نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٦

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي

نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-309-765-X

الصفحات: ٦٤٦

﴿فِيها فاكِهَةٌ﴾ وأشجار كثيرة تلتذّ النفوس بثمارها الطيبة ﴿وَ﴾ فيها ﴿النَّخْلُ﴾ بأصنافها ، وإنّما نكّر الفاكهة لإظهار قلّة نفعها بالنسبة إلى النخل ، أو للاشارة إلى كثرة أنواعها ، وإنّما ذكر الفاكهة دون شجرها بخلاف النخل فانّ منافعها كثيرة جدا.

ثمّ نبّه سبحانه على تكميل نعمة النخل بتوصيفها بقوله : ﴿ذاتُ الْأَكْمامِ﴾ والأوعية للتمر ، فانّ في جعل ثمارها في الأوعية سهولة جمعها والانتفاع بها ، حيث إنّ النخل شجرة عظيمة لا تسقط ثمارها بهزّها ، فلابدّ من قطفها ، فلو كان حبّات ثمرها متفرّقة لصعب قطفها واحدة بعد واحدة (١) ، فجعله الله في وعاء إذا اقتطف ذلك الوعاء والكمّ اقتطف قدر كثير من الرّطب والتمر.

وقيل : إنّ الكمّ بالضمّ : كلّما يغطّي النخل من ليف وسعف وغيرهما (٢) ، فانه ينتفع به كما ينتفع بجذوعهما.

﴿وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٢) و (١٣)

ثمّ ذكر سبحانه بعد نعمة الأشجار نعمة الزرع ، ارتقاء من النّعمة الأنزل وهي الفاكهة والنخل إلى النّعمة الأعلى بقوله : ﴿وَالْحَبُ﴾ من البرّ والشعير والأرز وغيرهما ممّا يقتات به أو يؤدم به ﴿ذُو الْعَصْفِ﴾ والتبن ، كما عن الرضا عليه‌السلام (٣) . ﴿وَالرَّيْحانُ﴾ قيل : إنّ الريحان هنا بمعنى الرزق ، كما عن ابن عباس (٤) . وقيل : إنّه الحبّ المأكول (٥) . وقيل : إنّه كلّما طابت رائحته من النباتات (٦) . وقيل : هو الريحان المعروف ، فانّ بزره من الأدوية النافعة ، فالعصف علف الدواب والريحان دواء الانسان(٧) .

ثمّ إنّه تعالى بعد تعداد نعمه طالب من الثقلين الإقرار بنعمه والشّكر عليها بقوله تعالى : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ أيّها الجنّ والانس ، وبأيّ النعم الظاهرة والباطنة التي أنعم عليكما مالككما ومربّيكما ﴿تُكَذِّبانِ﴾ وتكفران ؟ عن الصادق عليه‌السلام - في تأويل الآية - « فبأيّ النّعمتين تكفران ؟ بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أم بعلي عليه‌السلام » (٨) . وفي رواية ( الكافي ) : « أبا لنبي ، أم بالوصيّ » (٩) .

عن جابر ، أنّه قال : قرأ علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سورة الرحمن حتى ختمها ، ثمّ قال : « مالي أراكم سكوتا ؟ فانّ الجنّ أحسن منكم ردّا ما قرئت عليهم هذه الآية مرة ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ إلّا قالوا : لا بشيء من نعمك ربّنا نكذّب ، فلله الحمد » (١٠) .

__________________

(١) في النسخة : واحدا بعد واحد.

(٢) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٨.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٤٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٨.

(٤-٦) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩٢.

(٧) تفسير الرازي ٢٩ : ٩٤.

(٨) تفسير القمي ٢ : ٣٤٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٨.

(٩) الكافي ١ : ١٦٩ / ٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٨.

(١٠) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩٣ ، وفيه : فلك الحمد.

١٢١

وقيل : إنّ الخطاب للعدوّ والولي بقوله ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ . وقيل : إنّ الخطاب للذكر والانثى. وقيل : غير ذلك (١) .

قيل : كرّرت الآية في هذه السورة المباركة إحدى وثلاثين مرة ، ثمان منها بعد تعداد عجائب خلق الله وبدائع صنعه ومبدأ الخلق ومعادهم مبالغة في الحثّ على الشكر ، ثمّ سبع منها عقيب آيات فيها ذكر النار وشدائدها بعدد أبواب جهنّم ، وذكر الالاء عقيبه ؛ لانّ في التخويف بها والبعث على دفعها نعمة توازى النّعم المذكورة ، أو لأنّ ابتلاء الأعداء بها نعمة على المؤمنين ، ثمّ ثمان منها بعد ذكر الجنات ونعمها على عدد أبواب الجنة ، وثمان منها بعد ذكر الجنّتين اللتين دونها ونعمها (٢) .

وقيل : إنّما التفت سبحانه من الغيبة إلى الخطاب ، لكونه أبلغ في التقريع والزجر عن الكفران والتكذيب ، حيث إنّه تعالى نبّه المكذّب الغافل على أنّه كالواقف بين يدي ربّه ، وهو يقول له : إنّي أنعمت عليك بكذا وكذا ، فكيف تكذّب نعمائي ؟ ولا شكّ أن المكذّب يكون عند ذلك أشّد استحياء (٣) ، وإنّما وصف سبحانه ذاته المقدّسة بالربوبية في الآية ، لكونه المناسب لتعداد نعمائه التي من شؤون ربوبيته.

﴿خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ * فَبِأَيِّ

 آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٤) و (١٦)

ثمّ لمّا ذكر سبحانه نعمة خلق الانسان وبسط الأرض لأنتفاع الجنّ والانس ، ذكر مبدأ خلقهما إظهارا لكمال قدرته ، وبيانا لاتمام نعمته بقوله : ﴿خَلَقَ الْإِنْسانَ﴾ أولا وفي البدو ﴿مِنْ صَلْصالٍ﴾ وطين نتن أو يابس ، له صليل وصوت إذا وقع بعضه على بعض ﴿كَالْفَخَّارِ﴾ والطين المطبوخ بالنار ، فانّ مبدأ خلق آدم من تراب جعله طينا ، ثمّ صيّره حمأ مسنونا ، ثمّ صيّره صلصالا ﴿وَخَلَقَ الْجَانَ﴾ وهو أبو الجنّ ، أو جنسه ﴿مِنْ مارِجٍ﴾ وخالص ﴿مِنْ نارٍ﴾ لا يخالطها دخان ، أو من مختلط منها بالدخان ، أو الهواء. قيل : خلق الجن من عنصرين : النار والهواء ، وخلق الانسان من عنصرين : التّراب والماء (٤) .

وعن مجاهد : المارج هو المختلط بعضه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النار (٥) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٩٥.

(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩٣.

(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٩٦.

(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩٤.

(٥) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩٤.

١٢٢

ثمّ أنكر سبحانه عليهما الكفران لنعمه بقوله : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ أيّها الجنّ والانس ﴿تُكَذِّبانِ﴾ وتكفران ؟

﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ

 يَلْتَقِيانِ * بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا

 اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٧) و (٢٣)

ثمّ من المعلوم أنّ الربّ الذي له هذه المرتبة من القدرة لا يختصّ ربوبيته بكما ، بل هو ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ﴾ مشرق الصيف ومشرق الشتاء ، كما عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) ، أو مشرق الشمس ومشرق القمر.

وعن الصادق عليه‌السلام : « تأويل المشرقين برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام » (٢) .

﴿وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ لكلّ من المشرقين ، وعنه عليه‌السلام : « المغربين الحسن والحسين عليهما‌السلام» (٣) .

ومن المعلوم أنّ لازم ربوبيته لها ربوبيته لجميع ما بينها من الموجودات والنّعم التي لا تحصى ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ ونعمه أيّها الثقلان ﴿تُكَذِّبانِ﴾ وأيّها تنكران ؟

ثمّ لمّا ذكر الشمس والقمر اللذين لهما جريان ، ذكر نعمة البحر الذي له جريان بقوله : ﴿مَرَجَ﴾ وأرسل ﴿الْبَحْرَيْنِ﴾ بحر السماء وبحر الأرض ، أو بحر العذب وبحر الملح الاجاج ، أو بحر الروم وبحر فارس أحدهما إلى الآخر بحيث ﴿يَلْتَقِيانِ﴾ ويتماسّ سطحاهما ، أو بحيث يكون من شأنهما الالتقاء والاختلاط ، ومع ذلك ﴿بَيْنَهُما﴾ في الواقع من الأرض أو غيرها بقدرة الله ﴿بَرْزَخٌ﴾ وحاجز ومانع من الاختلاط.

قيل : إنّ الماء ينجذب بعضه إلى بعض كأجزاء الزئبق (٤) . ولذا لا يكون له إلّا حيّز ومكان واحد ، فلذا من طبع البحرين وشأنهما أن يلتقيا ويختلطا ، ومع ذلك يبقى كلّ في مكان متميّز لمانع جعله الله بقدرته الكاملة ، وقد روي في صورة جريان الماء العذب في الماء المالح أو بالعكس ، وفي جريان الماء الصافي في الماء المختلط بالطين وبالعكس ، لا يختلطان في مقدار من الزمان أو مطلقا ، لمانع جعله الله بينهما بقدرته ، كقطعة من الأرض ﴿لا يَبْغِيانِ﴾ ولا يتجاوزان حدّيهما حتى يمتزجا أو يغرقا ما بينهما من الأرض ، ولا يطلبان غير ما قدر لهما.

__________________

(١) الاحتجاج : ٢٥٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٨.

(٢) تفسير القمي ٢ : ٣٤٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٨.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٤٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٨.

(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ١٠٠.

١٢٣

﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ مع أنّه ليس شيء ممّا ذكر قابلا للتكذيب لظهوره وظهور منافعه ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ﴾ وهو الكبار من الدّرّ ﴿وَالْمَرْجانُ﴾ وهو صغاره ، أو الخرز الأحمر.

قيل : إنّ المشهور بين الغواصين أنّهما يخرجان من البحر الاجاج ، من الموضع الذي يقع فيه النهر من الماء العذب (١) .

وعن ابن عباس : أنّه يكون اللؤلؤ والمرجان في البحر بنزول المطر ، لأنّ الصّدف تفتح أفواهها للمطر (٢) .

وعن الصادق عليه‌السلام عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في قوله : ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا﴾ قال : « من ماء السماء ، ومن ماء البحر ، فاذا أمطرت فتحت الأصداف أفواهها [ في البحر ] فيقع فيها من ماء المطر ، فيخلق اللؤلؤ ، الصغير من القطرة الصغيرة ، واللؤلؤ الكبير من القطرة الكبيرة » (٣) .

أقول : ويؤيد ذلك ما أشتهر من أنّه إذا أجدبت السنة هزلت الحيتان وقلّت الأصداف والجواهر.

ذكر منقبة على وفاطمة وابنيهما عليهم‌السلام

وعن الصادق عليه‌السلام في بيان بطن الآية قال : « علي وفاطمة عليهما‌السلام بحران يلتقيان ، لا يبغي أحدهما صاحبه ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ﴾ » قال : « الحسن والحسين عليهما‌السلام » (٤) .

وقال العلامة في ( نهج الحق ) روى الجمهور عن ابن عباس ، أنه قال : البحران علي وفاطمة عليهما‌السلام الحسن والحسين ، ولم

__________________

(١) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩٥.

(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩٦.

(٣) قرب الاسناد : ١٣٧ / ٤٨٥ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٩.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٤٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٩.

١٢٤

خديجة بفاطمة كانت فاطمة عليها‌السلام تحدّثها من بطنها ، وتؤنسها في وحدتها ، وكانت تكتم ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يومان فسمع خديجة تحدّث فاطمة ، فقال لها : « يا خديجة ، لمن تحدثين ؟ » قالت : احدّث الجنين الذي في بطني ، فانّه يحدّثني ويؤنسني. قال : « يا خديجة ، أبشري فانّها انثى ، وإنّها النسلة الطاهرة الميمونة ، فانّ الله تعالى قد جعلها من نسلي ، وسيجعل من نسلها خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه » .

فما برح ذلك النور يعلو ، وأشعته في الافاق تنمو ، حتى جاءه الملك فقال : يا محمد ، أنا الملك المحمود ، وإنّ الله بعثني أن أزوّج النور من نور. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ممّن » قال : علي من فاطمة ، فانّ الله قد زوّجها من فوق سبع سماواته ، وقد شهد ملاكها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفا من الكروبيين ، وسبعين ألفا من الملائكة الكرام الذين إذا سجد أحدهم سجدة لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة ، أوحى الله تبارك وتعالى إليهم : أن ارفعوا رؤوسكم ، واشهدوا ملاك عليّ بفاطمة ، فكان الخاطب جبرئيل ، والشاهدان ميكائيل وإسرافيل.

ثمّ أمر الله عزوجل بحور العين أن يحضرن تحت شجرة طوبى ، وأوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما فيك ، فنثرت ما فيها من جوز ولوز وسكّر ، فاللّوز من درّ ، والجوز من ياقوت ، والسّكّر من سكّر الجنّة ، فالتقطته حور العين ، فهو عندهنّ في الاطباق يتهادينه ، يقلن : هذا من نثار تزويج فاطمه بعلي.

فعند ذلك أحضر النبي أصحابه ، وقال : « أشهدكم أنّي زوّجت فاطمة من علي » فلما التقى البحران : بحر ماء النبوة من فاطمة ، وبحر ماء الفتوّة من علي كرم الله وجهه ، هناك ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ﴾ برزخ التقوى ، لا يبغي علي عليه‌السلام على فاطمة بدعوى ، ولا فاطمة على علي عليه‌السلام بشكوى ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ﴾ اللؤلؤ الحسن ، والمرجان : الحسين عليهما‌السلام ، فجاء السبطين شهيدين حبيبين إلى سيد الكونين ، فهما روحاه وريحانتاه ، كلّما راح عليهما وارتاح إليهما يقوله : « هذان ريحانتاي من الدنيا » وكلّما اشتاق إليهما يقول : « ولداي هذان سيدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما وفاطمة بضعة منّي يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما يؤذيها ، ويسرّني ما يسرّها ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى(١) » .

ثمّ قال القاضي رحمه‌الله : وبه ظهر أيضا وجه كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله برزخا بينهما ، فانّ وجوده صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤكّد لعصمتها وعدم صدور خلاف الأولى من أحدهما على الآخر (٢) .

__________________

(١) الشورى : ٤٢ / ٢٣.

(٢) إحقاق الحق ٣ : ٢٧٧.

١٢٥

وقال شارح ( نقش الفصوص في شرح كلمة حكمة إلهية في كلمة آدمية ) على ما حكاه القاضي رحمه‌الله قالوا : الانسان الكامل البرزخ بين البحرين ، والحاجز بين العالمين ، وإليه الاشارة بقوله سبحانه : ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ(١) .

وقال إسماعيل حقي في ( تفسير روح البيان ) قيل : البحران علي وفاطمة رضي الله عنهما ، والبرزخ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ﴾ الحسن والحسين رضي الله عنهما ، انتهى (٢) .

ثمّ طالب سبحانه بعد ذكر النعمة العظيمة الشكر عليها ، وأنكر الكفران بقوله : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ .

﴿وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * كُلُّ

 مَنْ عَلَيْها فانٍ * وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما

 تُكَذِّبانِ (٢٤) و (٢٨)

ثمّ بعد ذكر نعمة البحر ذكر سبحانه نعمة السّفن بقوله : ﴿وَلَهُ﴾ تعالى السّفن ﴿الْجَوارِ﴾ والسائرات و﴿الْمُنْشَآتُ﴾ والمخلوقات لنفع العباد ، أو مرفوعات الشّرع ، أو المرفوعات على الماء ﴿فِي الْبَحْرِ﴾ وهنّ في الارتفاع والعظمة ﴿كَالْأَعْلامِ﴾ والجبال الطوال ، فالسفن في البحر كالجبال ، كما أنّ الابل في البرّ كالسّفن في البحر.

ثمّ لمّا كان في خلق مواد السّفن وأجزائها ، والأرشاد إلى تركيبها وصنعها ، وإجرائها في البحر بقطع المسافات البعيدة في الأوقات القليلة ، وحمل الأشياء النافعة الكثيرة إلى البلاد النائية ، وتيسير المعاملات والتجارات بسببها ، نعم عظيمة لا مدخل لغير الله تعالى فيها ، حثّ الثقلين على الإقرار بها وشكرها بقوله : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ .

ثمّ لمّا ذكر سبحانه البحر الذي هو من المهالك للبشر ؛ ونبّه على أنّ النجاة منه بالسّفن من نعم الله تعالى ، نبّه سبحانه على أنّه ليس لأحد أن يغتّر بالنجاة من المهالك في مدّة عمره المقدّر له ، فانّ مآل كلّ أحد إلى الفناء والموت بقوله : ﴿كُلُّ مَنْ﴾ تمكّن في الأرض ، واستقرّ ﴿عَلَيْها﴾ من الموجودات : العقلاء وغيرهم ﴿فانٍ﴾ وزائل من وجه الأرض لا محالة ، فلا يغترّ العاقل ببقائه في الدنيا وبقاء ماله من الصحة والعزّ والغنى والمال والولد ، فانّ الذي يدوم ﴿وَيَبْقى﴾ ولا يزول ولا يفنى ﴿وَجْهُ رَبِّكَ﴾ أيّها الانسان وذاته المقدّسة عن الحاجة والنقائص الامكانية ، ووجوده المنزّه عن شوب العدم

__________________

(١) احقاق الحق ٣ : ٢٧٦.

(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩٦.

١٢٦

والعوارض الجسمانية والروحانية ، المتّصف بصفة الربوبية التي من شؤونها الإنعام على خلقه ، والاحسان على عباده ، فذلك الباقي بعد فناء كلّ شيء ، والمنعم على ما سواه ، وهو ﴿ذُو الْجَلالِ﴾ والعظمة التي لا نهاية لها ﴿وَ﴾ ذو ﴿الْإِكْرامِ﴾ والفضل الذي لا حدّ له ولا إحصاء ، فعلى الخلق أن يخضغوا له ويتضرّعوا إليه.

عن الجواد عليه‌السلام في حديث : « وإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصّور والهجاء والتقطيع (١) ، ولا يزال من لم يزل عالما » (٢) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « ﴿ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ نحن وجه الله » (٣) .

وعن السجاد عليه‌السلام : « نحن وجه الله الذي يؤتى منه » (٤) .

قيل : إنّ وصفه بالوصفين مرتب على الأمرين السابقين ، فذو الجلال مرتّب على فناء ما في الأرض ، وذو الإكرام مرتّب على بقائه بعد فناء كلّ شيء ، فيوجد من يريد ويفيض عليه بعد إعادته أنواع رحمته ونعمه (٥) .

ثمّ لمّا كان الموت والخروج من الدنيا الدنية ، والتنبيه على ذلك ، والإعلام ببقاء ذاته المقدّسة وغاية عظمته وإفضاله من النّعم العظام ، حثّ سبحانه على الإقرار بنعمه وشكرها بقوله : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ .

﴿يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما

 تُكَذِّبانِ (٢٩) و (٣٠)

ثمّ بيّن سبحانه سعة كرمه وإنعامه وكمال قدرته وجوده وغناه بقوله : ﴿يَسْئَلُهُ﴾ ويطلب منه ﴿مَنْ فِي السَّماواتِ﴾ السبع من الملائكة وسائر الموجودات التي فيها ﴿وَ﴾ من في ﴿الْأَرْضِ﴾ من الانس والجنّ وسائر الحيوانات والموجودات بلسان الحال والمقال جميع ما يحتاجون إليه في بقائهم وكمالهم فيعطيهم ما يسألونه من خزائن كرمه.

عن ابن عباس : فأهل السماوات يسألونه المغفرة ، وأهل الارض يسألونه الرزق والمغفرة (٦) ، فهو ﴿كُلَ

__________________

(١) في النسخة : وينقطع ، وفي التوحيد : ولا ينقطع ، وما أثبتناه من الكافي ، والمراد صور الحروف وهجاؤها وتقطيعها ، كما في صدر الرواية.

(٢) الكافي ١ : ٩١ / ٧ ، التوحيد : ١٩٣ / ٧ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٠.

(٣) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٢٧٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٠.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٤٥ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٠.

(٥) تفسير الرازي ٢٩ : ١٠٧.

(٦) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩٩.

١٢٧

يَوْمٍ﴾ وآن كائن ﴿هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ من شؤون رحمانيته وربوبيته وفيّاضيته ، ولا يشغله شأن عن شأن.

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنّ الربّ لينظر إلى عباده كلّ يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، يخلق ويرزق ويحيي ويميت » ويعزّ ويذلّ ، ويفعل ما يشاء ، فذلك قوله تعالى : ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ » (١) .

وفي الحديث : « من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرّج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين » (٢) .

عن مقاتل ، قال : نزلت الآية في اليهود حين قالوا : إنّ الله لا يقضي يوم السبت شيئا ، ففيها رد لهم (٣) .

وقيل : إنّ قوله : ﴿هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ صفة اليوم ، والمعنى : أنّ في كلّ يوم هو في شأن ، يسأله من في السماوات والأرض ، لا اليوم الذي فيه في شأن ، وهو اليوم الذي يهلك جميع الموجودات ، ويقول : ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ(٤) فانّ فيه لا يبقى أحد يسأله ، فهو السائل وهو المجيب (٥) .

أقول : الظاهر أنّه إخبار بعد إخبار. ثمّ إنّه تعالى لمّا ذكر إفاضته إلى جميع الخلق بنعمه التي لا تحصى ، طالبهم بالإقرار والشّكر بقوله : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ .

﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣١) و (٣٢)

ثمّ لمّا أخبر سبحانه بتوجّهه في الدنيا إلى شؤون خلقه ، أخبر بأنّه في الآخرة يصرف عن تلك الشؤون الدنيوية وبتوجّه إلى شؤونهم من الحساب وجزاء الأعمال بقوله : ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ﴾ وعن قريب نتجرّد عن الاشتغال بامور دنياكم لحساب أعمالكم ومجازاتكم عليها ﴿أَيُّهَ الثَّقَلانِ﴾ وسنقصدكم أيّها الجنّ والإنس.

وإنّما سمّيا بالثّقلين لرزانة رأيهما على قول ، أو لعلو قدرهما في الموجودات على آخر ، أو لتشبيه الأرض بالحمولة ، وجعل الإنس والجنّ أثقالا محمولة عليها على ثالث (٦) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « سمّيا ثقلين لأنّهما يثقلان بالذنوب » (٧) .

وقيل : إنّ الكلام مسوق للتهديد (٨) بشدّة الاهتمام بأمرهم ، وليس المقصود حقيقة الفراغ ، فانّ السيّد يقول عند الغضب لعبده : سأفرغ لك ، مع كونه فارغا جالسا لا يمنعه شغل (٩) .

ثمّ لمّا كان تعذيب الكفّار في القيامة ، وصرفه عن المؤمنين نعمة عظيمة عليهم ، والتنبيه عليهما

__________________

(١) مجمع البيان ٩ : ٣٠٦ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٠.

(٢) مجمع البيان ٩ : ٣٠٦ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٠ ، تفسير روح البيان ، ٩ : ٣٠٠.

(٣) مجمع البيان ٩ : ٣٠٦ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٠ ، تفسير روح البيان ، ٩ : ٣٠٠.

(٤) غافر : ٤٠ / ١٦.

(٥) تفسير الرازي ٢٩ : ١٠٩.

(٦) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠١.

(٧) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠١.

(٨) تفسير الرازي ٢٩ : ١١٠.

(٩) تفسير الرازي ٢٩ : ١١١.

١٢٨

نعمة عظيمة اخرى ، حثّ الناس على الإقرار بها والشكر عليها بقوله : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ .

﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ

 وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٣) و (٣٤)

ثمّ بيّن سبحانه لطفا بالعباد بعض أهوال القيامة وشدائدها بقوله : ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ وأيتها الجماعة العظيمة من الجنسين ﴿إِنِ اسْتَطَعْتُمْ﴾ وقدرتم ﴿أَنْ تَنْفُذُوا﴾ وتخرجوا ﴿مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وجوانبهما وأطرافهما فرارا من عذاب الله ونكاله ، وتهربوا من ملك الله وسلطانه ﴿فَانْفُذُوا﴾ أو اخرجوا فارّين منه ، ومن الواضح أنّكم ﴿لا تَنْفُذُونَ﴾ ولا تخرجون منهما ولا تتخلّصون من أخذ الله وعذابه ﴿إِلَّا بِسُلْطانٍ﴾ وقوّة وقهر ، وأنى لكم ذلك ؟ وإنّما قدّم الجنّ على الإنس لكونهم أقدم خلقا ، وأقوى نفوذا ، وأشد بطشا من الإنس.

روي أنّ الملائكة تنزل وتحيط بجميع الخلائق ، فيهرب الإنس والجنّ ، فلا يأتون وجها إلّا وجدوا الملائكة أحاطت به ، فيقول لهم الملائكة ذلك (١) .

وعن ( المجمع ) : قد جاء في الخبر : يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار ، ثمّ ينادون : ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ إلى قوله : ﴿شُواظٌ مِنْ نارٍ(٢) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « إذا كان يوم القيامة جمع الله العباد في صعيد واحد ، وذلك أنّه يوحي إلى السماء الدنيا : أن أهبطي بمن فيك ، فيهبط اهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجنّ والإنس والملائكة ، فلا يزالون كذلك حتى يهبط (٣) أهل سبع سماوات ، فيصير الجنّ والإنس في سبع سرادقات من الملائكة ، ثمّ ينادي مناد ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ الآية ، فينظرون فإذا أحاط بهم سبع أطواق (٤) من الملائكة » (٥) .

ثمّ لمّا ذكر قال سبحانه : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة.

﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ

 * فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٥) و (٣٧)

__________________

(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٢.

(٢) مجمع البيان ٩ : ٣١١ ، تفسير الصافي ٥ : ١١١.

(٣) في النسخة : يحيط.

(٤) في مجمع البيان : سرادقات.

(٥) مجمع البيان ٩ : ٣١١ ، تفسير الصافي ٥ : ١١١.

١٢٩

ثمّ يقول المنادي لهم تهويلا في ذلك اليوم : ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُما﴾ يا عصاة الجنّ والإنس ﴿شُواظٌ﴾ ولهب عظيم بلا دخان متصاعد ﴿مِنْ نارٍ﴾ ليسوقكم إلى المحشر ، كما عن ابن عباس (١) . وقيل : إنّ الشواظ هو اللهب المختلط بالدّخان (٢)﴿وَنُحاسٌ﴾ وقطر مذاب يصبّ من فوق رؤوسهم. وقيل : إنّه الدّخان الخالص (٣)﴿فَلا تَنْتَصِرانِ﴾ ولا تمتنعان من العذاب.

وقيل : إنّ قوله : ﴿لا تَنْفُذُونَ﴾ إشارة إلى أنّه لا مهرب لهم من العذاب قبل نزوله (٤) . وقوله : ﴿فَلا تَنْتَصِرانِ﴾ إشارة إلى أنّه لا ناصر ولا منج لهم منه بعد نزوله.

ثمّ لمّا كان بيان عاقبة الكفر والعصيان والتحذير عنها من الالطاف العظيمة والنّعم الجسيمة قال سبحانه : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾.

ثمّ بالغ سبحانه في إرعاب القلوب بقوله : ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ﴾ وانصدعت ﴿السَّماءُ﴾ وانفكّ بعضها من بعض لعدم الحاجة إليها والدلالة على انقراض الدنيا المحتاجة إلى السقف والكواكب ، أو لنزول الملائكة ﴿فَكانَتْ﴾ وصارت حمراء تشبه ﴿وَرْدَةً﴾ حمراء - والزهرة المعروفة التي تشم - في اللون قيل : إنّ السماء لونها في الواقع الحمرة ، وإنّما ترى زرقاء للبعد (٥) . وقيل : يعني تتقلّب حمراء بعد أن كانت صفراء ﴿كَالدِّهانِ ،﴾ أو صارت كلون الورد تتلوّن كالادّهان المختلفة. وقيل : يعني تصير حمراء كالورد من حرارة جهنّم ، وتذوب وتجري كالدّهن المذاب (٦) . وجواب ( إذا ) محذوف ، والمعنى : إذا صارت السماء كذلك ، يكون من الأحوال والأهوال ما لا تحيط به دائرة المقال ، أو رأيت أمرا عظيما هائلا.

﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ

 آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي

 وَالْأَقْدامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا

 الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما

 تُكَذِّبانِ (٣٨) و (٤٥)

ولمّا كان الإخبار بما ذكر من الزواجر التي هي أعظم النّعم ، قال سبحانه : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما

__________________

(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٢.

(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ١١٤ ، تفسير أبي السعود ٨ : ١٨٢.

(٣) تفسير أبي السعود ٨ : ١٨٢ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٢ ، وفيهما : اللهب الخالص.

(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ١١٤.

(٥و٦) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٢.

١٣٠

تُكَذِّبانِ﴾ مع غاية ظهورها ﴿فَيَوْمَئِذٍ﴾ وحينئذ ﴿لا يُسْئَلُ﴾ أحد من قبل الله أو غيره ﴿عَنْ ذَنْبِهِ﴾ الذي ارتكبه في الدنيا ، لا ﴿إِنْسٌ وَلا جَانٌ﴾ لأنّ العصاة معروفون بسيماهم ، فلا يحتاج عرفانهم إلى السؤال عن ذنبهم. قيل : لا يسألون في أول حشرهم إلى الموقف ، ويسألون حين المحاسبة. عن ابن عباس : لا يسألهم : هل عملتم كذا وكذا ؟ فانّه أعلم بذلك ، ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا ؟ (١) وعنه أيضا : لا يسألون سؤال شفاء وراحة ، وإنّما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ (٢) .

عن الرضا عليه‌السلام - في هذه الآية - قال : « من اعتقد الحقّ ثمّ أذنب ولم يتب في الدنيا عذّب [ في البرزخ ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسأل عنه ] » (٣) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ .

ثمّ بيّن سبحانه علّة عدم السؤال من الجن والإنس عن ذنبه بقوله : ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ﴾ والعصاة في ذلك اليوم ﴿بِسِيماهُمْ﴾ وعلامة الذنب الظاهرة في وجوههم من السواد وزرقة العين والغبرة والقترة والحزن والنكاية ﴿فَيُؤْخَذُ﴾ اولئك العصاة ﴿بِالنَّواصِي﴾ وشعور مقدّم رؤوسهم ﴿وَالْأَقْدامِ﴾ قيل : يأخذ الملائكة بشعر رؤوسهم وأقدامهم ، فيقذفونهم في النار (٤) . أو المراد تسحبهم الملائكة وتجرّهم إلى النار تارة بالأخذ بنواصيهم وتارة بالأخذ بأقدامهم (٥) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ من المواعظ والزواجر مع كون منافعها في غاية الظهور ؟ ثمّ يقال لهم توبيخا وتقريعا ﴿هذِهِ﴾ النار التي ترونها وتدخلونها هي ﴿جَهَنَّمُ الَّتِي﴾ وعد الله بها العصاة في الدنيا على لسان رسله ، وكان ﴿يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ والمصرّون على الكفر والعصيان ، فانظروا اليوم إلى المكذّبين أنّهم ﴿يَطُوفُونَ﴾ ويدورون ﴿بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ﴾ وماء حارّ ﴿آنٍ﴾ وبالغ منتهى الحرارة وأقصاها ، يصبّ عليهم ، أو يسقون منه.

عن كعب الأحبار : أنّ واديا من أودية جهنم يجمع فيه صديد أهل النار ، فينطلق بهم في الأغلال ، فيغمسون فيه حتى تنخلع أو صالهم ، ثمّ يخرجون منه ، وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا ، فيلقون في النار (٦) . ومن الواضح أنّ الإخبار بهذه الامور العظام من نعم الله على الأنام ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ أيها الثقلان ﴿تُكَذِّبانِ﴾ وقيل : يعني ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ ممّا عددناه من أوّل السورة ﴿تُكَذِّبانِ﴾ فتستحقّان هذا العذاب الشديد (٧) .

__________________

(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٣.

(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٣.

(٣) مجمع البيان ٩ : ٣١٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٢.

(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٣.

(٥) تفسير الرازي ٢٩ : ١٢١ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٨٣ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٣.

(٦) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٣ و٣٠٤.

(٧) تفسير الرازي ٢٩ : ١٢١.

١٣١

﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * ذَواتا أَفْنانٍ *

 فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٦) و (٤٩)

ثمّ لمّا حذّر الله العصاة بذكر سوء عاقبتهم وعذاب عصيانهم ، زجرا لهم عمّا هم عليه ، بيّن سبحانه حسن عاقبة المؤمنين الخائفين من عصيانه ، ترغيبا لهم إلى طاعته بقوله : ﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ وحين الحضور في موقف فصل قضائه في القيامة ، وظهور آثار قدرته وسطوته وسلطانه ، وهتك السور ، وكشف حقائق الامور ، وقيام الأشهاد ، فاجتنب لخوفه ذلك مخالفته وعصيانه في الدنيا ﴿جَنَّتانِ﴾ قيل : جنة لتركه المعاصي والشهوات ، وجنّة لفعل الطاعات (١) . وقيل : جنّة لإيمانه ، وجنّة لعمله (٢) ، وأمّا الجنتان فجنّة عدن ، وجنّة نعيم (٣) . وقيل : جنة داخل القصر ، وجنّة خارجة (٤) . وقيل : جنّة لسكونته ، وجنّة لسكونة أزواجه وخدمه (٥) . وقيل : جنّة من ذهب ، وجنّة من فضة (٦) ، يطوف بينهما كما يطوف المجرم بين جهنّم وحميم ، وإنّما لم يقل يطوف بينهما الخائفون ، لوضوحه ولإظهار أنّهم ملوك يطاف عليهم احتراما لهم وإكراما في حقّهم ، ولا يطاف بهم.

عن الصادق عليه‌السلام في هذه الآية قال : « من علم أنّ الله يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شر ، فحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال ، فذلك الذي خاف مقام ربّه [ ونهى النفس عن الهوى ] » (٧) .

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها من مخافة الله ، حرّم الله عليه النار ، وآمنه من الفزع الأكبر ، وأنجز له ما وعده في كتابه في قوله تعالى : ﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ » (٨).

﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ من نعم الدنيا والآخرة ﴿تُكَذِّبانِ

ثمّ وصف سبحانه الجنّتين بقوله : ﴿ذَواتا أَفْنانٍ﴾ وصاحبتا أغصان منشعبة من الشجرة ، عليها أوراق عجيبة ، وأثمار طيبة من غير سوق غلاظ ، مانعة عن التردّد فيها كيف شاء ، كذا قيل (٩) . وقيل : يعني صاحبتا أنواع من الأشجار المثمرة ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ من الآلاء الدنيوية والاخروية ﴿تُكَذِّبانِ﴾ .

﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ

 * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٩ : ١٢٣ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٤.

(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٤ ، وفيه : لعقيدته ، بدل لإيمانه.

(٣-٦) مجمع البيان ٩ : ٣١٤.

(٧) الكافي ٢ : ٥٧ / ١٠ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٣.

(٨) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٧ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٣.

(٩) تفسير الرازي ٢٩ : ١٢٤.

١٣٢

الْجَنَّتَيْنِ دانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٢) و (٥٥)

ثمّ وصف سبحانه الجنتين بغاية الصفاء والنّزاهة بقوله : ﴿فِيهِما عَيْنانِ﴾ من ماء غير آسن ﴿تَجْرِيانِ﴾ من جبل من مسك على ما قيل (١) ، وعن ابن عباس : تجريان بالماء الزّلال ، إحداهما التّسنيم ، والآخر السّلسبيل (٢) . قيل : تجري في كلّ جنة عين (٣) ، كما قال تعالى : ﴿فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ(٤) . ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾.

ثمّ لمّا وصف الجنتين بغاية النّزاهة التي هي الأهمّ في نظر المتنعّمين ، وصفها باستجماعهما لجميع الفواكه بقوله : ﴿فِيهِما مِنْ كُلِ﴾ نوع من ﴿فاكِهَةٍ﴾ متصوّرة من الفواكه ﴿زَوْجانِ﴾ وصنفان : حلو وحامض ، أو رطب ويابس ، أو معهود وغير معهود.

عن ابن عباس : ما في الدنيا حلوة ولا مرّة إلّا وهي في الجنّة حتى الحنظل ، إلّا أنه حلو (٥) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾.

ثمّ بيّن سبحانه حال استراحة الخائفين في الجنّة بقوله : ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ ومعتمدين كالملوك حال جلوسهم ﴿عَلى فُرُشٍ﴾ مبسوطة تحتهم بعضها على بعض ، وتلك الفرش ﴿بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ وديباج ثخين ، فما ظنكم بظهائرها التي لا بدّ أن تكون أعلى وأشرف من البطائنّ قيل : إنّ ظهائرها من سندس (٦) وحرير رقيق ، وقيل : من نور (٧)﴿وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ﴾ وثمارها التي تقطف ﴿دانٍ﴾ وقريب بحيث يجتنى في كلّ حال بلا كلفة القيام والمشي واستعمال الآلة.

عن ابن عباس. قال : تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله ، إن شاء قائما ، وإن شاء قاعدا وإن شاء مضطجعا (٨) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾.

﴿فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما

 تُكَذِّبانِ * كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * هَلْ جَزاءُ

 الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٦) و (٦١)

ثمّ وصف سبحانه أزواجهم في الجنة بقوله : ﴿فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ﴾ على أزواجهن ، لا تتجاوز أعينهنّ إلى غيرهم ، ولا ينظرن إلى سواهم لشدّة حبّهن لهم. قيل : تقول كلّ منهنّ لزوجها : وعزّة ربّي

__________________

(١) تفسير أبي السعود ٨ : ١٨٤ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٦.

(٢و٣) تفسير أبي السعود ٨ : ١٨٤ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٦.

(٤) الغاشية : ٨٨ / ١٢.

(٥) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٦ و٣٠٧.

(٦-٨) تفسير أبي السعود ٨ : ١٨٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٧.

١٣٣

ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك ، فالحمد لله الذي جعلك زوجي ، وجعلني زوجك (١) .

وعن القمي : الحور العين يقصر الطرف عنها من ضوء نورها (٢) . وقيل : إنّ قصر الطّرف كناية عن الحياء والدّلال (٣) . وقيل : إنّ المراد أنّهن مانعات أبصارهنّ عند الخروج عن النظر إلى اليمين والشمال لغاية عفّتهن (٤) .

﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَ﴾ ولم يمسّهن ، أو لم يفضضنّ ﴿إِنْسٌ﴾ غير أزواجهنّ ﴿قَبْلَهُمْ﴾ في الجنّة ﴿وَلا جَانٌ﴾ بل هن باكرات غير ملموسات ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾.

ثمّ بيّن سبحانه كمال جمالهنّ بقوله : ﴿كَأَنَّهُنَ﴾ في الصّفاء والحسن ﴿الْياقُوتُ﴾ الأحمر ﴿وَالْمَرْجانُ﴾ واللؤلؤ الصّغار الأبيض ، فانّه أصفى من اللؤلؤ الكبار.

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « إنّ المرأة من أهل الجنّة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلّة ومخّها ، إنّ الله يقول : ﴿كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ(٥) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ » .

ثمّ أكّد سبحانه وعده المؤمنين بالجنّة والنّعم المذكورة ببيان حكم العقل بوجوب كون جزاء المحسن هو الاحسان بقوله : ﴿هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ﴾ إلى الغير بحكم العقل السليم أيّها العقلاء ﴿إِلَّا الْإِحْسانُ﴾ إلى المحسن ، لا والله لا يكون جزاء المحسن على إحسانه إلّا الاحسان إليه ، فلابدّ من أن يجازي المؤمن المحسن بعمله من الله بالجنّة والنّعم الدائمة.

عن أنس ، قال : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ﴿هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ ...﴾ الآية ، ثمّ قال : « هل تدرون ما قال ربّكم ؟ » قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : « يقول هل جزاء من أنعمت عليه بمعرفتي وتوحيدي إلّا أن اسكنه جنّتي وحظيرة قدسي برحمتي » (٦) .

وعن الحسن بن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « هل جزاء من قال لا إله إلّا الله إلّا الجنّة » (٧) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « أن هذه الآية جرت في الكافر والمؤمن والبرّ والفاجر ، من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به ، وليس المكأفاه أن تصنع كما صنع حتى تربي ، فإن صنعت كما صنع كان له الفضل بالابتداء » (٨) .

﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ من النّعم العقلانية والنفسانية والروحانية والجسمانية ﴿تُكَذِّبانِ﴾.

__________________

(١) مجمع البيان ٩ : ٣١٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٧.

(٢) تفسير القمي ٢ : ٣٤٦ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٣.

(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٨.

(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ١٢٩.

(٥) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٩.

(٦) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٩.

(٧) علل الشرائع : ٢٥١ / ٨ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٤.

(٨) مجمع البيان ٩ : ٣١٦ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٤.

١٣٤

﴿وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٢) و (٦٣)

ثمّ إنّه تعالى بعد بيان جزاء الخائفين المقرّبين بأنّ لهم جنتين موصوفتين بأعلى مراتب الحسن ، بيّن جزاء من دونهم في القرب بقوله : ﴿وَمِنْ دُونِهِما﴾ وأنزل منهما شرفا وحسنا ﴿جَنَّتانِ﴾ اخريان لمن دون الخائفين رتبة ومنزلة عند الله.

قال بعض المفسرين : من دون الجنتين الأوليين جنتان اخريان من فضّة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما (١) .

وروى ( المجمع ) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يقرب منه (٢) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « لا تقولنّ الجنّة واحدة ، إنّ الله تعالى يقول : ﴿وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ﴾ ولا تقولن واحدة ، إن الله يقول : ( درجات بعضها فوق بعض ) (٣) إنّما تفاضل القوم بالأعمال » (٤) .

وعنه عليه‌السلام قيل له : الناس يتعجّبون منّا ، كنّا إذا قلنا يخرج قوم من النار فيدخلون الجنّة ، فيقولون لنا : فيكونون مع اولياء الله في الجنّة ؟ فقال عليه‌السلام : « إنّ الله يقول : ﴿وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ﴾ لا والله ما يكونون مع اولياء الله » (٥) .

وقيل : إنّ الجنّتين الأدنيين (٦) لذرّيتهم الذين ألحقهم بهم ولأتباعهم ، وإنّما جعلهما الله لهم إنعاما على المؤمنين ، كأنّه يقول الله لهم : هاتان الأخريان لكم ، أسكنوا فيهما من تريدون (٧) .

وقيل : إنّ لكلّ من المؤمن والمؤمنة أربع جنات عن يمين ويسار ، وقدّام وخلف ، ليتضاعف له السرور بالانتقال من جنة إلى جنة ، فإنّه ابعد من الملل فيما طبع عليه من البشرية (٨) .

وعن القمي ، عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه سئل عن قوله تعالى : ﴿وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ﴾ قال : « خضراوان في الدنيا يأكل المؤمنون منهما حتى يفرغوا من الحساب » (٩) .

﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ من الآلاء الاخروية والجنّات العديدة ﴿تُكَذِّبانِ﴾.

﴿مُدْهامَّتانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ

 رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما

__________________

(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٠ ، وفي النسخة : أبنيتهما وما فيهما ، وجنتان أوليان من ذهب أبنيتها.

(٢) مجمع البيان ٩ : ٣١٨ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٤.

(٣) في سورة الانعام : ٦ / ١٦٥ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ.

(٤و٥) مجمع البيان ٩ : ٣١٨ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٥.

(٦) في النسخة : الأدونين.

(٧) تفسير الرازي ٢٩ : ١٣٣.

(٨) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٠.

(٩) تفسير القمي ٢ : ٣٤٥ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٥.

١٣٥

تُكَذِّبانِ (٦٤) و (٦٩)

ثمّ وصف سبحانه الجنّتين الادنيين (١) بصفات أدون من صفات الجنتين الاوليين ، حيث وصف الاوليين بقوله : ﴿ذَواتا أَفْنانٍ﴾ ووصف الأخريين بقوله : ﴿مُدْهامَّتانِ﴾ ومخضرّتان غاية الخضرة بحيث تضربان الى السواد.

قيل : هذا الوصف يدلّ على أنّ الاخريين دون الاوليين مكانا (٢) ، فالمؤمنون إذا نظروا إلى فوقهم يرون الأفنان والأغصان تظلّهم ، وإذا نظروا إلى تحتهم يرون أرضا مخضرة ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ من خضرة نباتات هاتين الجنّتين ، فتتمتع أبصاركم بهما ، وانتفاع انوفكم بشمّ رياحينهما ﴿تُكَذِّبانِ﴾.

ثمّ وصف سبحانه نزاهتهما وصفائهما بقوله : تعالى : ﴿فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ﴾ وفوّارتان إلى جهة الفوق بالماء. وقيل : بالخير والبركة (٣) . وعن ابن عباس : بالمسك والعنبر (٤) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ من ربّكم بالشراب ، والتذاذكم بنزهة الجنّتين ﴿تُكَذِّبانِ﴾.

في مدح الرّمان

ثمّ وصف سبحانه المأكول فيهما بقوله : ﴿فِيهِما فاكِهَةٌ﴾ كثيرة ، وما يتلذّذ به من ثمار الأشجار ، ثمّ خصّ النوعين منهما بالذكر بقوله : ﴿وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ لفضلهما على سائر الفواكه ، فانّ الرّطب والتمر فاكهة وغذاء ، والرمان فاكهة ودواء. قيل : إنّ الفواكه أرضية وشجرية ، فالأرضية كالبطّيخ داخلة في قوله : ﴿مُدْهامَّتانِ﴾ والشجرية كالتفاح والسّفرجل والعنب وغيرها (٥) ، هي المراد من الآية.

عن ابن عباس : نخل الجنة جذوعها من زمرّد أخضر ، وكربها من ذهب أحمر ، وسعفها كسورة لأهل الجنّة ، وثمرها أمثال القلال (٦) أو الدّلا ، أشدّ بياضا من اللّبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزّبد ، ليس له عجم (٧) ، كلّما نزعت ثمرة عادت مكانها اخرى (٨) .

وعنه : ما لقحت رمّانة قطّ إلّا بحبّة من الجنّة (٩) .

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إذا أكلتم الرمان ، فكلوه ببعض شحمه ، فانّه دباغ للمعدة ، وما من حبّة منه تقيم في جوف مؤمن إلّا أنارت قلبه ، وأخرجت شيطان الوسوسة منه أربعين يوما » (١٠) .

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أكل رمانا أنار الله قلبه أربعين يوما » (١١) .

__________________

(١) في النسخة : الأدونين.

(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٣١١.

(٣و٤) تفسير روح البيان ٩ : ٣١١.

(٥) تفسير الرازي ٢٩ : ١٣٤.

(٦) القلال : جمع قلّة ، وهي إناء من الفخّار يشرب منه.

(٧) العجم : جمع عجمة ، وهي نواة التمر أو الرمان أو العنب وغيرها.

(٨-١٠) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٢.

(١١) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٢.

١٣٦

وعن الصادق عليه‌السلام : « الفاكهة مائة وعشرون لونا ، سيّدها الرّمّان » (١) .

وعنه عليه‌السلام : « خمس من فواكه الجنّة في الدنيا : الرّمّان الأمليس » (٢) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ .

﴿فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي

 الْخِيامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٠) و (٧٣)

ثمّ وصف سبحانه المنكوحات في الجنتين بقوله : ﴿فِيهِنَّ خَيْراتٌ﴾ أخلاقهن ﴿حِسانٌ﴾ وجوههنّ. عن ( المجمع ) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أي نساء خيرات الأخلاق ، حسان الوجوه » (٣) .

وقيل في تفسير الخيرات : لسن بدمرات ولا بخرات ولا متطلّعات ولا متشوّفات ولا ذربات ولا سليطات ولا طمحات ولا طوّافات في الطرق (٤) . وفي تفسير الحسان : حسان الخلق والخلق (٥) .

عن الصادق عليه‌السلام : « هن صوالح المؤمنات العارفات » (٦) .

وعنه عليه‌السلام : « الخيرات الحسان من نساء أهل الدنيا ، وهنّ أجمل من حور العين » (٧) .

روى بعض العامة : أن حور العين يقلن : نحن الناعمات فلا نبأس ، الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن كنّا له ؛ فاذا قلن هذه [ المقالة ] أجابتهنّ المؤمنات من نساء الدنيا : نحن المصلّيات وما صليتنّ ، ونحن الصائمات وما صمتنّ ، ونحن المتصدقات وما تصدّقتنّ ، فغلبنهنّ ، والله غلبنهنّ (٨) .

وقيل : إنّ المراد من الخيرات الحور العين (٩) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ وقد أنعم الله عليكم بالخيرات الحسان.

ثمّ بالغ سبحانه في وصف نساء الجنة بقوله : ﴿حُورٌ﴾ ونساء بيض ﴿مَقْصُوراتٌ﴾ ومخدّرات ﴿فِي الْخِيامِ﴾ والخدور ، أو مستورات في الحجال ، لا يظهرن لغير أزواجهن ، ولا يخرجن من سورهنّ لغاية عظمتهنّ وعفّتهن على ما قيل (١٠) .

عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « الحور هنّ البيض ، والمقصورات المخدّرات في خيام الدّرّ والياقوت

__________________

(١) الكافي ٦ : ٣٥٢ / ٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٥.

(٢) الكافي ٦ : ٣٤٩ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٥ ، وفي النسخة : الأملس ، والرمان الإمليس ، أو الإمليسي ، هو رمان حلو طيب لا عجم له.

(٣) مجمع البيان ٩ : ٣١٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٦.

(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٢ ، والدمر : النتن ، والبخر : النتن في الفم والابط وغيرهما ، والذرية : السليطة اللسان ، والطمحات ، يقال : طمح بصره إليه ، كمنع : ارتفع ، والطوافات في الطرق : دوارات.

(٥) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٢.

(٦) الكافي ٨ : ١٥٦ / ١٤٧ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٦.

(٧) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٩٩ / ١٤٣٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٦.

(٨) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٣.

(٩) تفسير الطبري ٢٧ : ٩١.

(١٠) مجمع البيان ٩ : ٣٢٠.

١٣٧

والمرجان ، لكلّ خيمة أربعة أبواب ، على كلّ باب سبعون ملكا ، حجّابا لهنّ ، وتأتيهنّ في كل يوم كرامة من الله عزّ ذكره ، يبشّر الله عزوجل بهن المؤمنين » (١) .

وعن ابن مسعود : لكلّ زوجة خيمة طولها ستون ميلا (٢) .

وقيل : إنّ الخيمة من خيامهنّ درّة مجوّفة عرضها ستون ميلا ، في كلّ زاوية منها أهلون لا يرون إلّا حين يطوف عليهنّ المؤمنون (٣) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ مع أنّه خلق لكما من النساء المقصورات المحبوسات.

﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * مُتَّكِئِينَ عَلى

 رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ

 ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٤) و (٧٨)

ثمّ بيّن سبحانه أنّ أزواج المؤمنين كأزواج المقرّبين في البكارة وعدم مسّ غير أزواجهنّ بقوله : ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَ﴾ ولم يمسّهنّ ، أو لم يفتضّهن غير أزواجهن ، لا ﴿إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا﴾ أحد ﴿جَانٌ﴾ بل كلّهن باكرات غير ملموسات ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ مع إنعامه عليكما بأعلى النّعم.

ثمّ بيّن سبحانه راحة المؤمنين في الجنّتين بقوله : ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ ومعتمدين فيهما ﴿عَلى رَفْرَفٍ﴾ وفرش مرتفعة ، كما عن بعض (٤) ، أو مجالس (٥) ، كما عن ابن عباس ، أو مرافق (٦) ومساند ﴿خُضْرٍ﴾ لكونه أحسن الالوان ﴿وَعَبْقَرِيٍ﴾ وفرش ﴿حِسانٍ﴾ أو بسط موشّاة (٧) ، أو فيها صور ، وهي على كلّ تقدير في غاية الجودة ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ مع أنّه قد هيّأ لكم ما به نهاية الراحة والكرامة.

ثمّ لمّا ذكر سبحانه نعمه الدنيوية والاخروية التي كلّها من شؤون رحمانيته وفيّاضيته على جميع الموجودات ، وصف ذاته بعلوّ الشأن أو بكثرة الخير والبركة بقوله : ﴿تَبارَكَ﴾ وتعالى شأنا ، أو كثر خيرا ، أو دام ﴿اسْمُ رَبِّكَ﴾ وما يحكي عن ذاته كالرحمن الذي افتتحت به السورة المباركة ، فكيف بذاته المقدّسة ، فانّ عظمة الاسم دالة على عظمة المسمّى.

ثمّ إنّه تعالى بعد تعداد النّعم الدنيوية والتنبيه على فناء العالم أخبر ببقاء ذاته ، وعبّر عنها بالوجه ، والمراد به وجوده الواجب غير القابل للعدم والزوال ، وبعد تعداد نعمه الدائمة الاخروية أخبر بدوام اسمه المبارك في ألسنة الذاكرين في الجنّة ، أو كثرة خيراته وبركاته ، أو علّو شأنه اللازم لتوجّه الخلق

__________________

(١) الكافي ٨ : ١٥٦ / ١٤٧ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٦.

(٢) مجمع البيان ٩ : ٣٢٠ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣١٣.

(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٣.

(٤-٦) مجمع البيان ٩ : ٣٢٠.

(٧) في النسخة : موشّى.

١٣٨

إليه وتعظيمه.

وقيل : إنّ المراد بالاسم صفته الرحمانية والرحيمية (١) . وقيل : إنّ المراد ذاته المقدسة (٢) .

وفي كلا الموضعين نبّه على جلالته ، وتنزّهه عن النقائص ، ووفور كرمه ، ونهاية كبريائه بقوله : ﴿ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ﴾ إرعابا للقلوب ، لمكان الجلال ، وإيناسا لها به لمكان الإكرام ، ففي هذين الوصفين تربية للخوف والرجاء.

قيل : من اللطائف أنّه تعالى ختم السورة السابقة ببيان سعة ملكه وكمال قدرته بقوله تعالى : ﴿عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ(٣) وختم هذه السورة ببيان نهاية جلالته التي من آثار سعة ملكه ، ونهاية إكرامه التي من آثار كمال قدرته.

عن الباقر عليه‌السلام - في هذه الآية - « نحن جلال الله وكرامته التي أكرم الله تبارك وتعالى العباد بطاعتنا ومحبّتنا » (٤) .

عن الصادق عليه‌السلام : « من قرأ سورة الرحمن فقال عند كلّ آية ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ لا بشيء من آلائك ربّ أكذّب ، فان قرأها ليلا ثمّ مات مات شهيدا ، وإن قرأها نهارا ثمّ مات مات شهيدا » (٥) .

قيل : إن آيات أوّل هذه السورة المباركة أول ما قرئ من القرآن على قريش (٦) .

__________________

(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٥.

(٢) مجمع البيان ٩ : ٣٢٠.

(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ١٣٧ ، والآية من سورة القمر : ٥٤ / ٥٥.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٤٦ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٧.

(٥) ثواب الأعمال : ١١٦ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٨.

(٦) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٥.

١٣٩
١٤٠