دروس في الكفاية - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٧

بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان ؛ بل عن عدم كون الإطلاق الذي هو ظاهره بمعونة الحكمة ، بمراد جدي ، غاية الأمر : إن التصرف فيه بذلك (١) لا يوجب التجوّز فيه ، مع إن (٢) حمل الأمر في المقيد على الاستحباب لا يوجب تجوزا فيه ، فإنه (٣) في الحقيقة مستعمل في الإيجاب ، فإن المقيّد إذا كان فيه ملاك الاستحباب كان من أفضل أفراد الواجب لا مستحبا فعلا ، ضرورة (٤) : إن ملاكه لا يقتضي استحبابه إذا اجتمع مع ما يقتضي وجوبه.

نعم (٥) ؛ فيما إذا كان إحراز كون المطلق في مقام البيان بالأصل كان (٦) من

______________________________________________________

(١) أي : التصرف في المطلق بعدم كونه مرادا جديا لا يوجب التجوّز في المطلق.

(٢) هذا إشارة إلى الوجه الثاني من وجهي الجواب عن الإشكال المذكور ، وقد عرفت كلا الوجهين ، فلا حاجة إلى التكرار.

(٣) تعليل لعدم التجوّز ، كما أن قوله : «فإن المقيد إذا كان ..» إلخ تعليل لكون الأمر مستعملا في الإيجاب ، وحاصله : أن ما يكون فيه ملاك الوجوب كالرقبة المؤمنة التي تكون لفرديتها للرقبة المطلقة واجدة لملاك الوجوب يمتنع أن يتصف فعلا بالاستحباب ؛ للزوم اجتماع الضدين ـ وهما الوجوب والاستحباب ـ في شيء واحد ولو مع تعدد الحيثية فلا بد أن يراد بالاستحباب هنا : الأفضلية ، فيكون عتق الرقبة المؤمنة أفضل أفراد الواجب.

(٤) تعليل لعدم كون المقيد مستحبا فعلا ؛ لأن ملاك الوجوب الموجود في جميع أفراد المطلق ـ التي منها الرقبة المؤمنة ـ يمنع عن تأثير ملاك الاستحباب في الاستحباب الفعلي ؛ للزوم اجتماع الضدين ، فاستحباب المقيد معناه أفضل أفراد الواجب ، وضمير «وجوبه» راجع إلى المقيد ، كما أن ضمير استحبابه راجع إليه.

(٥) يعني : يصح جواب المجيب القائل بأن التقييد ليس تصرفا في معنى اللفظ ، فيرجّح تقييد المطلق على حمل أمر المقيد على الاستحباب في مورد واحد ، وهو ما إذا أحرز بالأصل العقلائي كون المتكلم في مقام البيان ، ثم علم بدليل المقيد ، فلا مانع حينئذ من كشف دليل التقييد عن عدم كونه في مقام البيان ؛ بل في مقام الإهمال أو الإجمال ، فحينئذ يقدّم التقييد على حمل أمر المقيد على الاستحباب ؛ إذ الأصل ـ وهو كون المتكلم في مقام البيان ـ متبع ما لم يقم ما يصلح للقرينية على خلافه ، وقد قام ما يصلح للقرينية على خلاف الأصل المذكور ؛ إذ دليل المقيد يكشف عن عدم كون المطلق في مقام البيان ، فحينئذ يرجّح التقييد على حمل أمر المقيد على الاستحباب.

(٦) جواب «إذا» يعني : «إذا كان إحراز كون المطلق» بكسر اللام أي : المتكلم «في

٤٨١

التوفيق بينهما حمله على أنه سيق في مقام الإهمال على خلاف مقتضى الأصل فافهم (١).

ولعل (٢) وجه التقييد : كون ظهور إطلاق الصيغة في الإيجاب التعييني أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق.

وربّما يشكل (٣) : بأنه يقتضي التقييد في باب المستحبات ، مع إن بناء المشهور على حمل الأمر بالمقيد فيها على تأكّد الاستحباب.

______________________________________________________

مقام البيان بالأصل ، كان من «التوفيق» بين المطلق والمقيد «حمله» أي : المطلق على أنه سيق في مقام الإهمال ، على خلاف الأصل العقلائي المذكور الذي يبنى عليه في إحراز كون المتكلم في مقام البيان عند الشك في ذلك».

(١) لعله إشارة إلى : أن الحمل على الإهمال متجه فيما إذا كان المقيد واردا قبل وقت الحاجة ، وأما إذا كان واردا بعدها فلا يصح الحمل على الإهمال ؛ للزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، أو إشارة إلى : أن اللازم مما ذكر : عدم جواز التمسك بهذا المطلق في غير مورد القيد ، فيشكل الأمر في جميع المطلقات ، نظرا إلى كون إحراز كون المتكلم في مقام البيان فيها غالبا بالأصل العقلائي ، مع إنه قد وردت لها مقيدات بعدا.

(٢) أي : لعل وجه التقييد هو شيء آخر غير ما تقدم وهو : تقديم جانب التعيين على التخيير.

توضيح ذلك : إن إطلاق الرقبة مثلا في «أعتق رقبة» لا يقتضي تعيّن فرد من الأفراد ، فيكون المكلف مخيّرا بينها ؛ إذ يجزى في الامتثال عتق أيّ فرد من أفراد الرقبة ، بخلاف الرقبة المؤمنة في «أعتق رقبة مؤمنة» فإنه يقتضي تعيّن خصوص المؤمنة ، فيدور الأمر بين التعيين والتخيير ، ويحكم العقل بالأول لحصول اليقين بالبراءة به دون غيره.

وبعبارة أخرى : أنه بعد البناء على وحدة التكليف : يدور الأمر بين التصرف في ظهور إطلاق الصيغة في دليل التقييد في الوجوب التعييني ، وعدم كفاية عتق غير الرقبة المؤمنة ، وبين التصرف في ظهور المطلق في الإطلاق ، وكفاية عتق مطلق الرقبة. ومع التنافي بين الظهورين لا بد في رفع التنافي من أخذ أقوى الظهورين وهو ظهور إطلاق الصيغة في دليل المقيد في الوجوب التعييني ، والتصرف في ظهور المطلق بحمله على المقيد وتقييده به.

والنتيجة هي : وجوب عتق الرقبة المؤمنة معيّنا ، وعدم كفاية عتق الرقبة الكافرة.

(٣) توضيح الإشكال يتوقف على مقدمة وهي : التفاوت والفرق بين المستحبات والواجبات في باب المطلق والمقيد ، وحمل المطلق على المقيد.

٤٨٢

اللهم إلا أن يكون الغالب في هذا الباب (١) هو : تفاوت الأفراد بحسب مراتب المحبوبيّة ، فتأمل.

______________________________________________________

وحاصل الفرق والتفاوت بينهما : أن المشهور بين الأصحاب هو : تخصيص حمل المطلق على المقيد بالواجبات دون المستحبات.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن حمل المطلق على المقيد يقتضي التقييد ، وحمل المطلق على المقيد حتى في باب المستحبات ، والتالي باطل فالمقدم مثله.

وأما بطلان التالي : فواضح ؛ إذ لو لم يكن باطلا لزم الحكم باستحباب خصوص المقيد دون المطلق ؛ فيما إذا ورد استحباب زيارة الإمام الحسين «عليه‌السلام» بنحو المطلق ، ثم ورد استحبابها في أوقات خاصة كالعيدين وعرفة ونصفي رجب وشعبان ، فإن مقتضى أقوائية ظهور إطلاق الصيغة في المقيد في الاستحباب التعييني من ظهور المطلق في الإطلاق هو : تقييد المطلق ، والحكم بتعين المقيد في الاستحباب ، ولازم ذلك : عدم استحباب المطلق ، وهو زيارته «عليه‌السلام» في غير أوقات خاصّة وهو باطل ؛ لأنه على خلاف المشهور ، حيث إنهم لم يذهبوا إلى التقييد في المستحبات ، وبنوا فيها على حمل المقيد على تأكد الاستحباب.

وأما الملازمة : فهي ثابتة ؛ لأن الملاك في حمل المطلق على المقيد هو : كون دليل المقيد قرينة عرفية على التقييد من دون تفاوت بين الواجبات والمستحبات.

وقد أجاب المصنف عن هذا الإشكال بوجهين راجعين إلى عدم ثبوت الملازمة ، بعد التفاوت بين الواجبات والمستحبات :

الوجه الأول : ما أشار إليه بقوله : «اللهم إلّا إن يكون ..» إلخ.

(١) أي : في باب المستحبات ، وحاصل هذا الوجه هو : التفاوت والفرق بين الواجبات والمستحبات ، ولازم هذا التفاوت والفرق هو : أن عدم حمل المطلق على المقيد في المستحبات ـ مع كونه جمعا عرفيا ـ إنما هو لأجل ظهور أدلة المستحبات في محبوبية جميع أفرادها ، واشتمالها على الملاك مع تفاوتها غالبا في المحبوبية ، وعدم اختصاص المقيد منها بالمحبوبية حتى يختص الاستحباب به ، فمع وجود ملاك الاستحباب في جميع الأفراد لا بد من حمل المقيّد منها على تأكّد الاستحباب ، فإذا دل دليل على استحباب مطلق الدعاء في القنوت ، ثم ورد نصّ على استحباب كلمات الفرج فيه ، فيحمل هذا على تأكد استحباب كلمات الفرج.

والحاصل : أنه مع العلم باستحباب المطلق : لا وجه لحمله على المقيد ؛ بل يحمل المقيد

٤٨٣

أو أنه (١) كان بملاحظة التسامح في أدلة المستحبات ، وكان عدم رفع اليد عن

______________________________________________________

على تأكد الاستحباب ، هذا بخلاف الواجبات فإنه لا ظهور لأدلتها في وجود ملاك المحبوبية في جميع أفرادها ، بل الظاهر منها ؛ اختصاص ملاكها بالمقيّد ، فيجب حمل المطلق عليه لعدم وجود الملاك فيه.

قوله : «فتأمل» لعله إشارة إلى ضعف هذا التوجيه الفارق بين الواجبات والمستحبات ـ لأن التفاوت بحسب المراتب موجود في غالب الواجبات أيضا ـ لأن الأحكام تابعة للمصالح الواقعية ، وهي مختلفة ثبوتا ، فاختلافها موجب لتفاوتها من حيث المحبوبية.

هذا مضافا إلى أن غلبة تفاوت مراتب المحبوبية في المستحبات لا توجب حمل المقيد على تأكّد الاستحباب ؛ لأن المناط في الحمل هو الأظهرية ، وكون الغلبة موجبة لظهور القيود الواقعة في المستحبات في تأكّد الاستحباب ، بحيث يكون هذا الظهور أقوى من ظهور القيد في الدخل في أصل المطلوبية في حيّز المنع ، وعلى هذا الاحتمال : فغلبة أفراد المستحبات في المحبوبية لا تكون قرينة نوعية على حمل المقيد على المحبوبية الزائدة على محبوبية المطلق ؛ بل مقتضى قاعدة التقييد تعين المقيد في الاستحباب.

(١) أي : حمل المطلق في المستحبات على تأكّد استحبابه ، وعدم حمل المطلق على المقيد «كان بملاحظة التسامح في أدلّة المستحبات».

وهذا هو الوجه الثاني وحاصله : أن وجه عدم حمل المطلق على المقيد في المستحبات هو صدق موضوع أخبار «من بلغ» (١) على المطلق في باب المستحبات ، فإذا ورد بلوغ الثواب على زيارة الإمام الحسين «عليه‌السلام» صدق عليها بلوغ الثواب ، فيشمله عموم أو إطلاق أخبار من بلغ ، فيستحب المطلق ؛ لصدق عنوان بلوغ الثواب عليه ، لا لدليل استحبابه ؛ إذ لو كان لذلك لزم تقييده ، والحكم بعدم استحبابه ، وأن المستحب هو المقيد فقط كلزوم تقييد المطلق في الواجبات.

والحاصل : أنه يحكم باستحباب المطلق مع وجود المقيد مسامحة من باب صدق بلوغ الثواب عليه ؛ لا لدليل نفس المطلق حتى يلزم تقييده. وهذا التسامح مفقود في الواجبات ، ولذا يقيّدون مطلقها بمقيدها.

__________________

(١) مثل قول أي عبد الله «عليه‌السلام» : «من بلغه شيء من الثواب على شيء من خير فعله ، كان له أجر ذلك ، وإن كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» ثواب الأعمال ، ص ١٣٢. وعن أبي جعفر «عليه‌السلام» كذلك في الإقبال ص ٦٢٧.

٤٨٤

دليل استحباب المطلق بعد مجيء دليل المقيد ، وحمله على تأكد استحبابه من التسامح فيها (١).

ثم إن الظاهر : إنه لا يتفاوت فيما ذكرنا (٢) بين المثبتين والمنفيين بعد فرض كونهما متنافيين ، كما لا يتفاوتان (٣) في استظهار التنافي بينهما من استظهار اتحاد التكليف من وحدة السبب ، وغيره من قرينة حال أو مقال حسبما يقتضيه النظر ، فليتدبر (٤).

______________________________________________________

(١) أي : في أدلة المستحبات.

(٢) من حمل المطلق على المقيّد بين كون المطلق والمقيد مثبتين أو منفيين.

هذا إشارة إلى ردّ من قال باختصاص النزاع ببعض الصور كالمختلفين دون المتوافقين في النفي والإثبات ؛ لأن المناط في الحمل هو التنافي بينهما المستكشف من وحدة التكليف ، ففي كل مورد أحرز هذا المناط وجب الحمل من غير فرق بين موارده من المتوافقين أو المختلفين.

فالحاصل : أن حمل المطلق على المقيد لا يختص بنوع خاص منهما ؛ بل يجري في جميع أنواعهما من كونهما مثبتين أو منفيين أو مختلفين.

(٣) أي : المثبتين والمنفيين بمعنى : أنه لا تفاوت في حمل المطلق على المقيد في المثبتين والمنفيين بين إحراز وحدة التكليف فيهما التي هي شرط التنافي الموجب للحمل من وحدة السبب ، كقوله : «إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة» ، وبين إحراز وحدته من الإجماع مثلا.

والحاصل : أنه إذا أحرز وحدة التكليف ـ سواء كان الإحراز من وحدة السبب ـ فإن وحدة السبب تكشف عن وحدة الحكم ـ أو من إجماع ـ كان اللازم حمل المطلق على المقيد ؛ إذ مع وحدة التكليف يقع التنافي بين المطلق والمقيد ؛ لأن دليل المقيد يقول بعدم كفاية المطلق ودليل المطلق يقول بكفايته ، وحينئذ يلزم أحد الأمرين حمل المقيد على الاستحباب ، أو حمل المطلق على المقيد والثاني أولى على ما مرّ غير مرّة.

(٤) لعلّه إشارة إلى خلاف من قال بالمنفيين بعدم حمل المطلق على المقيد وإن اتحد موجبهما ، وهو كما ترى ؛ إذ لا يرتفع التنافي إلا بالجمع العرفي وهو حمل المطلق على المقيد.

٤٨٥

تنبيه (١) : لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين (٢) بين كونهما (٣) في بيان الحكم التكليفي ، وفي بيان الحكم الوضعي ، فإذا ورد مثلا : أن البيع سبب وأن البيع الكذائي سبب (٤) ، وعلم أن مراده (٥) إما البيع على إطلاقه ، أو البيع الخاص ، فلا بد من التقييد لو كان ظهور دليله (٦) في دخل القيد أقوى من ظهور دليل الإطلاق فيه.

كما هو (٧) ليس ببعيد ، ضرورة (٨) : تعارف ذكر المطلق وإرادة المقيد ـ بخلاف العكس (٩) ـ بإلغاء القيد وحمله على أنه غالبي ، أو على وجه آخر ...

______________________________________________________

في عدم اختصاص التقييد بالحكم التكليفي

(١) غرضه من هذا التنبيه : توسعة دائرة حمل المطلق على المقيّد ، وعدم اختصاصها بالحكم التكليفي ، وأن هذا البحث يعم الحكم الوضعي.

وكيف كان ؛ فلا يختص حمل المطلق على المقيد بالأحكام التكليفية ؛ بل يجري في الأحكام الوضعية أيضا.

(٢) أي : المطلق والمقيد المتنافيين ، سواء كانا مثبتين أم منفيين أم مختلفين مثل : «البيع حلال» ، و «لا يحل البيع الربوي».

(٣) أي : كون المطلق والمقيد المتنافيين في مقام بيان الحكم التكليفي ، وفي مقام بيان الحكم الوضعي.

(٤) أي : البيع العربي سبب للنقل ، فهذا المثال مثال للمثبتين.

(٥) يعني : وعلم أن مراد المتكلم واحد وهو سببية البيع المطلق أو الخاص ، كي يحصل التنافي بينهما.

(٦) أي : دليل التقييد ، وغرضه : عدم كفاية مجرّد العلم بوحدة المراد في التقييد ، بل لا بد من كون ظهور دليل التقييد أقوى من ظهور الإطلاق ، وضمير «فيه» راجع إلى الإطلاق.

(٧) أي : كون ظهور دليل التقييد أقوى ليس ببعيد.

(٨) تعليل لقوله : «ليس ببعيد» وحاصله : أن ذكر المطلق وإرادة المقيد منه متعارف ، كما يشهد به مراجعة المحاورات العرفية على ما قيل ، وهذا التعارف يؤيد دلالة المقيد ، فيصير أقوى ظهورا في مدلوله من ظهور المطلق في الإطلاق.

(٩) وهو ذكر المقيد وإرادة المطلق منه بإلغاء قيده ، وعدم الاعتداد به ، وحمله على بعض الوجوه من كونه غالبيا ، أو لأنه مما يهتم به المتكلم ، لدخله في تأكّد ملاك الحكم في المقيد ، أو لندرته ، أو غير ذلك من الوجوه الداعية إلى ذكر القيد مع عدم دخله في

٤٨٦

... فإنه (١) على خلاف المتعارف.

تبصرة لا تخلو من تذكرة : وهي : إن قضية مقدمات الحكمة (٢) في المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات فإنها (٣) تارة : يكون حملها على العموم البدلي ، وأخرى : على العموم الاستيعابي (٤) ، وثالثة (٥) : على نوع خاص مما ينطبق عليه حسب

______________________________________________________

موضوع الحكم. ومن هنا يتضح المراد بقوله : «على وجه آخر» كما في «منتهى الدراية ، ج ، ٣ ص ٧٥٧».

(١) أي : فإن العكس ـ وهو إرادة المطلق من المقيد بإلغاء قيده ـ خلاف المتعارف.

اختلاف نتيجة مقدمات الحكمة

لا ريب في أن مقدمات الحكمة توجب حمل المطلق على الإطلاق

(٢) يعني : قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف باختلاف المقامات ، فقد تقتضي العموم البدلي ، وقد تقتضي العموم الاستيعابي والاستغراقي ، وقد تقتضي صنفا خاصا وقسما مخصوصا.

وحاصل الكلام في المقام : أن مقدمات الحكمة التي توجب حمل المطلق على الإطلاق تختلف نتيجتها باختلاف المقامات والمناسبات ، فقد تكون هي حمل المطلق على العموم الاستغراقي كالبيع في قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ، حيث إن حمله على فرد واحد لا يناسب مقام الامتنان ، فمقدمات الحكمة ـ وهي كون المتكلم في مقام البيان ، وعدم نصب قرينة على فرد خاص ، وعدم متيقّن من الخطاب مع ورود الحكم مورد الامتنان ـ توجب حمل المطلق وهو البيع على العموم الاستغراقي ؛ لأنه المناسب لتلك المقدمات.

(٣) أي : فإن قضية المقدمات تارة : تكون حمل المطلقات على العموم البدلي نحو «جئني برجل» ، فإن قضية المقدمات هي الحمل على الحصة المقيدة بالوحدة المفهومية ، القابلة للانطباق على كل فرد من أفراد طبيعة الرجل على البدل.

(٤) أي : مثل لفظ البيع المفيد للعموم الاستغراقي على ما عرفت.

(٥) أي : وثالثة تكون قضيّة المقدمات حمل المطلق على نوع خاص ينطبق المطلق عليه ، كحمل الوجوب في مثل : «صلّ» على نوع خاص من أنواعه وهو الوجوب العيني التعييني النفسي ؛ لاحتياج غيرها من الكفاية والتخييرية والغيرية إلى مئونة زائدة ، فالمتكلم مع كونه في مقام البيان لم ينصب قرينة على إرادة واحد من هذه الأنواع ، إذ لم يقل : «افعل أنت أو غيرك» حتى يكون الوجوب كفائيا ، «أو صم أو أعتق» حتى يكون الوجوب تخييريا ، أو «توضأ للصلاة» حتى يكون الواجب غيريا ، فحينئذ نتيجة مقدمات

٤٨٧

اقتضاء خصوص المقام ، واختلاف الآثار والأحكام ؛ كما هو الحال في سائر القرائن بلا كلام ، فالحكمة (١) في إطلاق صيغة الأمر تقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب التعييني العيني النفسي ، فإنّ إرادة غيره تحتاج إلى مزيد بيان ، ولا معنى (٢)

______________________________________________________

الحكمة هي كون الوجوب نوعا خاصا منه وهو الوجوب العيني التعييني النفسي ، الذي ينطبق عليه المطلق.

قوله : «حسب» متعلق بقوله : «اختلاف المقامات» يعني : أن اختلاف المقامات يكون لاختلاف المقتضيات والآثار من حيث الحكم الوضعي والتكليفي ، فإن حلّية البيع تناسب حلية كل بيع لا بيع مجهول عندنا معلوم عند الشارع ، ولا بيع واحد على البدل ، كما أن المناسب للطلب في مثل : «جئني برجل» هو الحمل على العموم البدلي ، فنفس اختلاف الأحكام قرينة على ما يراد من المطلق ؛ إذ لا يمكن إرادة الجامع بين أنواع الوجوب.

قوله : «واختلاف الآثار ..» إلخ عطف على «اقتضاء». أما اقتضاء خصوص المقام ؛ فكصيغة الأمر ، فإن إطلاق الصيغة في مقام الإيجاب يقتضي أن يكون مراد الموجب فردا معينا وهو الوجوب العيني التعييني. وأما اقتضاء الآثار والأحكام : فكلفظ «الرقبة» الدال على موضوع حكم تكليفي في مثل : «أعتق رقبة» ، وكلفظ «البيع» الدال على موضوع حكم وضعي في مثل (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ، فالأثر الأول مع ضم مقدمات الحكمة الثلاث إلى العلم بعدم إرادة الاستغراق وإمكان إرادة الجامع البدلي يوجب حمل المطلق على العام البدلي ؛ إذ لو لم يرده المتكلم لكان مخلّا بغرضه.

والأثر الثاني بعد ضمّ تلك المقدمات الثلاثة إلى إمكان إرادة الاستغراق ، وعدم مناسبة إرادة الجامع البدلي لمقام الحكم الوضعي ؛ إذ يلزم منه مجعولية بيع واحد ، فإذا صدر عن واحد كان صحيحا ، وإذا صدر ثانيا عنه أو عن غيره كان فاسدا ، وهو كما ترى بديهي البطلان ، «يوجب» حمل المطلق ـ أعني : البيع ـ على العموم الاستغراقي ، والحكم بنفوذ كل بيع صدر عن كل شخص.

والحاصل : أن خصوصية المقامات والأحكام التكليفية والوضعية توجب اختلاف قضية مقدمات الحكمة كما عرفت ، كاختلاف سائر القرائن ، كما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٧٦١».

(١) هذه نتيجة ما ذكره من اختلاف قضية المقدمات.

(٢) أي : لا وجه لإرادة الشياع في الوجوب ـ إذ لا معنى لحمل الطلب على الجامع بين أنواع الوجوب ـ إذ لا جامع بينها لتضادّها وتباينها ، وغرضه : إنه ليس قضية مقدمات

٤٨٨

لإرادة الشياع فيه ، فلا محيص عن الحمل عليه (١) فيما إذا كان بصدد البيان ، كما أنّها (٢) قد تقتضي العموم الاستيعابي كما في (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ؛ إذ إرادة البيع مهملا أو مجملا ينافي ما هو المفروض من كونه بصدد البيان ، وإرادة العموم البدلي لا يناسب المقام (٣) ، ولا مجال (٤) لاحتمال إرادة بيع اختاره المكلف ـ أيّ بيع كان ـ مع أنها (٥) تحتاج إلى نصب دلالة عليها لا يكاد يفهم بدونها من الإطلاق.

ولا يصحّ قياسه (٦) على ما إذا أخذ في متعلق الأمر ، فإن العموم الاستيعابي لا

______________________________________________________

الحكمة الحمل على الشياع في جميع الموارد ؛ بل هي مختلفة باختلاف المقامات كما عرفت.

(١) أي : على خصوص الوجوب التعييني.

(٢) أي : كما أن الحكمة قد تقتضي العموم الاستيعابي كما في (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ؛ لأن المفروض : كون المتكلم بصدد البيان ، فحمل الكلام على الإهمال أو الإجمال ينافيه ، وإرادة العموم البدلي لا تناسب الوضع الوارد في مقام الامتنان ، فالحكمة تقتضي حمل المطلق ـ أعني البيع ـ على العام الاستغراقي ، ونفوذ كل فرد من أفراد البيع.

(٣) أي : مقام الامتناع ؛ إذ المناسب له العموم الاستغراقي المفروض إمكانه ، فتعيين إرادته.

(٤) دفع لما يتوهم من إمكان إرادة بيع يختاره المكلف ؛ بأن يكون المراد بالبيع في (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) هو البيع الذي يختاره المكلف أيّ بيع كان.

وأما وجه عدم المجال ـ دفعا للتوهم المزبور ـ فلعدم مناسبته لمقام الامتنان ، إذا المناسب له حلية كل بيع بنحو العام الاستغراقي حتى يكون المكلف في سعة من أمره ، فتقييده بما يختاره هو ينافي الامتنان وإن كان القيد راجعا إلى نفس المكلف. هذا مضافا إلى أنه إحالة على أمر مجهول ؛ إذ لو أريد به كل ما يختاره المتعاملون فهو عموم استغراقي ، ولا يناسب التعبير عنه بهذه العبارة.

ولو أريد به فرد واحد يختاره المكلف ، ففيه : أن المقصود به مجمل ، ولا يعلم أنه أيّ بيع ، وهو مناف لما فرضناه من كونه في مقام البيان.

(٥) أي : مع إن إرادة بيع مقيد بما اختاره المكلف تحتاج إلى دلالة عليها في مقام الإثبات ؛ إذ لا يكاد يفهم البيع الذي اختاره المكلف بدون دلالة عليه ، فإن الإطلاق الناشئ عن مقدمات الحكمة قاصر عن إثباته والدلالة عليه.

(٦) أي : قياس مثل : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) مما يقع المطلق عقيب غير الأمر بالمطلق الواقع

٤٨٩

يكاد يمكن إرادته ، وإرادة غير العموم البدلي (١) ، وإن كانت ممكنة ؛ إلا إنّها منافية للحكمة ، وكون (٢) المطلق بصدد البيان كما لا يخفى.

______________________________________________________

عقيب الأمر مثل : «جئني برجل» ، فلا بد أولا : من توضيح القياس ، وثانيا : من بيان عدم صحة القياس.

أما وجه المقايسة : فلأن كل منهما مطلق ، فكل معنى يراد من أحدهما لا بد أن يراد من الآخر ، ومن المعلوم : أنه لا يراد من «جئني بالرجل» العموم الاستغراقي فكذلك في (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ، فالنتيجة : أن المطلق سواء كان في حيّز الحكم التكليفي أم الوضعي لا يدل على العموم الاستيعابي أصلا.

وأما بيان فساد المقايسة الذي أشار إليه بقوله ـ «فإن العموم الاستيعابي» ـ فلأنه قياس مع الفارق ، والقياس مع الفارق يكون باطلا. وحاصل الفرق : أن إرادة العموم الاستغراقي من مطلق في المقيس عليه ممتنعة ؛ لكون التكليف به تكليفا بما لا يطاق ، إذ لو كان المأمور به في قوله : «جئني برجل» مجيء جميع أفراد هذه الطبيعة بنحو العام الاستغراقي لزم التكليف بغير المقدور وهو قبيح لا يصدر من العاقل فضلا عن الحكيم ، فلا بد من إرادة العام البدلي منه لئلا يلزم التكليف بالمحال.

وهذا بخلاف المطلق الواقع عقيب الحكم الوضعي كالبيع في الآية الكريمة ، فإن مقتضى مقدمات الحكمة مع مناسبة الامتنان وإمكان إرادة العموم الاستغراقي منه هو العموم الاستغراقي ، فالقياس المزبور نظرا إلى الفرق المذكور قياس فاسد.

(١) من المطلق الواقع عقيب الحكم التكليفي كفرد معيّن واقعا مبهم ظاهرا وإن كانت ممكنة ذاتا لكنها ممتنعة عرضا ؛ لأنها منافية للحكمة ؛ لعدم نصب قرينة على إرادة غير العموم البدلي أي : إرادة فرد معيّن واقعا مبهم ظاهرا.

(٢) عطف على «الحكمة» ومفسّر لها ، والمطلق ـ بكسر اللام ـ هو المتكلم.

وتركنا ما في المقام من طول الكلام رعاية للاختصار.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخّص البحث في أمور :

١ ـ محل النزاع في حمل المطلق على المقيد هو : ما إذا كان بينهما تناف ، والضابط في التنافي بينهما : أن لا يمكن الجمع بينهما مع حفظ أصالة الظهور فيهما. والتنافي بهذا المعنى إنما هو فيما إذا كان الحكم واحدا نحو : «إن ظاهرت فأعتق رقبة ، وإن ظاهرت فلا تعتق رقبة كافرة» ، لأن صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب ، وصيغة النهي

٤٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهرة في الحرمة ، فالأولى تدل على : وجوب عتق مطلق الرقبة مؤمنة كانت أم كافرة. والثانية : تدل على : حرمة عتق الرقبة الكافرة ، فلا يمكن الجمع بين وجوب عتق الرقبة وحرمة عتقها.

ثم لا خلاف في حمل المطلق على المقيد فيما إذا كانا مختلفين في الإيجاب والسلب مثل المثال المذكور.

وأما إذا كانا متوافقين ـ نحو : «أعتق رقبة ، وأعتق رقبة مؤمنة» ـ فالمشهور هو حمل المطلق على المقيد.

٢ ـ الإشكال على المشهور بإمكان الجمع بوجه آخر ـ وهو حمل الأمر في المقيد على الاستحباب وأفضل الأفراد ، مع بقاء المطلق على إطلاقه مدفوع : بأن جمع المشهور أولى من الجمع الآخر ؛ لأن حمل المطلق ليس تصرّفا في معنى اللفظ ، بل تصرف في وجه من وجوه المعنى ، هذا بخلاف حمل الأمر في المقيد على الاستحباب ، فإنه تصرّف في معنى صيغة الأمر ؛ لأنها حقيقة في الوجوب.

ثم أورد المصنف على دفع هذا الإشكال عن المشهور بوجهين :

أحدهما : أن التقييد في حمل المطلق على المقيد أيضا تصرّف في المعنى لا في وجهه ؛ إذ التقييد على خلاف ظاهر المطلق في الإطلاق ، كما أن حمل أمر المقيد على الاستحباب خلاف ظاهر الأمر في الوجوب.

وثانيهما : أن حمل الأمر في المقيد على الاستحباب لا يستلزم المجاز ؛ بل المقيد واجب كالمطلق ، غاية الأمر : المقيد أفضل الأفراد ، وليس استحبابه استحبابا اصطلاحيا في مقابل الوجوب الاصطلاحي ؛ بل هو أفضل أفراد الواجب ، فلا يلزم التجوّز لأنه قد استعمل في الوجوب.

٣ ـ يصح جواب المجيب القائل بأن التقييد ليس تصرّفا في معنى اللفظ ـ فيرجّح تقييد المطلق على حمل أمر المقيد على الاستحباب ـ في مورد واحد وهو ما إذا أحرز بالأصل العقلائي كون المتكلم في مقام البيان ، ثم علم بدليل المقيد ، فدليل التقييد حينئذ كاشف عن عدم كون المتكلم في مقام البيان ، فيقدم التقييد على حمل أمر المقيد على الاستحباب ؛ إذ الأصل كون المتكلم في مقام البيان يكون متبعا ما لم يقم ما يصلح للقرينية على خلافه ، وقد قام ما يصلح للقرينية على خلافه.

«فافهم» لعله إشارة إلى أن الحمل على الإهمال متجه فيما إذا كان المقيد واردا قبل

٤٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقت الحاجة. وأما إذا كان واردا بعده فلا يصح الحمل على الإهمال ، للزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو قبيح.

وكيف كان ؛ فلعلّ وجه التقييد أن ظهور إطلاق الصيغة في الوجوب أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق فلا بد من تقديم ما هو الأقوى والتصرف في ظهور المطلق في الإطلاق بحمله على المقيد.

٤ ـ الإشكال بأن حمل المطلق على المقيد يستدعي حمل المطلق على المقيد في المستحبات ، وهو باطل قطعا لاستلزامه استحباب المقيد دون المطلق فيلزم استحباب زيارة الإمام الحسين «عليه‌السلام» في يوم عرفة ونصفي رجب وشعبان ، دون غير تلك الأيام ولم يقل به أحد ؛ مدفوع بأحد وجهين :

الأول : هو التفاوت والفرق بين الواجبات والمستحبات.

وحاصل الفرق : أن عدم حمل المطلق على المقيد في المستحبات مع كونه جمعا عرفيا إنما هو لأجل ظهور أدلة المستحبات في محبوبية جميع الأفراد فيها ، وعدم اختصاص المقيد بالمحبوبية حتى يختص الاستحباب به.

هذا بخلاف الواجبات فإنه لا ظهور لأدلتها في وجود ملاك المحبوبية في جميع أفرادها ؛ بل الظاهر منها : اختصاص الملاك بالمقيد ، فيجب حمل المطلق عليه لعدم وجود الملاك في المطلق.

«فتأمل» لعلّه إشارة إلى ضعف هذا التوجيه ؛ لأن التفاوت بحسب المراتب موجود في الواجبات أيضا.

الثاني : أن وجه عدم حمل المطلق على المقيد في المستحبات هو صدق موضوع أخبار «من بلغ» على المطلق في باب المستحبات ، فيكون المطلق مستحبا لأجل أخبار «من بلغ» لا لدليل استحبابه حتى يقال : إن مقتضى حمل المطلق على المقيد عدم استحباب المطلق.

٥ ـ لا فرق فيما ذكر من حمل المطلق على المقيد بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي ، فكما يحمل المطلق على المقيد في الحكم التكليفي فكذلك في الحكم الوضعي ، فإذا ورد في الدليل : «البيع سبب للنقل» ، ثم ورد : «البيع العربي سبب للنقل» ، فمقتضى حمل المطلق على المقيد هو أن السبب للنقل هو البيع العربي لا مطلق البيع.

٦ ـ اختلاف نتيجة مقدمات الحكمة باختلاف المقامات والمناسبات ، فقد تكون

٤٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

نتيجتها حمل المطلق على العموم البدلي نحو : «جئني برجل» ؛ إذ قضية المقدمات هي الحمل على الحصة المقيدة بالوحدة المفهومية القابلة للانطباق على كل فرد من أفراد طبيعة الرجل على البدل ، وقد تكون نتيجتها حمل المطلق على العموم الاستغراقي كالبيع في (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ، حيث إن حمله على فرد واحد لا يناسب مقام الامتنان ، فمقدمات الحكمة مع ورود الحكم مورد الامتنان توجب حمل المطلق على العموم الاستغراقي.

وقد تكون نتيجتها حمل المطلق على نوع خاص من الحكم ؛ كالوجوب التعييني العيني النفسي في مقابل الوجوب التخييري الكفائي الغيري ؛ لأن كلا من الوجوب التخييري والكفائي والغيري يحتاج إلى بيان زائد.

٧ ـ لا مجال لاحتمال إرادة بيع اختاره المكلف أيّ بيع كان من قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ؛ لعدم مناسبة ما اختاره المكلف لمقام الامتنان.

وقياسه على ما أخذ في متعلق الأمر نحو : «جئني برجل» قياس مع الفارق ، فيكون باطلا.

وحاصل الفرق : أن إرادة العموم الاستغراقي من المطلق في نحو : «جئني برجل» ممتنعة لاستلزامه التكليف بما لا يطاق ؛ إذ لا يمكن الإتيان بجميع أفراد طبيعة الرجل ، هذا بخلاف المطلق الواقع عقيب الحكم الوضعي في نحو : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ؛ إذ مقتضى مقدمات الحكمة مع مناسبة الامتنان وإمكان إرادة العموم الاستغراقي هو العموم الاستغراقي.

٨ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ حمل المطلق على المقيد فيما إذا كانا مختلفين بالإثبات والنفي.

٢ ـ عدم اختصاص حمل المطلق على المقيد بالأحكام التكليفية.

٣ ـ اختلاف نتيجة مقدمات الحكمة لأجل اختلاف المقامات والمناسبات.

٤٩٣
٤٩٤

فصل : في المجمل والمبين

والظاهر (١) : أن المراد من المبين ـ في موارد إطلاقه ـ الكلام الذي له ظاهر ، ويكون بحسب متفاهم العرف قالبا لخصوص معنى ، والمجمل بخلافه ، فما ليس له ظهور مجمل وإن علم بقرينة خارجيّة ما أريد منه (٢) ، كما أنّ ما له الظهور مبين وإن علم

______________________________________________________

في المجمل والمبيّن

(١) إشارة إلى بيان ما هو محل الكلام من المجمل والمبيّن. وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي بيان أمرين.

الأول : أنّ المجمل والمبيّن مستعملان في معناهما اللغوي وليس للأصوليين فيهما اصطلاح خاص ، فالمجمل هو ما لم تتضح دلالته والمبيّن ما تتضح دلالته.

الثاني : المجمل تارة : يكون في الكلام بأن لا يكون له ظهور في معنى. وأخرى : يكون في المراد مع ظهور الكلام في معنى مع العلم بعدم إرادة ظاهره ؛ كالعام الذي علم إجمالا بتخصيصه بمخصص مع عدم العلم بذلك المخصص تفصيلا.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنّ المراد بالمجمل ما يكون وصفا للكلام لا المراد فالمجمل هو الكلام الذي ليس له ظاهر وإن كان المراد منه معلوما ، والمبيّن هو الكلام الذي له ظاهر وإن علم بعدم إرادة ظاهره مثل و (جاءَ رَبُّكَ)(١) فإنه مأول بتقدير مضاف أي : «جاء أمر ربّك».

(٢) أي : من الكلام ومورد الاتصاف بالمجمل والمبيّن هو الكلام لا المراد ؛ خلافا لما في التقريرات من أن المتصف بهما هو المراد لا الكلام ، فالمبين عند الشيخ الأنصاري ـ على ما في التقريرات (٢) ـ هو الواضح المراد وإن لم يكن له ظهور ، كما إذا فرض إجمال صيغة الأمر ، وعدم ظهوره في الوجوب ؛ لكن علم بالقرينة إرادة الندب منها ، والمجمل هو : ما لم يتضح المراد منه وإن كان له ظهور. «وإن» في قوله : «وإن علم» وصلية.

__________________

(١) الفجر : ٢٢.

(٢) مطارح الأنظار ، ج ٢ ، ص ٢٩٦.

٤٩٥

بالقرينة الخارجية أنّه ما أريد ظهوره وأنّه مأوّل ، ولكل منهما في الآيات (١) والروايات (٢) وإن كان أفراد كثيرة لا تكاد تخفى ؛ إلا أن لهما أفرادا مشتبهة وقعت محلّ البحث والكلام للأعلام في أنّها من أفراد أيّهما؟ كآية السرقة (٣) ، ومثل :

______________________________________________________

وكيف كان ؛ فقوله : «وإن علم بقرينة خارجية ما أريد منه» اعتراض على ما في التقريرات حيث جعل المتصف بالمجمل والمبين المراد لا الكلام.

(١) كقوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ)(١) حيث إنه قيل : يحتمل أن يكون المراد بالمعطوف أعني : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي) الزوج ، فيكون العفو عمّا في ذمّة الزوجة إذا قبضت المهر ، وأن يكون ولي الزوجة فيكون المعفو عنه الزوج بإبراء ذمّته من المهر.

(٢) مثل ما عن عقيل بن أبي طالب : «أمرني معاوية بلعن علي «عليه‌السلام» ألا فالعنوه» (٢) ، حيث إن الضمير فيه مجمل ؛ لتردّد مرجعه بين معاوية وعلي «عليه‌السلام».

ومثل قول بعض أصحابنا حين سئل عن الخليفة بعد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «من ابنته في بيته» ، حيث إن كلمة «من» الموصولة مجملة ، لتردّد المراد منها بين النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأبي بكر ، فالضمير في بيته على الأول راجع إلى مولانا علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» يعني : الخليفة من بنت النبي في بيته وهو علي «عليه‌السلام» ، وعلى الثاني : راجع إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعني : الخليفة من ابنته في بيت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو أبو بكر. وكيف كان ؛ فالرواية مجملة.

(٣) وهي قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) المائدة : ٣٨ ، فهي مجملة باعتبار اليد ، وقيل : باعتبار القطع أيضا. فالإجمال في هذه الآية يمكن أن يكون بالنسبة إلى كل من اليد والقطع.

واحتج القائل بالإجمال : باعتبار اليد ، بأن اليد تطلق تارة : على الأنامل والأصابع ،

__________________

(١) البقرة : ٢٣٧.

(٢) شرح نهج البلاغة ؛ ج ٤ ، ص ٥٨ ، وذلك عند أمر المغيرة بن شعبة [وهو مثل معاوية] حجر بن عدي فقام وقال : «إن أميركم أمرني أن ألعن عليا فالعنوه». فقال أهل الكوفة : لعنه الله. وأعاد الضمير إلى المغيرة بالنية والقصد.

وورد هذا كذلك عند ما أمر محمد ـ أو أحمد بن يوسف أخو الحجاج ـ وهو أمير اليمن وقد طلب من حجر بن قيس المدري أن يلعن عليا «عليه‌السلام». المستدرك على الصحيحين ، ج ٢ ، ص ٣٩٠ ، ح ٣٣٦٦ / الثقات ، ج ١ ، ص ٢٨٨ ، رقم ٢٧٣.

٤٩٦

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) (١) و (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) (٢) مما أضيف التحريم والتحليل إلى الأعيان (٣) ، ومثل «لا صلاة إلا بطهور» (٤) ولا يذهب عليك (٥) : إن

______________________________________________________

وأخرى : على ما ينتهي إلى المرفق ، وثالثة : على العضو بكماله وتمامه ، ولا قرينة في الآية على المراد.

واحتج القائل بالإجمال : باعتبار القطع بأنه قد يطلق على الإبانة وقطع الاتصال.

وقد يطلق على القطع في الجملة ؛ كما إذا قطع عضوا وصار معلقا بالجلد ، وقد يطلق على الجرح كما يقال لمن جرح يده بالسكين : أنه قطع يده ، كما جاء في سورة يوسف «عليه‌السلام» : ٣١ (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) يعني : جرحن أيديهن. والآية الشريفة ليست ظاهرة في شيء من هذه المعاني ، فتعدّ من المجملات.

وأما القائل بعدم إجمال الآية أصلا لا باعتبار اليد ولا باعتبار القطع : فيقول : إن المتبادر من لفظ اليد عند الإطلاق : هو جملة العضو إلى المنكب ، فيكون حقيقة فيه ، فلا إجمال ، ويتبادر أيضا من لفظ القطع : إبانة الشيء عما كان متصلا به وهو ظاهر فيه ، فلا إجمال أصلا.

(١) النساء : ٢٣.

(٢) المائدة : ١.

(٣) فإن الأحكام لا تتعلق بالأعيان الخارجية ؛ بل تتعلق بالأفعال الصادرة من المكلفين فلا بد من تقدير الفعل. ثم الفعل المتعلق بالأم مجمل كالنظر واللمس والتقبيل ، وكذا الفعل المتعلق ببهيمة الأنعام مجمل ؛ كالبيع والأكل والنقل من مكان إلى آخر ، ولكن عدّ هذا من المجملات مجرد فرض ؛ لأن المراد هو : تحريم الفعل المقصود من ذلك ؛ كالوطء في الموطوء ، والأكل في المأكول ، والشرب في المشروب ، وهذا ما تقتضيه مناسبة الحكم للموضوع ، فينعقد للكلام ظهور عرفي فلا إجمال فيه ؛ بل هو متضح الدلالة.

(٤) وإجمال هذا التركيب مبنيّ على القول بوضع ألفاظ العبادات للأعم ؛ لأنه حينئذ يدور الأمر بين الصحة والكمال ، ولا قرينة في الكلام لأحدهما ، فلا محالة يصير مجملا. وأما على القول بوضعها للصحيح : فلا إجمال ؛ لأن الظاهر حينئذ نفي حقيقة الصلاة إذ فاقد الطهور ليس بصلاة حقيقة.

(٥) أي : لا يخفى عليك : أن الإجمال راجع إلى عدم ظهور للكلام ، والبيان إلى ظهور له ، ولا ريب : أن الظهور وعدمه من الأمور الوجدانية التي لا يرجع فيها إلا إلى الوجدان ، نظير الجوع والعطش والشبع ، فلا حاجة في إثبات الإجمال والبيان إلى إقامة البرهان ، وتجشّم الاستدلال.

٤٩٧

إثبات الإجمال أو البيان لا يكاد يكون بالبرهان ، لما عرفت (١) من : أن ملاكهما أن يكون للكلام ظهور ، ويكون قالبا لمعنى ، وهو (٢) مما يظهر بمراجعة الوجدان ، فتأمّل (٣).

ثم لا يخفى : أنهما وصفان اضافيان (٤) ، ربّما يكون مجملا عند واحد ، لعدم

______________________________________________________

(١) يعني : في أول الفصل حيث قال : «والظاهر : أن المراد من المبيّن في موارد إطلاقه الكلام الذي له ظاهر».

(٢) أي : الملاك ـ وهو الظهور ـ يظهر بمراجعة الوجدان ، فبعد المراجعة إليه يظهر : أن للكلام ظهور أولا.

(٣) لعله إشارة إلى : أن الغرض من إقامة البرهان : التنبيه على ما هو ثابت بالوجدان ، فيكون البرهان طريقا إلى الأمر الوجداني الذي هو برهان حقيقة ، فلا تنافي حينئذ بين كونهما من الوجدانيات ، وبين إقامة البرهان على إثباتهما لتنبيه النفس على كونهما من الوجدانيات.

(٤) الصفات على قسمين :

الصفات الحقيقية : التي لا تتغير بتغيّر الإضافات والاعتبارات.

والصفات الإضافية : التي تتغير بالإضافات والاعتبارات.

يقول المصنف : إن المجمل والمبيّن ليسا من القسم الأول ـ بأن يكون اللفظ مجملا عند الجميع أو مبيّنا كذلك ـ بل هما من القسم الثاني ، فيمكن أن يكون لفظ أو كلام مبينا عند شخص لعلمه بالوضع ، ومجملا عند غيره لعدم علمه بالوضع أو علمه بالوضع ؛ مع الظفر بقرينة مانعة عن الأخذ بمعناه ، فحينئذ يتصف لفظ أو كلام بالإجمال عند شخص وبالبيان عند غيره ، فيختلف الإجمال والبيان بحسب الأنظار والأشخاص ، فهما من الأمور الإضافية لا الأوصاف الحقيقية. إلّا إن ما أفاده المصنف من كونهما من الأمور الإضافية ليس في محله ؛ بل خطأ جدا ، وذلك لأن الجهل بالوضع والعلم به لا يوجبان الاختلاف في معنى الإجمال والبيان ؛ فجهل شخص بمعنى لفظ وعدم علمه بوضعه له لا يوجب كونه من المجمل ؛ وإلا لزم أن تكون اللغات العربية مجملة عند الفرس وبالعكس ، مع إن الأمر ليس كذلك.

لا يقال : لما ذا لم يهتم المصنف بالمجمل والمبين؟ حيث لم يضع لهما مقصدا كما وضعه لغيرهما كالعام والخاص والمطلق والمقيد.

فإنه يقال : إن وجه ذلك كون مباحثهما صغروية وليست بكبروية ، كما إن مباحث العام والخاص كبروية مثل أن العام بعد التخصيص هل حجة في الباقي أم لا؟ أو إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين فهل يجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد أو بحمل المقيد على

٤٩٨

معرفته بالوضع ، أو لتصادم ظهوره بما حفّ به لديه ، ومبيّنا لدى الآخر ، لمعرفته وعدم التصادم بنظره ، فلا يهمنا التعرض لموارد الخلاف والكلام والنقض والإبرام في المقام ، وعلى الله التوكل وبه الاعتصام.

______________________________________________________

الاستحباب أم لا؟ فهذه المباحث كبروية ، فيجب الاهتمام بها بأن يبحث عنها في علم الأصول مشروحا مفصلا.

بخلاف مباحث المجمل والمبيّن فإنها صغروية كالبحث عن آية السرقة ، وعن آيات التحريم والتحليل بأنها مجملة أو ليست بمجملة ، والمباحث الصغروية لا ينبغي أن يبحث عنها في علم الأصول. ولهذا قال المصنف : «فلا يهمّنا التعرّض لموارد الخلاف ..» إلخ.

هذا تمام الكلام في المجمل والمبيّن.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخّص البحث في أمور :

١ ـ المجمل والمبيّن مستعملان في معناهما اللغوي ، وليس للأصوليين فيهما اصطلاح خاص ، فالمجمل : ما لم تتضح دلالته ، والمبيّن ما تتضح دلالته. ثم محل الكلام ـ على ما يظهر من المصنف ـ ما إذا كان كل منهما وصفا للكلام لا المراد ، فالمجمل هو الكلام الذي ليس له ظاهر ، والمبيّن هو الكلام الذي له ظاهر.

٢ ـ المجمل في الآيات كقوله تعالى : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ)(١) ؛ لتردّده بين الزوج والولي.

وفي الروايات : مثل ما عن عقيل : أمرني معاوية بلعن علي «عليه‌السلام» ألا فالعنوه لتردّد مرجع الضمير بين معاوية وعلي «عليه‌السلام».

٣ ـ لهما أفراد مشتبهة وقعت محل البحث والكلام في أنّها من أيّهما؟ مثل آية السرقة وآيات التحريم والتحليل. ومثل : «لا صلاة إلا بطهور» ، حيث قيل : بأن آية السرقة مجملة باعتبار اليد والقطع ؛ لأن اليد تطلق على الأنامل والأصابع ، وعلى ما ينتهي إلى المرفق. وعلى العضو بتمامه وكماله. والقطع يطلق على الإبانة والانفصال ، وعلى القطع في الجملة وإن لم يحصل الانفصال ، وعلى الجرح وآية التحريم والتحليل مجملتان ؛ لتردّد ما يقدر من الفعل فيهما بين الأفعال المتعددة.

ومثل قوله : «لا صلاة إلا بطهور» مجمل ؛ لتردّد المنفي فيه بين الصحة والكمال.

٤ ـ أن الإجمال والبيان من الأوصاف الإضافية لا الأوصاف الحقيقية ؛ إذ يختلف

__________________

(١) البقرة : ٢٣٧.

٤٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الإجمال والبيان بحسب الأنظار والأشخاص.

٥ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ المبيّن هو : الكلام الذي له ظاهر ، والمجمل هو : الكلام الذي ليس له ظاهر.

٢ ـ المتصف بهما هو الكلام لا المراد.

٣ ـ إثباتهما لا يكاد يكون بالبرهان ؛ بل بمراجعة الوجدان.

٤ ـ هما وصفان إضافيان عند المصنف.

وقد وقع الفراغ من تاليف شرح الجزء الأول من «كفاية الأصول» تحت عنوان «دروس في الكفاية» في سورية ـ دمشق ـ جوار عقيلة بني هاشم السيدة زينب «عليها‌السلام» ـ في شهر صفر الخير سنة ١٤٢٢ ه‍.

وسيتلوه شرح الجزء الثاني من كتاب «كفاية الأصول» إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله المعصومين

محمدي البامياني

٥٠٠