نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١١

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

عليه ، وكان معنى الحديث أنّ عليا عليه‌السلام حافظ العلم والحكمة ، فلا يتطرّق إليهما ضياع ولا يخشى عليها ذهاب ، فوصف عليا بأنّه حافظ العلم والحكمة ، ويكفى عليا عليه‌السلام علوّا في مقام العلم والفضيلة أن جعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حافظا للعلم والحكمة » (١).

٥ ـ دلالته على وجوب الرجوع إليه

ويدلّ حديث مدينة العلم على وجوب رجوع الأمّة إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام لأخذ العلم منه ، ولذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذيله « فمن أراد العلم فليأت الباب » وقال « كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلاّ من الباب ».

وهذا أيضا وجه آخر لإثبات المطلوب. والحمد لله.

قال العلاّمة ابن شهرآشوب عليه الرحمة بعد نقل الحديث من طرق المخالفين : « وهذا يقتضي وجوب الرجوع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لأنّه كنّى عنه بالمدينة وأخبر أن الوصول إلى علمه من جهة علي خاصة ، لأنه جعله كباب المدينة الذي لا يدخل إليها إلاّ منه. ثمّ أوجب ذلك الأمر به بقوله : « فليأت الباب ». وفيه دليل على عصمته ، لأنّه من ليس بمعصوم يصحّ منه وقوع القبيح ، فإذا وقع كان الاقتداء به قبيحا فيؤدّى إلى أن يكون عليه‌السلام قد أمر بالقبيح وذلك لا يجوز ، ويدلّ أيضا : أنه أعلم الأمة ، يؤيد ذلك ما قد علمناه من اختلافها ورجوع بعضها إلى بعض وغناه عليه‌السلام عنها ، وأبان عليه‌السلام ولاية علي عليه‌السلام وإمامته وأنّه لا يصح أخذ العلم والحكمة في حياته وبعد وفاته إلاّ من قبله وروايته عنه كما قال الله تعالى : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) » (٢).

__________________

(١) مطالب السئول : ٦١ ـ ٦٢.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٤.

١٨١

وقال القاضي التستري الشهيد نوّر الله مرقده في ( إحقاق الحق ) :

« أقول : في الحديث إشارة إلى قوله تعالى : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) وفي كثير من روايات ابن المغازلي تصريح بذلك ، ففي بعضها مسندا إلى جابر رضي‌الله‌عنه : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب. وفي بعضها مسندا إلى علي عليه‌السلام : يا علي أنا مدينة وأنت الباب كذب من زعم أنّه يصل إلى المدينة إلاّ من الباب. وروى عن ابن عباس : أنا مدينة الجنة وعلي بابها فمن أراد الجنّة فليأتها من بابها. وعن ابن عباس أيضا بطريق آخر : أنا دار الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب.

وهذا يقتضي وجوب الرجوع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنّى عن نفسه الشريفة بمدينة العلم وبدار الحكمة ، ثم أخبر أن الوصول إلى علمه وحكمته وإلى جنّة الله سبحانه من جهة علي خاصة ، لأنّه جعله كباب مدينة العلم والحكمة والجنة التي لا يدخل إليها إلاّ منه ، وكذّب عليه‌السلام من زعم أنّه يصل إلى المدينة لا من الباب ، وتشير إليه الآية أيضا كما ذكرناه.

وفيه دليل على عصمته وهو ظاهر ، لأنّه عليه‌السلام أمر بالاقتداء به في العلوم على الإطلاق ، فيجب أن يكون مأمونا عن الخطأ ، ويدل على أنه إمام الأمة لأنه الباب لتلك العلوم ، ويؤيد ذلك ما علم من اختلاف الأمة ورجوع بعض إلى بعض وغناؤه عليه‌السلام عنها ، ويدل أيضا على ولايته وإمامته عليه‌السلام ، وأنّه لا يصح أخذ العلم والحكمة ودخول الجنة في حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ من قبله ، ورواية العلم والحكمة إلاّ عنه ، لقوله تعالى : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) حيث كان عليه‌السلام هو الباب ، ولله در القائل :

« مدينة علم وابن عمك بابها

فمن غير ذاك الباب لم يؤت سورها ».

ويدل أيضا : على أنه من أخذ شيئا من هذه العلوم والحكم التي احتوى عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير جهة علي عليه‌السلام كان

١٨٢

عاصيا كالسارق والمتسوّر ، لأنّ السارق والمتسوّر إذا دخلا من غير الباب المأمور بها ووصلا إلى بغيتهما كانا عاصيين ، وقوله عليه‌السلام : « فمن أراد العلم فليأت الباب » ليس المراد به التخيير ، بل المراد به الإيجاب والتهديد كقوله عز وجل ( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) والدليل على ذلك : أنّه ليس هاهنا نبي غير محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو مدينة العلم ودار الحكمة ، فيكون العالم مخيّرا بين الأخذ من أحدهما دون الآخر. وفقد ذلك دليل على إيجابه وأنّه فرض لازم. والحمد لله ».

وقال : ثمّ لا يخفى على أولي الألباب أن المراد بالباب في هذه الأخبار الكناية عن الحافظ للشيء الذي لا يشذّ عنه منه شيء ولا يخرج الاّ منه ولا يدخل عليه الاّ به ، وإذا ثبت أنه عليه‌السلام الحافظ لعلوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحكمته ، وثبت أمر الله تعالى ورسوله بالتوصّل به إلى العلم والحكمة وجب اتباعه والأخذ عنه ، وهذا حقيقة معنى الامام كما لا يخفى على ذوي الأفهام ».

٦ ـ دلالته على أنّ الامام أوّل من يقاتل أهل البغي

وممّا يدلّ عليه حديث مدينة العلم ما ذكره الكنجي من أنّ أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أوّل من يقاتل أهل البغي بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وهذا الوجه أيضا يقتضي أفضليّة الامام عليه‌السلام من سائر الأصحاب ، وصحّة الاستدلال به على مطلوب أهل الحق ... وهذا نصّ كلام الحافظ الكنجي :

« قلت ـ والله أعلم ـ : إنّ وجه هذا عندي أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، أراد صلّى الله عليه وسلّم أن الله تعالى علّمني العلم وأمرني بدعاء الخلق إلى الإقرار بوحدانيّته في أوّل النّبوة ، حتى مضى شطر زمان الرسالة على ذلك ، ثم أمرني الله بمحاربه من أبى الإقرار لله عز وجل

١٨٣

بالوحدانيّة بعد منعه من ذلك ، فأنا مدينة العلم في الأوامر والنواهي وفي السلم والحرب ، حتى جاهدت المشركين ، وعلي بن أبي طالب بابها ، أي : هو أوّل من يقاتل أهل البغي بعدي من أهل بيتي وسائر أمتي ، ولو لا أنّ عليا بيّن الناس قتال أهل البغي ، وشرع الحكم في قتلهم وإطلاق الأسارى منهم وتحريم سلب أموالهم وسبى ذراريهم ، لما عرف ذلك ، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم سنّ في قتال المشركين ونهب أموالهم وسبي ذراريهم ، وسنّ عليّ في قتال أهل البغي أن لا يجهز على جريح ولا يقتل الأسير ولا تسبى النساء والذريّة ولا تؤخذ أموالهم ، وهذا وجه حسن صحيح.

ومع هذا ، فقد قال العلماء من الصّحابة والتابعين وأهل بيته : بتفضيل علي ، وزيادة علمه ، وغزارته ، وحدّته فهمه ووفور حكمته ، وحسن قضاياه وصحّة فتواه ، وقد كان أبوبكر وعمر وعثمان وغيرهم من علماء الصّحابة يشاورونه في الأحكام ، ويأخذون بقوله في النقض والإبرام ، اعترافا منهم بعلمه ووفور فضله ورجاحة عقله وصحة حكمه ، وليس هذا الحديث في حقّه بكثير ، لأنّ رتبته عند الله عزّ وجل وعند رسوله وعند المؤمنين من عباد أجلّ وأعلى من ذلك » (١).

٧ ـ الحديث في رواية جابر

قال الخطيب : « أخبرنا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري قال : أخبرنا أبوبكر بن المقري قال : ثنا أبو الطيب محمد بن عبد الصّمد الدقاق قال : حدثنا أحمد ابن عبيد الله أبو جعفر المكتّب قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : ثنا سفيان عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن بهمان قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبيّة وهو آخذ بيد علي : هذا أمير

__________________

(١) كفاية الطالب : ٢٢٢.

١٨٤

البررة وقاتل الفجرة ، منصور من نصره مخذول من خذله ، يمدّ بها صوته ، أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب » (١).

وقال ابن المغازلي : « أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفّر بن أحمد العطّار الفقيه الشافعي ـ رحمه الله تعالى ، بقراءتي عليه فأقرّ به ، سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ـ قلت له : أخبركم أبو محمّد عبد الله بن محمد بن عثمان المزني ـ الملقب بابن السقاء الحافظ الواسطي رحمه‌الله ـ نا عمر بن الحسن الصيرفي رحمه‌الله ، نا أحمد بن عبد الله بن يزيد ، نا عبد الرزاق قال : أنا سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان عن عبد الرحمن بن بهمان عن جابر بن عبد الله قال : أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم بعضد علي فقال : هذا أمير البررة وقاتل الكفرة ، منصور من نصره مخذول من خذله ، ثم مدّ بها صوته فقال : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ».

وقال : « أخبرنا الحسن بن أحمد بن موسى ، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصّلت القرشي ، نا علي بن محمد بن المقري ، نا محمد بن عيسى ابن شعبة البزاز ، نا أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدب ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر عن عبد الله بن عثمان عن عبد الرحمن قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ـ يوم الحديبيّة ، وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب ـ : هذا أمير البررة وقاتل الفجرة ، منصور من نصره مخذول من خذله ، ثم مدّ بها صوته فقال : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب » (٢).

وقال الكنجي : « أخبرنا العلامة قاضي القضاة أبو نصر محمد بن هبة الله ابن قاضي القضاة محمد بن هبة الله بن محمد الشيرازي ، أخبرنا الحافظ أبو القاسم ، أخبرنا القاسم بن السمرقندي ، أخبرنا أبو القاسم بن مسعدة ، أخبرنا حمزة بن يوسف ، أخبرنا أبو أحمد بن عدي ، حدثنا النعمان بن هارون البلدي

__________________

(١) تاريخ بغداد ٢ / ٣٧٧ ، ٤ / ٢١٩.

(٢) مناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي : ٨٠.

١٨٥

ومحمد بن أحمد بن المؤمّل الصيرفي وعبد الملك بن محمد قالوا : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدّب ، حدثنا عبد الرزاق ، عن سفيان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن بهمان قال : سمعت جابرا يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ـ يوم الحديبيّة وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب وهو يقول ـ : هذا أمير البررة وقاتل الفجرة ، منصور من نصره مخذول منخذله ، ثمّ مدّ بها صوته وقال : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب. قلت : هكذا رواه ابن عساكر في تاريخه ، وذكر طرقه عن مشايخه » (١).

أقول : فهذا الحديث قد رواه كبار الحفّاظ أمثال :

عبد الرّزاق بن همام الصنعاني.

وابن السقاء الواسطي.

وأبي الحسن العطّار الشافعي.

والخطيب البغدادي.

وأبي محمد الغندجاني.

وابن المغازلي.

وابن عساكر ، والكنجي الشافعي.

وهذا الحديث يدلّ من جهات عديدة على اهتمام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإفصاح عن إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وأفضليّته قولا وفعلا ، وتلك الجهات هي :

١ ـ إيراده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الكلام « يوم الحديبية » ، وهو مشهد عظيم من مشاهد المسلمين يجتمع فيه الوضيع والشريف والصغير والكبير ...

٢ ـ أخذه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضبع أمير المؤمنين عليه‌السلام لمزيد التأكيد وإتمام الحجة على الحاضرين والغائبين ...

__________________

(١) كفاية الطالب : ٢٢٠.

١٨٦

٣ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه : « هذا أمير البررة وقاتل الكفرة » وهو نصّ صريح في إمامته ...

٤ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « منصور من نصره مخذول من خذله » إيجابا لطاعته وإلزاما لاتّباعه ...

٥ ـ مدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صوته بقوله : « أنا مدينة ... » إبلاغا لجميع الحاضرين ... فكيف يقال : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقصد بهذا الحديث إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام؟ وأنّ هذا الحديث ليس فيه دلالة على مدّعي أهل الحق؟

٨ ـ الحديث في خطبة الامام الحسن عليه‌السلام

روى القندوزي الحنفي :

« عن الأصبغ بن نباتة قال : لمّا جلس علي عليه‌السلام في الخلافة خطب خطبة ذكرها أبو سعيد البختري إلى آخرها ، ثم قال للحسن عليهما‌السلام : يا بني فاصعد المنبر وتكلّم ، فصعد وبعد الحمد والتّصلية قال : أيها الناس سمعت جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وهل تدخل المدينة إلاّ من بابها. فنزل.

ثمّ قال الحسين عليه‌السلام فاصعد المنبر وتكلّم فصعد ، فقال بعد الحمد والتّصلية : أيّها الناس سمعت جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّ عليا مدينة هدى فمن دخلها نجى ومن تخلّف عنها هلك ، فنزل.

ثم قال علي عليه‌السلام : أيها الناس إنّهما ولدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وديعته التي استودعهما على أمّته ، وسائل عنهما » (١).

__________________

(١) ينابيع المودة : ٧٢.

١٨٧

فذكر الامام الحسن عليه‌السلام حديث مدينة العلم في هذا الحال ـ أي عند جلوس الامام علي عليه‌السلام في الخلافة ـ واقتصاره عليه ، من أوضح البراهين على دلالته على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ووجوب متابعته والانقياد له ...

٩ ـ رجوع الطرق إلى الامام عليه‌السلام

قال شهاب الدين أحمد بن عبد القادر العجيلي :

« ودعوة الحق وباب العلم

وأعلم الصّحب بكلّ حكم ».

قالت أم سلمة رضي الله عنها : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أما ترضين ـ يا فاطمة ـ أن زوّجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما. وقالت أمّ سلمة رضي الله عنها : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

فهو الداعي إلى الحق وهو دعوة الحق.

وفي الجامع الكبير : قسّمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأعطي علي سبعة أجزاء والناس جزء وعلي أعلم بالواحد منه منهم.

وأخرج الترمذي أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب.

ولهذا كانت الطرق والسّلسلات راجعة إليه ».

أي : لمّا كان علي عليه‌السلام باب مدينة العلم كانت الطرق والسّلسلات راجعة إليه ، وهذا المعنى أيضا يثبت أفضليته ، وثبوتها كاف في هذا الباب كما لا يخفى على أولى الألباب » (١).

__________________

(١) ذخيرة المآل ـ مخطوط.

١٨٨

١٠ ـ دلالة الحديث على أنّ الامام خاتم الأولياء

قال المولوي حسن الزمان :

« تنبيه : ومن أحسن بيّنة على معنى ختم الأولياء : الحديث المشهور الصحيح الذي صحّحه جماعات من الأئمة :

منهم : أشدّ الناس مقالا في الرجال سند المحدثين ابن معين ، كما أسنده ووافقه الخطيب في تاريخه ـ وقد كان قال أوّلا لا أصل له ـ.

ومنهم : الامام الحافظ المنتقد المجتهد المستقل المجدد الجامع من العلوم ـ كما ذكره السيوطي ، وابن حجر ، والتاج السبكي ، والذهبي ، والنووي ، عن الامام الحافظ الخطيب البغدادي ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره ، ويؤيده قول إمام الأئمة ابن خزيمة : ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير ـ في تهذيب الآثار ، وقد قال الخطيب : لم أرد مثله في معناه ، كما نقل كلامه السيوطي في مسند علي من جمع الجوامع.

ومنهم : الحاكم.

ومن آخرهم : المجد الشيرازي شيخ ابن حجر ، في نقد الصحيح ، وأطنب في تحقيقه كما نقله الدهلوي في لمعات التنقيح.

واقتصر على تحسينه : العلائي ، والزركشي ، وابن حجر ، في أقوام أخر ، ردّا على ابن الجوزي.

من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا تؤتى المدينة إلاّ من بابها ، قال الله تعالى : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ). وهو أقوى شاهد لصحة رواية صحّحها الحاكم : فمن أراد العلم فليأت الباب.

وهذا مقام الختم من أنّه لا وليّ بعده إلاّ وهو راجع إليه ، آخذ من لديه ،

١٨٩

وإليه الاشارة بما في الحديث الصحيح المستفيض المشهور بل المتواتر ، من الأمر بسدّ كلّ باب في المسجد إلاّ بابه ، مستندا إلى أمر الله تعالى بذلك ، فهو سدّ كلّ باب من صاحب الشريعة إلاّ ما شاء في الطريقة إلى الحقيقة إلاّ بابه ، فلا جرم قد انحصرت سلاسل الطريقة في باب المرتضى إلاّ ما ندر كخوخة الصديق أبي بكر ، ويؤيّده الأحاديث الصحيحة المذكورة وغيرها المشهورة.

ومن هنا كان المرتضى مثل عيسى ـ على نبيّنا وكلّ الأنبياء الصلاة والسلام ـ في إفراط وتفريطهم فيه كما ورد ، وقد استشهد ليلة رفع فيها عيسى كما ورد من طرق عن الامام الحسن بن علي في الخطبة ، فإنّه خاتم الولاية العامة من آدم إلى آخر ولي.

والمرتضى كرّم الله وجهه خاتم الولاية الخاصة المحمدية الأكبر ، فالمهدي الوارد فيه ـ عند الطبراني وجماعة : المهدي منّا أهل البيت يختم الدين به كما فتح بنا ـ فولي آخر من العرب من أكرمها أصلا ، ويدا كان الشيخ الأكبر خاتم الولاية المحمدية الأصغر عاصره ولقيه ونفيه خاتما خاصا في العالم غيره قبل تحققه برتبته وإن كان بشّر به فنسي ، ثم لمّا تحقّق حقّق » (١).

وحاصل هذا الكلام : إن حديث مدينة العلم من أحسن بيّنة على أن أمير المؤمنين عليه‌السلام خاتم الأولياء ، وأنّ كلّ ولي راجع إليه ، آخذ من لديه ، وهذا وجه آخر لدلالة حديث مدينة العلم على أفضليته فإمامته عليه‌السلام ...

__________________

(١) القول المستحسن في فخر الحسن ١٨٤.

١٩٠

قوله :

« غاية ما في الباب أنّه قد تحقّق فيه شرط من شروط الامامة على الوجه الأتم ، ومع وجدان أحد الشروط لا يلزم وجود المشروط ».

أقول :

لقد ثبت ـ من البحوث المتقّدمة ـ دلالة حديث مدينة العلم على إمامة سيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وكلام ( الدهلوي ) هذا يؤيّد استدلال أهل الحق بهذا الحديث الشريف على الامامة والخلافة ، لأنّ تحقق أحد شروط الامامة فيه ـ وهو العلم ـ بالوجه الأتم ثبتت أعلمية الامام عليه‌السلام ، وهذه تقتضي أفضليّته وحينئذ لا يبقى ريب في وجدانه لسائر شرائط الامامة.

أدلة أخرى على استلزام الأعلمية للأفضلية فالامامة

وبالرغم من ثبوت استلزام الأعلمية للأفضلية ، وأيضا استحقاق الأعلم للإمامة والخلافة ، من الوجوه المذكورة سابقا ، لكنّا نذكر فيما يلي بعض الأدلّة المحكمة على هذا المطلب :

١ ـ قصّة جالوت

قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ )

١٩١

( أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ).

قال الثعلبي والبغوي والنسفي وغيرهم : « ( قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ ) اختاره ( عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً ) فضيلة وسعة ( فِي الْعِلْمِ ) وذلك أنه كان أعلم بني إسرائيل في وقته » (١).

٢ ـ قصّة استخلاف داود سليمان عليهما‌السلام

وهذه القصّة ذكرها أبو الحسن محمد بن عبد الله الكسائي في ( قصص الأنبياء ) ، وأبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي في ( العرائس ) ، وعبيد الله الكاشغري في ( نفائس العرائس ) بألفاظ متقاربة ، وهذه هي القصة بلفظ أبي إسحاق الثعلبي :

« باب في قصّة استخلاف داود ابنه سليمان ـ عليهما‌السلام ـ وذكر بدو الخاتم. قال أبو هريرة رضي‌الله‌عنه :

أنزل الله تعالى كتابا من السماء على داود عليه‌السلام مختوما بخاتم من ذهب فيه ثلاثة عشر مسألة ، فأوحى الله تعالى إليه أن سل عنها ابنك ، فإن هو أخرجهنّ فهو الخليفة من بعدك ، قال : فدعا داود عليه‌السلام سبعين قسّا وسبعين حبرا ، وأجلس سليمان بين أيديهم وقال : يا بنيّ إن الله تعالى أنزل عليّ كتابا من السماء فيه مسائل ، وأمرني أن أسألك منها ، فإن أخرجتهنّ فأنت الخليفة من بعدي. فقال سليمان : ليسأل نبيّ الله عمّا بدا له وما توفيقي إلا بالله ، قال داود :

__________________

(١) معالم التنزيل ١ / ٣٤٣.

١٩٢

يا بني ما أقرب الأشياء؟ وما أبعد الأشياء؟ وما آنس الأشياء؟ وما أوحشها؟ وما أحسن الأشياء؟ وما أقبحها؟ وما أقل الأشياء؟ وما أكثرها؟ وما القائمان؟ وما الساعيان؟ وما المشتركان؟ وما المتباغضان؟ وما الأمر الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره؟ وما الأمر الذي إذا ركبه الرجل ذم آخره؟

فقال سليمان عليه‌السلام : أمّا أقرب الأشياء فالآخرة ، وأما أبعد الأشياء فما فاتك من الدنيا ، وأما آنس الأشياء فجسد فيه روح ، وأما أوحش الأشياء فجسد لا روح فيه ، وأمّا أحسن الأشياء فالإيمان بعد الكفر ، وأمّا أقبح الأشياء فالكفر بعد الايمان ، وأما أقل الأشياء فاليقين ، وأما أكثر الأشياء فالشك ، وأما القائمان فالسماء والأرض ، وأما الساعيان فالشمس والقمر ، وأما المشتركان فالليل والنهار ، وأما المتباغضان فالموت والحياة ، وأما الأمر الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره فالحلم عند الغضب ، وأما الأمر الذي إذا ركبه الرجل ذم آخره فالحدّة عند الغضب.

قال : ففكّوا الخاتم ، فإذا جواب المسائل سواء على ما نزل من السماء فقال القسيسون : لا نرضى حتى نسأله عن مسألة ، فإن أخرجها فهو الخليفة من بعدك ، فقال سليمان عليه‌السلام : سلوني وما توفيقي إلاّ بالله ، فقالوا له : ما الشيء الذي إذا صلح صلح كلّ شيء من الإنسان ، وإذا فسد فسد كلّ شيء من الإنسان؟ فقال : هو القلب.

فقام داود فصعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : إن الله تعالى يأمرني أن أستخلف عليكم سليمان. قال : فضجّت بنو إسرائيل وقالوا : غلام حدث يستخلف علينا! وفينا من هو أفضل منه وأعلم! فبلغ ذلك داود عليه‌السلام ، فدعا أسباط رؤساء بني إسرائيل وقال لهم : إنه قد بلغني مقالتكم ، فأروني عصيّكم ، فأيّ عصاه أثمرت فإنّ صاحبها ولي هذا الأمر بعدي ، قالوا : قد رضينا فجاءوا بعصّيهم ، فقال لهم داود : ليكتب كلّ رجل منكم اسمه على عصاه ، فكتبوا ، ثم جاء سليمان بعصاه ، فكتب عليها اسمه ، ثم أدخلت بين

١٩٣

العصيّ وأغلق عليها الباب وحرست رؤس أسباط بني إسرائيل ، فلما أصبح صلّى بهم الغداة ثم أقبل ففتح فأخرج عصّيهم فإذا هي كما هي ، وعصا سليمان قد أورقت وأثمرت ، قال : فسلّموا ذلك لداود عليه‌السلام ، فلما رأى ذلك داود حمد الله وجعل سليمان خليفة ثم سار به في بني إسرائيل فقال : إنّ هذا خليفتي عليكم من بعدي ».

٣ ـ حديث : من استعمل عاملا ...

ومن الأدّلة على تعيّن الأعلم للخلافة والامامة : ما جاء في ( كنز العمال ) من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« من استعمل عاملا من المسلمين وهو يعلم أنّ فيهم أولى بذلك منه وأعلم بكتاب الله وسنّة نبيّه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين. م د. عن ابن عباس » (١).

لأنّه إذا كان استعمال عامل هذا شأنه في أمر صغير خيانة لله ورسوله وجميع المسلمين ، فما ظنّك بالولاية العامة والامامة الكبرى والخلافة العظمى عن رسول الله؟!

٤ ـ الدليل من الأشعار المرويّة

ومن الأدلة على اقتضاء الأعلمية للامامة : الأشعار التي رويت عن واحد من الصحابة أنه قالها بعد السقيفة في مدح علي عليه‌السلام ، وبيان أنّه صاحب الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، دون أبي بكر بن أبي قحافة ، وهذه هي :

__________________

(١) كنز العمال : ٦ / ٤٠.

١٩٤

ما كنت أحسب أنّ الأمر منحرف

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالآثار والسّنن

وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما في جميع الناس كلّهم

وليس في الناس ما فيه من الحسن

ما ذا الذي ردّكم عنه فنعرفه

ها إن بيعتكم من أول الفتن »

وهذه الأبيات ذكرها الخوارزمي ونسبها إلى « العباس بن عبد المطلب » (١).

وذكرها الأيوبي في ( المختصر في أخبار البشر ) إلاّ البيت الأخير منها مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ ، ناسبا إيّاها إلى « عتبة بن أبي لهب » (٢) وعزاها في ( الموفقيات ) إلى « بعض ولد أبي لهب بن عبد المطلّب » وهذا نصّ كلامه :

« روى محمد بن إسحاق : إن أبابكر لمّا بويع افتخرت تيم بن مرة ، قال :

وكان عامة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أن عليا هو صاحبها بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال الفضل بن عباس : يا معشر قريش ـ وخصوصا يا بني تيم ـ إنكم إنّما أخذتم الخلافة بالنبوة ونحن أهلها دونكم ، ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا ، حسدا منهم لنا وحقدا علينا ، وإنا لنعلم أن عند صاحبنا عهدا هو ينتهي إليه ، وقال بعض ولد أبي لهب بن عبد المطلب :

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالقرآن والسّنن

وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في الناس ما فيه من الحسن

ما ذا الذي ردّهم عنه فنعلمه

ها إنّ ذا غبننا من أعظم الغبن »

__________________

(١) المناقب للخوارزمي : ٨.

(٢) المختصر في اخبار البشر : ١ / ١٥٦.

١٩٥

وعزاها الزين العراقي في ( شرح الألفية ) وفي ( التقييد والإيضاح ) ، وكذا السخاوي في ( فتح المغيث ـ شرح ألفية الحديث ) في البحث حول أوّل من أسلم ... إلى « خزيمة بن ثابت » وهذا نصّ كلام العراقي في كتابه الثاني :

« والصحيح أنّ عليّا أوّل ذكر أسلم ، وحكى ابن عبد البر الاتفاق عليه كما سيأتي ، وقال ابن إسحاق في السيرة : أول من آمن خديجة ثم علي بن أبي طالب ، وكان أوّل ذكر آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ابن عشر سنين ، ثم زيد ابن حارثة فكان أول ذكر أسلم بعد علي ، ثم أبوبكر فأظهر إسلامه إلى آخر كلامه. وما ذكرنا أن الصحيح من أن عليا أول ذكر أسلم هو قول أكثر الصحابة : أبي ذر ، وسلمان الفارسي ، وخباب بن الأرت ، وخزيمة بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وأبي أيوب الأنصاري ، والمقداد بن الأسود ، ويعلى بن مرة ، وجابر بن عبد الله ، وأبي سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وعفيف الكندي.

وأنشد أبو عبد الله المرزباني لخزيمة بن ثابت :

ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتهم

وأعلم الناس بالفرقان والسنن » (١)

وكذا نسبها إليه الشيرازي في ( روضة الأحباب ) والزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ).

وعزاها بعضهم كالفخر الرازي في تفسيره ( مفاتيح الغيب ) والنيسابوري في تفسيره ( غرائب القرآن ) والبيضاوي في ( تفسيره ) إلى « حسّان بن ثابت » (٢).

وعزاها بعضهم كأبي جعفر الإسكافي في ( نقض العثمانيّة ) إلى « أبي سفيان ابن حرب » حيث قال في بيان أنه عليه‌السلام أوّل من أسلم : « وأما الأشعار المرويّة

__________________

(١) فتح المغيث ٣ / ١٢٤.

(٢) الرازي النيسابوري البيضاوي تفسير الآية : ٣٤ من سورة البقرة.

١٩٦

فمعروفة كثيرة منتشرة ، فمنها قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب مجيبا للوليد بن عقبة بن أبي معيط :

وإنّ وليّ الأمر بعد محمد

علي وفي كل المواطن صاحبه

وصي الرسول حقا وصنوه

وأوّل من صلّى ومن لاذ جانبه

وقال خزيمة بن ثابت :

وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه مذ كان في سالف الزمن

وأوّل من صلّى من الناس كلّهم

سوى خيرة النسوان والله ذو منن

وقال أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس حين بويع أبوبكر :

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتهم

وأعلم الناس بالأحكام والسنن

وقال أبو الأسود الدؤلي يهدّد طلحة والزبير :

وإنّ عليا لكم مصحر

يماثله الأسد الأسود

أما إنه أوّل العابدين

بمكّة والله لا يعبد

وقال سعيد بن قيس الهمداني يرتجز بصفين :

هذا علي وابن عم المصطفى

أوّل من أجابه فيما روى

هو الامام لا يبالي من غوى وقال زفر بن يزيد بن حذيفة الأسدي :

فحوطوا عليا وانصروه فإنّه

وصي وفي الإسلام أول أول

وإن تخذلوه والحوادث جمّة

فليس لكم عن أرضكم متحوّل

١٩٧

والأشعار كالأخبار إذا امتنع في مجيء القبيلتين التواطي والاتفاق كان ورودهما حجة ».

٥ ـ قول عمر : لو أدركت معاذ بن جبل ...

ومن غرائب الأمور : ما رووه عن عمر بن الخطاب أنّه كان يتمنّى وجود معاذ بن جبل حين موته ليستخلفه من بعده ، وكان السبب في ذلك ما كان سمعه ـ على حدّ زعمه ـ من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّ معاذ « إن العلماء إذا اجتمعوا يوم القيامة كان معاذ بن جبل بين أيديهم ».

وممّن روى هذه القصّة : ابن سعد ( الطبقات ) وأحمد ( المسند ) وابن قتيبة ( الامامة والسياسة ) وأبو نعيم ( الحلية ) وابن حجر والعسقلاني ( فتح الباري ) والمتقى ( كنز العمال ) ...

قال ابن سعد : « أخبرنا يزيد بن هارون ، أنا سعيد بن أبي عروبة : سمعت شهر بن حوشب يقول : قال عمر بن الخطاب : لو أدركت معاذ بن جبل فاستخلفته ، فسألني عنه ربي لقلت : ربي! سمعت نبيّك يقول : إن العلماء إذا اجتمعوا يوم القيامة كان معاذ بن جبل بين أيديهم بقذفة حجر ».

ومن هنا يعلم أن تقدّم الرجل في العلم كاف لاستخلافه ، وأن عمر كان يرى جواز ذلك بالاستناد إلى تلك الجهة ، وهذا من أقوى الشواهد على أفضليّة الأعلم وأولويّته بالخلافة والامامة ، ومن ادعى خلاف هذا المعنى فقد سفّه عمر وجهّله ...

هذا ، مع عدم وجدان معاذ غير العلم من الشروط المعتبرة في الامام ، منها القرشيّة وقد تقرّر أن « الأئمة من قريش » ...

١٩٨

قوله :

« لا سيّما مع وجود ذاك الشرط أو ما يفوقه في غيره ، كما ثبت برواية أهل السنة ، مثل : ما صبّ الله شيئا في صدري إلاّ وقد صببته في صدر أبي بكر ».

أقول :

إنّ من له أدنى تتبّع للأخبار والآثار يعلم أنّ الشيوخ الثلاثة كانوا على جانب عظيم من الجهل والغباوة ، وقد ذكر العلامة السيد محمد قلي طرفا من براهين ذلك في ( تشييد المطاعن ) ومن شاء فليراجع.

وبالنظر إلى هذه الحقيقة الراهنة لم يشترط أهل السنة في الامام أن يكون عالما بالفعل بجميع الأحكام ، بل اكتفى جمهورهم باشتراط الاجتهاد ، إلاّ أن بعضهم لم يشترطها وجوّز أن يكون الامام مقلّدا للمجتهدين في أمور الدين ، وليس هذا إلاّ محاولة منهم لتصحيح خلافة المشايخ ...

وقد ذكر ذلك كلّه التفتازاني في ( شرح المقاصد ) في ذكر شروط الامام حيث قال « وزاد الجمهور اشتراط أن يكون شجاعا لئلاّ يجبن عن إقامة الحدود ومقاومة الخصوم ، مجتهدا في الأصول والفروع ليتمكّن من القيام بأمر الدين ، ذا رأي في تدبير الأمور لئلاّ يخبط في سياسة الجمهور.

ولم يشترطها بعضهم لندرة اجتماعها في الشخص ، وجواز الاكتفاء فيها بالاستعانة من الغير ، بأن يفوّض أمر الحروب ومباشرة الخطوب إلى الشجعان ، ويستفتي المجتهدين في أمور الدين ، ويستشير أصحاب الآراء الصائبة في أمور الملك » (١).

__________________

(١) شرح المقاصد ٥ / ٢٤٤.

١٩٩

ولقد أيّد صديق حسن خان قول هذا البعض ودافع عنه في ( إكليل الكرامة في تبيان الامامة ).

٢٠٠