تراثنا ـ العدد [ 135 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 135 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣١٨

الإشارة إلى تاريخ ولادته ، والجهود التي بذلها نجله من أجل تحصيل العلم في الصغر ، قائلاً :

«لقد اختصر هذا الكتاب ، وبلغ الغاية في هذا الاختصار ، وقد أدرج فيه جميع فوائد الكتاب ، ولم يفتقد أي واحد من ألفاظ الكتاب. وإنّما عمد إلى تغيير بعض أبواب الكتاب رعاية للاختصار ، واضعاً كلّ نوع في موضعه المناسب. وبعد اختصار هذا الكتاب ذكرته بنظمه. وقد بدأه وأنجز بعض أوراقه في ليلة واحدة. وكان ذلك منه قبل أن يكمل السابعة عشر من عمره»(١).

وقد عرض المؤلّف هذا الكتاب على أبي العلاء المعرّي ، فاستحسنه وأرسل له رسالته الأغريضية في الثناء عليه(٢).

٣ ـ اختصار غريب المصنّف :

٤ ـ رسالة في القاضي والحاكم.

٥ ـ كتاب الإلحاق بالاشتقاق.

٦ ـ اختيار شعر أبي تمّام.

٧ ـ اختيار شعر (البحتري).

٨ ـ اختيار شعر (المتنبّي) والطعن عليه.

__________________

(١) المصدر أعلاه ، ص ٢٥٣٧.

(٢) المصدر أعلاه ، ص ٢٥٣٣ ، وفيما يتعلّق بهذا الكتاب انظر على وجه الخصوص : الوزير المغربي ، ص ٢٤.

٢١

وغير هذه الكتب هناك كتب أخرى من تصنيف الوزير المغربي ، ومن بينها : كتاب (الإيناس) في علم الأنساب ، وكتاب (أدب الخواص) ، وهما مطبوعان. وهناك نصوص متفرّقة من كتبه المفقودة مجموعة في كتاب الوزير المغربي ، وقد اشتمل هذا الكتاب على بعض الأشعار المتبقية من ديوانه.

ترجمة أحد أقارب الوزير المغربي في رجال النجاشي :

نجد اسم الوزير المغربي في رجال النجاشي في ترجمة هارون بن عبد العزيز ، حيث قال :

«هارون بن عبد العزيز أبو علي الأراجني (الأوارجي ظ) الكاتب ، مصري ، كان وجهاً في زمانه ، مدحه المتنبّي ، وله ابن اسمه علي وكان حسن التخصيص (التخصّص) بمذهبنا ، وهو جدّ أبي الحسن عليّ بن الحسين المغربي الكاتب والد الوزير أبي القاسم ، له كتاب الرد على الواقفة»(١).

كلام العلاّمة المامقاني واعتراض صاحب قاموس الرجال في الشأن :

ذكر صاحب تنقيح المقال اسم علي بن هارون بن عبد العزيز في كتابه وقال : لم أعثر بشأنه إلاّ على عبارة النجاشي : (له ابن اسمه علي) ، وأمّا عبارة (وكان حسن التخصيص (التخصّص) بمذهبنا) ، فيبدو أنّها تخصّ والده (صاحب الترجمة في رجال النجاشي)(٢).

__________________

(١) رجال النجاشي ، ص ٤٣٩ / ١١٨٣.

(٢) تنقيح المقال ، ج ٢ ، ص ٣١٤ / ٨٥٥٢.

٢٢

وقد اعترض صاحب قاموس الرجال على هذا الكلام قائلاً :

جملة (وكان حسن التخصيص بمذهبنا) تعود إلى علي بن هارون بن عبد العزيز ، وإلاّ فإنّ ذكر اسم علي دون توضيح إضافي لغو خارج عن وظيفة الرجالي ؛ لأنّ العالم الرجالي ليس مثل المتخصّص في علم الأنساب الذي تقتصر وظيفته على ذكر طبقات الأفراد فقط.

ويحتمل أن تكون العبارة اللاحقة للنجاشي (وهو جدّ أبي الحسن عليّ بن الحسين المغربي الكاتب والد الوزير أبي القاسم) عائدة إليه أيضاً. وإن عبارة (له كتاب) المتعلّقة بهارون بن عبد العزيز صاحب الترجمة ، لا تشكّل مانعاً من كلامنا المتقدّم في كون العبارة التي مرّت آنفاً هي بشأن ولده علي ؛ لقيام القرينة على ارتباط هذه العبارة بصاحب الترجمة. ومن جهة أخرى فإنّ فصل هذا الكلام وعدم ذكر حرف العطف في بدايته دليل آخر على صحّة كلامنا(١).

مناقشة كلام صاحب قاموس الرجال :

بعد دراستنا لكلام صاحب القاموس لابدّ لنا من الإشارة إلى أمرين فيما يخصّ رجال النجاشي ، الأوّل : النظرة العامّة لهذا الكتاب إلى رجال النجاشي. والثاني : التحقيق في خصوص الترجمة المتقدّمة لهارون بن عبد العزيز في رجال النجاشي.

__________________

(١) قاموس الرجال ، ج ٧ ، ص ٥٩٩.

٢٣

وفيما يتعلّق بالأمر الأوّل نشير إلى أنّ هذه الرؤية إلى كتاب رجال النجاشي بحدّ ذاتها مهمّة في فهم عبارات الكتاب ، حيث تدعونا هذه الطريقة في الكثير من تراجم كتاب النجاشي إلى بيان تفسير خاصّ لعباراته. وتفصيل هذا الكلام يحتاج إلى مقال مستقلّ ، ولكنّنا سنكتفي هنا بذكر بعض المسائل في إثبات عدم صوابية تحليلات صاحب القاموس لعبارات النجاشي :

أوّلاً : في بداية الجزء الثاني من رجال النجاشي تمّ تعريف هذا الكتاب على النحو الآتي :

«كتاب فهرست أسماء مصنّفي الشيعة وما أدركنا من مصنّفاتهم ، وذكر طرف من كناهم وألقابهم ومنازلهم وأنسابهم ، وما قيل في كلّ رجل منهم من مدح أو ذمّ»(١).

إنّ كلمة (أنسابهم) في هذه العبارة تثبت أنّ النجاشي عند تأليف هذا الكتاب كان ناظراً إلى أنساب الرواة ، وعليه فإنّ هدفه لم يكن رجاليّاً بحتاً.

ثانياً : عند مراجعة كتاب رجال النجاشي يتبيّن لنا أنّ المؤلّف كان مهتمّاً بذكر أسر الرواة ، ففي ما يقرب من خُمس التراجم ورد ذكر الآباء والإخوة والأجداد والأعمام والأخوال والأولاد وما إلى ذلك ، بل اتّسعت الدائرة لتشمل حتّى زوج الخالة أحياناً(٢) ، وقد اقترن ذلك في الغالب بتوضيحات حول الأقارب ، ولربّما كان ذلك من أجل إلقاء مزيد من الضوء على التعريف

__________________

(١) رجال النجاشي ، ص ٢١١.

(٢) المصدر أعلاه ، ص ١٥٩ / ٤٢١.

٢٤

بصاحب الترجمة ، إلاّ أنّ هذا ليس قاعدة مضطردة في جميع الموارد ، حيث لم يتمّ ذكر الأقارب لهذه الغاية دائماً ، فعلى سبيل المثال نقرأ في ترجمة عبيد الله بن أحمد بن نهيك قوله : «وآل نهيك بالكوفة بيت من أصحابنا ، منهم عبد الله بن محمّد وعبد الرحمن السمريان وغيرهما»(١) ، كما جاء في ترجمة محمّد بن سماعة : «والد الحسن وإبراهيم وجعفر ، وجدّ معلّى بن الحسن»(٢). فلو كان الهدف مجرّد التعريف بمحمّد بن سماعة ، لم تكن هناك ضرورة إلى سرد جميع هذه الأسماء.

وكذلك جاء في ترجمة المعلّى بن خنيس : «وابن أخيه [أخته] عبد الحميد بن أبي الديلم)(٣) ، ولا شكّ في أنّ المعلّى بن خنيس أكثر شهرة من عبد الحميد بن أبي الديلم ، وعليه لا يصحّ التعريف بالمعلّى بن خنيس من خلال التعريف بعبد الحميد بن أبي الديلم.

ويبدو أنّ ذكر جميع هذه الأمور جاء في سياق التعريف بأقارب الراوي ، وإنّ ذكرها شكّل غاية مستقلّة للنجاشي للتعريف بهم ، وليس من اللازم أن نبحث له عن غاية أخرى غير هذه الغاية ، وعلى هذا الأساس فإنّ ذكره لعبارة : «وكان خاله علاّن الكليني الرازي» وذلك في ترجمة العالم والمحدّث الشيعي الشهير محمّد بن يعقوب الكليني ، خير دليل على ذلك(٤).

__________________

(١) المصدر أعلاه ، ص ٢٣٢ / ٦١٥.

(٢) المصدر أعلاه ، ص ٣٢٩ / ٨٩٠.

(٣) المصدر أعلاه ، ص ٤١٧ / ١١١٦.

(٤) المصدر أعلاه ، ص ٣٧٧ / ١٠٢٦.

٢٥

ثالثاً : يعمد الرجاليّون أحياناً ـ ضمن الترجمة ـ إلى بيان سبب لقب أو كنية الراوي ، وعليه يمكن أن يكون ذكر عبارة (وله ابن اسمه علي) في هذه الترجمة لبيان وتوضيح منشأ تلك الكنية ، والملفت للانتباه أنّ هذه العبارة قد تكرّرت مرّة واحدة فقط في رجال النجاشي ، وذلك في ترجمة موسى بن عمر بن يزيد بن ذبيان ، وفي هذه الترجمة بعد ذكر كنية أبي علي يستطرد قائلاً : «وله ابن اسمه علي وبه كان يكتني»(١) ؛ وعليه لا حاجة إلى اعتبار جملة (كان حسن التخصيص بمذهبنا) مرتبطة بابن صاحب الترجمة ، وبشكل عام ـ كما نوّه الشيخ المامقاني ـ إنّ الظهور الأوّلي لهذا النوع من التعابير هو ارتباطه بصاحب الترجمة ، وما لم نعثر على قرينة واضحة على الخلاف لا ينبغي أن نرفع أيدينا عن هذا الظهور.

وفيما يتعلّق بالأمر الثاني ـ البحث في خصوص ترجمة هارون بن عبد العزيز في رجال النجاشي ـ كذلك نبدأ أوّلاً بالقول : إنّه لم يكن هارون بن عبد العزيز ولا نجله (علي) جدّاً للوزير المغربي لأبيه ، بل إنّ هارون بن عبد العزيز هو خال أبيه ، وإنّ علي بن هارون هو ابن خال أبيه ، كما تمّ التصريح بذلك في رسالة الوزير المغربي(٢).

__________________

(١) المصدر أعلاه ، ص ٤٠٥ / ١٠٧٥.

(٢) بغية الطالب ، ج ٦ ، ص ٢٥٣٥. جدير بالذكر إنّ تحريف عبارة النجاشي قد أدّى إلى تعريف الوزير المغربي في كتاب الذريعة ، ج ٢٢ ، ص ١٢٣ بأنّه : الحسين بن علي بن الحسين بن محمّد بن هارون بن عبد العزيز. وبطبيعة الحال إذا تجاوزنا

٢٦

ويبدو أنّ كلمة (جد) في النسخة المتوفّرة لرجال النجاشي ، تحريف عن كلمة (خال) ، فبعد التحام الألف باللام من كلمة (خال) تبدو شديدة الشبه بكلمة (جد) ، فإنّ حصول هذا التحريف وحدوث ذلك في أثناء الكتابة وامتزاج الحبر أمر طبيعي جدّاً. وهذا الأمر يثبت أنّ الجملة المتقدّمة ترتبط بـ : (هارون بن عبد العزيز) ، وليس بنجله (علي). وعلى فرض اعتبار أنّ هذه الجملة من خطأ النجاشي ، فإنّ هذا الخطأ يكون مؤيّداً لارتباطها بـ : (هارون بن عبد العزيز) ، لأنّ الخطأ في اعتبار الخال بدلاً من الجد أقرب إلى التحقّق من الخطأ في اعتبار ابن الخال بدلاً من الجد.

خلاصة الكلام : لا وجود لأيّ قرينة تصرفنا عن الظهور البدوي لكلام النجاشي ؛ ولذلك يجب اعتبار جملة (وكان حسن التخصيص) والجملة التالية لها مرتبطة بـ : (هارون بن عبد العزيز) وليس بولده (علي).

رسالة الوزير المغربي في التعريف بأصله ونسبه وسيرته العلمية :

اتّهم الوزير المغربي في بغداد باعتناق المذهب الإسماعيلي الذي كان يحظى بدعم من الحكّام المصريّين ، وإنّ لقب المغربي يُعدّ خير شاهد على

__________________

تحريف أو خطأ النجاشي ـ إذ يمكن إطلاق كلمة الجدّ على الجدّ من جهة الأمّ أيضاً ـ لا ينبغي اعتبار هذه السلسلة النسبية للوزير النعماني. مضافاً إلى أنّ النجاشي في الأساس قد عرف محمّداً (جدّ الوزير المغربي) على أنّه ابن يوسف. (انظر : رجال النجاشي ، ص ٦٩ ، الرقم : ١٦٧).

٢٧

ارتباطه بالمصريّين ، وقد كتب الوزير رسالة يدافع فيها عن نفسه ليعرضها على الخليفة العبّاسي (القادر) ، وقد نقل ابن العديم الجزء الأوّل من هذه الرسالة في كتابه بغية الطلب(١).

ولأهميّة هذه الرسالة في التعريف بالوزير المغربي وأسرته ، سوف ننقل القسم الأكبر منها ، ممّا يعتبر سيرة الكاتب بقلمه :

ففي البداية نوّه إلى الاتّهام الذي وجّه إليه ، موضّحاً نسبته إلى المغربي التي كانت هي السبب وراء ذلك الاتّهام ، فقال :

«كان أصلي من البصرة ، وانتقل سلفي عنها في فتنة البريدي إلى بغداد ، وكان جدّ أبي وهو أبو الحسن علي بن محمّد يخلف على ديوان المغرب ، فنسب به إلى المغربي ، وولد له جدّي الأدنى ببغداد في سوق العطش ، ونشأ وتقلّد أعمالاً كثيرة ، منها تدبير محمّد بن ياقوت عند استيلائه على أمر المملكة ، وكان خال أبي وهو أبو علي هارون بن عبد العزيز الأوارجي المعروف ـ الذي مدحه المتنبّي ـ متحقّقاً بصحبة أبي بكر محمّد بن رائق ، فلمّا لحق أبا بكر بن رائق ما لحقه بالموصل ، سار جدّي وخال أبي إلى الشام ، والتقيا بالإخشيذ ، وأقام والدي وعمّي ـ رحمهما الله ـ بمدينة السلام (بغداد) ، وهما حدثان إلى أن توطّدت أقدام شيوخهما بتلك البلاد(٢) ، وأنفذ

__________________

(١) بغية الطلب ، ج ٥ ، ص ٢٥٣٥ ، نقلاً عن : الوزير المغربي ، ص ١٩٨.

(٢) ويبدو أنّ المراد من شيوخهما : جدّ وخال والد الوزير. وإنّ هذه العبارة تشرح سبب عدم اصطحاب والد الوزير وعمّه ، حيث أنّ المسافرين إلى الشام لم يجدوا أوضاعهم متّسقة ، فرأوا عدم اصطحاب الصغار أحجى.

٢٨

الإخشيذ غلامه المعروف بفاتك المجنون الممدوح المشهور ـ وقد مدحه المتنبّي ـ فحملهما (أي هذان الملازمان أو الأولياء)(١) ومن يليهما إلى الرحبة وسار بهما على طريق الشام إلى مصر فأقامت الجماعة هناك إلى أن تجدّدت قوّة المستولي على مصر فانتقلوا بكلّيتهم وحصلوا في حيّز سيف الدولة أبي الحسن بن حمدان مدّة حياته ، واستولى جدّي على أمره استيلاء يشهد به مدائح أبي نصر بن نباته فيه ، ثمّ غلب أبي من بعده على أمره وأمر ولده غلبة تدلّ عليها مدائح أبي العبّاس النامي فيه ، ثمّ شجر بينهما ما يتّفق مثله بين المتصاحبين في الدنيا ففارقه من الرحبة ، وانحدر إلى الأنبار قاصداً مدينة السلام ، فلمّا حصل بالأنبار وجد العراق مضطرباً ، وبهاء الدولة ـ رحمه الله ـ في أوّل أمره غالباً ؛ فخوّف من المقام ، فركب مغرّراً بنفسه قاصداً الشام ليتمكّن من تعرّف أخبارنا وافتكاك أسارنا ، فإنّا كنّا بحلب معوّقين من بعده ، فلقي بمصر الحظوة التي عرفت ، وليتها ما اتّفقت ، فإنّ ختامها كان سمّاً رعافاً ، وعقباها كان بوراً واجتياحاً ، وانتقلت في أثره ، وكانت والدتي من أهل العراق ، ولنا إلى اليوم أملاك بالنعمانية موروثة ، فكنّا بمصر زوّاراً وبالعراق لما انتقلنا إليها قاطنين وأُلاّفاً ، فهذا أوّلاً حديث الأصل الذي وقع الاشتباه ، وتمّ التمويه فيه.

ثمّ ارجع إلى ذكر الدين فإنّي نشأت وغذّيت بكتب الحديث وحفظ القرآن ومناقبة الفقهاء ومجالسة العلماء ، والله ما رأيت قط بتلك البلاد مأدبة

__________________

(١) عبارة النسخة المطبوعة من بغية الطلب كالآتي : «فحملها (محملها) ومن يليهما».

٢٩

ولا وليمة إلاّ ولعرس ، ولا كنت متشاغلاً إلاّ بعلم أو دين ، ولقد سلم لي من جزازات كتبي ما هو اليوم دالّ على تشاغلي بالدين القيّم ، واستمراري على النهج الأسلم ؛ لأنّه ليس كتاب من كتب السنة إلاّ وقد أحطت به رواية ورمته دراية ، وها هنا اليوم نسختان من موطّأ مالك سماعي من جهتين ، وعليهما خطوط الشيخين والصحيحان لمسلم والبخاري ، وجامع سفيان ومسانيد عدّة عن التابعين ، ولي ـ وأحمد الله ـ إملاءات عدّة في تفسير القرآن وتأويله وتخريجات من الصحاح المذكورة ، وسمعت كتاب المزني عن الطحاوي عن المزني ، وأمّا الأحاديث المنثورة التي كنت أبكّر بكور الغراب لاستماعها ، وأطرح زينة الدنيا في مزاحمة أشياعها فأكثر من أن تحصى».

إنّ الوزير المغربي عمد من خلال هذه التوضيحات إلى إثبات عدم صحّة الظنون الباطلة في حقّه.

توضيح بعض المسائل في هذه الرسالة :

أوّلاً : إنّ والدة الوزير المغربي ـ التي كانت لها بعض الأملاك التي ورثها الوزير المغربي ـ هي فاطمة بنت أبي عبد الله النعماني(١) ، وقد سبق لنا أن ذكرنا بعض الاحتمالات بشأن لقب النعماني ووجه نسبة هذا اللقب إليه دون أن نصل إلى نتيجة واضحة بهذا الشأن(٢) ، إلاّ أنّ هذه الفقرة تشكّل دليلاً واضحاً

__________________

(١) رجال النجاشي ، ص ٦٩ ، رقم : ١٦٧.

(٢) تناولنا ذلك في الحلقات الأولى من هذا البحث.

٣٠

على انتساب النعماني إلى مدينة النعمانية ، وبذلك يكون بحثنا في هذا الموضوع قد تمّ.

ثانياً : لقد كانت خاتمة أسرة الوزير المغربي في مصر مريرة ومؤلمة ، فقد قام الحاكم العبيدي بقتل والده وعمّه ، وقد تعقّب إخوته ، فظفر بشقيقين للوزير المغربي وقتلهما ، بينما تمكّن الوزير المغربي من التواري والخروج من مصر خلسة ، وبعدها أخذ يسعى في الانتقام من حاكم مصر ، وقد شكّلت هذه الفترة من حياة الوزير المغربي منعطفاً هامّاً في حياته السياسية ، وسوف نشير إليها إجمالاً.

ثالثاً : قد سعى الوزير المغربي في هذه الرسالة إلى التظاهر باعتناق المذهب السنّي ، وليس هناك من شكّ في أنّ ذلك كان منه بداعي التقيّة ، إذ لا شكّ ولا شبهة في تشيّعه(١) ، وإنّ ترجمته في رجال النجاشي ـ الخاصّ بفهرسة مصنّفات الشيعة ـ يُشكّل دليلاً قاطعاً على انتمائه إلى التشيّع ، وقد ذكر أبو جعفر البصري النقيب أستاذ ابن أبي الحديد المعتزلي ما يؤيّد أنّ الوزير المغربي كان رافضيّاً(٢) ، ولا يخفى مدى تعلّقه الكبير بأهل البيت عليهم‌السلام ويبدو ذلك جليّاً من وصيّته بدفنه إلى جوار أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وسعيه الحثيث إلى تحقيق هذه الوصية(٣) ، وأهمّ دليل على تشيّع الوزير المغربي قصائده في

__________________

(١) الوزير المغربي ، ص ٨٩ ـ ٩٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة ، ج ٦ ، ص ١٤ ؛ أعيان الشيعة ، ج ٨ ، ص ١٨٧.

(٣) ولما أحسّ [الوزير المغربي] من نفسه بالموت كتب كتاباً إلى كل من يصل إليه من

٣١

مدح أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وتصريحه بغصب حقّه من قبل الخلفاء الأوائل وهجائه لهم(١). وننقل هنا شيئاً من أشعاره تيمّناً :

«صلّى عليك الله يا من دنا

من قاب قوسين مقام النبيهِ

أخوك قد خُولفتَ فيه كما

خُولف في هارون موسى أخيهِ

هل برسول الله من أسوة

لم يقتدِ القومُ بما هُنّ فيهِ»(٢).

وقد تمّت الإشارة في هذه الأبيات إلى حديث المنزلة ، الذي قال فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعليّ عليه‌السلام : «يا عليّ أنت مني بمنزلة هارون من موسى».

ومن الجدير بالذكر أنّ الوزير المغربي لم يصرّح باعتناقه مذهب أهل السنّة ، حيث يبدو من ذلك أنّه لم يرَ ضرورة للكذب في إبداء هذا المعتقد ؛

__________________

الأمراء والرؤساء الذين بينه وبين الكوفة ، يعرّفهم فيه أنّ محظيّة له توفيت وإنّ تابوتها يجتاز بهم إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وكان قصده أن لا يتعرّض أحد لتابوته وأن ينطوي خبره ؛ فتمّ له ذلك ، وحمل الكتاب مع تابوته ، وكلّ من يجتاز به ظنّ أنّه الجارية ، حتّى وصل ودفن بالمشهد (انظر : بغية الطلب ، ج ٦ ، ص ٢٥٥٥). وقيل أيضاً : إنّ الوزير المغربي كان قد أوصى بأن يدفن تحت أعتاب الإمام الحسين عليه‌السلام ، وقد كتب بيتين من الشعر لتوضع على شاهدة قبره (انظر : الوزير المغربي ، ص ١٥٢) ، ولكن يبدو أنّه أعرض عن هذه الوصية.

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ، ج ٦ ، ص ١٧ (ونقلاً عنه في الوزير المغربي ، ص ١٣٦٠ ، الأبيات : ١٣ ـ ٢٧) ، وانظر أيضاً : الوزير المغربي ، ص ١٢٧ وص ١٤٨ نقلاً عن أعيان الشيعة ، ج ٦ ، ص ١١٦.

(٢) أعيان الشيعة ، ج ٦ ، ص ١١٦ ؛ الوزير المغربي ، ص ١٥٨. هذا وقد نسب البيت الثاني والثالث بعد تغيير طفيف في الألفاظ إلى الرئيس أبو يحيى بن الوزير أبو القاسم المغربي (انظر : مناقب ابن شهرآشوب ، ج ٢ ، ص ٢٢٣).

٣٢

إذ أمكنه التغلّب على هذه المشكلة من خلال التورية ، وإنّ العبارة المتقدّمة التي تنطوي على التورية يمكن لها أن تكون دليلاً على شدّة تمسّكه بالتشيّع ؛ إذ أنّه يحجم عن الكذب حتّى في حالة التقية.

رابعاً : وبما إنّه قد كتب هذه الرسالة في ظروف التقية ، فقد دعاه ذلك إلى الإحجام عن انتساب أمّه إلى أبي عبد الله النعماني (بوصفه من مشاهير علماء الشيعة) ، إلاّ أنّ ابن خلّكان صرّح بأنّها بنت أبي عبد الله النعماني في رسالة (أدب الخواص)(١).

خامساً : إنّ هذه الرسالة تشير إلى مثابرة الوزير المغربي على طلب العلم ، وهو أمر قد شهد له به والده أيضاً.

ما كتبه والد الوزير المغربي في شأنه :

لقد كتب والد الوزير المغربي (عليّ بن الحسين) على ظهر نسخة من كتاب (اختصار إصلاح المنطق) ـ وهو من تأليف الوزير المغربي ـ في وصف ولده ما يلي :

«وُلد ـ سلّمه الله وبلّغه مبلغ الصالحين ـ أوّل وقت طلوع الفجر من ليلة صباحها يوم الأحد ، الثالث عشر من ذي الحجّة سنة سبعين وثلاثمئة ، واستظهر القرآن وعدّة من الكتب في اللغة والنحو ، ونحو خمسة عشر ألف بيت من مختار الشعر القديم ، ونظم الشعر وتصرّف في النثر ، وبلغ من الحظ

__________________

(١) ابن خلّكان ، وفيات الأعيان ، ج ٢ ، ص ١٧٢.

٣٣

ما يقصر عنه نظراؤه ، ومن حساب المولِّد والجبر والمقابلة وجميع الأدوات إلى ما يستقلّ بدونه الكاتب ، وذلك كلّه قبل استكماله أربع عشرة سنة ...»(١).

ثمّ استطرد في بيان بعض التوضيحات حول كتاب (اختصار إصلاح المنطق) حيث تقدّم ذكر ذلك.

وللبحث صلة ...

__________________

(١) بغية الطلب ، ج ٦ ، ص ٢٥٣٧ ؛ وفيات الأعيان ، ج ٢ ، ص ١٧٣.

٣٤

دراسات في نسخ واعتبار كتاب

(كامل الزيارات)

(٣)

الشيخ محمّد عليّ العريبيّ

بسم الله الرحمن الرحیم

لقد تناولنا في الأعداد السابقة في القسم الأوّل دراسة تفصيلية في نسخ واعتبار الكتاب المتداول المعروف بكامل الزيارات للشيخ الأقدم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي رحمه‌الله ، حيث تناولنا هناك الفصل الأوّل : في توصيف الكتاب ونسخه وتقييمها ، وسوف نتناول هنا الفصل الثاني : في مضامين الكتاب وأسانيده ومتنه والخاتمة في تعيين المؤلف.

٣٥

الفصل الثاني

في مضامين الكتاب وأسانيده ومتنه

خطبة الكتاب :

مراعاة آداب الخطبة :

خطبة الكتاب من أهمّ ما يُستند إليه في تعريف الكتاب ومصنّفه وعقيدته وغرضه ونهجه الذي اتّبعه تصنيفه ، ويدلّ أسلوبه أيضاً على سعة باعه في العلم وإحاطته بأدب الحديث والتأليف ، من البدء بتمجيد الله والصلاة على سيّد خلقه محمّد صلّى الله عليه وآله ثمّ العطف عليها بعقيدته في الأصول والإمامة ، ثمّ سبب الكتابة ومحلّها والغرض المتوخّى منها وما أتمّه وما قصر فيه ، وقد يلحق بالإجازة.

وجلّ هذه الأمور مجتمعة حوتها خطبة كتاب كامل الزيارات المتداول ، وهي كاشفة عن علوّ قدم الكاتب في العلم ، وهي مع متن الكتاب دالاّن على ارتفاعه في الأخذ عن مشايخ عصره وتقدّمه على أقرانه بل وتميّزه عن كثير منهم في السفر لطلب الحديث كما يظهر من المواضع التي صرّح أنّه سمع فيها الحديث في مصر.

وقد سُمِعَ من ابن قولويه وطَلَبَ الحديثَ أيضاً في مصر وعلى احتمال الشام كذلك ، قاله ابن حجر في لسان الميزان :

«جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه ، أبو القاسم القمّي :

٣٦

الشيعي من كبار الشيعة وعلمائهم المشهورين متّهم ، وذكره الطوسي وابن النجاشي وعلي بن الحكم في شيوخ الشيعة ، وتلمّذ له المفيد وبالغ في إطرائه ، وحدّث عنه أيضاً الحسين بن عبيد الله الغضايري ومحمّد بن سليم الصابوني(١) ، سمع منه بمصر ، مات سنة ثمان وستّين وثلاث مائة»(٢).

ولعلّ ابن قولويه سمع من الصابوني أيضاً وأجازه ، فإن كانت إجازة مدبّجة ـ أو ما بحكمها ـ بينهما ففيها دلالة على شأن لابن قولويه بين أهل مصر ، ويظهر هذا من ترجمة النجاشي لجعفر بن يحيى بن العلاء ، قال : «جعفر بن يحيى بن العلاء ، أبو محمّد الرازي ، ثقة ، وأبوه أيضاً ، روى أبوه

__________________

(١) وفي كلام الصفدي في الوافي بالوفيات (١١ : ١١٧) ما قد يحمل على شدّة تعلّق ابن بابويه بمصر ، ولم يتّضح ، قال : «ابن قولويه : جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى ابن قولويه أبو القاسم الشيعي السهمي ، كان هذا من كبار أئمّة الشيعة ومن علمائهم المشهورين بينهم ، وكان من أصحاب سعد بن عبد الله وهو شيخ الشيخ المفيد ، وقال فيه المفيد : كّل ما يوصف الناس به من فقه ودين وثقة فهو فوق ذلك ، وله كتب حسان؛ منها كتاب الصلاة ، وكتاب الجمعة والجماعة ، كتاب قيام الليل ، كتاب الصداق ، كتاب قسمة الزكاة ، كتاب الشهور والحوادث ، وله غير ذلك من كتب الفقه ، حمل عنه الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد وأبو جعفر محمّد بن يعقوب وأبو الحسين يحيى بن محمّد بن عبد الله الحسيني وأحمد بن عبدون والحسين بن عبيد الله الغضايري وحيدرة بن نعيم السمرقندي ومحمّد بن سليم الصابوني ، سمع عليه الصابوني بمصر قال : الشيخ شمس الدين : وأحسبه من أهل مصر ، ذكر ابن أبي طي وفاته سنة ثمان وستّين وثلاثمئة».

ولعلّه قصد بالضمير في (أحسبه من أهل مصر) عوده على الصابوني أو الشيخ شمس الدين.

(٢) لسان الميزان ٢ : ٤٧٠ / ر ١٩٠٤.

٣٧

عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وهو أخلط بنا من أبيه وأدخل فينا ، وكان أبوه يحيى بن العلاء قاضياً بالري ، وكتابه يختلط بكتاب أبيه لأنّه يروي كتاب أبيه عنه ، فربّما نسب إلى أبيه ، وربّما نسب إليه. أخبرنا محمّد بن محمّد بن النعمان قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن قولويه قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن سليم الصابوني بمصر قال : حدّثنا موسى بن الحسين بن موسى قال : حدّثنا جعفر ابن يحيى بن العلاء»(١) ، بناء على اتّحاد محمّد بن سليم ومحمّد بن أحمد بن سليم الصابوني.

كما أنّ صاحب الزيادات المذكورات طلب الحديث في مصر وسمع عن ابن عبدوس في صريح قوله في أحد مواضع الزيادات الأربع الآتي ذكرها إن شاء الله.

طريق الكتاب واسم المصنّف :

خلت نسخ الكتاب كلّها عن بيان طريق للكتاب ، أو تصريح باسم المؤلّف في الخطبة ، وإن ذكر صريحاً في مواضع من الكتاب وأنّه ابن قولويه ، لكن التفكيك بين الخطبة والمتن محتمل ، لا من جهة اشتراط ذكر الطريق عليها؛ فإنّ أكثر نسخ الكتب لا يسجّل عليها الطريق خاصّة المشهورة منها ، بل لأنّ مطابقة النسخ تفتقر لقرائن وشواهد ومن أهمّها ما يسجّل من طرق للكتاب وإجازات وقراءات عليه ، على النحو الذي ذكرناه في نسخة قرب الإسناد التي رواها ابن إدريس رحمه‌الله ، وفقد تلك القرائن ينتج بقاء احتمال التصرّف في الكتاب ولا يثبته أيضاً كما هو واضح.

وأوّل الكتاب من نسخة (١٠٣٦ هـ) المختلفة عن كلّ النسخ والخالية

__________________

(١) فهرست النجاشي : ١٢٦ / ر ٣٢٧.

٣٨

عن الخطبة ـ ومرّ أيضاً أنّ نسخة القرن العاشر الأولى سقط أوّلها ولا يعلم اشتمالها على الخطبة ـ ، والوحيدة الحاكية عن المصنّف قوله :

وأوّله من نسخة المجلسي سنة (١٠٦٨ هـ) :

٣٩

وأوّله من النسخة المقابلة سنة ١٣٥١ هـ :

وأوّله من نسخة الأردوبادي ـ الأميني المطبوعة ١٣٩٧ هـ وهي المتداولة في السنين الماضية :

٤٠