نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٦

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي

نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-309-765-X

الصفحات: ٦٤٦

في تفسير سورة القمر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١)

ذكر معجزة شقّ القمر

ثمّ لمّا ختمت سورة النجم المختتمة باثبات النبوة ، والإخبار بقرب القيامة ، وتوبيخ المشركين على إنكارها ، نظمت سورة القمر المبدوءة بالإخبار بقرب يوم القيامة ، والاستدلال عليه بانشقاق القمر باعجاز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو من أشراط الساعة ، وتوبيخ المشركين على إنكار بنوّته ، ونسبة معجزاته إلى السحر واتّباعهم هوى أنفسهم ، فابتدأها بذكر الأسماء الحسنى بقوله تعالى : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.

ثمّ افتتحها بالإخبار بقرب القيامة بقوله : ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ ودنت القيامة ، وقرب قيامها ووقوعها.

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « أنا والساعة كهاتين » (١) وضمّ وجمع بين سبابته ووسطاه.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنّ الله جعل الدنيا قليلا ، فما بقي منها قليل من قليل » (٢) .

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « مثلي ومثل الساعة كفرسي رهان » (٣) .

ثمّ لما كان انشقاق القمر من أشراط الساعة ، قرن سبحانه الإخبار به باقترابها بقوله : ﴿وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ وصار فلقتين ، وحصلت آية اقترابها.

روي أنّه خطب حذيفة بن اليمان بالمدائن ، وكان من خطبته : ألا إنّ الساعة قد أقتربت ، وإنّ القمر قد انشقّ على عهد نبيّكم (٤) .

وعن ابن عباس رضوان الله عليه : أنّه اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فرقتين. فقال لهم : « إن فعلت تؤمنوا ؟ » فقالوا : نعم. وكانت ليلة بدر ، فسأل ربّه أن يعطيه ما قالوا ، فانشقّ القمر فرقتين ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينادي : « يا فلان ، يا فلان ، اشهدوا » (٥) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٩ و٣٠.

(٢و٣) تفسير روح البيان ٩ : ٢٦٢.

(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٢٦٣.

(٥) مجمع البيان ٩ : ٢٨١ ، تفسير الصافي ٥ : ٩٩.

١٠١

وفي رواية : فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إصبعه ، وأمر القمر بأن ينشقّ نصفين ، فانفلق فلقتين : فلقة ذهبت عن موضع القمر ، وفلقة بقيت في موضعه (١) .

وعن جبير بن مطعم : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى صار فرقتين على هذا الجبل ، فقال ناس : سحرنا محمد. فقال رجل : إن كان سحركم ، فلم يسحر الناس كلّهم (٢) .

وفي رواية ، قال كفّار قريش : سحركم ابن أبي كبشة ، فقال رجل منهم : إن كان محمد سحر القمر بالنسبة إليكم ، فانّه لا يبلغ من سحره أن يسحر جميع أهل الأرض ، فاسألوا من يأتيكم من البلاد ، فسألوا أهل الآفاق فأخبروا كلّهم بذلك (٣) .

وعن ابن مسعود : رأيت حراء بين فلقتي القمر (٤) .

قال بعض العامة : عليه عامة الصحابة وجلّ المفسّرين (٥) .

وعن ( شرح المواقف ) : أنّ خبر انشقاق القمر متواتر (٦) .

في ردّ التشكيك في صحّة شقّ القمر

اقول : كفى في ثبوته اشتهاره بين المسلمين من قديم الدهر ، بحيث كان من المسلّمات ، والتشكيك فيه بأنّه لو كان واقعا لنقله جميع الفرق وأهل التواريخ من سائر الأديان ، لكونه من عظائم الامور ، وتوفّر الدواعي إلى نقله ، ساقط عن الاعتبار ، لوضوح عدم التفات كثير من الناس إلى الأوضاع الفلكية ، كما نرى أنّ كثيرا ما لا يلتفتون إلى كسوف القمر ، كما أنّه يمكن وقوعه في وقت كان أكثر الناس نياما ، أو اختفاؤه (٧) عن قوم دون قوم بسبب الغيم واختلاف الافق ، واقتضاء حكمته تعالى صرف كثير من الناس عن التوجّه إليه ، لتتمّ الحجّة على الحاضرين والمقترحين ، ويقع الاختلاف في غيرهم ، مع اخبار الله به في كتابه ونقل الثقاة إياه.

﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ

 أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ

 النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ

 يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ

 الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٢) و (٨)

__________________

(١) تفسير روح البيان ٩ : ٢٦٤.

(٢) مجمع البيان ٩ : ٢٨٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٩٩.

(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٢٦٤.

(٤) تفسير أبي السعود ٨ : ١٦٧ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٦٤.

(٥) تفسير روح البيان ٩ : ٢٦٣.

(٦) تفسير روح البيان ٩ : ٢٦٣.

(٧) في النسخة : واختفاؤه.

١٠٢

ثمّ إنّه تعالى بعد إخباره بهذه الآية العظيمة والمعجزة الباهرة ، وبّخ الكفّار على إنكاره ونسبتها إلى السّحر بقوله : ﴿وَإِنْ يَرَوْا﴾ بأعينهم ﴿آيَةً﴾ ومعجزة عظيمة دالة على صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كشقّ القمر ، وحنين الجذع اليابس ، والإخبار بالمغيبات وغيرها ﴿يُعْرِضُوا﴾ عن التأمّل فيها ، ولا يعتنوا بها عنادا ولجاجا ﴿وَيَقُولُوا﴾ دفعا لدلالتها على صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذه الخوارق للعادات التي يعجز الناس عن الاتيان بمثلها ﴿سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ ومطّرد يأتي به محمد على مرّ الزمان بحيث يتبع بعضه بعضا ، أو سحر قويّ محكم بحيث يؤثر في السماويات والفلكيات ، أو سحر مارّ ذاهب لا بقاء له ، وذلك القول لأنّهم أنكروا نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عنادا ولجاجا ﴿وَكَذَّبُوا﴾ ه في دعوى رسالته ، أو في إخباره بقرب الساعة ، أو كذّبوا معجزاته ونسبوها إلى السحر والكهانة ﴿وَاتَّبَعُوا﴾ في تكذيبه ﴿أَهْواءَهُمْ﴾ وشهوات أنفسهم على عادتهم القديمة ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ﴾ من الخير والشرّ ﴿مُسْتَقِرٌّ﴾ وثابت منته بالآخرة (١) إلى خذلان ونصرة في الدنيا وشقاوة وسعادة في الآخرة.

ثمّ لمّا حثّهم سبحانه إلى الايمان والعمل ببيان اقتراب الساعة وإقامة الدليل عليه بوقوع انشقاق القمر ، وهو من أشراط الساعة ، وتوبيخهم على إنكار المعجزات وتكذيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله واتباعهم هوى أنفسهم ، بيّن سبحانه غاية خبثهم وعدم تأثرّهم بالمواعظ بقوله : ﴿وَلَقَدْ جاءَهُمْ﴾ في القرآن وسائر الكتب السماوية ﴿مِنَ الْأَنْباءِ﴾ الموحشة والأخبار العظيمة الهائلة من ابتلاء الامم الماضية بأنواع العذاب في الدنيا على تكذيبهم الرسل ﴿ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾ ورادع عن التكذيب والعصيان ، ومانع عن السوء والطّغيان ، وصارف عن اتّباع الهوى ، ومن الواضح أنّ تلك الامور التي فيها عظة ، أو الأنباء التي في القرآن ﴿حِكْمَةٌ بالِغَةٌ﴾ غايتها لا خلل فيها ، أو بالغة غاية الإنذار والوعظ ﴿فَما تُغْنِ﴾ ولا تفيد هداية النفوس الخبيثة والقلوب القاسية ﴿النُّذُرُ﴾ والرسل والمواعظ والتخويفات شيئا.

وقيل : إنّ كلمة ( ما ) استفهامية إنكارية ، والمعنى أيّ إغناء وفائدة في النذر إذا خالفوا وكذّبوا (٢) ، وعاندوا ولجّوا ، إذن لا تتعب نفسك الشريفة بالاصرار في دعوتهم إلى الايمان والاتّعاظ ﴿فَتَوَلَ﴾ وأعرض ﴿عَنْهُمْ﴾ ولا تعتن بهم ، وانتظر ﴿يَوْمَ يَدْعُ﴾ إسرافيل الذي هو ﴿الدَّاعِ﴾ لجميع الخلق بنفخة في الصّور ﴿إِلى﴾ المحشر و﴿شَيْءٍ نُكُرٍ﴾ وفظيع لا سابقة لهم به ، وهو أهوال يوم القيامة ، وهم يجيبونه في حال كونهم ﴿خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ﴾ وأذلّة جوارحهم عند رؤية العذاب ، وإجابتهم له بأنّهم ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ﴾ والقبور انقيادا له ، وينتشرون في الأرض ، ويتفرّقون في أقطارها ﴿كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ﴾ ومتفرّق فيها كثرة وتفرّقا وهم مع ذلك يكونون ﴿مُهْطِعِينَ﴾ ومسرعين في

__________________

(١) أي في آخر الأمر.

(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٦٩.

١٠٣

المشي ﴿إِلَى﴾ جهة ﴿الدَّاعِ﴾ مادّين أعناقهم إليه ، أو ناظرين إليه غير قالعين أبصارهم عنه ، وعند ذلك ﴿يَقُولُ الْكافِرُونَ﴾ بالله والرسول واليوم الآخر : ﴿هذا﴾ اليوم الذي ابتلينا به ﴿يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ وصعب علينا ، شديدة أهواله لنا ، وأمّا المؤمنون فانّهم يقولون : هذا يوم يسير.

عن السجّاد عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام - في حديث - يذكر [ فيه ] أهوال يوم القيامة : « فيشرف الجبّار تبارك وتعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة ، فيأمر ملكا من الملائكة فينادي فيهم : يا معشر الخلائق ، أنصتوا واستمعوا منادي الجبار » قال : فيستمع آخرهم كما يستمع أولهم فتنكسر أصواتهم عند ذلك ، وتخشع أبصارهم ، وتضطرب فرائصهم ، وتفزغ قلوبهم ، ويرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصوت مهطعين إلى الداعي قال : « فعند ذلك يقول الكافرون : هذا يوم عسر » (١) .

﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي

 مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً

 فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي

 بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٩) و (١٥)

ثمّ لمّا ذكر سبحانه المشركين نبوّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ونسبتهم معجزاته إلى السّحر ، ذكر حال الامم المهلكة الذين كانوا قبل كفّار مكّة تهويلا لهم وتسلية لحبيبه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾ بالرسل والآيات ﴿قَوْمُ نُوحٍ﴾ في دعوى رسالته وتوحيد الله ، كما كذّبت قومك رسالتك وآية انشقاق القمر ﴿فَكَذَّبُوا﴾ لتكذيبهم جميع الرسل ﴿عَبْدَنا﴾ ورسولنا نوح في دعوى رسالته مع علوّ شأنه ، وبالغوا في تكذيبه حتى رموه بزوال العقل ﴿وَقالُوا﴾ إنّه ﴿مَجْنُونٌ﴾ حيث يتكلّم بما لا يتكلّم به عاقل ، ويدعوا إلى ما لا يقبله أحد ﴿وَازْدُجِرَ﴾ ومنع عن تبليغ رسالته بالشتم والضرب وأنواع الأذى ، حين يئس من إيمانهم ، وترك دعوتهم. وقيل : إنّه من كلام القوم ، والمعنى : ازدجره الجنّ ، وتخبّطه وأفسدته (٢).

﴿فَدَعا رَبَّهُ﴾ بعد يأسه عن إيمانهم ، وكان دعاؤه ﴿أَنِّي﴾ يا ربّ ﴿مَغْلُوبٌ﴾ من جهة قومي ، ولا أقدر على دفعهم ومنعهم عن إيذائي ، وعيل صبري ﴿فَانْتَصِرْ﴾ إذن لعبدك (٣) نوح ، وانتقم له من أعدائه ، أو انتصر لنفسك من أعدائك ، فاستجبنا دعاءه ﴿فَفَتَحْنا﴾ لاهلاك قومه ﴿أَبْوابَ السَّماءِ

__________________

(١) الكافي ٨ : ١٠٤ / ٧٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٠.

(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٧١.

(٣) في النسخة : عبدك.

١٠٤

وطرقها من طرف المجرّة على ما روى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) وكان فتحها ﴿بِماءٍ﴾ كثير ﴿مُنْهَمِرٍ﴾ ومنصبّ على الأرض انصبابا شديدا ، فصار صبّ الماء كالمفتاح للأبواب. قيل : كان القوم يطلبون المطر سنين ، فكأنّ مطلوبهم جاء إلى الباب ففتحه (٢) ، أو المراد فتحنا الأبواب مقرونة بماء منصبّ (٣) ﴿وَفَجَّرْنَا﴾ وشققنا ﴿الْأَرْضَ﴾ بحيث صارت كلّها ﴿عُيُوناً﴾ تجري منها الماء.

﴿فَالْتَقَى الْماءُ﴾ النازل من السماء ، والماء النابع من الأرض ، واتّصلا واختلطا ، فصارا ﴿عَلى أَمْرٍ﴾ وحال ﴿قَدْ قُدِرَ﴾ من جانب الله لإهلاك القوم ، أو على حال صار كلّ من الماءين بقدر الآخر ، أو على قدره لا يعلم مقداره كانا متساويين ، أو أحدهما أزيد من الآخر.

فلمّا غرقت الأرض بدعاء نوح نجيناه ﴿وَحَمَلْناهُ﴾ ومن آمن معه ﴿عَلى﴾ سفينة ﴿ذاتِ أَلْواحٍ﴾ وصاحبة قطعات من الخشب ، ﴿وَ﴾ ذات ﴿دُسُرٍ﴾ ومسامير ، فهي مع سهولة انفكاكها ﴿تَجْرِي﴾ وتسير في الطّوفان ﴿بِأَعْيُنِنا﴾ وحفظنا ، أو بمرأى منّا ، وإنّما كان ذلك الحمل والنجاة من الغرق ، أو حفظ السفينة من الانفكاك والغرق ، أو إجابة دعائه وفتح أبواب السماء ، أو جميع ما ذكر ﴿جَزاءً لِمَنْ كانَ﴾ وجوده وبعثه في الخلق نعمة عظيمة من الله تعالى ، ثمّ ﴿كُفِرَ﴾ ذلك الشخص بترك إطاعته ، والقيام بعداوته ، والتظاهر على إيذائه ، فصبر على جميع ذلك ، فنصر على أعدائه بغرقهم ، وإنجائه بوسيلة السفينة.

﴿وَلَقَدْ تَرَكْناها﴾ وأبقيناها على وجه الأرض دهرا طويلا ، لتكون ﴿آيَةً﴾ وعبرة يعتبر بها من نظر إليها. قيل : بقيت إلى أوائل هذه الامّة (٤) . وقيل : يعني جعلناها آية عظيمة يعتبر بها من يقف على خبرها (٥)﴿فَهَلْ﴾ في الناس ﴿مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ ومعتبر بالعبر ومتّعظ بالمواعظ الإلهية ، فيخاف من الله المنتقم ، ويترك عصيانه.

﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * كَذَّبَتْ

 عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ

 مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كانَ عَذابِي

 وَنُذُرِ (١٦) و (٢١)

__________________

(١) تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٢.

(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ٣٧.

(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٣٧.

(٤) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٠ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٣.

(٥) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٠ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٣.

١٠٥

ثمّ أظهر سبحانه عظمة عذابه ، والتعجّب منه ، ومن كيفية إنذاراته بقوله : ﴿فَكَيْفَ كانَ﴾ يا محمد ، أو أيّها الناس بعد اطّلاعهم على غرق أهل الأرض ﴿عَذابِي﴾ في العظمة والشدّة ﴿وَنُذُرِ﴾ ي ومواعظي التي أنزلتها إليكم في الكثرة والكمال ، أو رسلي في عظمة الشأن ، والصبر على اذي قومهم ، وصدق مواعيدهم ، فاصبر أنت يا محمد ، فانّ عاقبة أمرك كعاقبة أولئك الرسل ﴿وَ﴾ تالله ﴿لَقَدْ يَسَّرْنَا﴾ وسهّلنا ﴿الْقُرْآنَ﴾ النازل عليكم ، بأن جعلناه بلسانكم ، وصرفنا فيه من أنواع المواعظ والوعيد ﴿لِلذِّكْرِ﴾ والاتّعاظ ، حيث أتينا فيه بكلّ حكمة ، أو للحفظ على ظهر القلب ﴿فَهَلْ﴾ منكم ﴿مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ ومتعظ بالقرآن ، أو حافظ له.

ثمّ وعظ سبحانه بذكر قصّة قوم عاد بقوله تعالى : ﴿كَذَّبَتْ﴾ قوم هود ، واسمهم ﴿عادٌ﴾ بجميع الرسل ، وإنّما لم يذكر سبحانه هنا تكذيبهم هودا للاختصار ، وإنّما ذكر فيما قبل اسم نوح وتكذيبه (١) لبيان شأنه ، وطول مدّة دعوته ، وتحمّله أذى قومه ، كذا قيل (٢) .

ثمّ سأل سبحانه عن كيفية تعذيبهم ، توجيها للسامعين إلى إصغاء ما يلقى إليهم بقوله ﴿فَكَيْفَ كانَ﴾ أيّها المستمعون ﴿عَذابِي﴾ النازل عليهم ﴿وَنُذُرِ﴾ ي لهم ، وتخويفاتي إياهم ؟ ثمّ كأنّه قيل : بيّن لنا يا رب كيف كان عذابهم ، فقال : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنا﴾ وسلّطنا ﴿عَلَيْهِمْ﴾ غضبا وسخطا ﴿رِيحاً صَرْصَراً﴾ شديدة الصوت والهبوب ، أو باردة ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ﴾ وشؤم ﴿مُسْتَمِرٍّ﴾ شؤمه عليهم ، أو إلى آخر الدهر ، وهو آخر أربعاء من الشهر. عن ابن عباس : آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر(٣) .

وعن الباقر عليه‌السلام : « أنّه كان في يوم الأربعاء ، في آخر الشهر لا يدور » (٤) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « الأبعاء يوم نحس مستمر ؛ لأنّه أول يوم وآخر يوم من الأيام التي قال الله عزوجل : ﴿سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ﴾ » (٥) .

وكانت شدّة تلك الريح بحيث ﴿تَنْزِعُ النَّاسَ﴾ وتقلعهم من الأرض ، وتضرعهم موتى ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ﴾ واصوله ﴿مُنْقَعِرٍ﴾ ومنقلع عن مغرسه ، أو ذاهب في قعر الأرض.

روى الكلبي (٦) : أنّه كان طول كلّ واحد سبعين ذراعا ، فاستهزءوا حين ذكر لهم الريح ، فخرجوا إلى الفضاء ، وضربوا بأرجلهم وغيبوها في الأرض إلى قريب من الرّكبة ، فقالوا لهود : قل للريح حتى ترفعنا ، فجاءت الريح ، فدخلت تحت الأرض ، وجعلت ترفع كلّ اثنين ، وتضرب أحدهما بالآخر

__________________

(١) أي تكذيبهم إياه.

(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ٤٣.

(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٥.

(٤) مجمع البيان ٩ : ٢٨٧ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٢.

(٥) علل الشرائع : ٣٨١ / ٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠١ ، والآية من سورة الحاقة : ٦٩ / ٧.

(٦) في النسخة : الكليني.

١٠٦

بعد ما ترفعهما في الهواء ، ثمّ تلقيهما على الأرض ، والباقون ينظرون إليهما ، حتى رفعتهم كلّهم ، ثمّ رمت بالرّمل والتّراب عليهم (١) .

وقيل : شبّهت أجسادهم بالنخل لطول قامتهم ، ولأنّ الريح كان تقلعهم وتصرعهم على رؤوسهم ، فتدقّ رقابهم ، فتبين الرؤوس من أجسادهم ، فبتقى أجسادا بلا رؤوس (٢) .

ثمّ كرّر سبحانه قوله : ﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ﴾ تهويلا لهما ، وتعجيبا من أمرهما (٣) . وقيل : إنّ الأول في الدنيا ، والثاني في العقبى (٤) .

﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقالُوا أَبَشَراً

 مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٢) و (٢٤)

ثمّ أكّد سبحانه كون القرآن أكمل المذكّرات وأوفى المواعظ بتكرار قوله : ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ .

ثمّ ذكر سبحانه طغيان قوم صالح بقوله : ﴿كَذَّبَتْ﴾ ثوم صالح ، اسمهم ﴿ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ والمواعظ التي استمعوها من صالح ، أو بالرسل جميعا من صالح ومن قبله من الرسل ، لانكارهم صلاحية : البشر للرسالة ، كما حكاه سبحانه بقوله : ﴿فَقالُوا﴾ إنكارا واستعجابا ﴿أَبَشَراً مِنَّا﴾ وإنسانا كائنا من جنسنا مع كونه ﴿واحِداً﴾ منّا ، لا فضيلة له علينا ، حيث إنّه يأكل ويمشي في الأسواق ، أو واحدا لا تبع له ، ومنفردا لا أحد من الملائكة معه ﴿نَتَّبِعُهُ﴾ ونطيعه في أوامره ونواهيه ، ونقتدي به في عقائده وأعماله ﴿إِنَّا﴾ مع كثرتنا وشوكتنا ﴿إِذاً﴾ وعلى تقدير انقيادنا له واتّباعنا إياه مع تفرّده في الرأي والاعتقاد ، وكونه مثلنا في البشرية والحاجة ﴿لَفِي ضَلالٍ﴾ وانحراف عن طريق الصلاح والصواب ﴿وَسُعُرٍ﴾ ونيران الذلّ والهوان. قيل : كان صالح يقول لهم : إن لم تتّبعوني تكونوا في ضلال عن الحقّ في الدنيا ، ونيران في الآخرة ، فعكسوا عليه عتوا وقالوا : إن اتّبعناه كنّا في ضلال وسعر (٥) ، أو المراد كنّا في سعر وجنون ، لكون اتّباعه خلاف حكم العقل.

﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ

 الْأَشِرُ * إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ

 قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ * فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كانَ

__________________

(١) تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٦.

(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٥.

(٣و٤) تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٦.

(٥) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧١ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٧.

١٠٧

عَذابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ *

 وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٥) و (٣٢)

ثمّ بالغوا في إنكار رسالته بقولهم : ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ﴾ وانزلت الرسالة والوحي ﴿عَلَيْهِ﴾ وانتخب لهذا المنصب الجليل ﴿مِنْ بَيْنِنا﴾ وفينا من هو فوقه في الشرف وأحقّ به ؟ لا والله ليس كما يقول ﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ﴾ ومصرّ على القول بخلاف الواقع والدعوى الباطل ، و﴿أَشِرٌ﴾ وبطرفي كذبه حمله عليه حبّ الترفع والرئاسة علينا ، لا ضرورة وحاجة ، أو متجبّر.

ثمّ هدّدهم سبحانه حين قولهم ذلك بالوحي إلى صالح بقوله : ﴿سَيَعْلَمُونَ﴾ هؤلاء الطّغاة ، فيما بعد هذا الزمان ، وهو زمان نزول العذاب ﴿مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ﴾ والمصر

١٠٨

وسهلنا لكم فهمه ، بأن جعلناه بلسانكم أيّها العرب ﴿لِلذِّكْرِ﴾ والاتّعاظ ، أو للحفظ على ظهر القلب ﴿فَهَلْ﴾ فيكم ﴿مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ ومتّعظ فيرتدع عن الكفر والعصيان ، وفي التكرار تأكيد ومبالغة في التّذكار.

قيل : إنّ الله تعالى أطال قصة صالح من بين القصص الخمس التي ذكرها في هذه السورة ، لكون معجزة صالح - وهي إخراج الناقة العظيمة من الجبل ، أو الصخرة غير القابلة للحياة - أعجب من معجزات سائر الأنبياء ، كما أنّ شقّ القمر الذي هو معجزة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمصدّرة به السورة أعجب من معجزاتهم ، حيث إنّ جميع معجزاتهم كانت أرضية ، ومعجزة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت سماوية ، مع أنّ المشركين والفلاسفة قائلون بامتناع تصرّف أحد في السماويات ، واستحالة الشقّ والخرق فيها ، فأشبه حال صالح حال نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان تسليه ببيان حال صالح أتمّ وأكمل فأطاله (١) .

﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ

 * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ * وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا

 بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي

 وَنُذُرِ (٣٣) و (٣٧)

ثمّ ذكر سبحانه قصة قوم لوط ، وإلطافه به ، وابتلائهم بالعذاب بقوله تعالى : ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ﴾ والتخويفات والمواعظ الإلهية ، أو بالمنذرين والرسل.

ثمّ بيّن سبحانه كيفية تعذيبهم بقوله : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ﴾ غضبا وانتقاما منهم عذابا أو ريحا ﴿حاصِباً﴾ وراميا لهم بالحجارة الصغار ﴿إِلَّا آلَ لُوطٍ﴾ وأهله ، فانّا ﴿نَجَّيْناهُمْ﴾ من العذاب ﴿بِسَحَرٍ﴾ من الأسحار ، وإنّما كان إنجاؤهم ﴿نِعْمَةً﴾ عظيمة كائنة ﴿مِنْ عِنْدِنا﴾ وتفضلا عليهم من قبلنا لايمانهم وطاعتهم لنا ، كما أنّ تعذيب القوم كان عدلا منّا ، وأداء لما يستحقّون علينا ﴿كَذلِكَ﴾ الإنجاء من العذاب الذي كان نعمة ﴿نَجْزِي﴾ في الدنيا ﴿مَنْ شَكَرَ﴾ نعمنا بالايمان والطاعة من أيّ قوم وأية أمّة كان.

وقيل : يعني كما نجّيناهم من عذاب الدنيا ، نجزي من آمن بالنجاة من عذاب الآخرة.

ثمّ بيّن سبحانه أنّ عذابهم كان بعد إتمام الحجة عليهم وطغيانهم بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ﴾ وخوّفهم لوط ﴿بَطْشَتَنا﴾ وأخذتنا الشديدة بالعذاب ﴿فَتَمارَوْا﴾ اولئك الطّغاة وكذّبونا ﴿بِالنُّذُرِ

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٥٢.

١٠٩

والتخويفات بالعذاب الدنيوي والاخروي ، مع كونهم شاكّين فيه.

ثمّ إنّ القوم لمّا سمعوا بورود شبّان حسان الوجوه على لوط ضيفا له ، وطمعوا في أن يمكّنهم لوط من عمل الفحشاء بهم ﴿وَ﴾ تالله ﴿لَقَدْ راوَدُوهُ﴾ وطالبوه عن تمكينهم ﴿عَنْ ضَيْفِهِ﴾ وهم الملائكة أن يفجروا بهم ومعهم جبرئيل ﴿فَطَمَسْنا﴾ ومسحنا ﴿أَعْيُنَهُمْ﴾ وسوّيناها كسائر وجوههم بحيث لم ير لها شقّ ، بضرب جبرئيل جناحه عليها ، أو باشارته إليها ، أو بضرب كفّ من البطحاء على وجوههم ، وقلنا لهم بلسان الملائكة : إذا بلغ طغيانكم إلى هذا الحدّ ﴿فَذُوقُوا﴾ أيّها الطّغاة ﴿عَذابِي﴾ وهو الطّمس ﴿وَنُذُرِ﴾ ي ، ومآل تخويفاتي بلسان لوط إيّاكم ، لا خلاص لكم منه بالصّراخ والضّراعة.

﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا

 الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها

 فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٣٨) و (٤٢)

قيل : إنّ المراد بمآل الانذارات عذاب الآخرة ، فانّ أوّله متصل بآخر عذاب الدنيا ، فهما كالواقع في زمان واحد (١) .

ثمّ إنّه تعالى بعد ذكر العذاب الخاصّ بالداخلين على لوط المراودين له عن ضيفه ، ذكر العذاب العام لجميع القوم بقوله تبارك وتعالى : ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ﴾ وجاءهم حين طلوع الفجر ﴿بُكْرَةً﴾ من البكر ، أو أوّل طلوعه بلا تأخير ﴿عَذابٌ﴾ عام ﴿مُسْتَقِرٌّ﴾ وثابت ودائم عليهم ، متّصل بعذاب الآخرة ، أو ثابت لا مدفع له ، أو ثابت عليهم لا يتعدّى غيرهم ، وهو جعل أعلى قريتهم أسفلها ، وإمطار الحجارة عليهم ، وقلنا لهم تشديدا لعذابهم : إذن ﴿فَذُوقُوا﴾ أيّها الكفرة الطّغاة ﴿عَذابِي﴾ على كفركم وطغيانكم ﴿وَنُذُرِ﴾ ي وإيعاداتي.

ثمّ بالغ سبحانه في التنبيه على كون القرآن المشتمل على تلك القصص أكمل المواعظ بتكرار قوله: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ والعظة ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ فانّ في التكرير مبالغة في التنبيه والايقاظ ، وتقريرا للمعاني في الأسماع والقلوب ، وتثبيتا لها في الصدور ، وكلّما زاد ازدادت للامور المذكورة.

ثمّ ذكر سبحانه شدّة طغيان فرعون وقومه ، وابتلاءهم بالعذاب بقوله : ﴿وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ﴾ وأشراف قومه الذين شاركوه في الطّغيان وإضلال الناس ﴿النُّذُرُ﴾ والأيعادات والتخويفات من قبل

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٦١.

١١٠

الله على لسان موسى ، أو المنذرون والرسل كموسى وهارون.

ثمّ كأنّه قيل : فما فعلوا حينئذ ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ ومعجزات رسلنا ﴿كُلِّها﴾ عنادا ولجاجا ﴿فَأَخَذْناهُمْ﴾ بالعذاب بسبب تكذيبهم ﴿أَخْذَ﴾ ملك ﴿عَزِيزٍ﴾ وقاهر لا يقهر و﴿مُقْتَدِرٍ﴾ لا يعجزه شيء.

﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ

 مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ

 أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٣) و (٤٦)

ثمّ لمّا بيّن سبحانه ابتلاء مكذّبي الرسل بأنواع العذاب ، وجّه الخطاب إلى كفّار العرب ، أو المكذّبين لخاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله من قريش وأهل مكّة ، وبيّن أنّهم في استحقاق العذاب كمن تقدّمهم من الامم المهلكة المكذّبة للرسل بقوله تعالى : ﴿أَكُفَّارُكُمْ﴾ أيّها العرب المصرّون على تكذيب رسولنا ، أو يا أهل مكّة ﴿خَيْرٌ﴾ عند الله ، وأقلّ استحقاقا للعذاب ﴿مِنْ أُولئِكُمْ﴾ الطّغاة الذين اهلكوا بما سمعتم من أنواع العذاب حتى تأمنوا منه ﴿أَمْ﴾ لا تكونون خيرا منهم ، ولكن ﴿لَكُمْ﴾ من جانب الله ﴿بَراءَةٌ﴾ وأمان من عذاب الله مكتوب ﴿فِي الزُّبُرِ﴾ والكتب السماوية التي نزلت على الرسل إن أصررتم على الكفر وتكذيب الرسل ، فلذا تصرّون على الشرك وتكذيب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وتجترئون على المعاصي ، ولا تخافون من نزول العذاب عليكم ، وأن يكون حالكم حال الامم الذين كانوا قبلكم ، لا والله ليس لكم تلك البراءة في كتاب من الكتب السماوية فضلا عن جميعها.

ثمّ أعرض سبحانه عن خطابهم إيذانا بعدم قابليتهم للخطاب لغاية الجهل ، ووجّه خطابه إلى العقلاء بقوله : ﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ أولئك الجهّال الحمقاء : إن نزل العذاب فانّا ﴿نَحْنُ جَمِيعٌ﴾ وكثير متّفقون على دفعه ﴿مُنْتَصِرٌ﴾ ومتعاون بعضنا مع بعض (١) ، أو ممتنع بقوّتنا عن الابتلاء به ، وإنّما أفرد لفظ المنتصر إمّا باعتبار لفظ ( الجميع ) ، والمعنى نحن جميع جنس منتصر ، أو باعتبار أنّ ( جميع ) بمعنى كلّ واحد ، والمعنى كلّ واحد منّا منتصر يغلب محمدا ، أو يدفع عن نفسه العذاب.

ثمّ ردّ الله قولهم الفرضي (٢) بقوله تعالى : ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ﴾ وتنكسر البتة شوكتهم ﴿وَيُوَلُّونَ﴾ وينصرفون في حرب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ﴿الدُّبُرَ﴾ وإفراده لإرادة الجنس ، كما وقع يوم بدر.

عن عمر بن الخطاب ، قال : لمّا نزلت ( سيهزم الجمع ) كنت لا أدري أي جمع ، فلمّا كان يوم بدر

__________________

(١) في النسخة : ببعض.

(٢) في النسخة : الفرضية.

١١١

رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يلبس الدّرع ويقول : ( سيهزم الجمع ) (١) .

وقال ابن عباس : كان بين نزول الآية وبين يوم بدر سبع سنين (٢) . وهذا من معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث أخبر عن الغيب ، فكان كما أخبر.

وقيل : إنّ الدّبر بملاحظة كلّ واحد ، أو لتنزيل فرار جميعهم منزلة فرار شخص واحد ، والمراد أنّهم في التولية كنفس واحد لا يتخلّف أحدهم من الجميع (٣) .

ثمّ أخبر سبحانه بأنّه ليس ذلك تمام عقوبتهم بقوله تعالى : ﴿بَلِ السَّاعَةُ﴾ ويوم القيامة ﴿مَوْعِدُهُمْ﴾ ووقت عذابهم ، وهذا العذاب في الدنيا من طلائعه ﴿وَالسَّاعَةُ أَدْهى﴾ وأعظم فظيعة ﴿وَأَمَرُّ﴾ وأشدّ عذابا من يوم بدر وأدوم.

﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ

 ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٧) و (٤٩)

ثمّ بيّن سبحانه حال المشركين المعارضين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك اليوم بقوله : ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ﴾ والطّغاة في ذلك اليوم مستقرّون ﴿فِي ضَلالٍ﴾ وهلاك ، أو بعد من طريق الوصول إلى الرحمة والجنة ﴿وَ﴾ في ﴿سُعُرٍ﴾ ونيران موقدة. وقيل : إنّ المراد أنّ المشركين المجرمين في الدنيا في ضلال وجنون لا يعقلون ولا يهتدون إلى الحقّ ، وفي الآخرة في سعر ونيران (٤) .

ويقال لهم ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ﴾ ويجرّون ﴿فِي النَّارِ﴾ بعنف ﴿عَلى وُجُوهِهِمْ﴾ أيّها المجرمون ﴿ذُوقُوا﴾ وأدركوا أكمل الإدراك ﴿مَسَّ سَقَرَ﴾ ولمس نار جهنم وألمها.

قيل : إنّ سقر علم لجهنّم (٥) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « أنّ في جهنم لواديا [ للمتكبرين ] يقال له سقر ، شكا إلى الله شدّة حرّه ، وسأله أن يأذن له أن يتنفّس ، فتنفس فأحرق جهنّم » (٦) .

ثمّ بيّن سبحانه كمال قدرته لتهويل العباد بقوله تعالى : ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ﴾ وموجود في عالم الأجسام والأرواح والملك والملكوت من الجواهر والأعراض نحن ﴿خَلَقْناهُ﴾ وأوجدناه ﴿بِقَدَرٍ﴾ وحدّ معين اقتضته الحكمة ، مكتوب في اللّوح المحفوظ قبل وجوده.

__________________

(١) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٤ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٢.

(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٢.

(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٦٨.

(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ٧١.

(٥) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٤ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٣.

(٦) عقاب الأعمال : ٢٢٢ ، تفسير روح البيان ٥ : ١٠٤.

١١٢

في الحديث : « كتب الله مقادير الخلائق كلّها قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، وعرشه على الماء » (١) .

وقيل : إنّ المراد بالقدر القدر المستعمل في جنب القضاء والقضاء علمه بصلاح إيجاد الموجودات المكتوب في اللّوح المحفوظ والقدر إرادة إيجاد كلّ موجود (٢) .

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله بعثت بالحقّ ، ويؤمن بالبعث ، ويؤمن بالقدر خيره وشرّه » (٣) .

أقول : الظاهر أنّ المراد الايمان بأنّ كلّ ما يوجد بإرادة الله.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « القدر خيره وشرّه من الله » (٤) .

قيل : إنّ أكثر المفسرين اتّفقوا على أنّ آية : ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ﴾ إلى قوله : ﴿خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ﴾ نزلت في القدرية (٥) .

وعن أبي هريرة ، قال : جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في القدر ، فانزل الله تعالى : ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ﴾ إلى قوله : ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ(٦) .

وعن عائشة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مجوس هذه الامة القدرية » وهم المجرمون الذين سمّاهم الله تعالى في قوله : ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ(٧) .

وعن الصادق عليه‌السلام قال : « إنّ القدرية مجوس هذه الامّة ، وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه عن سلطانه ، وفيهم نزلت ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ﴾ إلى قوله : ﴿بِقَدَرٍ﴾ » (٨) .

وسئل عن الرّقى (٨) أتدفع من القدر شيئا ؟ فقال : « هي من القدر » (٩) .

وعنه عليه‌السلام قال : « ما أنزل الله هذه الآيات إلّا في القدرية ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ﴾ إلى قوله:﴿بِقَدَرٍ﴾» (١٠) .

وعن الباقر عليه‌السلام : « نزلت هذه الآية في القدرية ﴿ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ* إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ﴾ » (١١) .

وعن الصادق عليه‌السلام قال : « وجدت لأهل القدر اسما في كتاب الله : ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ﴾ إلى قوله : ﴿بِقَدَرٍ ﴾ » قال : « فهم المجرمون » (١٢) .

أقول : مقتضى قول الصادق عليه‌السلام : « هم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله ، فأخرجوه من سلطانه » كون

__________________

(١) تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٤. (٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٤.

(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٤. (٤) تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٤.

(٥ و ٦) تفسير الرازي ٢٩ : ٦٩.

(٧) التوحيد : ٣٨٢ / ٢٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٥. (٨) الرّقى : جمع رقية ، وهي العوذة التي يرقى بها.

(٩) بحار الأنوار ٥ : ٩٨ / ٢٤. (١٠) عقاب الأعمال : ٢١٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٥.

(١١) عقاب الأعمال : ٢١٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٥. (١٢) تفسير القمي ٢ : ٣٤٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٥.

١١٣

المعتزلة القائلين بأنّ العبد مستقل في أفعاله ، ولا يقدر الله على منعه منها وصرفه عنها ، هم القدرية ، لأنّهم اشركوا بالله خلقه في افعالهم.

ومقتضى حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام مع الشيخ الذي منعه عن المسير إلى الشام - حيث قال : أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام ، ألقضاء (١) من الله وقدر ؟ فقال علي عليه‌السلام : « يا شيخ ، ما علوتم تلعة ، ولا هبطتم بطن واد ، إلّا بقضاء من الله وقدر » .

فقال الشيخ : عند الله أحتسب عنائي.

فقال علي عليه‌السلام : « وتظنّ أنّه قضاء حتم ، أو قدر لازم ، لا إنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والأمر والنهي ، والزجر من الله ، وسقط معنى الوعد والوعيد ، فلم تكن لائمة من الله للمذنب ، ولا محمدة للمحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان ، وخصماء الرحمن ، وقدرية هذه الأمّة » (٢) - أن الأشاعرة القائلين بأن افعال العباد مخلوقة لله.

وقال بعض الأفاضل : « تلك مقالة عبدة الأوثان » إشارة إلى الأشاعرة. وقوله : « قدرية هذه الامّة » إشارة إلى المعتزلة (٣) .

وقال بعض الأجلّة : القدرية هم المنسوبون إلى القدر ، ويزعمون أنّ كلّ عبد خالق فعله ، ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله ومشيئته ، فنسبوا إلى القدر لأنّه بدعتهم وضلالتهم (٤) .

وقال شارح ( المواقف ) : قيل : القدرية هم المعتزلة لاسنادهم أفعالهم إلى قدرتهم.

وفي الحديث : « لا يدخل الجنّة قدريّ ، وهو الذي يقول : لا يكون ما شاء الله ، ويكون ما شاء إبليس » .

﴿وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ *

 وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي

 جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٠) و (٥٥)

ثمّ بيّن سبحانه كمال قدرته بقوله : ﴿وَما أَمْرُنا﴾ لشيء إذا نريد إيجاده ﴿إِلَّا﴾ كلمة ﴿واحِدَةٌ﴾ لا تكرار فيها ، وهي كلمة ( كن ) التي يعبّر بها عن الإرادة التكوينية ، فاذا يكون الشيء المراد وجوده ويوجد بسرعة ويسير ﴿كَلَمْحٍ﴾ ونظر سريع ﴿بِالْبَصَرِ﴾ .

قيل : لمّا اشتملت الآيات السابقة على وعيد الكفار بالاهلاك عاجلا وآجلا ، والوعد للمؤمنين

__________________

(١) في الاحتجاج : أبقضاء.

(٢) الاحتجاج : ٢٠٨.

(٣) تفسير الرازي ٢٩ / ٧٠.

(٤) تفسير الرازي ٢٩ / ٦٩.

١١٤

بالانتصار منهم جيء بقوله : ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ﴾ تأكيدا للوعيد والوعد ، يعني أنّ الوعيد والوعد حقّ وصدق ، والموعود مثبت في اللوح المحفوظ ، مقدّر عند الله ، لا يزيد ولا ينقص ، وذلك على الله يسير ، لأنّ قضاءه في خلقه أسرع من لمح البصر (١) .

﴿وَ﴾ تالله ﴿لَقَدْ أَهْلَكْنا﴾ بأنواع العذاب في الأعصار السابقة ﴿أَشْياعَكُمْ﴾ وأشباهكم في الكفر والطّغيان من الامم الذين كانوا أقوى منكم ﴿فَهَلْ﴾ فيكم أيّها الكفّار الحاضرون ﴿مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ ومتّعظ بما نزل عليهم ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ﴾ وعمل من الكفر والعصيان ﴿فَعَلُوهُ﴾ في الليل والنهار والخلوة والجلوة مكتوب ﴿فِي الزُّبُرِ﴾ ودواوين الحفظة الكرام البررة ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ﴾ من أعمالهم وأعمال غيرهم في مدّة أعمارهم ﴿وَكَبِيرٍ﴾ منها ، كلّ بتفاصيلها ﴿مُسْتَطَرٌ﴾ ومثبوت في كتاب لا يترك كتب عمل صغير لصغره ، ولا كبير للاعتقاد بعدم نسيانه.

روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرب لصغائر الذنوب مثلا ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله: « إنّ مثل محقّرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بفلاة من الأرض ، وحضر جميع القوم ، فانطلق كلّ واحد منهم يحطب ، فجعل الرجل يجيء بالعود والآخر بالعود حتى جمعوا سوادا ، وأججوا نارا ، فشووا خبزهم ، وإنّ ذنب الصغير يجتمع على صاحبه فيهلكه ، إلّا أن يغفر الله ، اتّقوا محقّرات الذنوب ، فانّ لها من الله طالبا » (٢) .

ثمّ إنّه تعالى بعد بيان سوء حال الكفّار في الآخرة ، وأنّهم يسحبون على وجوههم في النار ، بيّن حسن حال المتقين و المحترزين من الكفر والعصيان بقوله تعالى : ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ والمعرضين عن الكفر والعصيان في الدنيا مستقرّون في الآخرة ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ وبساتين كثيرة الأشجار ، لا يوصف حسنها ونظارتها ونعمها ﴿وَ﴾ في خلال ﴿نَهَرٍ﴾ أعظم الأنهار وأصفاها ، جار من الكوثر على قول ، أو من عين الرضوان على آخر (٣) .

وقيل : إنّ المراد من النهر جنسه ، وإفراده لرعاية الفواصل (٤) .

وهو قاعد ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ ومجلس صالح مرضيّ ، أو مجلس حقّ لا لغو فيه ولا تأثيم ، وكائن ﴿عِنْدَ مَلِيكٍ﴾ وسلطان عظيم الشأن ، وفي قرب من مالك الملوك ﴿مُقْتَدِرٍ﴾ لا نهاية لقدرته وملكه وسلطانه ، فأيّ منزلة أكرم من تلك المنزلة ، وأجمع للغبطة والسعادة ، وألذّ واشرف منها.

عن الصادق عليه‌السلام : « من قرأ سورة ( اقتربت ) أخرجه الله من قبره على ناقة من نوق الجنة »(٥).

__________________

(١) تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٤.

(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٥.

(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٧٩.

(٤) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٥.

(٥) ثواب الأعمال : ١١٦ ، مجمع البيان ٩ : ٢٧٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٥.

١١٥
١١٦

في تفسير سورة الرحمن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿الرَّحْمنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسانَ * عَلَّمَهُ الْبَيانَ (١) و (٤)

ثمّ لمّا ختم سبحانه سورة القمر المبتدئة باظهار المهابة بالإخبار باقتراب الساعة ، وذكر أعظم معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو انشقاق القمر ، وتكرار ذكر تسهيل نعمة القرآن للذّكر والاتعاظ به ، وتكرار شدّة عذابه وكثرة إنذاره بقوله تعالى : ﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ(١) مرّة بعد مرة ، وتعداد ما نزل على الامم السالفة من أنواع العذاب ، وختمها بذكر أسمائه الدالّة على كمال عظمته واقتداره المشعر بشدّة انتقامه ، نظمت سورة الرحمن المبتدئة باظهار كمال رحمته ، وذكر أعظم المعجزات العقلية لنبينا ، وهو تعليم القرآن الذي فيه صفاء القلوب وشفاء الصدور ، وتكرار تذكير آلائه ونعمه بقوله : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ(٢) وتعداد تفصيل نعمه الدنيوية والاخروية على المؤمنين ، فابتدأها بذكر الأسماء المباركات بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ .

ثمّ أعلن برحمته الواسعة لجميع الموجودات بقوله تعالى : ﴿الرَّحْمنُ﴾ والذات العطوف على جميع الخلق بالايجاد أولا ، والرزق وتهيئة أسباب البقاء ثانيا ، وموجبات السعادة والهداية ثالثا.

وإنّما خصّ هذا الاسم الاعظم بذاته المقدّسة بحيث لا يجوز إطلاقه على غيره ، لكون سائر أسمائه تحت هذا الاسم ، ولا يكون أحد قابلا لتسميته به ، كاسم الله الدالّ على الذات ، والمستجمع لجميع الصفات الكمالية ، ولذا أقرنهما في قوله : ﴿قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ(٣) .

ثمّ شرع سبحانه في تعداد نعمه الدنيوية والاخروية والجسمانية والروحانية اللاتي كلّها من شؤون الرحمانية ، ولمّا كان أعظمها قدرا وأرفعها شأنا القرآن الذي هو مدار السعادة الدنيوية والاخروية ، ومظهر لحقائق الكتب السماوية ، ومناط لكون سائر النّعم نعما ، بدأ بإظهار المنّة بتعليمه بقوله : ﴿عَلَّمَ﴾ بتوسّط جبرئيل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبتوسّطه غيره ﴿الْقُرْآنَ﴾ العظيم الشأن.

__________________

(١) القمر : ٥٤ / ١٦.

(٢) الرحمن : ٥٥ / ١٣.

(٣) الإسراء : ١٧ / ١١٠.

١١٧

قيل : يعني الذي علّم آدم الأسماء وفضّله بها على الملائكة ، هو الذي علّمكم القرآن ، وفضّلكم به على جميع الامم (١) .

وقيل : إنّ المعنى جعل القرآن علامة لنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعجزة له ، كما جعل شقّ القمر الذي أخبر به في أوّل السورة السابقة علامة لنبوته ومعجزة له (٢) .

وقيل : إنّ المراد أنّه تعالى علّم القرآن أولا ملائكته المقرّبين (٣) ، ثمّ بيّن أنّه علّمه ثانيا الانسان بقوله تعالى : ﴿خَلَقَ الْإِنْسانَ﴾ . قيل : إنّ المراد جنسه (٤) ، وقيل : إنّ المراد محمد (٥) . و ﴿عَلَّمَهُ الْبَيانَ﴾ وهو القرآن الذي فيه تبيان كلّ شيء.

وقيل : إنّه تعالى ذكر أولا أعظم النّعم ، وهو تعليم القرآن (٦) ، ولم يذكر من علمه لعظم نعمة التعليم ، ثمّ بيّن من علمه بقوله : ﴿خَلَقَ الْإِنْسانَ﴾ ثمّ بيّن كيفية تعليمه بقوله : ﴿عَلَّمَهُ الْبَيانَ﴾ وطريق كشف ما في الضمير بالنّطق وفهمه ، والحقّ أنّ المراد تعداد عظائم نعمه على الانسان ومطالبته بالشكر فذكر أولا أعظم النّعم التي (٧) لا نعمة لأحد مع فقدها ، ثمّ أعظم النّعم الداخلية بعدها ، وهو نعمة وجود الانسان ، ثمّ أعظم النّعم بعد نعمة الوجود ، وهو نعمة البيان والمنطق ، فانّه به يمتاز عن غيره من الحيوانات.

﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٥) و (٦)

ثمّ ذكر بعد النعمتين الداخلتين نعمتين خارجتين ظاهريتين سماويتين بقوله : ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ بجريانهما ﴿بِحُسْبانٍ﴾ وحركات مقدّرة في برجهما ومنازلهما ، آتيين لها في فلكيهما ، بحيث ينتظم بها امور العالم السّفلى ، وتختلف الفصول والأوقات ، ويعلم بها السنون والشهور ، مع أنّ لوجودهما وكونهما فوق الأرض منافع مهمّة لا تحصى ، كزوال الظّلمة ، وتربية الأجسام ، وتنمية النباتات والأشجار ، وتربية المعادن والزراعات ، ونضج الثّمار وغير ذلك.

ثمّ بيّن نعمتين ظاهرتين أرضيتين ، بهما بقاء الانسان والحيوان ومعاشهما بقوله : ﴿وَالنَّجْمُ﴾ وهو النبات الذي لا ساق له ، كالبقول والحشيش والعشب المنبسطة على الأرض ﴿وَالشَّجَرُ﴾ وهو النبات الذي له ساق كالحنطة والشعير والشجر والنخل وغيرها ﴿يَسْجُدانِ﴾ وينقادان لأمره تعالى وإرادته

__________________

(١) تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٨.

(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ٨٢.

(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٨٤.

(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ٨٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٩.

(٥) تفسير الرازي ٢٩ : ٨٥.

(٦) تفسير الرازي ٢٩ : ٨٥.

(٧) في النسخة : الذي.

١١٨

انقياد الساجد ، وقيل : إنّ المراد من سجودهما سجود ظلالهما. وقيل : غير ذلك (١) .

وإخلاء الجملة الاولى عن العاطف ، لكون النظر فيها إلى تعداد النعم ، وذكره في هذه الجملة لتناسبها مع سابقتها من حيث التقابل ؛ لأنّ الشمس والقمر علويان ، والنجم والشجر سفليان ، وكون فعل الجميع من الجريان والسجود من باب الانقياد لأمر الله ، وإنّما قدّم النجم لمناسبته اللفظية مع الشمس والقمر ، ولأنّ حال السجود فيه أظهر لانبساطه على الأرض ، كما أنّ تقديم الشمس على القمر لأشرفيتها منه ، ولأنّ الحساب فيها أظهر.

﴿وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ

 بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٧) و (٩)

ثمّ ذكر واحدا من نعمه المهمة السماوية بقوله : ﴿وَالسَّماءَ﴾ المطلّة ﴿رَفَعَها﴾ وخلقها فوق الأرض ، لتكون سقفا محفوظا. وقيل : اريد من رفعها رفع رتبتها ، لكونها محلّ ملائكته ، ومنشأ اقضيته ، ومتنزّل أوامره وأحكامه (٢) .

ثمّ ذكر واحدا من نعمه المهمة الأرضية بقوله : ﴿وَوَضَعَ﴾ في الأرض ، وجعل فيها ﴿الْمِيزانَ﴾ لتعيين الحقوق وتسويتها ، ولو لاه لوقع بين الناس العداوة والبغضاء ، فانّ العدل سبب لبقاء عمارة العالم ، وأخص أسبابه الميزان ، ولذا عدّه من النّعم العظيمة ، فكأنّه قال : نشر سبحانه العدل الذي أخصّ أسبابه الميزان ، وإنّما جعل ذلك لأجل ﴿أَلَّا تَطْغَوْا﴾ ولا تجاوزوا عن الحدّ الواجب من الحقوق ﴿فِي الْمِيزانِ﴾ بأن لا تنقصوا من (٣) حقّ الغير ، ولا تتعدّوا على (٤) الغير بأخذ الزائد عن حقّكم.

ثمّ قرّر سبحانه ذلك بقوله : ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ﴾ وداروا معرفة قدر الحقوق ﴿بِالْقِسْطِ﴾ والعدل ﴿وَلا تُخْسِرُوا﴾ ولا تنقصوا ﴿الْمِيزانَ﴾ قيل : لا تنقصوا الموزون في الميزان ، وإنّما كرّر لفظ الميزان تشديدا للوصية به ، وحثّا على استعماله (٥) .

وقيل : إنّ لفظ ( ميزان ) اريد به فى كلّ آية معنى ، ففي الآية الاولى اريد به الآلة أو العدل ، وفي الثانية اريد به الوزن أو الآلة ، وفي الثالثة اريد به الموزون (٦) .

وعن الرضا عليه‌السلام - في تأويل الآيات وبيان بطنها في رواية - قيل له : ﴿خَلَقَ الْإِنْسانَ ؟﴾ قال : « ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام » قيل : ﴿عَلَّمَهُ الْبَيانَ ؟﴾ قال : « علّمه بيان كلّ شىء يحتاج إليه الناس » .

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٨٩.

(٢) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٧ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٩.

(٣و٤) في النسخة : عن.

(٥) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٧.

(٦) تفسير الرازي ٢٩ : ٩٠.

١١٩

قيل : ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ﴾ قال : « هما بعذاب الله » . قيل : الشمس والقمر يعذّبان ؟ قال : سألت عن شيء فأتقنه ، إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله تجريان بأمره ، مطيعان له ، ضوؤهما من نور عرشه ، وحرّهما من جهنم ، فاذا كانت القيامة عاد إلى العرش نورهما ، وعاد إلى النار حرّهما ، فلا يكون شمس ولا قمر ، وإنّما عناهما لعنهما الله ، أو ليس قد روى الناس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال « الشمس والقمر نوران في النار » قيل : بلى. قال : « أما سمعت قول الناس : فلان وفلان شمسا هذه الامّة ونورهما ؟ فهما في النار ، والله ما عنى غيرهما » .

قيل : ﴿النَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ ؟﴾ قال : « النجم : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد سمّاه الله في غير موضع فقال : ﴿وَالنَّجْمِ إِذا هَوى(١) وقال : ﴿وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ(٢) فالعلامات الأوصياء ، والنجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » . قيل : ﴿يَسْجُدانِ ؟﴾ قال : « يعبدان » .

قيل : ﴿وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ ؟﴾ قال : « السماء : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، رفعه الله إليه ، والميزان : أمير المؤمنين عليه‌السلام ، نصبه في خلقه » .

قيل : ﴿أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ؟﴾ قال : « لا تعصوا الامام » . قيل : ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ ؟﴾ قال : « أقيموا الامام بالعدل » . قيل : ﴿وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ ؟

قال : « لا تخسروا الإمام حقّه ولا تظلموه » الخبر (٣) .

﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ * فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١٠) و (١١)

ثمّ بعد المنّة بذكر وضع الميزان منّ سبحانه على الناس بذكر وضع الأرض بقوله تعالى : ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَها﴾ وبسطها لتكون مهادا وفراشا ﴿لِلْأَنامِ﴾ من الجنّ والانس على قول (٤) . وعن الرضا عليه‌السلام قال : « للناس » (٥) . وقيل : إنّ الأرض موضوعة لكلّ ما عليها ، وإنّما خصّ الانسان بالذكر ، لأنّ انتفاعه بها أكثر (٦) .

قيل : كلّما كان من النّعم العظام مختّصا بالانسان ، قدّم سبحانه الفعل بالآية كقوله : ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ* وَوَضَعَ الْمِيزانَ﴾ وكلّما لم يكن مختصا بالانسان ، أو لم يكن نفعه عظيما كثيرا ، قدّم الاسم كقوله : ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ﴾ إلى قوله : ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ﴾ فانّ نفع الأرض مشترك بين الانسان وسائر الحيوانات (٧) .

__________________

(١) النجم : ٥٣ / ١.

(٢) النحل : ١٦ / ١٦.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٤٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٧.

(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩١.

(٥) تفسير القمي ٢ : ٣٤٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٨.

(٦) تفسير الرازي ٢٩ : ٩٢.

(٧) تفسير الرازي ٢٩ : ٩٢.

١٢٠