نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

خطوطا عن يمينه وشماله ، إشارة إلى أن سبيله وسط بين الإفراط والتفريط كالجبر والقدر ، وتلك الخطوط مذاهب أهل الأهواء اثنتين وسبعين فرقة.

فإن قلت : ما وثوقك أنك على الصراط المستقيم ، فإن كلّ فرقة تدّعي أنّها عليه؟

قلت : بالنقل عن الثقات المحدّثين ، الذين جمعوا صحاح الأحاديث في أموره صلّى الله عليه وسلّم وأحواله ، وفي أحوال الصحابة ، مثل الصحاح الستة التي اتّفق الشرق والغرب على صحتها ، وشرّاحها كالخطّابي ، والبغوي ، والنووي ، اتفقوا عليه ، فبعد ملاحظته ينظر من الذي تمسّك بهديهم واقتفى أثرهم » (١).

وكذا قال محمد طاهر الفتني في ( مجمع البحار ) بشرح الحديث المذكور.

وقال المنّاوي بشرح حديث افتراق الامّة : « فإن قيل : ما وثوقك بأنّ تلك الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة ، مع أنّ كلّ واحد من الفرق يزعم أنه هي دون غيره؟

قلنا : ليس ذلك بالادّعاء والتشبث باستعمال الوهم القاصر والقول الزاعم ، بل بالنقل على جهابذة أهل الصنعة وأئمة الحديث ، الذين جمعوا صحاح الأحاديث في امور المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته ، وأحوال الصحب والتابعين ، كالشيخين وغيرهما من الثقات المشاهير ، الذين اتّفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في كتبهم ، ومن تكلّف باستنباط معانيها وكشف مشكلاتها ، كالخطّابي ، والبغوي ، والنووي ، جزاهم الله خيرا ، ومن اقتفى أثرهم واهتدى بسيرتهم في الأصول والفروع ، فيحكم بأنهم هم » (٢).

__________________

(١) الكاشف في شرح المشكاة ـ مخطوط.

(٢) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٢ / ٢٠.

١٤١

أقول : فثبت أنّ حديث « الطير » و« الولاية » وغيرهما ممّا أخرج في صحيح الترمذي وغيره من الكتب الستة ، مما اتّفق عليه أهل الشرق والغرب ، وحكموا بصحّته ...

١١ ـ وقال الشنواني في ( الدرر السنّية فيما علا من الأسانيد الشنوانية ) بعد أن ذكر أسانيد الصحّاح الستّة ـ ومنها صحيح الترمذي ـ : « تنبيه : هذه الكتب المذكورة ـ أعني البخاري وما ذكر بعده ـ هي الكتب الستّة المشهورة بين المحدثين بالفضل المتين ، قالوا : وينبغي لطالب الحديث أن يتلقّنها على ترتيبها المذكور : البخاري ، فمسلم ، فسنن أبي داود ، سواء كان ذلك التلقي قراءة منه على شيخه أو سماعا من شيخه أو إجازة منه ، وكذا كتب الأئمة الآتي ذكرها يتلقّى على ترتيبها الآتي ».

أقول : فظهر أن « حديث الطير » من الأحاديث المشهورة بين المحدّثين ، ومن الآثار المأثورة الشائعة بين المنقّدين ، ومتصف بالفضل المتين والشرف المبين ، وينبغي لطالب الحديث أن يتلقاه بالقبول ، ويعدّ تلقيه أسنى مقصد وأشرف مأمول.

١٢ ـ وقال محمّد بن إبراهيم الصنعاني المعروف بابن الوزير ـ بعد أن ذكر كلام ابن دحية حول استشهاد الإمام الحسين السبط عليه‌السلام ـ : « وفيما ذكره ابن دحية أوضح دليل على براءة المحدّثين وأهل السنة ، فيما افتراه عليهم المعترض من نسبتهم إلى التشيّع ليزيد وتصويب قتله الحسين ، وكيف! وهذه رواياتهم مفصحة بضدّ ذلك ـ كما بيّناه ـ في مسند أحمد ، وصحيح البخاري ، وجامع الترمذي ، وأمثالها ، وهذه الكتب هي مفزعهم وإلى ما فيها مرجعهم ، وهي التي يخضعون لنصوصها ويقصرون التعظيم عليها بخصوصها » (١).

وقد ترجم الشوكاني لابن الوزير وأثنى عليه الثّناء البالغ (٢).

__________________

(١) الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم : ١١٢.

(٢) البدر الطالع ٢ / ٨١. وانظر أيضا : الضوء اللامع ٦ / ٢٧٢.

١٤٢

١٣ ـ وقال ابن روزبهان في كتابه ( الباطل ) : « وليس أخبار الصحاح الستّة مثل أخبار الروافض ، فقد وقع إجماع الأئمة على صحتها ».

وقال أيضا : « وصحاحنا ليس ككتب الشيعة ـ التي اشتهر عند السنّة أنها من موضوعات يهودي كان يريد تخريب بناء الإسلام ، فعملها وجعلها وديعة عند الإمام جعفر الصادق ، فلمّا توفي حسب الناس أنّه من كلامه والله أعلم بحقيقة هذا الكلام ، وهذا من المشهورات ، ومع هذا لا ثقة لأهل السنّة بالمشهورات ، بل لا بدّ من الإسناد الصحيح حتى تصح الرواية وأمّا صحاحنا فقد اتفق العلماء أنّ كلّ ما عدّ من الصحاح ـ سوى التعليقات ـ في الصحاح الستة لو حلف الطلاق أنه من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، أو من فعله وتقريره ، لم يقع الطلاق ولم يحنث ».

١٤ ـ وقال معين الدين الشهير بميرزا مخدوم حفيد الشريف الجرجاني في ( نواقض الروافض ) : « العاشر : إنكارهم كتب الأحاديث الصحاح التي اتفقت الامة بقبولها ، منها صحيحا البخاري ومسلم ، اللذين مرّ ذكرهما رضوان الله عليهما ... وقد بلغ القدر المشترك مما ذكر في ميامنهما وبركاتهما حدّ التواتر ، وصارا في الإسلام رفيقي المصحف الكريم والقرآن العظيم ، فهؤلاء من كثرة جهلهم وقلّة حيائهم ينكرون الصحيحين المزبورين وسائر صحاحنا ».

أقول : أليست هذه التشنيعات منطبقة على ( الدهلوي ) المنكر لحديث « الطير » وحديث « الولاية » المخرّجين في صحيح الترمذي؟!

١٥ ـ وقال الشاه ولي الله والد ( الدهلوي ) : « الطبقة الثانية : كتب لم تبلغ مبلغ الموطّأ والصحيحين ولكنّها تتلوها ، كان مصنفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحّر في فنون الحديث ، ولم يرضوا في كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم ، فتلقّاها من بعدهم بالقبول واعتنى بها المحدثون والفقهاء ، طبقة بعد طبقة ، واشتهرت فيما بين الناس ، وتعلّق بها القوم شرحا لغريبها وفحصا عن رجالها واستنباط لفقهها ، وعلى تلك الأحاديث بناء عامة

١٤٣

العلوم : كسنن أبي داود ، وجامع الترمذي ، ومجتبى النسائي ، وهذه الكتب ـ مع الطبقة الأولى ـ اعتنى بأحاديثها رزين في تجريد الصحاح ، وابن الأثير في جامع الأصول ، وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة ، فإن الإمام أحمد جعله أصلا يعرف به الصحيح والسقيم ، قال : وما ليس فيه فلا تقبلوه » (١).

أقول : فالعجب من ( الدهلوي ) الفخور المختال كيف طاب نفسا لعقوق ( والده ) السابق في مضمار الكمال ، فلم يصغ إلى وعظه ، ولم يعرّج على ندائه ، ولم يحتفل بتصريحه ، ولم يكترث بتحقيقه!! ...

١٦ ـ بل لقد أورد ( الدهلوي ) كلام والده في كتابه ( اصول الحديث ) ، وأيضا : مدح الترمذي وأثنى على ( صحيحه ) ورجحه على سائر الكتب من جهات وأورد مدائح القوم له ، كقصيدة الأندلسي المتقدمة مسبقا ، في كتابه الآخر ( بستان المحدثين ).

فمن عجائب الأمور أن يثبت ( الدهلوي ) الجسور هذه المدائح الجليلة لصحيح الترمذي ، ثم ينسى ذلك أو يتناسى ، ويتساهل ويغفل أو يتغافل ، ويكذّب حديث « الطير » و« الولاية » المذكورين في هذا الصحيح ، البريء ـ حسب إفادته ـ عن الخلل ، جريا في مضمار فاحش الزلل ، والله العاصم من دحض الأقدام في القول والعمل.

(٦)

رواية البلاذري

ورواه أحمد بن يحيى البلاذري ... فقد قال ما نصّه : « المدائني ، عن

__________________

(١) حجة الله البالغة : ١٨٤.

١٤٤

المثنى بن أبان ، عن أنس قال : كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في حائط ، وبين يديه طائر ، فقال : يا رب ائتني بأحبّ الخلق إليّ يأكل منه فجاء علي فأكل معه » (١).

ورواه عنه الحافظ ابن شهر آشوب المازندراني في ( مناقب آل أبي طالب ) : « روى حديث الطير جماعة ، منهم الترمذي في جامعه ، وأبو نعيم في حلية الأولياء والبلاذري في تاريخه ... » (٢).

ترجمة البلاذري

والبلاذري من مشاهير حفّاظ أهل السنّة ، قال الذهبي ـ بعد أن ترجم لأحمد بن محمّد البلاذري : « قلت : هذا البلاذري الصغير ، فأمّا الكبير فإنّه أحمد بن يحيى صاحب التاريخ المشهور ، من طبقة أبي داود السجستاني ، حافظ أخباري » (٣).

وكذا قال السيوطي (٤).

ومن مصادر ترجمة البلاذري ما يلي :

١ ـ معجم الأدباء ٥ / ٨٩.

٢ ـ الوافي بالوفيات ٨ / ٢٣٩.

٣ ـ فوات الوفيات ١ / ١٥٥.

٤ ـ البداية والنهاية ١١ / ٦٥.

٥ ـ سير أعلام النبلاء ١٣ / ١٦٢.

__________________

(١) أنساب الأشراف ٢ / ١٤٢ رقم ١٤١.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٨٢.

(٣) تذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٩٢.

(٤) طبقات الحفّاظ : ٣٦٦.

١٤٥

ترجمة ابن شهرآشوب

١ ـ الصّلاح الصفدي (١) بقوله : « محمّد بن علي بن شهرآشوب ـ الثانية بسين مهملة ـ أبو جعفر السروي المازندراني ، رشيد الدين ، الشيعي ، أحد شيوخ الشيعة ، حفظ أكثر القرآن وله ثمان سنين ، وبلغ النهاية في اصول الشيعة ، كان يرحل إليه من البلاد ، ثمّ تقدّم في علم القرآن والغريب والنحو ، ووعظ على المنبر أيّام المقتفي ببغداد فأعجبه وخلع عليه ، وكان بهيّ المنظر ، حسن الوجه والشيبة ، صدوق اللهجة ، مليح العبارة ، واسع العلم ، كثير الخشوع والعبادة والتهجّد ، لا يكون إلاّ على وضوء ، أثنى عليه ابن أبي طي في تاريخه ثناء كثيرا ، توفي سنة ٥٨٨ » (٢).

٢ ـ السّيوطي : « قال الصفدي : كان مقدّما في علم القرآن والغريب والنحو ، واسع العلم ، كثير العبادة والخشوع. ألّف : الفصول في النحو ، أسباب نزول القرآن ، متشابه القرآن ، مناقب آل أبي طالب ، المكنون ، المائدة والفائدة في النوادر والفوائد. مات سنة ٥٨٨ » (٣).

٣ ـ الداودي : « ... وكان إمام عصره وواحد دهره ، وكذا التأليف ، غلب عليه علم القرآن والحديث ، وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنّة في تصانيفه ، في تعليقات الحديث ورجاله ومراسيله ومتفّقه ومفترقه ، إلى غير ذلك من أنواعه ... » (٤).

__________________

(١) توجد ترجمته في : الدرر الكامنة ٢ / ٨٧ ، البدر الطالع ١ / ٢٤٣ ، شذرات الذهب ٦ / ٢٠٠ ، طبقات ابن قاضي شهبة ٢ / ٢٤١ ، طبقات السبكي ٦ / ٩٤.

(٢) الوافي بالوفيات ٤ / ١٤٦.

(٣) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة : ٧٧.

(٤) طبقات المفسّرين ٢ / ٢٠١.

١٤٦

وكذا ترجم له ابن حجر (١) والفيروزآبادي.

(٧)

رواية عبد الله بن أحمد

رواه في ( زوائد المسند ) حيث قال : « حدثني أبي قال : أخبرنا ابن مالك قال : حدّثنا عبد الله بن عمر قال : حدّثنا يونس بن أرقم قال : حدّثنا مطير بن أبي خالد ، عن البجلي ، عن سفينة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طيرين بين رغيفين ، فقدمت إليه الطيرين ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ، فجاء علي فرفع صوته. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من هذا؟ قلت : علي ، قال : فافتح له ، ففتحت له ، فأكل مع النبي صلّى الله عليه وسلّم من الطيرين حتى فنيا ».

وقال محمّد بن إسماعيل في ( الروضة الندية ) : « أخرج عبد الله بن أحمد ابن حنبل ـ من حديث سفينة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ قال : أهدت امرأة من الأنصار طيرين بين رغيفين ، فقدمت إليه الطيرين ، فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ، فجاء علي فرفع صوته ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من هذا؟ قلت : علي قال : فافتح له ، ففتحت له ، فأكلا من الطيرين حتى فنيا ».

ترجمته

١ ـ عبد الغني المقدسي : « قال أبو بكر الخطيب : كان ثقة ثبتا فهما. وقال بدر بن أبي بدر البغدادي : عبد الله بن أحمد جهبذ ابن جهبذ. وقال أبو

__________________

(١) لسان الميزان ٥ / ٣١٠.

١٤٧

الحسين ابن المنادي : لم يكن في الدنيا أروى عن أبيه منه ... قال : وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال ، وعلل الحديث ، والأسماء والكنى ، والمواظبة على طلب الحديث ، في العراق وغيرها ، ويذكرون عن أسلافهم الإقرار له بذلك ، حتى أن بعضهم ليسرف في تقريظه إيّاه بالمعرفة وزيادة السماع للحديث على أبيه ... » (١).

٢ ـ ابن حجر : « قال عباس الدّوري : سمعت أحمد يقول : قد وعى عبد الله علما كثيرا. وقال الخطبي : بلغني عن أبي زرعة قال قال لي أحمد : ابني عبد الله محفوظ من علم الحديث لا يكاد يذاكر إلاّ بما أحفظ. وقال أبو علي الصّواف : قال عبد الله بن أحمد : كلّ شيء أقول : قال أبي ، فقد سمعته مرّتين أو ثلاثة ، وقال ابن أبي حاتم : كتب إليّ بمسائل أبيه وبعلل الحديث ... وقال ابن عدي : نبل بأبيه وله في نفسه محل في العلم ، ولم يكتب عن أحد إلاّ من أمره أبوه أن يكتب عنه ... وقال النسائي : ثقة. وقال السّلمي : سألت الدار قطني عن عبد الله بن أحمد وحنبل بن إسحاق فقال : ثقتان نبيلان. وقال أبو بكر الخلاّل : كان عبد الله رجلا صالحا صادق اللهجة كثير الحياء » (٢).

٣ ـ الذهبي : « وفيها توفي الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمّد بن حنبل الذهلي الشيباني ، ببغداد ، في جمادى الآخرة ، وله سبع وسبعون سنة كأبيه ، وكان إماما خبيرا بالحديث وعلله مقدّما فيه ، وكان من أروى الناس عن أبيه ، وقد سمع من صغار شيوخ أبيه ، وهو الذي رتّب مسند والده » (٣).

٤ ـ السيوطي : « عبد الله بن أحمد بن حنبل البغدادي الحافظ ، روى عن : أبيه ، وابن معين ، وخلق. وعنه : النسائي ، وابن صاعد ، وأبو عوانة ،

__________________

(١) الكمال في معرفة الرجال ـ مخطوط.

(٢) تهذيب التهذيب ٥ / ١٤١.

(٣) العبر في خبر من غبر ٢ / ٨٦.

١٤٨

والطبراني ، وأبو بكر النجار ، والقطيعي ، وأبو بكر الشافعي ، وخلق ... » (١).

(٨)

رواية أبي بكر البزّار

أخرج الحديث في ( مسنده ) بقوله :

« حدثنا عبد الأعلى بن واصل ، ثنا عون بن سلام ، ثنا سهل بن شعيب ، ثنا بريدة بن سفيان ، عن سفينة ـ وكان خادما لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ قال : اهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طوائر وصنعت له بعضها ، فلمّا أصبح أتيته به فقال : من أين لك هذا؟ فقلت : من الذي أتيت به أمس ، قال : ألم أقل لك لا تدّخرنّ لغد طعاما : لكلّ يوم رزقه. ثمّ قال : اللهم أدخل عليّ أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فدخل علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقال : اللهم ولي.

حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ، ثنا عبيد الله بن موسى ، ثنا إسماعيل ابن سلمان الأزرق ، عن أنس بن مالك قال : اهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أطيار ، فقسّمها بين نساءه ، فأصاب كلّ امرأة منها ثلاثة ، فأصبح عند بعض نساءه ـ صفية أو غيرها ـ فأتته بهنّ ، فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا ، فقلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، فجاء علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا أنس ، انظر من على الباب ، فنظرت فإذا علي ، فقلت : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، ثمّ جئت فقمت بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : انظر من على الباب ، فإذا علي ، حتى فعل ذلك ثلاثا ، فدخل يمشي وأنا خلفه ،

__________________

(١) طبقات الحفّاظ : ٢٩٢.

١٤٩

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من حبسك رحمك الله؟ فقال : هذا آخر ثلاث مرات ، يردّني أنس ، يزعم أنك على حاجة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ما حملك على ما صنعت؟ قلت : يا رسول الله ، سمعت دعاءك ، فأحببت أن يكون من قومي ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنّ الرجل قد يحب قومه ، إنّ الرجل قد يحبّ قومه. قالها ثلاثا.

قلت : عند الترمذي طرف منه.

قال البزار : قد روي عن أنس من وجوه ، وكلّ من رواه عن أنس فليس بالقوي ، وإسماعيل كوفي حدّث عن أنس بحديثين » (١).

* وقد أخرج الحديث عن الحافظ البزّار غير واحد من المتأخرين عنه ، منهم : الحافظ الهيثمي في ( مجمعه ) فإنّه قال :

« وعن أنس بن مالك قال : أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أطيار ، فقسّمها بين نسائه ، فأصاب كلّ امرأة منها ثلاثة ، فأصبح عند بعض نسائه ـ صفيّة أو غيرها ـ فأتته بهنّ فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا. فقلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، فجاء علي رضي‌الله‌عنه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا أنس ، انظر من على الباب ، فنظرت فإذا علي ، فقلت : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، ثمّ جئت فقمت بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : انظر من على الباب ، فإذا علي ، حتى فعل ذلك ثلاثا ، فدخل يمشي وأنا خلفه ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : من حبسك رحمك الله؟ فقال : هذا آخر ثلاث مرّات يردّني أنس ، يزعم أنك على حاجة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ما حملك على ما صنعت؟ قلت : يا رسول الله ، سمعت دعاءك ، فأحببت أن يكون من قومي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنّ الرجل قد يحبّ

__________________

(١) كشف الأستار عن زوائد البزّار ٣ / ١٩٣ ـ ١٩٤. رقم ٢٥٤٧ ، ٢٥٤٨.

١٥٠

قومه ، إنّ الرجل قد يحبّ قومه. قالها ثلاثا.

رواه البزّار. وفيه إسماعيل بن سلمان ، وهو متروك.

وعن سفينة ـ وكان خادما لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ قال : أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طوائر فصنعت لها بعضها ، فلمّا أصبح أتيته به فقال : من أين لك هذا؟ فقلت من التي أتيت به أمس. فقال : ألم أقل لك لا تدّخرنّ لغد طعاما ، لكلّ يوم رزقه ، ثم قال : اللهم أدخل عليّ أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فدخل علي رضي‌الله‌عنه عليه ، فقال : اللهم وإليّ.

رواه البزار والطّبراني باختصار ، ورجال الطبراني رجال الصّحيح غير فطر ابن خليفة وهو ثقة » (١).

ترجمته

وتوجد ترجمة أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار المتوفى سنة ٢٩٢ في :

١ ـ تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٥٣.

٢ ـ تاريخ بغداد ٤ / ٣٣٤.

٣ ـ الوافي بالوفيات ٧ / ٨.

٤ ـ سير أعلام النبلاء ١٣ / ٥٥٤.

٥ ـ العبر في خبر من غبر ٢ / ٩٢.

٦ ـ طبقات الحفّاظ : ٢٨٥.

إلى غير ذلك من المصادر.

وقد عنونه الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) بقوله : « البزّار : الشيخ ، الامام الحافظ الكبير ، أبو بكر ، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ، البصري ، البزار ،

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٢٦.

١٥١

صاحب المسند الكبير الذي تكلّم على أسانيده ».

(٩) رواية النّسائي

رواه بسند صحيح حيث قال : « أخبرني زكريّا بن يحيى قال : أخبرنا الحسن بن حمّاد قال : ثنا مسهر بن عبد الملك ، عن عيسى بن عمر ، عن السدّي ، عن أنس بن مالك : إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان عنده طائر فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء أبو بكر فردّه ، ثمّ جاء عمر فردّه ، ثمّ جاء علي فأذن له » (١).

رجال السّند

وغير خاف على أهل العلم أنّ رجال هذا السند من مشاهير الثقات عند أهل السنّة ، ومع ذلك نورد تراجمهم هنا باختصار :

النسائي

امّا النسائي فمدائحه أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر ، وإليك بعض كلماتهم في الثناء عليه :

١ ـ ابن خلكان : « أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر النسائي ، الحافظ ، كان إمام عصره في الحديث ، وله كتاب السنن ، وسكن مصر ، وانتشرت بها تصانيفه ، وأخذ عنه الناس ، ... » (٢).

٢ ـ أبو الحجاج المزّي : « أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن

__________________

(١) خصائص علي الحديث : ١٢.

(٢) وفيات الأعيان ١ / ٧٧.

١٥٢

دينار ، أبو عبد الرحمن النسائي ، القاضي ، الحافظ ، صاحب كتاب السنن وغيره من المصنفات المشهورة ، أحد الأئمة المبرّزين ، والحفّاظ المتقنين ، والأعلام المشهورين ، طاف البلاد ، وسمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر والشام والجزيرة ، من جماعة يطول ذكرهم ، قد ذكرنا روايته عنهم في تراجمهم من كتابنا هذا ... » (١).

٣ ـ الخطيب التبريزي : « وهو أحد الأئمّة الحفّاظ ، والعلماء الفقهاء ، لقي المشايخ الكبار ، وأخذ الحديث عن : قتيبة بن سعيد ، وهنّاد بن السري ، ومحمّد بن بشار ، ومحمّد بن غيلان ، وأبي داود سليمان بن أشعث ، وغير هؤلاء من المشايخ الحفاظ ، وأخذ الحديث عنه خلق كثير منهم : أبو القاسم ابن الطبراني ، وأبو جعفر الطحاوي ، وأبو بكر إسحاق النسفي الحافظ ، وله كتب كثيرة في الحديث والعلل وغير ذلك.

قال مأمون المصري الحافظ : خرجنا مع أبي عبد الرحمن إلى طرسوس ، فاجتمع جماعة من مشايخ الإسلام ، واجتمع من الحفّاظ عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ومحمّد بن إبراهيم ، وغيرهما ، فتشاوروا من ينتقي لهم على الشيوخ ، فأجمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي ، وكتبوا كلّهم بانتخابه.

وقال الحاكم النيسابوري : أما كلام أبي عبد الرحمن على فقه الحديث فأكثر من أن يذكر ، ومن نظر في كتاب السنن له تحيّر في حسن الكلام ، وقال :

سمعت علي بن عمر الحافظ غير مرّة يقول : أبو عبد الرحمن مقدّم على كلّ من يذكر بهذا العلم في زمانه ، كان شافعي المذهب ، وكان ورعا متبّحرا رحمه‌الله.

النسائي ، بفتح النون وتخفيف السين. المهملة وبالمد والهمزة ، منسوب إلى مدينة نسأ من خراسان » (٢).

__________________

(١) تهذيب الكمال ١ / ٢٣.

(٢) الإكمال في أسماء الرجال المشكاة ط معه.

١٥٣

٤ ـ ابن الوردي : « ... إمام حافظ محدّث ... » (١).

٥ ـ الصلاح الصفدي : « ... مصنف السنن وغيرها ، بقية الأعلام ...

وقال ابن طاهر المقدسي : سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثّقه ، فقلت : ضعّفه النسائي ، فقال : يا بني ، إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشدّ من شرط البخاري ومسلم. وقال الدار قطني : كان ابن حدّاد أبو بكر كثير الحديث ولم يحدّث عن غير النسائي وقال : قد رضيت به حجة بيني وبين الله ... » (٢).

٦ ـ الذهبي في حوادث ٣٠٣ : « وفيها توفي الامام أحد الأعلام صاحب التصانيف أبو عبد الرحمن ... » (٣).

٧ ـ اليافعي : « فيها توفي الحافظ ، أحد الأئمّة الأعلام ، صاحب المصنّفات ، أبو عبد الرحمن أحمد بن علي النسائي ، كان إمام عصره في الحديث ... » (٤).

٨ ـ الأسنوي : « الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي ، المشهور في الحديث اسمه ، وكتابه الجامع بين الحديث والفقه ، سكن مصر وأخذ عن يونس بن عبد الأعلى صاحب الشافعي ، وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث ... » (٥).

٩ ـ السبكي : « أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر ، الإمام الجليل ، أبو عبد الرحمن النسائي ، أحد أئمة الدنيا في الحديث ، والمشهور اسمه وكتابه ... قال أبو علي النيسابوري. حافظ خراسان في زمانه : حدّثنا

__________________

(١) تتمة المختصر في أحوال البشر حوادث : ٣٠٣.

(٢) الوافي بالوفيات ٦ / ٤١٦.

(٣) العبر في خبر من غبر ٢ / ١٢٣.

(٤) مرآة الجنان ٢ / ١٢٣.

(٥) طبقات الشافعية ٢ / ٤٨٠.

١٥٤

الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي. وقال المنصور الفقيه وأبو جعفر الطحاوي رحمهما الله : النسائي إمام من أئمة المسلمين ...

قلت : سمعت شيخنا أبا عبد الله الذهبي الحافظ وسألته : أيّهما أحفظ مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح أو النسائي؟ فقال : النسائي ، ثم ذكرت ذلك للشيخ الإمام الوالد ـ تغمّده الله برحمته ـ فوافق عليه ... » (١).

ومن مصادر ترجمة النسائي أيضا :

١ ـ الأنساب ـ النسائي.

٢ ـ تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٩٨.

٣ ـ البداية والنهاية ١١ / ١٢٣.

٤ ـ طبقات القراء ١ / ٦١.

٥ ـ تهذيب التهذيب ١ / ٣٦.

٦ ـ حسن المحاضرة ١ / ٣٤٩.

٧ ـ العقد الثمين ٣ / ٤٥.

٨ ـ طبقات الحفاظ : ٣٠٣.

٩ ـ النجوم الزاهرة ٣ / ١٨٨.

١٠ ـ شذرات الذهب ٢ / ٢٣٩.

زكريا بن يحيى

وأما زكريا بن يحيى ، فهذه بعض كلماتهم في حقّه :

١ ـ الذهبي : « س ـ زكريا بن يحيى السجزي الحافظ ، أبو عبد الرحمن ، عن شيبان وقتيبة ، وعنه : س رفيقه ، والطبراني. ثقة ، ولد ١٩٥ ، ومات ٢٨٩ » (٢).

__________________

(١) طبقات الشافعية ٣ / ١٤.

(٢) الكاشف ١ / ٣٢٤.

١٥٥

٢ ـ ابن حجر : « قال النسائي : ثقة ، وقال عبد الغني بن سعيد : ثقة ، وقال ابن يونس : قدم مصر وكتب عنه وخرّج ... » (١).

٣ ـ وقال : « يعرف بخيّاط السنّة ، ثقة حافظ ، من الثانية عشرة .. » (٢).

حسن بن حماد

وأما حسن بن حماد :

١ ـ ابن حبان : « الحسن بن حماد الضبي الكوفي ، أبو علي ، الذي يقال له سجادة ، يروي عن وكيع وأهل بلده ، ثنا عنه أبو يعلى وجماعة من شيوخنا ، مات يوم السبت لثمان بقين من رجب سنة ٢٤١ » (٣).

٢ ـ الذهبي : « س ـ حسن بن حماد الضبّي الكوفي ... ثقة توفي ٢٣٨ » (٤).

٣ ـ ابن حجر : « قال ابن أبي حاتم : سألت موسى بن إسحاق عنه فقال :

ثقة مأمون ، وقال السرّاج : كوفي ثقة ، قدم بغداد سنة ٣٥ وحدّث بها ، وقال مطين : مات في رجب سنة ٢٣٨. له في السنن حديث واحد في اعتكاف عمر.

قلت : وذكره ابن حبان في الثقات » (٥).

٤ ـ وقال أيضا : « ثقة ، من العاشرة ، مات سنة ٣٨ » (٦).

مسهر بن عبد الملك

وأمّا مسهر بن عبد الملك فقد ترجم له :

* الذهبي بقوله : « مسهر بن عبد الملك بن سلع الهمداني الكوفي ، عن

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٣ / ٣٣٤.

(٢) تقريب التهذيب ١ / ٢٦٢.

(٣) الثقات ٨ / ١٧٥.

(٤) الكاشف ١ / ٢٢٠.

(٥) تهذيب التهذيب ٢ / ٢٣٧.

(٦) تقريب التهذيب ١ / ١٦٥.

١٥٦

أبيه ، والأعمش ، وعيسى بن عمر القاري ، وعنه : ابن راهويه ، والحسن بن علي ، الحلواني ، وأبو سعيد الأشج ، والحسين بن عيسى البسطامي ، ومحمّد ابن عبد الله بن المبارك المخزومي ، وجماعة. وثّقه الحسن بن حمّاد الوراق ، وذكره ابن حبان في الثقات » (١).

عيسى بن عمر

وأما عيسى بن عمر :

١ ـ ابن حبان : « عيسى بن عمر القاري الهمداني ، أبو عمر الأعمى ، من أهل الكوفة ، يروي عن الشعبي والكوفيين ، روى عنه ابن المبارك وجرير ووكيع » (٢).

٢ ـ الذهبي : ت ، س ـ عيسى بن عمر الأسدي الكوفي المقري ، صاحب الحروف ، ويعرف بالهمداني ... قال أحمد : ليس به بأس. مات سنة ١٥٦ » (٣).

٣ ـ ابن حجر : « قال الميموني عن أحمد : ليس به بأس ، وقال إسحاق ابن منصور عن ابن معين : ثقة ، وقال الدوري عن ابن معين : عيسى بن عمر الكوفي صاحب الحروف هو همداني ، وعيسى بن النحوي بصري ، وقال النسائي : ثقة ، وقال أبو حاتم : ليس بحديثه بأس ، وقال أيضا : ثنا مقاتل بن محمّد ، ثنا وكيع ، عن عيسى بن عمر الهمداني وكان ثقة ، قال الخطيب : كان ثقة ، وذكره ابن حبان في الثقات ... قلت : وقال العجلي : كوفي ثقة ، رجل صالح ، كان أحد قرّاء الكوفة ، رأسا في القرآن ، وقال أبو بكر البزار : ليس به بأس ، وقال ابن خلفون : وثّقه ابن نمير ... » (٤).

__________________

(١) تهذيب التهذيب ـ مخطوط.

(٢) الثقات ٧ / ٢٣٣.

(٣) الكاشف ٢ / ٣٦٩.

(٤) تهذيب التهذيب ٨ / ١٩٩.

١٥٧

٤ ـ وقال : « ثقة ، من السابعة ، مات سنة ست وخمسين » (١).

السدّي

وأمّا السدّي ، فقد مرّت ترجمته وكلمات المدح والثناء فيه بالتفصيل سابقا.

أنس بن مالك

وأمّا أنس بن مالك ، فهو صحابيّ من أشهر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تقرر عندهم عدالة جميعهم ، فلا حاجة إلى ذكر تراجمهم له.

أقول : فإذا كان النسائي عمدة أهل التحقيق ، قد روى هذا الحديث الشريف الأنيق ، بطريق صحيح وثيق ، إظهارا للحق الذي هو بالإذعان حقيق ، كيف يركن ذو خبر بصير أفيق إلى إبطاله وردّه ، فيلقي نفسه في العذاب الواصب وأليم الحريق؟!

صحّة أحاديث الخصائص وجواز الاحتجاج بها

ثمّ إنّه مع قطع النّظر عن خصوص هذه الرّواية الصحيحة السند كما عرفت ، فإنّ مجرّد إخراج النسائي إيّاه في كتاب ( الخصائص ) دليل على صحّته وجواز الاحتجاج به ، وذلك لأمرين :

أحدهما : إنّ سبب تصنيفه هذا الكتاب هو : أنّه لمّا دخل دمشق وجد المنحرف بها عن أمير المؤمنين عليه‌السلام كثيرا ، فصنّف ( الخصائص ) رجاء لأن يهديهم الله تعالى به ... في قضيّة مفصّلة مذكورة بترجمته في الكتب

__________________

(١) تقريب التهذيب ٢ / ١٠٠.

١٥٨

المعتبرة ، راجع منها :

وفيات الأعيان ، وتذهيب التهذيب ، وتهذيب التهذيب ، وتهذيب الكمال ، وتذكرة الحفّاظ ، ومرآة الجنان ، وطبقات السّبكي ...

ومن الواضح : إن هداية المنحرفين عن سيّدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام لا تتحقّق بذكر الأحاديث غير الصحيحة ، بل إنّه يزيدهم عنادا وانحرافا ...

فظهر أنّ حديث « الطير » وكذا حديث « الولاية » وأمثالهما ممّا أخرج النسائي في ( خصائصه ) أحاديث صحيحة سندا وتامّة دلالة ، يرجى بها الهداية للمنحرفين عن أهل البيت الطّاهرين ، ورجوعهم إلى الحق وإلى الطريق المستقيم.

لكنّ هذا الكتاب ـ وإن نفع بعض النواصب ، وأنقذهم من بغض علي عليه‌السلام ـ لم ينفع ( الدهلوي ) الذاهب من الجفاء والانحراف إلى أقصى المذاهب!!

والثاني : إنّ كتاب ( الخصائص ) جزء من كتاب ( السنن ) للنسائي ، الذي هو أحد الصحاح الستّة ... قال الذهبي : « وقد صنّف مسند علي ، وكتابا حافلا في الكنى. وأما كتاب خصائص علي فهو داخل في سننه الكبير » (١).

وقال ابن حجر :

« وقد ذكر المؤلّف ـ يعني المزّي ـ الرقوم : للستة ع ، وللأربعة ٤ ، وللبخاري خ ، ولمسلم م ، ولأبي داود د ، وللترمذي ت ، وللنسائي س ، ولابن ماجة ق ، وللبخاري : في التعاليق خت ، وفي الأدب المفرد بخ ، وفي جزء رفع اليدين ي ، وفي خلق أفعال العباد عخ ، وفي جزء القراءة خلف الامام ر. ولمسلم في مقدمة كتابه مق ، ولأبي داود في المراسيل مد ، وفي القدر قد ، وفي الناسخ والمنسوخ خد ، وفي كتاب التفرّد ف ، وفي فضائل الأنصار ص ، وفي

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٤ / ١٣٣.

١٥٩

المسائل ل ، وفي مسند مالك كد ، وللترمذي في الشمائل تم ، وللنسائي في اليوم والليلة سي ، وفي مسند مالك كن ، وفي خصائص علي ص ، وفي مسند علي عس ، ولابن ماجة في التفسير ، فق.

هذا الذي ذكره المؤلّف من تواليفهم ، وذكر أنّه ترك تصانيفهم في التواريخ عمدا ، لأن الأحاديث التي تورد فيها غير مقصودة بالاحتجاج ... » (١).

فإنّ كلامه هذا يفهم أن أحاديث « الخصائص ». مثل كتب الصحاح ونحوها « مقصودة بالاحتجاج » ... ثم قال ابن حجر :

« وبقي عليه من تصانيفهم التي على الأبواب عدّة كتب ... وكذلك أفرد خصائص علي وهو من جملة المناقب في رواية ابن سيّار ... » أي : إنّ كتاب « الخصائص » من جملة ( المناقب في سنن النسائي ) في رواية ابن سيّار فما وجه إفراده بالذكر؟

وهذا يعني أن « الخصائص » من ( السنن ) الذي هو أحد الصّحاح الستة ، فهذا وجه آخر لصحّة الاحتجاج بأحاديث « الخصائص ».

وقد صرّح ابن حجر العسقلاني باعتبار أحاديث هذا الكتاب حيث قال :

« قد أخرج المصنّف من مناقب علي أشياء في غير هذا الموضع ، منها : حديث عمر : عليّ أقضانا ، وسيأتي في تفسير البقرة ، وله شاهد صحيح من حديث ابن مسعود عند الحاكم. ومنها : حديث قتاله البغاة ، وهو في حديث أبي سعيد في علامات النبوة ، وغير ذلك مما يعرف بالتتبّع ، ورغب في جمع مناقبه من الأحاديث الجياد النسائي في كتاب الخصائص ».

فظهر أن حديث ( الطير ) المذكور في ( الخصائص ) جيّد من حيث الإسناد ، قمين بالاحتجاج والاستناد ، وما صدر من ( الدهلوي ) محض الخبط والعناد ، بحت العصبيّة واللّداد ...

__________________

(١) تهذيب التهذيب ـ المقدمة.

١٦٠