تراثنا ـ العدد [ 133 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 133 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣٢٦

وختمه بالباب ١٠٨ (نوادر الزيارات) كما في المتداول.

٢٤١

وفي حواشيه تعليقات ، كبيان نسب مصنّف الكتاب من بعض طرق الحديث ، صورة١٣ :

والحديث في الكامل المتداول(١) ومزار المفيد(٢) : «حَدَّثَنِي أَخِي عَلِيُّ ابن مُحَمَّدِ بن قُولَوَيْهِ عَنْ أَحْمَدَ بن إِدْرِيس ...» الحديث.

وقد تتبّعت المخطوط أبواباً وحواش وتصحيحات ، فوجدت أوّله يخالف المتداول والباقي ينطبق عينه بلا خلاف.

وهنا ملاحظات موجزة :

اختلف خطّ الورقة الأولى عن الثانية ، والأوّل هو الذي ختم به

__________________

(١) الكامل : ٢٩ / ح١٠ ب٨.

(٢) المزار : ١٢ / ح١ ب٤.

٢٤٢

المخطوط ويحتمل أنّه خطّ الكاغذاني الناسخ الذي صرّح بأنّه أتمّ بعض الكتاب.

الخطوط مختلفة لاختلاف النسّاخ ، فالأولى مختلفة ، ومن الصفحة ٢ إلى ٨ لم تلوّن حبر أرقام الأبواب ، وفي رواياتها اختلاف.

يتبع تغيّر الخطّ للعربي تغيّر أرقام الأبواب أيضاً ، وهذا يدلّ على أنّ النسّاخ عرب وعجم.

في الباب ٤ من المخطوط ثمانية أحاديث بتكرار الأوّل آخر الباب ثامناً مع تغيّر بعض ألفاظ رجال السند ، وفي المتداول بنفس العنوان ثمانية أحاديث بترتيب آخر؛ الحديث السادس والسابع وزاد حديثاً ثامناً تفرّد بطريقه وهو ح٦ : «حَدَّثَنِي حَكِيمُ بن دَاوُدَ بن حَكِيم عَنْ سَلَمَةَ بن الْخَطَّابِ عَنْ مُصَدِّقِ بن صَدَقَةَ عَنْ عَمَّارِ بن مُوسَى السَّابَاطِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه‌السلام قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ (صلى الله عليه وآله) هَلْ مِثْلُ الصَّلاَةِ فِي الْمَدِينَةِ؟ قَالَ عليه‌السلام : لا لأنّ الصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ (صلى الله عليه وآله) بِأَلْفِ صَلاَة وَالصَّلاَةَ بِالْمَدِينَةِ مِثْلُ الصَّلاَةِ فِي سَائِرِ الأَمْصَارِ»(١).

وهو الحديث الأوّل في الباب بطريق آخر ، قال : «حَدَّثَنِي أَبِي وَمُحَمَّدُ ابن الْحَسَنِ بن أَحْمَدَ بن الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بن الْحَسَنِ بن عَلِيِّ بن الْفَضَّالِ عَنْ عمرو بن سَعِيد عَنْ مُصَدِّقِ بن صَدَقَةَ عَنْ عَمَّارِ بن مُوسَى السَّابَاطِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه‌السلام ...» الحديث مثله.

__________________

(١) كامل الزيارات المتداول : ٢١ ـ ٢٢ / ح٦ ب٥.

٢٤٣

ورواه الشيخ في التهذيب ببعض التفاوت ـ عن غير ابن قولويه ـ بسنده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عَنْ أَحْمَدَ بن الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بن سَعِيد عَنْ مُصَدِّقِ بن صَدَقَةَ عَنْ عَمَّارِ بن مُوسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه‌السلام قَالَ : «سَأَلْتُهُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الْمَدِينَةِ هَلْ هِيَ مِثْلُ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله)؟ قَالَ : لاَ ، إِنَّ الصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أَلْفُ صَلاَة وَالصَّلاَةَ فِي الْمَدِينَةِ مِثْلُ الصَّلاَةِ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ»(١).

المواضع الأربعة ـ الآتية الذكر ـ التي تدلّ على التصرّف بالزيادة في الكتاب كلّها في المخطوط دون اختلاف.

ما ألحق بآخر الكتاب :

وألحق بآخر الكتاب الزيارة الرجبية لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، رواها الشيخ في المصباح قال :

«قَالَ ابن عَيَّاش حَدَّثَنِي خَيْرُ بن عَبْدِ اللهِ عَنْ مَوْلاَهُ يَعْنِي أَبَا الْقَاسِمِ الْحُسَيْنَ بن رُوح رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : زُرْ أَيَّ الْمَشَاهِدِ كُنْتَ بِحَضْرَتِهَا فِي رَجَب تَقُولُ إِذَا دَخَلْتَ ـ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَشْهَدَنَا مَشْهَدَ أَوْلِيَائِهِ فِي رَجَب وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا مِنْ حَقِّهِمْ مَا قَدْ وَجَبَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّد الْمُنْتَجَبِ وَعَلَى أَوْصِيَائِهِ الْحُجُبِ اللَّهُمَّ فَكَمَا أَشْهَدْتَنَا مَشْهَدَهُمْ فَأَنْجِزْ لَنَا مَوْعِدَهُمْ وَأَوْرِدْنَا

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٥٤ / ح٢١ ب فضل المساجد والصلاة فيها من أبواب الزيادات في الجزء الثاني من كتاب الصلاة.

٢٤٤

مَوْرِدَهُمْ غَيْرَ مُحَلَّئِينَ عَنْ وِرْد فِي دَارِ الْمُقَامَةِ وَالْخُلْدِ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ إِنِّي قَصَدْتُكُمْ وَاعْتَمَدْتُكُمْ بِمَسْأَلَتِي وَحَاجَتِي وَهِيَ فَكَاكُ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ وَالْمَقَرُّ مَعَكُمْ فِي دَارِ الْقَرَارِ مَعَ شِيعَتِكُمْ الأَبْرَارِ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار»(١).

ومثله المشهدي في المزار ، ورواها السيّد ابن طاووس عن جدّه الشيخ أيضاً بعينها.

وابن عيّاش هو أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن عيّاش من مشايخ صاحب الزيادات في الكتاب ، يأتي ذكره في الزيادة الثالثة.

الحاصل من دراسة النسخة :

أنّها نسخة فريدة ـ وحيدة حتّى الآن ـ أنهيت أوائل القرن الحادي عشر الهجري ، مختلفة النسّاخ والخطوط ، صرّح آخر ناسخ لها أنّه تمّم بعض أجزاء الكتاب ، ويمكن إرجاع أقدم خطوطها للقرن التاسع ـ لو فرض اختلاف أزمنة النسخ ـ مع أنّ الأوراق لا تعين على هذا الاحتمال ، هذه النسخة تسمّي الكتاب بالمزار خلافاً لما عن النجاشي : الزيارات ، والطوسي : جامع الزيارات ، والمتداول : كامل الزيارات ، مصرّحة بأنّ المصنَّف لابن قولويه بحكاية قوله «قال مصنّف هذا الكتاب الشيخ أبو جعفر ...» ، خالية عن خطبة

__________________

(١) مصباح المتهجّد ٢ : ٨٢١ / زيارة رواها ابن عيّاش ، المزار الكبير : ٢٠٣ / ممّا يستحبّ أن يزار به أمير المؤمنين عليه‌السلام ، الإقبال ٢ : ٦٣١ / فصل فيما نذكره من زيارة مختصّة بشهر رجب.

٢٤٥

الكتاب ، مقتصرة على ذكر عدد الأبواب المتّفقة عدداً مع المتداولة ، تختلف مع المتداول في البابين الأوّلين خاصّة ، ثمّ في بعض طرق الروايات التي نسخت بالخطّ الثاني في الصفحة الثانية من متن الكتاب ، وتتّحد في باقي الأبواب ورواياتها إلاّ نادراً كما هو شأن أي كتاب متعدّد النُّسخ ، وليس فيها أمر زائد إلاّ تلك الطرق التي أشرنا إليها.

النتيجة : أنّ النسخة ـ المنفردة حتّى الآن ـ لا تصلح للاستقلال بالدلالة الجزمية على إحداث التغيير في كتاب ابن قولويه؛ إذ يحتمل أنّها من تلفيقات النسّاخ للنصوص واختصاراتهم ، لكنّها ـ وبلا شكّ ـ أثر هامّ يؤيّد ظاهر التصرّف في الكتاب ، خاصّة بالزيادة واستبدال بعض الطرق وترتيب الأخبار ، وهذا يؤيّد ما يظهر في المواضع الأربع الدالّة على التصرّف والزيادة والتحرير في النسخة المتداولة.

وللبحث صلة ...

٢٤٦

من ذخائر الترّاث

٢٤٧
٢٤٨

إرشاد المنصف البصير

إلى طريق الجمع بين أخبار التقصير

تصنيف

الشيخ عبد السّلام بن الشيخ محمّد

الشامي العاملي المشغري

(المتوفّى بعد ١٠٤٣ هـ)

تحقيق

الشيخ حلمي السنان

٢٤٩
٢٥٠

مقدِّمـة التحقيـق

بسم الله الرحمن الرحيم

أرسل لي الأخ المحقّق الفاضل الأستاذ أحمد علي مجيد الحلّي من العراق رسالة تتضمّن عرضاً ثميناً ، ألا وهو تحقيق رسالة فقهية يتيمة بقلم العلاّمة الحجّة الشيخ عبد السلام بن محمّد العاملي المشغري جدّ صاحب الوسائل الشيخ الحرّ العاملي لأمِّه ، وهو حسنُ ظنّ من الأستاذ الحلّي بالحقير ، وما كان منّي إلاّ أن امتثلت عرضه هذا ، وقمت بالترتيب لإخراج الرسالة وهي حول مسألة فقهية مهمّة ألا وهي التوفيق بين الروايات المختلفة الدالّة على ملاك ومناط التقصير في السفر.

فقمت أوّلاً بتنضيد الحروف وصفِّها ومن ثمّ قمت بتقطيع النصّ والإخراج الفنّي له ، ثمّ قمت بتخريج مصادر الأحاديث وإرجاع الأقوال إلى قائليها إن نقلت عنها ، مع بعض التعليقات المختصرة على مواضع من الرسالة بما جال في خاطر الحقير إيضاحاً للمطلب أو استشكالاً فيه.

٢٥١

المؤلّف :

هو الشيخ الإمام العالم العامل العلاّمة الفهّامة وحيد دهره وفريد عصره الشيخ عبد السلام بن الشيخ محمّد الحرّ الشامي العاملي المشغري ، جدّ صاحب الوسائل لأمّه ، إذ أنّ والدة صاحب الوسائل ابنة الشيخ المترجم ، كما أنّه أستاذ صاحب الوسائل كما ذكر ذلك في ترجمة أساتذته ، ونقل السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث ما ذكره حفيده من ابنته الحرّ العاملي صاحب الوسائل قال(١) :

قرأ على أبيه وأخيه الشيخ علي(٢) ، وعلى الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني العاملي(٣) ، وعلى السيّد محمّد بن أبي الحسن العاملي(٤) وغيرهم ، له

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١١ / ٢٣.

(٢) قال الشيخ الحرّ العاملي في أمل الآمل برقم (١٣٨) : الشيخ علي بن محمّد الحرّ العاملي المشغري ، جدّ مؤلّف هذا الكتاب ، كان عالماً فاضلاً عابداً كريم الأخلاق جليل القدر عظيم الشأن شاعراً أديباً منشأ قرأ على الشيخ حسن والسيّد محمّد وغيرهما ، أروي عن والدي عنه وله شعر لا يحضرني الآن منه شيء وتوفّي بالنجف مسموماً. انتهى ونقله بنصّه السيّد الخوئي في معجمه : ١٣ / ١٨٠.

(٣) قال السيّد الخوئي عنه في معجمه (٨ / ٣٨٦) ناقلاً عن أمل الآمل (٨١) : الشيخ الأجل زين الدين بن علي بن أحمد بن محمّد بن جمال الدين بن تقي الدين بن صالح العاملي الجبعي الشهيد الثاني ، أمره في الثقة والعلم والفضل والزهد والعبادة والورع والتحقيق والتبحّر وجلالة القدر وعظم الشأن وجمع الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر .. ولد في ١٣ شوّال سنة ٩١١ وتوفّي شهيداً في سنة ٩٦٦. انتهى مختصراً.

(٤) قال في أمل الآمل ١٦٧ : السيّد محمّد بن علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي

٢٥٢

رسالة سمّاها (إرشاد المنصف البصير إلى طريق الجمع بين أخبار التقصير) ورسالة في المفطرات ورسالة في الجمعة وغير ذلك من الرسائل والفوائد المفردة ، كان ماهراً في الفقه والعربية ، قرأت عليه وكان عمري نحو عشر سنين وكان حسن التقرير جدّاً ، حافظاً للمسائل والنكت ، كُفَّ بصره وهو في سنّ الثمانين فحفظ القرآن في ذلك الوقت ، ثمّ عُمِّر حتّى جاوز التسعين ، ولمّا توفّي رثيته بقصيدة طويلة ... إلى أن قال : وله شعر قليل جدّاً كان يرويه والدي قدّس سرّه لم يحضرني منه شيء ، أروي عنه عن مشائخه المذكورين جميع مرويّاتهم.

آل الحرّ : أسرة عريقة في العلم والأدب؛ قال عنها الشيخ علي سبيتي في بعض مجاميعه ـ كما نقله عنه السيّد الأمين في كتابه خطط جبل عامل ـ قال : ... ومن جباع عائلة بيت الحرّ جدّهم الأعلى الحرّ بن يزيد الشهيد مع الحسين في كربلاء(١).

__________________

الجبعي؛ كان عالماً فاضلاً متبحّراً ماهراً محقّقاً مدقّقاً زاهداً عابداً ورعاً فقيهاً محدّثاً كاملاً جامعاً للفنون والعلوم ، جليل القدر عظيم المنزلة ، قرأ على أبيه وعلى مولانا أحمد الأردبيلي وتلامذة جدّه لأمّه الشهيد الثاني وكان شريك خاله الشيخ حسن في الدرس ، له كتاب مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام خرّج منه العبادات ، وحاشية الاستبصار وحاشية التهذيب ... إلى أن قال : ورأيت بخطّ ولده السيّد حسين على ظهر كتاب المدارك : توفّي والدي المحقّق مؤلّف هذا الكتاب في شهر ربيع الأوّل ليلة العاشر منه سنة تسعة بعد الألف في قرية جبع. وفي الأعيان أنّه ولد سنة ٩٤٦.

(١) خطط جبل عامل : ٢٥٩.

٢٥٣

وقد نقل نسب هذه الأسرة في أعيانه عن بعض أفاضل الأسرة كما يلي : الجدّ الذي تجتمع عليه فروع هذه العائلة هو الحسين بن عبد السلام ابن عبد المطلب بن علي بن عبد الرسول بن جعفر بن عبد ربّه بن عبدالله بن مرتضى بن صدر الدين بن نور الدين بن صادق بن حجازي بن عبد الواحد ابن الميرزا شمس الدين ابن الميرزا حبيب الله بن علي بن معصوم بن موسى ابن جعفر بن حسن بن فخر الدين بن عبد السلام بن حسين بن نور الدين ابن محمّد بن علي بن يوسف بن المرتضى بن حجازي بن محمّد بن باكير ابن الحرّ بن يزيد بن يربوع الرياحي.

ثمّ يقول السيّد الأمين : وآل الحرّ بيت علم قديم نبغ فيه جماعات ولا يزال العلم في هذا البيت إلى اليوم ، يمتازون بالكرم والسخاء وبشاشة الوجه وحسن الأخلاق(١).

وقال في ترجمة الشيخ عبد السلام الحرّ بن الشيخ سعيد العاملي الجبعي : وآل الحرّ كما قيل :

من تلق منهم تقل لاقيت سيّدهم

مثل النجوم التي يهدي بها الساري(٢).

وأمّا قريته مشغرا أو مشغرى فقد قال عنها السيّد الأمين في خططه : .. وفيها مقبرة لآل الحرّ وفيها مطحنة تنسب لآل الحرّ إلى اليوم ... ثمّ

__________________

(١) أمل الآمل : مقدّمة المحقّق السيّد أحمد الأشكوري : ص ٩ ، نقلاً عن السيّد الأمين في أعيانه.

(٢) أعيان الشيعة : ٨ / ١٦.

٢٥٤

سرد علماء آل الحرّ إلى أن قال : والشيخ عبد السلام بن محمّد الحرّ المشغري جدّ صاحب الوسائل لأمّه(١).

الرسالة :

قال عنها صاحب الذريعة(٢) : إرشاد المنصف البصير إلى طريق الجمع بين أخبار التقصير : ذكر فيه تحديد المسافة التي تقصر فيها الصلاة؛ للشيخ عبد السلام بن محمّد الحرّ العاملي المتوفّى بعد سنة ١٠٤٣ كما يظهر من كلام ابن أخيه المحدّث الحرّ صاحب الوسائل الذي ولد سنة ١٠٣٣ فإنّه ترجمه في الأمل وقال (قرأت عليه وعمري نحو عشر سنين) وهي رسالة متوسّطة تقرب من خمسماية بيت أوّلها (الحمد لله الذي شرع القصر في محكم آيات الكتاب المجيد ، وجعل له مسافة مقدّرة لا تنقص ولا تزيد) ..

أقول : قد اشتبه المحقّق الطهراني في قوله ابن أخيه ، وذلك لتصريح غير واحد بل منهم الحرّ العاملي نفسه بأنّه جدُّه لأمّه.

كاتب الرسالة : هو الشيخ عبد الله بن الشيخ حمزة بن الشيخ محمود الحلّي الطريحي؛ من أعلام الحلّة وقد ورث عن أبيه تولية المشهد المقدّس المعروف في الحلّة (مشهد ردّ الشمس).

__________________

(١) خطط جبل عامل : ٣٥٧ ـ ٣٥٨.

(٢) الذريعة إلى تصانيف علماء الشيعة : ١ / ٥٢٢.

٢٥٥

وفي ماضي النجف وحاضرها : الشيخ عبد الله بن الشيخ حمزة بن الشيخ محمود الطريحي ، تولّى بناية مشهد الشمس سنة ١٠٧٦ هـ في الحلّة على عهد الدولة الصفوية وقبله والده الشيخ حمزة بن محمود(١).

وأمّا موضوع الرسالة : فهو محاولة جادّة من المؤلّف في التوفيق بين الأحاديث التي تتعرّض إلى مناط التقصير في السفر ، وذلك بسبب ورود روايات مختلفة في ذلك ، ولتوضيح الأمر أكثر أبيّن للقاري أصل المسألة ليتّضح له كيف وصل الأمر في البحث حولها والذي أوجب من المؤلّف التعرّض له :

حكمة التشريع : من فضل الله على عباده أن أنعم عليهم بنعم كثيرة لا تعدّ ولا تحصى وبمقتضى ذلك أرشد العباد إلى طرق شكره على تلك النعم ، ومن تلك الطرق التوجّه له بالعبادة فقال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُوْن)(٢) ، فأمر بعبادته في صور شتّى ومن أظهرها وأهمّها الصلاة فقال في كتابه المجيد في آيات عدّة (إنّ الصّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَ كِتَاباً مَوْقُوْتاً)(٣) وقال كذلك (إِذَا قُمْتُم إلى الصلاة)(٤) وقال (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصّلاة)(٥) وغيرها من الآيات

__________________

(١) نقلاً عن مجلّة الموسم : العدد ١٣٠ في ترجمة أسرة آل الطريحي.

(٢) الذاريات : ٥٦.

(٣) النساء : ١٠٣.

(٤) النساء : ٦.

(٥) النساء : ١٠١.

٢٥٦

المرتبطة بالصلاة.

وأمّا الأحكام الجزئية والتفصيلية للصلاة فلم يتعرّض لها القرآن وإنّما بيّنت من قبل السنّة فقد وردت روايات كثيرة في مختلف أحكام الصلاة وقد جمعها أعلام الطائفة في مؤلّفاتهم ووصل إلينا الكثير منها ، وموضوع الرسالة التي بين أيدينا هو أحد تلك الجزئيّات التي نالت قسطاً من الروايات جوانبها المختلفة ، فموضوعها الملاك الذي على أساسه تجب الصلاة قصراً ، وقبل عرض مضمون ذلك أذكر بعض المقدّمات :

الأولى : هناك خلاف بين الأعلام في أن الصلاة القصرية هل هي في طول الصلاة التامّة أم أنّها في عرضها؟ بمعنى أن قوله تعالى : (إنّ الصّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَ كِتَاباً مَوْقُوْتاً)(١) هي في مقام تشريع الصلاة الشاملة لكلٍّ من الصلاة القصرية والتامّة أم لا؟ وعليه فقوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصّلاة)(٢) هو في مقام بيان الفرد العدل للصلاة التامّة وليس في مقام بيان العنوان الطارئ على الصلاة التامّة والعنوان الموجب لاستثناء هذا الفرد من كلّي وطبيعي الصلاة المأمور بها؟ بحيث تكون الصلاة القصرية هي حالة استثنائية للمكلّف في حال حدوث أحد أسباب تذكر في محلّها من الفقه توجب تلك الأسباب انقلاب فرض المكلّف من الصلاة تماماً إلى القصر من صلاته ، ومع ارتفاع السبب ترجع الوظيفة إلى ما كانت عليه

__________________

(١) النساء : ١٠٣.

(٢) النساء : ١٠١.

٢٥٧

تماماً؟ اختار الثاني أغلب المتأخّرين والمعاصرين من فقهاء الطائفة. ويترتّب على ذلك أنّه في مورد الشكّ في الوظيفة وعدم وجود دليل اجتهادي خاصّ فالمرجع أصالة التمام ، وهذا الأصل لا معنى ولا وجه لجريانه على الرأي الأوّل ، بل كلاهما في عرض واحد ويترتّب على حالة الشكّ وعدم وجود دليل اجتهادي خاصّ الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام.

ولعلّ منشأ ذلك أيضاً أنّ الصلاة القصرية هل هي صلاة رباعية بشرط لا عن الركعتين الزائدتين ، أم أنّها صلاة مغايرة في طبيعتها للصلاة الرباعية وفي عرض تلك؟ ذهب البعض إلى أنّهما طبيعة واحدة واختار آخرون أنّهما متغايرتان فهو أشبه بالخلاف في أنواع الحجّ الثلاثة.

وكلا القولين لهما قائل من الأعلام ، وتترتّب ثمرات على كلا القولين. خصوصاً في مورد الشكّ في الوظيفة مع الغفلة أو الجهل بالوظيفة السابقة ، وفي صورة الوقوف على حدّ الترخّص ، أو مع الشكّ في تجاوزه ، فإنّه على القول بالأصالة للفريضة التامّة فإنّها تكون الأصل في حال الشكّ وعلى القول بالعرضية بينهما فكلٌّ منهما محتمل المرجعية حين الشكّ.

الثانية : حينما تكون المسألة شرعية أو متعلّقة لحكم شرعي فلابدَّ من ملاحظة نظر الشارع ما هو ، إلاّ أنّ هذا الموضوع الذي تعلّق به الحكم الشرعي تارة يكون موضوعاً عرفيّاً فالمرجع فيه هو العرف كما في عناوين المسافات كالمنزل والفرسخ وتارة يكون الموضوع عقليّاً فالمرجع فيه هو

٢٥٨

العقل وثالثة يكون الموضوع شرعيّاً محضاً كما لو كان من مخترعات الشارع.

فأمّا في الموضوع العقلي فلا يتدخّل الشارع فيه نفياً أو إثباتاً وإن صحّ أن يتدخّل في مقدّمات حكمه. وأمّا لو كان الموضوع عرفيّاً وهو المهمّ في المقام فإنّ للشارع أن يتدخّل في موضوعه تضييقاً أو توسعة كما أشار لهذا المحقّق النائيني وغيره ، والمقصود بدائرة تصرّفه ما هو في مرحلة التطبيق لا مرحلة التشخيص ، فإنّ للموضوع العرفي مرحلتان :

الأولى : مرحلة تشخيص المفهوم؛ وهذه المرحلة لا يتدخّل فيها الشارع بل يلقى الأمر للعرف وهم يشخّصون المفهوم وبعدها يقدّمه العرف للشارع كما يراه.

الثانية : مرحلة تطبيق المفهوم؛ وهذه المرحلة هي من اختصاص العقل وقد تكون للشرع في بعض الحالات القليلة.

والفرق بينهما أنّه في المرحلة الأولى قد تكون فيه المسامحة باعتبار أنّ مبنى العرف على المسامحة ، بينما نرى أنّ المرحلة الثانية تبنتي على الدقّة ، وليست إلاّ من قبل العقل. ولذا نرى بعض المعاصرين كالسيّد اليزدي في العروة يقول بأنّه لو نقصت المسافة عن ثمانية فراسخ ولو قليلاً لا يجوز القصر ويعلّل ذلك بأنّ المسألة مبنيّة على التحقيق لا المسامحة العرفية ، ومراده ما ذكرناه أنه في مرحلة تطبيق المفهوم وليس في مرحلة تشخيصه كي تنفع المسامحة العرفية.

وبسبب الخلط بين ما يكون مرجعه العرف وما لا يكون يحصل الكثير

٢٥٩

من الاشتباهات وسوء الفهم في المفاهيم ، وقد عبّر الشيخ الآخوند الخراساني عنه باشتباه المفهوم بالمصداق فيعطى أحكام أحدهما للآخر.

وأمّا في الموضوع الشرعي المحض فهو من مختصّات الشارع وذلك لأنّ متعلّق الحكم الشرعي موضوع شرعي أيضاً ويفترض فيه أنّه من مخترعاته كما قيل في موضوع الخمس وأنّه من مخترعات الشارع.

الثالثة : قد ذكرنا أنّ الصلاة موضوع شرعي محض ، وهذا يعني أمرين : عدم إمكان تدخّل أحد غير الشارع الأقدس بالتصرّف في حقيقته وصورته ، كما يعني أنّه تعبّدي توقيفي محض لا يمكن الزيادة عليه أو الإنقاص.

فإن علم متعلق هذا الموضوع من الحكم الشرعي المختصّ به فبها ونعمت ، وإلاّ احتاج الأمر ملاحظة الأصل الجاري في المقام ، والأصل يتمّ بيانه في صورتين؛ فتارة الشبهة تكون حكمية وتارة أخرى تكون موضوعية ، فأمّا في حال كون الشبهة حكمية فهي ليست إلاّ بلحاظ وجوب أصل الصلاة أو وجوب الصلاة المتقيّدة بالوصف الكذائي كالصلاة المتقيّدة بكونها قصراً أي بشرط لا عن الزيادة على الركعتين ، وفي المقام إن كانت هناك حالة سابقة للمكلّف رتّب الأثر عليها ، فلو شكّ في وظيفته القصر أم التمام لاشتباه في ذات الحكم فهنا يلحظ حالته السابقة كما لو كان قد خرج من بلده قاصداً السفر ثمّ شكّ في بلوغه حدّ الترخّص وعدمه فهنا الحالة السابقة هي التمام ولزمه إجراء استصحاب وجوب الصلاة تماماً ، وكذا لو كان راجعاً بلده وشكّ

٢٦٠