مفاهيم القرآن - ج ١٠

الشيخ جعفر السبحاني

مفاهيم القرآن - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ٢
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: ٤٥٩

٨٠. محمد الرضا بن عبد الحسين النصيري الطوسي ، مؤلّف كشف الآيات الذي فرغ منه في ( ١٠٦٧ ه‍ ) ، وله تفسير كبير أسماه ب‍ « تفسير الأئمّة لهداية الأُمّة » ، حكى شيخنا المجيز عن بعض المطّلعين أنّه في ثلاثين مجلداً ، وقال : رأيت مجلّدين منها الأوّل : مجلد كبير ضخم بدأ فيه بمقدمات التفسير فيما يقرب من عشرين فصلاً فيما يتعلّق بالقرآن ، ثمّ شرع في تفسير الفاتحة الخ ، والمجلد الثاني : مجلد ضخم كبير من أوّل سورة التوبة إلى آخر سورة هود. ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الذريعة. ١

٨١. الحكيم العارف علي قلي ، المولود عام ( ١٠٢٠ ه‍ ) ، المعاصر للفيض الكاشاني ، له تفسير « خزائن جواهر القرآن » ، ذكر في أوّله أنّه تضرّع إلى الله في أن يوفّقه لجمع جميع ما في القرآن من آيات التوحيد والإيمان والأحكام والقصص والمواعظ والحكم وخلق السماوات والأرض وأحوال الرجعة والبرزخ والحشر والنشر والجنة والنار وايراد تفاسيرها المرويّة وتحقيق كلمات الروايات المفسّرة جملة جملة ، فوفّقه الله وشرع في التأليف في رمضان ( ١٠٨٣ ه‍ ) ، توجد نسخة خط المؤلّف في قم. ٢

٨٢. عبد الوحيد بن نعمة الله الاسترآبادي ، العارف المتكلّم تلميذ شيخنا البهائي ، له أسرار القرآن في تفسير كلام الله العزيز ، ذكره صاحب الرياض مع سائر تصانيفه البالغة إلى ما يقرب من الستين. ٣

٨٣. فخر الدين بن محمد الطريحي النجفي ، ( المتوفّى عام ١٠٨٥ ه‍ ) ، له

__________________

١. الذريعة : ٤ / ١٣٤ برقم ١١٦٨.

٢. الذريعة : ٧ / ١٥٤ برقم ٧٣٢.

٣. رياض العلماء : ٣ / ٢٨٤ ؛ الذريعة : ٢ / ٥٤ برقم ٢١٥.

٤٢١

« كشف غوامض القرآن » ، وتقدّم له غريب القرآن. ١

٨٤. تاج الدين الحسن بن محمد الاصفهاني ، ( المتوفّى سنة ١٠٨٥ ه‍ ) ، والد الفاضل الهندي صاحب « كشف اللثام » ، المتوفّى سنة ( ١١٣٥ ه‍ ) ، له « البحر المواج » في تفسير القرآن ، كثير الفوائد. ٢

٨٥. المحدّث الفيض الكاشاني ، محمد بن مرتضى ( المتوفّى ١٠٩١ ه‍ ) ، له تفاسير ثلاثة : الصافي ، الأصفى ، والمصفّى ، والثاني ملخّص الأوّل والثالث ملخّص الثاني ، وقد طبع الأوّل والثاني ولكنّ الثالث بعد مخطوط.

٨٦. عبد علي الحويزي ، استاد المحدّث الجزائري ، الذي توفّي سنة ( ١١١٢ ه‍ ) ، له تفسير نورالثقلين ، فسّر القرآن على هدى الروايات عن أئمّة أهل البيت ، وهو من المجامع الكبيرة للتفسير بالأثر ، فرغ من الجزء الأوّل الذي ينتهي إلى آخر الأعراف في النجف سنة ( ١٠٦٥ ه‍ ) ، ومن الجزء الثاني في ( ١٠٦٦ ه‍ ) ، والثالث أيضاً في تلك السنة ، ومن الرابع في ( ١٠٧٢ ه‍ ) ، وتوفّي في حياة الشيخ الحرّ العاملي ، كما يظهر من « أمل الآمل » للشيخ الحرّ العاملي ، المؤلّف سنة ( ١٠٩١ ه‍ ) ، وطبع الكتاب أخيراً في خمسة أجزاء ضخام.

ونكتفي من أعلام التفسير في هذا القرن بهذه العشر الكاملة.

أعلام التفسير في القرن الثاني عشر

٨٧. السيد هاشم بن سليمان الحسيني البحراني ، ( المتوفّى سنة ١١٠٧ ه‍ ) أو ( ١١٠٩ ه‍ ) ، مؤلّف « البرهان في تفسير القرآن » ، طبع عام ( ١٣٠٢ ه‍ ) في جزءين

__________________

١. روضات الجنات : ٥ / ٣٤٩ ؛ الذريعة : ١٢ / ٥٠ برقم ٦٣٠.

٢. الذريعة : ٣ / ٤٩ برقم ١١٨ ، نقله عن الروضات ولم نجد ترجمة الوالد في محلّه.

٤٢٢

كبيرين ، وطبع أخيراً في أربعة أجزاء ، جمع فيه شطراً وافراً من الأحاديث المأثورة عن أئمّة أهل البيت في تفسير الآيات القرآنية ، وله تفسيران آخران تفسير الهادي ، وتفسير نور الأنوار والهداية القرآنية ، والكلّ على نمط واحد. قال صاحب الرياض : إنّ له ما يساوي خمساً وسبعين مؤلّفاً بين صغير وكبير ووسيط أكثرها في العلوم الدينيّة ، ويقال له : « العلاّمة البحريني ». ١

٨٨. محمد بن محمد رضا بن إسماعيل بن جمال الدين القمي المشهدي ، ( المتوفّى عام ١١١٣ ه‍ ) ، صاحب « التحفة الحسينية في عمل السنة » ، له « كنز الحقائق وبحر الدقائق » في تفسير القرآن ، وقد قرّظه جمال المحقّقين الخوانساري والعلاّمة المجلسي ، وإليك نصّ الأخير : « لله در المولى ، الأولى ، الفاضل ، الكامل ، المحقّق ، المدقّق ، البدل ، النحرير ، كشّاف دقائق المعاني بفكره الثاقب ، ومخرج جواهر الحقائق برأيه الصائب » ، وقد طبع الكتاب محقّقاً بتقديم زميلنا العلاّمة محمّد هادي معرفة يقول ـ في تقديمه في حقّ الكتاب ـ : إنّ تفسيره هذا مقتبس من تفسير البيضاوي والطبرسي والزمخشري وحواشي العلاّمة البهائي ، وقد جمع فيه من لباب البيان وعباب التعبير ما وجده في التآليف السابقة ، وقد قامت بنشر خمسة أجزاء منه مؤسّسة النشر الإسلامي شكر الله مساعيها الجميلة. ٢

٨٩. السيد نعمة الله بن عبد الله التستري ( الجزائري ) ( المتوفّى ١١١٢ ه‍ ) ، له « العقود والمرجان في تفسير القرآن » في ثلاث مجلّدات. قال في رياض العلماء : إنّه يبلغ سبعين ألف بيت ، فرغ منه عام ( ١١٠٢ ه‍ ). ٣

__________________

١. رياض العلماء : ٥ / ٢٩٨ ؛ الذريعة : ٣ / ٩٣ برقم ٢٩٤ ، و ٢٥ / ١١٨ برقم ١٩١.

٢. لاحظ تفسير « كنز الدقائق » التقديم بقلم هادي معرفة ، ص ٦ ـ ١٦.

٣. رياض العلماء : ٥ / ٢٥٣ ؛ الذريعة : ١٥ / ٣٠٥ برقم ١٩٥١.

٤٢٣

٩٠. محمد إسماعيل بن الأمير محمد باقر الاصفهاني ، المولود (١٠٣١) ، والمتوفّى ( ١١١٦ ه‍ ) ، كان مدرّساً بالجامع العباسي باصفهان ، له التفسير الكبير في أربعة عشر مجلّداً ترجمه الجَزّي في « تذكرة القبور ». ١

٩١. الشيخ علي بن حسين العاملي ، له « الوجيز في تفسير القرآن العزيز » وهو مختصر نافع كاف في معرفة ما يتوقّف عليه فهم المعنى من وجوه الإعراب واختلاف القراءات ، فرغ منه مؤلّفه في ( ١١١٨ ه‍ ) ، وفي بعض النسخ فرغ منه سنة ( ١١٢٠ ه‍ ) توجد نسخ منه في النجف الأشرف. ٢

٩٢. أحمد بن الحسن بن علي الحر العاملي ، أخو الشيخ الحرّ العاملي المعروف ، ذكر تفسيره أخوه في كتابه « أمل الآمل » ، وكان حيّاً إلى سنة ( ١١٢٠ ه‍ ). ٣

٩٣. أبو الحسن بن شيخ محمد طاهر الفتوني النباطي العاملي الغروي ، له كتاب « مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار » ، وقد طبع الجزء الأوّل منه وحده في إيران ونسخه متوفرة في العراق ، وقد طبع الجزء الأوّل باسم « عبداللطيف الكازروني » وهو من هفوات الناشر. ٤

٩٤. بهاء الدين محمد بن تاج الدين الحسن بن محمد الاصفهاني ، المولود ( ١٠٦٢ ه‍ ) ، والمتوفّى بها ( ١١٣٥ ه‍ ) ، وصفه في الروضات بأنّه كبير مبسوط. ٥

٩٥. عبد الله الأفندي بن عيسى التبريزي ، ثمّ الاصفهاني ، له « الأمان من

__________________

١. الذريعة : ٤ / ٢٦١ برقم ١٢٢٠.

٢. الذريعة : ٢٥ / ٤٤ برقم ٢٢٤.

٣. أمل الآمل : ١ / ٣١ ؛ الذريعة : ٤ / ٢٥٩ برقم ١٢١٨.

٤. الذريعة : ٢٠ / ٢٦٤ برقم ٢٨٩٣.

٥. روضات الجنات : ٦ / ١١١.

٤٢٤

النيران » في تفسير القرآن والمؤلّف حجة التاريخ وبحّاثة عصره ، له أثره الخالد « رياض العلماء » الذي بدأ بتأليفه سنة ( ١١٠٦ ه‍ ) ، وتوفي حدود ( ١١٣٠ ه‍ ) ويصف السيد عبد الله التستري في إجازته الكبيرة هذا التفسير بقوله : مشتمل على أكثر الأخبار المرويّة عن أهل البيت عليهم‌السلام في تفسير القرآن وآياته. ١

٩٦. محمد بن علي النجار التستري ، ( المتوفّى ١١٤٠ ه‍ ) ، له « التفسير الكبير » وهو من تلاميذ المحدّث الجزائري ويسمّى ب‍ « مجمع التفاسير ». ٢

تلك عشرة كاملة في هذا القرن نكتفي بها ونحيل تسجيل أسماء الباقين إلى عهدة المعاجم.

أعلام التفسير في القرن الثالث عشر

دخل القرن الثالث عشر وقد ارتج الغرب بنهضة علمية عظيمة بهرت العيون وأدهشت العقول واتسم بتسليط الضوء على عالم الطبيعة وطرح المسائل الحيوية في مجال العلوم الإنسانية ، ولكن ـ يا للأسف ـ كان السبات والذهول عمّا يجري في ذاك الجانب من العالم سائداً على الشرق وعلمائه ، ولأجل ذلك نرى أنّ ما أُلّف في هذا العصر من التفاسير كان استمراراً للخطوط السابقة ، فالتفسير في هذا القرن إمّا تفسيرٌ بالأثر المحض ، أو تفسير علمي مقتصرٌ على موضوعات خاصّة ، مع أنّهم كانوا أمام بحر موّاج بالحقائق العلمية ، لا يدرك غوره ولا يمكن الوصول إلى أعماقه ولا ينتهي ما فيه من الأسرار والعجائب ، وإليك أسماء أعلام التفسير في ذلك القرن على وجه الإيجاز.

__________________

١. الذريعة : ٢ / ٣٤٣ برقم ١٣٦٤.

٢. المصدر نفسه : ٤ / ٤٩ برقم ١١٩٧.

٤٢٥

٩٧. الشيخ عبد النبي الطسوجي ، وطسوج من مضافات « خوي » ، وهو تلميذ المقدّس رفيع الدين الجيلاني المشهدي ، ( المتوفّى عام ١١٦٠ ه‍ ) ، وأُستاذ علاّمة عصره الشيخ حسن الزنوزي ، له تفسير كبير وفيه نكات بديعة ، أكثر النقل عنه الشيخ الزنوزي في موسوعته « رياض الجنة » ، توفّي عام ( ١٢٠٣ ه‍ ). ١

٩٨. السيد عبد الله بن محمد رضا العلوي الحسيني الشهير بالشبّر ، المولود بالنجف سنة ( ١١٨٨ ه‍ ) ، والمتوفّى عام ( ١٢٤٢ ه‍ ) ، كان فقيهاً محدّثاً مفسّراً ، آية في الأخلاق عكف مدّة حياته العلمية على التأليف والتصنيف ، له « صفوة التفاسير » و « الجوهر الثمين في تفسير القرآن المبين » و « التفسير الوجيز » ، وهذا الأخير هو المعروف الموجود في أيدي الناس ، وقد طبع مراراً. ٢

٩٩. محمد جعفر الاسترآبادي ، المعروف ب‍ « شريعتمدار » ، المتوفّى عام ( ١٢٦٣ ه‍ ). حكى شيخنا المجيز أنّه رآى بعض أجزائه وهو من أوّل سورة الكهف إلى آخر سورة الأحزاب ، وتاريخ كتابة النسخة ( ١٢٦١ ه‍ ) ، وله تفسير آخر على وجه الاختصار أسماه « مظاهر الأسرار ». ٣

١٠٠. السيد محمد تقي بن مير مؤمن القزويني ، المتوفّى عام ( ١٢٧٠ ه‍ ) ، له خلاصة التفاسير وهو موجود في مدينة قزوين عند أحفاده. ٤

١٠١. السيد محمد مهدي بن محمد جعفر الموسوي التنكابني ، له « خلاصة التفاسير » ، كما أنّ له خلاصة الأخبار ، وقد طبع الثاني ، عام ( ١٢٧٥ ه‍ ). ٥

__________________

١. المصدر نفسه : ٤ / ٢٨١ برقم ١٢٩٠.

٢. روضات الجنات : ٤ / ٤٦١.

٣. الذريعة : ٤ / ٢٦٩ برقم ١٢٥٠.

٤. الذريعة : ٤ / ٢١١ برقم ١٠٦٥.

٥. المصدر نفسه : ٢٢٠ برقم ١٠٦٣ ، وص ٢١٠ برقم ١٠٣٠.

٤٢٦

١٠٢. الشيخ صالح بن محمد البرغاني القزويني ، المتوفّى بالحائر عام ( ١٢٧٥ ه‍ ) ، له تفاسير ثلاثة : الكبير وأسماه « بحر العرفان » في سبعة عشر مجلّداً ، و« الوسيط » في تسعة أجزاء و« الصغير » في مجلّد واحد١ ، وقد طبع منه مجلّد واحد في النجف الأشرف.

١٠٣. السيد حسين بن السيد رضا الحسيني البروجردي ، صاحب « نخبة المقال » المشهور الذي شرحه المولى علي العلياري ، توفّي عام ( ١٢٧٦ ه‍ ) ، وله تفسير خرج منه مجلّد كبير في مقدّمات التفسير وتفسير سورة الفاتحة وقسم من سورة البقرة. ٢

أعلام التفسير في القرن الرابع عشر و ...

حلّ القرن الرابع عشر وقد خطا الغرب خطوات واسعة في الصناعة والتكنولوجيا والعلوم الإنسانية وفي مجالات مختلفة لاتمتّ إلى الدين بصلة وأبدى فيه نظريات إلحادية ، ورفع كثير من الغربيّين عقيرتهم بنفي العوالم الغيبية والانتصار لأصالة المادّة.

ولقد وصلت أمواج هذه الهزاهز إلى الشرق الذي استيقظ بعد سبات طويل ، فواجه العلماء وفي مقدّمتهم المفسّرون آراء ونظريات في بدء الخليقة ، وتكوّن العالم بما لا يوافق ظواهر القرآن فضلاً عن نصوصه ، كما واجهوا أفكاراً جديدة ونظريات مادّية بحتة في تحليل النبوّة واتصال الإنسان المثالي بعالم الغيب والوحي النازل عليه والشريعة المأمور بتبليغها.

__________________

١. المصدر نفسه : برقم ١٢٨٢.

٢. المصدر نفسه : ٤ / ٢٧٢ برقم ١٢٦٣.

٤٢٧

إنّ وفود هذا النوع من التفكير المزيج بسوء الظنّ بالغيب والمعارف الإلهية ، بعث المفسّرين الإسلاميين من سنّيهم وشيعيّهم إلى التطوير في المنهج التفسيري ، وإيداع مسائل جديدة في كتبهم باحثين عنها ومخضعين إياها للمشراط العلمي ، وهم في ذلك بين مُفرط ومفرّط ومقتصد ، فأفرط بعض في تأويل الآيات حسب الأُسس الطبيعية والنواميس الكونية المكتشفة ، غافلاً عن أنّ هذه الآراء والمكتشفات فرضيات متزلزلة ، سوف تتبدّل إلى آراء غيرها ، كما فرّط بعضهم فتمسّك بالأُصول الموروثة عن الأغارقة حول السماء والعالم ، وهناك طبقة وسطى مشوا بين الخطّين ، فلم يمنعهم التعبّد بالقرآن عن التنسيق بين الوحي القرآني والنظريات القطعية الحديثة التي ثبتت بوضوح ، وأيّده الحسّ والتجربة.

لقد أثّرت الحضارة الغربية على المناهج التفسيرية ، فأدخلت في التفسير جملة من المسائل الفلسفية والطبيعية والاجتماعية والنفسية والمسائل العائلية إلى غير ذلك ممّا تقوم عليه الحياة في هذه الأعصار ، فصار ذلك سبباً لبروز لون خاصّ من التفسير لم يكن معهوداً في القرون السابقة ، كما أنّ ذلك صار سبباً لرجوع المسلمين إلى القرآن من جديد كيما يتخلّصوا بفضله من التيّارات الالحاديّة ، فأُلّفت في ذلك القرن تفاسير لا يحيط بها الباحث إلاّ بشدّ الرحال إلى البلاد وتسجيل أسمائها في رسالة مفردة ، ولإيقاف القارئ على نزر يسير من الجهود العلميّة التي نهض بها علماء الشيعة في هذا القرن ، نأتي بأسماء أعلام التفسير فيه ونخصّ بالذكر المؤلّفين باللغة العربية. والّتي طبعت وانتشرت في البلاد ، ونترك المخطوط والمؤلّف بغير اللغة العربية لضيق المجال.

١٠٤. الشيخ محمد حسين بن الشيخ باقر البروجردي ، له « أسرار التنزيل » اختاره من تفسيره الكبير ، وتوفّي في نيف وثلاثمائة بعد الألف.

٤٢٨

١٠٥. العلاّمة السيد نور الدين العراقي ( المتوفّى عام ١٣٤١ ه‍ ) ، له « القرآن والعقل » ، طبع في ثلاثة أجزاء ، وهو تأليف منيف مبتكر في بابه.

١٠٦. المجاهد الكبير ، الشيخ محمد جواد البلاغي ، ( المتوفّى عام ١٣٥٢ ه‍ ) ، وقد أفنى عمره في الذبِّ عن المذهب ، وكافح الآراء المادية ، كما ناضل المسيحية بكتبه القيّمة ك‍ « الرحلة المدرسية » ، و « الهدى إلى دين المصطفى » وله « آلاء الرحمن في تفسير القرآن ». خرج منه جزءان.

١٠٧. السيد علي بن الحسين الحائري ( ١٢٧٠ ـ ١٣٥٣ ه‍ ) من تلاميذ المجدّد الشيرازي ، مؤلف « مقتنيات الدرر وملتقطات الثمر » ، طبع في اثني عشر مجلّداً في سنة ١٣٧٧ ـ ١٣٨١ ه‍.

١٠٨. العلاّمة السيد محمد مولانا ، ( المتوفّى عام ١٣٦٣ ه‍ ) ، له « التفسير الوجيز » وهو على غرار تفسير الجلالين ، طبع وانتشر في تبريز.

١٠٩. العلاّمة الحجّة المفسّر الكبير ، السيد محمد حسين الطباطبائي ( المتوفّى عام ١٤٠٢ ه‍ ) له « الميزان في تفسير القرآن » وهو في عشرين جزءاً ، يرى القارئ فيه تطويراً في التفسير وآفاقاً مفتوحة أمامه ، وقد قرّظه مشايخ الأزهر وأعلام الأُمّة ، طبع بعض التقاريظ في أوائل الجزء الخامس من الميزان.

١١٠. العلاّمة الحجّة ، الشيخ محمد جواد مغنيه ( المتوفّى محرم ١٤٠٠ ه‍ ) ، ذلك الكاتب الكبير ، في مجالات مختلفة ، له « الكاشف في تفسير القرآن » ، صدر في سبعة أجزاء وطبع في بيروت ، وله تفسير آخر وجيز كتبه للشباب ، وطبع في بيروت.

١١١. المحقّق الكبير السيد أبو القاسم الخوئي النجفي ( المتوفّى سنة ١٤١٣ ه‍ ) ، المرجع الأعلى للشيعة ، له « البيان في تفسير القرآن » صدر منه جزء واحد.

٤٢٩

١١٢. العلاّمة الحجّة الشيخ محمد باقر الناصري ، أحد علماء العراق المجاهدين المناضلين للبدع والاضطهاد. له تلخيص مجمع البيان في ثلاثة أجزاء ، مطبوع.

١١٣. العلاّمة الحجّة الشيخ حسن المصطفوي ، أحد الباحثين المعاصرين ، له « التحقيق في كلمات القرآن » خرجت منه تسعة أجزاء ، وهو كتاب لطيف يهتم بتبيين لغات القرآن على وجه بديع.

١١٤. العلاّمة الحجّة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ، له التفسير الأمثل في عشرين جزءاً ، طبع وانتشر في بيروت.

١١٥. المحقّق الشيخ محمد هادي معرفة ، أحد المولعين بعلوم القرآن ، له « التمهيد في علوم القرآن » صدرت منه سبعة أجزاء.

١١٦. العلاّمة الحجّة السيد عبد الأعلى السبزواري النجفي ، أحد المدرسين الكبار في حوزة النجف الأشرف ، له « مواهب الرحمن في تفسير القرآن » ، خرجت منه عدّة أجزاء.

١١٧. العلاّمة الحجّة السيد محمد حسين فضل الله ، من أكابر علماء لبنان ، له « من وحي القرآن » خرج في عشرين جزءاً.

١١٨. العلاّمة الحجّة السيد محمد باقر الأبطحي ، له « المدخل إلى التفسير الموضوعي » وقد صدر منه ثلاثة أجزاء.

١١٩. العلاّمة المفضال الشيخ محمد السبزواري ، له « الجديد في تفسير القرآن المجيد » في سبعة أجزاء. وهو تفسير ، حديث في أُسلوبه ، جميل في عباراته.

١٢٠. كاتب هذه السطور جعفر السبحاني ، له « مفاهيم القرآن » ، خرجت

٤٣٠

منه عشرة أجزاء وهو تفسير موضوعي.

هؤلاء أعلام التفسير في أربعة عشر قرناً وهم مائة وعشرون ، وقد اكتفينا بهم مع أنّ عدد أعلام التفسير فضلاً عن غيرهم يتجاوز عن ذلك ، غير أنَّ المجال لا يسع أكثر من ذلك.

تاريخ التدوين والتطوير في التفسير

إنّ هذا البحث الضافي حول تاريخ تفسير القرآن عند الشيعة الإمامية ، يوقفنا على تاريخ التدوين والتطوير في مجال التفسير لديهم ، فانّ الظاهر أنّ أوّل من ألّف تفسيراً للقرآن من الشيعة هو سعيد بن جبير ـ ذلك التابعي الشيعي ـ ( المستشهد عام ٩٥ ه‍ ) لتشيّعه وموالاته علياً ، هذا ولو صحّ ما نسب من الكتب إلى عبد الله بن عبّاس ( المتوفّى سنة ٦٩ ه‍ ) ، لكان هو متقدّماً على ابن جبير وهو تلميذ الوصي أمير المؤمنين ، ثمّ توالت بعدهما كتابة التفسير حسب ما عرفت في قائمة القرون ، ولا نطيل الكلام في تاريخ التدوين.

وأمّا تطوير التفسير فقد عرفت أنّ التفسير الرائج بعد رحلة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بعد تفسير « غريب القرآن » ، هو التفسير بالأثر ، فكانت هذه هي السنّة المتبعة لدى الشيعة إلى نهاية القرن الرابع ، وإنّما حصل التطور في أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس ، وأوّل تفسير ظهر في الأوساط العلمية بالطابع العلميّ الجديد ، هو تفسير الشريف الرضي قدّس الله سرّه.

ثمّ استمر هذا النمط في الأوساط العلميّة إلى أوائل القرن العاشر ، وفيه راج التفسير بالأثر من جديد ، فأُلّفت موسوعات كبار لتفسير القرآن بالأثر ولم نر لها

٤٣١

مثيلاً في القرون الأُولى ، وقد دام ذلك النمط حتى غلب على النمط العلمي ، وذلك عند تسرّب الاتجاه الاخباري إلى الأوساط العلميّة.

ولمّا حل القرن الرابع عشر ، وقف غير واحد من المفكّرين الإسلاميّين وقادتهم على الوضع المؤسف المحدق بالمسلمين بسبب تأخرهم عن موكب الحضارة ، ونشوب أظفار الاستعمار ببلاد المسلمين ، وعند ذلك شعروا بأنّ إحياء المجد الداثر وتجديد الحضارة الإسلامية في جميع أبعادها رهن العودة إلى القرآن الكريم من جديد وتطبيقه على الحياة بدل العناية الزائدة بقراءات القرآن وحججها أو المناقشة في الاعراب ودلائله ، فرجعوا إلى أحضان كتاب الله ، ونظروا إليه بمنظار خاصّ فاكتشفوا ـ حقّاً ـ آفاقاً جديدة ، غفل عنها الأقدمون ، آفاقاً ترتبط بالحياة عن قريب ، وتعدّ أُسساً لها ، فعطفوا اهتمامهم على تلك المباحث والآفاق المكتشفة ، وعكفوا على دراستها دراسة معمّقة ، فازدهرت المدارس ومحافل العلماء بالأبحاث القرآنية ، وانتشرت تفاسير بنمط حديث لم يكن لها مثيل في القرون السابقة ، فعند ذلك حصل تطوير جديد أعمق بكثير من التطوير العلمي الحاصل بيد أمثال الشريف الرضي وأخيه المرتضى ، وفي الحقيقة هذا المنهج الموجود في عصرنا الحاضر تطوير حديث ومنهج متكامل يتفوّق على المنهج العلمي ، ولم يكن بدّ للمفكرين من إبداع هذا التطوير وذلك لوجهين :

الأوّل : انّ الغزو الفكري الذي تعرّض له الإسلام والمسلمون بمختلف أشكاله من خلال تأسيس علوم اجتماعية ونفسيّة واقتصادية و ... ، وابداع نظريات حديثة حول النبوّة والوحي وغير ذلك ألجأ المفكّرين إلى دراسة هذه الآراء والبحث عنها بحثاً جذرياً حتى يصونوا بأبحاثهم القيّمة ، الإسلام والمسلمين عن تأثير هذه السموم التي بثّها ويبثها علماء الغرب في الشرق في صورة حقائق راهنة.

٤٣٢

وقد نجح علماء التفسير في تحقيق أُمنيّتهم هذه نجاحاً باهراً وأدخلوا في التفسير مسائل هامّة أُلهموا بها من خلال الآيات القرآنية ، بيد أنّ بعضهم أفرط عند تطبيق الآيات الكونيّة على المكتشفات العصريّة ، وقد كان عليهم الأخذ بالحدّ الأوسط.

الثاني : انّ طبيعة الذكر الحكيم تقتضي ذلك التطوير ، بل ولن يقف الركب على هذا الحد وسيواجه المستقبل تطويراً ثالثاً ، ورابعاً في تفسير الذكر الحكيم ، كيف والنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرّف معجزته الكبرى بقوله : « ظاهره أنيق وباطنه عميق ، له تخوم وعلى تخومه تخوم ، لا تحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ». ١

وهذا أمير المؤمنين عليه‌السلام يصف الذكر الحكيم بقوله : « أُنزل عليه ( النبي ) الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبو توقّده ، وبحراً لا يدرك قعره ، ومنهاجاً لا يضلّ نهجه ، وشعاعاً لا يظلم ضؤوه ، وفرقاناً لا يخمد برهانه ، وتبياناً لا تهدم أركانه » ـ إلى أن قال ـ : و « بحر لا ينزفه المستنزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون ». ٢

وهذا هو الإمام الطاهر علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، سأله سائل وقال : ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدرس إلاّ غضاضة ؟ فقال : « إنّ الله تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ، ولا لناس دون ناس ، وهو في كلّ زمان جديد وعند كلّ قوم غض إلى يوم القيامة ». ٣

__________________

١. الكافي : ٢ / ٥٩٩.

٢. نهج البلاغة : الخطبة ١٩٨ ، ط ( صبحي صالح ).

٣. تفسير البرهان : ١ / ٢٦.

٤٣٣

التفاسير الشيعية في قفص الاتّهام

قد تعرّفت على خدمة الشيعة للذكر الحكيم منذ رحلة صاحب الرسالة إلى يومنا هذا ، ولعلّ ما مرّ عليك أقلّ من معشار ما حفظته يد التاريخ ومعاجم التفسير والرجال ، فحقيق على كلّ من يحب الحقّ والحقيقة تقدير تلكم الثلّة الجليلة من الأُمّة ، ومن حسن الحظ أنّه قام بذلك الواجب الضمائر الحرّة من أهل العلم والفضل شكر الله مساعيهم.

بيد أنّ بعض المتسرّعين في القضاء أرادوا اتّهام تفاسير الشيعة بأُمور :

١. تعصّبهم لأثبات معتقداتهم ومقالاتهم.

٢. كون تفاسيرهم تفاسير طائفيّة.

٣. قولهم بتحريف الذكر الحكيم.

وإليك شرح تلك الاتهامات ونقدها.

أمّا الأوّل : فقد أشار إليه الدكتور الذهبي في كتابه « التفسير والمفسّرون » ، واستدلّ بمواضع من تفاسير الشيعة كمسألة الرؤية ، والمسح على الرجلين ، وحلّيّة المتعة إلى غير ذلك ، حيث إنّ الشيخ الطبرسي يسعى في تلك الموارد لإثبات مذهب الشيعة.

يلاحظ عليه : أنّه لو كان ذلك أمراً خطأ فهو شامل لحال جميع التفاسير من غير فرق بين السنّة والشيعة ، فانّ الطبرسي ونظراءه لو أصرّوا على إثبات امتناع رؤية الله ـ تبارك وتعالى ـ عند الوصول إلى تفسير قوله سبحانه : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) ١ فالرازي وهو من أئمّة

__________________

١. الأنعام : ١٠٣.

٤٣٤

الأشاعرة عندما وصل إلى تفسير قوله سبحانه : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ... ) ١ أخذ بتفسير الآية على مذاق الأشاعرة ، فلماذا كان سعي الطبرسي لإثبات معتقده خطأ ، ولكن كان سعي الرازي على ما يرويه من إثبات الرؤية ٢ أمراً صحيحاً ؟! وليس الرازي بمنفرد في هذا العمل ، بل التفاسير عامّة مصبوغة بهذه الصبغة ، فانّ لكلّ مفسّر آراء ومعتقدات يراها عقائد صحيحة ، نزل بها الوحي أو دلّ عليه العقل ، ففي كلّ موضع يهتم بدعم عقائده واستعراض الآيات الدالّة عليه حسب معتقده ، وليس ذلك أمراً خطأ إذا كان البحث موضوعياً هادئاً ، وليس المترقّب من كلّ مؤلّف هادف إلاّ ذلك ، وإنّما البغيض التعصّب على الباطل مع العلم به.

يقول الأُستاذ الشيخ محمود شلتوت ، شيخ الأزهر في تقديمه لكتاب « مجمع البيان » :

فليس من الإنصاف أن نكلّف عالماً مؤلّفاً بحّاثة درّاكة ، أن يقف من مذهبه وفكرته التي آمن بها موقف الفتور ، كأنّه لا تهمّه ولا تسيطر على عقله وقلبه ، وكلّ ما نطلبه ممّن تجرد للبحث والتأليف ، وعرض آراء المذاهب وأصحاب الأفكار ، أن يكون منصفاً ، مهذب اللفظ ، أميناً على التراث الإسلامي ، حريصاً على أخوّة الإيمان والعلم ، فإذا جادل ففي ظل تلك القاعدة المذهبيّة التي تمثل روح الاجتهاد المنصف البصير : « مذهبي صواب يحتمل الخطأ ، ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب ».

وهذا هو تفسير « المنار » الذي طبق العالم صيته وصوته يستعرض آيات الأحكام ويستدلّ بها على ما يوافق مذهبه ، كما يستعرض آيات العقائد والمعارف

__________________

١. الأعراف : ١٤٣.

٢. مفاتيح الغيب : ٤ / ٢٩٣ ، ط مصر في ثمانية أجزاء.

٤٣٥

فيستشهد بها على مختاره ، ولو جمع ما أورده على الشيعة في مجال الأحكام والعقائد لجاء رسالة حتى أنّ سبّب ذلك قيام عالم بارع من علماء الشيعة ١ بنقد ما أورده على الشيعة في مناره ، ونقده نقداً علمياً موضوعياً انتشر في حياة صاحب المنار ، ولم يقدر السيد محمد رشيد رضا على الإجابة عنه ثانياً.

وأمّا الثاني : وهو اتهام تفاسير الشيعة بأنّها تفاسير طائفية يحاولون تطبيق الآيات القرآنية على أئمّتهم وقادتهم خصوصاً الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام فنقول :

إنّ اتّهام تفاسير الشيعة بكونها تفاسير طائفية ٢ يعرب عن أنّ القائل لم يفرّق بين التفسير والتطبيق ، فحمل الروايات الواردة في حقّ الإمام أمير المؤمنين كلّها على التفسير ، ولم يقف على أنّ الروايات الواردة في ذلك المجال على قسمين :

١. ما يتضمّن أسباب النزول ويبيّن أنّ الآية حسب النصوص الروائية نزلت في حقّ شخص خاصّ كما هو الحال في غير واحد من الآيات الواردة في حقّ الإمام ك‍ « آية الإكمال »٣ و« آية التبليغ »٤ و« آية الولاية »٥ ، إلى غير ذلك من الآيات التي اعترف المحدّثون والمفسّرون بنزولها في حقّ الإمام ، فنقل ما يدعم ذلك لا يكون دليلاً على الطائفية لو لم يكن دليلاً على البخوع بالحقيقة وخضوعاً أمام الحقّ.

٢. ما يتضمّن الجري والتطبيق لا بمعنى أنّ الآية وردت في حقّ فرد خاصّ ، بل الآية على معناها العامّ ، ولكن الرواية تشير إلى مصداقها المثالي الذي

__________________

١. العلاّمة الحجّة السيد محسن الأمين العاملي ، المتوفى عام (١٣٧٣) ، في كتابه « الحصون المنيعة فيما أورده صاحب المنار على الشيعة ».

٢. الدكتور أحمد محمود صبحي : نظرية الإمامة لدى الشيعة الإمامية : ٥٠٥.

٣. المائدة : ٣.

٤. المائدة : ٦٧.

٥. المائدة : ٥٥.

٤٣٦

هو أكمل المصاديق ، وليس هذا بعيداً عن طبيعة القرآن ، بل بما أنّ القرآن كتاب الأجيال والقرون ، يقتضي صحّة ذلك الجري والتطبيق ، فانّ القرآن كما عرّفه الإمام أبو جعفر محمد الباقر عليه‌السلام : « ... حي لا يموت والآية حيّة لا تموت ، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام وماتوا ؛ ماتت الآية ومات القرآن. فالآية جارية في الباقين كما جرت في الماضين ». ١

ولأجل إيقاف القارئ على الفرق بين التفسير والتطبيق نأتي ببعض ما ورد في كتب أهل السنّة حول الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام .

قال سبحانه : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ). ٢

قال جلال الدين السيوطي في الدر المنثور : أخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة والديلمي وابن عساكر وابن النجّار ، قال : لمّا نزلت ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على صدره فقال : أنا المنذر وأومأ بيده إلى منكب عليّ ـ رضي الله عنه ـ فقال : « أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي ».

وقال : وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ سمعت رسول الله يقول : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ) ووضع يده على صدر نفسه ، ثمّ وضعها على صدر علي ويقول : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ). ٣

ولا يشكّ أحد أنّ علياً من المصاديق الجليّة الكاملة لقوله : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، وليس مصداقاً منحصراً فيه ، وكان تفسير النبي الآية بعلي من باب الجري

__________________

١. مرآة الأنوار ( أبوالحسن الفتوني ) : ٢.

٢. الرعد : ٧.

٣. الدرّالمنثور : ٤ / ٤٥ ، وقد أورد نصوصاً أُخرى في ذلك المجال تركناها للاختصار.

٤٣٧

والتطبيق ، وبإراءة فرد مثالي يفوق جميع الأفراد ، فكلّ ما ورد في التفاسير الشيعية من هذا الباب أي الجري والتطبيق ، حتى يقف المسلمون على أمثل المصاديق وأوسطها.

إنّ النبيّ الأكرم هو الأُسوة والقدوة ، فقد طبّقت الآية الماضية على فرد مثالي تعليماً للأُمّة ، وقد اقتدت به الأئمّة في هذا المضمار ، وإليك بعض الأمثلة ، قال سبحانه : ( الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ ) ١ انّ الآية الكريمة تندّد بالذين ينقضون العهد ويقطعون الصلة ويفسدون في الأرض ، ولا يشكّ ذو مسكة أنّ الآية تتضمّن حكماً كلّياً عامّاً حيّاً إلى يوم القيامة ، ولها عبر القرون آلاف المصاديق والجزئيات غير أنّ أئمّة الشيعة يفسّرون قوله : ( وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ) بقطع الصلة الواجبة في حقّ علي وعترته الطاهرة ، وليس ذلك تفسيراً بمعنى حصر الآية في هذا الفرد ، بل تطبيقاً للآية على الحقّ المهضوم عبر الأجيال ، وقد قال سبحانه : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ٢. ٣

قال سبحانه : ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ... ) ٤ فقد فسّر بصراط الأنبياء كما فسّرت بالإمام أمير المؤمنين ٥ ولا شكّ أنّ كلّ ذلك تطبيق على المصداق الأجلى ، وعلى ضوء ذلك يقدر القارئ الكريم الملمّ بالتفاسير الشيعيّة ، على تمييز التفسير عن الجري والتطبيق ، وعند ذلك يقف على قيمة النسبة المذكورة.

__________________

١. البقرة : ٢٧.

٢. الشورى : ٢٣.

٣. نور الثقلين : ١ / ٣٨.

٤. الحمد : ٧.

٥. المصدر نفسه : ١٧ الحديث ٨٦ ؛ تفسير البرهان : ١ / ١٨.

٤٣٨

وأمّا الثالث : فمن رجع إلى كتب المحقّقين من الشيعة الذين يعبأ بقولهم ورأيهم ، ويعدّ كلامهم مثالاً لعقيدة الشيعة يقف على أنّ رمي الشيعة وتفاسيرها بالتحريف بهتان عظيم ، وانّ من نسب التحريف إلى الشيعة إنّما استند إلى وجود روايات في تفاسيرهم الروائية مشعرة بالتحريف أو دالّة عليها ، ولكنّ الرواية غير العقيدة ، وليس نقل الرواية دليلاً على صحّتها ، ولو كان ذلك دليلاً على التحريف فهناك رواياتٌ دالّة على التحريف مبثوثة في كتب التفسير والحديث والتاريخ والسنّة ، ولكنّا نجلّ المحقّقين منهم عن القول بذلك ، فروايات التحريف تديّن بها الحشوية من العامّة وبعض الغلاة من الخاصّة ، والشيعة وأئمّتهم وعلماؤهم برآء منهم ومن مقالتهم.

ولأجل إيقاف القارئ على صحّة هذا المقال نأتي بأسماء مجموعة من محقّقي الشيعة عبر القرون صرّحوا بصيانة القرآن الحكيم من التحريف :

١. أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ، المعروف بالصدوق ( المتوفّى ٣٨١ ه‍ ) ، يقول : اعتقادنا في القرآن أنّه كلام الله ووحيه وتنزيله وقوله ، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم عليم ، وأنّه القصص الحقّ ، وأنّه لحق فصل وما هو بالهزل ، وانّ الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربّه وحافظه والمتكلّم به ». ١

٢. السيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي العلوي ( المتوفّى ٤٣٦ ه‍ ) قال : إنّ جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود ، وأُبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي عدّة ختمات وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوت. ٢

__________________

١. الاعتقادات : ٩٣.

٢. مجمع البيان : ١ / ١٠ نقلاً عن جواب المسائل الطرابلسيات للسيد.

٤٣٩

٣. أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة ( المتوفّى ٤٦٠ ه‍ ) قال : وأمّا الكلام في زيادة القرآن ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى و هو الظاهر في الرواية. قيل : إنّه رويت روايات كثيرة من جهة الشيعة وأهل السنّة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ؟ لكنّ طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً والأولى الإعراض عنها. ١

٤. أبو علي الطبرسي ، صاحب تفسير « مجمع البيان » يقول : الكلام في زيادة القرآن ونقصانه. أمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أنّ في القرآن تغييراً أو نقصاناً ، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه. ٢

٥. السيد علي بن طاووس الحلي ( المتوفّى ٦٦٤ ه‍ ) قال : إنّ رأي الإمامية هو عدم التحريف. ٣

٦. الشيخ زين الدين العاملي النباطي البياظي ( المتوفّى ٨٧٧ ه‍ ) يقول في تفسير قوله : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) أي إنّا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان. ٤

٧. القاضي السيد نور الله التستري صاحب كتاب « إحقاق الحق » ( المتوفّى ١٠١٩ ه‍ ) يقول : ما نسب إلى الشيعة الإمامية من وقوع التغيير في القرآن ليس ممّا

__________________

١. التبيان : ١ / ٣.

٢. مجمع البيان : ١ / ١٠.

٣. سعد السعود : ١٤٤.

٤. اظهار الحقّ : ٢ / ١٣٠.

٤٤٠