دروس في الكفاية - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٧

فلا بد (١) أن تكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك (٢) لذلك ، لا إلى دلالة

______________________________________________________

وجه المنع هو : تعين مرتبة أخرى من مراتب الجمع أيضا. وهي أقل مراتبه كالثلاثة ؛ لأن أقل مراتبه متعيّنة من حيث الإرادة ، ومن المعلوم : أن الإشارة التي تقتضيها اللام إلى هذه المرتبة لا تفيد العموم ، فلا بد من كون الدلالة على العموم مستندة إلى وضع مجموع اللام والجمع للعموم ؛ لا إلى دلالة اللام على الإشارة على المعين حتى يقال : إن اللام تدل على العموم بتوسط إشارتها إلى مرتبة معينة من مراتب الجمع وهي المرتبة المستغرقة لجميع الأفراد ، فالنتيجة : أنه لم تثبت دلالة اللام في الجمع على التعيين. هذا تمام الكلام في الجواب الأول.

وأما الجواب الثاني : فقد أشار إليه بقوله : «وإن أبيت إلا عن استناد الدلالة عليه إليه» ، وحاصله : أنه ـ بعد تسليم استناد العموم إلى اللام ـ لا وجه لدلالة اللام على التعيين حتى يكون العموم مستندا إليها ، بل لا بد من أن نقول بدلالة اللام على الاستغراق ، من دون توسيط دلالتها على التعيين فلا تدل اللام على التعريف والتعيين أصلا ؛ بل تدل على الاستغراق. والفرق بين هذا الجواب وسابقه : أن هذا ناظر إلى دلالة نفس اللام على العموم من دون توسيط التعيين ، وما قبله كان ناظرا إلى دلالة مجموع اللام والمدخول على العموم.

وكيف كان ؛ فالنتيجة : أن اللام وإن دلت على العموم ، لكنها لا تدل على التعيين الذي يدعيه المتوهم ، فلا يكون تعريف الجمع المحلى باللام إلا لفظيا ، بمعنى : أنه في حكم المعرفة في اللفظ فقط.

قوله : «حيث لا تعين» تعليل لدلالة اللام على التعيين ، وتقريب للتوهم المزبور ، بمعنى : أن اللام تدل على التعيين ، والمتعين هو المرتبة الأخيرة المستوعبة لجميع الأفراد ، فبتوسط اللام المشيرة إلى المرتبة المتعيّنة يستفاد العموم ، فلا تكون اللام في الجمع للتزيين. وقد عرفت جواب هذا التوهم.

قوله : «وذلك» تعليل لقوله : «فلا دلالة فيها» ، وقد عرفت توضيح ذلك في الجواب الأول عن التوهم. توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) أي : بعد منع دلالة اللام على التعيين ، حتى يترتب عليه العموم ـ أعني الاستغراق ـ قال : فلا بد أن تكون دلالة الجمع المحلى باللام على العموم مستندة إلى وضع المجموع من اللام والجمع للعموم ، فضمير «دلالته ووضعه» راجعان إلى الجمع المحلى باللام ، وضمير «عليه» راجع إلى العموم.

(٢) أي : وضع المجموع من اللام والجمع للعموم ، فقوله : «لذلك» إشارة إلى العموم.

٤٤١

اللام على الإشارة إلى المعين ، ليكون به (١) التعريف.

وإن أبيت (٢) إلا عن استناد الدلالة عليه إليه : فلا محيص عن دلالته (٣) على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين ، فلا (٤) يكون بسببه تعريف إلا لفظا ، فتأمل جيّدا (٥).

ومنها (٦) : النكرة مثل : رجل في (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ)(*) ، أو في جئني

______________________________________________________

(١) أي : ليكون باللام التعريف ، فضمير «به» راجع إلى اللام.

(٢) إشارة إلى الجواب الثاني الذي تقدم توضيحه. وضمير «عليه» راجع إلى العموم. وضمير «إليه» راجع إلى اللام.

(٣) أي : دلالة اللام على العموم. وهو الاستغراق.

(٤) هذه نتيجة الجواب الثاني ، يعني : بعد منع دلالة اللام على التعريف والتعيين ، فلا يكون تعريف الجمع المحلى باللام إلا لفظيا بمعنى : أنه بحكم المعرفة في اللفظ فقط.

وكيف كان ؛ فالمستفاد من هذين الجوابين ـ وهو تسليم دلالة الجمع المحلى على العموم إمّا بالمجموع وإمّا بنفس اللام ـ ينافي ما تقدم عنه في العام والخاص في الفصل المعقود لبيان صيغ العموم من منع دلالة المحلى باللام على العموم حيث قال : «ولكن دلالته على العموم وضعا محل منع» إلى أن قال : «وذلك لعدم اقتضائه وضع اللام ولا مدخوله ، ولا وضع آخر للمركب منهما».

(٥) لعله إشارة إلى أن الخصوصيات من الجنس والاستغراق ، والعهد بأقسامه كلها تستفاد من القرائن الخارجية لا من اللام ، إذ هو في كل تلك المواضع للتزيين فقط.

النكرة

(٦) أي : من الألفاظ التي يطلق عليها المطلق : النكرة مثل «رجل». وقبل الخوض في البحث ينبغي بيان ما هو المراد بالنكرة في المقام فيقال : إن النكرة تطلق تارة : في مقابل المعرفة ، وأخرى : في مقابل اسم الجنس ، والمراد بها في المقام هو الإطلاق الثاني ، بدليل جعلها من أقسام الألفاظ التي يطلق عليها المطلق ، فتكون النكرة حينئذ قسيما لاسم الجنس ، هذا بخلاف النكرة في مقابل المعرفة حيث يكون اسم الجنس قسما منها لا قسيما لها.

والفرق بين اسم الجنس والنكرة ـ على تقدير كونها في مقابل اسم الجنس ـ هو : أن

__________________

(*) القصص : ٢٠.

٤٤٢

برجل ، ولا إشكال أن المفهوم منها في الأول ولو بنحو تعدد الدال والمدلول هو : الفرد المعين في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد

______________________________________________________

اسم الجنس هو النكرة قبل دخول التنوين ، والنكرة هي اسم الجنس الداخل عليه تنوين التنكير ؛ لأن اسم الجنس قبل دخول التنوين عليه يدل على نفس الطبيعة ، كما أن النكرة بلا تنوين تدل على نفس الطبيعة ، والتنوين الداخل عليها يدل على الوحدة ، فمفاد النكرة المنوّنة هو : الطبيعة المقيدة بقيد الوحدة ، فيصح أن يقال : إن اسم الجنس هو النكرة قبل التنوين ، والنكرة هي اسم الجنس الداخل عليه تنوين التنكير.

فالمستفاد من اسم الجنس : هو نفس الطبيعة ، ومن التنوين الوحدة المفهومية ، ومفاد المجموع هو الطبيعة المقيدة بالوحدة المفهومية بنحو تعدد الدال والمدلول ، بمعنى : دلالة النكرة على نفس الطبيعة ، ودلالة التنوين الداخل عليها على الوحدة.

إذا عرفت ما هو المراد بالنكرة فاعلم : أنه قد اختلفوا في مدلول النكرة ـ أي : ما يكون نكرة بالحمل الشائع كلفظ رجل مع التنوين ـ على أقوال ؛ فذهب بعض : إلى أن مدلول النكرة مثل : «رجل» جزئي وشخصي ، غاية الأمر : أنه لا يكون شخصا معيّنا ؛ بل يكون مردّدا بين الأشخاص والجزئيات ، وإلا يخرج عن كونه نكرة ، ويصير معرفة ، ولذلك عبّر عنه بأنه فرد مردّد بين الأفراد ، والدليل على جزئيته هو : تقييده بالوحدة ، فلا يصدق إلا على واحد من الأفراد ، مع إن الكلي لا يمتنع صدقه على كثيرين.

وذهب بعض آخر إلى أن مفاد النكرة مثل : لفظ «رجل» كلّي مطلقا ، سواء كان متعلقا للأخبار كما في «جاء رجل» ، أم متعلقا للإنشاء كما في «جئني برجل» ؛ بلا تفاوت في نفس مدلول لفظ النكرة أصلا.

والوجه في ذلك : أن مدلول لفظ «رجل» هو الطبيعة المقيّدة بمفهوم الوحدة ، فلا فرق بين المقامين ، وما يتراءى من الفرق بينهما إنما يكون خارجا عن مفاد اللفظ وهو في مقام ثبوت الحكم له ، فإن القضية الخبرية لما كانت حاكية عن ثبوت الحكم المحكي مثل المجيء لموضوع الحكم ، وثبوت المحمول للموضوع خارجا يكون بشخصه ووجوده يتراءى من لفظ «رجل» أنه خال من الشخص ، مع إنه مستعمل في معناه الكلي ، وهذا بخلاف القضية الإنشائية فإن الحكم الإنشائي فيها إنما يكون ثابتا للطبيعة في الذهن ، ومتعلقا بها قبل وجودها لنفسها ولو باعتبار وجودها ، وهذان القولان متخالفان بالتباين.

وذهب المصنف «قدس‌سره» على ما هو ظاهر كلامه : إلى التفصيل بين ما إذا وقعت النكرة في الإنشاء تلو الأمر مثلا : نحو : «جئني برجل» ، فتبقى على كليتها ، وتكون قابلة للانطباق على كثيرين ، وبين ما إذا وقعت في الإخبار مثل : «جاء رجل من أقصى

٤٤٣

الرجل ، كما أنه في الثاني ، هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة ، فيكون (١) حصة من الرجل ، ويكون كليا ينطبق على كثيرين لا فردا مرددا بين الأفراد.

______________________________________________________

المدينة» ، أو «جاءني رجل» ، أو «أي رجل جاءك» فتخرج عن القابلية المذكورة ، وتعيّنت في فرد معين في الواقع المجهول عند المخاطب كما في المثال الأول ، أو معين عند المتكلم كما في المثال الثاني. أو معين عند الخطاب كما في المثال الثالث.

والدليل على هذا التفصيل : أن الإخبار عن مجيء رجل في مثل : «جاءني رجل» يستلزم تعين فرد من طبيعة الرجل واقعا ، وإن كان المخاطب جاهلا به ، ولجهله به يكون الفرد المخبر بمجيئه محتمل الانطباق على غير واحد من الأفراد كزيد وعمرو وبكر. ومن هنا يعلم : أن القول بوضع النكرة للفرد المردد في الخارج ـ وهو القول الأول ـ فاسد جدّا ؛ إذ لا وجود للفرد المردد في الخارج نظرا إلى ما هو المعروف بين الفلاسفة من «أن الشيء ما لم يتشخص لم يوجد» ، فكل ما هو موجود في الخارج متعين لا مردد بين نفسه وغيره ؛ لأنه غير معقول ، هذا بخلاف ما إذا وقعت في الإنشاء نحو : «جئني برجل» ، حيث إن المفهوم من «رجل» هو الطبيعة المقيدة بمفهوم الوحدة ، وهو كلّي لكلية مفهوم الوحدة كنفس الطبيعة وانضمام كلي إلى مثله لا يوجب كون رجل جزئيا.

ومن هنا يعلم : عدم التنافي بين القول الثاني وبين تفصيل المصنّف ؛ لأن مقتضى الأول هو الكلية في مقام الثبوت وتعلق الحكم ، ومقتضى الثاني : هو الجزئية في مقام الإثبات ، وتحقق الحكم للموضوع في الخارج.

وكيف كان ؛ فقد أشار المصنف إلى التفصيل بقوله : «ولا إشكال أن المفهوم منها في الأول» وهو «رجل» في «جاء رجل» هو الفرد المعين «ولو بنحو تعدد الدال والمدلول» ؛ بأن تكون النكرة دالة على نفس الطبيعة ، والتنوين الداخل عليها دالا على الوحدة ، «كما أنه في الثاني» أي : كما أن المفهوم من النكرة «في الثاني» أي : في مثل : «رجل» في «جئني برجل» هي الطبيعة المقيدة بقيد الوحدة القابلة للانطباق على كل فرد على البدل ؛ لا ما قيل من : أن النكرة هي الفرد المردد ، ضرورة : أنها بمعنى الفرد المردد لا تنطبق على شيء من الأفراد ، حيث إن كل فرد في الخارج هو نفسه لا هو أو غيره ، كما هو قضية الفرد المردّد.

وعليه : فلا يتصوّر للفرد المردد مصداق ؛ ضرورة : امتناع انطباق عنوان الفرد المردد ـ بما هو مردّد ـ على الخارجيات ؛ لأن الأفراد الخارجية متعيّنة لا تردد فيها حتى تكون مصاديق لعنوان الفرد المردد.

(١) هذا متفرع على كون المفهوم من النكرة الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة. يعني :

٤٤٤

وبالجملة : النكرة ـ أي : ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم ـ إما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب أو حصة كلّية ، لا الفرد المردّد بين الأفراد ، وذلك (١) لبداهة : كون لفظ رجل في «جئني برجل» نكرة ، مع أنه (٢) يصدق على كل من جيء به من الأفراد ، ولا يكاد يكون واحد منها (٣) هذا أو غيره كما هو قضية الفرد المردد ، لو كان هو المراد منها ، ضرورة : أن كل واحد هو هو (٤) لا هو أو غيره ، فلا بد (٥) أن

______________________________________________________

فيكون المراد ب «رجل» في قوله : «جئني برجل» حصة من الرجل ، والحصة كلية تنطبق على كثيرين ، وليس المراد بها فردا مردّدا ؛ إذ لو كان كذلك لامتنع صدقه على الخارجيات كما عرفت.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية» : قوله : «أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة» أي : الألفاظ التي تحمل النكرة عليها بالحمل الشائع مثل : «رجل ، إنسان ، ماء» فيقال : «رجل نكرة ، وإنسان نكرة ، وماء نكرة» ، فإن مفهوم رجل مغاير لمعنى المحمول أعني : نكرة ، نظير : «زيد إنسان» في تغاير الموضوع والمفهوم مفهوما واتحادهما وجودا كما هو الملاك في الحمل الشائع. وأما الحمل الأوّلي : فهو حمل النكرة على مفهومها مثل أن يقال : «الطبيعة المقيدة بالوحدة نكرة».

وبالجملة : فالنكرة إما فرد معين واقعا عند شخص وغير معين عند غيره كالمخاطب مثلا : «رجل» في (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) .. ولذا يحتمل عند المخاطب صدقه على زيد وعمرو وغيرهما. وإما حصة من الطبيعة مقيدة بالوحدة مثل : «رجل» إذا وقع في حيّز أمر أو نهى ، كما في «جئني برجل» ، وهذا كان يقبل الصدق على كثيرين. بخلاف الأول ، لأنه فرد معين لا يصدق على كثيرين. واحتمال انطباقه على كثيرين ناشئ عن جهل المخاطب.

(١) تعليل لكون النكرة أحد المعنيين المذكورين ، لا الفرد المردد كما عرفت.

(٢) أي : مع إن «رجل» يصدق على كل فرد جيء به.

(٣) أي من الأفراد ، يعني : لو كانت النكرة الفرد المردد لزم أن يصدق فرد ـ كزيد ـ أنه هذا أو غيره مع وضوح بطلانه ؛ لأن كل فرد من الأفراد متعين لا مردد. وضمير «منها» راجع إلى النكرة.

قوله «ضرورة» تعليل لقوله : «ولا يكاد يكون».

(٤) أي : هو نفسه وشخصه ، لا هو أو غيره ، لأن التشخّص والتعين يمنع عن التردد.

(٥) هذه نتيجة إبطال الفرد المردد ، يعني : فبعد إثبات امتناع إرادة الفرد المردد من النكرة ؛ لا بد من الالتزام بكون النكرة الواقعة في حيّز الأمر ـ كقوله : جئني برجل ـ

٤٤٥

تكون النكرة الواقعة في متعلق الأمر هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة ، فيكون كليا قابلا للانطباق فتأمل جيّدا (١).

إذا عرفت ذلك (٢) فالظاهر : صحة إطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني (٣) ، كما يصح لغة (٤) وغير بعيد (٥) أن يكون جريهم في هذا

______________________________________________________

هي الطبيعة المقيدة بمفهوم الوحدة القابل للانطباق على كثيرين. هذا بخلاف متعلق النهي حيث ليس متعلقه الطبيعة المقيدة بالوحدة ، بل الطبيعة السارية مثل : «لا تجئني برجل».

(١) لعله إشارة إلى : أن النكرة إذا وقعت عقيب النهي أو النفي فهي تدل على العموم وعلى الطبيعة السارية ، فهي حينئذ ليست من الألفاظ التي يطلق عليها المطلق ؛ بل هي من ألفاظ العموم.

(٢) أي : إذا عرفت معنى النكرة والألفاظ التي يطلق عليها المطلق وغرضه : التنبيه على صحة الإطلاق المزبور. وحاصله : أنه لا مانع من إطلاق المطلق على اسم الجنس الموضوع للماهية المبهمة اللابشرط المقسمي ، وعلى النكرة التي يراد بها الحصة الكلية المقيدة بالوحدة المفهومية ، القابلة للانطباق على أفراد كثيرة على البدل.

(٣) وهو الماهية الكلية المقيدة بالوحدة ، وأما المطلق المشهوري الأصولي فسيأتي.

(٤) أي : أن النكرة في اللغة بمعنى المرسل ، ومعنى الإطلاق أيضا هو الإرسال.

(٥) غرضه : أنه لا يبعد أن يكون مراد الأصوليين من المطلق : معناه اللغوي وهو الإرسال ، فإن معنى : «أطلقت الدابة» : أرسلتها عن القيد أو الحبس ، في مقابل تقييدها بقيد. وعليه : فلا وجه للإشكال على تعريف المطلق بعدم الطرد والعكس ، لأنه متجه في التعريفات الحقيقية دون اللغوية ، فيكون الإطلاق المبحوث عنه عند الأصوليين على وفق اللغة ، «من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح» يعني : ليس للأصوليين اصطلاح خاص في المطلق على خلاف اللغة ، فيصدق المطلق بمعناه اللغوي على اسم الجنس والنكرة بمعنى الحصة الكلية.

أما الأول : فواضح ؛ لعدم قيد فيه بعد البناء على وضعه للماهية المبهمة ، فهو مرسل. وأما الثاني : فلأن قيد الوحدة من حدود مفهوم النكرة ، وليس زائدا على مفهومها ، حيث إن لكل مفهوم حدودا تميّزه عن غيره ، فليس قيد الوحدة أمرا زائدا على الحصة الكلية التي هي مفهوم النكرة ، إذ المراد بالقيد : ما يكون زائدا على الماهية كتقييد الرقبة بالإيمان ، والرجل بالعلم ، فلو كان مفهوم أخص في نفسه من مفهوم آخر ـ كالإنسان بالنسبة الحيوان ـ لا يسمى مقيدا ، ولا الحيوان بالنسبة إليه مطلقا.

٤٤٦

الإطلاق على وفق اللغة ، من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها كما لا يخفى.

نعم (١) ؛ لو صح ما نسب إلى المشهور : من كون المطلق عندهم موضوعا لما قيد بالإرسال والشمول البدلي لما كان ما أريد منه الجنس أو الحصة (٢) عندهم بمطلق ؛ إلا أن الكلام في صدق النسبة (٣).

ولا يخفى : إن المطلق بهذا المعنى لطروء القيد غير قابل ، فإن (٤) ما له من الخصوصية (٥) ينافيه ويعانده ، بل وهذا بخلافه بالمعنيين ، فإن كلا منهما له قابل ،

______________________________________________________

(١) غرضه : أنه لو ثبت اصطلاح خاص للأصوليين في المطلق كما ادعي ذلك ـ وهو ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا للماهية المقيدة بالإرسال والشمول ـ لم يكن اسم الجنس والنكرة من مصاديق المطلق لفقدان قيد الشمول فيهما ، حيث إن اسم الجنس وضع للماهية المبهمة من دون لحاظ قيد معها ، والنكرة وضعت للماهية المقيدة بالوحدة ، فلحاظ الشمول مفقود في كليهما.

(٢) المراد بها : اسم النكرة ، كما أن المراد بقوله : الجنس اسم الجنس.

(٣) إذ لو كانت هذه النسبة صحيحة لم يكن وجه لجعل اسم الجنس والنكرة من المطلق ، مع إنهم تعاملوا معهما معاملة المطلق ، ضرورة : أن المطلق إذا كان هو الطبيعة المقيدة بالشيوع فلا تصدق على ما لم يقيد بالشيوع ، ولذا اعترف بعض الأعاظم بعدم العثور في كلماتهم على الخلاف المزبور ، وإنما خلافهم يكون في معنى اسم الجنس ، وأنه موضوع للماهية المهملة كما عليه السلطان وجماعة ، أو للماهية المقيدة بالإطلاق كما عليه المشهور.

هذا مضافا إلى : أن الإطلاق بمعنى الشيوع غير قابل للتقييد الموجب للتضييق ، لأن السعة والضيق متنافيان ومتقابلان ، ومن الواضح : عدم قابلية أحد المتقابلين لقبول الآخر ، ولا ريب في صحة تقييد المطلق عندهم ، فلا بد أن يراد بالمطلق معنى يقبل التقييد ، فلا مجال لصحة المطلق الذي ينسب إليه المشهور من أنه الماهية المقيدة بالشيوع ، وقد أشار إليه المصنف بقوله : «ولا يخفى : أن المطلق بهذا المعنى» أي : المعنى المشهور وهو المقيد بالشمول ، وقد عرفت أنه غير قابل للتقييد ، مع إن المطلق قابل له ، فلا يكون المطلق عندهم بهذا المعنى.

(٤) وجه عدم القابلية للتقييد.

(٥) وهي الإرسال والشيوع أي : ما للمطلق من الخصوصية ينافي التقييد ويعانده ، هذا

٤٤٧

لعدم (١) انثلامهما بسببه أصلا ، كما لا يخفى.

وعليه (٢) : لا يستلزم التقييد تجوّزا في المطلق لإمكان (٣) إرادة معنى لفظه (٤) منه ، وإرادة قيده (٥) من قرينة حال أو مقال ، وإنما استلزمه (٦) لو كان بذاك المعنى.

نعم (٧) ؛ لو أريد من لفظه المعنى المقيد كان مجازا مطلقا ؛ كان التقييد بمتصل أو منفصل.

______________________________________________________

بخلاف المعنيين المذكورين لاسم الجنس والنكرة فإنهما قابلان للتقييد ، لأن معنى اسم الجنس هو : صرف المفهوم والطبيعة المهملة ، والمعنى الثاني للنكرة هو : الطبيعة المقيدة بالوحدة المفهومية ، ومن المعلوم : قابلية كليهما للتقييد.

(١) تعليل لقوله : «قابل» ، وتقريبه : أن الماهية المهملة قابلة للتقييد ، فإذا قال : «جئني برجل عالم» مثلا فالرجل قد استعمل في نفس الطبيعة ، وقيده وهو العالمية قد أريد بدال آخر ، فتقييده لا يوجب انثلامه أصلا.

وضمير «انثلامهما» راجع إلى المعنيين ، وضمير «بسببه» إلى التقييد.

(٢) أي : على ما ذكر ـ من معنيي اسم الجنس والنكرة ـ لا يلزم من التقييد مجاز في المطلق ؛ لأن المولى أراد من المطلق معناه ومن القيد معناه كقوله : «أكرم رجلا عالما» ، فإن لفظ المطلق ـ أعني : رجلا ـ في المثال يدل على معناه ـ وهو الماهية المهملة ـ ولفظ المقيد ـ أعني عالما ـ يدل على القيد ، فلا يلزم من تقييد المطلق مجاز بعد تعدد الدال والمدلول أصلا.

(٣) أي : هذا تعليل لعدم لزوم المجاز من التقييد كما عرفت.

(٤) أي : إرادة معنى لفظ المطلق من لفظ المطلق ، وإرادة قيده من الخارج ، فيراد المقيد بتعدد الدال والمدلول ، والمراد بالإرادة : الاستعمال.

(٥) أي : إرادة قيد المطلق من قرينة حال أو مقال.

(٦) أي وإنما استلزم التجوّز لو كان المطلق بالمعنى المنسوب إلى المشهور وهو الماهية المقيدة بالشيوع والإرسال ؛ لاستلزام التقييد تجريده عن قيد الإرسال والشيوع ، فيكون مجازا لكون المطلق حينئذ مستعملا في جزء معناه. والغرض من هذا الكلام : أنه لا يستلزم التقييد مجازا بناء على المعنى المذكور لاسم الجنس والنكرة.

(٧) استدراك على قوله : «لا يستلزم التقييد تجوزا» : وحاصله : أنه يمكن استلزام التقييد للمجازية بناء على المختار أيضا من المعنيين المذكورين لاسم الجنس والنكرة.

بيانه : على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣. ص ٧١٢» : أنه إذا استعمل المطلق في المقيد بأن أريد القيد من نفس لفظ المطلق لا من دال آخر ، كما إذا أريد «الرقبة المؤمنة» من لفظ «الرقبة» كان مجازا على المختار وعلى مسلك المشهور ، من غير فرق في ذلك بين اتصال القيد وانفصاله إذا أمكن استعمال لفظ المطلق في مجموع الرقبة المؤمنة مع انفصال القيد. ويكون قوله : «كان التقييد ..» إلخ بيانا للإطلاق في قوله : «مطلقا» ، والمراد بالمعنى المقيد في قوله : «المعنى المقيد»

٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مجموع المطلق وقيده ؛ بحيث استعمل لفظ المطلق في هذا المجموع بأن يستعمل لفظ «الرقبة» في مثل «أعتق رقبة مؤمنة» في الرقبة المؤمنة ، ويجعل قوله : «مؤمنة» قرينة على أن المراد من الرقبة : الرقبة مع الإيمان.

ومثال التقييد بمتصل بأن يقال : «أعتق رقبة مؤمنة» ، ومثال التقييد بمنفصل أن يقال بعد مدة : «الرقبة التي تعتقها يجب أن تكون مؤمنة».

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ بيان ما هو محل الكلام في المطلق والمقيد : والظاهر : أنه ليس للقوم اصطلاح خاص في لفظ المطلق والمقيد ؛ بل مرادهم بهما هو المعنى اللغوي ـ أعني : «المرسل» وخلافه ـ وعليه : فلا وجه لتعريف المطلق والمقيد بما هو المذكور في كتب القوم ، ثم الإشكال عليه بعدم الإطراد والانعكاس.

وكيف كان ؛ فيقع الكلام تارة في تعريفهما. وأخرى : في كيفية تقسيم اللفظ إليهما. وثالثة : فيما ذكروا لهما من أمثلة.

٢ ـ والمراد من الجنس في تعريف المطلق : «بأنه ما دل على شائع في جنسه» : معناه العرفي الشامل للحقائق الخارجية والأمور الانتزاعية والاعتبارية ؛ لا الجنس المنطقي ، ولا اسم الجنس النحوي ، فيكون المراد بالجنس : كل كلّي له الأفراد وإن كان نوعا باصطلاح أهل الميزان ، ولذا قيل في تفسير التعريف المذكور للمطلق : إنه حصة محتملة لحصص كثيرة مما يندرج تحت أمر مشترك ، فيصدق هذا التعريف على النكرة الواقعة في حيّز الأمر نحو : «جئني برجل» ، حيث يصدق الرجل على فرد من أفراد طبيعة الرجل على نحو البدلية.

هذا بخلاف النكرة الواقعة في الخبر نحو : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) فإنه لتعيّنه الواقعي لا يصلح للانطباق على حصص كثيرة على نحو البدلية.

٣ ـ كيفية تقسيم اللفظ إلى المطلق والمقيد :

والظاهر من تعريفهما وإن كان كلّ من الإطلاق والتقييد وصفين لنفس اللفظ بلحاظ المدلول ، فإن كان مدلوله شائعا يسمى مطلقا ، وإن لم يكن كذلك يسمى مقيدا.

ولكن التحقيق : أن تقسيم اللفظ إليهما واتصافه بهما إنما هو بلحاظ الحكم بمعنى : أن اللفظ الذي يكون لمدلوله شياع ذاتا إذا صار موضوعا للحكم ، وكان تمام الموضوع له

٤٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يسمى مطلقا. وإن لم يكن تمام الموضوع ؛ بل كان في مقام الموضوعية مقيدا بقيد يسمى مقيدا. فالرقبة إن جعلت تمام الموضوع ـ نحو «أعتق رقبة» اتصفت بالإطلاق ، وإن جعلت مقيدة بقيد موضوعا له نحو : «أعتق رقبة مؤمنة» اتصفت بالتقييد.

وقد ظهر مما ذكرنا : أن التقابل بين الإطلاق والتقييد من قبيل تقابل العدم والملكة بمعنى : أن المطلق ما من شأنه أن يكون قابلا للتقييد ، فلا يتحقق فيما إذا لم يكن قابلا له.

٤ ـ اسم الجنس معناه عند المصنف هو : نفس الماهية المبهمة المجردة في حد ذاتها عن لحاظ الشياع ، ولحاظ التقييد ، ولحاظ التجرّد ، لا ما نسب إلى المشهور من : أن معنى اسم الجنس هو الماهية المأخوذة بحدّ الإطلاق والشياع والسريان ، فيكون الموضوع له ماهية بشرط شيء.

ولا ما قيل : من أنه موضوع للفرد المنتشر بحيث لا يبقى فرق بينه وبين النكرة بالمعنى الثاني على ما سيأتي في كلام المصنف ، من أن النكرة بالمعنى الثاني على الطبيعة المقيدة بالوحدة المفهومية.

وقد استدل المصنف على وضع أسماء الأجناس للمفاهيم المبهمة بما هي هي بوجهين :

الوجه الأول : أنها لو كانت موضوعة لغير المفاهيم المبهمة بأن كانت موضوعة للمفاهيم المشروطة بالشياع ، أو الحصة المقيدة بالوحدة لزم تجريدها حتى يصح حملها على الأفراد الخارجية ؛ إذ بدون التجريد لا تصدق على الأفراد ، ضرورة : أن المقيد بالشياع لا يصدق على الأفراد لعدم كل فرد شائعا ، مع إن المعلوم : صدق الماهيات على أفرادها بدون التجريد ، فتكون موضوعة لنفس الماهية لا المقيدة بالشيوع.

والوجه الثاني : أن أسماء الأجناس ليست موضوعة للابشرط القسمي ؛ إذ اللابشرطية قيد ذهني لا موطن لها إلا الذهن ، فلا يصح الحمل إلا بالتجريد ؛ لانتفاء الاتحاد في الوجود الخارجي في الحمل الشائع والصناعي.

٥ ـ (علم الجنس كأسامة للأسد) :

فالمشهور : أنه موضوع للطبيعة بقيد تعيّنها في الذهن ؛ لا الطبيعة المبهمة ، ومن هنا يعلم الفرق بين علم الجنس واسمه ، حيث إن الأول : وضع للطبيعة مقيدة بالتعين الذهني ، والثاني : وضع لنفس الطبيعة المبهمة ، ولذا يعامل مع علم الجنس معاملة المعرفة في جعله مبتدأ ووقوعه ذا الحال. هذا هو المشهور.

٤٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن التحقيق عند المصنف : أنه كاسم الجنس موضوع لصرف المعنى ، ونفس الطبيعة المبهمة ، فلا فرق بينهما إلا في اللفظ ، حيث تجري أحكام المعرفة على علم الجنس لكونه معرفة لفظا فقط.

ثم ردّ المصنف ما ذكره المشهور من الفرق بينهما من حيث المعنى بوجهين :

الأول : لو لم يكن علم الجنس كاسمه موضوعا لصرف المعنى لما صح حمل علم الجنس على الأفراد الخارجية بلا تصرف بإلغاء التعين الذهني ؛ إذ يمتنع حمل المقيد بالتعين الذهني على الموجود الخارجي ، فلا بد من التجريد عن القيد الذهني ليصح الحمل ، مع إن المسلّم صحة الحمل بدون التجريد ، وهذا دليل على عدم كون الموضوع له في علم الجنس المعنى المقيد بالتعين الذهني.

الثاني : أن وضع اللفظ لمعنى لا يستعمل فيه أصلا ؛ بل يستعمل دائما في جزئه مجازا لغو لا يصدر من الواضع الحكيم.

٦ ـ المفرد المعرّف باللام :

بيان محل النزاع : أن المفرد المعرف باللام على أقسام :

الأول : المعرف بلام الجنس نحو : «الرجل خير من المرأة».

الثاني : المعرّف بلام الاستغراق نحو : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) أي : كل إنسان لفي خسر.

الثالث : المعرف بلام العهد وهو على أقسام ، ثم اللام إما مشترك لفظا أو معنى بين هذه الأقسام.

إذا عرفت هذه الأمور فاعلم : أن محل النزاع هو المعرف بلام الجنس لا الاستغراق ولا العهد ؛ لأن الأول من مصاديق العموم. ومدخول الثاني بجميع أقسامه متعين ، فلا يصدق عليه المطلق ، فمحل النزاع هو : المعرف بلام الجنس. فيرد عليه ما أورده المصنف من أن اللام ليست للتعريف ؛ إذ معنى المعرف بلام الجنس هو : فرد ما لا على التعيين ، فتكون اللام للتزيين لا للتعريف.

هذا مضافا إلى عدم الحاجة إلى قيد لا بد من إلغائه حين الاستعمال ، فالنتيجة : أن اللام للتزيين لا للتعريف.

٧ ـ الجمع المحلى باللام :

قوله : «وأما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم» دفع لما يتوهّم في المقام من :

٤٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

التنافي بين ما ذكره المصنف من كون اللام للتزيين ، وبين ما عن أئمة الأدب من إفادة الجمع المحلّى باللام للعموم ؛ إذ المفروض : عدم دلالة المدخول على العموم لعدم وضعه لذلك ، فتكون الدلالة على العموم مستندة إلى اللام.

وأما الدفع فهو بأحد وجهين :

الأول : أن دلالة اللام على العموم مبنيّة على دلالة اللام على تعيّن المرتبة المستغرقة ، والمصنف يمنع تعيّن المرتبة المستغرقة بتعيّن مرتبة أخرى من مراتب الجمع أيضا وهي أقل مراتبه كالثلاثة ، وهي لا تفيد العموم ، فلا بد من أن تكون الدلالة على العموم مستندة إلى وضع مجموع الجمع ، واللام للعموم ؛ لا اللام فقط.

الثاني : أنه لو سلمنا استناد العموم إلى اللام فيقال : بدلالة اللام على الاستغراق ، من دون دلالتها على التعيين حتى يقال إنها للتعريف ، فتكون اللام للتزيين حتى في الجمع.

٨ ـ النكرة مثل رجل :

والمراد بها في المقام هي : النكرة في مقابل اسم الجنس لا في مقابل المعرفة ، بدليل جعلهما من أقسام المطلق ، فتكون النكرة حينئذ قسيما لاسم الجنس. هذا بخلاف النكرة في مقابل المعرفة حيث يكون اسم الجنس قسما منها لا قسيما لها.

ثم النكرة الواقعة في الإخبار مثل : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) هو الفرد المعيّن في الواقع المجهول عند المخاطب. وفي الإنشاء نحو : «جئني برجل» هو الطبيعة الكلية المقيدة بالوحدة المفهومية ، وعلى كلا التقديرين : ليس معناها فردا مرددا بين الأفراد.

إذا عرفت معنى النكرة واسم الجنس ؛ فلا مانع من إطلاق المطلق على اسم الجنس ، وعلى النكرة بالمعنى الثاني.

٩ ـ لا يصح إطلاق المطلق بالمعنى المشهور أعني : الماهية المقيدة بالإرسال والشمول على اسم الجنس والنكرة ـ لفقدان الشمول فيهما ـ حيث إن اسم الجنس وضع للماهية المبهمة من دون لحاظ معها أصلا ، والنكرة وضعت للماهية المقيدة بقيد الوحدة ، فلحاظ الشمول مفقود فيهما ؛ إلّا إن الكلام في صدق نسبة المطلق إلى المشهور ، فهذه النسبة غير صحيحة ؛ إذ لو كانت صحيحة لم يصح جعل اسم الجنس والنكرة من المطلق ، مع إن المشهور تعاملوا معهما معاملة المطلق.

هذا مضافا إلى : أن المطلق بمعنى الشيوع غير قابل للتقييد الموجب للتضييق ؛ لأن

٤٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

السعة والضيق متقابلان لا يقبل أحدهما الآخر ، هذا بخلاف المعنيين المذكورين لاسم الجنس والنكرة ، فإنهما قابلان للتقييد ، فليسا من المطلق بالمعنى المشهور الغير القابل للتقييد ، ثم على ما ذكر من معنيي اسم الجنس والنكرة : لا يلزم المجاز من التقييد ، لأن المطلق قد استعمل في معناه الحقيقي ، والقيد مستفاد من دال آخر.

نعم ؛ يمكن استلزام التقييد للمجازية إذا استعمل المطلق في المقيد ، فيلزم استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، فيكون مجازا.

١٠ ـ نظريات المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ تعريف المطلق «بأنه ما دل على شائع في جنسه» لفظي ، فلا يرد عليه الإشكال أصلا.

٢ ـ معنى اسم الجنس هو : نفس الماهية بما هي مبهمة مهملة أعني : اللابشرط المقسمي.

٣ ـ علم الجنس مثل اسم الجنس موضوع لنفس الماهية بما هي مبهمة ، والتعريف فيه لفظي.

٤ ـ اللام في المفرد المعرف باللام ليست للتعريف ؛ بل للتزيين.

٥ ـ النكرة نحو : «رجل» إذا وقعت في الإخبار كان معناها معينا في الواقع.

وإن وقعت في الإنشاء فمعناها : هي الطبيعة المقيدة بالوحدة المفهومية ، وصدق المطلق عليها إنما هو بلحاظ المعنى الثاني.

٤٥٣
٤٥٤

فصل

قد ظهر لك : إنه لا دلالة لمثل : رجل إلا على الماهية المبهمة وضعا ، وأن الشياع والسريان ـ كسائر الطوارئ ـ يكون خارجا عما وضع له ، فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة ، وهي تتوقف على مقدمات (١):

______________________________________________________

في مقدمات الحكمة

(١) وقبل الخوض في مقدمات الحكمة لا بد من بيان مورد الحاجة إليها فنقول : إنه لا حاجة إليها بناء على تفسير المطلق بالماهية المقيدة بالشيوع والإرسال والسريان ، المنسوب إلى المشهور. وإنما الحاجة إليها بناء على تفسيره بالماهية المبهمة المستفادة من تعريفه «بأنه ما دل على شائع في جنسه» ، حيث فسره غير واحد بأنه حصة محتملة لحصص كثيرة مما يندرج تحت أمر مشترك ، فالمطلق مفهوم كلي قابل للانطباق على الأفراد الخارجية على نحو البدلية ، فلا يدل حينئذ على الشياع والسريان كسائر الأوصاف الطوارئ الخارجة عن معناه وضعا.

وأما الوجه في الحاجة إليها على التفسير الثاني دون الأول : فلأن تقييد المطلق يستلزم التجوّز على التفسير الأول ولا يستلزمه على التفسير الثاني ، فيتمسك بأصالة الحقيقة في إحراز الإطلاق ، مع احتمال التقييد المستلزم للمجازية على التفسير الأول.

هذا بخلاف التفسير الثاني ؛ إذ لا مجال عليه للتمسك بأصالة الحقيقة في إحراز الإطلاق ، لأن المطلق لو كان بحسب الواقع مقيدا لا يكون مجازا ، فلا يكون مخالفا لما تقتضيه أصالة الحقيقة حتى يتمسّك بها لإحراز الإطلاق ، فلا بد في إحراز الإطلاق في مقام الشك أن يتمسك بمقدمات الحكمة.

وكيف كان ؛ فالمطلق على التفسير الثاني لا يدل على الشياع والسريان ، فلا بد في الدلالة على الشياع والسريان من قرينة حال أو مقال أو حكمة.

وأما الأولان : فواضحان ، وأمّا الثالث : فهو يتوقف على مقدمات. فقرينة الحكمة التي تسمى بالقرينة العامة مركبة من ثلاثة مقدمات فلا تتم إلا بها ، إحداها : كون المتكلم في مقام بيان تمام مراده لا في مقام بيان المراد في الجملة ، كما إذا قال الطبيب للمريض :

٤٥٥

إحداها :

كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد ؛ لا الإهمال أو الإجمال.

ثانيتها (١):

انتفاء ما يوجب التعيين.

______________________________________________________

عليك بشرب الدواء ، ولا في مقام الاجمال والإهمال ؛ إذ لو لم يكن في مقام بيان تمام مراده لا يلزم نقض الغرض بذكره مطلقا مع عدم نصب قرينة على تعيين مراده الخاص ، فإذا قال المتكلم : «أعتق رقبة» وكان في مقام بيان مراده من وجوب عتق مطلق الرقبة يؤخذ بإطلاق كلامه ، ويكون إطلاق كلامه حجة.

والمقصود من كون المتكلم في مقام البيان : هو إفهامه تمام ما أراد بيانه سواء كان مرادا جدّيا له أم مرادا استعماليا لضرب قاعدة يرجع إليها عند الشك وعدم حجة أقوى على خلافه. فلو كان في مقام بيان أصل التشريع من دون نظر إلى الخصوصيات ، كما إذا قال : «صوم رمضان واجب» ولم يتعرض لما يعتبر في وجوبه وصحته ، فلا يصح التمسك بإطلاق كلامه وإثبات أن ما بيّنه هو تمام مراده ، وأنه لا دخل لشيء آخر فيه.

والمتحصل : أنه ما لم يكن المتكلم في مقام البيان من الجهة التي يراد إثباتها لم يصح التمسك بالإطلاق لإثبات تلك الجهة ، كما إذا كان في بيان حكم آخر كقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ)(١) الوارد في مقام بيان حلية ما اصطاده الكلب المعلم ، فإنه لا يجوز التمسك بإطلاق الأمر بالأكل لإثبات طهارة موضع عضّ الكلب ؛ لعدم إحراز كون المتكلم في مقام بيان الجهة التي يراد اثباتها بالإطلاق ، فلو ورد دليل على التقييد لم يكن قبيحا لعدم كونه في مقام البيان بالإطلاق حتى يكون التقييد منافيا له.

(١) أي : وحاصل المقدمة الثانية من مقدمات الحكمة : عدم القرينة المعيّنة للمراد ، إذ معها يكون المراد متعينا ، فلا وجه حينئذ للحمل على الإطلاق ؛ إذ لا يلزم نقض الغرض من عدم الحمل على الإطلاق ، إذ المفروض : أنه قد بيّن غرضه الذي هو المقيد بالقرينة المذكورة في الكلام.

والمقدمة الثالثة من مقدمات الحكمة ما أشار إليه بقوله : «وثالثتها انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب» وحاصلها : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٧١٥» ـ : أن الإطلاق موقوف على انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ؛ إذ معه يصح أن يعتمد

__________________

(١) المائدة : ٤.

٤٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المتكلم في مقام البيان عليه إذا كان ذلك المتيقن منسبقا إلى ذهن المخاطب من اللفظ ؛ بحيث يكون الكلام ظاهرا في كون ذلك البعض متيقّن الإرادة بالنسبة إلى أفراد المطلق ، فهذا التيقّن يمنع عن إحراز إرادة الإطلاق من المطلق ، فلو أراد البعض المتيقّن منه لم يكن التعبير بالمطلق مخلّا بالغرض ، لصحة الاتكال في بيان المتيقّن على تيقّنه بعد أن كانت وظيفته إفهام المخاطب باللفظ ، وكان المتيقن منفهما من اللفظ ، فكأنه صرح بأن مراده هو المتيقن.

وبالجملة : فالتيقّن صالح لأن يكون بيانا لإرادة ذلك المتيقن دون غيره ، فلو أطلق المتكلم الكلام وأراد غير المتيقن ، ولم ينصب قرينة على مراده كان ذلك مخلّا بغرضه.

ولا بأس بذكر مثال للمتيقن عند التخاطب ، وهو : كما إذا فرض أن المعصوم «عليه‌السلام» سئل عن حكم وقوع نجاسة في بئر معينة فأجاب «صلوات الله عليه» : بأن «ماء البئر واسع لا يفسده شيء» (١) ، فإن تيقّن تلك البئر من الآبار في الحكم المذكور إنما هو بسبب وقوعها في السؤال ، فالتيقن مستند إلى الكلام لا إلى الخارج.

وكذا إذا كان التيقن مستندا إلى ما يكتنف بالكلام من الخصوصيات ، بحيث لا يخرج سبب التيقّن عن الكلام ، كما إذا قال : «أكرم عالما» ، فإن العالم وإن كان شاملا للمنجم إلّا إن نفس العالم ـ خصوصا بمناسبة وجوب الإكرام ـ ينصرف إلى الفقيه ؛ بحيث يصير هو متيقن الإرادة. هذا كله في القدر المتيقّن في مقام التخاطب.

وأما القدر المتيقن الخارج عن مقام التخاطب : فقد أشار إليه بقوله : «ولو كان المتيقن بملاحظة الخارج عن ذلك المقام».

وحاصل ما أفاده في ذلك : أن التيقّن إذا كان مستندا إلى ما هو خارج عن مقام التخاطب : فوجوده غير مضر بالإطلاق ، فلا يكون عدمه شرطا في الإطلاق ، ضرورة : أن في جميع المطلقات أو جلّها قدرا متيقنا ، فلو بنى على قدحه في الأخذ بالمطلقات لانسد باب التمسك بها.

قوله : «في البين» متعلق بقوله «المتيقن» ، يعني : لو كان المتيقن في البين بملاحظة الخارج عن مقام التخاطب ، بأن لا يكون التيقّن ناشئا عن ظهور اللفظ في الفرد المتيقن ، «فإنه» أي : المتيقن الخارجي «غير مؤثر في رفع الإخلال بالغرض». فقوله : «فإنه» جواب «لو» في قوله : «ولو كان المتيقن ..» إلخ.

__________________

(١) الكافي ؛ ج ٣ ، ص ٥ ، ج ٢ / التهذيب ، ج ١ ، ص ٢٣٤ ، ج ٧.

٤٥٧

ثالثتها :

انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ، ولو كان المتيقّن بملاحظة الخارج عن ذاك المقام في البين ، فإنه غير مؤثر في رفع الإخلال بالغرض ـ لو كان بصدد البيان ـ كما هو الفرض فإنه (١) فيما تحققت لو لم يرد الشياع لأخل بغرضه ، حيث (٢) إنّه لم ينبّه

______________________________________________________

وتوضيح ذلك ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٧١٧» : ـ أن المتيقن ـ في غير مقام التخاطب ـ لو كان مرادا للمتكلم ، وأطلق الكلام ، ولم ينصب قرينة على كون ذلك المتيقن مراده لأخلّ بغرضه ؛ إذ ليس له أن يعتمد في تفهيم مراده على هذا التيقّن ، حيث إنه ليس كل متيقن صالحا للقرينية ، وإنّما الصالح لها ما ينفهم من الكلام الملقى إلى المخاطب ؛ إذ المفروض : كون المتكلم في مقام البيان بحسب مقام التخاطب ، فالمؤثر في رفع الإخلال بالغرض لا بد أن يكون المتيقن بحسب هذا المقام أيضا ؛ لا المتيقّن الخارجي الأجنبي عنه.

والحاصل : أن المتيقن في مقام التخاطب صالح للقرينية ـ بحيث لو أراده المتكلم وأطلق الكلام لم يلزم إخلال بغرضه ـ لصحة الاعتماد على هذا المتيقن لانفهامه عرفا من الكلام ، بخلاف المتيقن الخارجي ، فإنه لأجنبيته عن مقام التخاطب لا يصح الركون إليه في مقام التفهيم ، فلو كانت الرقبة المؤمنة موضوعا للحكم ، وكانت في مقام الامتثال مجزئة قطعا ؛ لكن لم تكن متيقنة من نفس الكلام : كان الإطلاق حينئذ مخلا بالغرض ؛ لعدم كون هذا التيقن بيانا لذلك الغرض هذا ما أشار إليه بقوله : «كما هو الفرض» يعني : كما أن المفروض كون المتكلم في مقام البيان بالخطاب.

(١) يعني : فإن المتكلم فيما تحققت مقدمات الحكمة ؛ لو لم يرد الشياع الذي هو المطلق لأخلّ بغرضه ، بتقريب : أنه مع تمامية المقدمات الثلاث المذكورة لو لم يرد المتكلم الإطلاق ، وأراد المقيّد لكان مخلا بغرضه ، لما مرّ من عدم كون المطلق بيانا للمقيّد حتى يصح الاتكال عليه ، وأن بيانية المطلق للمقيّد منحصرة بالمتيقّن التخاطبي كما عرفت. وحيث إن الإخلال بالغرض قبيح فلا محيص عن إرادة الإطلاق.

(٢) تعليل للإخلال بالغرض ، بيانه : أن المتكلم مع كونه بصدد البيان إذا لم يبيّن المقيد ولم يكن المطلق بيانا له ، فالإطلاق مراد في عالم الإثبات ، وهو دليل إنّي على كونه مرادا في عالم الثبوت أيضا من دون تخصّصه بخصوصية خاصة ، فيتطابق الإثبات والثبوت. والضمير في «يبينه» راجع إلى غرضه. وضمير «إنه» و «بصدده» راجعان إلى المتكلم.

٤٥٨

مع أنه بصدده ، وبدونها (١) لا يكاد يكون هناك إخلال به حيث (٢) لم يكن مع انتفاء الأولى (٣) إلا في مقام الإهمال أو الإجمال ، ومع انتفاء الثانية (٤) كان البيان بالقرينة.

ومع انتفاء الثالثة (٥) : لا إخلال بالغرض لو كان المتيقّن تمام مراده ، فإن الفرض أنه بصدد بيان تمامه (٦) وقد بيّنه ، لا بصدد بيان ...

______________________________________________________

(١) أي : وبدون مقدمات الحكمة المذكورة لا يلزم الإخلال بالغرض أصلا ؛ لأن المتكلم إذا لم يكن في مقام البيان ، بل كان في مقام أصل التشريع من دون نظر إلى الخصوصيات ، لا يلزم ذكر المطلق إخلال بالغرض وهو المقيّد. وعليه : فالإخلال بالغرض مترتب على وجود المقدمات المزبورة ، مع إرادة المقيد. وكذا الحال في انتفاء غير المقدمة من سائر المقدمات.

(٢) بيان لوجه الحاجة إلى المقدمة الأولى.

(٣) أي : بأن لم يكن المتكلم في مقام تمام المراد ، بل كان في مقام الإهمال والإجمال.

(٤) أي : وهي انتفاء ما يوجب التعيين. وأما وجه عدم لزوم الإخلال بالغرض بانتفائها : فهو وجود القرينة المعيّنة للمراد ، كقوله : «أعتق رقبة مؤمنة» فإن «المؤمنة» قرينة معيّنة ، فلا يلزم من ذكر المطلق حينئذ إخلال بالغرض.

(٥) وهي القدر المتيقن في مقام التخاطب ، ومع انتفاء هذه المقدمة ـ بمعنى : وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب ـ لا يلزم من ذكر المطلق إخلال بالغرض وهو إرادة المقيد أعني : المتيقن التخاطبي ؛ لما مر من صلاحية التيقّن المذكور للقرينية على المراد ؛ بحيث يصح للمتكلم الاتكال عليه مع ذكر المطلق إذا كان المتيقن تمام مراد المتكلم ، إذ لو كان بعض مراده لم يكن البيان تامّا ، فيلزم الإخلال بالغرض من الاكتفاء بالمتيقن.

(٦) أي : تمام مراده من المطلق. وقد بيّنه بالمتيقن الخطابي ، فلو لم يرد الشياع منه لم يلزم إخلال بغرضه أصلا ، فلا يقدح الإطلاق حينئذ ؛ لكون المتيقن كالقرينة اللفظية الحافة بالكلام ، المانعة عن إرادة الإطلاق.

نعم ؛ إذا كان بصدد بيان وصف التمامية للمتيقن ، وأنه موصوف بكونه تمام مراده من المطلق ؛ بحيث لا يكون شيء وراء هذا المتيقن مرادا له منه ، ومع ذلك أطلق الكلام وأمر بعتق رقبة مثلا ، ولم ينصب قرينة على اتصاف المتيقن بوصف كونه تمام المراد لزم من ذكر المطلق الإخلال بالغرض ، وهو إرادة المتيقّن بما هو تمام المراد ، ضرورة : أن التيقن الخطابي قاصر عن إثبات هذا الوصف للمتيقن بعد إمكان أن يكون المتيقن مرادا في ضمن سائر الأفراد ، والمفروض : أنه لم ينصب قرينة على ذلك ، فلا ينفي تيقّن بعض

٤٥٩

.. أنه (١) تمامه كي أخلّ ببيانه فافهم.

ثم لا يخفى عليك (٢) : أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده ، مجرّد بيان ذلك

______________________________________________________

الأفراد مرادية سائر الأفراد حتى يتصف المتيقن بكونه تمام المراد ، فتيقن الرقبة المؤمنة لا ينفي مطلوبية غيرها من أفراد الرقبة حتى يثبت لها وصف التمامية ، فحينئذ لا مانع من التمسك بالإطلاق لإثبات كون الموضوع نفس الطبيعة المقيدة.

(١) يعني : لا بصدد بيان أن المتيقن تمام المراد كي يلزم الإخلال ببيان مراده ؛ لما عرفت من : أنه لو كان بصدد بيان وصف المتيقن بكونه تمام المراد وأطلق لزم الإخلال بغرضه ، وهو بيان وصف التمامية للمتيقن ، فلا بد من الأخذ بالإطلاق ، فاتّضح المراد من قوله : «بصدد بيان تمامه» ، ومن قوله : «لا بصدد أنّه تمامه».

كما اتضح أيضا أن الصواب أن تكون العبارة هكذا «كي يخلّ» أو «كي يكون أخلّ» ، كما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٧٢٠».

فحاصل الفرق ـ بين كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد وبين كونه في مقام بيان أن القدر المتيقن هو تمام المراد بوصف التمامية ـ أنه على الأول يصح الاعتماد على القدر المتيقن ؛ إذ لا يفهم المخاطب إلا القدر المتيقن فقط وهو مراد المتكلم ، فلو أطلق الكلام ولم يرد الشياع لم يخلّ بغرضه ؛ لأن المفروض : أنه بصدد بيان تمام المراد ، وقد بيّنه بواسطة المتيقن في مقام التخاطب.

هذا بخلاف كون المتكلم بصدد بيان أن القدر المتيقن تمام المراد بوصف التمامية ، فلا يجوز الاعتماد على القدر المتيقن ؛ لأن المخاطب إنما يفهم القدر المتيقن ، ولا يفهم وصف التمامية ، فلو أطلق الكلام لكان مخلا بغرضه.

«فافهم» لعله إشارة إلى ما ذكرناه من الفرق ؛ بأن يقال : من كان بالفرض بصدد بيان كون المتيقن هو المراد كفى هذا بيانا لكون المتيقن هو تمام المراد ، هذا بخلاف من كان بصدد بيان كون المتيقن تمام المراد بوصف التمامية ، فلا يكفي هذا بيانا لكون القدر المتيقن تمام المراد بوصف التمامية. فالتيقن في الفرض الأول كما يفيد رفع الإخلال بالغرض ؛ كذلك يكون بيانا لكون المتيقن هو تمام المراد.

(٢) إشارة إلى دفع توهم. أما تقريب التوهم الناشئ عن عبارة الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» في التقريرات ـ وهي قوله فيها : «وإنما حمل على الإطلاق والإشاعة بواسطة عدم الدليل ، فالإطلاق بمنزلة الأصول العملية في قبال الدليل» (١) ـ فحاصله : أنه لا

__________________

(١) مطارح الأنظار ، ج ٢ ، ص ٢٥٩.

٤٦٠