بالآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة من مقاماتهم ودرجاتهم الرفيعة في العقبى. وقد وشح به المحدّثون صحائفهم ، والأولياء تصانيفهم ، والعلماء كتبهم.

فاستخرجت من الصّحاح بعد كتاب الله صحيح البخاري وصحيح مسلم وصحيح الترمذي ، والكتب الموثوقة كجامع الأصول ، والصواعق المحرقة لشهاب الدين ابن حجر المكّي ، والإشاعة في أشراط الساعة للعلوي الموسوي المدني ، وفصل الخطاب لقدوة العرفاء خواجه محمّد بارسا النقشبندي وإزالة

__________________

(١) وسيلة النجاة : ٢٤٢.

(٢) نزهة الخواطر ٧ / ٤٠٣.

٣٨٨

الخفاء لرئيس العلماء وعمدة الفضلاء شاه ولي الله المحدّث الدهلوي ، ومدارج النبوّة للشيخ الكامل عبد الحقّ المحدّث الدهلوي ، وشواهد النبوّة لعبد الرحمن الجامي. وغيرها من الكتب المعتبرة في الأحاديث الشريفة ، والقصص الصحيحة ، وجمعتها في هذه الرسالة.

وأعرضت عن الضّعاف المتروكة ، والموضوعات المطروحة ، وتمسكت بذيل العدل والإنصاف ، وتجّنبت عن مذهب البغي والاعتساف ، فيما جرى بين أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وعملت بحديث : إيّاكم وما شجر بين أصحابي.

واقتصرت على ما كان ثابتا وحقّا ، وما التفتّ إلى ما كان باطلا وضعيفا. وأوردت ما كان في كتب المحدّثين من تحقيق الواجبات ، ورفضت ما كان في كتب المؤرّخين من الواهيات ، وسميتها بـ ( وسيلة النجاة في مناقب الحضرات ). من استمسك بها فقد استمسك بالعروة الوثقى ، ومن شكّ فقد ضلّ وغوى. إن هي إلاّ تذكرة لمن اتّقى ، وسيذكّر من يخشى.

وأرجو أن تكون بضاعتي للشفاعة والمغفرة في العقبى ، ووسيلتي للنجاة والفوز بالدرجات العلى ».

(٨٥)

رواية محمّد إسماعيل الدّهلوي

ابن أخ ( الدهلوي ) فهو : محمّد إسماعيل بن عبد الغني بن ولي الله ، صاحب كتاب ( منصب إمامت ) ... فلقد أثبت حديث الطّير واحتجّ به في كتابه المذكور وقال في القسم الثاني من الفصل الأول منه ما حاصله بتعريبنا :

« التنبيه الأول ، في بيان أن بعض عباد الله المقربين ـ وإن لم يكونوا أئمة ـ قد حصلت لهم بعض كمالات منصب الإمامة بحسب مراتب

٣٨٩

استعداداتهم ... والدلائل الدالة من الكتاب والسنّة على هذا المعنى كثيرة ، ولو أردنا استقصائها لطال بنا المقام ... لكنّا نذكر هنا أهم تلك الكمالات والأدلة الدالة عليها بالإجمال فنقول :

يستفاد ثبوت الوجاهة الاجتبائية لغير الأنبياء من قوله تعالى : ( إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ ) وقوله : ( فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً ) وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لفاطمة : إن الله اطّلع على أهل الأرض فاختار أباك وبعلك.

وأمّا ذكر شعب هذه الوجاهة بالتفصيل ... فقد جاء ذكر محبوبيّة أصحاب هذه الوجاهة عند الله ربّ العالمين في الآيات والأحاديث. قال الله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاء علي فأكل معه. وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : إنّ الله تبارك وتعالى أمرني بحبّ أربعة وأخبرني أنه يحبّهم. قيل : يا رسول الله سمّهم لنا. قال : علي منهم. ـ يقول ذلك ثلاثا ـ وأبو ذر ، ومقداد ، وسلمان. أمرني بحبّهم وأخبرني أنّه يحبّهم ».

فالحمد لله الملك المهيمن القادر ، حيث رمى المخاطب المكابر ، بأدهى الدواهي والقواهر ، وأخذه على يد ابن أخيه العلاّمة الكابر.

ترجمته

والشيخ محمّد إسماعيل الدّهلوي من العلماء الكبار والمحدثين الأجلّة. قال صديق حسن القنوجي في ( أبجد العلوم ) في ذكر أصحاب ( الدهلوي ) وتلامذته : « ومنهم : ابن أخيه إسماعيل بن عبد الغني. كان من أذكى الناس بأيّامه ، وكان أشدّهم في دين الله وأحفظهم للسنّة ، يغضب لها ويندب إليها ، ويشنّع على البدع وأهلها ... ومن مصنفاته ... ».

٣٩٠

وقال بترجمته من ( إتحاف النبلاء المتّقين ) : « محمّد إسماعيل بن الشيخ عبد الغني العمري ابن مستند الوقت الشاه ولي الله المحدّث الدهلوي ـ رحمهم‌الله تعالى ـ أحد أئمة الدين والفقهاء المتقنين ونبلاء المحدثين ... » ثمّ ذكر مساعيه في حفظ السنّة وقمع البدعة ، وأشار إلى بعض آرائه وأفكاره التي أثارت الخصومات والفتن بينه وبين بعض علماء عصره ، وأثنى على مؤلّفاته ودافع عن مواضيعها ومطالبها ، وذكر أنّه قتل غيلة برصاص الأعداء في ولاية من ولايات أفغانستان ، سنة ١٢٤٧ تقريبا.

(٨٦)

رواية المولوي حسن علي المحدّث

تلميذ ( الدهلوي ) ... حيث

قال في ( تفريح الأحباب ) « عن أنس بن مالك ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : كان عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم طير فقال :

اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاءه علي فأكل. رواه الترمذي

وقال : هذا حديث غريب »

(٨٧)

رواية نور الدين السليماني

ورواه نور الدين بن إسماعيل السليماني صاحب كتاب ( الدر اليتيم ) بطرق عديدة ، قال :

« عن أنس رضي‌الله‌عنه قال : قدّمت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طيرا ، فسمّى وأكل لقمة وقال : اللهم ايتني بأحبّ خلقك إليك وإليّ. فأتى علي ، فضرب الباب ، فقلت : من أنت؟ فقال : علي. فقلت : إنّ رسول الله

٣٩١

صلّى الله عليه وسلّم على حاجة. ثمّ أكل لقمة فقال مثل الأوّل. فضرب علي الباب فقلت : من أنت؟ قال : علي. قلت : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة. ثمّ أكل لقمة فقال مثل ذلك. فضرب علي الباب ورفع صوته فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا أنس ، افتح الباب. فدخل ، فلمّا رآه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : الحمد لله الذي جعلك ، فإنّي دعوت في كلّ لقمة أن يأتيني الله بأحبّ الخلق إليه وإليّ. فكنت أنت. قال : فو الذي بعثك بالحق إنّي لأضرب الباب ثلاث مرّات ويردّني أنس. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لم رددته؟ قال : كنت أحبّ معه رجلا من الأنصار. فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال : ما يلام الرجل على حبّ قومه. أخرجه ابن عساكر والحافظ محبّ الدين ابن النجار في تاريخيهما ».

ثمّ رواه عن ابن عساكر عن أنس قال : إنّ أم سلمة أتت ... ».

وعنه عن القشيري عن أنس ... ».

(٨٨)

رواية ولي الله اللكهنوي

ورواه المولوي ولي الله بن حبيب الله السهالي اللكهنوي صاحب ( مرآة المؤمنين في مناقب آل سيّد المرسلين ) بقوله : « قال صلّى الله عليه وسلّم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فجاء علي فأكل معه.

وفي الخصائص عن أنس بن مالك : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان عنده طائر فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك يأكل معي هذا الطائر. فجاء أبو بكر فرده وجاء عمر فرده ، ثمّ جاء علي فأذن له ...

ووقع في رواية الطبراني وأبي يعلى والبزار بعد قوله : فجاء علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ فرددته. ثمّ جاء فرددته. فدخل في الثالثة أو في الرابعة. فقال له النبيّ

٣٩٢

صلّى الله عليه وسلّم : ما حبسك عني ـ أو ما أبطأ بك عنّي ـ يا علي؟ قال : جئت فردّني أنس. ثمّ جئت فردّني أنس. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : يا أنس ما حملك على ما صنعت؟ قال : رجوت أن يكون رجلا من الأنصار. فقال صلّى الله عليه وسلّم : أوفي الأنصار خير من علي أو أفضل من علي؟ ».

ترجمته وكتابه :

وقال الندوي اللكهنوي بترجمته : « الشيخ الفاضل العلاّمة ... أحد الأساتذة المشهورين » ثمّ ذكر مصنفاته ومنها هذا الكتاب وأرّخ وفاته بسنة ١٢٧٠ (١).

والمولوي ولي الله ملتزم في هذا الكتاب بنقل الأحاديث المتواترة والمشتهرة عن الكتب المعتبرة ، والأعراض عن الأحاديث المتروكة عند علماء الحديث ... وهذه عبارته :

« وبعد ، فهذه أحاديث مشتملة على مناقب أهل البيت النبويّة والعترة الطاهرة المصطفوية ، من الكتب المعتبرة من الصحاح والتواريخ ، منبها على أسامي الكتب ، معرضا عن الضعاف المتروكة عند علماء الحديث ، مقتصرا على ما تواتر من الأحاديث أو اشتهر أو من الحسان. وجعلته وسيلة الوصول إلى جناب الرسول صلّى الله عليه وسلّم بوساطة أهل بيته والانسلاك في سلك محبّيهم ، المبشّرين بالدخول في الجنان منه صلّى الله عليه وسلّم. فبه وسيلة النجاة وبه مناط الشفاعة ، وسميناه بـ ( مرآة المؤمنين في مناقب آل سيد المرسلين ) ... ».

وذكر في آخره أسامي الكتب التي نقل عنها وقال : « وذكرت في مقام الاستنباط نصوص عبارات الكتب المذكورة بألفاظها من غير تغيير ، مكتفيا بترجمتها.

__________________

(١) نزهة الخواطر ٧ / ٥٢٧.

٣٩٣

وأعرضت غالبا عن الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة عند المحدّثين ، وعلى فرض التعرض لشيء من ذلك نبّهت على تضعيفه بصراحة لئلاّ يبقى مجال للفرية والبهتان. وبالجملة ، فإنّ هذا الكتاب منتخب الكتب الصحاح ، وليس فيه مجال للريب والاشتباه ابدا. وذلك فضل من الله وبتأييد منه ».

(٨٩)

رواية القندوزي الحنفي

ورواه الشيخ سليمان القندوزي الحنفي ، عن أحمد والترمذي ، عن أنس وعن الموفق بن أحمد المكّي ، بسنده عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : كان عند النبيّ ...

وعنه ، عن أنس بطريقين.

قال : « وقد روى أربعة وعشرون رجلا حديث الطير عن أنس ، منهم : سعيد بن المسيب والسدّي ، وإسماعيل. ولابن المغازلي حديث الطير من عشرين طريقا » (١).

كتاب ينابيع المودّة :

وقد ذكر القندوزي أنّ كتاب ( ينابيع المودّة ) مؤلّف من أخبار الكتب المعتبرة قال :

« ولمّا كانت مودّتهم على طريق التحقيق والبصيرة موقوفة على معرفة فضائلهم ومناقبهم ، وهي موقوفة على مطالعة كتب التفاسير والأحاديث التي هي المعتمد بين أهل السنّة والجماعة ، وهي الكتب الصحاح الستة من : البخاري ،

__________________

(١) ينابيع المودة ١ / ٦٢ ـ ٦٣.

٣٩٤

ومسلم ، والنسائي ، والترمذي ، وأبي داود ، باتفاق المحدّثين والمتأخرين ، وأمّا السّادس فابن ماجة أو الدارمي أو الموطأ ، فبالاختلاف.

فجمع مناقب أهل البيت كثير من المحدّثين ، وألّفوها كتبا مفردة ، منهم : أحمد بن حنبل ، والنسائي ـ وسمّياه المناقب ـ ومنهم : أبو نعيم الحافظ الأصفهاني وسمّاه نزول القرآن في مناقب أهل البيت. ومنهم : الشيخ محمّد ابن إبراهيم الجويني الشافعي الخراساني وسمّاه : فرائد السمطين في فضائل المرتضى والزهراء والسبطين. ومنهم : علي بن عمر الدار قطني سمّاه مسند فاطمة ، ومنهم : أبو المؤيّد الموفق بن أحمد أخطب خطباء خوارزم الحنفي سمّاه فضائل أهل البيت. ومنهم : علي بن محمّد الخطيب الفقيه الشافعي المعروف بابن المغازلي سمّاه المناقب. رحمهم‌الله. وهؤلاء أخذوا الأحاديث عن مشايخهم ...

ومنهم من جمع فضائل أهل البيت في كتاب مفرد وسمّاه المناقب ...

ومنهم من جمعها وكتب فيها كتابا مفردا ، آخذا عن كتب المفسرين والمحدّثين المتقدمين ، كصاحب جواهر العقدين ، وهو الشريف العلاّمة السمهودي المصري رفع الله درجاته ووهب لنا بركاته ، وصاحب ذخائر العقبى ، وصاحب مودّة القربى وهو جامع الأنساب الثلاثة مير سيد علي بن شهاب الهمداني قدّس الله سرّه ، ووهب لنا بركاته وفتوحه.

ومنهم من ذكر فضائلهم في كتبهم من غير إفراد كتاب لها ، كصاحب الصواعق المحرقة ، وهو المحدّث الفقيه المفاضل الشيخ ابن حجر الهيثمي الشافعي الثقة ، والمعتمد بين علماء الشافعية ، وصاحب كتاب الإصابة وهو الشيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمهما الله ، وصاحب كتاب جمع الفوائد الذي جمع فيه من الكتابين الكبيرين ، أحدهما جامع الأصول الذي جمع فيه ما في الصحاح الستة للشيخ الحافظ مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمّد الأثير الجزري الموصلي. وثانيهما كتاب مجمع الزوائد للحافظ نور

٣٩٥

الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي ، جمع فيه ما في مسند الإمام أحمد بن حنبل ، وأبي يعلى الموصلي ، وأبي بكر البزار ، ومعاجم الطبراني الثلاثة. وصاحب كنوز الدقائق وهو الشيخ عبد الرءوف المناوي المصري. وصاحب الجامع الصغير وهو الشيخ جلال الدين السيوطي المصري.

ومنهم من جمع الأحاديث الواردة في قيام القائم المهدي عليه الصّلاة والسلام ، كعلي القاري الخراساني الهروي ، وغيره.

فالمؤلّف ـ الفقير إلى الله المنّان سليمان بن إبراهيم المعروف بخواجة كلان ابن محمّد معروف المشتهر ببابا خواجة ابن إبراهيم بن محمّد معروف ابن الشيخ السيد ترسون الباقي الحسيني البخلي القندوزي. غفر الله لي ولهم ولآبائهم وأمهاتهم ولمن ولدوا بلطفه ومنه ـ ألّف هذا الكتاب آخذا من هؤلاء الكتب المذكورين ... ».

(٩٠)

رواية شاه وليّ الله الدّهلوي

ورواه شاه ولي الله والد ( الدهلوي ) في غير كتاب من كتبه.

* في كتابه ( إزالة الخفا عن خلافة الخلفاء ) وعدّه في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله : « عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه قال : كنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقدم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرخ مشوي فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، قال فقلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، فجاء علي رضي‌الله‌عنه فقلت : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، ثمّ جاء فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : افتح ، فدخل ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ما حملك

٣٩٦

على ما صنعت؟ فقلت : يا رسول الله سمعت دعائك فأحببت أن يكون رجلا [ رجل ] من قومي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنّ الرجل قد يحبّ قومه. قال الترمذي : غريب. وجاء الحاكم بأسانيد خرج بها عن الغرابة المحضة ».

كتاب ( إزالة الخفاء ) :

وهذا الكتاب من الكتب المعتمدة والأسفار المعتبرة ، مدحه وأثنى عليه ( الدهلوي ) في بحوثه وأرجع إليه واعتمد عليه في كتبه ... كما لا يخفى على من لاحظ ( التحفة ) في موارد من الباب السابع وغيره.

* وفي كتابه ( قرّة العينين ) وعدّه كذلك في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث قال فيه : « وقدّم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرخ مشوي فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فجاء علي ، فأكلا منه ».

وقال فيه أيضا ناقلا عبارة المحقّق الطوسي في التجريد « قوله : خبر الطّير عن أنس قال : كان عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم طير ، فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. فجاءه علي فأكل معه. أخرجه الترمذي » وعلّق عليه قائلا : « وليعلم أنّه قد ورد في حقّ الشيخين أيضا مثل هذه الفضائل ».

* وفي ( رسالة عقائده ) الّتي ألّفها ولده ( الدهلوي ) اعترف بروايته لحديث الطير في مؤلفاته ضمن فضائل أخرى لأمير المؤمنين عليه‌السلام. قال ( الدهلوي ) في الرسالة المذكورة على ما في كتاب ( ذخيرة العقبى ) : « ومناقب حضرة أمير المؤمنين خاصة « حديث غدير خم » و« أنت مني وأنا منك » و« من فارقك يا علي فقد فارقني » وحديث : « ائتني بأحبّ خلقك إليك » و« أنا مدينة العلم وعلي بابها » وحديث : « هذا أمير البررة وقاتل الفجرة » وغيرها من

٣٩٧

الأحاديث التي لا تحصى مثبتة في تصانيفه. وحديث « ردّ الشمس لحضرة المرتضى » الذي اختلف المحدّثون منذ القديم في صحّته ، رواه بطريق عن الشيخ أبي طاهر المدني إلى أبي القاسم الطبراني ، وأورد شواهده عن الطحاوي وغيره من أجلّة المحدّثين ، وحكم بصحته ، كما روى عدّة وقائع من كرامات حضرة المرتضى بطرق صحيحة ».

فهذا ولي الله والد ( الدهلوي ) قد روى وأثبت الحديث في كتاب وفي آخر نسبه تارة بالجزم إلى سيد الثقلين ، وعدّه من فضائل وصيّه المنوّرة للقلب والعين ، وأخرى ساق لفظه نقلا عن الترمذي وسلّم بكونه من فضائل أبي الحسنين ، كما اعترف ولده في مؤلّفه في عقائد أبيه بإثباته في تصانيفه ... فكيف ساغ له أن يعاند والده ويردّه فيرتكب العقوق ، ويضيع قاطبة الذّمم والحقوق؟

(٩١)

رواية ( الدهلوي )

ولو أنّ ( الدهلوي ) استمرّ في العناد والمكابرة ، وأعرض عن إفادات هذا الجمع الكثير والجم الغفير من الأئمة النحارير والأساطين المشاهير من أبناء قومه ، لا سيّما والده الذي طالما يتباهى به وصرّح بكونه آية من الآيات الإلهيّة ومعجزة من المعاجز النبويّة ... فإنّا نبطل خرافاته ونكشف عن تعنّتاته بكلام نفسه ، وبتصريح له بكثرة طرق حديث الطير واعترافه بأنّ له أصلا ... فلقد قال ( الدهلوي ) في كتابه ( بستان المحدّثين ) بترجمة الحاكم النيسابوري :

« وقد خطّأ العلماء الأعلام الحاكم في حكمه بصحة كثير من أحاديث المستدرك وجعله إيّاها بمثابة أحاديث الصحيحين وأنكروا عليه ذلك ، ومن ذلك حديث الطير المشهور كونه من مناقب علي المرتضى ، ومن هنا قال الذهبي : لا يحلّ لأحد أن يغتّر بتصحيح الحاكم ما لم يلحظ تعقباتي له. وقال أيضا :

٣٩٨

كثير من أحاديث المستدرك ليس على شرط الصّحة بل فيه أحاديث موضوعة عاب بها المستدرك. أمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جمعها الذهبي في رسالة مفردة يعلم من مجموع تلك الطرق أنّ للحديث أصلا في الجملة ».

وجوه دلالة كلام ( الدهلوي ) على المطلوب :

وفي هذا الكلام دلالة على مطلوب أهل الحقّ من وجوه :

( الأوّل ) : اعترافه بكثرة طرق حديث الطير. وفي ذلك كفاية لإثبات الحديث وإحقاقه ، وإكفاء الباطل وإهراقه ، وإرغام أنف المبطل وإزهاقه.

( الثاني ) : أنّ الذهبي أفردها بالتأليف لكثرتها. وقد علمت فيما سبق أنّ جمع الأجزاء المخصوصة في الخبر يفيد كمال ثبوته عند أهل الخبرة والبصر ، ويؤذن بأقصى تحققه لمن نقد وسبر.

( الثالث ) : إنّ مجموع ذلك يفيد عند ( الدهلوي ) أنّ للحديث أصلا.

وهذا واف بالمطلوب ومنوّر للصدور والقلوب ... فالجارح لهذا الحديث مطعون مقصوب ، والقادح له مقدوح مجروح مثلوب.

فكيف جاز ( للدهلوي ) أن يدّعي ـ في قبال أهل الحقّ ـ بأنّه حديث موضوع مكذوب ، وأن أكثر المحدّثين يحكمون بكونه موضوعا؟!

ومن الطريف قول ( الدهلوي ) في باب المكايد طاعنا على الشّيعة :« وأعجب العجائب أن كبار علمائهم يروون في كتبهم روايات غسل اليدين ، ولا يأتون بجواب لهم عن تلك الروايات ، ولا يذكرون عذرا لرواتها!! إنّ خير عذر يقال من قبلهم هو أن : لا ذاكرة لكذوب ، والنسيان عذر شرعي بالإجماع!! ».

فمن أعجب العجائب وأغرب الغرائب وأفظع الشنائع وأشنع الفظائع أن يحكم بوضع حديث الطّير في ( التحفة ) وينقل قدح الذهبي له. وفي ( بستان المحدّثين ) ينصّ على كثرة طرقه وتصنيف الذهبي جزء في جمعها لكثرتها ،

٣٩٩

ويحكم بأنّ للحديث أصلا ، وهو في غفلة عمّا لو تمسّك الإمامية بكلماته هذه لوقع في حيص بيص! لكن خير عذر وجواب أن يقال بأن لا ذاكرة لكذوب ، والنسيان عذر شرعي بالإجماع!! لكن هل يرضى أولياء ( الدّهلوي ) بهذا العذر؟

فتوى للدهلوي حول حديث الطّير :

وفي مجموعة فتاوى ( الدهلوي ) الموجودة عند المولوي عبد الحي ابن المولوي عبد الحليم السّهالي اللكهنوي أنّه سئل :

« قد أخرج النسائي حديث الطير في رسالته ، وفيه : « جاء أبو بكر فردّه.

إلى آخر ما قال. وبين الناس حول هذا اللفظ كلام ». فأجاب :

« إنّ مدار حديث الطير بجميع طرقه ووجوهه على شخص أنس بن مالك فقط ، وهو غير مخرّج في الصحاح إلاّ عند الترمذي ، ولفظه عنده مجمل ومختصر في الغاية كما هو معلوم. وأخرجه الإمام أحمد في المناقب عن سفينة أيضا ، لكن يظهر منه أنّه سمع القصة من أنس بن مالك ، وعلى كلّ حال ففي رواية النّجار عن أنس أنّه ردّ عليا مرّتين وعذره أنّ النبيّ على حاجة وليس الآن وقت الدخول عليه ، وكان أنس يقصد أن تكون هذه المزيّة لرجل من الأنصار كما قال عند ما سئل عن السبب فيما صنع ، ولمّا علا صوت علي في الثالثة ودقّ الباب سمع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صوته وأمر بنفسه بدخوله.

وقد روى النسائي هذه القصة في رسالته عن السدّي ، عن أنس وفيه : فجاء أبو بكر فردّه ثمّ جاء عمر فردّه ثمّ جاء علي فأذن له. والسدّي له أوهام ».

أقول : لم يجد ( الدهلوي ) بدّا من الاعتراف بوجود هذا الحديث وثبوته ، ولا سيّما باللفظ الذي أخرجه النّسائي ، وقد أخفق في الجواب ودفع الاشكال كما سترى.

٤٠٠