دروس في الكفاية - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٧

للحمل لو كان بلحاظ المفهوم ، فإن (١) ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الإطلاق كي يحمل عليه لو لم نقل بأنه الأقوى لكونه بالمنطوق ، كما لا يخفى.

وأما الاستدلال على ذلك (٢) ـ أي : عدم الدلالة على المفهوم ـ بآية (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) (٣). ففيه (٤) : أن الاستعمال في غيره أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر كما في الآية قطعا.

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «لا وجه للحمل» ، أي : لا وجه لتقديم المقيد على المطلق بحمل المطلق على المقيد ، لأن ظهور المقيد في المفهوم ليس أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق كي يحمل المطلق على المقيد «لو لم نقل بأنه أقوى» يعني : ظهور المطلق أقوى لكونه بالمنطوق. هذا تمام الكلام في ما في التقريرات.

ويمكن أن يقال في دفع ما في التقريرات : بأن الملاك في تقدم دليل على دليل آخر عند التنافي بينهما ليس لأجل قوة المنطوق على المفهوم ، بل لأجل كون أحدهما أظهر من الآخر ، ومن المعلوم : أن المقيد أظهر من المطلق.

(٢) تقريب الاستدلال بالآية المباركة على عدم المفهوم : أنه لو كان للوصف مفهوم لزم عدم حرمة الربيبة التي لا تكون في حجر الزوج على زوج أمها ؛ إذ كلمة ربائبكم موصوف ، وكلمة «اللاتي» مع صلتها صفة لها ، وهو خلاف الضرورة من الدين ؛ إذ لا خلاف في حرمة الربيبة بلا فرق بين كونها في الحجر وعدمه ، فحينئذ لا بد من الالتزام بعدم المفهوم للوصف ، لئلا يلزم عدم حرمة الربائب اللاتي لسن في حجور الأزواج ، وهو مخالف الضرورة.

(٣) سورة النساء : ٢٣.

(٤) وقد أجاب المصنف عنه بوجهين :

الوجه الأول : أن حرمة الربيبة مطلقا وإن لم تكن في حجر زوج أمها ليست لأجل عدم المفهوم للوصف ؛ بل لأجل قرينة خارجية وهي إجماع المسلمين على تحريم نكاح الربيبة على زوج أمها المدخول بها ، سواء كانت في الحجر وتحت تربيته أم لم تكن فيه ، وهذه القرينة الخارجية تقتضي عدم المفهوم لا الوصف من حيث هو هو ، ومن المعلوم : أن موارد القرينة على ثبوت المفهوم للوصف أو نفيه عنه خارجة عن محل النزاع الذي هو دلالة الوصف بنفسه على المفهوم وعدمها عليه ؛ إذ القائل بالمفهوم لا ينكر عدم المفهوم لأجل القرينة ، كما أن المنكر له يعترف به لأجل القرينة أيضا.

والمتحصل : أن الوصف في الآية الشريفة قد استعمل في عدم إرادة المفهوم قطعا ، لكن مجرد الاستعمال لا يدل على الحقيقة لكونه أعم منها.

٢٢١

مع أنه يعتبر في دلالته عليه عند القائل بالدلالة : أن لا يكون واردا مورد الغالب كما في الآية ، ووجه الاعتبار واضح ، لعدم دلالته معه (١) على الاختصاص ، وبدونها لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم فافهم (٢).

(تذنيب) (٣) : لا يخفى أنه لا شبهة في جريان النزاع ، فيما إذا كان الوصف أخص

______________________________________________________

الوجه الثاني : ما أشار إليه بقوله : «مع إنه يعتبر في دلالته عليه ..» إلخ.

وحاصله : أن القائل بدلالة الوصف على المفهوم يشترط أن لا يكون الوصف واردا مورد الغالب كما في الآية المباركة ، حيث إن الغالب كون الربائب في حجور الأزواج لكونها مع أمها غالبا كالأولاد.

ووجه الاعتبار : أنه لا دلالة للوصف منطوقا مع وروده مورد الغالب على اختصاص الحكم بمورده ؛ كي يدل مفهوما على انتفاء الحكم عن غير مورده لفقدان شرط الدلالة على الاختصاص ، وبدون الدلالة المذكورة لا ينبغي أن يتوهم دلالة الوصف على المفهوم ؛ لأن وروده مورد الغالب قرينة عامة على صرف الوصف عما كان ظاهرا فيه بالمنطوق من تضييق دائرة الموضوع به واختصاص الحكم بمورده ، فلا يكون الوصف حينئذ علة منحصرة لثبوت الحكم للموصوف ، فلا دلالة للوصف على المفهوم.

فالنتيجة : أن الوصف الغالبي لا يدل على المفهوم.

(١) أي : لعدم دلالة الوصف ـ مع وروده مورد الغالب ـ على اختصاص علة الحكم بالوصف ، وبدون الدلالة على الاختصاص المزبور لا يدل الوصف على المفهوم.

(٢) لعله إشارة إلى أن ورود الوصف مورد الغالب يمنع عن أخذ المفهوم لو لم يكن إفادته المفهوم بالوضع ، بل كان لمحذور اللغوية ، أو كان بالوضع ولم تكن أصالة الحقيقة حجة مطلقا ـ ولو مع عدم الظن ـ وأما إذا كان بالوضع ، وكانت أصالة الحقيقة حجة بالظن النوعي فلا يمنع عنه.

في تحرير محل النزاع

(٣) المقصود من عقد هذا التذنيب : تحرير محل النزاع ، وقد تقدم في أول البحث : أن نسبة الوصف مع الموصوف لا تخلو من أربعة أقسام :

١ ـ أن يكون مساويا معه نحو الإنسان الضاحك.

٢ ـ أن يكون أعم منه مطلقا ، نحو : الإنسان الماشي.

٣ ـ أن يكون أخص منه مطلقا ، نحو : الإنسان العالم.

٤ ـ أن يكون أخص منه من وجه ، نحو : الرجل العادل. وهذا أيضا على قسمين ،

٢٢٢

من موصوفه ولو من وجه ، في مورد الافتراق من جانب الموصوف ، وأما في غيره (١) ، ففي جريانه إشكال أظهره عدم جريانه ، وإن كان يظهر مما عن بعض الشافعية ، حيث

______________________________________________________

فإنه قد يكون الافتراق من جانب الموصوف كالرجل الغير العادل ، وقد يكون من جانب الوصف كالعادل الغير الرجل ، فمجموع الأقسام خمسة. إذا عرفت هذا فاعلم : «أنه لا شبهة في جريان النزاع» نفيا وإثباتا ، «فيما إذا كان الوصف أخص من موصوفه» مطلقا كالإنسان العادل ، «ولو من وجه» كالإنسان الأبيض ، فإنه «في مورد الافتراق من جانب الموصوف» بأن يكون الموصوف ولا يكون الوصف كالرجل غير العادل.

وكيف كان ؛ فالنزاع يجري في قسمين من الأقسام المتقدمة.

أولهما : كون الوصف أخص مطلقا من الموصوف ، كالعالم بالنسبة إلى الإنسان ، فإن الوصف ـ وهو العلم ـ ينتفي مع بقاء الموصوف أعني : الإنسان.

ثانيهما : كون الوصف أخص من وجه من الموصوف ، مع كون الافتراق من جانب الموصوف كالرجل العادل ، والمراد بالافتراق من جانب الموصوف بقاؤه مع انتفاء الوصف كما في المثال ، فإن العدالة تنتفي مع بقاء الموصوف وهو الرجل ، والضابط في ثبوت المفهوم للوصف : انتفاؤه مع بقاء الموصوف.

(١) أي : في غير ما كان الوصف أخص ـ وهو القسمان الأولان ـ أو ما كان الوصف أخص من وجه ؛ ولكن لا في مورد الافتراق من جانب الموصوف ، بل من جانب الصفة كالعادل غير الرجل أو الأبيض غير الإنسان ، أو افتراق الوصف والموصوف اللذين بينهما عموم من وجه ، بحيث لا يصدق عليه واحد منهما كالإبل المعلوفة في قوله : «في الغنم السائمة زكاة» ، حيث إن كلا من الوصف والموصوف ـ وهما الغنم والسوم ـ مفقود في معلوفة الإبل ولا يصدق عليها واحد منهما «ففي جريانه» أي : النزاع وعدم جريانه إشكال أظهره عدم جريان نزاع مفهوم الوصف.

والوجه في عدم الجريان : أن المفهوم هو نقيض المنطوق ، ويعتبر في التناقض اتحاد المتناقضين في أمور أحدها : الموضوع كقولنا : «الإنسان ناطق وليس بناطق» ، ومن المعلوم : أنّه ليس عدم الزكاة في معلوفة الإبل مفهوم قولنا : «في الغنم السائمة زكاة» لاختلاف الموضوع ، فإن موضوع وجوب الزكاة هو الغنم السائمة ، وهذا الوجوب لم يرتفع عن الغنم حتى يتحد الموضوع في المنطوق والمفهوم كي يتحقق التناقض ؛ بل رفع عن الإبل ، واختلاف الموضوع من أشد أنحاء عدم المطابقة. نعم ؛ عن بعض الشافعية جريان نزاع مفهوم الوصف في مورد افتراق الوصف والموصوف معا.

٢٢٣

قال : (قولنا في الغنم السائمة زكاة يدل على عدم الزكاة في معلوفة الإبل) جريانه فيه ، ولعل وجهه (١) : استفادة العلية المنحصرة منه.

وعليه (٢) : فيجري فيما كان الوصف مساويا أو أعم مطلقا أيضا (٣) ، فيدل (٤) على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه ، فلا وجه في التفصيل بينهما (٥) ، وبين ما إذا كان أخص من وجه ، فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف (٦) ، بأنه لا وجه

______________________________________________________

(١) أي : وجه جريان نزاع مفهوم الوصف في مورد الافتراق المزبور هو : استفادة العلية المنحصرة من الوصف كالسوم في المثال ، فينتفي وجوب الزكاة عن معلوفة الإبل وغيرها من الأنعام التي ليست بسائمة ، إذ المفروض : كون السوم علة منحصرة لسنخ الوجوب ، بمعنى : أن علة الزكاة مطلقا هي السوم ، فكلما لم يجد السوم غنما كان أو إبلا أو بقرا لم يحكم بالزكاة.

(٢) أي : على هذا الوجه الذي ذكرنا ، من استفادة انحصار العلة الموجبة للمفهوم فيجري النزاع أيضا في الوصف المساوي كالضاحك بالنسبة إلى الإنسان ، والأعم مطلقا كالماشي بالنسبة إليه ؛ إذ مع كون الوصف علة تامة منحصرة يدور الحكم مداره وجودا وعدما ، فحينئذ لا فرق بين كون الوصف مساويا للموصوف وبين كونه أعم منه أو أخص منه ، فلا محالة تدل الصفة على انتفاء الحكم بانتفائها ولو في غير موصوفها ؛ إذ المفروض : عدم موصوف خاص في اعتبار المفهوم ، فباعتبار هذا المفهوم لا فرق بين أقسام الوصف ، وباعتبار المفهوم ـ الذي هو محل النزاع ـ يختص بما إذا كان الوصف أخص من الموصوف مطلقا كالإنسان العالم ، أو من وجه كالرجل العادل.

(٣) أي : كجريان النزاع في الوصف الأخص من وجه من موصوفه ، مع الافتراق وصفا وموصوفا كما عرفته عن بعض الشافعية في معلوفة الإبل ، حيث إن كلا من الصفة والموصوف ـ وهما الغنم والسوم ـ مفقود في الإبل المعلوفة.

(٤) أي : فيدل الوصف المساوي أو الأعم على انتفاء سنخ الحكم عن غير الموصوف من الموضوعات المباينة للموصوف عند انتفائه ، لفرض عليته التامة.

(٥) أي : بين الوصف المساوي والأعم ، وبين ما هو داخل في محل النزاع قطعا من الوصف الأخص من وجه ، مع الافتراق من جانب الوصف «كالرجل العادل». إذا افترق وصف العدالة عنه مع بقاء الموصوف ، وقوله : «فلا وجه» متفرع على كون الوصف علة تامة للحكم ، من دون دخل الموصوف فيه.

(٦) الأولى أن يقول : من جانب الوصف والموصوف ؛ لأن ضمير «فيه» في قوله : «واستظهار جريانه من بعض الشافعية فيه» يرجع إلى الافتراق من جانب الوصف والموصوف معا.

٢٢٤

للنزاع فيهما ، معللا بعدم الموضوع ، واستظهار جريانه من بعض الشافعية فيه ، كما لا يخفى ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

قوله : «بأنه» متعلق ب «التفصيل» ، وحاصل التفصيل المنسوب إلى التقريرات (١) : هو عدم جريان النزاع في الوصف المساوي والأعم ، لانتفاء الموضوع فيهما بانتفاء الوصف ، وإمكان جريانه في الوصف الأخص من وجه من موصوفه ، مع الافتراق من جانب الموصوف والوصف معا ، كما يستظهر من بعض الشافعية ؛ كالسوم الذي هو أخص من وجه من الغنم.

قوله : «لا وجه للنزاع فيهما» علل بقوله : «معللا بعدم الموضوع» أي : لا وجه للنزاع في الأعم والمساوي ، لانتفاء الموضوع فيهما ، حيث إنه ينتفي الإنسان ـ الذي هو الموضوع في قولنا : «أكرم الإنسان الضاحك أو الماشي» ـ بانتفاء الضحك والمشي ، فلا وجه أيضا لاستظهار جريان النزاع من بعض الشافعية فيما إذا كان الوصف أخص من وجه ، كما تقدم من مثال «في الغنم السائمة زكاة» ، حيث إن المفهوم منه عدم الزكاة في معلوفة الإبل.

(١) تدقيقي بقرينة كلمة الجيد أي : دقّق في كلام المصنف ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنه إذا لاحظنا الوصف من حيث هو هو ، فالأقسام الثلاثة خارجة عن مورد النزاع ؛ لاشتراكها في انتفاء الموضوع بانتفاء الوصف. أما المساوي والأعم مطلقا فواضحان كما عرفت. وأما الأخص من وجه فظاهر ؛ لفرض افتراق الموصوف والوصف معا عن الآخر ؛ هذا تمام الكلام في مفهوم الوصف.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ تحرير محل النزاع : وهو الوصف بمعنى النعت النحوي المعتمد على الموصوف ، ثم النسبة بين الوصف والموصوف لا تخلو عن أحد أقسام أربعة :

الأول : أن يكون مساويا للوصف ، نحو : الإنسان الضاحك.

الثاني : أن يكون أعم منه مطلقا ، نحو : الإنسان الماشي.

الثالث : أن يكون أخص منه مطلقا ، نحو : الإنسان العادل.

الرابع : أن يكون بينهما عموم من وجه ، نحو : الرجل العادل.

وما هو الداخل في محل النزاع منها هو القسم الثالث والرابع لو كان الافتراق من

__________________

(١) مطارح الأنظار ، ج ٢ ، ص ٨٠.

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

جانب الموصوف ، والمراد بقوله : «وما بحكمه» كل ما كان قيدا للموضوع سواء كان نعتا أم حالا أم غيرهما ، فيشمل الوصف الضمني.

إذا عرفت محل النزاع فالظاهر : أنه لا مفهوم للوصف مطلقا أي : سواء كان مساويا للموصوف أو أخص منه مطلقا ، أو أعم منه كذلك ، أو أخص من وجه.

٢ ـ أمور استدل بها على مفهوم الوصف ، مع ذكر جواب المصنف عن كل واحد منها :

الأول : أنه استدل على مفهوم الوصف بوضعه للدلالة على العلية المنحصرة المستلزمة لانتفاء الحكم عند انتفاء الوصف.

وقد أجاب المصنف عنه بقوله : «لعدم ثبوت الوضع».

الثاني : أنه لو لم يدل الوصف على المفهوم لكان ذكره لغوا ، فلا بد من الالتزام بالمفهوم صونا لكلام الحكيم عن اللغوية.

وقد أجاب المصنف عنه بقوله : وعدم لزوم اللغوية ، لأن فائدة الوصف ليست منحصرة بالمفهوم حتى يكون ذكره مع عدم دلالته على المفهوم لغوا.

الثالث : المفهوم ، بدعوى الانصراف إلى كون الوصف علة منحصرة لثبوت الحكم ، فيلزم انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الوصف.

وقد أجاب عنه بما حاصله : من منع الانصراف.

وقد أشار إلى ردّ تفصيل العلامة «قدس‌سره» بقوله : «وعليته فيما إذا استفيدت ..» إلخ. وقد فصل العلامة «قدس‌سره» بين الوصف الذي يكون علة والذي لا يكون علة بذهابه إلى المفهوم في الأول ، وعدمه في الثاني.

وحاصل الردّ : أن العلية لا تقتضي المفهوم ما لم تكن منحصرة ، ومع الانحصار أجنبي عن موضوع البحث ، إذ موضوعه كون الوصف بنفسه دالا على الانحصار المستلزم للمفهوم لا بقرينة خارجية ، ومن المعلوم : أن الانحصار لا يكون إلا بالقرينة.

الرابع : إثبات المفهوم من طريق أن الأصل في القيد الاحترازية التي لازمها : انتفاء الحكم بانتفائه.

وأجاب عنه بقوله : «لأن الاحترازية لا توجب إلا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية».

توضيح ذلك : أن احترازية القيد لا تدل على ثبوت المفهوم للوصف ؛ لأن مقتضى

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاحترازية تضييق دائرة الموضوع ، ومن المعلوم : أن انتفاء الحكم بانتفاء قيد الموضوع كانتفائه بانتفاء تمام الموضوع يكون عقليا ، وليس من باب المفهوم.

الخامس : إثبات المفهوم للوصف من طريق لزوم حمل المطلق على المقيد في نحو : «أعتق رقبة ، وأعتق رقبة مؤمنة» فيقال : إن حمل المطلق على المقيد يشهد بثبوت المفهوم للوصف ؛ إذ لو لم يكن للوصف مفهوم لم يحصل التنافي الموجب لحمل المطلق على المقيد.

وأجاب عنه بما حاصله : من أن حمل المطلق على المقيد ليس لأجل دلالة الوصف على المفهوم ؛ بل لازم حمل المطلق على المقيد هو : تضييق دائرة موضوع الحكم ، فيكون مفاد المطلق والمقيد معا هو وجوب عتق الرقبة المؤمنة ، فيكون حاصلهما : وجوب المقيد والسكوت عن المطلق ، فالنتيجة : أن باب تقييد الإطلاقات أجنبي عن موضوع مفهوم الوصف ، وليس دليلا على ثبوت المفهوم.

بقي الكلام فيما في التقريرات حيث قال ما حاصله : إنه لا وجه لحمل المطلق بلحاظ المفهوم ، لأن المنطوق ـ وهو إطلاق المطلق ـ أقوى من المفهوم ، فلا معنى لرفع اليد عنه بمفهوم المقيد.

٣ ـ الاستدلال على عدم دلالة الوصف على المفهوم بآية (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) ، بتقريب : أنه لو كان للوصف مفهوم لزم عدم حرمة الربائب اللاتي لسن في حجور الأزواج ، وهو مخالف للضرورة.

وقد أجاب عنه المصنف بوجهين :

الأول : أن حرمة الربيبة مطلقا ـ وإن لم تكن في حجر زوج أمها ـ ليست لعدم المفهوم للوصف ، بل لأجل قرينة خارجية وهي النصوص الدالة على حرمة الربيبة مطلقا ، وإن لم تكن في الحجر ، ومن المعلوم : أن موارد القرينة على ثبوت المفهوم للوصف أو نفيه عنه خارجة عن حريم النزاع.

الثاني : أن من شرائط ثبوت المفهوم للوصف عدم وروده مورد الغالب والوصف والقيد وارد مورد الغالب ، لأن الغالب كون الربائب في حجور أزواج أمهاتها ، فإذا فات الشرط فات المشروط ، وهو المفهوم للوصف.

قوله : «فافهم» لعله إشارة إلى : أن ورود الوصف مورد الغالب يكون مانعا عن الأخذ بالمفهوم لو كان الأخذ بالمفهوم لدفع محذور اللغوية ، لا لدلالة الوصف عليه بالوضع.

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

٤ ـ تذنيب في تحرير محل النزاع : ولا شبهة في جريان النزاع فيما إذا كان الوصف أخص من موصوفه ولو من وجه في مورد الافتراق من جانب الموصوف ؛ بأن يكون الموصوف موجودا بدون الوصف ، كالرجل بدون العلم مثلا. «وأما في غيره» ـ وهو مورد افتراق كل من الصفة والموصوف بحيث لا يصدق واحد منهما كالإبل المعلوفة في نحو : «في الغنم السائمة زكاة» ـ «ففي جريانه إشكال أظهره عدم جريانه».

وخلاصة الكلام في وجه عدم الجريان : أن المفهوم نقيض للمنطوق ، ولا يتحقق التناقض إلا في اتحاد المتناقضين موضوعا مثل : «زيد عالم وزيد ليس بعالم» ، فلا تكون معلوفة الإبل مفهوما لقولنا : «في الغنم السائمة زكاة» لاختلاف الموضوع.

ولعل وجه جريان نزاع المفهوم في مورد الافتراق من جانب الوصف والموصوف هو : استفادة العلية المنحصرة من الوصف كالسوم في المثال ، فينتفي وجوب الزكاة عن معلوفة الإبل وغيرها من الأنعام التي ليست سائمة ، وعليه : فيجري النزاع في جميع الأقسام الأربعة أي : سواء كان الوصف مساويا للموصوف ، أو أخص منه مطلقا أو من وجه ، أو أعم منه مطلقا.

٥ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ لا مفهوم للوصف.

٢ ـ جريان النزاع فيما كان الوصف أخص من الموصوف مطلقا ، أو من وجه مع الافتراق من جانب الموصوف.

٢٢٨

فصل

هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية ، بناء على دخول الغاية في المغيّى ، أو عنها وبعدها بناء على خروجها أو لا؟ فيه خلاف ، وقد نسب إلى

______________________________________________________

في مفهوم الغاية

وقبل الخوض في البحث لا بد من تحرير محل النزاع ، والتحقيق في مفهوم الغاية فنقول : إن الغاية قد تطلق على نهاية الشيء والمراد بها آخره.

وقد تطلق على المسافة كقول النحاة «من» لابتداء الغاية ، و «إلى» لانتهاء الغاية.

وقد تطلق على علة الشيء والمراد بها الغرض الذي يقع لأجله الشيء ، ويعبر عنها بالعلة الغائية أيضا ، كجلوس السلطان على السرير ، فإنه الغرض الذي يصنع لأجله السرير.

إذا عرفت هذه المعاني للغاية فاعلم : أن المراد بها في المقام هو المعنى الأول ، لأن الأدوات ـ وهي : حتى وإلى ـ موضوعة لبيان النهاية كقوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(١) ، وكقوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)(٢).

فيقع البحث في مقامين :

١ ـ في دخول الغاية في المغيّى. ٢ ـ في مفهومها.

وأما البحث في دخول الغاية في المغيّى وعدم دخولها فيه فيحرر هكذا :

هل الغاية داخلة في المغيّى أو خارجة عنه ، مثلا : إذا قال المولى لعبده : «صم من الأحد إلى الجمعة» فهل يجب صوم الجمعة أم لا؟

فإن قلنا بدخول الغاية في المغيّى فيجب صومها ، وإن قلنا بأنها خارجة عنه فلا يجب صومها.

وأما البحث في مفهوم الغاية فيحرر هكذا : هل الغاية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية ـ بناء على دخولها في المغيّى ـ أو تدل على ارتفاعه عن الغاية وعن بعدها بناء

__________________

(١ و٢) جزء من آية : ١٨٧ من سورة البقرة.

(١ و٢) جزء من آية : ١٨٧ من سورة البقرة.

٢٢٩

المشهور : الدلالة على الارتفاع ، وإلى جماعة ـ منهم السيد والشيخ ـ عدم الدلالة عليه (١).

والتحقيق (٢) : أنه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيدا للحكم ، كما في

______________________________________________________

على خروج الغاية عن المغيّى أو لا؟ فيه خلاف ، وقد نسب إلى المشهور : دلالتها على ارتفاع الحكم عن الغاية بناء على دخولها في المغيّى ، أو عنها وبعدها بناء على خروجها عنه. وإلى جماعة منهم : السيد المرتضى ، والشيخ الطوسي «قدس‌سرهما» عدم دلالتها على الارتفاع المذكور ـ وقد يأتي الكلام في المقام الأول عند تعرض المصنف له.

«تنبيه» إن السيد والشيخ إذا ذكرا مطلقين في علم الأصول وعلم الفقه فالمراد من السيد هو السيد المرتضى ، ومن الشيخ هو الشيخ الطوسي (١) «قدس‌سرهما».

كما أن الشيخ إذا ذكر مطلقا في المنطق والفلسفة : فالمراد منه : الشيخ أبو علي ابن سينا.

وإذا ذكر مطلقا في الصرف والنحو : فالمراد هو الشيخ ابن الحاجب.

وإذا ذكر مطلقا في علم المعاني والبيان : فالمراد هو الشيخ عبد القادر الجرجاني. وإذا ذكر مطلقا في الرياضي : فالمراد الشيخ البهائي «رحمه‌الله».

وإذا ذكر مطلقا في علم الحديث : فالمراد هو : الشيخ الصدوق «قدس‌سره».

وإذا ذكر مطلقا في علم الرجال : فالمراد هو : الشيخ النجاشي «قدس‌سره».

(١) أي : على الارتفاع ، يعني : فلا تدل الغاية على المفهوم.

(٢) وقد اختار المصنف «قدس‌سره» التفصيل في المقام بذهابه إلى دلالة الغاية على المفهوم إن كانت قيدا للحكم ، وحالها حال الوصف في عدم الدلالة على المفهوم إن كانت قيدا للموضوع.

وتوضيح التفصيل يتوقف على مقدمة وهي : أن الغاية بحسب القواعد العربية ومتفاهم أهل اللسان تارة تكون قيدا للحكم ، كقيدية الشرط له ، بحيث يكون الحكم معلقا عليها كما في قول المعصوم «عليه‌السلام» : «كل شيء هو لك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك» (٢) ، أو «كل شيء نظيف حتى تعرف أنه قذر فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك» (٣).

__________________

(١) حيث قال : فأما تعليق الحكم بغاية ؛ فإنما يدل على ثبوته إلى تلك الغاية ، وما بعدها يعلم انتفاؤه بدليل ، العدة في أصول الفقه ، ج ٢ ، ص ٤٧٨.

(٢) الكافي ، ج ٥ ، ص ٣١٣ ، ح ٤٠ / التهذيب ، ج ٢ ، ص ٢٢٦ ، ح ٩.

(٣) التهذيب ، ج ١ ، ص ٢٨٥ ، ح ١١٩.

٢٣٠

قوله : «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام» ، و «كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» كانت دالة على ارتفاعه عند حصولها ، لانسباق ذلك منها ، كما لا يخفى ، وكونه (١) قضية تقييده بها ، وإلا لما كان ما جعل غاية له بغاية ، وهو واضح إلى النهاية.

______________________________________________________

وأخرى : تكون بحسبها قيدا للموضوع ، يعني به : متعلق الحكم كالسير في قولك : «سر من البصرة إلى الكوفة».

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الغاية تدل على المفهوم ـ وهو انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الغاية ـ فيما إذا كانت قيدا للحكم كما في الخبرين المذكورين في المتن ، حيث إن الغاية فيهما وهو قوله : «عليه‌السلام» «حتى تعرف أنه حرام» ، و «حتى تعلم أنه قذر» قيد للحكم أعني : الحلية والطهارة ، لاتصالهما بالحلال والطاهر ، فكأنه قيل : إن هذين الحكمين منوطان بعدم العلم بالحرمة والقذارة ، فإذا علمتا ارتفعت الحلية والطهارة الثابتتان للمنطوق ؛ إذ العلم بهما غاية لهما ، فإذا حصل ارتفعتا.

والوجه في ارتفاعهما بحصول الغاية هو : التبادر لأن المتبادر من جعل شيء غاية لحكم هو ارتفاعه بحصول ذلك الشيء ، كارتفاع وجوب الصوم بمجيء غايته ـ وهي الليل ـ إذ لو لم يرتفع به لزم أن لا يكون ما جعل غاية وآخرا للحكم غاية له ، وهو خلف.

هذا بخلاف ما إذا كانت الغاية قيدا للموضوع بحسب القواعد العربية ، فلا تدل على المفهوم أعني : انتفاء سنخ الحكم بحصول الغاية ؛ بل يكون انتفاؤه بحصولها عقليا من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

فالحاصل : أن الغاية إذا كانت قيدا للموضوع فهي كالوصف في عدم الدلالة على المفهوم.

(١) أي : لكون ارتفاع الحكم بحصول الغاية مقتضى تقييده بالغاية ، و «كونه» عطف على «انسباق».

وحاصل الكلام في المقام : أن مقتضى تقييد الحكم بالغاية هو ارتفاع الحكم عند حصولها وهو المفهوم ، «وإلا» أي : وإن لم تكن قضية التقييد بالغاية ارتفاع الحكم عند حصولها الذي هو المفهوم لزم الخلف ، وهو عدم كون ما جعل غاية للحكم غاية له ؛ إذ مع عدم ارتفاع الحكم بحصولها يكون ما جعل غاية وسطا لا غاية وآخرا ، فتتوقف غائيته على ارتفاع الحكم بحصولها.

٢٣١

وأما (١) إذا كانت بحسبها قيدا للموضوع ، مثل : (سر من البصرة إلى الكوفة (٢)) ، فحالها (٣) حال الوصف في عدم الدلالة ، وإن (٤) كان تحديده بها بملاحظة حكمه ، وتعلق الطلب به ، وقضيته ليس إلا عدم الحكم فيها إلا بالمغيّا ، من دون دلالة لها أصلا على انتفاء سنخه عن غيره ، لعدم ثبوت وضع لذلك ، وعدم (٥) قرينة ملازمة لها

______________________________________________________

(١) عطف على قوله : «إذا كانت» يعني : وأما إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيدا للموضوع فلا تدل على المفهوم ، كما عرفت.

(٢) فإلى غاية وقيد للموضوع ، لا لوجوب السير ، فكأنه قيل : «السير المتصف بكون أوّله البصرة وآخره الكوفة واجب» ، حيث إن «من وإلى» متعلقان بمادة «سر» لا بهيئته ، إذ ليس ما بين مبدأ السير ومنتهاه مكانا للحكم ، فلا يصح تعلقهما بالهيئة. هذا مضافا إلى أن المتبادر من معنى الجملة المذكورة هو : أن السير بين الحدين متعلق الوجوب.

(٣) جواب «أما» في قوله : «وأما إذا كانت ..» إلخ ومعنى العبارة : أنه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيدا للموضوع فحال الغاية حينئذ حال الوصف في عدم الدلالة على المفهوم ، وأن المنفي بحصول الغاية ـ كالمنفي بانتفاء الوصف ـ هو شخص الحكم لا سنخه ، الذي هو المطلوب في المفهوم.

(٤) كلمة «إن» وصلية يعني : وإن كان تحديد الموضوع بالغاية وتقييده بها موجبا لانتفاء الحكم بحصول الغاية ، لكنه ليس من باب المفهوم ؛ لأنه من انتفاء الحكم الشخصي بارتفاع موضوعه ، لا من ارتفاع سنخ الحكم الذي هو المفهوم. وكيف كان ؛ فمحل النزاع ما إذا كانت الغاية غاية للحكم ، لا للموضوع ، كما هو الظاهر من لفظ الغاية ؛ إذ لو أريد تحديد الموضوع كان المناسب ذكره وصفا لا غاية.

والمتحصل : أن تحديد الموضوع بالغاية وإن كان هو بملاحظة حكم الموضوع ، ويكون مرجعه إلى تحديد الحكم بها إلا إنه لا تدل على ارتفاع سنخ الحكم بحصولها ، ومقتضى تحديد الموضوع بالغاية ليس إلا عدم الحكم في القضية إلا بالمغيّا ، من دون دلالة لها على المفهوم وارتفاع سنخ الحكم بحصول الغاية. فالضمير في قوله : «فيها» يرجع إلى القضية.

قوله : «لعدم ثبوت وضع لذلك» تعليل لعدم الدلالة وحاصله : عدم ثبوت وضع لدلالة الغاية التي تكون قيدا للموضوع على انتفاء سنخ الحكم عن غير المغيّى ، والأولى أن يقول : لها بدل «لذلك».

(٥) عطف على «عدم» في قوله : «لعدم ثبوت ..» إلخ يعني : ولعدم قرينة ملازمة للدلالة على انتفاء سنخ الحكم عن غير المغيّى ، ولو كانت الملازمة غالبية ؛ بحيث دلت

٢٣٢

ولو غالبا (١) ، دلت على اختصاص الحكم به ، وفائدة التحديد بها كسائر أنحاء التقييد ، غير منحصرة بإفادته كما مر في الوصف.

ثم إنه في الغاية خلاف آخر (٢) ـ كما أشرنا إليه ـ وهو أنها هل هي داخلة في

______________________________________________________

تلك القرينة على اختصاص الحكم بالمغيّا ، بأن تكون الغاية علة منحصرة ، فغرض المصنف من قوله : «لعدم ثبوت. وعدم قرينة ..» إلخ نفي ما يوجب الدلالة على المفهوم من وضع الغاية له ، أو قرينة دالة عليه ، كما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٤٢٠».

(١) كلمة لو وصلية ، قوله : «ولو غالبا» قيد لقوله : «ملازمة». ومعنى العبارة : ولو كانت القرينة ملازمة لدلالة الغاية على المفهوم غالبية لا دائمية. وضمير «لها» يرجع إلى الدلالة.

قوله : «دلت» صفة لقرينة ، وضمير «به» راجع إلى المغيّى ، يعني : عدم قرينة دلت على اختصاص الحكم بالمغيّا بأن تكون الغاية علة منحصرة مستتبعة للمفهوم.

قوله : «وفائدة التحديد بها» دفع لتوهم دلالة الغاية على المفهوم من جهة لزوم اللغوية ، لو لا دلالتها على المفهوم وانتفاء الحكم عن غير المغيّى.

وحاصل الدفع : أن محذور اللغوية إنما هو فيما إذا انحصرت فائدة الغاية في دلالتها على المفهوم ، وأما مع عدم الانحصار ووجود فوائد أخرى لها التي تخرجها عن اللغوية : فلا وجه للالتزام بالمفهوم لها ، إذ للغاية فوائد كثيرة كشدة الاهتمام بما قبل الغاية في قولك : «أكثر قراءة القرآن إلى سلخ رمضان» ، أو دفع توهم انتفاء الحكم قبل الغاية في قولك : «أحسن إلى عدوك حتى يحبك».

هل الغاية داخلة في المغيّى أم لا؟

(٢) وقد ذكرنا في أول البحث أن في الغاية خلافين :

أما الخلاف الأول : ففي دلالتها على المفهوم ، وعدم دلالتها عليه.

وأما الخلاف الثاني : هو في بيان أن الغاية داخلة في المغيّى بحسب الحكم حتى يكون الليل الذي جعل غاية للصوم الواجب داخلا في المغيّى ، فيجب صوم الليل كالنهار ، أم خارجة عنه فلا يجب الصوم في الليل. والأظهر عند المصنف : خروج الغاية ، فلا يجب صوم الليل لكون الغاية من حدود المغيّى ، والحد خارج عن المحدود ، كما يقال في العرف : إن حد المسجد هو الشارع العام ، وهو خارج عن المسجد.

وكيف كان ؛ فالغاية ـ بمعنى : مدخول إلى وحتى ـ خارجة عن المغيّى على ما هو

٢٣٣

المغيّى بحسب الحكم ، أو خارجة عنه؟ والأظهر : خروجها لكونها من حدوده فلا تكون محكومة بحكمه ، ودخولها (١) فيه في بعض الموارد إنما يكون بالقرينة ، وعليه (٢) : تكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول ، كما أنه على القول الآخر (٣) تكون محكومة بالحكم منطوقا ، ثم لا يخفى : إن هذا الخلاف (٤) لا يكاد يعقل جريانه فيما إذا كان قيدا للحكم فلا تغفل.

______________________________________________________

الأظهر عند المصنف «قدس‌سره» ، لكونها من حدود المغيّى ، والحد خارج عن المحدود.

(١) أي : دخول الغاية في المغيّى في بعض الموارد نحو :

ألقى الصحيفة كي يخفف رحله

والزاد حتى نعله ألقاها

إنما يكون بالقرينة الخاصة لا بالقرينة العامة حتى توجب ظهور الغاية في الدخول.

(٢) يعني : وبناء على خروج الغاية عن المغيّى تكون الغاية كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول ؛ وهو الخلاف في دلالة الغاية على المفهوم وعدمها. فإن قلنا في الخلاف السابق : بالمفهوم وارتفاع سنخ الحكم بحصول الغاية فالحكم مرتفع عنها كما بعدها. وإن قلنا : بعدم دلالة الغاية على المفهوم فلا دليل على كونها محكومة بحكم المغيّى ، بل هي ساكتة عن نفسها كما بعدها ، بل لا يمكن أن تكون محكومة بحكم المنطوق ـ أي : المغيّى ـ ويمكن أن تكون محكومة بضده.

(٣) أي : على القول بدخول الغاية في المغيّى ، تكون الغاية محكومة بحكم المنطوق بالدلالة المنطوقية ، فعلى القول بالمفهوم يكون محل الحكم المفهومي ما بعد الغاية.

(٤) أي : الخلاف في دخول الغاية وعدمه. ولا يعقل جريان هذا الخلاف إذا كانت الغاية قيدا للحكم ، ووجه عدم المعقولية : أن دخول الغاية في المغيّى فيما إذا كانت الغاية قيدا للحكم مستلزم لاجتماع الضدين ، ضرورة : أنه إذا كان مثل قوله : عليه‌السلام «حتى تعلم أنه قذر» داخلا في المغيّى ـ وهو طهارة مشكوك النجاسة ـ لزم منه طهارة معلوم النجاسة ، فيلزم اجتماع الطهارة والنجاسة في معلوم النجاسة ، ولا يكون ذلك إلا اجتماع الضدين.

هذا مضافا إلى عدم السنخية بين الغاية والمغيّى ، إذ لا مناسبة بين الطهارة المشكوكة والنجاسة المعلومة ، ولا تجتمعان أصلا.

فالخلاف في دخول الغاية في المغيّى وعدمه لا بد أن يكون مورده ما إذا كانت الغاية قيدا للموضوع ، ولعل هذا ما أشار إليه بقوله : «فلا تغفل».

٢٣٤

خلاصة البحث : مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ محل النزاع : هي الغاية بمعنى نهاية الشيء لا بمعنى المسافة أو الغرض ، فيقع الكلام في مقامين ، الأول : في مفهوم الغاية ، والثاني : في دخولها في المغيّى وعدمه فيه ، بمعنى : أن الغاية ـ وهي مدخول حتى وإلى نحو : (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) ـ هل هي داخلة في المغيّى فيجب الصوم في الليل أيضا أو لا فلا يجب الصوم في الليل؟ هذا سيأتي في كلام المصنف «قدس‌سره».

٢ ـ دلالة الغاية على المفهوم وهو انتفاء سنخ الحكم عند حصول الغاية.

والتحقيق عند المصنف هو : التفصيل ، بمعنى : أنها تدل على المفهوم إذا كانت قيدا للحكم نحو : «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام» ، ولا تدل عليه إذا كانت قيدا للموضوع بحسب القواعد العربية نحو : «سر من البصرة إلى الكوفة» ، والوجه في ارتفاع الحكم بحصولها في الأول هو : التبادر لأن المتبادر من جعل شيء غاية لحكم هو : انتفاء ذلك الحكم بحصول ذلك الشيء ، وإلا لزم الخلف. هذا بخلاف ما إذا كانت قيدا للموضوع حيث يكون ارتفاع الحكم عند حصولها حينئذ عقليا من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، وليس من باب المفهوم.

٣ ـ الخلاف في دخول الغاية في المغيّى. والأظهر عند المصنف : عدم دخولها فيه ، وخروجها عنه لأن الغاية من حدود المغيّى وحد الشيء خارج عنه.

وعلى القول بخروج الغاية عن المغيّى : تكون الغاية كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول وهو الدلالة على المفهوم وعدمها ، فإن قلنا في الخلاف السابق بالمفهوم وارتفاع الحكم بحصول الغاية كان الحكم مرتفعا عنها كما بعدها. وإن قلنا بعدم المفهوم للغاية فالغاية ساكتة عن حكم نفسها كما بعدها ، فلا دليل على كونها محكومة بحكم المغيّى.

وأما على القول بدخول الغاية في المغيّى : فتكون الغاية محكومة بحكم المغيّى منطوقا.

٤ ـ عدم معقولية الخلاف الثاني ـ أعني : الخلاف في دخول الغاية في المغيّى وعدمه

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فيه ـ فيما إذا كانت الغاية قيدا للحكم ، ووجه عدم جريان الخلاف هو : محذور لزوم اجتماع الضدين كما عرفت.

فالخلاف في دخولها في المغيّى وعدمه لا بد أن يكون مورده : ما إذا كانت قيدا للموضوع.

٥ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ أن للغاية مفهوم إذا كانت قيدا للحكم ، دون ما إذا كانت قيدا للموضوع.

٢ ـ الغاية خارجة عن المغيّى.

٢٣٦

فصل

لا شبهة في دلالة الاستثناء (١) على اختصاص الحكم سلبا أو إيجابا بالمستثنى منه (٢).

ولا يعم (٣) المستثنى ، ولذلك (٤) يكون الاستثناء من النفي إثباتا ، ومن الإثبات نفيا ،

______________________________________________________

مفهوم الحصر

(١) الكلام في أداة الحصر منها : كلمة «إلا» ، وقبل الخوض في البحث لا بد من تحرير محل النزاع في الحصر بكلمة «إلا» فيقال : إن محل النزاع ما إذا استعملت كلمة «إلا» بمعنى الاستثناء ، لا ما إذا استعملت صفة بمعنى الغير نحو : «لا إله إلا الله» أي : غير الله تعالى.

ثم محل النزاع : ما إذا كان مفاد الاستثناء انتفاء سنخ الحكم ونوعه عن المستثنى منه ، لا انتفاء شخص الحكم الذي أنشأه المتكلم ، حيث إنه مختص بالمستثنى منه بلا كلام ؛ لأن مفاد الاستثناء هو : تضييق دائرة موضوع الحكم ، والحكم لا يشمل إلا موضوعه.

وكذا محل الحكم المفهومي ـ على القول بالمفهوم ـ هو طرف المستثنى لا المستثنى منه ؛ إذ لا شك في أن حكم المستثنى منه إنما هو بالمنطوق لا بالمفهوم.

(٢) يعني : اختصاص سنخ الحكم ونوعه لا شخصه ؛ لما مر غير مرة من أن المدار في المفهوم هو : ارتفاع السنخ لا الشخص ، سواء كان الحكم سلبا نحو : لا تكرم الأمراء إلا عادلهم ، أو إيجابا نحو : «أكرم العلماء إلا فساقهم» يعني : لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص حرمة إكرام الأمراء ، بالمستثنى منه ، وانتفائها عن المستثنى في المثال الأول ، واختصاص وجوب إكرام العلماء بالمستثنى منه ، وانتفاؤه عن المستثنى في المثال الثاني.

(٣) الأولى تبديل «ولا يعم» ب «وانتفائه عن المستثنى» ، وذلك قوله : «ولا يعم» أعم من عدم البيان وبيان العدم ، ومن المعلوم : أن المقصود هنا هو الثاني ؛ إذ المفروض : دعوى دلالة الاستثناء على انتفاء حكم المستثنى منه عن المستثنى ، فعدم الشمول إنما هو لبيان العدم ، لا لقصور في الشمول ، بداهة : أن المستثنى منه بطبعه يشمل المستثنى موضوعا وحكما ، إلّا إن الاستثناء يدل على انتفاء حكم المستثنى منه عن المستثنى ، ولذا يكون الاستثناء من النفي إثباتا ، ومن الإثبات نفيا ، كما في هامش «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٤٢٦».

(٤) أي : لدلالة الاستثناء على اختصاص الحكم بالمستثنى منه يكون الاستثناء من

٢٣٧

وذلك (١) للانسباق عند الإطلاق قطعا ، فلا يعبأ بما عن أبي حنيفة من عدم الإفادة محتجا بمثل : «لا صلاة إلا بطهور» (*).

______________________________________________________

النفي إثباتا ، ومن الإثبات نفيا ، كما هو مقتضى الاختصاص.

(١) هذا استدلال من المصنف على مدعاه بالتبادر إلى الأذهان من إطلاق أداة الاستثناء ، وتجردها عن القرينة الدالة على هذا الاختصاص ، فلذا يقول : «وذلك» أي : الوجه في دلالة الاستثناء على الاختصاص المزبور هو التبادر ، حيث إنه لا شبهة في وجوده هنا عند أرباب المحاورة ، وهذا التبادر كاف في إثبات الاختصاص المزبور ، والدلالة على انتفاء الحكم عن المستثنى ؛ لأن التبادر معلول للوضع ، ولذا يكون من علامات الحقيقة.

فالمتحصّل : أن الاستثناء يدل بحكم التبادر على اختصاص سنخ الحكم بالمستثنى منه ، ولازمه : ثبوت نقيضه للمستثنى ، فمفاد «أكرم العلماء إلا فساقهم» هو : اختصاص سنخ وجوب الإكرام بغير فاسقهم ، فلا يجب إكرامهم. ومع وضوح هذا المعنى ـ في الاستثناء ـ ذهب أبو حنيفة إلى عدم دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم بالمستثنى منه ، واحتجّ أبو حنيفة لمدعاه بمثل : «لا صلاة إلا بطهور» بتقريب : أن الاستثناء لو كان دالا على اختصاص الحكم بالمستثنى منه وانتفائه عن المستثنى لكان دالا على أن صلاة فاقد الطهور ليست بصلاة مطلقا أي : وإن كانت واجدة لما عدا الطهور من الأجزاء ، والشرائط ، والواجدة له صلاة مطلقا أي : وإن كانت فاقدة لما عداه من الأجزاء والشرائط ، والواجدة له صلاة مطلقا أي : وإن كانت فاقدة لما عداه من الأجزاء والشرائط ، وهو باطل قطعا ، ضرورة : انتفاء الصلاة بفقدان ركن من أركانها ـ كالركوع ـ مع وجود الطهور ، فهذا كاشف عن عدم دلالة الاستثناء على انتفاء حكم المستثنى منه عن المستثنى ؛ إذ مقتضى مفهوم الاستثناء : كون الطهور وحده صلاة ، وهو مما لم يقل به أحد.

وقد أجاب المصنف عن استدلال أبي حنيفة بوجهين :

الوجه الأول : ما أشار إليه بقوله : «أولا : بكون المراد من مثله».

وحاصله : أن المراد من المستثنى منه في هذا التركيب هي الصلاة التامة الجامعة لجميع الأجزاء والشرائط عدا الطهارة ؛ فالصلاة الفاقدة لها إما ليست بصلاة أصلا ـ بناء على وضع ألفاظ العبادات للصحيح ـ وإما ليست بصلاة تامة ـ بناء على وضعها للأعم ـ فالمفهوم حينئذ هو الواجد لجميع الأجزاء والشرائط حتى الطهور. وعلى هذا : فالمنطوق

__________________

(*) التهذيب ، ج ١ ، ص ٤٩ ، ح ٨٣ / الفقيه ، ج ١ ، ص ٣٣ ، ح ٦٧ / تحفة الأحوذي ، ج ١ ، ص ٩٣.

٢٣٨

ضرورة (١) : ضعف احتجاجه.

أولا : بكون المراد من مثله (٢) : أنه لا تكون الصلاة التي كانت واجدة لأجزائها وشرائطها المعتبرة فيها صلاة إلا إذا كانت واجدة للطهارة (٣) وبدونها لا تكون صلاة على وجه (٤) ، وصلاة تامة مأمورا بها على آخر (٥).

وثانيا (٦) : بأن الاستعمال مع القرينة ، كما في مثل التركيب ، مما علم فيه

______________________________________________________

هو : نفي الصلاتية عما هو واجد لجميع ما يعتبر في الصلاة إلا الطهور ، والمفهوم : إثبات الصلاتية لواجد جميع الأجزاء والشرائط حتى الطهور ، فالحكم بعدم الصلاتية مختص بالمستثنى منه وهو الواجد لجميع الأجزاء والشرائط إلا الطهور ، ومنفي عن المستثنى وهو الجامع لجميع الأجزاء والشرائط حتى الطهور ، فدلالة مثل : «لا صلاة إلا بطهور» على اختصاص الحكم ـ أعني : عدم الصلاتية ـ بالمستثنى منه وانتفائه عن المستثنى واضحة.

(١) تعليل لقوله : «فلا يعبأ» يعني : بعد ما ثبت بالتبادر دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم بالمستثنى منه ، فلا يعتنى بما عن أبي حنيفة ؛ من إنكاره هذه الدلالة. وقد تقدم توضيح استدلاله على إنكار مفهوم الاستثناء.

(٢) أي : مثله من التراكيب على اعتبار شيء شطرا أو شرطا في الصلاة كقوله «عليه وآله السلام» : «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» مثلا.

(٣) والشاهد على كون المراد هذا المعنى : أن قوله : «عليه وآله السلام» «لا صلاة إلا بطهور» قد ورد في مقام جعل الطهارة شرطا للصلاة ، ومن المعلوم : أن الصلاة التي جعلت الطهارة شرطا لها هي خصوص التامّة لا غير.

(٤) يعني : على القول بوضع ألفاظ العبادات للصحيح : فلا تكون فاقدة للطهارة صلاة.

(٥) وهو القول بوضع ألفاظ العبادات للأعم.

فالصلاة بدون الطهارة إما لا تكون صلاة ، وإما لا تكون مأمورا بها.

(٦) هذا هو الوجه الثاني من الوجهين اللذين أجاب بهما عن استدلال أبي حنيفة ، وحاصل هذا الوجه : أنه إذا ثبت بسبب القرينة عدم دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم بالمستثنى منه ، وانتفائه عن المستثنى ، لما كان ذلك قادحا في وضع أداة الاستثناء للدلالة على الاختصاص المزبور ؛ لما تقرر في محله من : إنه لا يقدح الاستعمال في المعنى المجازي مع القرينة في ظهور اللفظ في معناه الحقيقي بدون القرينة.

وخلاصة الكلام في المقام : أن عدم دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم بالمستثنى منه لا يقدح في الدلالة على الاختصاص بلا قرينة.

٢٣٩

الحال (١) لا دلالة له (٢) على مدعاه أصلا ، كما لا يخفى.

ومنه (٣) قد انقدح : إنه لا موقع للاستدلال على المدعي بقبول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إسلام من قال كلمة التوحيد ؛ لإمكان دعوى أن دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال.

والإشكال في دلالتها عليه (٤) : بأن خبر لا إما يقدّر ممكن أو موجود ، وعلى كل تقدير لا دلالة لها عليه.

______________________________________________________

وكيف كان ؛ فقد علم مما ذكر : أن أدوات الاستثناء قد وضعت لاختصاص الحكم بالمستثنى منه ، واستعمالها في غير الاختصاص المذكور مجاز لغوي ، فلا دلالة لهذا الاستعمال على مدعى أبي حنيفة وهو عدم الدلالة على الاختصاص.

(١) يعني : عدم دلالة الاستثناء على الاختصاص.

(٢) أي : لا دلالة للاستعمال في المعنى المجازي على ما يدعيه أبو حنيفة ؛ من عدم دلالة الاستثناء على الاختصاص ، فقوله : «لا دلالة» خبر قوله : «بأن الاستعمال مع القرينة» ، ومعنى العبارة حينئذ : إن استعمال أداة الاستثناء مع القرينة في المعنى المجازي لا يدل على ما يدعيه أبو حنيفة من عدم دلالة الاستثناء على الاختصاص.

(٣) أي : من الجواب الثاني عن استدلال أبي حنيفة ـ وهو كون الاستعمال المجازي مع القرينة غير قادح في دلالة الاستثناء وضعا على الاختصاص ـ قد ظهر «إنه لا موقع للاستدلال على المدعي» وهو دلالة الاستثناء على الاختصاص.

ومقصود المصنف من هذا الكلام هو : التعريض بمن استدل بكلمة التوحيد على دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم بالمستثنى منه ، وانتفائه عن المستثنى.

(٤) أي : الإشكال في دلالة كلمة الإخلاص على التوحيد.

تقريب الإشكال على الاستدلال بكلمة الإخلاص على التوحيد يتوقف على مقدمة وهي : أن المراد من التوحيد هو إثبات وجود إله واحد وهو الله «تبارك وتعالى» ، وامتناع غيره.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : إن كلمة الإخلاص أعني : لا إله إلا الله لا تدل على التوحيد ، سواء كان الخبر المقدر لكلمة «لا» النافية للجنس هو لفظ «ممكن» أو «موجود».

وأمّا على الأول فلا تدل كلمة الإخلاص إلا على إمكانه تعالى ؛ إذ معناها حينئذ : لا إله بممكن إلا الله ، فالمستثنى منه هي نفي الإمكان ، والمستثنى هو : ثبوت الإمكان ، ومن المعلوم : إن الإمكان لا يستلزم الوجود والفعلية ؛ لأن الإمكان أعم من الوجود ، والأعم لا يدل على الأخص ، فكلمة الإخلاص لا تدل على وجوده تعالى فعلا فضلا عن توحيده.

٢٤٠