تراثنا ـ العدد [ 134 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 134 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣٢٦

من ذخائر الترّاث

١٨١
١٨٢

حاشية القاضي نور الله التستري

(الشهيد سنة ١٠١٩ هجرية)

على شرح تجريد الاعتقاد

(المقصد الخامس في الإمامة)

لعلاء الدين القوشجي

(المتوفّى سنة ٨٧٩ هجرية)

تحقيق

الشيخ عبد الحليم عوض الحلّي

١٨٣
١٨٤

مقـدّمة التحقيـق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير الورى أجمعين ، محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

للمباحث الكلامية الأثر العظيم في سيرة الإنسان وحياته ، فالإنسان تحرّكه عقائده ، فتوجب عليه أفعالاً معيّنة ، وتحتّم عليه أن يسير بسيرة معيّنة ، وأنت عندما ترى هذا الإنسان يعمل عملاً ويصرّ عليه ، وذاك يترك نفس العمل ولا يبالي به ولا يهتمّ به ، فإنّ ذلك كلّه معلول العقيدة التي يحملها هذا الإنسان أو ذاك.

واستناداً إلى هذا ترى أنّ المباحث الكلاميّة كانت نشطة ولا زالت على مرّ العصور ، وكثر المتكلّمون ، فترى أنّ العالم المتخصّص بعلم الكلام يدّعي أمراً ما ، ويأتي الذي بعده يؤيده ويزيد في أدلّته ، أو بشرحه ويبسط كيفية استدلاله ، ثمّ يأتي بعده شخص ينقض المدّعى والاستدلال بأدلّة بنظره هي

١٨٥

الأدلّة المجزية الكافية ، ويأتي على النقض نقضٌ وهكذا ، ونتائج هذه المباحث لها الأثر الكبير في كيفية الصلاة والصيام والزكاة و ... الإنسان المسلم ، بل في اعتناق المذهب.

ومن الأمثلة الواضحة على ما قلناه ترى أنّ العلاّمة الخواجة نصير الدين الطوسي المتوفّى سنة (٦٧٢ هجرية) قد كتب كتباً عديدة في مجال الاعتقادات ، ومن جملتها كتاب تجريد الاعتقاد ، وقد صار هذا الكتاب محطّ أنظار طلاّب العلم والفضيلة ، فصار مورداً للمدارسة والشرح والتوضيح والنقد ، وأوّل الشروح عليه شرح العلاّمة الحلّي المتوفّى سنة (٧٢٦ هجرية) ، واسمه كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ، وتبعه جماعة ، ومن جملة من وقف على كتاب تجريد الاعتقاد علاء الدين القوشجي ، فشرحه شرحاً مفصّلاً ، وكتب عليه حاشية.

وهذا الشرح أيضاً صار محلاًّ للنقد والنقض والإبرام ، فوضعت عليه حواش كثيرة ، ومن جملة من كتب حاشية على شرح التجريد للقوشجي العلم العلاّمة القاضي نور الله التستري المستشهد سنة (١١٠٩ هجرية) ، وبحمد الله وقعت مصوّرة نسخة الكتاب الفريدة تحت أيدينا.

هذا وقد اقترح علينا الأستاذ السيّد أحمد رضا معين شهيدي تحقيق (المطلب الخامس في الإمامة) من هذا الكتاب وإخراجه إلى النور ، حفظاً لتراث اُمّتنا الإسلامية المجيدة ، وبركة لطلاّب العلم والفضيلة ورحمة يترحّم بها على روح الشيخ الشهيد القاضي نور الله التستري ، آملاً من الله العلي

١٨٦

القدير أن يوجّه همّتنا إلى تحقيق الكتاب وإخراجه إلى النور بأكمله ، آمين يا ربّ العالمين.

وقبل أن ندخل في أصل الكتاب لا بأس ببيان مختصر عن الخواجة نصير الدين الطوسي وعلاء الدين القوشجي والقاضي الشهيد نور الله التستري ، فأقول بعد التوكّل على الله تعالى.

الأوّل : الخواجة نصير الدين الطوسي

هو محمّد بن محمّد بن الحسن نصير الدين أبو عبد الله الطوسي ، الفيلسوف صاحب علوم الرياضي والرصد.

ابتنى بمدينة مراغة قبّةً ورصداً عظيماً ، واتّخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء ، وملأها من الكتب التي نقلت من بغداد والشام والجزيرة ، حتّى تجمّع فيها زيادة على ألف مجلّد ، وقرّر بالرصد المنجّمين والفلاسفة والفضلاء ، وكان حسن الصورة سمحاً كريماً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضائل ، جليل القدر داهية.

حكي أنّه لمّا أراد العمل للرصد رأى هولاكو ما ينصرف عليه ، فقال له : هذا العلم المتعلّق بالنجوم ما فائدته؟ أيدفع ما قُدِّر أن يكون؟ فقال : أنا أضرب لمنفعته مثالاً ؛ فأمر من يطلع إلى أعلى هذا المكان ويدعه يرمي من أعلاه طست نحاس كبير من غير أن يعلم به أحد ، ففعل ذلك ، فلمّا وقع ذلك كانت له وقعة عظيمة هائلة ، روّعت كلّ من هناك ، وكاد بعضهم يصعق ،

١٨٧

وأمّا هو وهولاكو فإنّهما ما تغيّر عليهما شيء ، لعلمهما بأنّ ذلك يقع ، فقال له : هذا العلم النجومي له هذه الفائدة ، يعلم المتحدّث فيه ما يحدث ، فلا يحصل له من الروعة والاكتراث ما يحصل للذاهل الغافل عنه ، فقال : لا بأس بهذا وأمره بالشروع فيه.

توفّي الشيخ الخواجة نصير الدين الطوسي سنة (٦٧٢ هجرية).

الثاني : القوشجي

هو علي بن محمّد القوشجي ، علاء الدين : فلكي رياضي ، من فقهاء الحنفية ، أصله من سمرقند ، كان أبوه من خدّام الأمير (ألغ بك) ملك ما وراء النهر ، يحفظ له البزاة ، ومعنى القوشجي في لغتهم حافظ البازي ، وقرأ علي القوشجي على الأمير (ألغ بك) ـ وكان ماهراً في العلوم الرياضية ـ ثمّ ذهب إلى بلاد كرمان فقرأ على علمائها ، وصنّف فيها شرح التجريد للطوسي ، وعاد ، وكان (ألغ بك) قد بنى رصداً بسمرقند ، ولم يكمل ، فأكمله القوشجي.

ثمّ رحل إلى تبريز فأكرمه سلطانها الأمير حسن الطويل ، وأرسله في سفارة إلى السلطان محمّد خان (سلطان بلاد الروم) ليصلح بينهما ، فاستبقاه محمّد خان عنده ، فألّف له رسالة في الحساب سمّاها المحمّدية ـ خ أجاد فيها ، ورسالة في علم الهيئة سمّاها الفتحية ـ خ فأعطاه محمّد خان مدرسة (أيا صوفية) فأقام بالآستانة ، وتوفّي فيها سنة (٨٧٩ هجرية) الموافق لسنة

١٨٨

(١٤٧٤ ميلادية).

وله حاشية على أوائل حواشي الكشّاف للتفتازاني وعنقود الزواهر ـ ط في الصرف ، وحاشية على شرح السمرقندي على الرسالة العضدية ـ ط في الوضع ، وكتب أخرى بالعربية والفارسية.

الثالث : نور الله التستري

هو القاضي نور الله بن عبد الله ، بن نور الله ، بن محمّد المرعشـي ، التستري (الشوشتري) مجتهد من علماء الإمامية ، وينعت بالقاضي ضياء الدين ، من أهل تستر. رحل إلى الهند ، فولاّه السلطان أكبر شاه قضاء القضاة بـ : لاهور ، واشترط عليه ألاّ يخرج في أحكامه عن المذاهب الأربعة ، فاستمرّ إلى أن أظهر غير ذلك ، فقتل تحت السياط في مدينة أكبر أباد سنة (١٠١٩ هجرية) الموافق لسنة (١٦١٠ ميلادية).

من تصانيفه الكثيرة : إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل ، مجالس المؤمنين في مشاهير رجال الشيعة ، مصائب النواصب ، حاشية على تفسير البيضاوي ، والحسن والقبيح ، وحاشية هذه على شرح التجريد للقوشجي.

النسخة المعتمدة في التحقيق

اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على نسخة فريدة بخطّ الشهيد القاضي نور الله بن شريف الحسيني المرعشي التستري ، كما صرّح في أوّل الكتاب ،

١٨٩

والنسخة موجودة في مدينة قم المقدّسة ، في مؤسّسة المرحوم آية الله البروجردي.

تحت رقم : ٣٧٣.

قفسه : و.

رديف : ٢.

نوع الخط : نستعليق خوب.

ف : ١ـ ٧٥.

عدد الأسطر في كلّ صفحة : ٢٠.

عدد صفحات مبحث الإمامة : ١٩ صفحه من ص ٧٠٤ ـ ص ٧٥٨(١).

وعليها حواشي القاضي نور الله برموز متعدّدة مثل : ١٢ ، ١٢ نور ، ١٢ نور الله ، هه ، مع رموز أخرى.

طريقة التحقيق :

ذكرنا سابقاً أنّنا اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على نسخة فريدة بخطّ المصنّف القاضي نور الله التستري رضي‌الله‌عنه وقد مرّ العمل بهذا الكتاب وإخراجه بمراحل عديدة إليك توضيحها.

__________________

(١) فهرست دنا : ٦ / ٥١١ / ١٦٢١٣٥.

١٩٠

١ ـ تنضيد متن كتاب الخواجة نصير الدين الطوسي وشرح القوشجي بالآلة الكاتبة.

٢ ـ تلافياً للأخطاء الإملائية والسقطات قابلنا المكتوب بالآلة الكاتبة مع ما خطّه القاضي نور الله بيمينه.

٣ ـ قارنّا بين نسخة شرح تجريد الاعتقاد المكتوبة بخطّ القاضي نور الله وبين النسخة القديمة الحجرية وأثبتنا الاختلافات المرجوحة في الهامش.

٤ ـ استنساخ حواشي القاضي نور الله باليد ثمّ إلحاق كلّ حاشية بمحلّها في النسخة المنضّدة.

٥ ـ تخريج الآيات والروايات الواردة في المتن متّبعين في ذلك البحث عن المصدر الأقدم فالأقدم.

٦ ـ مراجعة المراحل السابقة ، وإتمام ما نقص وزاغ عن البصر.

وفي الختام أسأله سبحانه أن يوفّقنا لإتمامه بأحسن صورة ، راجين شفاعة من عقدت هذه المباحث لإظهار حقّه ، أعني أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

١٩١

١٩٢

١٩٣

المقصد الخامس

في الإمامة

[في تعريف الإمامة]

وهي رياسة عامّة في أمور(١) الدين والدنيا خلافةً عن النبي صلّى الله عليه وآله ، وبهذا القيد خرجت النبوّة ، وبقيد العموم مثل القضاء والرياسة في بعض النواحي ، وكذا رياسة من جعله الإمام نائباً عنه على الإطلاق ، فإنّها لا تعمّ الإمام.

[في نصب الإمام]

(الإمام لطف فيجب نصبه على الله تعالى تحصيلاً للغرض)

اختلفوا في أنّ نصب الإمام بعد انقراض زمن(٢) النبوّة هل يجب أم لا؟ وعلى تقدير وجوبه على الله أم علينا ، عقلاً أم سمعاً؟

__________________

(١) في (م) : (أمر) بدل من (أمور) والمثبّت من (ح).

(٢) في (م) : (زمان) بدل من : (زمن).

١٩٤

فذهب أهل السنّة إلى أنّه واجب علينا سمعاً(١)(٢) ، وقالت المعتزلة والزيديّة : بل عقلاً(٣) ، وذهبت الإماميّة إلى أنّه واجب على الله تعالى عقلاً(٤)(٥) واختاره المصنّف رحمه الله ، وذهبت الخوارج إلى أنّه غير واجب مطلقاً(٦) ، وذهب أبو بكر الأصمّ من المعتزلة (٧) إلى أنّه لا يجب مع الأمن لعدم الحاجة إليه ، وإنّما يجب عند الخوف وظهور الفتن(٨) ، وذهب الغوطيّ(٩) وأتباعه إلى عكس ذلك ، أي يجب مع الأمن لإظهار

__________________

(١) جاء في حاشية المخطوط للقاضي نور الله التستري ما نصّه : قيل : الإمامة هي الخلافة عن النبي صلّى الله عليه وآله كما ذكر في تعريفها ، والخلافة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله إنّما يكون فيما يستخلفه النبي صلّى الله عليه وآله ، فلا يصدق التعريف على إمامة الشيعة ونحوها ، فضلاً عن الرياسة العامّة للإمام ، فكيف يجب نصب الإمام علينا؟ ١٢ ن.

(٢) المواقف : ٣ / ٥٧٤ ـ ٥٨٠.

(٣) شرح المواقف : ٨ / ٣٤٥ ، الاقتصاد للطوسي : ١٨٣.

(٤) جاء في حاشية المخطوط للقاضي نور الله التستري ما نصّه : وسمعاً أيضاً كما صرّح به العلاّمة الحلّي في شرح فصّ الياقوت ، إلاّ أنّ القوم اقتصروا على إثبات وجوبها على الله عقلاً للقول بوجوب نصب الإمام على العباد سمعاً ، وما ذكروه في إثبات وجوبها على العباد سمعاً دالّ على إثبات وجوبها على الله سمعاً ، فلا حاجة إلى التعرّض به.١٢ طاهر.

(٥) المواقف: ٣ / ٥٧٨، نهج الإيمان: ٣٦، دلائل الإمامة: ١٦، الاقتصاد للطوسي: ١٨٣.

(٦) شرح المواقف : ٨ / ٣٤٥.

(٧) قوله : (من المعتزلة) من (ح).

(٨) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢ / ٣٠٨.

(٩) بالضمّ ، وهو موضع من الشام كثير الماء والشجر.

١٩٥

شعائر الشرع ، ولا يجب عند ظهور الفتن ، لأنّ الظلمة ربّما لم يطيعوه وصار سبباً لزيادة الفتن(١) وتمسّك أهل السنّة بوجوه :

[أدلّة أهل السنّة على مذهبهم]

الأوّل : وهو العمدة (٢) إجماع الصحابة (٣) حتّى جعلوا ذلك أهمّ الواجبات(٤) ، واشتغلوا به عن دفن الرسول صلّى الله عليه وآله ، وكذا عقيب

__________________

(١) الملل والنحل : ١ / ٧٢.

(٢) جاء في حاشية المخطوط للقاضي نور الله التستري ما نصّه :اعترض عليه بأنّه لو كان وجوبه علينا سمعاً لزم إطباق الاُمّة في أكثر الأعصار على ترك الواجب ، لإشعار الإمام المتّصف بما يجب من الصفات عندكم ، واللازم منتف لأنّ ترك الواجب معصية وضلالة ، والاُمّة لا تجتمع على ضلالة.

فإن قلت : الضلالة إنّما تلزم لو تركوه عن قدرة واختيار.

قلت : عجز كلّ واحد لا ينافي قدرة الكلّ ، ولو أريد بالعجز عدم مَنْ يتّصف بشرائط الإمامة فهو ممنوع ، وفيه سوء ظنّ بالاُمّة.١٢ ن.

(٣) جاء في حاشية المخطوط للقاضي نور الله التستري ما نصّه : فيه : أنّه إنّما يدلّ على المدّعى لو كان فعلهم حجّة ، وهو ممنوع.١٢ ن.

(٤) جاء في حاشية المخطوط للقاضي نور الله التستري ما نصّه : ردّ بعدم انعقاد الإجماع ، لخروج أمير المؤمنين عليه السلام مع أكابر الصحابة منهم ، فلا يدلّ في ذلك إلاّ على وفور خروجهم في طلب الرئاسة ، وعدم التفاتهم [أي اهتمامهم] بالنبي صلّى الله عليه وآله في تلك الحالة ، على أنّه يجوز أن يكفي ذلك إقداماً منهم على الواجب العملي مع الخطأ في التعيين.

والحاصل أنّهمّ إنّما اشتغلوا إلى أمر الخلافة ، لأنّهم اغتنموا الفرصة بغيبة علي

١٩٦

موت كلّ إمام ، روي أنّه لمّا توفّي النبيّ(صلى الله عليه وآله) خطب أبو بكر فقال : يا أيّها الناس من كان يعبد محمّداً(صلى الله عليه وآله)(١) ، فإنّ محمّداً قد مات ، ومن كان يعبد ربّ محمّد ، فإنّه حيٌّ لا يموت ، لابدّ لهذا الأمر ممّن يقوم به ، فانظروا وهاتوا آراءكم رحمكم الله ، فتبادروا من كلّ جانب ، وقالوا : صدقت لكنّا ننظر في هذا الأمر ، ولم يقل أحد أنّه لا حاجة إلى الإمام(٢).

الثاني : إنّ الشارع أمر بإقامة الحدود وسدّ الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد ، وكثير من الاُمور المتعلّقة بحفظ النظام ، وحماية بيضة الإسلام ممّا لا يتمّ إلاّ بالإمام ، وما لا يتمّ الواجب المطلق(٣) إلاّ به وكان مقدوراً فهو واجب

__________________

عليه السلام وأصحابه ، واشتغالهم بتجهيز النبي(صلى الله عليه وآله) وتدفينه ، وعلموا أنّه لو حضر علي عليه‌السلام مجلس اشتغالهم بأمر الخلافة لفات الأمر منهم ، وإلاّ فلم يكن في تأخير ذلك عن تجهيز النبي(صلى الله عليه وآله) مظنّة فوته وعدم استدراكه ، بلى لو صبروا واشتغلوا مع علي عليه‌السلام وسائر بني هاشم بدفن النبي(صلى الله عليه وآله) ومصابهم به والحزن له والصلاة عليه المرغّب فيها لكان أولى ، لاجتماع الناس حينئذ أكثر ممّا كان قبل دفنه.

وليت شعري كيف صار ذلك واجباً فوريّاً ، مع أنّه حين أراد النبي(صلى الله عليه وآله) أن يكتب كتاباً في هذا الباب منع منه عمر ، وقال : حسبنا كتاب الله. ١٢ طاهر.

(١) جاء في حاشية المخطوط للقاضي نور الله التستري ما نصّه : أنّه لا محصّل لهذا الكلام ، وكذا لا محصّل لقوله : ومن كان يعبد ربّ محمّد صلّى الله عليه وآله فإنّه حيّ لا يموت ١٢ ن.

(٢) تاريخ الطبري : ٢ / ٤٤٢ ، شرح المقاصد : ٢ / ٢٧٣.

(٣) جاء في حاشية المخطوط للقاضي نور الله التستري ما نصّه : قيل : الأمر بإقامة

١٩٧

على ما مرّ(١).

الثالث : إنّ في(٢) نصب الإمام استجلاب منافع لا تحصى ، واستدفاع مضارٍّ لا تخفى ، وكلّ ما هو كذلك فهو واجب(٣) ، أمّا الصغرى فتكاد أن

__________________

الحدود كقطع يد السارق مثلاً إنّ كان مشروطاً بوجود الإمام لم يكن [واجباً] مطلقاً ، فلم يستلزم وجوبه كالأمر بالزكاة بالنسبة إلى تحصيل النصاب ، وإن لم يكن مشروطاً به فظاهر أنّه لا يستلزم وجوبه.

فأُجيب : فإنّه فرق بين تقيّد الوجوب وتقيّد الواجب ، فهيهنا الوجوب مطلق ، أي لم يقيّد ولم يشترط بوجود الإمام ، والواجب أعني المأمور به مشروط به وموقوف عليه كوجوب الصلاة المشروطة بالطهارة ، وأمّا في الزكاة فالوجوب مشروط بحصول النصاب حتّى إذا انتفى فلا وجوب. ١٢ ن. (شرح أصول الكافي لصدر المتألّهين : ٢ / ٤٧٠ شرح المقاصد : ٥ / ٢٣٧).

(١) بحث النظر. ١٢ ن.

(٢) في (ح) : (في أنّ) بدل من : (أنّ في).

(٣) جاء في حاشية المخطوط للقاضي نور الله التستري ما نصّه :ورُدَّ بأنّ الضرر المظنون إمّا ديني ، وهو تقريب المكلّفين وتبعيدهم ، [و] ذلك لا يحصل إلاّ من إمام معصوم مؤيّد من عند الله بالآيات والبيّنات ، عارف بجزئيّات التكاليف العقلية والشرعية ، لا يعرفه إلاّ الراسخون ، ولا يرضى بحكمه إلاّ المتّقون ، بخلاف فريضة الرعية على وفق آرائهم ومقتضى شهواتهم ، حيث جوّزوا ترجيح المرجوح وتفضيل المفضول ، واستأثروا اتّباع الظالم الجاهل الذي لا يعرف شيئاً من ضروريّات الدين كما ينبغي ، بل لا يهتدي لضروريّات العقل أيضاً لينالوا بوسيلته إلى عاداتهم الجاهية والمالية.

وإمّا دنيويّ : كالمدح والفتن ، ولا نزاع لنا في حصوله في الجملة من نصب

١٩٨

تكون من الضروريّات ، بل من المشاهدات ، وتعدّ من العيان الذي لا يحتاج إلى البيان ، ولهذا(١) اشتهر أنّ ما يزع السلطان أكثر ممّا يزع القرآن(٢) وما يلتئم بالسنان لا ينتظم بالبرهان(٣).

وذلك لأنّ الاجتماع المؤدّي إلى صلاح المعاش والمعاد لا يتمّ بدون سلطان قاهر يدرأ المفاسد ويحفظ المصالح ، ويمنع ما تتسارع إليه الطباع وتتنازع إليه الأطماع ، وكفاك شاهداً ما يشاهد من استيلاء الفتن والابتلاء بالمِحَن بمجرّد هلاك من يقوم بحماية الحوزة ورعاية البيضة ، وإن لم يكن على ما ينبغي من الصلاح والسداد ، ولم يخل عن شائبة شرّ وفساد.

ولهذا(٤) لا ينتظم أمر أدنى اجتماع كرفقة طريق بدون رئيس لا

__________________

رئيس يختاره طائفة من الناس بينهم لئلاّ يختلّ أمر معاشهم ، إلاّ أنّ نصبه ربّما يؤدّي إلى المفاسد الدينية ، كاتّباع العلماء القاصرين لرأيه واعتقاده وتأليفهم كتباً على طبق مرضاتهم ووضعهم أحاديث كذلك ، فاستمرّ بينهم كابراً عن كابر حتّى شاع في وقته فقالوا بعد مدّة : (إنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا على أُمَّة وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ) [الزخرف (٤٣) : ٢٢] شاه طاهر رحمه الله.

(١) جاء في حاشية المخطوط للقاضي نور الله التستري ما نصّه : أي تكون الصغرى ضرورية ١٢ ن.

(٢) جاء في حاشية المخطوط للقاضي نور الله التستري ما نصّه : يزع : يكفّ عن ارتكاب العظائم مخافة السلطان أكثر ممّا يكفّ مخافة القرآن.

(٣) جاء في حاشية المخطوط للقاضي نور الله التستري ما نصّه : إشارة إلى أنّ ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن ، وما ينتظم بالسنان لا يلتئم بالبرهان.١٢ ن.

(٤) جاء في حاشية المخطوط للقاضي نور الله التستري ما نصّه : أي ولأنّ الاجتماع لا يتمّ بدون سلطان قاهر.

١٩٩

يصدرون(١) عن رأيه ومقتضى أمره ونهيه ، بل ربّما يجري مثل هذا فيما بين الحيوانات العُجْم ، كالنحل لها عظيم يقوم مقام الرئيس ، ينتظم به أمرها ما دام فيها ، وإذا هلك انتشرت الأفراد انتشار الجراد ، وشاع فيما بينهم الهلاك والفساد.

لا يقال : فغاية الأمر أنّه لابدّ في كلّ اجتماع من رئيس مطاع منوط به النظام والانتظام ، لكن من أين يلزم عموم رياستها جميع الناس وشمولها لأمر الدين والدنيا على ما هو المعتبر في الإمام.

لأنّا نقول : انتظام أمر عموم الناس على وجه يؤدّي إلى صلاح الدين والدنيا يفتقر إلى رياسة عامة فيهما ، إذ لو تعدّد الرؤساء في الأصقاع والبقاع(٢) لأدّى إلى منازعات ومخاصمات موجبة لإخلال(٣) أمر النظام.

ولو اقتصرت رياسته على أمر الدنيا لفات انتظام أمر الدين الذي هو المقصد(٤) الأهمّ والعمدة العظمى ، وأمّا الكبرى فبالإجماع(٥).

__________________

(١) جاء في حاشية المخطوط للقاضي نور الله التستري ما نصّه : الصدر والصدور : بازگشتن از جا وبه در آمدن از جا بزرگتر.

(٢) في (م) : (في البقاع والأصقاع) بدل من : (في الأصقاع والبقاع)

(٣) في (ح) : (لاختلال) بدل من : (لإخلال).

(٤) في (ح) : (المقصود) بدل من : (المقصد).

(٥) شرح المقاصد : ٢ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

٢٠٠