نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

مكّة ، وصحب به العباد الصالحين ، وسمع الحديث من أهلها والواردين ، وانصرف إلى نيسابور ولزم منزله ... » (١).

٢ ـ الذّهبي في حوادث سنة ٤٠٧ : « وعبد الملك بن أبي عثمان أبي سعد النيسابوري ، الواعظ القدوة ، المعروف بالخركوشي ، صنّف : كتاب الزهد ، وكتاب دلائل النبوة ، وغير ذلك. قال الحاكم : لم أر أجمع منه علما وزهدا وتواضعا وإرشادا إلى الله ، زاده الله توفيقا وأسعدنا بأيّامه. قلت : روى عن حامد الرفاء وطبقته ، وتوفي في جمادى الاولى » (٢).

٣ ـ ابن الأثير حوادث ٤١٦ : « وفيها توفي : عبد الملك بن أبي عثمان الخركوشي الواعظ النيسابوري ، وكان صالحا خيّرا ، وكان إذا دخل على محمود ابن سبكتكين يقوم ويلتقيه ، وكان محمود قد قسط على نيسابور مالا يأخذه منهم فقال له الخركوشي : بلغني أنّك تكدّي الناس وضاق صدري ، فقال : وكيف؟ قال : بلغني أنّك تأخذ أموال الضعفاء وهذه كدية ، فترك القسط وأطلقه » (٣).

٤ ـ الأسنوي : « الأستاذ الكامل ، الزاهد ابن الزاهد ، الواعظ ، من أفراد خراسان ... » (٤).

٥ ـ السّبكي : كذلك (٥).

__________________

(١) الأنساب ـ الخركوشي.

(٢) العبر ٣ / ٩٦.

(٣) الكامل ٩ / ٣٥٠.

(٤) طبقات الشافعية ١ / ٢٢٨.

(٥) طبقات الشافعية ٥ / ٢٢٢.

٢٢١

(٣١)

تصنيف ابن مردويه

في جمع طرق الحديث وروايته له

لقد صنّف طراز المحدّثين أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني كتابا جمع فيه طرق حديث الطير ، جاء ذلك في كلام جماعة :

قال ابن حجر العسقلاني بترجمة إبراهيم بن ثابت القصّار : « قد جمع طرق حديث الطير ابن مردويه والحاكم وجماعة ، وأحسن شيء منها طريق أخرجه النسائي في الخصائص » (١).

وقال ابن كثير : « وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة ، منهم أبو بكر ابن مردويه » (٢).

وقال ابن تيمية : « قال الحافظ أبو موسى المديني : قد جمع غير واحد من الحفّاظ طرق حديث الطير للاعتبار والمعرفة ، كالحاكم النيسابوري ، وأبي نعيم ، وابن مردويه » (٣).

وقال ابن حجر المكي في ( المنح المكية ) بعد كلام له : « فالحق ما سبق أن كثرة طرقه ـ أي كثرة طرق حديث الطير ـ صيّرته حسنا يحتج به ، ولكثرتها جدّا أخرج الحافظ أبو بكر ابن مردويه فيها جزءا ».

وقال الموفق المكي الخوارزمي : « وأخرج الحافظ ابن مردويه هذا الحديث بمائة وعشرين اسنادا » (٤).

__________________

(١) لسان الميزان ١ / ٤٢.

(٢) تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٥٤.

(٣) منهاج السنة ٤ / ٩٩.

(٤) مقتل الحسين ١ / ٤٦.

٢٢٢

أقول : لقد أخرجه فيه من طرق عديدة ، هذا بعضها :

« نا علي بن إبراهيم بن حمّاد قال : نا محمد بن خليد بن الحكم قال : نا محمد بن طريف قال : نا مفضل بن صالح ، عن الحسن بن الحكم ، عن أنس ابن مالك : إن النبي صلّى الله عليه وسلّم أتي بطير فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك ـ ثلاثا ـ. فدق علي ، فقال : يا أنس ، افتح له ، فدخل ».

« نا فهد بن إبراهيم البصري قال : نا محمد بن زكريا قال : نا العباس بن بكار الضبي قال : نا عبد الله بن المثنى الأنصاري ، عن عمّه ثمامة بن عبد الله ، عن أنس بن مالك : إن ام سلمة صنعت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طيرا ـ أو اضباعا ـ فبعثت به إليه ، فلمّا وضع بين يديه قال : اللهم جئني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء علي بن أبي طالب ، فقال له أنس : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، فرجع علي ( فدعا النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال : اللهم جئني بأحبّ خلقك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء علي بن أبي طالب ، فقال له أنس : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، فرجع علي. ظ ) واجتهد النبي في الدعاء قال : اللهم جئني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك ، فجاء علي ، فقال له أنس : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، قال أنس : فرفع علي يده فوكز في صدري ثم دخل ، فلمّا نظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام قائما فضمّه إليه قال : يا رب وإليّ يا ربّ وإليّ. ما أبطأ بك يا علي؟ قال : يا رسول الله ، قد جئت ثلاثا كلّ ذلك يردّني أنس ، قال أنس : فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال : يا أنس ما حملك على ردّه؟ قلت : يا رسول الله سمعتك تدعو فأحببت أن تكون الدعوة في الأنصار ، قال : لست بأوّل رجل أحبّ قومه ، أبى الله ـ يا أنس ـ إلاّ أن يكونه ابن أبي طالب ».

« نا محمد بن الحسين قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن قال : نا علي بن الحسن السّمالي قال : حدّثني محمد بن الحسن بن الجهم ، عن

٢٢٣

عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن أنس قال : اهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير ، فأعجبه ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطير ، قال أنس قلت : اللهم اجعله رجلا منّا حتى نشرف به ، قال : فإذا علي ، فلمّا أن رأيته حسدته فقلت : النبي صلّى الله عليه وسلّم مشغول ، فرجع ، قال : فدعا النبي صلّى الله عليه وسلّم الثانية ، فأقبل علي كأنّما يضرب بالسّياط ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : افتح افتح ، فدخل فسمعته يقول : اللهم وإليّ ، حتى أكل معه من ذلك الطير » (١).

__________________

(١) قال الميلاني : وهذه الأحاديث الثلاثة أوردها ابن الجوزي عن ابن مردويه في كتابه ( العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ١ / ٢٣٤ ) والذي نحن بصدده ـ الآن ـ ذكر رواة حديث الطّير وأسانيدهم ، ولسنا في مقام مناقشة الأقوال ، إلاّ أن تعصّب ابن الجوزي يضطّرنا إلى أن نتعقّب بعض كلامه ، لتبيّن حقيقة الحال ، وعليه فقس ما سواه.

قال ابن الجوزي ـ بعد الحديث الثاني من الأحاديث الثلاثة المذكورة ـ : « قال المصنف : في هذا الحديث ( عبد الله بن المثنى ) وكان ضعيفا. وفيه ( العباس بن بكّار ) قال الدار قطني : هو كذّاب ».

فنقول :

إن ابن الجوزي لم يطعن في هذا السّند إلاّ من جهة ( عبد الله بن المثنى ) و ( العباس بن بكّار ) لكنّ :

الأوّل : من رجال : البخاري والترمذي وابن ماجة كما بترجمته من ( تهذيب التهذيب ٥ / ٣٣٨ ) وقال : « قال ابن معين ـ في رواية إسحاق بن منصور ـ وأبو زرعة وأبو حاتم : صالح ، زاد أبو حاتم : شيخ » ثمّ نقل ثقته عن : ابن حبان والعجلي والترمذي والدّار قطني. وهذا القدر يكفي للاحتجاج به ، لا سيّما كلام أبي حاتم ، بالنظّر إلى ما سننقله عن الذّهبي.

وأمّا الثاني ، فإنّه وإن أورده الذهبي في ( الميزان ٢ / ٣٨٢ ) ونقل عن الدار قطني قوله « كذّاب » فقد أوضح العلّة في رميه بالكذب بقوله : « قلت : اتهم بحديثه عن خالد بن عبد الله ، عن بيان ، عن شعبة ، عن أبي جحيفة ، عن علي ـ مرفوعا ـ إذا كان يوم القيامة نادى مناد : يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم عن فاطمة حتى تمرّ على الصراط إلى الجنّة.

وقال العقيلي : الغالب عن حديثه الوهم والمناكير » فذكر حديثاً.

٢٢٤

هذا ، وسيأتي عن أخطب خوارزم رواية ابن مردويه حديث مناشدة الإمام عليه‌السلام في الشورى ، المشتمل على حديث الطير ، مع جملة من فضائله عليه الصلاة والسلام.

ترجمته

وابن مردويه من أعلام الحفّاظ المشاهير ، تجد الثناء العظيم عليه في :

١ ـ تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٥٠.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ١٧ / ٣٠٨.

٣ ـ الوافي بالوفيات ٨ / ٢٠١.

٤ ـ طبقات المفسرين ١ / ٩٣.

__________________

ثمّ زعم الاتحاد بينه وبين « العباس بن الوليد بن بكار » الذي عنونه ابن حبان وجعل من أباطيله : « عن خالد بن أبي عمرو الأزدي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : مكتوب على العرش : لا إله إلاّ الله وحدي ، محمّد عبدي ورسولي ، أيّدته بعلي » ومن مصائبه : « حدثنا عبد الله بن زياد الكلابي عن الأعمش ، عن زر ، عن حذيفة ـ مرفوعا ـ في المهدي ، فقال سلمان : يا رسول الله ، من أي ولدك؟ قال : من ولدي هذا ، وضرب بيده على الحسين ».

أقول :

كأنّ الرجل يستكثر مثل هذا النداء في حق فاطمة الزهراء بضعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيرى مثل هذا الخبر كذبا فيتّهم الرّاوي له!!.

والجدير بالالتفات هنا أنّ الذهبي لا يذكر قدحا للرجل إلاّ هذا ، ولو كان هناك جرح من أحد الأئمة كيحيى بن معين وأبي حاتم وأمثالهما لأورده ، لكنّه تعنّت ولم يذكر كلمة أبي حاتم المادحة له : قال ابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ٦ / ٢١٦ ) : « عباس بن بكّار الضبيّ أبو الوليد ، بصري ، روى عن أبي بكر الهذلي ، وحماد بن سلمة ، وسعيد بن زربي. سمع منه أبي بالبصرة أيّام الأنصاري. نا عبد الرحمن قال : سئل أبي عنه فقال : شيخ ».

فإذا عرفنا علّة القدح وأنّها واهية ، بقي هذا المدح بلا معارض. وعلى فرض التنزّل تقدّم كلام أبي حاتم إذ لا يعارض قول الدار قطني قوله ، وعلى فرض التكافؤ تقدّم قول : أبي حاتم لقول الذهبي نفسه : « إذا وثّق أبو حاتم رجلا فتمسّك بقوله ، فإنّه لا يوثّق إلاّ رجلا صحيح الحديث » سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٤٧.

٢٢٥

٥ ـ طبقات الحفّاظ : ٤١٢.

٦ ـ العبر ٣ / ١٠٢.

٧ ـ تاريخ أصبهان ١ / ١٦٨.

٨ ـ النجوم الزاهرة ٤ / ٢٤٥.

قال الذهبي في ( السّير ) ما ملخّصه : « ابن مردويه ـ الحافظ المجود العلاّمة ، محدّث أصبهان ، قال أبو بكر بن أبي علي ـ وذكر أبا بكر ابن مردويه ـ هو أكبر من أن تدل عليه وعلى فضله وعلمه وسيره ، وأشهر بالكثرة والثقة من أن يوصف حديثه.

وكان من فرسان الحديث ، فَهِما يَقِظا متقنا ، كثير الحديث جدّا ، ومن نظر في تواليفه عرف محلّه من الحفظ ».

(٣٢)

تصحيح القاضي عبد الجبّار

لقد أثبت القاضي عبد الجبّار بن أحمد الهمداني حديث الطير وذكر رجوع الشيخ أبي عبد الله البصري إلى هذا الحديث لإثبات أفضليّة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام ، فقد قال أبو محمد الحسن بن أحمد بن متّويه في ( المجموع المحيط بالتكليف ) ـ وهو في الأصل تصنيف القاضي ـ ما نصّه :

« وقد ذكر ـ يعني قاضي القضاة ـ في الكتاب إنه قد يستعمل لفظ الفضل فيما لا يتعلق بفعل العبد واختياره ، كنحو تفضيل العاقل على غيره ، وتفضيل الشجاع على غيره ، وتفضيل من له نسب مخصوص على من ليس له ذلك النسب ، وليس هذا هو المقصود بهذه المسألة ، فإنّا نتكلم في الفضل الذي يقتضي مدحا وتعظيما في الدين ، فهذا لا بدّ من تعلّقه باختيار الفاضل ووقوفه على فعله ، وفي هذا الباب خاصّة يجوز وقوع الخلاف بين العلماء دون الأول.

٢٢٦

وإذا كان كذلك وقف العلم بالقطع على الأفضل على سمع وارد به ، لأنّه لا مجال للعقل فيه ، وعلى هذا لا يصح الرجوع في إثبات الأفضل إلى عدّ الفضائل ، لأنّ تلك الأفعال تختلف مواقعها بحسب ما ينضاف عليها من النيّات والقصود ، وذلك مما هو عنّا مغيب ، فلا يمكن القضاء بفعل أحد والقطع على ثوابه فضلا عن تفضيله على غيره ، فيجب الاعتماد في ذلك على السمع ، فلهذا رجع الشيخ أبو عبد الله إلى خبر الطير ، لأنّه قد دلّ بظاهره على ثبوته أفضل في الحال ، وكل من أثبته في تلك الحال أفضل قضى باستمرار هذه القضية فيه ، وهكذا خبر المنزلة لأنّها إذا لم يرد بها ما يتّصل بالإمامة فيجب أن نريد به الفضل الذي يلي هارون فيه موسى عليهما‌السلام ، وأراد بعضهم إثباته في غالب الظنّ بالرجوع إلى أمارات مخصوصة من نحو ما انتشر عنه من الزّهد والعبادة والعناء في الحرب والسبق إلى الإسلام وغير ذلك ، فهذا غير ممنوع ، وإليه ذهب بعض الشيوخ الذين آثروا الموازنة ... ».

فظهر من هذا الكلام أنّ الشيخ أبا عبد الله البصري يرى ثبوت حديث الطير ، ويعتقد بدلالته على أفضليّة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

كما أن قاضي القضاة عبد الجبار نفسه يرى صحّة حديث الطير أيضا فقد قال ابن شهر آشوب : « قال القاضي عبد الجبار : قد صح عندي حديث الطّير ، وقال أبو عبد الله البصري : إن طريقة أبي علي الجبائي في تصحيح الأخبار يقتضي القول بصحة هذا الخبر ، لا يراده يوم الشورى فلم ينكر أحد » (١).

أقول : وجاء في كتاب ( المغني ) ما نصّه : « فصل ـ فيما يدلّ قطعا على أنّ أمير المؤمنين أفضل : قد استدلّ شيخنا أبو عبد الله على ذلك بأمور ، واستدلّ بها الإسكافي ، لكنّه في نصرته بلغ ما لم يبلغه ، فمن ذلك قوله عليه‌السلام ـ وقد أهدي إليه طير مشوي ـ : اللهم أدخل إليّ أحبّ أهل الأرض إليك يأكل

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٨٢.

٢٢٧

معي ، فدخل علي عليه‌السلام. وفي خبر آخر : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك فإذا علي عليه‌السلام قد جاء. وفي بعض الأخبار : اللهم إن كان أحب خلقك إليك فهو أحبّ خلقك إليّ ـ ثلاثا ـ قال : روى ذلك : أنس ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو رافع مولى النبي ، وصفيّه (١) ، وابن عبّاس.

فاستدلّ على صحة ذلك بطريقين :

أحدهما : إن هذه الأخبار كانت مشهورة بين الصحابة ، لم يختلفوا في قبولها ، مع وقوع الكلام بينهم في التفضيل ، ولم يقع من أحدهم الردّة والنكير ، ولم يجروه مجرى أخبار الآحاد.

والثاني : إنّ أمير المؤمنين أنشد ذلك أهل الشورى ، مع سائر الفضائل ، وقام به خطيبا عليهم ، ومعرّفا حالهم ، فأقرّوا بذلك.

فكما ظهر فيهم ظهر في غيرهم ، فلم ينكروا كلا الوجهين.

فدلّ على صحّة الخبر » (٢).

ترجمته

١ ـ الخطيب : « سمع علي بن إبراهيم بن سلمة القزويني و ... وكان ينتحل مذهب الشافعي في الفروع ومذاهب المعتزلة في الأصول ، وله في ذلك مصنفات ، وولي قضاء القضاة بالري ، وورد بغداد حاجّا وحدّث بها ، حدثنا عنه ...

مات عبد الجبار بن أحمد قبل دخولي الري في رحلتي إلى خراسان ، وذلك في سنة ٤١٥ » (٣).

__________________

(١) كذا ، ولعلّه « سفينة ».

(٢) المغني ج ٢٠ / ق ٢ ص ١٢٢.

(٣) تاريخ بغداد ١١ / ١١٣.

٢٢٨

٢ ـ الرافعي : « الخامس : عبد الجبّار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد ابن خليل بن عبد الله الأسدآبادي ، قاضي القضاة ، أبو الحسن ، تولّى القضاء : بالري ، وقزوين ، وأبهر ، وزنجان ، وسهرورد ، وقم ، ودنباوند ، وغيرها ، وهذه نسخة عهده حين استقضي في هذه البلاد ، أنشأه الصّاحب إسماعيل بن عباد ... » ثمّ أورد متن العهد ، وهو يشتمل على أوصاف جليلة له ... » (١).

٣ ـ السبكي : « ... وهو الذي تلقّبه المعتزلة قاضي القضاة ، ولا يطلقون هذا اللقب على سواه ولا يعنون به عند الإطلاق غيره ، كان إمام أهل الاعتزال في زمانه ، وكان ينتحل مذهب الشّافعي في الفروع ، وله التصانيف السائرة والذكر الشائع بين الأصوليين ، عمّر دهرا طويلا حتى ظهر له الأصحاب ، وبعد صيته ، ورحلت إليه الطّلاب ... » (٢).

وأنظر :

١ ـ الأنساب ١ / ٢٢٥.

٢ ـ المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٦٢.

٣ ـ مرآة الجنان ٣ / ٢٩.

٤ ـ طبقات المفسرين ١ / ٢٥٦.

٥ ـ دول الإسلام ١ / ٢٤٧.

٦ ـ شذرات الذهب ٣ / ٢٠٢.

__________________

(١) التدوين بذكر أهل العلم بقزوين ٣ / ١١٩.

(٢) طبقات السبكي ٥ / ٩٧.

٢٢٩

(٣٣)

رواية أبي نعيم الأصبهاني

وتصنيفه في هذا الحديث

لقد جمع أبو نعيم الأصبهاني طرق حديث الطّير في مصنّف منفرد ، فقد قال ابن تيميّة : « قال الحافظ أبو موسى المديني : قد جمع غير واحد من الحفاظ طرق حديث الطير للاعتبار والمعرفة : كالحاكم النيسابوري ، وأبي نعيم ، وابن مردويه » (١).

أقول : ومن روايات هذا الكتاب ما يلي : « نا علي بن حميد الواسطي ، نا أسلم بن سهل قال : نا محمد بن صالح بن مهران قال : نا عبد الله بن محمد ابن عمارة قال : سمعت من مالك بن أنس.

ح عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس : قال : بعثتني ام سليم إلى رسول الله بطير مشوي ـ ومع أرغفة من شعير ـ فأتيته به فوضعته بين يديه ، فقال : يا أنس ادع لنا من يأكل معنا هذا الطير ، اللهم ائتنا بخير خلقك ، فخرجت فلم يكن بي همة إلاّ رجل من أهلي آتيه فأدعوه ، فإذا أنا بعلي بن أبي طالب ، فدخلت فقال : أما وجدت أحدا؟ فقلت : لا ، قال : انظر ، فنظرت فلم أجد أحدا إلاّ عليا ، ففعلت ذلك ثلاث مرات ، فرجعت فقلت : هذا علي ابن أبي طالب فقال : ائذن له ، اللهم وإليّ ، اللهم وإليّ ».

وقال أبو نعيم ، بترجمة ابن أبي ليلى : « حدّثنا محمّد بن المظفر قال : ثنا زيد بن محمّد قال : ثنا أحمد بن محمّد بن الحميم قال : نا رجا بن الجارود أبو

__________________

(١) منهاج السنّة ٤ / ٩٩.

٢٣٠

المنذر قال : ثنا سليمان بن محمّد المباركي قال : ثنا محمّد بن جرير الصنعاني ـ وأثنى عليه خيرا ـ قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى ، عن سعد ابن أبي وقاص قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : في علي بن أبي طالب ثلاث خصال : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ، وحديث الطير ، وحديث غدير خم.

غريب من حديث شعبة والحكم ، ما كتبناه إلاّ من هذا الوجه » (١).

وقال أبو نعيم :

« حدّثنا علي بن حميد الواسطي ، ثنا أسلم بن سهل ، ثنا محمّد بن صالح ابن مهران ، ثنا عبد الله بن محمّد بن عمارة القداحي ثمّ السعدي قال : سمعت هذا من مالك بن أنس سماعا يحدّثنا به عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس قال : بعثتني ام سليم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بطير مشوي ـ ومعه أرغفة من شعير ـ ، فأتيته به ، فوضعته بين يديه ، فقال : يا أنس ، ادع لنا من يأكل معنا من هذا الطير ، اللهم آتنا بخير خلقك ، فخرجت فلم تكن لي همة إلاّ رجل من أهلي آتيه فأدعوه ، فإذا أنا بعلي بن أبي طالب ، فدخلت ، فقال : أما وجدت أحدا؟ قلت : لا ، قال : انظر ، فنظرت فلم أجد أحدا إلاّ عليا ، ففعلت ذلك ثلاث مرّات ، ثمّ خرجت فرجعت فقلت : هذا علي بن أبي طالب يا رسول الله ، فقال : ائذن له ، اللهم وال ، اللهم وال ، وجعل يقول ذلك بيده ، وأشار بيده اليمنى يحرّكها.

غريب من حديث مالك وإسحاق. رواه الجم الغفير عن أنس. وحديث مالك لم نكتبه إلاّ من حديث القداحي ، تفرّد به » (٢).

__________________

(١) حلية الأولياء ٤ / ٣٥٦.

(٢) حلية الأولياء ٦ / ٣٣٩.

٢٣١

وقال أبو نعيم :

حدثنا أبو بكر الطلحي ومحمّد بن عبد الله الكاتب قالا : ثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا الحسن بن حماد ، ثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع ، عن عيسى بن عمر ، عن إسماعيل السدّي ، عن أنس : إن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان عنده طائر فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك يأكل معي من هذا الطير ، فجاء علي فأذن له ، فأكل معه » (١).

وقال :

« حدثنا أبو بكر ابن خلاّد ، ثنا محمّد بن هارون بن مجمّع ، ثنا الحجاج ابن يوسف بن قتيبة ، ثنا بشر بن الحسين ، عن الزبير بن عدي ، عن أنس بن مالك قال : اهدي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير مشوي ، فلمّا وضع بين يديه قال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك يأكل معي من هذا الطير ، فقرع الباب فقلت : من هذا؟ فقال : علي ، فقلت : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة. الحديث » (٢).

كتاب « حلية الأولياء »

وكتاب ( حلية الأولياء ) من أشهر كتب أبي نعيم الأصبهاني وأحسنها ، وهو من مرويّات السيوطي والثعالبي وغيرهما ، كما علمت سابقا ، وقال ابن خلكان بترجمته :

« وكتابه الحلية من أحسن الكتب » (٣).

__________________

(١) تاريخ أصبهان ١ / ٢٠٥.

(٢) تاريخ أصبهان ١ / ٢٣٢.

(٣) وفيات الأعيان ١ / ٩١.

٢٣٢

وقال الذهبي : « صنّف التصانيف الكبار المشهورة في الأقطار » (١).

وقال السبكي : « قال حمزة بن العباس العلوي : كان أصحاب الحديث يقولون : بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير ، لا شرقا ولا غربا أعلى إسنادا منه ولا أحفظ ، وكانوا يقولون : لمّا صنّف كتاب الحلية حمل إلى نيسابور حال حياته ، واشتروه بأربع مائة دينار ، وقال ابن الفضل الحافظ : قد جمع شيخنا السلفي أخبار أبي نعيم ، وذكر من حدّث عنه ، وهم نحو ثمانين رجلا ، قال : ولم يصنّف مثل كتابه حلية الأولياء ، سمعنا على أبي المظفر القاساني عنه ، سوى فوت عنه يسير » (٢).

وقال الصفدي : « أملى في فنون الحديث كتبا سارت في البلاد وانتفع بها العباد ... وصنّف مصنّفات كثيرة منها : حلية الأولياء ، والمستخرج على الصحيحين ، ذكر فيهما أحاديث ساوى فيها البخاري ومسلم ، وأحاديث علا عليهما فيها كأنّهما سمعاها منه ، وذكر فيهما حديثا كأن البخاري ومسلم سمعاه ممّن سمعه منه ... ولمّا كتب كتاب الحلية وحمل إلى نيسابور بيع بأربعمائة دينار » (٣).

وقال ابن قاضي شهبة الأسدي : « وله التصانيف المشهورة ، منها : كتاب الحلية ، وهو كتاب جليل حفيل » (٤).

وفي ( فيض القدير ) : « قالوا : لمّا صنّف بيع في حياته بأربع مائة دينار ، واشتهرت بركته وعلت في الخافقين درجته ، وناهيك بقول الإمام أبي عثمان الصابوني ـ كما نقله عنه في الضوء وغيره ـ كل بيت فيه حلية الأولياء لأبي نعيم

__________________

(١) العبر ٣ / ١٧٠.

(٢) طبقات الشافعية ٤ / ١٨.

(٣) الوافي بالوفيات ٧ / ٨١.

(٤) طبقات الشافعية ١ / ٢٠٦.

٢٣٣

لا يدخل [ لا يدخله ] الشيطان » (١).

وفي ( كشف الظنون ) : « ... وهو كتاب حسن معتبر ... » (٢).

هذا ، وقد ذكر ( الدهلوي ) بترجمة أبي نعيم من ( بستان المحدثين ) : « إن من نوادر كتبه كتاب حلية الأولياء الذي لم يصنّف له نظير في الإسلام ».

ترجمته

ولقد ترجم لأبي نعيم وأثنى عليه كبار أئمة علماء أهل السنّة كما لا يخفى على من راجع :

١ ـ الكامل لابن الأثير ٩ / ٤٦٦.

٢ ـ وفيات الأعيان ١ / ٩١.

٣ ـ تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٩٢.

٤ ـ طبقات القرّاء ١ / ٧١.

٥ ـ العبر ٣ / ١٧٠.

٦ ـ طبقات السبكي ٤ / ١٨.

٧ ـ الوافي بالوفيات ٧ / ٨١.

٨ ـ مرآة الجنان ٣ / ٥٢.

٩ ـ طبقات الأسنوي ٢ / ٤٧٤.

١٠ ـ طبقات الحفّاظ : ٤٢٣.

وغيرها ، وقد أوردنا ترجمته بالتفصيل في مجلّد حديث التشبيه.

__________________

(١) فيض القدير ١ / ٢٨.

(٢) كشف الظنون ١ / ٦٨٩.

٢٣٤

(٣٤)

تصنيف ابن حمدان في طرق هذا الحديث

لقد جمع أبو طاهر محمّد بن أحمد بن علي بن حمدان ـ وهو من مشاهير الحفّاظ ـ طرق حديث الطير في مجلّد ، وقد ذكر المترجمون له هذا الكتاب في مؤلفاته.

قال الذهبي :

« ابن حمدان الإمام الحافظ الثبت ، أبو طاهر ، محمّد بن أحمد بن علي ابن حمدان ، خراساني رحّال ، صحب الحاكم ابن البيّع ، وتخرّج به ، وسمع ... وله تواليف منها : طرق حديث الطير. سمع منه ... » (١).

وقال :

« ابن حمدان الحافظ ، أبو طاهر محمّد بن أحمد بن علي بن حمدان ، الخراساني ، أحد الرّحالين المصنّفين المجوّد أبو طاهر محمّد بن أحمد بن علي ابن حمدان الخراساني ، أحد الرحّالين المصنّفين. صحب أبا عبد الله الحاكم وتخرّج به ، سمع من : أبي بكر الطرازي ، والحافظ أبي بكر الجوزقي ، وأبي الحسين القنطري ، وأبي طاهر بن خزيمة ، وزاهر بن أحمد الفقيه ، وإبراهيم ابن محمّد بن موسى السرخسي ، ونحوهم بنيسابور ... وله مسند بهز بن حكيم ، وطرق حديث الطير.

سمع منه : أبو سعيد محمّد بن أحمد بن حسين النيسابوري ، توفي سنة

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٧ / ٦٦٣.

٢٣٥

٤٤١ ... » (١).

وقال السيّوطي :

« ابن حمدان الحافظ المجوّد ، أبو طاهر محمّد بن أحمد بن علي بن حمدان الخراساني ، أحد الرحّالين المصنّفين ، صحب الحاكم وتخرّج به ، وسمع الطبراني ، والجوزقي ، وله مسند بهز بن حكيم ، وطرق حديث الطير ، مات سنة ٤٤١ » (٢).

(٣٥)

رواية أبي الحسن العطّار

قال ابن المغازلي : « أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر بن أحمد العطّار الفقيه الشافعي رحمه‌الله ـ بقراءتي عليه فأقرّ به سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ـ قلت : أخبركم أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عثمان المزني الملقب بابن السقاء الحافظ الواسطي رحمه‌الله ، نا أبو الحسن علي بن محمّد بن صدقة الجوهري الواسطي رحمه‌الله ـ سنة ثلاث وثلاثمائة ـ نا محمّد بن زكريا بن دويد العبدي ، نا حميد الطويل عن أنس بن مالك ، قال :

اهدي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بحمامة مشويّة فقال : اللهم ابعث إليّ أحبّ خلقك إليك وإلى نبيّك يأكل معنا من هذه المائدة ، قال : فأتى علي فقال : يا أنس استأذن لي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، قال فقلت : النبيّ عنك مشغول ، فرجع علي ولم يلبث إلاّ قليلا أن رجع فقال : يا أنس

__________________

(١) تذكرة الحفّاظ ٣ / ١١١١.

(٢) طبقات الحفّاظ : ٤٢٦.

٢٣٦

استأذن لي على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلت : النبيّ عنك مشغول ، فرجع ولم يلبث إلاّ قليلا أن رجع فقال : يا أنس استأذن لي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فهممت أن أقول مثل قولي الأوّل والثاني ، فسمع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من داخل الحجرة كلام علي فقال : ادخل يا أبا الحسن ، ما أبطأ بك عني؟ قال : جئت يا رسول الله ، هذه الثالثة ، كلّ ذلك يردّني أنس يقول : النبي عنك مشغول ، فقال : يا أنس ما حملك على هذا؟ فقال : يا رسول الله ، سمعت الدعوة فأحببت أن يكون رجلا من قومي ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : يا أنس ، كلّ يحبّ قومه » (١).

ترجمته

قال الذهبي في حوادث ٤٤١ : « وأحمد بن المظفر بن أحمد بن يزداد الواسطي العطّار ، أبو الحسن ، راوي مسند مسدّد عن ابن السقاء ، توفي في شعبان » (٢).

(٣٦)

رواية أبي بكر البيهقي

ورواه أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ـ الذي يرى صاحب المشكاة أنّ إسناد الحديث إليه كإسناده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ فقد قال ابن الجوزي :

« أنا زاهر بن طاهر قال : أنبأنا إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وأبو بكر

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب : ١٥٦.

(٢) العبر في خبر من غبر ٢ / ٢٧٨.

٢٣٧

البيهقي قالا : أنا محمّد بن عبد الله الأندلسي قال : نا سليمان بن أحمد اللخمي قال : نا أحمد بن سعيد بن فرقد الجدّي قال : نا أبو حمة محمّد بن يوسف اليمامي قال : نا أبو قرة يوسف بن طارق ، عن موسى بن عقبة ، عن أبي النضر سالم مولى عمر بن عبيد الله ، عن أنس بن مالك قال : بينا أنا واقف عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ اهدي إليه طير فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي ، فجاء علي ، فقلت : رسول الله على حاجة ، ثمّ جاء فدخل فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : اللهم وإليّ اللهم وإليّ. فأكل معه » (١).

أقول :

لقد سكت ابن الجوزي عن الكلام على هذا الطريق ، وسكوته إقرار بصحّته ، وقد تقدّم هذا الطريق تحت عنوان « أحمد بن سعيد بن فرقد الجدّي » وعرفت صحّته.

وقال الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي :

« أخبرنا الشّيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي ، أخبرنا القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الحافظ ، أخبرنا والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو علي الحسين بن محمّد بن علي الروذباري ، أخبرنا أبو بكر محمّد بن مهرويه بن عباس بن سنان الرازي ، حدّثنا أبو حاتم الرازي ، حدّثنا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا إسماعيل الأزرق ، عن أنس بن مالك قال :

اهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فقلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار ،

__________________

(١) العلل المتناهية ١ / ٢٣٠.

٢٣٨

فجاء علي ، فقلت : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، قال : فذهب ثمّ جاء فقلت : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، فذهب ثمّ جاء ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : افتح ، ففتحت ، ثمّ دخل ، فقال : ما حديثك يا علي؟ فقال : هذه آخر ثلاث كرّات يردّني أنس ، يزعم أنك على حاجة!! قال : ما حملك على ما صنعت يا أنس؟ قال : سمعت دعاءك فأحببت أن تكون في رجل من قومي ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : إنّ الرجل قد يحبّ قومه » (١).

ترجمته

والبيهقي ـ هذا ـ من أكابر أئمة أهل السنّة ومشاهير حفّاظهم ، وقد أثنى عليه علماؤهم الثناء البالغ ، كما لا يخفى على من راجع :

١ ـ معجم البلدان ١ / ٥٣٨.

٢ ـ الأنساب ٢ / ٣٨١.

٣ ـ التاريخ الكامل ١٠ / ٥٢.

٤ ـ وفيات الأعيان ١ / ٧٥.

٥ ـ تذكرة الحفاظ ٢ / ١١٣٢.

٦ ـ دول الإسلام ١ / ٢٦٩.

٧ ـ المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٨٥.

٨ ـ طبقات السبكي ٤ / ٨.

٩ ـ الوافي بالوفيات ٦ / ٣٥٤.

١٠ ـ طبقات الحفّاظ : ٤٣٣.

وغيرها ، وهذه خلاصة ما ذكره السبكي بترجمته :

__________________

(١) مناقب أمير المؤمنين : ٦٤.

٢٣٩

« أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى الحافظ ، أبو بكر البيهقي النيسابوري الخسروجردي ، كان الإمام البيهقي أحد أئمة المسلمين وهداة المؤمنين والدعاة إلى حبل الله المتين ، فقيه جليل ، حافظ كبير ، اصولي نحرير ، زاهد ورع ، قانت لله ، قائم بنصرة المذهب ، اصولا وفروعا ، جبلا من جبال العلم. اشتغل بالتّصنيف بعد أن صار أوحد زمانه وفارس ميدانه ، وأحذق المحدّثين ذهنا وأسرعهم فهما وأجودهم قريحة ، وبلغت تصانيفه ألف جزء ، ولم يتهيّأ لأحد مثلها.

أمّا السنن الكبير فما صنّف في علم الحديث مثله تهذيبا وترتيبا وجودة ، وأما المعرفة معرفة السنن والآثار فلا يستغني عنه فقيه شافعي ، وسمعت الشيخ الإمام [ الوالد ـ ظ ] رحمه‌الله يقول : مراده معرفة الشافعي بالسنن والآثار ، وأمّا المبسوط في نصوص الشافعي فما صنّف في نوعه مثله ، وأمّا كتاب الأسماء والصفات فلا أعرف له نظيرا ، وأمّا كتاب الاعتقاد ، وكتاب دلائل النبوة ، وكتاب شعب الإيمان ، وكتاب مناقب الشافعي ، وكتاب الدعوات الكبير ، فأقسم ما لواحد منها نظير ، وأمّا كتاب الخلافيات فلم يسبق إلى نوعه ولم يصنف مثله ، وهو طريقة مستقلة حديثية لا يقدر عليها إلاّ مبرز في الفقه والحديث.

قال عبد الغفار : وكان على سيرة العلماء ، قانعا من الدنيا باليسير ، متجمّلا في زهده وورعه ، عاد إلى الناحية في آخر عمره ، وكانت وفاته بها.

قال شيخنا الذهبي : كان البيهقي واحد زمانه ، وفرد أقرانه ، وحافظ أوانه ...

وقال إمام الحرمين : ما من شافعي إلاّ وللشافعي عليه منّة إلاّ البيهقي ، فإنّه له على الشافعي منّة ... ».

٢٤٠