نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٦

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي

نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-309-765-X

الصفحات: ٦٤٦

يقرأ مائة آية ، فانّ من قرأها كتب من القانتين. وقيل : خمسون. وقيل : سورة ، ولو كانت قصيرة (١) . وقيل : إنّ المراد بقراءة القرآن الصلاة لاطلاق اسم (٢) الجزء على الكلّ (٣) .

عن ابن عباس : سقط عن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قيام الليل ، وصارت تطوّعا ، وبقي ذلك فرضا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

ثمّ ذكر سبحانه حكمة اخرى للنسخ بقوله : ﴿عَلِمَ﴾ الله ﴿أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ﴾ لا محالة ﴿مَرْضى﴾ يعسر عليهم القيام بالليل ﴿وَ﴾ أشخاص ﴿آخَرُونَ﴾ غير المرضى ﴿يَضْرِبُونَ﴾ ويسافرون ﴿فِي﴾ أقطار ﴿الْأَرْضِ﴾ للتجارة أو طلب العلم أو غيرهما ﴿يَبْتَغُونَ﴾ ويطلبون بمسافرتهم شيئا ﴿مِنْ فَضْلِ اللهِ﴾ من ربح أو علم أو معرفة ﴿وَ﴾ أشخاص ﴿آخَرُونَ﴾ غير الطائفتين ﴿يُقاتِلُونَ﴾ الأعداء ، ويجاهدون ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ ولطلب رضاه ، فاذا كان الأمر كذلك ﴿فَاقْرَؤُا﴾ أيّها المؤمنون بالقرآن ﴿ما تَيَسَّرَ﴾ لكم وسهل عليكم ﴿مِنْهُ﴾ بلا تحمّل مشقة ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ المفروضة بالليل والنهار ﴿وَآتُوا الزَّكاةَ﴾ الواجبة. قيل : هي الفطرة إن كانت الآية مكية ، والمالية إن كانت مدنية (٥) .

﴿وَأَقْرِضُوا اللهَ﴾ من أموالكم بالانفاقات المستحبّة ﴿قَرْضاً حَسَناً﴾ وهو إخراجها من أطيب الأموال وأنفعها للفقراء بخلوص النية ، وفي التعبير بالقرض غاية الحثّ عليه من حيث تنزيل ذاته المقدسة مع غنائه المطلق منزلة المحتاج ، والإشعار بعوده إليه مع زيادة.

ثمّ حثّ سبحانه على جميع العبادات بدنية كانت أو مالية بقوله تبارك وتعالى : ﴿وَما تُقَدِّمُوا﴾ من دنياكم إلى الآخرة نفعا ﴿لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ﴾ من الخيرات وعمل من الأعمال الصالحات ، أيّ خير وعمل كان ﴿تَجِدُوهُ﴾ بعد الموت ﴿عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً﴾ قيل : إنّ الضمير المنفصل مؤكّد للضمير المتّصل ، والمعنى تجدوه خيرا (٦) .

﴿وَأَعْظَمَ أَجْراً﴾ من الوصية به حين الموت ، أو من الدنيا وما فيها ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ﴾ من ذنوبكم في جميع أوقاتكم ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ﴾ وستار للذنوب ﴿رَحِيمٌ﴾ بعباده بإعطائهم الثواب العظيم.

عن الصادق عليه‌السلام : « من قرأ سورة المزمّل في العشاء الآخرة أو في آخر الليل كان له الليل والنهار شاهدين مع سورة المزمّل ، وأحياه الله حياة طيبة ، وأماته ميتة طيبة » (٧) .

الحمد لله تعالى والشكر له.

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٠ : ١٨٧.

(٢) في النسخة : لاطلاقا لاسم.

(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ١٨٦ و١٨٧.

(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ١٨٧.

(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ١٨٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢١.

(٦) تفسير الصافي ٥ : ٢٤٤.

(٧) ثواب الأعمال : ١٢٠ ، مجمع البيان ١٠ : ٥٦٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٤٤.

٣٦١
٣٦٢

في تفسير سورة المدّثّر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ *

 وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (١) و (٧)

ثمّ لمّا ختمت سورة المزمّل المبدوءة بخطاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله باللّقب الدالّ على التلطّف والرحمة ، والمتضمّنة للأمر بتلاوة القرآن وتعظيمه وتهديد مكذّبيه ، وأمره بالصبر على تكذيبهم وإيذائهم ، اردفت بسورة المدّثر المبدوءة بخطاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله باللقب المشابه للقب المذكور في السورة السابقة ، وأمره بإنذار قومه وصبره على أذاهم ، وتهديد بعض المكذّبين ، فافتتحها بالأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.

ثمّ خاطب نبيّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله تعالى : ﴿يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ واللابس لثوب يلبس فوق الثياب للنوم أو الاستدثار (١) أو اللابس للباس النبوة. قيل : إنّ السورة من أوائل ما نزل (٢) . روي عن جابر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « كنت على جبل حراء فنوديت : يا محمد إنّك رسول الله ، فنظرت عن يميني ويساري فلم أر شيئا ، فنظرت فوقي فرأيت الملك قاعدا على عرش بين السماء والأرض ، فخفت فرجعت إلى خديجة ، فقلت : دثّروني دثّروني وصبّوا عليّ ماء باردا ، فنزل جبرئيل بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ » (٣) .

وقيل : اجتمع أبو جهل وأبو لهب وأبو سفيان والوليد بن المغيرة والنّضر بن الحارث وامية بن خلف والعاص بن وائل ، وقالوا : إنّ وفود العرب يجتمعون أيّام الحجّ ويسألوننا عن أمر محمد ، فان اجاب كلّ منا بجواب غير جواب الآخرين ، كأن يقول بعضنا : إنّه كاهن ، ويقول آخر : إنّه شاعر ، ويقول ثالث : إنّه مجنون ، فباختلاف الأجوبة يستدلّون على بطلانها ، فتعالوا نجتمع على تسمية محمد باسم واحد ، فقال واحد : إنّه شاعر. فقال الوليد : سمعت كلام عبيد بن الأبرص وامية بن أبي الصلت وما يشبه

__________________

(١) في النسخة : الاستدفار.

(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ١٨٩ ، تفسير البيضاوي ٢ : ٥٤١ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٥٤.

(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ١٨٩ ، تفسير أب السعود ٩ : ٥٤ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٣.

٣٦٣

كلامه كلامهما. وقال آخر إنّه كاهن ، قال الوليد : من الكاهن ؟ قالوا : الذي يصدق تارة ويكذب اخرى. قال الوليد : ما كذب محمد قطّ. قال آخر : إنّه مجنون. فقال الوليد : من المجنون ؟ قالوا : مخيف الناس. فقال الوليد : ما اخيف محمد قطّ. ثمّ قام الوليد وانصرف إلى بيته. فقال الناس : صبأ الوليد بن المغيرة ، فدخل عليه أبو جهل ، فقال : مالك يا أبا عبد شمس ؟ هذه قريش تجمع لك شيئا ، زعموا أنّك احتجت وصبأت. فقال الوليد : مالي إلى حاجة ، ولكنّي فكّرت في محمد فقلت : إنّه ساحر ، لأنّ الساحر هو الذي يفرّق بين الأب وابنه ، والأخوين ، وبين المرأة وزوجها. ثمّ إنهم اجتمعوا على تلقيب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا اللقب ، وخرجوا فصرخوا بمكة والناس مجتمعون فقالوا : إنّ محمدا ساحر ، فلمّا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اشتدّ عليه ورجع إلى بيته محزونا ، فتدثّر بثوبه ، فأنزل الله ﴿يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(١) .

وقيل : إنّه كان نائما متدثّرا بثيابه ، فجاءه جبرئيل وأيقظه ، وقال : ﴿يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ كأنّه قال له : قم واترك التدثّر بالثياب والنوم ، واشتغل بشغل النبوة التي أعطاكها الله (٢) .

وقيل : إنّ التدثّر كناية عن الاختفاء ، فكأنّه تعالى قال : أيّها المختفي عن الناس في جبل حراء ، المتدثّر بدثار الخمول والاختفاء ، قم بأمر الرسالة ، واخرج من زاوية الخمول ، وأنذر الناس ، واشتغل بالدعوة إلى معرفة الله (٣) .

وعلى أيّ تقدير أمره الله سبحانه بقوله : ﴿قُمْ﴾ من مضجعك على الأول ، أو قم قيام عزم وتصميم على الوجوه الاخر ﴿فَأَنْذِرْ﴾ الناس وخوّفهم من عذاب الله على الشرك والعصيان. عن ابن عباس ، قال : قم نذيرا للبشر (٤) . ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ وعظّم من أن يكون له شريك ، أو ممّا يقوله عبدة الأوثان ، أو فاذكره بالكبرياء ، وقل : الله أكبر.

روي أنّه لمّا نزلت هذه الآية قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : الله أكبر كبيرا ، فكبّرت خديجة وفرحت وعلمت أنّه اوحي إليه (٥) .

وروى أنّه لمّا نزلت كبّر وأيقن أنّه الوحي ، لأنّ الشيطان لا يأمر بذلك (٦) .

قيل : إنّ حرف الفاء زائدة (٧) . وقيل : إنّه لإفادة الشرط ، والتقدير : وأيّ شيء كان فلا تدع تكبيره (٨) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٠ : ١٨٩.

(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٠.

(٣و٤) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٠.

(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩١ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٥٤ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٥.

(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٥.

(٧) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩١.

(٨) تفسير أبي السعود ٩ : ٥٤ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٥.

٣٦٤

﴿وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ﴾ من الأقذار بتشميرها ، كما عن الصادق عليه‌السلام (١) .

وعنه ، عن أمير المؤمنين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « غسل الثياب يذهب الهمّ والحزن ، وطهور للصلاة ، وتشمير الثياب طهورها ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : ﴿وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ﴾ أي فشمّر » (٢) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « معناه : وثيابك فقصّر » (٣) .

قيل : إنّ العرب كانوا يطيلون ثيابهم ، ويجرّون أذبالهم خيلاء أو كبرا ، فكانت تتنجّس ، فنهى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك (٤) .

وروي أنّ المشركين ألقوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلى شاة ، فشقّ عليه ، ورجع إلى بيته حزينا ، وتدثّر بثيابه ، فقيل : ﴿يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ ولا تمنعك تلك السفاهة عن الانذار ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ من أن لا ينتقم منهم ﴿وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ﴾ عن تلك النجاسات والقاذورات (٥) .

وقيل : تطهير الثوب كناية عن تطهير الأخلاق وتحسينها (٦) . والمراد لا تحملك سفاهتهم على ترك الإنذار ، بل حسّن خلقك ، واصبر على أذاهم ولا تجزع.

﴿وَالرُّجْزَ﴾ قيل : هو الشيطان (٧) . وقيل : هو العذاب (٨) . وقيل : كلّ عمل قبيح موجب للعذاب (٩) . وقيل : كلّ مستقذر ورجس (١٠) . وقيل : هو الأوثان (١١) .

﴿فَاهْجُرْ﴾ وارفض ولا تقربه ﴿وَلا تَمْنُنْ﴾ على أحد بإعطاء من مالك شيئا حال كونك ﴿تَسْتَكْثِرُ﴾ وتطلب زيادة مالك بعوض ما أعطيت ، بل كلّما تعطي شيئا لا تطمع أن يعوّضك ممّا أعطيت أكثر منه ، فانّه لا يليق بمقامك الرفيع ومنصبك العظيم ، لأنّ الطمع في مال الناس من أخلاق طلّاب الدنيا.

وعن الباقر عليه‌السلام : « لا تعط العطية تلتمس أكثر منها » (١٢) .

وقيل : يعني لا تعط شيئا وأنت تستكثره ، بل عليك أن تستحقره وتستقلّه ، وتكون كالمعتذر من قلّته (١٣) .

وقيل : إنّ المراد لا تمنن على الناس بما تعلّمهم من امور دينهم ، كمن يستكثر ذلك الإنعام ، فانّك

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٥ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٤٥.

(٢) مجمع البيان ١٠ : ٥٨١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٤٦.

(٣) مجمع البيان ١٠ : ٥٨١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٤٥.

(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٢.

(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩١.

(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٥.

(٧) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٣.

(٨) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٣ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٦.

(٩ و١٠) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٣.

(١١) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٣ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٦.

(١٢) تفسير القمي ٢ : ٣٩٣ ، عن أبي الجارود ، تفسير الصافي ٥ : ٢٤٦.

(١٣) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٥.

٣٦٥

كنت مأمورا بالتبليغ فلا منّة لك عليهم (١) .

وقيل : يعني لا تمنن بنبوتك عليهم ، لتستكثر وتأخذ منهم أجرا (٢) .

وقيل : يعني لا تمنن على ربّك بهذه الأعمال الشاقة التي امرت بها في السورة ، لكونها في نظرك كثيرا (٣) .

عن الصادق عليه‌السلام في هذه الآية : « لا تستكثر ما عملت من خير لله تعالى » (٤) .

﴿وَلِرَبِّكَ﴾ المنّان عليك بالنّعم العظام ﴿فَاصْبِرْ﴾ على مشاقّ تكاليفه وأذى المشركين ، لا الاغراض النفسانية والدنيوية كالمال والجاه.

﴿فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ *

 ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً *

 وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ

 صَعُوداً (٨) و (١٧)

ثمّ إنّه تعالى بعد أمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصبر ، سلّى قلبه الشريف بتهديد الكفّار ومعانديه بقوله تعالى : ﴿فَإِذا نُقِرَ﴾ ونفخ ﴿فِي النَّاقُورِ﴾ والصّور النفخة الثانية للإحياء والنشور ﴿فَذلِكَ﴾ اليوم الذي بين أيديهم ﴿يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ وشاقّ في الغاية. وقيل : يعني فذلك النّقر يومئذ نقر يوم عسير (٥) . ﴿عَلَى الْكافِرِينَ﴾ لابتلائهم بالأهوال الفظيعة والشدائد العظيمة.

ثمّ أكّد سبحانه عسره بقوله : ﴿غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ لهم بوجه من الوجوه. عن ابن عباس : لمّا قال غير يسير على الكافرين فهم أنّه كان يسيرا على المؤمنين (٦) .

ثمّ خصّ سبحانه التهديد بأشقى المكذّبين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكتابه ، وهو الوليد بن المغيرة بقوله تعالى :

﴿ذَرْنِي﴾ يا محمد ، ودعني والوليد ﴿وَ﴾ هو ﴿مَنْ خَلَقْتُ﴾ حال كونه ﴿وَحِيداً﴾ لا مال له ولا ولد ولا أعوان ، فانّي أكفيكه واجازيه وأنتقم لك منه.

وقيل : إنّ المراد خلقته حال كوني وحيدا في خلقه لا يشاركني فيه غيري (٧) .

وقيل : إنّ الوحيد لقب الوليد ، وكان يقول : أنا الوحيد بن الوحيد ، ليس لي ولا لأبي نظير (٨) . والمعنى :

__________________

(١و٢) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٤.

(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٤.

(٤) الكافي ٢ : ٣٦٢ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٤٦.

(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٧.

(٦و٧) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٨.

(٨) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٨ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٨.

٣٦٦

خلّ بيني وبين الوليد ، أعني وحيدا في ظنّه واعتقاده ، أو وحيدا في الشقاوة والضلالة والدناءة (١) ، أو وحيدا لا يعرف له أب ، لأنّه كان لحيقا بقريش.

﴿وَجَعَلْتُ لَهُ﴾ في هذه الدنيا ﴿مالاً مَمْدُوداً﴾ يأتيه شيئا فشيئا على الدوام كالضّرع والزّرع والتجارة.

وعن ابن عباس قال : كان ماله ممتدّا ما بين مكة إلى الطائف [ من ] البساتين التي لا ينقطع نفعها شتاء وصيفا ، والإبل والخيل (٢) .

وقيل : إن الممدود كناية عن الكثير الذي يمتدّ تعديده (٣) .

﴿وَبَنِينَ﴾ كانوا كلّهم ﴿شُهُوداً﴾ وحضورا عنده لا يفارقونه ، أو شهودا معه في المجامع والمحافل.

قيل : كانوا عشرة (٤) . وقيل : سبعة منهم خالد بن الوليد (٥) .

﴿وَمَهَّدْتُ﴾ وبسطت ﴿لَهُ﴾ الرئاسة والجاه في قريش ، وفي العيش والعمر ﴿تَمْهِيداً﴾ وبسطا عجيبا ، فأتممت عليه النّعم الدنيوية ﴿ثُمَ﴾ إنّه مع ذلك ﴿يَطْمَعُ﴾ من شدّة حرصه على الدنيا ﴿أَنْ أَزِيدَ﴾ على ما اعطيته حاشا و ﴿كَلَّا﴾ كيف يطمع [ في ] ذلك.

ثمّ كانّه قيل : لم لا يطمع ولا يزداد ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿إِنَّهُ﴾ لخبث ذاته ﴿كانَ لِآياتِنا﴾ ودلائل توحيدنا ومعجزات رسولنا وبراهين البعث والقيامة من قديم الأيام ، أو آياتنا القرآنية ﴿عَنِيداً﴾ ومبغضا ومعارضا بلسانه ، وإن كان معتقدا بقلبه ، ولذا ﴿سَأُرْهِقُهُ﴾ واغشيه واكلّفه كرها بل (٦) ما يطعمه في الدنيا ﴿صَعُوداً﴾ وارتقاء عقبه شاقة المصعد بحيث تغشاه الشدّة والعذاب من كلّ جانب.

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثمّ يهوي كذا أبدا » (٧) .

وقيل : إنّه اسم عقبة في النار ، كلّما وضع يده عليها ذابت ، فاذا رفعها عادت (٨) .

﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ

 وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ

__________________

(١) في النسخة : والذئامة.

(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٨ و١٩٩ ، وقد المصنف خلط بين قول ابن عباس ومقاتل ، تفسير أبي السعود ٩ : ٥٦.

(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٩.

(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٩ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٥٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٨.

(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ١٩٩ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٥٦.

(٦) كذا ، والظاهر : بدل ، راجع تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٩.

(٧) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٠ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٥٧.

(٨) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٠ ، تفسير أب السعود ٩ : ٥٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٩.

٣٦٧

الْبَشَرِ (١٨) و (٢٥)

ثمّ بيّن سبحانه كيفية عناده بقوله : ﴿إِنَّهُ﴾ لعنه الله ﴿فَكَّرَ﴾ في القرآن وتدبّر ﴿وَقَدَّرَ﴾ ورتّب في خواطره كلاما لصرف الناس عنه.

ثمّ أظهر سبحانه التعجّب من قوة فكره وتهيئة ردّه بقوله : ﴿فَقُتِلَ﴾ اللعين ﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾ ورتّب هذا الكلام وقيل : إنّ مدح كلامه على سبيل الاستهزاء ، والمراد إظهار أنّه في غاية الرّكاكة (١) .

ثمّ بالغ سبحانه في إظهار التعجّب من كلامه بقوله : ﴿ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ ورتّب كلامه الكذب من قبل نفسه ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ فيما قدّر.

قيل : فكّر أولا وقدّر الكلام ثانيا ، ثمّ نظر وتأمّل في ذلك المقدّر احتياطا ثالثا (٢) أو نظر في القرآن ﴿ثُمَّ عَبَسَ﴾ وقطّب وجهه من الغضب والعناد حيث رأى نفسه عاجزا عن ردّه وإبطاله ﴿وَبَسَرَ﴾ وتغيّر وجهه واسودّ ، أو قيّض ما بين عينيه ، أو استعجل في عبوسه وأظهره في غير موقعه.

﴿ثُمَّ أَدْبَرَ﴾ عن الحقّ ، وأعرض عنه ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ عن اتّباعه ﴿فَقالَ﴾ عقيب إعراضه واستكباره : ﴿إِنْ هذا﴾ القرآن الذي جاء به محمد ، وما هذا الكلام الذي يتحدّي به ﴿إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ ويتعلّم من الغير ، وليس هو بكلام الله ﴿إِنْ هذا﴾ وما ذلك ﴿إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾.

قيل : إنّ مراده من البشر يسار وجبير ، كانا عبدين من فارس ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يراودهما ، وأبوه فكيهة كان غلاما روميا يتردّد إلى مكّة من طرف مسيلمة الكذّاب في اليمامة (٣) .

روي أنّ الوليد مرّ بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقرأ حم السجدة (٤) - وقيل : فواتح حم المؤمن (٥) - فقال لبني مخزوم : والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجنّ ، إنّ له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يعلى عليه. فقالت قريش صبا والله الوليد ، لتصبأنّ قريش ، أي بمتابعته فقال ابن أخيه أبو جهل : أنا أكفيكموه ، فقعد عنده حزينا ، وكلّمه بما أغضبه ، فقال الوليد : ألم تعلم قريش أنا أكثرهم مالا وولدا إلى أن قال : أتزعمون أنّ محمدا مجنون ، فهل رأيتموه أنّه يخلق ؟ فانّ العرب كانت تعتقد أنّ الشيطان يخلق المجنون ويتخبّطه ، أو تقولون : إنّه كاهن ، فهل رأيتموه يتكهّن ؟ أو تزعمون أنّه شاعر ، فهل رأيتموه يتعاطى الشعر قطّ ؟ أو تزعمون أنّه كذّاب ، فهل جرّبتم عليه شيئا من الكذب.

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٠ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٩.

(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٠.

(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣١.

(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٢.

(٥) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٩.

٣٦٨

فقالوا في كلّ ذلك : اللهمّ لا ثمّ قالوا : فما هو ؟ وما تقول في حقّه ؟ ففكّر فقال : ما هو إلّا ساحر ، أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ، وما الذي يقوله إلّا سحر يأثره عن مسيلمة وعن أهل بابل ، فارتجّ النادي فرحا ، فتفرّقوا متعجّبين منه راضين به (١) .

وعن القمي : نزلت في الوليد بن المغيرة : وكان شيخا كبيرا مجرّبا من دهاة العرب ، وكان من المستهزئين برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقعد في الحجرة ويقرأ القرآن ، فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة ، فقالوا : يا أبا عبد شمس ، ما هذا الذي يقول محمد ، أشعر ، أم كهانة ، أم خطب ؟ فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا محمد ، أنشدني من شعرك ، فقال : « ما هو شعر ، ولكنّه كلام الله الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه ورسله » فقال : اتل عليّ منه شيئا فقرأ عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حم السجدة ، فلمّا بلغ قوله : ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا*﴾ يا محمد قريش ﴿فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ(٢) فاقشعر الوليد ، وقامت كلّ شعرة في رأسه ولحيته ، ومرّ إلى بيته ، ولم يرجع إلى قريش من ذلك.

ومشوا إلى أبي جهل فقالوا : يا أبا الحكم ، إنّ أبا عبد شمس صبأ إلى دين محمد ، أما تراه لم يرجع إلينا. فغدا أبو جهل إلى الوليد ، وقال له : يا عم ، نكّست رؤوسنا وفضحتنا ، وأشمت بنا عدوّنا ، وصبوت إلى دين محمد ! فقال : ما صبوت إلى دينه ، ولكنّي سمعت كلاما صعبا ، تقشعرّ منه الجلود. فقال له أبو جهل : أخطب هو ؟ قال : لا. إنّ الخطب كلام متصل ، وهذا كلام منثور ، ولا يشبه بعضه بعضا. قال : أفشعر هو ؟ قال : لا ، أما انّى سمعت أشعار العرب بسيطها ومديدها ورملها ورجزها ، ما هو بشعر. قال : فما هو ؟ قال : دعني أفكّر فيه.

فلمّا كان من الغد قال له : يا أبا عبد شمس ، ما تقول فيما قلنا ؟ قال : قولوا هو سحر ، فانّه أخذ بقلوب الناس ، فأنزل الله على رسوله : ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً﴾ وإنّما سمّي وحيدا لأنّه قال لقريش : أنا أتوحّد بكسوة البيت سنة ، وعليكم في جماعتكم سنة. وكان له مال كثير وحدائق ، وكان له عشر بنين بمكّة ، وكان له عشرة عبيد ، عند كلّ [ عبد ] ألف دينار يتجر بها (٣) .

﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْها

 تِسْعَةَ عَشَرَ * وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً

__________________

(١) جوامع الجامع : ٥١٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٤٨ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٥٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٩.

(٢) فصلت : ٤١ / ١٣.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٩٣ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٤٧.

٣٦٩

لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا

 يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ

 وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ

 وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ * كَلاَّ وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ

 أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ * إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شاءَ

 مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٢٦) و (٣٧)

ثمّ فسّر سبحانه تهديده بإرهاقه الصعود بقوله : ﴿سَأُصْلِيهِ﴾ وادخله عنفا وجبرا ﴿سَقَرَ﴾ وجهنم. قيل : إن سقر أحد أسماء جهنم (١) . وعن ابن عباس : أنّه اسم للطبقة السادسة من جهنم (٢) .

ثمّ بالغ سبحانه في التهويل بقوله : ﴿وَما أَدْراكَ﴾ وأي شيء أعلمك يا محمد ﴿ما سَقَرُ ؟﴾ فانّ العلم بها وبوصفها وشدّة حرّها خارج عن إدراك العقول في هذا العالم ، إنّما الممكن من إدراكها أن يقال : إنّها ﴿لا تُبْقِي﴾ ممّا ألقى فيها شيئا بل تهلكه بالإحراق ﴿وَلا تَذَرُ﴾ هالكا حتّى يعاد.

عن ابن عباس : أنّها لا تبقي من الدم واللحم والعظم شيئا ، فاذا اعيدوا خلقا جديدا لا تذر أن تعاود إحراقهم بأشدّ ممّا كانت ، وهكذا أبدا (٣) ، ولا تبقي من المستحقّين للعذاب إلّا عذّبتهم ، ثمّ لا تذر من أبدان اولئك المعذّبين شيئا إلّا أحرقته.

وقيل : يعني لا تبقي من أبد ان المعذّبين شيئا ، ولا تذر من قوّتها وشدّتها شيئا إلّا أعملت تلك القوة والشدّة في تعذيبهم (٤) .

وقيل : إنّ الجملتين مترادفتان ذكرا للتأكيد (٥) .

وتلك الجحيم ﴿لَوَّاحَةٌ﴾ وظاهرة ﴿لِلْبَشَرِ﴾ وبني آدم من مسيرة خمسين عام ، ويصل إلى الكافر سمومها وحرورها ، كما يصل إلى المؤمن ريح الجنة ونسيمها من تلك المسافة ، كذا قيل (٦) . وقيل : إنّ المعني مغيرة لظاهر الجلد (٧) ويصير لونها أسود كالليل المظلم ، ومأمور من قبلنا بتنظيم امور سقر ، وموكّل ﴿عَلَيْها﴾ ومسلّط على أهلها ﴿تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ من الملائكة الغلاظ الشّداد. قيل : أعينهم كالبرق ، وأنيابهم كالصياصي ، وأشفارهم تمسّ أقدامهم ، يخرج لهب النار من أفواههم ، ما بين منكبي كلّ منهم مسيرة سنة ، كفّ أحدهم يسع مثل ربيعة ومضر ، نزعت منهم الرأفة والرحمة ، رئيسهم

__________________

(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣١.

(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٢ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣١.

(٣-٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٢.

(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣١.

(٧) تفسير أبي السعود ٩ : ٥٨ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣١.

٣٧٠

مالك (١) .

ثمّ روي أنّه لمّا نزلت الآية قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم امّهاتكم ، قال ابن ابي كبشه أنّ خزنة النار تسعة عشر ، وأنتم الجمع العظيم أيعجز (٢) كلّ عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم ؟ فقال أبو الأشدّ أو أبو الأسود - بن أسيد بن كلدة الجمحي ، وكان شديد البطش : أنا أكفيكم سبعة عشر ، وأكفوني أنتم اثنين. فلمّا قال أبو جهل وأبو الأشدّ - أو أبو الأسود - ذلك قال المسلمون : ويحكم لا تقاس الملائكة بالحدّادين أي السجّانين. فنزلت ﴿وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ(٣) وخزنتها الذين يقومون بأمرها ﴿إِلَّا مَلائِكَةً﴾ وكلّ واحد منهم أقوى من جميع الإنس والجنّ ، وأطوع لأوامر الله ، وليس لهم رأفة بالثقلين لمخالفتهم إياهم في الجنس.

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لقوّة أحدهم مثل قوة الثقلين ، يسوق أحدهم الامّة وعلى رقبته جبل فيرمي بهم في النار ، ويرمي بالجبل عليهم » (٤) .

﴿وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا﴾ العدد الذي يكون ﴿فِتْنَةً﴾ وسببا لازدياد الكفر ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأصرّوا على كفرهم وعنادهم ، وما أخبرنا بعددهم الا ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ﴾ من اليهود والنصارى بصحّة نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وصدق كتابه ، لما شاهدوا من موافقته لكتبهم من أنّ محمدا امّي لم يقرأها ولم يسمع شيئا من علمائهم ﴿وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكتابه ﴿إِيماناً﴾ ويقينا بهما بما رأوا من تصديق أهل الكتاب ما في القرآن.

روي أنّ اليهود سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن خزنة النار وعددهم ، فأجاب صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّهم تسعة عشر(٥) .

﴿وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ ولا يعتريهم الشكّ بعد يقينهم بنوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وصدق كتابه ، ولا تعرض لهم (٦) شبهة ما ، بل يكون يقينهم يقينا ثابتا جازما ﴿وَلِيَقُولَ﴾ المنافقون ﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ الكفر والنفاق والشكّ ﴿وَالْكافِرُونَ﴾ المتجاهرون بالكفر المصرّون عليه استهزاء بالقرآن وإنكار الآية من عند الله : ﴿ما ذا﴾ وأي شيء ﴿أَرادَ اللهُ بِهذا﴾ العدد الذي عيّن لخزنة جهنّم ؟ وهو العدد الناقص عن العقد ، ولم يقل عشرون أو ثلاثون ، فهو يكون ﴿مَثَلاً﴾ في الغرابة ﴿كَذلِكَ﴾ الذي ذكرنا من هداية أهل الكتاب ، وازدياد يقين المؤمنين بنزول هذه الآية ، وإضلال الكافرين والمنافقين ﴿يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ﴾ إضلاله على خبث طينته وذمائم أخلاقه

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٣ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣١ و٢٣٢.

(٢) في النسخة : أيفجر.

(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٣.

(٤) تفسير أبي السعود ٩ : ٥٩ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣٣.

(٥) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣٤.

(٦) في النسخة : ولا يعرضهم.

٣٧١

وسيئات أعماله ﴿وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ﴾ هدايته بمقتضى طيب طينته وحسن نيته وأخلاقه ، وإنّما يكون اختيار هذا العدد القليل لخزّان جهنّم لحكمة مقتضيه لذلك ، لا لقلّة الملائكة الذين هم جنود الله ، فانّهم من كثرتهم بحيث لا يحصون (١)﴿وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ﴾ من الملائكة وسائر الموجودات ﴿إِلَّا هُوَ﴾ تعالى ، فهو قادر على أن يكثّر عدد الخزنة ، بل لكلّ واحد منهم أعوان من الملائكة لا يعلم عددهم إلّا الله ، وليست عدّة الخزنة ، أو سقر ، أو تلك الآيات ﴿وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى﴾ وعظة ﴿لِلْبَشَرِ﴾ كافة ولبني آدم عامة.

﴿كَلَّا﴾ لا يتذكّرون بتلك الذكريات (٢) والمواعظ إلّا العقلاء وأهل الإيمان ، أو المراد ليس لأحد مجال إنكار سقر ﴿وَالْقَمَرِ﴾ المضيء الذي تعرف به الأوقات والآجال ، وتظهر به عجائب الصّنع وكمال قدرته في حركاته المختلفة التي هي مع كثرتها واختلافها على نظام واحد. وقيل : يعني اقسم بخالق القمر (٣) .

﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ﴾ وحين ذهب وانقضى ، كما عن ابن عباس (٤) . ﴿وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ﴾ وأضاء ، وهو من الأوقات الشريفة التي يظهر فيها قدرة الله ورحمته ﴿إِنَّها﴾ قيل : إن الضمير راجع إلى سقر (٥) ، والمعنى اقسم بهذه الأيمان المذكورة أنّ سقر ﴿لَإِحْدَى﴾ الطبقات ، أو الدواهي ﴿الْكُبَرِ﴾ والعظام ، والطبقات الاخر لظى والحطمة والسعير والجحيم والهاوية وجهنّم.

وقيل : إنّه راجع إلى الزبانية التسعة عشر ، والمعنى أنّ التسعة عشر من إحدى الحجج العظام على قدرة الله على تعذيب جميع العصاة من بدو الخلقة إلى آخر الدهر بعدة قليلة من الملائكة (٦) ، وجعلنا ذلك ﴿نَذِيراً﴾ ومخوفا أو انذارا وتخويفا ﴿لِلْبَشَرِ﴾ أعني ﴿لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ﴾ أيّها الناس ﴿أَنْ يَتَقَدَّمَ﴾ ويسبق إلى الخيرات بهداية الله تعالى ﴿أَوْ﴾ لم يشأ و﴿يَتَأَخَّرَ﴾ ويكفّ نفسه عنه باضلال الله.

﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ *

 عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ

 نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ *

حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٣٨) و (٤٧)

__________________

(١) في النسخة : لا يحصى.

(٢) في النسخة : الذكرات.

(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣٨.

(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٨.

(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٠٩ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣٨.

(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٣٨.

٣٧٢

أيّها الناس اعلموا أنّه ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ من النفوس رجلا كان أو امرأة ﴿بِما كَسَبَتْ﴾ وعملت في الدنيا لآخرتها ﴿رَهِينَةٌ﴾ عند الله ومحبوسة بسيئاتها ﴿إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ﴾ وذوي الأعمال الصالحة من المؤمنين ، فانّهم - بامتثال ما عليهم من التكاليف ، وأداء حقوق الله إليه ، وبإبراء ذممهم من الواجبات وترك المحرّمات - فاكوّن رقابهم كما يفكّ الراهن رهنه بأداء دينه.

وقيل : إنّ المراد بهم أطفال المسلمين (١) فهم ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ وهم لما يعرفوا في الدنيا التكليف والذنب ﴿يَتَساءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ﴾ الذين يرونهم في جهنّم ، ويقولون لهم : ﴿ما سَلَكَكُمْ﴾ وأي شيء حبسكم ، أو أدخلكم ﴿فِي﴾ دركة ﴿سَقَرَ﴾ وقال القائلون بالقول الأول : إنّ المؤمنين لسال بعضهم بعضا عن المجرمين : أين هم ؟ فلمّا رأوهم قالوا لهم : ما سلككم في سقر ؟ ﴿قالُوا﴾ في جوابهم : إنّا ﴿لَمْ نَكُ﴾ في الدنيا ﴿مِنَ﴾ جملة ﴿الْمُصَلِّينَ﴾ والمؤدّين للصلاة الواجبة.

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « تعاهدوا أمر الصلاة وحافظوا [ عليها ] واستكثروا منها ، وتقرّبوا بها ، فانّها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا : ﴿ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ » (٢) .

وعن الصادق عليه‌السلام قال : « اعني لم نك من أتباع الأئمة الذين قال الله تعالى لهم : ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(٣) أما ترى الناس يسمّون الذي يلي السابق مصلّيا ، فذلك الذي [ عنى ] حيث قال : ﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ أي لم نك من أتباع السابقين » (٤) .

وعن الكاظم عليه‌السلام قال : « يعني أنّا لم نتولّ وصيّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والأوصياء من بعده ، ولم نصلّ عليهم » (٥) .

أقول : هاتان الروايتان تأويل لا تفسير.

﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ ولم نعطهم الزكاة الواجبة ، أو المراد نبخل بأموالنا ﴿وَكُنَّا﴾ في الدنيا ﴿نَخُوضُ﴾ ونشرع في الأقوال الباطلة ، كذمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والاستهزاء به وبكتابه ﴿مَعَ الْخائِضِينَ﴾ والشارعين فيها ﴿وَكُنَّا﴾ مع جميع ذلك ﴿نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ ونجحد دار الجزاء ﴿حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ﴾ وأدركنا الموت.

﴿فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٠.

(٢) نهج البلاغة : ٣١٦ الخطبة ١٩٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥١.

(٣) الواقعة : ٥٦ / ١٠ و١١.

(٤) الكافي ١ : ٣٤٧ / ٣٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥١.

(٥) الكافي ١ : ٣٦٠ / ٩١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥١.

٣٧٣

مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٤٨) و (٥١)

ثمّ لمّا حكى سبحانه سبب استحقاق المجرمين للعقاب ، بيّن عدم المانع من تعذيبهم بقوله تعالى : ﴿فَما تَنْفَعُهُمْ﴾ لدفع العذاب ﴿شَفاعَةُ﴾ جميع الأنبياء والأوصياء والأولياء ﴿الشَّافِعِينَ﴾ للعصاة ، لو فرض محالا بشفاعتهم لهم ، لا شراط قبولها بقابلية المشفوع له للشفاعة ، ولا قابلية للكفّار لها ، فاذا كان هذا حال المكذّبين بالقرآن ﴿فَما لَهُمْ﴾ وأيّ داع دعاهم إلى أن يكونوا ﴿عَنِ﴾ القرآن الذي هو عين ﴿التَّذْكِرَةِ﴾ والموعظة للناس لشدّة لزومه لها ﴿مُعْرِضِينَ﴾ مع تعاضد موجبات الإقبال عليه ، وتأكّد الدواعي للايمان به والاتّعاظ منه ، والعجب مع ذلك أنّهم يفرّون من استماع القرآن ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ﴾ وحشية كما عن ابن عباس (١)﴿مُسْتَنْفِرَةٌ﴾ وهاربة ﴿فَرَّتْ﴾ وهربت ﴿مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ عن ابن عباس : القسورة : الأسد بلسان الحبشة. وقال : الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت ، كذلك المشركون إذا رأوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله هربوا منه (٢) .

وقيل : القسورة : جماعة الرّماة الذين يتصيّدون الحمر (٣) . وقيل : ركز الناس وأصواتم (٤) وفيه غاية ذمّهم وتهجين حالهم وشهادة عليهم بالبلد (٥) حيث إنّه لا نفار مثل نفار الحمر الوحشية واطرادها في العدو إذا خافت من شيء.

﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً * كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ

 *كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ * وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ

 التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٢) و (٥٦)

ثمّ لمّا قال سبحانه : ما لهم يعرضون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو القرآن ، بيّن سبب ذلك بقوله : ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ﴾ ورجل ﴿مِنْهُمْ﴾ ويتوقّع كلّ فرد من أفرادهم ﴿أَنْ يُؤْتى﴾ من جانب الله ﴿صُحُفاً﴾ وكتبا ﴿مُنَشَّرَةً﴾ ومفتوحة.

وروي أنّ أبا جهل وعبد الله بن امية وأصحابهما قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لن نتّبعك حتى تأتي كلّ واحد منّا بكتب ، أو قالوا : يصبح عند رأس كلّ رجل منّا أوراق منشورة ، عنوانها : من ربّ العالمين إلى فلان بن فلان ، نؤمر فيها باتّباعك (٦) .

__________________

(١و٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٢.

(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٢ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤١.

(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٢.

(٥) في تفسير الرازي : بالبله. والبلد : قلّة الذكاء. والبله : ضعف العقل وغلبة الغفلة.

(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٢.

٣٧٤

وقيل : قالوا : إن كان محمد صادقا ، فليصبح عند رأس كلّ رجل منا صحيفة فيها براءة من النار(١) .

﴿كَلَّا﴾ لم يقولوا هذه الكلمات ، ولم يقترحوا تلك الآيات لرفع الشّبهة ﴿بَلْ﴾ للعناد واللّجاج ﴿لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ﴾ وشدائدها ، لأنّهم ينكرونها ويستغرقون في حبّ الدنيا وشهواتها ﴿كَلَّا﴾ ليس لأحد أن يعرض عن القرآن حيث ﴿إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾ بليغة كافية ، وموعظة شافية لأهل العالم ﴿فَمَنْ شاءَ﴾ الذّكر والعظة ﴿ذَكَرَهُ﴾ واتّعظ به ، وجاز به خير الدارين.

وقيل : إنّ الضمير في ﴿إِنَّهُ﴾ و﴿ذَكَرَهُ﴾ راجع إى التذكره في قوله : ﴿فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ لأنّها في معنى الذّكر والقرآن (٢) .

﴿وَما يَذْكُرُونَ﴾ ولا يتّعظون ولا يهتدون به ﴿إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ﴾ تذكّرهم واتّعاظهم ، أو هدايتهم به ، وفيه دلالة على أنّه بمشية الله وإرادته العبد ، لأنّه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ، كما حقّقناه في أوائل البقرة.

ثمّ وصف سبحانه ذاته المقدّسة بما يوجب الخوف والرجاء بقوله : ﴿هُوَ﴾ تعالى ﴿أَهْلُ التَّقْوى﴾ وحقيق بأن يخاف منه ومن عقابه على ترك الايمان وطاعته ، لأنّه ذو انتقام وشديد العقاب ﴿وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ وحقيق بأن يغفر لمن آمن به وأطاعه.

عن الصادق عليه‌السلام في هذه الآية قال : « قال الله تبارك وتعالى : أنا أهل أن أتّقى ولا يشرك بي عبدي شيئا ، وأنا أهل إن لم يشرك بي عبدي شيئا أن أدخله الجنّة » .

وقال عليه‌السلام : « [ إن الله تبارك وتعالى ] أقسم بعزته وجلاله أن لا يعذّب أهل توحيده بالنار أبدا» (٣) .

عن الباقر عليه‌السلام : « من قرأ في الفريضة سورة المدّثر ، كان حقا على الله عزوجل أن يجعله مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في درجته ، ولا يدركه في الحياة الدنيا شقاء أبدا إن شاء الله تعالى » (٤) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٢.

(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٣ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٢.

(٣) التوحيد : ٢٠ / ٦ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٢.

(٤) ثواب الأعمال : ١٢٠ ، مجمع البيان ١٠ : ٧٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٢.

٣٧٥
٣٧٦

في تفسير سورة القيامة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ

 نَجْمَعَ عِظامَهُ (١) و (٣)

ثمّ لمّا ختمت سورة المدّثر المتضمّنة لبيان بعض أهوال القيامة وبيان عظمة القرآن ، وأنّ مكذّبيه لا يخافون الآخرة ، نظمت سورة القيامة المتضمّنة لبيان بعض آخر من أهوال القيامة ، وبيان عظمة القرآن المجيد ، وأنّ مكذّبيه يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة ، وغير ذلك من المناسبات بين السورتين الشريفتين ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله تبارك وتعالى : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.

ثمّ شرع سبحانه في إثبات المعاد بقوله : ﴿لا أُقْسِمُ﴾ على وقوع المعاد ﴿بِيَوْمِ الْقِيامَةِ* وَلا أُقْسِمُ﴾ عليه ﴿بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ لعظمة شأنهما وعدم الحاجة في وقوعه إلى القسم لوضوحه. وقيل : إنّ حرف ﴿لا﴾ زائدة للتأكيد (١) . والمعنى اقسم بيوم القيامة وبالنفس اللّوامة أنّكم لتبعثنّ.

عن ابن عباس : كلّ نفس تلوم نفسها يوم القيامة [ سواء ] كانت فاجرة أو برّه ، أمّا البرّة فلأجل أنّها لم تزد على طاعتها ، وأمّا الفاجرة فلأجل أنّها لم تشتغل بالتقوى (٢) .

وقيل : إنّ المراد النفوس المتقية التي تلوم النفس العاصية يوم القيامة (٣) .

وقيل : إنّ المراد النفوس الشريفة التي تلوم نفسها وإن اجتهدت في الطاعة (٤) .

وقيل : إنّها النفوس الشقية ، فانّها تلوم نفسها إذا شاهدت أهوال القيامة (٥) . قيل : وجه المناسبة بين المقسمين أنّ ظهور شدّة اللوم يكون في ذلك اليوم (٦) .

ثمّ أنكر سبحانه استبعاد البعث أو امتناعه أو أظهر التعجّب منه بقوله : ﴿أَيَحْسَبُ﴾ ويتخيّل ﴿الْإِنْسانُ﴾ العاقل ﴿أَلَّنْ﴾ نقدر على أن ﴿نَجْمَعَ عِظامَهُ﴾ بعد موته. عن ابن عباس : أنّ المراد

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٤ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٣.

(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٥.

(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٦.

(٤و٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٦.

(٦) مجمع البيان ١٠ : ٥٩.

٣٧٧

بالانسان أبا جهل (١) .

وروي أنّ عديّ بن أبي ربيعة ختن الأخنس بن شريق ، وهما اللذان قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهما : « اللهمّ أكفني شرّ جاري السّوء » قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا محمد ، حدّثني عن يوم القيامة متى يكون ، وكيف أمره ؟ فأخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم اصدّقك يا محمد ولم اؤمن بك ، كيف يجمع الله العظام (٢) .

﴿بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ * يَسْئَلُ

 أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ * فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ

 وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (٤) و (١٠)

ثمّ ردّ سبحانه المنكرين بقوله : ﴿بَلى﴾ نحن كنّا ﴿قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ﴾ ونصنع ﴿بَنانَهُ﴾ وأصابعه وأطرافها كما كانت بعد صيرورتها رميما ورفاة مختلطا بالتراب متفرّقا في أقطار الأرض مع صغرها ورقّتها ، فكيف بغيرها من العظام الكبار الغلاظ ؟

ثمّ نبّه سبحانه على أنّ الحسبان ليس بشبهة وترديد في إمكان إحياء الموتى وقدرة الله عليه ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ﴾ المنكر للبعث ﴿لِيَفْجُرَ﴾ ويكذّب بما يكون ﴿أَمامَهُ﴾ وقدّامه من البعث والحساب.

وقيل : ليدوم على فجوره وعصيانه فيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه (٣) .

وعن القمي وسعيد بن جبير : ليقدّم الذنب ويؤخّر التوبة ويقول : سوف أتوب ، حتى يأتيه الموت على شرّ أحواله وأسوأ أعماله (٤) . وهو لإصراره على الذنب ﴿يَسْئَلُ﴾ تكذيبا واستهزاء بإخبار الله ورسوله بالبعث ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ﴾ ومتى يكون ؟ فأجابه سبحانه بقوله : ﴿فَإِذا بَرِقَ﴾ وتحيّر ﴿الْبَصَرُ﴾ وشخص برؤية الأهوال الفازعة في يوم تشخص فيه الأبصار ، أو يوم الموت برؤية أسبابه والملائكة الحاضرين لقبض روحه ، فعند ذلك يتيقّن بأن إنكاره البعث كان خطا وغلطا ﴿وَ﴾ إذا ﴿خَسَفَ الْقَمَرُ﴾ وذهب ضوؤه أو انعدم جرمه بالكلية ﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ في ذهاب النور ، كما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) وفي الإعدام.

وقيل : يجمعان أسودين مكوّرين كأنّهما ثوران عقيران في النار (٦) . وقيل : يجمعان ثمّ يقذفان في

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٧.

(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٧ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٦٥ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٤.

(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٩١٨.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٩٦ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٤ ، تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٨ ، عن سعيد بن جبير.

(٥) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٦.

(٦) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٢٠.

٣٧٨

[ البحر ، فهناك ] نار الله الكبرى (١) ليكون حسرة على من عبدهما ، وإنّما ذكّر الفعل لأنّ الكلام في تأويل جمع بينهما أو جمع النوران ، أو لتقدّم الفعل.

فعند ذلك ﴿يَقُولُ الْإِنْسانُ﴾ المنكر للبعث من كثرة التحيّر وشدّة الوحشة ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ووقت مشاهدة الأهوال : إياسا عن إمكان الفرار : ﴿أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾ وهل إلى موضع يحفظني سبيل ؟

﴿كَلاَّ لا وَزَرَ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ

 * بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١١) و (١٥)

ثمّ ردعهم سبحانه عن الطمع في الفرار بقوله : ﴿كَلَّا﴾ وحاشا أن تجدوا مفرّا ﴿لا وَزَرَ﴾ ولا ملجأ ولا معاد لأحد من العذاب ، بل ﴿إِلى رَبِّكَ﴾ ومشيئته وحكمه ﴿يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ والمرجع لا إلى غيره. وقيل : يعني إلى مشيئة ربّك مستقرّهم ومنزلهم من الجنّة والنار (٢) .

﴿يُنَبَّؤُا﴾ ويخبر ﴿الْإِنْسانُ﴾ المكلّف في الدنيا ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وفي ذلك الوقت ﴿بِما قَدَّمَ﴾ من عمل خير وصدقة مال وعبادة خالصة ﴿وَ﴾ ما ﴿أَخَّرَ﴾ وترك ولم يعمل. وقيل : يعني ممّا قدّم من أعماله مطلقا خيرا كان أو شرا ، أو بما أخّر من زمان حياته من سنّة حسنة أو سيئة (٣) .

عن الباقر عليه‌السلام : « بما قدّم من خير وشرّ ، وما أخّر من سنّة يستنّ بها من بعده ، فان كان شرّا كان عليه وزر من عمل بها ، ولم ينقص من وزرهم شيئا ، وإن كان خيرا كان له مثل اجورهم ، ولا ينقص من اجورهم شيئا » (٤) .

وقيل : إنّ معنى ( ما ﴿أَخَّرَ﴾ ما خلّفه من المال ، أو أوقفه ، أو أوصى به (٥) .

﴿بَلِ الْإِنْسانُ﴾ لا يحتاج إلى أن ينبّأه بأعماله ويخبره غيره بها ، لأنّه ﴿عَلى﴾ جميع أعمال ﴿نَفْسِهِ﴾ في الخلوات والجلوات صغيرها وكبيرها حجّة ﴿بَصِيرَةٌ﴾ وبيّنة واضحة ، أو المراد ذو بصيرة كاملة ، لحضور جميع أعماله في نظره بصورتها البرزخية ، وشهادة جوارحه بها ، وتقبل شهادتها عليه ﴿وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ﴾ وأرخى ستوره وأراد إخفاء أعماله.

قيل : إن السّتور استعمل مجازا في الأعذار بعلامة المشابهة ، فكما أنّ السّتور تمنع رؤية المحتجب ،

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٢٠.

(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٢١ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٦٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٦.

(٣) تفسير أبي السعود ٩ : ٦٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٧.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٩٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٥.

(٥) تفسير أبي السعود ٩ : ٦٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٧.

٣٧٩

كذلك المعذرة تمنع قبح الذنب (١) .

وقيل : يعني ولو جاء بأعذاره ، بأن يقول : حملني على العصيان الضرورة وشدّة الحاجة ، أو الجهل بالحكم ، أو خوف ذهاب الجاه ونحوها من الأعذار ، فانّها لا تنفعه ، لعلمه ، بأنّه كاذب فيها ، أو صادق ولا تكون عذرا فيه (٢) .

عن الصادق عليه‌السلام قال : « ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا ، ويستر سيئا ؟ أليس إذا رجع إلى نفسه يعلم أنّه ليس كذلك ، والله عزوجل يقول : ﴿بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ إنّ السريرة إذا صلحت قويت العلانية » (٣) . وعنه عليه‌السلام أنّه تلا هذه الآية فقال : « ما يصنع الانسان أن يعتذر إلى الناس بخلاف ما يعلم الله منه ؟ إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : من أسرّ سريرة ألبسه الله رداءها إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ » (٤) .

﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ

 * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ * كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (١٦) و (٢١)

ثمّ لمّا ذكر سبحانه أنّ علم الانسان يوم القيامة بما صدر منه في الدنيا كاف لا يحتاج إلى إخبار الغير به في ذلك اليوم ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يستعجل في قراءة ما يقرؤه عليه جبرئيل من القرآن ليحفظه ، بيّن سبحانه أنّك يا محمد لا تحتاج إلى التعجيل في القراءة في حفظك القرآن بقوله : ﴿لا تُحَرِّكْ﴾ بالقرآن ولا تنطق ﴿بِهِ لِسانَكَ﴾ حال قرأءة جبرئيل عليه آياته ﴿لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ وتسارع إلى أخذه وحفظه مخافة أن ينفلت ، فكما أنّ علينا جمع العظام النّخرة ﴿إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ في صدرك بحيث لا ينفلت منه شيء من آياته وكلماته وحروفه ، ولا يخفى عليك شيء من معانيه ﴿فَإِذا قَرَأْناهُ﴾ عليك بلسان جبرئيل وتمّت قراءته وتلاوته وسكت ﴿فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ وتلاوته عليك ، واتله كما تلي ، ولا تكلّف نفسك بالقراءة مقارنة لقراءته.

أقول : فظهر أنّه ليس في الآية نهي تحريم حتى يرد إشكال ، بل هو إرشاد إلى الأسهل ورفع للكلفة عنه.

﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا﴾ في كلّ ما أشكل عليك فهمه ﴿بَيانَهُ﴾ وتوضيحه ، فلا تعجل في السؤال عن مشكلاته بين قراءة جبرئيل عليك ، فظهر من الآية المباركة أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقرأ مع قراءة جبرئيل ويسأل في أغنائها عن مشكلاته ومعانيه ، لحرصه على العلم ، فارشد إلى تركهما.

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٢٢ ، وفيه : المعذرة عقوبة الذنب.

(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٧.

(٣) الكافي ٢ : ٢٢٣ / ١١ ، مجمع البيان ١٠ : ٥٩٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٥.

(٤) الكافي ٢ : ٢٢٣ / ٦ ، مجمع البيان ١٠ : ٥٩٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٥.

٣٨٠