تراثنا ـ العدد [ 135 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 135 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣١٨

المطلب الثالث : التخصيص بالنداء :

النداء صورةٌ من صُوَرِ التَّخصيصِ. وهو تنبيهُ المَدعُو ليُقبِل عليك(١) ، وفي نداءِ الشَّخص المطلوب تخصيصٌ لشخصِهِ من دونِ غيره ، وفي ذلك قال ابنُ يعيش (ت ٦٤٣ هـ) : «اعلم أنَّ كلَّ منادى مختصٌّ ، تختصُّه فتُناديه من بينِ مَن بحَضْرتك لأمْرك ، ونَهْيك ، أو خبرِك. ومعنى اختصاصك إيَّاه أنْ تقصِده ، وتختصّه بذلك دونَ غيره. وقد أجرتِ العرب أشياء اختصّوها على طريقة النداء لاشتراكهما في الاختصاص ، فاسْتعير لفظُ أحدهما للآخر من حيث شارَكَه في الاختصاص ، كما أجروا التَّسويةَ مجرى الاستفهام ، إذ كانت التَّسوية موجودةً في الاستفهام»(٢).

ومثال ذلك ما نقل عنه عليه‌السلام في مخاطبة يزيد بن معاوية (عليه اللعنة الدائمة) وقد جمعهما مجلسٌ ، فصرّح يزيد بعداوته للإمام ، فقال له الإمام : «اعلمْ يا يزيد ، أنّ إبليس شارك أباك في جماعه فاختلط الماءان ، فأورثك ذلك عداوتي ، لأنّ الله تعالى يقول : (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلاَدِ). وشارك الشيطان حَرْباً عند جِماعِه فولد له صخراً ، فلذلك كان يبغض جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله» ،(٣) فنلحظ أنّ الإمام استعمل أسلوب النداء وخصّ المنادى باسمه ، مع إمكان الاستغناء عن ذلك كلّه ، لأنّ المقام مقام

__________________

(١) ينظر : الأصول في النحو ١ / ٣٢٩.

(٢) شرح المفصل ١ / ٣٦٩.

(٣) بحار الأنوار ٤٤ / ١٠٤.

١٨١

خطاب مباشر والمنادى حاضر في المجلس ، ولعلّ التخصيص بالنداء وتعيين المنادى إنّما ورد في النصّ ، لأنّ الإمام يكشف ليزيد عن حقائق من عالم الغيب التي لا يعلمها إلاّ هم عليهم‌السلام ، ولا يدركها الجاهلون ، ويستدلّ على ذلك بكلام الله الذي لا يأتيه الباطل أبداً ، ليعلم من كان حاضرَ المجلسِ ومن غاب عنه فسمع الخبر ، أنّ عداوة آل أميّة لآل بيت النبوّة مستحكمةٌ في جذرها ، ممتدّة في أصولها وفروعها فهم الشجرة الملعونة في القرآن ، التي غرسها الشيطان في أصلابهم فأنبتت معاوية ويزيد وأمثالهم من أئمّة الكفر والفسق والجور.

وفي دعائه عليه‌السلام ، استعمل نداءً بلفظ مخصوص وبمعنىً معيّن ، لا ينادى به إلاّ اسم الجلالة ، إذ يقول : «اللّهُمَّ إنّي أَتَقَرَّبُ إلَيْكَ بِجُودِكَ وكَرَمِكَ ، وأتَقرَّبُ إلَيْكَ بِمُحَمَّد عَبْدِكَ ورَسُولِكَ ...»(١) ، فـ (اللّهُمَّ) ، عند نحويي البصرة ، من حيث البنية يقابل (يا اللهُ) ، وقد عُوِّض عن (يا) النداء في أوّل الاسم ، بـ : (ميم مشدّدة) ، في (اللهمّ) ، وأنّ ضمّة (الهاء) في (اللهُمّ) بمنزلة ضمّة (الهاء) في (يا اللهُ)(٢). أمّا من حيث المعنى فاستعمال اللّهمّ له مورد خاصّ يناسب ما في معناه من تفخيم وتعظيم ، لذا يقتصر النداء به ويختصُّ في موارد الجلال والعظمة ومصداق ذلك استعماله في القرآن الكريم مع

__________________

(١) مفاتيح الجنان : ٣٣.

(٢) ينظر : الكتاب ١ / ٣١٠ ، والمقتضب : ٤ / ٢٣٩ ، والإنصاف في مسائل الخلاف (المسألة ٤٧) ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٧ ، والإيضاح في شرح المفصل ١ / ٢٨٩ ـ ٢٩٠.

١٨٢

عظائم الأمور ، كقوله تعالى : (قُلِ اللَّهمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ)(١) ، وقوله عزّ وجلّ : (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونَ لَنَا عِيداً لاَِوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(٢) ، وقوله تعالى : (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَاب أَلِيم)(٣) ، وقوله جلّ جلاله : (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّماوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(٤).

فاستعمال الإمام المجتبى لهذا الاسم الشريف فيه اختصاص بمورد العظمة والجلال ، الذي هو أقرب لقبول الدعاء مهما عظم مطلبه وجلّ تحقّقه ، إذ هو قبالة عطاء العظيم الوهّاب.

المطلب الرابع : الاختصاص بالقصر :

القصر يعني تَخْصِيصُ أَمْر بِآخَر ، بِطَرِيق مَخصُوص ، أو إِثْبَات الحُكْمِ لِلمَذكُورِ ، ونفيه عمّا عداه ، ويُخَصَّصُ بالقَصْرِ ، بطرائق متعدّدة منها : تقديم

__________________

(١) آل عمران : ٢٦.

(٢) المائدة : ١١٤.

(٣) الأنفال : ٣٢.

(٤) الزمر : ٤٦.

١٨٣

الخبر على المُبتَدَأ لأجلِ القَصْرِ ، وقد ورد ذلك في قول الإمام المجتبى ، ومنه قوله في آل البيت عليهم‌السلام «بهم عيشُ العلم وموتُ الجهل»(١) ، فالجار والمجرور المتعلّق بالخبر المحذوف قد قصر العلم بهم وخصّص استمراره وإدامته وانتصاره على الجهل وإهلاكه له بمعيّتهم ، إذ لا عالم ربّاني راسخ في علمه إلا محمّد وآل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) ، أمّا بقيّة الذر ممّن آمن بهم فمتعلّمون على سبيل نجاة.

ومن وسائل القصر الأُخر التي وردت في كلام المجتبى عليه‌السلام ، القصر بأدوات القصر ، ومنها (إنّما) كقوله : «اِنَّما الخَليفَةُ مَنْ سارَ بِسيرَةِ رَسُولِ اللهِ ، وعَمِلَ بِطاعَةِ اللهِ ولَعَمْري إِنّا لأعْلامُ الْهُدى وَمَنارُ التُّقى»(٢) ، فقد قصرت (إنّما) صفة الخليفة بآل البيت الذين ساروا بسيرة الرسول الأكرم عليه‌السلام ، فهم أعلام الهدى ومنار التقى.

وورد التخصيص (بالنفي وإلاّ) في قول الإمام عليه‌السلام : «أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيِكَ لَهُ»(٣) ، قاصراً صفةَ الإِلوهيَّة ، ومُخَصّصها في الذَّاتِ الإِلهيَّة المُقدَّسَة قصراً حقيقيّاً من دونِ شريك.

المطلب الخامس : الاختصاص بوسائل أخرى

يتضمّن هذا المطلب وسائل متفرّقة للاختصاص ورد عليها بعض

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٥ / ١٠٥.

(٢) المصدر نفسه ٤٤ / ٤٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٩١.

١٨٤

الأمثلة في كلام الإمام المجتبى عليه‌السلام ، ومن تلك الوسائل :

(أ) ضمير الفصل :

وهو ضمير منفصل مرفوع ، يقع بين المبتدأ والخبر نحو : سعيد هو القائمُ ، أو بين ما أصله مبتدأ وخبر ، نحو : كان سعيدٌ هو القائمَ ، وإنّ سعيداً هو القائمُ ، وظننتُ سعيداً هو القائمَ.

وضمير الفصل لا يحمل خصائص الضمير المعلومة ، وإنّما سُمّي ضميراً ، لأنّ صورته تشابه صورة الضمير ، وأمّا الفصل فلأنّه يفصل بين معنى الخبر ومعنى الصفة ، ليُعلَم من أوّل الكلام أنّ ما بعده خبر لا صفة.

أمّا الفائدة المعنوية لضمير الفصل فهي التوكيد والاختصاص ، لكنّ بعض المفسّرين قصر فائدته على الاختصاص(١).

وممّا ورد من اختصاص بضمير الفصل في كلام الإمام الحسن ، قوله عليه‌السلام : «لإنّا نحن أبرارٌ بآبائنا وأُمّهاتنا ، وقلوبنا عَلَتْ بالطاعات والبرّ ، وتَبرّأَتْ من الدنيا وحبِّها وأطعنا الله في جميع فرائضِه ، وآمَنّا بوحدانيّته ، وصدّقنا برسوله»(٢) ، فهذه الكمالات الإنسانية والصفات النورانية قد اختصّت بآل البيت عليهم‌السلام ، لا ينازعهم فيها أحد ، ولا يجرؤ على ادّعائها مدّع مهما علت مرتبته ، فكان الفصل بضمير الجمع المرفوع (نحن) دالاًّ على الاختصاص والتفرّد.

__________________

(١) ينظر : الكشاف ١ / ٤٤ ، ومدارك التنزيل وحقائق التأويل ١ / ٢٨١ ، وفتوح الغيب في الكشف عن قناع الغيب ٢ / ١٠٥ ـ ١٠٦.

(٢) نور الثقلين ٥ / ٥٣٣.

١٨٥

(ب) تعريف المبتدأ والخبر :

المبتدأ والخبر يمثّلان طرفي الإسناد ، وهما متلازمان ، يقول سيبويه : «هذا باب المسند والمسند إليه ، وهما ما لا يَغْنَى واحدٌ منهما عن الآخر ، ولا يَجد المتكلّمُ منه بُدّاً ، فمن ذلك الاسم المبتدأ والمبنيُّ عليه ، وهو قولك : عبدُ الله أخوك ، وهذا أخوك»(١).

والثابت عن النحويّين أنّ المبتدأ لا يكون إلاّ معرفة ، وأنّه لا يجوز الابتداء بالنكرة إلاّ بمسوّغات مذكورة تفصيلاً(٢). فإن ورد الخبر معرفة أيضاً ، كان الغرض من تعريف الطرفين هو الاختصاص(٣) ، وينطبق ذلك على المعارف جميعها ، وهي : أسماء الأعلام ، والضمائر ، وأسماء الإشارة ، والمعرّفات بأل ، والأسماء الموصولة ، وما أضيف إلى واحد ممّا سبق.

أمّا بيان علّة الاختصاص في تعريف المبتدأ والخبر ، فتتّضح بمعرفة أنّ المبتدأ دالّ على الذات فهو متعيّن بالابتداء ، والخبر دالّ على الوصف ، وهو معنى نسبي ، فهو متعيّن بالخبرية ، فقولنا مثلاً : سعيدٌ المنطلقُ ، دالٌّ على إثبات انطلاق مخصوص بسعيد ، لا يشاركه فيه غيره ، ذلك أنّك إن أخبرت عن معرفة بمعرفة زدتها تخصيصاً وتقنيناً ، والفرق يتّضح أكثر إن قلت في

__________________

(١) كتاب سيبويه ١ / ٢٣.

(٢) ينظر : البديع في علم العربية ١ / ٥٧ ـ ٥٨. ، والكناش ١ / ١٤٥ ـ ١٤٦ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٩ ـ ٢١٢.

(٣) ينظر : مفتاح العلوم : ١٧٨.

١٨٦

المثال المذكور : سعيد منطلقٌ ، إذ يكون سعيد منطلقاً من منطلقينَ آخرين(١).

وقد وردت هذه الوسيلة من الاختصاص بأنماط متنوّعة في كلام الإمام المجتبى ، ومن هذه الأنماط :

النمط الأوّل : المبتدأ ضمير متكلّم والخبر معرّف أل ، كقوله عليه‌السلام : «أَنـَا الضّامِنُ لِمَنْ لَمْ يَهْجِسْ في قَلْبِهِ إِلاَّ الرِّضا أَنْ يَدْعُوَ اللهَ فَيُسْتَجابُ لَهُ»(٢) ، فالمقام هنا مقام الحديث عن ذات الإمام المقدّسة ، وفي الكلام اختصاص الخبر بالمسند إليه ، فضمان استجابة الدعاء من الله لا يضمنه إلاّ مَن قربت درجته عند الله فارتضاه الله لمقام الشفاعة ، قال تعالى : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)(٣) ، وقال عزّ وجلّ : (وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٤) ، وقال سبحانه :(لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمنِ عَهْداً)(٥) وقال تعالى : (يَوْمَئِذ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً)(٦) ، وقال تعالى :

__________________

(١) ينظر : دلائل الإعجاز : ١٢٥.

(٢) بحار الأنوار ٧٥ / ١١٠.

(٣) سورة الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٨.

(٤) الزخرف : ٨٦.

(٥) مريم : ٨٧.

(٦) طه : ١٠٩.

١٨٧

(وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ إِذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)(١).

وهل هؤلاء العباد المأذون لهم بالشفاعة إلا محمّد وآله عليهم‌السلام ، فقد ورد في زيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ لي ذنوباً كثيرة ، فاشفَعْ لي فيها عند ربّك ؛ فإنّ لك عند الله مقاماً محموداً ، وإنّ لك عنده جاهاً وشفاعة ، وقد قال الله تعالى : (وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى)(٢) ، وفي حديث الإمام الصادق عليه‌السلاممع المفضّل : «قال الصادق عليه‌السلام : يا مفضّل ما هو إلاّ أنتَ وأمثالُك. بلى يا مفضّل لا تُحدِّث بهذا الحديث أصحابَ الرُّخَص من شيعتنا فيتّكلون على هذا الفضل ، ويتركون العمل ، فلا يُغني عنهم من الله شيئاً لأنّا كما قال الله تبارك وتعالى فينا : (إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)»(٣) وفي الزيارة الجامعة الكبيرة : «اَللّهُمَّ إنّي لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ أقْرَبَ اِلَيْكَ مِنْ محمّد وَأهْلِ بَيْتِهِ الأخيارِ الأئِمَّةِ الأبرارِ لَجَعَلْتُهُمْ شُفَعائي»(٤).

النمط الثاني : المبتدأ ضمير غائب والخبر معرّف أل ، ومنه قوله عليه‌السلام في آل البيت : «وهم الذين يخبرُكم حكمُهم عن علمهم ، وظاهرُهم عن

__________________

(١) سبأ : ٢٣.

(٢) بحار الأنوار ٩٧ / ٣٣٧.

(٣) المصدر نفسه ٥٣ / ٣٣. والنص القرآني من سورة الأنبياء : من الآية ٢٨.

(٤) مفاتيح الجنان : ٣٤٧ ـ ٣٤٨.

١٨٨

باطنهم»(١) ، وفي هذا النمط يكون الحديث عن الغائب وما يختصّ به من مكارم وفضائل ، فآل البيت عليهم‌السلام هم المختصّون بهذه الصفات ، فحكمهم أمارة ودليل على علمهم الواقعي الذي يحيط بالعلل الحقيقية للتشريع ، لأنّهم مَعدِن حُكْمِ اللهِ وسِرِّهِ ، وعَيْبَة عِلْمِ الله وخزنته ، وأنّ ما ظهر منهم على أيّ جهة كانت مُخبِرٌ عن بواطنهم القدسية ، لذا ورد في زياراتهم ما يوجب علينا الإيمان بظاهرهم وباطنهم والتسليم لهم في ذلك كلّه ، ومن ذلك قول الزائر : «مُؤْمِنٌ بِسِرِّكُمْ وَجَهْرِكُمْ وَظاهِرِكُمْ وَباطِنِكُمْ»(٢).

النمط الثالث : المبتدأ معرّف بأل والخبر معرّف بالإضافة ، ومنه قوله عليه‌السلام : «التَّقْوى بابُ كُلِّ تَوْبَة ، ورَأْسُ كُلِّ حِكْمَة ، وشَرَفُ كُلِّ عَمَل»(٣) ، فقد اختصّ الإمام المجتبى هذه الفضيلة ليبيّن عن آثارها النافعة ، من باب الحثّ على التخلّق بها والسعي لتحصيلها ، والتقوى هي الغاية المبتغاة من العمل العبادي كلّه ، وقد رسم القرآن الكريم طريق الوصول إليها ووسمها بآيات بيِّنات فقال : (ذلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِا لاْخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)(٤).

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٥ / ١٠٥.

(٢) مفاتيح الجنان ٤٥.

(٣) بحار الأنوار ٧٥ / ١١٠.

(٤) البقرة : ٢ ـ ٤.

١٨٩

ولا غرابة أن يخصّها الإمام المجتبى بهذه الفضائل ، فيعرّفها بهذه الأوصاف الشريفة ، ذلك أنّه «لا عِزَّ أعزُّ من التّقوى»(١) ، فبها تُستَحصل مكارم الأخلاق جميعها في الدنيا والآخرة.

خلاصة البحث :

يمكن إجمال خلاصة البحث في النقاط الآتية :

١ ـ جارى البحث أحكام اللغة في القول بالاختصاص في أجزاء من كلام الإمام الحسن عليه‌السلام ، وإلاّ فالثابت أنّ كلام آل البيت عليهم‌السلام بأجزائه كلّها هو موضع عناية واختصاص ، ذلك أنّهم يستقون معاني كلامهم من معدن الفيض الإلهي ويعبّرون عنه بأعلى درجات البيان ، واستند الباحث في ذلك إلى أنّهم عليهم‌السلام كلّموا الناس وفق سنن لغتهم ، وأمروهم أن يعربوا كلامهم على وفق سنن العربية ، فهم قوم فصحاء.

٢ ـ تنوّعت وسائل الاختصاص في كلام الإمام المجتبى ، وقُسِّمت في متن البحث على مطالب خمس ، وكان أكثرها وروداً الاختصاص بالتقديم والتأخير.

٣ ـ أظهر البحث أنّ الاختصاص بالتقديم والتأخير في كلام الإمام عليه‌السلام ، يرد حيث يقتضيه الغرض ، ومن ذلك قول المجتبى : «أو تغتاب عندي أحداً» ، فكان التقديم فاصلاً بين الفعل (تغتاب) ومفعوله (أحداً) أمارة على

__________________

(١) نهج البلاغة باب الحكم : ٨٢.

١٩٠

شدّة كراهية الإمام للاغتياب ، فتسبّب عنه الفصل بين أجزاء الكلام ، واختصاص الأمر بمحضره الشريف.

٤ ـ تغيّرت رتب الكلام المحفوظة في النصوص التي دُرست من كلامه عليه‌السلام ، وكان الباعث على هذا الخرق النحوي هو الاختصاص والعناية ، ومن ذلك تغيّر رتبة جواب الشرط في قوله عليه‌السلام في حقّ القرآن الكريم : «واعقلوه إذا سمعتموه» إذ ورد قبل أداة الشرط وفعله ، لأهمّية مقام الاختصاص والإغراء بالجواب المتقدّم والعناية بنتيجته المطلوبة.

٥ ـ استعمل النداء في كلام الإمام المجتبى وسيلة للاختصاص بدلالة القرائن المعنوية للسياق ، فقد أرصد البحث أمثلة لذلك ، منها قوله عليه‌السلام مخاطباً يزيد (عليه اللعنة الدائمة) وقد جمعهما مجلس واحد : «اعلمْ يا يزيد أنّ إبليس شارك أباك في جماعه ، فاختلط الماءان ، فأورثك ذلك عداوتي ...» ، فاختصّ بالنداء اسم المُنادى لتقييده أوّلاً ، ولبيان أهمّية الأمر الذي نُودي باسمه لأجله ثانياً.

٦ ـ من وسائل الاختصاص المعنوية المهمّة التي وردت في البحث تعريف المبتدأ والخبر ، وقد بيّن البحث علّة الاختصاص في تعريف طرفي الإسناد ، مع ذكر صور متنوّعة لذلك التعريف ، اختلفت أغراضها تفصيلاً واتّفقت في غرضها العامّ وهو الاختصاص.

١٩١

المصادر

* ـ القرآن الكريم

١ ـ إرشاد السالك إلى حلّ ألفية ابن مالك : ابن قيّم الجوزية (برهان الدين إبراهيم ابن محمّد بن أبي بكر بن أيّوب ت ٧٦٧ هـ) ، تحقيق : د. محمّد بن عوض بن محمّد السهلي ، دار أضواء السلف ، الرياض ، ط١ ، ١٩٥٤ م.

٢ ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقّ من علم الأصول : الشوكاني (محمّد بن علي ابن محمّد بن عبد الله ت ١٢٥٠ هـ) ، تحقيق : الشيخ أحمد عزو دار الكتاب العربي ، ط١ ، بيروت ١٩٩٩ م.

٣ ـ الإتقان في علوم القرآن : السيوطي (جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ت ٩١١ هـ) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، الهيأة المصرية العامّة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٤ م.

٤ ـ الأشباه والنظائر في النحو : جلال الدين السيوطي (ت٩١١ هـ) ، تحقيق : أحمد مختار الشريف ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، ١٩٨٧ م.

٥ ـ الأصول في النحو : ابن السراج (أبو بكر محمّد بن سهل ت ٣١٦ هـ) ، تحقيق : د. عبد الحسين الفتلي ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، ط٣ ، ١٩٩٦ م.

٦ ـ الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويّين البصريّين والكوفيّين : أبو البركات الأنباري (عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد ت٥٧٧ هـ) تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة ، القاهرة ، ط٤ ، ١٩٦١ م

١٩٢

٧ ـ الإيضاح في شرح المفصّل : ابن الحاجب (عثمان بن عمر ت ٦٤٦ هـ) ، تحقيق : وتقديم د. موسى بنّاي العليلي ، منشورات وزارة الأوقاف ، مطبعة العاني ، بغداد ١٩٨٢ م.

٨ ـ البحر المحيط في التفسير : أبو حيّان النحوي (محمّد بن يوسف بن علي ت ٧٤٥ هـ) ، تحقيق : صدقي محمّد جميل ، دار الفكر ، بيروت ، ١٤٢٠ هـ.

٩ ـ البديع في علم العربية : أبو السعادات ابن الأثير (المبارك بن محمّد بن محمّد الجزري ت ٦٠٦ هـ) ، تحقيق : ودراسة : د. فتحي أحمد علي الدين ، جامعة أم القرى ، مكّة المكرّمة ، ط١ ، ١٤٢٠ هـ.

١٠ ـ البرهان في علوم القرآن : الزركشي (بدر الدين محمّد بن عبد الله ت ٧٩٤ هـ) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، دار إحياء الكتب العربية ، ط١ ، ١٩٥٧ م.

١١ ـ الخصائص : ابن جنّي (أبو الفتح عثمان ت ٣٩٢ هـ) ، الهيأة المصرية العامّة للكتاب ، القاهرة ، ط٤ ،(د. ت).

١٢ ـ الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها : ابن فارس ، (أحمد بن فارس بن زكريّا (ت ٣٩٥ هـ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط١ ، ١٩٩٧ م.

١٣ ـ الفروق اللغوية : أبو هلال العسكري (الحسن بن عبد الله بن سهل ت٣٩٥ هـ) ، تحقيق : محمّد إبراهيم سليم ، دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع ، القاهرة ، (د.ت).

١٤ ـ الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل : الزمخشري (محمود بن عمر ت ٥٣٨ هـ) ، رتّبه وضبطه وصحّحه مصطفى حسين أحمد ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ١٩٤٧ م.

١٩٣

١٥ ـ الكناش في فنّي النحو والصرف : إسماعيل بن علي بن محمود بن محمّد (ت٧٣٢ هـ) ، دراسة وتحقيق : د. رياض بن حسن الخوام ، المكتبة العصرية ، بيروت ، ٢٠٠٠ م.

١٦ ـ اللغة العربية معناها ومبناها : د. تمّام حسّان عمر ، عالم الكتب ، ط٥ ، ٢٠٠٦ م.

١٧ ـ اللمع في العربية : ابن جنّي ، تحقيق : فائز فارس ، دار الكتب الثقافية ، الكويت (د. ت).

١٨ ـ المقتضب : المبرّد (أبو العبّاس محمّد بن يزيد ت ٢٨٥ هـ) ، تحقيق : عبد الخالق عضيمة ، عالم الكتب ، بيروت ، (د. ت).

١٩ ـ بحار الأنوار : العلاّمة المجلسي (محمّد باقر بن محمّد تقي بن مقصود ت ١١١١ هـ) ، مؤسّسة الوفاء بيروت ، ط٢ ،١٤٠٣ هـ.

٢٠ ـ تهذيب اللغة : أبو منصور الأزهري (محمّد بن أحمد ت ٣٧٠ هـ) تحقيق : محمّد عوض مرعب ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط١ ، ٢٠٠١ م.

٢١ ـ حاشية الصبّان على شرح الأشموني : الصبّان (أحمد بن محمّد بن علي ت ١٢٠٦ هـ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط ١ ، ١٩٩٧ م.

٢٢ ـ حاشية ياسين (مطبوع بهامش شرح التصريح على التوضيح لخالد الأزهري) : الشيخ ياسين بن زين الدين الحمصي العليمي (ت ١٠٦١ هـ) ، دار إحياء الكتب العربية ، عيسى البابي الحلبي ، مصر ،(د. ت).

٢٣ ـ دلائل الإعجاز في علم المعاني : عبد القاهر الجرجاني (عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمّد ت ٤٧١ هـ) ، تحقيق : محمود محمّد شاكر ، مطبعة المدني ، القاهرة ، دار المدني ، جدّة ، ط٣ ، ١٩٩٢ م.

١٩٤

٢٤ ـ شرح الكافية الشافية : ابن مالك (محمّد بن عبد الله ت ٦٧٢ هـ) ، تحقيق : د. عبد المنعم أحمد هريدي ، دار المأمون للتراث ، دمشق ،(د. ت).

٢٥ ـ شرح المفصّل : ابن يعيش (موفّق الدين يعيش بن علي بن يعيش ت ٦٤٣ هـ) ، قدّم له د. أميل بديع يعقوب ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط١ ، ٢٠٠١ م.

٢٦ ـ فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيّبي على الكشّاف) : الطيّبي (الحسين بن عبد الله الطيّبي ت ٧٤٣ هـ) ، تحقيق : د. جميل بني عطا ، دبي ، ط١ ،٢٠١٣ م.

٢٧ ـ فقه اللغة وسرّ العربية : أبو منصور الثعالبي (عبد الملك بن محمّد بن إسماعيل ت ٤٢٩ هـ) تحقيق : عبد الرزّاق المهدي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط١ ، ٢٠٠٢ م.

٢٨ ـ فهم القرآن ومعانيه : المحاسبي (الحارث بن أسد ت ٢٤٣ هـ) ، تحقيق : حسين القوتلي ، دار الكندي ، دار الفكر ، بيروت ، ط٢ ، ١٣٩٨.

٢٩ ـ كتاب سيبويه : سيبويه (أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ت١٨٠ هـ) ، تحقيق : محمّد عبد السلام هارون ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ط٣ ، ١٩٨٨ م.

٣٠ ـ لسان العرب : ابن منظور (محمّد بن مكرم ت ٧١١ هـ) ، دار صادر ، بيروت ، ط٣ ، ١٤١٤ هـ.

٣١ ـ مجموعة ورّام : ورّام بن أبي فراس الحلّي (ت ٦٠٥ هـ) ، انتشارات مكتبة الفقيه ، قم.

٣٢ ـ مدارك التنزيل وحقائق التأويل : النسفي (عبد الله بن أحمد بن محمود ت ٧١٠ هـ) ، حققه وخرّج أحاديثه يوسف علي بديوي ، دار الكلم الطيب ، بيروت ، ط١ ، ١٩٩٨ م.

١٩٥

٣٣ ـ معاني النحو : د. فاضل صالح السامرّائي ، مطبعة الحكمة للطباعة والنشر ، الموصل ، ١٩٩١ م.

٣٤ ـ مفاتيح الغيب ـ التفسير الكبير : فخر الدين الرازي (محمّد بن عمر بن الحسن التيمي ت ٦٠٦ هـ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط٣ ، ١٩٩٩ م.

٣٥ ـ مفتاح العلوم : السكّاكي (يوسف بن أبي بكر بن محمّد ت ٦٢٦ هـ) ، تحقيق : نعيم زرزور ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط٢ ، ١٩٨٧ م.

٣٦ ـ نور الثقلين : العروسي (عبد علي بن جمعة الحويزي) تحقيق : علي عاشور ، ط١ ، بيروت ، ٢٠٠١ م.

٣٧ ـ نهج البلاغة : تحقيق : د. صبحي الصالح ، مطبعة وفا ، إيران ، قم ، ١٤٢٩ هـ.

١٩٦

تأويلات السيّد علي الحائري

بين جماليات التعبير القرآني والشطط التاريخي

في ضوء تفسيره (مقتنيات الدُرر وملتقطات الثمر)

د. حامد ناصر الظالمي

بسم الله الرحمن الرحيم

حياته :

ولد السيّد علي الحائري في مدينة كربلاء في حدود سنة (١٢٧٠ هـ ـ ١٨٥٤ م).

وهو السيّد علي بن حسين بن يونس ابن السيّد إسماعيل ، إذ ينتهي نسبه إلى السيّد إبراهيم المجاب ابن السيّد محمّد العابد ابن الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، وقد سمّي بالحائري إمّا لولادته في كربلاء أو لانحداره من البيوتات العلوية الشريفة التي سكنت حائر الإمام الحسين عليه‌السلام.

نشأ السيّد علي الحائري في كربلاء ودرس في كتاتيبها تلاوة القرآن وأحكامه والنحو والصرف واللغة والأخلاق ، ثم هاجر إلى النجف الأشرف

١٩٧

لاكمال دراسته هناك ، وقرأ على علمائها أيضاً ، وبقي في كربلاء والنجف مدّة طويلة.

ومن أساتذته والده السيّد حسين الملقّب بالتقوي لشدّة تقواه وورعه ، وتتلمذ كذلك على السيّد محمّد حسن الشيرازي ، بل وأجازه بالاجتهاد عندما كان يُقيم في سامراء(١).

ولد للسيّد علي الحائري ابنان هما السيّد مهدي الملقّب بشمس الفقهاء والسيّد هادي من زوجته الأولى التي تزوّجها في كربلاء ، وبنتاً واحدة من زوجته الثانية التي تزوّجها في طهران(٢).

هاجر السيّد علي الحائري إلى إيران سنة (١٨٩٢ م) وعاش هناك بقيّة حياته إلى أن توفّي في العشرين من شوّال سنة (١٣٥٣ هـ) في مدينة طهران ، ودفن قرب مسجد الشاه عبد العظيم عن عمر يناهز (٨٣ سنة)(٣).

وفي طهران عكف على تفسير القرآن فكتبَ مقتنيات الدُرر وملتقطات الثمر ، إذ جاء في نهاية هذا التفسير : «وقد تمّ بعون الله كتاب مقتنيات الدُرر وملتقطات الثمر في تفسير الكتاب العزيز ـ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ في الشهر الذي أُنزل في مثله القرآن من السنة السابعة بعد

__________________

(١) يُنظر (نقباء البشر في القرن الرابع عشر) ضمن كتاب طبقات أعلام الشيعة (القسم الرابع من الجزء الأوّل) : (١٤٢٢).

(٢) يُنظر عشائر كربلاء وأسرها ١/١٢٤.

(٣) يُنظر نقباء البشر في القرن الرابع عشر : (١٤٢٢).

١٩٨

الثلاثين بعد الثلاثمئة بعد الألف»(١).

أي أنّه انتهى من تفسيره وعمره (٦٧) سنة إذا ما عرفنا أنّ ولادته كانت (١٢٧٠ هـ) وإنتهاء تأليفه للكتاب كان في رمضان سنة (١٣٣٧ هـ).

لقّب السيّد علي الحائري بألقاب عديدة منها :

١ ـ الحائري : وكان هذا اللقب لولادته في كربلاء قرب الحائر الحسيني الشريف في دار جده السيّد يونس.

٢ ـ الطهراني : لأنّه سكن طهران منذ أن هاجر إليها سنة (١٣٩٢ هـ).

٣ ـ المفسّر : لأنّه عمل على تفسير القرآن شطراً طويلاً من حياته.

٤ ـ اللاريجاني : وقد أشار إلى هذا اللقب الشيخ آغا بُزرك الطهراني(٢).

ومن تلامذته الذين يرد ذكرهم في مقدّمة التفسير الحاج عبدالحسين المعروف بمحسنيان الذي بذل الجهد الكبير في نشر هذا التفسير وتنظيم مخطوطاته ، وكانت الطبعة الأولى له هي طبعة المطبعة الحيدرية ونشرته دار الكتب الإسلامية في طهران سنة (١٣٧٩ هـ) وكانت على نفقة الحاج محمود الكاشاني ، فقد كانت هذه الطبعة بعد وفاته بستّ وعشرين سنة وبعد الانتهاء من تأليف التفسير بحدود اثنتين وأربعين سنة.

أمّا الطبعة الثانية فهي طبعة مؤسّسة التاريخ العربي بيروت سنة (٢٠١٢ م) ، والطبعة الثالثة هي طبعة مؤسّسة دار الكتاب الإسلامي بتحقيق :

__________________

(١) تفسير مقتنيات الدُرر وملتقطات الثمر ٢/٣٣٠.

(٢) يُنظر نقباء البشر : (١٤٢٢) ومعجم المؤلّفين ٢/٤٣٥.

١٩٩

السيّد محمّد وحيد الطبسي الحائري ومراجعة وتدقيق : محمّد تقي الهاشمي ، في قم سنة (٢٠١٢ م).

أمّا تسمية تفسيره بـ : مقتنيات الدُرر وملتقطات الثمر فقد تكون لكثرة ما عرضه من آراء وأقوال وتأويلات المفسّرين ومناقشتها وموازنتها وترجيح بعض على البعض ، لذلك فهذه الآراء التي عرضها قد التقطها فهي كالدُرر والثمر.

امتاز هذا التفسير بالرأي المعتدل والطرح المتّزن ، والنقل الدقيق ، والعرض لآراء المفسّرين ، والموضوعية في الطرح والترجيح ، وكان مقدِّراً لآراء المفسّرين ومرجّحاً لها ، بعد أن يقوم بطرح ما اجتمع لديه من احتمالات ، وقد تبدأ الاحتمالات باثنين وتنتهي بتسعة احتمالات ، وهذه الاحتمالات جمعها والتقطها من بطون التفاسير فكانت ثماراً طيّبة من شجرة المذاهب الإسلامية جميعاً.

كان في بعض الاحتمالات مُرجّحاً لرأي أو مؤكّداً عليه ، وفي الغالب كان يترك عرض الوجوه والتأويلات دون ترجيح ، فالقارئ هو من يختار المناسب من الوجوه وهذا الأمر جعل من تفسيره منفتحاً على الآخر.

اهتمّ السيّد علي الحائري بموضوعات دلالية مهمّة منها النظم القرآني ، وإيجاد المناسبة بين سور القرآن الكريم ، والمناسبة بين مطالع السور وخواتيمها ، وبين موضوع السورة وخاتمتها ، وبين نهاية سورة ومطلع الأخرى التي بعدها ، وهذا الأمر ـ أي علم المناسبة ـ يحتاج إلى حصافة

٢٠٠