نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٦

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي

نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-309-765-X

الصفحات: ٦٤٦

به ﴿نَكالَ الْآخِرَةِ﴾ وعاقبة بالعقوبة الشديدة ، وهي إحراقه في القيامة بالنار ﴿وَ﴾ نكال ﴿الْأُولى﴾ والعقوبة الدنيوية ، وهي غرقه في الماء.

وقيل : إنّ المراد من الاولى قوله ﴿ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي(١) ومن الآخرة قوله : ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى(٢) .

عن الباقر عليه‌السلام : « أنّه كان بين الكلمتين أربعون سنة » (٣) .

وعنه عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال جبرئيل : قلت : يا رب تدع فرعون وقد قال : ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى﴾ « فقال : إنّما يقول هذا مثلك من يخاف الفوت » (٤) .

وقيل : إنّ الاولى تكذيبه موسى (٥) .

﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ الذّكر من طغيان فرعون وتعذيبه في الدنيا بغرقه في الماء وبإحراقه بالنار في الآخرة والله ﴿لَعِبْرَةً﴾ عظيمة وموعظة شافية ﴿لِمَنْ يَخْشى﴾ ربّه ويخاف عذابه.

﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها * رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها * وَأَغْطَشَ لَيْلَها

 وَأَخْرَجَ ضُحاها * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها * أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها *

 وَالْجِبالَ أَرْساها * مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٢٧) و (٣٣)

ثمّ لمّا حكى سبحانه النكار المشركين للبعث وسهولته عليه تعالى ، بيّن كمال قدرته على خلق أعظم من إعادتهم وخلقهم ثاني مرّة بقوله : ﴿أَأَنْتُمْ﴾ أيّها المنكرون للبعث ﴿أَشَدُّ﴾ وأصعب ﴿خَلْقاً﴾ في زعمكم ﴿أَمِ السَّماءُ﴾ التي ﴿بَناها﴾ الله مع كمال عظمتها وقوّة تأليفها وانطوائها في البدائع التي تحار في أدناها العقول ؟ ! وقيل : إنّ التقدير أم السماء أشدّ ؟ (٦)

ثمّ ابتدأ الكلام في بيان كيفية خلقها بقوله : ﴿بَناها﴾ والمراد غاية استحكامها كاستحكام أسافل القصور والبيوت ﴿رَفَعَ سَمْكَها﴾ وعلوّها على الأرض كثيرا مسير خمسمائة عام. وقيل : إنّ المراد بالسّمك ارتفاع السطح الأعلى بين السطح الأسفل الذي يعبّر عنه بالثّخن والغلظ (٧) .

﴿فَسَوَّاها﴾ وعدلها وأقامها على وفق الحكمة والصواب ، أو سوّى تأليفها أو نفي الشّقوق عنها ﴿وَأَغْطَشَ﴾ وأظلم ﴿لَيْلَها﴾ والقطعة من الزمان التي تغيب الشمس فيها ضوء الشمس بحركتها

__________________

(١) القصص : ٢٨ / ٣٨.

(٢) مجمع البيان ١٠ : ٦٥٦ ، تفسير الرازي ٣١ : ٤٣.

(٣) الخصال : ٥٣٩ / ١١ ، مجمع البيان ١٠ : ٦٥٦ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨١.

(٤) مجمع البيان ١٠ : ٦٥٦ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨١.

(٥) تفسير الرازي ٣١ : ٤٣.

(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٢٤.

(٧) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٢٤.

٤٢١

ودورانها ﴿وَأَخْرَجَ﴾ وأبرز ﴿ضُحاها﴾ والقطعة من الزمان التي يظهر فيها ضوء الشمس بحركتها.

قيل : إنّما عبّر سبحانه عن النهار بالضّحى الذي هو وقت ارتفاع الشمس ، لكونه أشرف أوقاته (١) ، فكان أحقّ بالذكر في مقام الامتنان ، كما أنّ تأخير ذكره عن الليل لأنّ إضاءة النور بعد الظّلمة أتمّ في الانعام.

﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ﴾ الخلق العظيم ﴿دَحاها﴾ وبسطها ومهدها لسكنى أهلها وتقلّبهم في أقطارها. قيل : إنّ الله تعالى خلق الأرض أولا قبل السماء غير قابلة للسكنى ، ثمّ خلق السماء ، ثمّ بسط الأرض بعد خلق السماء ، كما عن ابن عباس (٢) .

وقيل : إنّ كلمة ﴿بَعْدَ﴾ هنا بمعنى ( مع ) والمعنى : أنّ الأرض مع ذلك دحاها ، كما في قوله : ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ(٣) روى لك أيضا عن ابن عباس (٤) .

وقيل : إنّ المراد من دحوها بسطها بحيث تكون مهيأة لنبات الأقوات (٥) ، ولذا قال سبحانه بعد بيان نعمة دحو الأرض : ﴿أَخْرَجَ مِنْها ماءَها﴾ وفجّر عيونها ﴿وَ﴾ أخرج ﴿مَرْعاها﴾ وأنبت منها ما يأكل الناس والأنعام من نباتاتها ﴿وَالْجِبالَ﴾ على الأرض ﴿أَرْساها﴾ وأثبتها ، وانّما خلق الله سبحانه جميع ذلك ليكون ﴿مَتاعاً﴾ وما به الانتفاع ﴿لَكُمْ﴾ أيّها الناس ﴿وَلِأَنْعامِكُمْ﴾ ومواشيكم.

﴿فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ

 لِمَنْ يَرى * فَأَمَّا مَنْ طَغى * وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى

 * وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ

 الْمَأْوى (٣٤) و (٤١)

ثمّ لمّا بيّن سبحانه كمال قدرته على إحياء الأموات وأعظم منه وبعثهم للحساب ، أخبر عن وقوعه وشدّة أهواله بقوله : ﴿فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى﴾ والداهية العظمى التي تصغر عندها كلّ داهية سواها ، وبلغ وقت ظهورها ، أعنى ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ﴾ المكلّف في ذلك اليوم العظيم الهائل ﴿ما سَعى﴾ وما عمله في الدنيا من خير أو شرّ برؤيته بصورته الاخروية ، أو في صحيفة أعماله ، وقد نسبه للغفلة ، أو لطول المدّة ، أو للوحشة والدّهشة.

__________________

(١) تفسير أبي السعود ٩ : ١٠١ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٢٤.

(٢) تفسير الرازي ٣١ : ٤٨ ، ولم ينسب إلى أحد.

(٣) القلم : ٦٨ / ١٣.

(٤و٥) تفسير الرازي ٣١ : ٤٨.

٤٢٢

قيل : إنّ الداهية الكبرى هي وقت تطاير الكتب يوم القيامة وقرأتهم أعمالهم فيها (١) .

وعن ( الإكمال ) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إنّ الطامة الكبرى خروج دابة الأرض » (٢) .

﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ﴾ وأظهرت جهنّم إظهارا مكشوفا ﴿لِمَنْ يَرى﴾ ويبصر من أهل المحشر كائنا من كان روي أنّه يكشف عن الجحيم [ فتتلظى ] فيراها كلّ ذي بصر مؤمن وكافر (٣) .

﴿فَأَمَّا مَنْ طَغى﴾ على الله وتجاوز عن الحدّ بالعصيان بالكفر والشرك. وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام: « ﴿ مَنْ طَغى﴾ أي ظلّ على عمد (٤) بلا حجة » . (٥) ﴿وَآثَرَ﴾ ورجّح في نظره لنفسه ﴿الْحَياةَ الدُّنْيا﴾ ولذّاتها وجمع زخارفها ، وقدّمها على الآخرة ونعمها ﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى﴾ والمقرّ له في الآخرة أبدا لا نجاة له منها.

قيل : نزلت في النضر بن الحارث وأبيه الغالبين في الكفر والطّغيان (٦) .

﴿وَأَمَّا مَنْ﴾ آمن و﴿خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ وحين قيامه بالحكومة بين الناس وحضور نفسه في محضر عدل خالقه للحساب ، أو مقامه بين يدي ربّه وخالقه ﴿وَ﴾ لذا ﴿نَهَى النَّفْسَ﴾ ومنعها ﴿عَنِ﴾ اتّباع ﴿الْهَوى﴾ والعمل بما ترغب فيه من الشهوات واللذّات الدنيوية المانعة عن اتّباع الحقّ والعمل بما فيه رضا خالقه ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ﴾ العالية وقصورها ﴿هِيَ الْمَأْوى﴾ والمقرّ له في الآخرة أبدا لا غيرها.

﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها * إِلى رَبِّكَ

 مُنْتَهاها * إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً

 أَوْ ضُحاها (٤٢) و (٤٦)

ثمّ لمّا ذكر سبحانه وقع القيامة بعد إثبات إمكانه ، حكى استهزاء المستهزئين من المشركين بالسؤال عن وقت وقوعه أنّه قريب أو بعيد بقوله : ﴿يَسْئَلُونَكَ﴾ يا محمد ، اولئك الكفّار استهزاء ﴿عَنِ﴾ وقت ﴿السَّاعَةِ﴾ والقيامة ويقولون : ﴿أَيَّانَ مُرْساها﴾ وفي أيّ وقت إتيانها وقيامها ؟ أخبرنا به إن كنت من الصادقين.

ثمّ ردّهم الله سبحانه وأنكر عليهم سؤالهم عنها بقوله : ﴿فِيمَ أَنْتَ﴾ يا محمد ﴿مِنْ ذِكْراها﴾ وفي أي شيء تكون من أن تبيّن لهم وقتها ، وتعليمهم به مع اختصاص العلم بها بعلّام الغيوب ، وعدم اطّلاع غيره تعالى عليها كائنا من كان من ملك أو نبيّ مرسل ؟ ﴿إِلى رَبِّكَ﴾ العالم بكلّ شيء

__________________

(١) تفسير الرازي ٣١ : ٥٠.

(٢) اكمال الدين : ٥٢٧ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨٢.

(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٢٦.

(٤) في النسخة : عمل.

(٥) الكافي ٢ : ٢٨٩ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨٢.

(٦) تفسير أبي السعود ٩ : ١٠٤.

٤٢٣

﴿مُنْتَهاها﴾ وإليه راجع علمها ، فانّ حكمته اقتضت إخفاءها ، فكيف يسألونك عنها ؟

﴿إِنَّما أَنْتَ﴾ يا محمد ﴿مُنْذِرُ﴾ من قبل الله بالإخبار بوقوعها ﴿مَنْ يَخْشاها﴾ وليست وظيفتك إلّا تخويف الناس بإتيانها وإقترابها (١) وبيان أهوالها وشدائدها ، ولا يجب عليك تعيين وقت وقوعها بجميع الخصوصيات ، وأمّا تعيينها إجمالا فهو وقت انقضاء عمر الدنيا ، وهو في غاية السرعة ، وإن كان بعد مائة ألف سنة وأزيد ﴿كَأَنَّهُمْ﴾ ويشبه أنّ المنكرين ﴿يَوْمَ﴾ تقع القيامة وحين ﴿يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا﴾ ولم يمكثوا في الدنيا ولو عمّروا فيها ألف سنة ﴿إِلَّا عَشِيَّةً﴾ وساعة من آخر يوم ﴿أَوْ ضُحاها﴾ وساعة من أول يوم تلك العشية ، ولم يتخيّلوا أنّ مكثهم فيها يوما كاملا لسرعة انقضاء عمرهم فيها ، كما قال الله تعالى : ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ(٢) .

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قرأ سورة ﴿وَالنَّازِعاتِ﴾ كان ممّن حبسه الله في القبر (٣) والقيامة حتى يدخله الجنة قدر صلاة مكتوبة » (٤) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « من قرأ ﴿وَالنَّازِعاتِ﴾ لم يمت إلّا ريّانا ، ولم يبعثه الله إلّا ريّانا ، ولم يدخله إلّا ريّانا » (٥) .

الحمد لله على توفيقه لاتمام تفسيرها.

__________________

(١) في النسخة : وإقرابها.

(٢) يونس : ١٠ / ٤٥.

(٣) ( القبر و) ليست في تفسير البيضاوي.

(٤) تفسير البيضاوي ٢ : ٥٦٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٠.

(٥) ثواب الاعمال : ١٢١ ، مجمع البيان ١٠ : ٦٤٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨٣.

٤٢٤

في تفسير سورة عبس

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى * وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ

 الذِّكْرى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى

 * وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى * وَهُوَ يَخْشى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١) و (١٠)

ثمّ لمّا ختمت سورة ( والنازعات ) المتضمّنة لبيان تكذيب المشركين للمعاد ، والاستدلال على إمكانه والإخبار بوقوعه ، وتهديدهم بأنّه يوم الطامة الكبرى ، وبيان حال المكذّبين بالمعاد والمؤمنين به ، نظمت سورة ( عبس ) المتضمّنة لتلك المطالب ، وتهديد المكذّبين بالصاخّة المتقارب للطامة ، فافتتحها بذكر أسمائه بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.

ثمّ شرع سبحانه في تأديب المسلمين بتوجيه العتاب إلى عثمان بن عفّان بقوله : ﴿عَبَسَ﴾ عثمان وقبض وجهه وجمع الجلدة التي بين عينيه غضبا ﴿وَتَوَلَّى﴾ وأعرض لأجل ﴿أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى﴾ قال القمي رحمه‌الله : إنّها نزلت في عثمان وابن امّ مكتوم ، وكان ابن امّ مكتوم مؤذّنا لرسول الله ، وكان أعمى ، وجاء إلى رسول الله وعنده أصحابه ، وعثمان عنده ، فقدّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على عثمان ، فعبّس عثمان وجهه وتولّى عنه ، يعني عثمان أن جاءه الأعمى (١) .

وعن الصادق عليه‌السلام نزلت في رجل من بني امية كان عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء ابن ام مكتوم فلما رآه تفذّر منه وجمع نفسه وعبس واعرض بوجهه عنه فحلى الله ذلك وانكره عليه (٢) .

وروى بعض العامة أن ابن امّ مكتوم ، وكان اسمه عبد الله بن شريح بن مالك من بني عامر بن لؤي (٣) .

وقيل : اسمه [ عمرو بن ] قيس بن زائدة من بني عامر بن هلال ، ابن خال خديجة ، وكان ( امّ مكتوم ) كنية جدّته (٤) . وقيل : كنية امّه (٥) ، روي إنه أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بمكة وعنده صناديد قريش منهم عتبة

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ٤٠٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨٤.

(٢) مجمع البيان ١٠ : ٦٦٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨٤.

(٣) الكشاف ٤ : ٠ ؟ ؟ ٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٠.

(٤و٥) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٠.

٤٢٥

وشيبة بن ربيعة وابو جهل والعباس بن عبد المطلب وامه خلف والوليد بن مغيرة يدعوهم إلى الاسلام رجاء أن يسلم باسلامهم غيرهم فقال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اقرئني وعلّمني ممّا علّمك الله ، وكرّر ذلك ، فكره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قطعه الكلام وعبس وأعرض عنه ، فنزلت هذه الآيات (١) .

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكرمه ويقول : إذا مدحه : مرحبا بمن عاتبني فيه ربّي ، رواه الزمخشري ، والفخر الرازي ، وأبو السعود ، وإسماعيل الحقّي (٢) ، وقال الفخر : أجمع المفسّرون على أنّ الذي عبس وتولّى هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأجمعوا على أنّ الأعمى ابن امّ مكتوم (٣) .

وقال بعض علماء أصحابنا ، ما اشتهر من تنزيل هذه الآيات في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دون عثمان يأباه سياق مثل هذه المعاتبات للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الغير اللائقة بمنصبه ، وكذا ما ذكر بعدها إلى آخر السورة (٤) .

ووجّه بعض العامة فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن امّ مكتوم كان سؤاله حراما في الواقع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لكونه إيذاء ومانعا له عمّا هو الأهمّ من دعوة جمع من صناديد قريش إلى الإسلام ، وكان الواجب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الإعراض عنه والاشتغال بالأهمّ مع أنّه كان مأذونا في تأديب المسلمين ، ولذا كان ابن امّ مكتوم مستحقّا للعتاب ، ولكن لمّا كان فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله موهما لتقديمه الأغنياء على الفقراء ، أو لأنّه كان ميل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى إسلامهم لقرابتهم وشرفهم وعلوّ منزلتهم ، والنفرة على الأعمى الذي لا قرابة له ولا شرف (٥) ، والعبوس والتولّي كانا لتلك الداعية ، عاتبه الله عليه ، لأنّه ترك للأولى ، والتعبير عن ابن امّ مكتوم بالأعمى الدالّ على تحقيره ، وإن نافى تعظيمه بتوجيه العتاب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بسبب إعراضه عنه وتعيين وجهه ، إلّا أنّ في التعبير إشعارا باستحقاق الأعمى مزيد الرفق والرأفة ، أو لعذره في قطع كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو لزيادة الإنكار كأنّه قال تعالى : تولّى لكونه أعمى ، مع أنّه لا يليق هذا بمن له خلق كريم.

أقول : بعد الاعتراف بأنّه كان الواجب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الأعراض والتولّي عنه ، والاشتغال بما هو الأهمّ ، وكون تأديب المسلمين وظيفته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكون ميل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى إسلامهم لقرابتهم وشرفهم ، مع كونه مأمورا بإنذار خصوص أقربائه بقوله : ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ(٦) وكون إسلامهم سببا لاسلام عامة قريش ، بل أكثر العرب ، أي مجال للعتاب وتوهين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم القيامة بأداء الواجب عليه ، وكون داعية إسلامهم موجبا لغاية تعظيمه ، لا توهينه وتعظيم الأعمى ، وأمّا دعوى أنّه

__________________

(١) الكشاف ٤ : ٧٠٠ ، تفسير الرازي ٣١ : ٥٤ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٠٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٠.

(٢) الكشاف ٤ : ٧٠١ ، تفسير الرازي ٣١ : ٥٤ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٠٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣١.

(٣) تفسير الرازي ٣١ : ٥٥.

(٤) تفسير الصافي ٥ : ٢٨٥.

(٥) تفسير الرازي ٣١ : ٥٥ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٢.

(٦) الشعراء : ٢٦ / ٢١٤.

٤٢٦

كان في قلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله النفرة عن الأعمى لعدم القرابة بينه وبينه وعدم شرفه ففرية (١) عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع قولهم في توجيه التعبير بالأعمى بأنّه لزيادة الإنكار على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكأنّه تعالى قال : تولّى لكونه أعمى ، فرية (٢) على الله ، لأنّه علم أنّه ما تولّى لكونه أعمى ، بل تولّى عنه للاشتغال بدعوة الأعاظم الذين إسلامهم في نهاية الأهمية.

ثمّ شدّد سبحانه العتاب على العابس المتولّي بتوجيه الخطاب إليه بقوله : ﴿وَما يُدْرِيكَ﴾ وأي شيء أعلمك بحال الأعمى ؟ ﴿لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ ويتطهّر بما يتعلّم ويتلقّن من الشكّ والأخلاق الرذيلة ﴿أَوْ يَذَّكَّرُ﴾ ويتّعظ ﴿فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى﴾ والموعظة بزيادة رغبته في العبادة والطاعة.

ثمّ بالغ سبحانه في اللّوم بقوله : ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى﴾ وكان ذامال وثروة ﴿فَأَنْتَ﴾ يا عثمان ﴿لَهُ تَصَدَّى﴾ وإليه تعرض ، وعليه تقبل بوجهك ، وتقرّبه إليك ﴿وَما عَلَيْكَ﴾ ولا تبالي ﴿أَلَّا يَزَّكَّى﴾ إذا كان الجائي غنيا ﴿وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ﴾ حال كونه ﴿يَسْعى﴾ إلى الخير وتعلّم أحكام الاسلام ﴿وَهُوَ يَخْشى﴾ الله ويخاف عقابه ﴿فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾ وتعرض ، ولا تقبل إليه ، ولا تعتني به ﴿كَلَّا﴾ لا تتعرّض عن المسلم المسترشد.

وأمّا على ما ذكر أهل السنّة من شأن نزولها ، فالمعنى ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى﴾ وأظهر عدم الحاجة إلى الايمان ، أو إلى الله ﴿فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى﴾ وعليه تقبل بوجهك ، وتقرّبه إليك ، ﴿وَما عَلَيْكَ﴾ يا محمد وزر ووبال في ﴿أَلَّا يَزَّكَّى﴾ ولا يتطهّر ذلك المستغني بالاسلام حتى تهتمّ بأمره ودعوته ، وتعرض عمّن أسلم فانّه ليس عليك إلّا البلاغ ﴿وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى * وَهُوَ يَخْشى﴾ الله ﴿فَأَنْتَ﴾ يا محمد ﴿عَنْهُ تَلَهَّى﴾ وتعرض ولا تقبل عليه ﴿كَلَّا﴾ لا تتعرّض للمستغني ، ولا تعرض عن المسلم.

قال بعض مفسّري العامة : لمّا تلا جبرئيل هذه الآيات على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عاد وجهه كأنّما ذرّ عليه الرماد ، وينتظر ما يحكم الله عليه ، فلمّا قال : ﴿كَلَّا﴾ سرّي عنه (٣) .

أقول : حبّهم لعثمان بعثهم على صرف الآيات عنه وتوجيهها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع أنّ المسلم لا يرضى به ، مع القطع بأنّه حبيب الله ، ولا يرضى الله بإيلام قلب حبيبه وتوهينه في امّته لإعراضه الواجب عليه عن الأعمى.

﴿كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ *

 بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرامٍ بَرَرَةٍ (١١) و (١٦)

__________________

(١) في النسخة : فرية.

(٢) في النسخة : قريا.

(٣) تفسير الرازي ٣١ : ٥٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٣.

٤٢٧

ثمّ إنّه تعالى بعد هذه الموعظة النافعة مدح القرآن العظيم المشتمل عليها بقوله : ﴿إِنَّها تَذْكِرَةٌ﴾ وعظة لأهل العالم إلى يوم القيامة ﴿فَمَنْ شاءَ﴾ التذكّر والاتّعاظ بالقرآن ﴿ذَكَرَهُ﴾ واتّعظ به أو حفظه ولا ينساه ، فانّه مكتوب آياته ﴿فِي صُحُفٍ﴾ ودفاتر منتسخة من اللوح المحفوظ ﴿مُكَرَّمَةٍ﴾ تلك الصّحف عند الله ، لكونها صحف القرآن الكريم ﴿مَرْفُوعَةٍ﴾ في السماوات ، موضوعة في البيت المعمور الذي يكون في السماء الرابعة ، أو في بيت العزّة الذي يكون في السماء الدنيا ، أو مرفوعة القدر والمنزلة ﴿مُطَهَّرَةٍ﴾ ومنزّهة من مساس أيدي الشياطين ، منتسخة في السماء ، أو منزلة إلى الأرض ﴿بِأَيْدِي﴾ ملائكة ﴿سَفَرَةٍ﴾ الذين يسافرون بالوحي بين الله وبين رسله ، أو الكتبة كما عن بن عباس(١) ﴿كِرامٍ﴾ اولئك الملائكة على ربّهم ، أو متكرّمين من أن يكونوا مع ابن آدم عند الجماع وقضاء الحاجة ﴿بَرَرَةٍ﴾ ومطيعين لله.

قيل : إنّ المراد من الصّحف صحف الأنبياء (٢) ، والمراد من السّفرة الكرام أصحاب الرسول (٣) ، أو القرّاء (٤) ، وليس بشيء.

﴿قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ

 السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ * كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما

 أَمَرَهُ (١٧) و (٢٣)

ثمّ لمّا كان الكفّار تكبّروا عن الايمان بهذا القرآن الذي يكون في نهاية العظمة ، واستنكفوا عن تصديقه وقبوله ، ذمّهم سبحانه ، وأظهر الغضب عليهم بقوله : ﴿قُتِلَ الْإِنْسانُ﴾ وهو دعاء عليه بما يكون عند العرب أشنع الدعوات ﴿ما أَكْفَرَهُ﴾ وأشد كفره بربّه مع كثرة إحسانه إليه وإنعامه عليه ، أما يتفكّر في أنّه ﴿مِنْ أَيِّ شَيْءٍ﴾ حقير مهين ﴿خَلَقَهُ﴾ الله وكوّنه. قيل : نزلت في عتبة بن أبي لهب (٥).

ثمّ بيّن سبحانه ذلك الشيء القذر الذي كان مبدأ خلقه بقوله : ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾ قذرة ﴿خَلَقَهُ﴾ الله وأوجده ﴿فَقَدَّرَهُ﴾ وسوّاه إنسانا كامل الأعضاء والجوارح والقوى. وقيل : يعني قدّر كلّ عضو منه كميه وكيفية بالقدر اللائق بمصلحته (٦) . وقيل : يعني قدّره أطوارا نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة إلى آخر خلقه ، ذكرا أو انثى ، سعيدا أو شقيا (٧) ، فمن كان أصله ومبدأ خلقه ذلك الشيء الحقير المهين ، كيف يرى لنفسه العظمة ويتكبّر ويتبختر ؟

__________________

(١-٤) تفسير الرازي ٣١ : ٥٨.

(٥) تفسير الرازي ٣١ : ٥٩.

(٦) تفسير الرازي ٣١ : ٦٠.

(٧) تفسير الرازي ٣١ : ٦٠ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٥.

٤٢٨

﴿ثُمَ﴾ بعد إتمام خلقه في الرّحم ﴿السَّبِيلَ﴾ إلى الخروج منه ﴿يَسَّرَهُ﴾ وسهّله بأن فتح له باب الرّحم ونكّسه وقلبه بأن صيّر رجله من فوق ورأسه من تحت ، أو المراد أنّه تعالى بعد كبره سهّل له سبيل الخير والشرّ في الدين والسعادة والشقاوة ، ومكّنه من السلوك فيهما ﴿ثُمَ﴾ إنّه تعالى بعد انقضاء أجله ومدّة حياته ﴿أَماتَهُ﴾ بقدرته ﴿فَأَقْبَرَهُ﴾ ودفنه في الأرض تكرمة له وحفظا له من أن يبقى على الأرض فتأكله السّباع والطيور ﴿ثُمَّ إِذا شاءَ﴾ ربّه انشاره ﴿أَنْشَرَهُ﴾ وبعثه للحساب وجزاء الأعمال.

﴿كَلَّا﴾ ليس للإنسان التكبّر والترفّع والكفر والطغيان وإنكار البعث ﴿لَمَّا يَقْضِ﴾ الانسان ولم يمتثّل ﴿ما أَمَرَهُ﴾ الله به من الايمان والطاعة ، بل أخلّ به بالكفر والعصيان مع أنّ حقّ نعمائه أن يؤدّي جميع ما أمره به.

﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا *

 فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدائِقَ غُلْباً *

 وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٢٤) و (٣١)

ثمّ عدّ سبحانه إنعامه على الانسان بقوله : ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ﴾ ومأكوله الذي يعيش به ، كيف دبّرنا أمره ؟ وعن الباقر عليه‌السلام أنّه سئل : ما طعامه ؟ قال : « علمه الذي يأخذه عمّن يأخذه » (١) .

﴿أَنَّا صَبَبْنَا﴾ وأنزلنا من السماء بالأمطار ﴿الْماءَ﴾ أولا ﴿صَبًّا﴾ نافعا وافيا للنباتات ﴿ثُمَ﴾ بعد إنزال الماء ﴿شَقَقْنَا الْأَرْضَ﴾ بالنبات ﴿شَقًّا﴾ لائقا بما يخرج من الأرض ما ينبت منها صغرا وكبرا ﴿فَأَنْبَتْنا فِيها﴾ بقدرتنا ورحمتنا ﴿حَبًّا﴾ كثيرا نافعا من الحنطة والشعير وأضرابهما ممّا يحصد ﴿وَعِنَباً﴾ وشجر كرم ثمره غذاء وفاكهة ﴿وَقَضْباً﴾ ورطبا مقطوعا من النخل ، كما عن ابن عباس (٢) . أو الرّطبة التي يقال لها بالفارسية ( اسپست ) وإذا يبست سمّيت ( بالفت ) وهو علف الدوابّ والأنعام ، كما في رواية اخرى عن ابن عباس (٣) . وقيل : إنّه كلّ نبات يؤكل رطبا كالكرّاث (٤) . وقيل : إنّه مطلق العلف (٥) .

﴿وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً﴾ الذين هما أنفع الأشجار ﴿وَحَدائِقَ﴾ وبساتين ﴿غُلْباً﴾ ومتكاثفة الأشجار ، أو ملتفها ، أو ذوات أشجار عظام ، كما عن ابن عباس (٦) ﴿وَفاكِهَةً﴾ وثمارا يلتذّ بها ﴿وَأَبًّا﴾ وحشيشا

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٩ / ٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٨٧.

(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٨.

(٣) تفسير الرازي ٣١ : ٦٢.

(٤) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٨.

(٥) تفسير الرازي ٣١ : ٦٢.

(٦) تفسير الرازي ٣١ : ٦٣.

٤٢٩

ومرعى.

روي أنّ أبا بكر سئل عن قول الله : ﴿وَفاكِهَةً وَأَبًّا﴾ فلم يعرف معنى الأبّ وقال : أيّ سماء تظلّني ، أم أرض تقلّني ، أم كيف أصنع إن قلت في كتاب الله بما لا أعلم ، أما الفاكهة فنعرفها وأما الأبّ فالله أعلم به فبلغ أمير المؤمنين عليه‌السلام مقالته في ذلك ، فقال : « سبحان الله ! أما علم أنّ الأبّ هو الكلأ والمرعى » (١) .

أقول : من العجائب أنّه كان في تمام زمان البعثة في حضور الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت قراءة القرآن من العبادات الشائعة في ذلك الزمان ، وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يدرّس القرآن ومعانيه وتفسيره ، وهو بعد عمره كان جاهلا باللغة المستعملة في القرآن ، ولم يسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه ، فكيف بسائر العلوم والأحكام؟

﴿مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ * فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ *

 وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٢) و (٣٧)

ثمّ لمّا ذكر سبحانه ما يغتذي به الناس والأنعام ، وجّه الخطاب إلى الناس تكميلا لامتنانه عليهم بقوله : ﴿مَتاعاً﴾ والتقدير خلقنا هذه الأغذية لتكون متاعا ومنفعة ﴿لَكُمْ﴾ أيّها الناس ﴿وَلِأَنْعامِكُمْ﴾ ومواشيكم ، فلا ينبغي لكم في حكم العقل أن تكفروا هذه النّعم ، وتتمرّدوا عن طاعة المنعم عليكم ، وتتكبّروا على رسوله وسائر عبيده.

ثمّ ذكر سبحانه بعض أهوال يوم القيامة ودار الجزاء إرعابا للقلوب وتذكيرا لمعادهم بعد بيان مبدأ خلقهم ومعاشهم بقوله : ﴿فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ﴾ ونزلت بكم الداهية العظيمة ، وهي الصيحة التي تخرج من الصّور بالنفخة الثانية التي يحيا بها الأموات في القبور فتتح ، وتفتك شدّتها آذانهم ، أو يفتحون ويستمعون لها ، أعني من الصاخّة.

﴿يَوْمَ يَفِرُّ﴾ فيه ﴿الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ﴾ مع كمال الأنس بينهما في الدنيا وتظاهرهما في الشدائد ﴿وَ﴾ من ﴿أُمِّهِ﴾ التي لها عليه حقوق كثيرة ﴿وَ﴾ من ﴿أَبِيهِ﴾ الذي كان في غاية العطوفة به والشفقة عليه ﴿وَ﴾ من ﴿صاحِبَتِهِ﴾ وزوجته التي كانت أنيسته في الدنيا ﴿وَ﴾ من ﴿بَنِيهِ﴾ وأولاده الذين كانوا أحبّ الخلق إليه وأفلاذ كبده ، وذلك الفرار إنّما هو لأجل أن ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ﴾ وشغل عظيم وخطب هائل فظيع ﴿يُغْنِيهِ﴾ ويكفيه في الاهتمام به بحيث لا مجال له أن يلتفت إليهم ، أو يغنيه ويصرفه عنهم ، وهو اشتغاله بنجاة نفسه - التي هي أعزّ النفوس عنده من الأهوال والعذاب.

__________________

(١) إرشاد المفيد ١ : ٢٠٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨٦.

٤٣٠

وقيل : إن علّة الفرار تضييعه لحقوقهم وارتكاب الظّلم عليهم (١) .

عن الرضا عليه‌السلام قال : « قام رجل يسأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن آية ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ﴾ وقال : من هم ؟ قال : قابيل يفرّ من هابيل ، والذي يفرّ من امّه موسى ، والذي يفرّ من أبيه إبراهيم » (٢) . أقول : لا بدّ من حمل الرواية على بيان المثال.

روى في ( المجمع ) عن سودة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يبعث الناس حفاة عراة غرلا (٣) ، يلجمهم العرق ، ويبلغ شحمة الاذن » قلت : يا رسول الله ، واسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض (٤) ؟ قال : شغل الناس عن ذلك وتلا هذه الآية (٥) .

وروى بعض العامة أنّ عائشة قالت : يا رسول الله ، كيف يحشر الناس ؟ قال : « حاة عراة » قالت : وكيف تحشر النساء ؟ قال : « حفاة عراة » قالت : واسوأتاه النساء مع الرجال حفاة عراة ؟ فقرأ رسول الله هذه الآية : ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ﴾ إلى آخرها (٦) .

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ *

 تَرْهَقُها قَتَرَةٌ * أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٣٨) و (٤٢)

ثمّ ذكر سبحانه حسن حال المؤمنين بقوله : ﴿وُجُوهٌ﴾ للمؤمنين ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وفي ذلك الوقت الهائل ﴿مُسْفِرَةٌ﴾ ومشرقة كالشمس المضيئة ﴿ضاحِكَةٌ﴾ وفرحة للعلم بالفوز بالسعادة الأبدية ، والنجاة من آلام الدنيا ومتاعبها ، والفراغ من الحساب بسرعة ويسر ﴿مُسْتَبْشِرَةٌ﴾ بالنعيم المقيم والراحة الدائمة من قبل الله ، أو الملائكة فانّهم يقولون لهم : ﴿أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(٧) . ﴿وَوُجُوهٌ﴾ اخر للأشقياء ﴿يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ﴾ وكدورة من شدّة الخوف ﴿تَرْهَقُها﴾ وتغشاها ﴿قَتَرَةٌ﴾ وظلمة وسواد كالدّخان من الخجلة والوحشة ﴿أُولئِكَ﴾ الموصوفون بسواد الوجه والغبرة ﴿هُمُ الْكَفَرَةُ﴾ بالله ورسله ﴿الْفَجَرَةُ﴾ في أعمالهم ، والعصاة لخالقهم.

عن الصادق عليه‌السلام : « من قرأ سورة ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ و﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ كان تحت جناح الله من الجنان ، وفي ظلّ الله وكرامته في جنّاته ، ولا يعظم ذلك على الله إن شاء الله تعالى » (٨) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٣١ : ٦٤ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١١٣.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٤٥ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨٨.

(٣) الغرل : جمع أغرل ، وهو الذي لم يختتن.

(٤) زاد في النسخة وتفسير الصافي : إذا جاء.

(٥) مجمع البيان ١٠ : ٦٦٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨٨.

(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٤٠.

(٧) فصلت : ٤١ / ٣٠.

(٨) ثواب الأعمال : ١٢١ ، مجمع البيان ١٠ : ٦٦١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨٩.

٤٣١
٤٣٢

في تفسير سورة التكوير

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا

 الْعِشارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا

 النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ

 نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ *

 عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ * فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ

 إِذا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١) و (١٨)

[ ثمّ لمّا ختمت سورة عبس المتضمنة بيان أهوال القيامة وعظمة القرآن وموعظته للخلق ، نظمت بعدها سورة التكوير المتضمنة أيضا بيان بعض أهوال القيامة وتعظيم القرآن ، وكون ذلك موعظة للعالمين إلى يوم القيامة ، فافتتحها سبحانه بذكر أسمائه الحسنى بقوله : ](١)﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.

ثمّ شرع سبحانه بذكر بعض أهوال يوم القيامة بقوله : ﴿إِذَا الشَّمْسُ﴾ التي هي كالسّراج لأهل الأرض ﴿كُوِّرَتْ﴾ والقيت من السماء ، كما عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ الشمس والقمر نوران مكوّران في النار يوم القيامة » (٢) أو انكشف وازيل ضوؤها. عن القمّي : أنّها تصير سوداء مظلمة (٣) .

﴿وَإِذَا النُّجُومُ﴾ التي هي مصابيح الليل في الدنيا ﴿انْكَدَرَتْ﴾ وتناثرت. قيل : تمطر السماء يومئذ نجوما ، فلا يبقى في السماء نجم إلا وقع على وجه الأرض (٤) ﴿وَإِذَا الْجِبالُ﴾ التي هي أوتاد الأرض

__________________

(١) هذا النص سقط من النسخة ، وأثبتناه بعد ترجمته من النص الفارسي.

(٢) تفسير الرازي ٣١ : ٦٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٤٣ ، ولم ينسبه إلى أحد.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٤٠٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٠.

(٤) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٤٤.

٤٣٣

﴿سُيِّرَتْ﴾ ورفعت في الأرض ، وحرّكت بسرعة كالسّحاب في وجهها ، أو في الجوّ بالزّلزلة الحاصلة بالنفخة الثانية ﴿وَإِذَا الْعِشارُ﴾ والنّوق الحوامل التي مضت من مدّة حملها عشرة أشهر ، وهي أحبّ الأموال عند العرب ﴿عُطِّلَتْ﴾ وتركت مسيّبة مهملة لا داعي لها ، لاشتغال أهلها بأنفسهم ، وهي كناية عن غفلة الناس عن أموال الدنيا لرفع حاجتهم عنها ، وغلبة الوحشة والدهشة عليهم ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ﴾ والحيوانات البرية الفارّة عن غير جنسها ﴿حُشِرَتْ﴾ وجمعت في موقف القيامة واختلط بعضها ببعض وبالانسان بلا تعرّض للغير من شدّة أهوال اليوم.

وقيل : يعني بعثت للقصاص إظهارا للعدل (١) ، قيل : يحشر كلّ حيوان حتّى الذّباب للقصاص ، فإذا قضي بينها ردّت ترابا ، فلا يبقى منها إلّا ما فيه سرور بني آدم وإعجاب المؤمن بصورته أو بصوته كالطّاوس والبلبل (٢) . وعن ابن عباس : حشرها موتها (٣) .

﴿وَإِذَا الْبِحارُ﴾ كلّها ﴿سُجِّرَتْ﴾ وانقلب ماؤها نارا ، كما عن ابن عباس (٤) . وعن ابن عمر أنّه لمّا رأى بحرا قال : يا بحر متى تعود نارا (٥) . وقيل : يعني ملئت بتفجّر بعضها إلى بعض ، فيصير الكلّ بحرا واحدا ، أو حميت (٦) ، أو نشفت فلا يبقى فيها رطوبة (٧) .

﴿وَإِذَا النُّفُوسُ﴾ والأرواح ﴿زُوِّجَتْ﴾ بالأجساد ، أو قرنت بمن كان مثلها في الخير والشّر ، فيضمّ الصالح بالصالح ، والفاجر بالفاجر ، أو جعلت أزواجا ثلاثة : أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة ، والمقرّبين ، أو قرنت بالملائكة الذين كانوا كتّابه أعمالهم ، أو قرنتت بأعمالهم ، أو قرنت بشياطينهم.

وعن ابن عباس : زوّجت نفوس المؤمنين بالحور العين ، وقرنت نفوس الكفّار بالشياطين (٨) . أو قرنت كلّ نفس بأهل دينها (٩) ، اليهود باليهود ، والنصارى بالنصارى ، والمجوس بالمجوس (١٠) .

﴿وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ﴾ والبنت المدفونة حيّة ﴿سُئِلَتْ﴾ من جانب الله أنّها ﴿بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ تبكيتا لقاتلها ، وتسلية لها ، وإظهارا لشدّة الغضب على وائدها.

قيل : كان الرجل إذا ولدت له بنت فأراد أن يستحييها ، ألبسها جبّة من صوف أو شعر ، ترعى له الإبل أو الغنم في البادية ، وإن أراد قتلها تركها حتى إذا بلغ سنّها ستّ سنين ، فيقول لامّها ، طيبيها وزيّنيها حتّى أذهب بها إلى أحبّائها ، وقد حفر لها بئرا في الصحراء ، فيبلغ بها البئر ، ويقول لها : انظري فيها ، ثمّ يدفعها فيها من خلفها ، ويهيل عليها التّراب حتّى يستوي البئر بالأرض ، خوفا من الفقر أو من الأسر ،

__________________

(١و٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٤٥.

(٣) تفسير الرازي ٣١ : ٦٨.

(٤و٥) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٤٥.

(٦) تفسير أبي السعود ٩ : ١١٥ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٤٥.

(٧) تفسير الرازي ٣١ : ٦٨.

(٨) تفسير الرازي ٣١ : ٦٩.

(٩) في النسخة : دينه.

(١٠) تفسير الرازي ٣١ : ٦٩.

٤٣٤

أو لحوق عاد من قبلها (١) .

﴿وَإِذَا الصُّحُفُ﴾ ودفاتر الأعمال ﴿نُشِرَتْ﴾ وفتحت للحساب ، فيقضى بإيمان أصحابها وأعمالهم ، فيقفون على ما فيها.

وفي الحديث : « يحشر الناس عراة حفاة » فقالت امّ سلمة : فكيف بالنساء ؟ فقال : « شغل الناس يا امّ سلمة » قالت : ما شغلهم ؟ قال : « نشر الصّحف ، فيها مثاقيل الذّر ومثاقيل الخردل»(٢).

وقيل : يعني فرّقت بين أصحابها (٣) . وقيل : إذا كان يوم القيامة تطايرت الكتب من تحت العرش ، فتقع صحيفة المؤمن في يده في الجنّة العالية ، وصحيفة الكافر في يده في سموم وحميم (٤) . قيل : يعني مكتوب فيها ، وهي صحف غير صحف الأعمال (٥) .

﴿وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ﴾ وكشفت عمّا فوقها ، وظهر ما وراءها من العرش والجنّة. وقيل : يعني نزعت ، أو طويت (٦) ﴿وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ واوقدت للكافرين إيقادا شديدا غضبا عليهم ﴿وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾ وقربت من المتّقين ليدخلوها ، والمقصود تقرّبت منها ، وعند ذلك ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ﴾ حضرت ما تدري أيّ نفس وما حالها ﴿ما أَحْضَرَتْ﴾ وجلبت فيه من الأعمال خيرا أو شرا ، يرونها في صحائفها ، أو يرون مجازاتها ، أو يرون نفسها لتجسمّها.

عن ابن عباس : أنّه قرأ السورة فلمّا بلغ إلى قوله : ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ﴾ قال : لهذه اجريت القصّة (٧) .

﴿فَلا﴾ ليس الأمر كما تزعمون أيّها الكفرة ﴿أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾ والكواكب الرواجع ، وهي الخمسة المتحيّرة التي ترجع من آخر البرج إلى أوله. عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « هي خمسة أنجم : زحل ، والمشتري ، والمرّيخ ، والزّهرة ، وعطارد » (٨) .

و ﴿الْجَوارِ﴾ والسيارات ﴿الْكُنَّسِ﴾ والمختفيات تحت ضوء الشمس بعد رجوعها إلى أول البرج ، كما يكنس ويدخل الوحش في كناسته وبيته الذي اتّخذه لاختفائه.

وقيل : إنّ المراد جميع الكواكب ، وخنوسها غيبوبتها عن الأنظار في النهار ، وكنوسها ظهورها بالليل في أماكنها ، كالوحش في كنسها ، وهو أيضا مرويّ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٩) وقيل : الكنّس : المتواريات

__________________

(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٤٦.

(٢-٤) تفسير أبي السعود ٩ : ١١٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٤٧.

(٥) تفسير أبي السعود ٩ : ١١٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٤٧.

(٦) تفسير الرازي ٣١ : ٧٠.

(٧) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٤٨.

(٨) مجمع البيان ١٠ : ٦٧٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩١.

(٩) تفسير الرازي ٣١ : ٧١.

٤٣٥

تحت ضوء الشمس (١) . وعن القمي قال : النّجوم تكنس بالنهار فلا تبين (٢) .

وعن الباقر عليه‌السلام أنّه سئل عنها فقال : « إمام يخنس سنة ستّين ومائتين ، ثمّ يظهر كالشّهاب يتوقّد في الليلة الظلماء ، وإن أدركت زمانه قرّت عينك » (٣) .

أقول : هذا تأويل ، والأول تنزيل.

﴿وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ﴾ وأقبل ظلامه ، أو أدبر ﴿وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ﴾ وأقبل بطلوعه روح ونسيم أو تكامل ضوؤه وامتدّ.

﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطاعٍ ثَمَّ

 أَمِينٍ (١٩) و (٢١)

ثمّ ذكر سبحانه المقسم عليه ، وهو كون القرآن كلام الله بقوله : ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ﴾ الله العظيم النازل بتوسّط ﴿رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ على الله رسالة منه وقيل : إنّ المراد أنّ هذا الذي اخبركم من أمر الساعة القول جبرئيل بالرسالة من الله (٤) . وقيل : إنّ من كرم جبرئيل أنّه يعطى أفضل العطايا ، وهو الوحي والمعرفة والهداية ، ويعطف على المؤمنين ويقهر أعداءهم (٥) .

﴿ذِي قُوَّةٍ﴾ شديدة وقدرة على امتثال أوامر الله تعالى. روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لجبرئيل : « ذكر الله قوّتك ، فأخبرني بشيء من آثارها. قال : رفعت قرى قوم لوط الأربع من الماء الأسود بقوادم جناحي حتّى سمع أهل السماء نباح الكلب وأصوات الدّيكة ثمّ قلبتها » (٦) .

وقيل : إنّ المراد القوّة في طاعة الله ، وترك الإخلال بها من أول الخلق إلى آخر الدنيا (٧) .

﴿عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ﴾ العظيم والسلطان القاهر الغالب ﴿مَكِينٍ﴾ ورفيع المنزلة وعظيم الشأن ﴿مُطاعٍ ثَمَ﴾ وفي السماء بين الملائكة لا يتخلّف أحد منهم عن أمره ﴿أَمِينٍ﴾ على وحي الله ورسالاته ، قد عصمه الله من الخيانة والزّلل.

عن ( المجمع ) : في الحديث : « أنّ رسول الله قال لجبرئيل : ما أحسن ما أثنى عليك ربّك ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ فما كانت قوّتك وما كانت أمانتك ؟ فقال : أمّا قوّتي فانّي بعثت إلى مدائن لوط ، وهي أربع مدائن ، في كلّ مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري ، فحملتهم

__________________

(١) تفسير الصافي ٥ : ٢٩٢.

(٢) تفسير القمي ٢ : ٤٠٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٢.

(٣) الكافي ١ : ٢٧٦ / ٢٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٢.

(٤) تفسير الرازي ٣١ : ٧٣.

(٥) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٥١.

(٦و٧) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٥١.

٤٣٦

من الأرض السّفلى حتى سمع أهل السماوات أصوات الدجاج ونباح الكلاب (١) ، ثمّ هويت بهنّ وقلبتهنّ ، وأما أمانتي فانّي لم اؤمر بشيء فعدوته إلى غيره » (٢) .

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لجبرئيل لمّا نزلت : ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ(٣) : « أصابك من هذه الرحمة شيء ؟ » قال : نعم ، إنّي كنت أخشى عاقبة الأمر ، فآمنت بك لمّا أثنى الله عليّ بقوله : ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٤) .

عن الصادق عليه‌السلام - في قوله ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾ - قال : « يعني جبرئيل » . قوله : ﴿مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ؟﴾ قال : « يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو المطاع عند ربّه ، الأمين يوم القيامة » (٥).

أقول : لا شبهة أن الوصفين منطبقان على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن الظاهر أنّهما وصفان لجبرئيل.

﴿وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ

 بِضَنِينٍ * وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ

 لِلْعالَمِينَ * لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ

 الْعالَمِينَ (٢٢) و (٢٩)

ثمّ إنّه تعالى بعد إثبات كون القرآن كلام الله ، ردّ قول مكذّبي الرسول ونسبتهم إياه إلى الجنون بقوله : ﴿وَما صاحِبُكُمْ﴾ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله المدّعي للرسالة فيكم ، يا أهل مكّة ﴿بِمَجْنُونٍ﴾ كما تزعمون بل هو أعقل أهل العالم ، ومخبركم عن الله جميع ما يقول لكم بتوسّط جبرئيل.

﴿وَ﴾ بالله ﴿لَقَدْ رَآهُ﴾ وعاين شخصه ﴿بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ وعند مطلع الشمس الأعلى ، والأظهر في السماء ، وليس محمد ﴿وَما هُوَ عَلَى﴾ ما أخبركم من ﴿الْغَيْبِ﴾ كقصص الأنبياء السابقة والامم السالفة ﴿بِضَنِينٍ﴾ ومتّهم بالكهانة والتعلّم من العلماء والكذب في الاختلاق.

وقيل : يعني ببخيل بأداء الوحي ، فيخبر ببعضه ويمسك عن بعض حتى يأخذ شيئا من الناس ، كما هو دأب الكاهن (٦) .

ثمّ لمّا كان المشركون يقولون : إنّ الشيطان يجيء بهذا القرآن ويلقيه على لسان محمد ؛ ردّهم الله بقوله : ﴿وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ﴾ مسترق للسمع ﴿رَجِيمٍ﴾ ومطرود بالشّهب ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ أيّها

__________________

(١) في النسخة : الكلب.

(٢) مجمع البيان ١٠ : ٦٧٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٢.

(٣) الأنبياء : ٢١ / ١٠٧.

(٤) مجمع البيان ٧ : ١٠٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٣.

(٥) تفسير القمي ٢ : ٤٠٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٣.

(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٥٣.

٤٣٧

المشركون ؟ وإلى أي درجة تضلّون عن طريق الحقّ في شأن القرآن ومحمد ؟ وإلى أيّ حدّ تبعدون عن منهج الصواب حتّى تتولوا ما تقولون ؟

﴿إِنْ﴾ هذا القرآن ، وما ﴿هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ﴾ وعظة ﴿لِلْعالَمِينَ﴾ من الجنّ والإنس أجمعين ، وإنّما نفعه ﴿لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ﴾ يا أهل العالم ﴿أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ بتحرّي الحقّ والملازمة للصواب.

روي أنّ أبا جهل لمّا سمع الآية قال : الأمر إلينا ، إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم (١) . فردّه الله تعالى بقوله : ﴿وَما تَشاؤُنَ﴾ الاستقامة ﴿إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ﴾ الذي هو ﴿رَبُّ الْعالَمِينَ﴾ وخالقهم ومدبّر امورهم بالرزق وغيره ممّا يصلحهم وما يليق بهم.

عن الصادق عليه‌السلام - في قوله : ﴿وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ - قال : « وما هو تبارك وتعالى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بغيبه بضنين عليه » ﴿وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ﴾ قال : « يعني الكهنة الذين كانوا في قريش ، فنسب كلامهم إلى كلام الشياطين الذين كانوا معهم يتكلّمون على ألسنتهم فقال : ﴿وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ﴾ مثل اولئك ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ [ في ] عليّ عليه‌السلام ، يعني ولايته أين تفرّون منها ؟ ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾. قال : لمن أخذ الله ميثاقه على ولايته ﴿لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ قال : في طاعة عليّ والأئمة عليهم‌السلام من بعده ﴿وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ﴾ قال : لأنّ المشيئة إليه تبارك وتعالى لا إلى الناس » (٢) .

وعن الكاظم عليه‌السلام : « إنّ الله جعل قلوب الأئمّة موردا لإرادته ، فاذا شاء الله شاءوا ، وهو قوله : ﴿وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ﴾ » (٣) .

في الحديث : « من سرّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنّه رأي عين ، فليقرأ ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ و﴿إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ﴾ و﴿إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ﴾ فإنّ فيها بيان أهواله الهائلة على التفصيل»(٤) .

الحمد لله على التوفيق لإتمام تفسيرها ، والشكر له.

__________________

(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٥٤.

(٢) تفسير القمي ٢ : ٤٠٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٢.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٤٠٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٤.

(٤) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٥٥.

٤٣٨

في تفسير سورة الانفطار

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا

 الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ * يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ

 بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ

 رَكَّبَكَ (١) و (٨)

ثمّ لمّا ختمت سورة التكوير اردفت بسورة الإنفطار الرادفة لها في المطالب وبيان أهوال القيامة ، فافتتحها سبحانه على دأبه بذكر أسمائه الحسنى المباركة بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.

ثمّ ابتدأها بذكر بعض أهوال القيامة بقوله : ﴿إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ﴾ وانشقّت أبوابا لنزول الملائكة ، أو لرفعها (١) وطيّها ﴿وَإِذَا الْكَواكِبُ﴾ كلّها ﴿انْتَثَرَتْ﴾ وتساقطت وتفرّقت لانتقاض تركيب السماء وطيّها ﴿وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ﴾ وارتفعت الحواجز من بينها بحيث يصير الكلّ بحرا واحدا ، أو ذهب ماؤها فيبست ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ وقلب أسفلها أعلاها وباطنها ظاهرها ، لخروج الموتى منها ، فبعد وقوع تلك الأشراط العلوية والسفلية للساعة قامت القيامة وحينئذ ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ﴾ أي نفس كانت ﴿ما قَدَّمَتْ﴾ ليومها (٢) ذلك من الأعمال التي عملها حال حياته ﴿وَأَخَّرَتْ﴾ وتركت (٣) من سنة حسنة أو سيئة يستنّ بها بعد موته ، ثمّ يقال : ﴿يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ﴾ العاقل بعد ما أخبرك الأنبياء بأنّ الله يعذّبك على الكفر والعصيان في دار الجزاء أشدّ العذاب ﴿ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ وأيّ شيء جرّأك على عصيانه وآمنك من عقابه إلى حدّ لا يجوز ، مع غاية كرمه العفو عنك والتجاوز عن الانتقام منك ؟

قيل : إنّ توصيف ذاته المقدّسة بالكرم حسبما كان الشيطان يغويه بقوله : افعل ما شئت فانّ ربّك كريم ، مع أنّ كرمه لا يوجب الاغترار به (٤) .

__________________

(١) في النسخة : لرفعهن.

(٢) في النسخة : ليومه.

(٣) زاد في النسخة : أو اين.

(٤) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٥٧.

٤٣٩

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه لمّا قرأها قال : « غرّه جهله » (١).

وقيل : إنّ ذكره الوصف لتلقين العاصي أن يقول : غرّني كرمك (٢).

قيل : إنّ الكرم يلازم الحكمة (٣) لأنّ العفو العطاء إذا كانا بداعي الحكمة ، كانا كرما ، فكونه كريما يدلّ على كونه حكيما ، كان عليه أن يعيد الخلق للمجازاة ويحشرهم للحساب ، بل يدلّ وصفه بالكرم على وجوب البعث من جهتين : من جهت إيصال النعمة ، ومن جهة الحكمة.

عن ابن عباس : أنّ الآية نزلت في الوليد بن المغيرة (٤) . وقيل نزلت في الأسود بن كلدة الجمحي ، قصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بطحاء مكة ، فلم يتمكّن منه ، فلم يعاقبه الله على ذلك (٥).

ثمّ وصف سبحانه ذاته بشؤون الكرم بقوله : ﴿الَّذِي خَلَقَكَ﴾ وأعطاك نعمة الوجود ﴿فَسَوَّاكَ﴾ وجعل أعضاءك سوية سليمة من العيوب معدّة لمنافعها ﴿فَعَدَلَكَ﴾ وجعل أعضاءك متناسبة متساوية. وقيل : يعني فصرفك عن الخلقة المكروهة وأعطاك أحسن الهيئة (٦) . وعن ابن عباس : جعلك قائما معتدلا حسن الصورة لا كالبهيمة المنحنية (٧) ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ﴾ من الصور ﴿ما شاءَ﴾ أن يركّبك فيها ﴿رَكَّبَكَ﴾ قيل : إنّ حرف ﴿ما﴾ زائدة (٨) ، والمعنى : في أيّ صورة شاء واقتضت الحكمة ركّبك. وقيل : في أيّ صورة من صور الأب والامّ وأقاربهما (٩) . وقيل : إنّ المراد من الصور المختلفة الاختلاف بحسب الطول والقصر والحسن والقبح والذكورة والانوثة ، فانّ اختلاف النّطفة المتشابهة والأجزاء المتّحدة بالطبيعة في الآثار دليل على خالق قادر مختار (١٠).

﴿كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ * كِراماً كاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ

 ما تَفْعَلُونَ (٩) و (١٢)

ثمّ لمّا أثبت البعث ردع الناس عن الاغترار بقوله : ﴿كَلَّا﴾ ليس لكم أن تغترّوا ﴿بَلْ﴾ لم تغترّوا بكرمه ، وإنّما أنتم ﴿تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ ودار الجزاء ، أو بالاسلام المتضمّن للتكاليف وبيان المجازات عليها ﴿وَ﴾ الحال ﴿إِنَّ عَلَيْكُمْ﴾ أيّها الناس من قبلنا ﴿لَحافِظِينَ﴾ وضابطين لأعمالكم من الملائكة حال كونهم ﴿كِراماً﴾ على الله ، أو على العباد ، حيث يسارعون إلى كتب الحسنات ، ويتوقّفون في

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ : ٦٨٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٥.

(٢) تفسير الرازي ٣١ : ٨٠.

(٣) تفسير الرازي ٣١ : ٧٨ و٧٩.

(٤) تفسير الرازي ٣١ : ٧٩.

(٥) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٥٧.

(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٥٩.

(٧) تفسير الرازي ٣١ : ٨٠.

(٨) تفسير الصافي ٥ : ٢٩٦.

(٩) تفسير الرازي ٣١ : ٨١.

(١٠) تفسير الرازي ٣١ : ٨١.

٤٤٠