دروس في الكفاية - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٧

السبب الواحد ، بخلاف الأول ، لكون (١) كل منها سببا فلا وجه لتداخلها ، وهو فاسد ، فإن قضية إطلاق الشرط في مثل إذا بلت فتوضأ هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرات ، وإلا فالأجناس المختلفة لا بد من رجوعها إلى واحد ، فيما جعلت شروطا وأسبابا لواحد ، لما مرت إليه الإشارة من أن الأشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد ، هذا كله فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدد.

______________________________________________________

مستقل للحكم ، له أثر مستقل ، فلا وجه للتداخل بخلاف الشروط المتحدة جنسا ، فإنه لا بد من التداخل فيها ، ولا يصح نفي التداخل بعموم اللفظ ، وهذا التوهم فاسد كما أشار إليه بقوله : «وهو فاسد» ، لأن مقتضى إطلاق الشرط في مثل : «إذا بلت فتوضأ» هو حدوث الوجوب للوضوء عند كل مرة إذا بال المكلف مرتين أو مرات على طبق الشرطين المختلفين جنسا كالنوم والبول ، وإن لم يكن الأمر كذلك فيقال : يجب في الشروط المختلفة ـ كالنوم والبول والجنابة مثلا ـ أن يرجع إلى قدر جامع بينها يكون هو الشرط والمؤثر واقعا ، فلا بد من القول بالتداخل ، لاستحالة صدور الواحد عن المتعدد ؛ بل لا يصدر الواحد إلا من الواحد كما هو المعروف بين الفلاسفة.

فإذا قال الحلي بالتداخل : فليقل به في كلا الموردين ، وإذا قال بعدمه : فليقل به فيهما ، فلا يصح التفكيك بينهما.

وهذا البحث إنما يصح فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتكرار والتعدد كالوضوء والغسل والتيمم مثلا ، وأما ما لا يكون قابلا للتعدد : فلا بد من القول بتداخل الأسباب ، بأن تكون الأسباب المتعددة سببا واحدا لئلا يلزم اجتماع العلل المتعددة على المعلول الواحد ، ومعنى رجوع الأسباب المتعددة إلى سبب واحد هو : كون المؤثر هو الجامع بينها المنطبق على الجميع.

(١) تعليل لتعدد الجزاء ، وحاصله : أن كل قضية تقتضي جزاء مستقلا ، فقوله : «إذا نمت فتوضأ ، وإذا بلت فتوضأ» يدل على وجوب وضوء عقيب كل من الشرطين المختلفين حقيقة ، فإن صرف الوجود من كل شرط يقتضي جزاء على حدة.

هذا ما أشار إليه بقوله : «فلا وجه لتداخلها» أي : فلا وجه لتداخل الأجناس إذا كانت الشروط من الأجناس المختلفة.

قوله : «فإن قضية» تقريب لفساد التوهم المزبور ، وقد عرفت ذلك ، فلا حاجة إلى التكرار. وفي المقام بحث طويل أضربنا عنه تجنبا عن التطويل الممل.

٢٠١

وأما ما لا يكون قابلا لذلك (١) : فلا بد من تداخل الأسباب فيما لا يتأكد المسبب ، ومن التداخل فيه (٢) فيما يتأكد.

______________________________________________________

(١) كما إذا قال : «إذا ارتد زيد فاقتله ، وإن لاط فاقتله» ، حيث لا يكون القتل قابلا للتكرار ، «فلا بد من تداخل الأسباب» ، لئلا يلزم اجتماع العلل المتعددة على المعلول الواحد.

(٢) أي : لا بد من التداخل في المسبب فيما يتأكد ، مثل تأكد الوجوب الأول بالوجوب الثاني في بعض الأمثلة. ومن أمثلة تأكد المسبب : كما لو مات في البئر حيوانان ، فإن النجاسة وإن لم تكن قابلة للتعدد إلا إنها قابلة للتاكد ، كما ذهب إليه قدماء الأصحاب.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ إنه لا خلاف في استعمال القضية الشرطية وإرادة الانتفاء عند الانتفاء منها ـ وهو المفهوم ـ وإنما الخلاف في كون هذا الاستعمال بالوضع أو بقرينة عامة كمقدمات الحكمة ، بحيث لا بد من الحمل على المفهوم لو لم تقم قرينة على خلافه من حال أو مقام.

ودلالة الشرطية على المفهوم مبنية على أمور :

الأول : أن يكون الشرط راجعا إلى مفاد الهيئة ، بأن يكون مفاد الشرطية تعليق مضمون جملة على جملة أخرى ؛ بأن يكون ترتب الجزاء على الشرط من قبيل ترتب المعلول على علته المنحصرة.

الثاني : أن تكون الملازمة بين الشرط والجزاء ثابتة.

الثالث : أن تكون الشرطية ظاهرة في أن ترتب الجزاء على الشرط ترتب المعلول على العلة.

الرابع : أن تكون الشرطية ظاهرة في كون الشرط علة منحصرة.

فعلى القائل بالمفهوم إثبات هذه الأمور حتى تمت دلالتها عليه.

وأما القائل بعدم الدلالة : فلا يحتاج إلى إقامة الدليل ، بل يكفي له منع دلالة الشرطية على المفهوم بعدم ثبوت واحد من هذه الأمور بأن يقول بمنع الملازمة ، أو منع ظهور الشرطية في ترتب الجزاء على الشرط ، أو منع ظهورها في كون الترتب من قبيل الترتب على علته المنحصرة.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

٢ ـ هناك وجوه استدل بها على المفهوم :

الأول : دعوى تبادر اللزوم والترتب على العلة المنحصرة من الشرطية.

وحاصل الجواب عن هذه الدعوى : أن هذه الدعوى مع كثرة استعمالها في الترتب على العلة الغير المنحصرة بل في مطلق اللزوم بعيدة ؛ إذ كيف تصح هذه الدعوى مع كون الاستعمال في مطلق اللزوم والترتب على نحو العلة الغير المنحصرة والعلة المنحصرة على نهج واحد وليس استعمالها في مطلق اللزوم بالعناية والمجاز.

وعليه : فليس لها مفهوم في جميع موارد استعمالها ؛ بل لها مفهوم في بعض الموارد لوجود الأمور المقومة للمفهوم.

الثاني : ما أشار إليه بقوله : «وأما دعوى الدلالة بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومية إلى ما هو أكمل أفرادها» ، وهو اللزوم على نحو الترتب على العلة المنحصرة ؛ لأنه أكمل أفراد العلاقة اللزومية ، فيثبت المفهوم لأجل هذا اللزوم.

إلا إن هذه الدعوى فاسدة بوجوه :

١ ـ أن الموجب للانصراف المفيد للإطلاق هو أنس اللفظ بالمعنى الناشئ عن كثرة الاستعمال دون الأكملية.

٢ ـ أن الانصراف المزبور بعد تسليم كون الأكملية موجبة له ممنوع في خصوص المقام ، لانتفاء ما يعتبر في الانصراف من كون الفرد المنصرف إليه هو الغالب من حيث الاستعمال ، وليس الأمر في المقام كذلك.

٣ ـ منع أكملية اللزوم الثابت بين العلة المنحصرة ومعلولها ، من اللزوم بين العلة الغير منحصرة ومعلولها ..

وكيف كان ؛ فالانحصار لا يوجب أن يكون بين العلة المنحصرة ومعلولها أقوى من الربط بين العلة الغير المنحصرة ومعلولها.

الثالث : ما أشار إليه بقوله : «إن قلت : نعم ، ولكنه قضية الإطلاق بمقدمات الحكمة». تقريب هذا الوجه الثالث على المفهوم أن يقال : إن ما تقدم من عدم دلالة الشرطية بالوضع على انحصار العلة في الشرط وإن كان صحيحا إلّا إن مقتضى مقدمات الحكمة هو الانحصار ؛ إذ لو كان هناك شرط آخر لكان على المتكلم بيانه فيقول : بدل «إن جاءك زيد فأكرمه» : «إن جاءك زيد أو أرسل كتابا فأكرمه» ، فعدم بيان العدل مع كونه في مقام البيان يقتضي كون الشرط علة منحصرة ، فيستفاد المفهوم حينئذ من الإطلاق.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وحاصل جواب المصنف : أن التمسك بالإطلاق لإثبات انحصار العلة في الشرط المذكور في القضية الشرطية إنما يتم فيما جرت فيه مقدمات الحكمة ؛ بأن يكون قابلا للإطلاق والتقييد ، وليس معنى أدوات الشرط قابلا للتقييد لأنها حروف. وثانيا إن تعيّن اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها من بين أنحاء اللزوم بلا معيّن.

وقياسه بتعيّن الوجوب النفسي بإطلاق صيغة الأمر قياس مع الفرق. والفرق : أن الوجوب النفسي ثابت على كل حال ، والوجوب الغيري ثابت على تقدير وجوب آخر فيحتاج إلى بيان.

هذا بخلاف اللزوم والترتب ، فإن كل قسم من أقسام اللزوم يحتاج في تعيّنه إلى بيان وقرينة بلا تفاوت بينها أصلا.

الرابع : ما أشار إليه بقوله : «ثم إنه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط ، بتقريب أنه لو لم يكن منحصرا يلزم تقييده» ، فعند الإطلاق يعلم أنه يؤثر مطلقا فيكون علة منحصرة.

وحاصل الجواب عن هذا الوجه الرابع : أنه لو تم الإطلاق لدل على المفهوم ، ولكن الكلام في تماميته ؛ إذ محل الكلام هو الإطلاق الأحوالي والمقامي ، لا الإطلاق اللفظي بأن يكون المتكلم في مقام بيان حدود العلة ، ولم يعلم كون المتكلم في بيان انحصار الشرط ، غاية ما علم أنه في مقام بيان كون الجزاء مترتبا على الشرط ؛ من دون بيان كون الترتب عليه بنحو العلة المنحصرة.

فالنتيجة : أنه لم يقم دليل على وضع أدوات الشرط للخصوصية المستلزمة للمفهوم.

٣ ـ «أما توهم : أنه قضية إطلاق الشرط» ، يعني : مقتضى إطلاق الشرط هو : تعيّن الشرط في التأثير ، ولازم تعيّنه كذلك هو : الانتفاء عند الانتفاء ، كما أن مقتضى إطلاق الأمر هو تعيّن الوجوب التعييني في مقابل الوجوب التخييري.

توضيح ذلك : أن الإطلاق في المقام يمكن أن يكون نافيا للانضمام الذي يقتضيه العطف بالواو ، ويعبر عنه بالإطلاق الواوي ، ويمكن أن يكون نافيا للعدل الذي يقتضيه العطف بأو ويعبر عنه بالإطلاق الأوي ، والفرق بين هذا الإطلاق والإطلاق المتقدم الذي تقدم في قوله : «ربما يتمسك ..» إلخ هو : أن الإطلاق هناك هو الإطلاق الواوي والإطلاق هنا هو الإطلاق الأوي ، فيكون مثبتا لتعيّن الشرط في العلة والمؤثرية ، ونافيا لوجود عدل للشرط ، نظير إطلاق صيغة الأمر حيث كان نافيا للعدل ومثبتا للوجوب

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

التعييني ـ وكيف كان ؛ فمقتضى الإطلاق هو : عدم عدل للشرط ، فيكون علة منحصرة للجزاء ، فينتفي الجزاء عند انتفاء الشرط وهو المفهوم.

وحاصل ما أفاده المصنف في الجواب عن هذا التوهم هو : فساد قياس العلة المنحصرة بالوجوب التعييني ، لكونه مع الفارق ، والفرق بينهما : أن الوجوب التعييني مغاير للوجوب التخييري ثبوتا وإثباتا.

أما ثبوتا : فلأن مصلحة الوجوب التعييني غير مصلحة الوجوب التخييري حيث إن المصلحة في الأول قائمة بنفس الواجب ، وفي الثاني قائمة بالجامع بين أمرين أو أمور.

وأما إثباتا : فلأن دليل الوجوب التخييري متضمن لبيان العدل ، بخلاف الوجوب التعييني ، حيث لا يحتاج إلى بيان أمر زائد على بيان أصل الوجوب.

هذا بخلاف العلة المنحصرة وغيرها ، فإنه لا تفاوت بينهما في التأثير في المعلول ؛ لأن الشرط في المشروط بنحو واحد ، سواء كان الشرط واحدا أو متعددا ، فالشرطية المنتزعة عن خصوصية ذاتية قائمة بالشرط الواحد والمتعدد على وزان واحد ، لا أنها قائمة بالواحد تعيينا وبالمتعدد تخييرا حتى يكون الإطلاق مقتضيا للأول ، وكان نظير إطلاق صيغة الأمر.

فالمتحصل : أنه ليست الشرطية في الشرط المتحد مغايرة للشرطية في الشرط المتعدد ؛ بل كلتاهما على نحو واحد ، فثبت بطلان قياس العلة المنحصرة بالوجوب التعييني.

٤ ـ أدلة المنكرين للمفهوم :

الأول : ما نسب إلى السيد المرتضى حيث قال في مقام الاستدلال : إن فائدة الشرط هو تعليق حكم الجزاء به فقط ، كتعليق وجوب الإكرام بالمجيء في قولك : «إن جاءك زيد فأكرمه» ، ومعناه : ثبوت وجوب الإكرام عند ثبوت المجيء ، ولا يدل على انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط ـ لإمكان قيام شرط آخر مقام هذا الشرط ـ إذ ليس من الممتنع أن يكون للحكم في الجزاء شروط متعددة ينوب بعضها عن بعض ، فتعليق الحكم بالشرط لا يدل على المفهوم أعني : الانتفاء عند الانتفاء ، إذ يمكن أن يخلفه شرط آخر.

وحاصل جواب المصنف : أن مراد السيد المرتضى بإمكان نيابة بعض الشروط عن بعض إن كان إمكانها بحسب مقام الثبوت فهو صحيح ، ولا ينكره المدعي للمفهوم ، وإنما يدعي المفهوم في مقام الإثبات ، ومن البديهي : أن مجرد إمكان قيام بعض الشروط عن بعض لا ينفي المفهوم بعد دلالة الشرطية على عدم قيامه مقامه في مقام الإثبات.

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أما لو كان مراده : احتمال وقوع شرط آخر مقام الشرط المذكور في القضية في مقام الإثبات ، ففيه : أن مجرد هذا الاحتمال لا يضر بدعوى القائل بالمفهوم ، لأنه يدعي عدم قيام شرط آخر مقام الشرط المذكور ، وظهور الشرطية في الانتفاء عند الانتفاء.

الثاني : ما أشار إليه بقوله : «وثانيها : أنه لو دل لكان بإحدى الدلالات» ، فيقال في تقريب الاستدلال بالقياس الاستثنائي : أنه لو دل الشرط على المفهوم لكان بإحدى الدلالات الثلاث ـ المطابقة أو التضمن أو الالتزام ـ والتالي باطل فالمقدم مثله ، والملازمة ثابتة لانحصار الدلالة اللفظية في الدلالات الثلاث. وأما بطلان التالي : فلأن الانتفاء عند الانتفاء ليس مدلولا مطابقيا ولا تضمنيا ولا التزاميا للقضية الشرطية ، فالنتيجة هي : عدم الدلالة على المفهوم.

وحاصل جواب المصنف عن هذا الاستدلال : أن الشرط وإن كان لم يدل على المفهوم بالمطابقة أو التضمن إلّا إنه يدل عليه بالالتزام ، فالمفهوم مدلول التزامي للشرطية ، إذ لازم الثبوت عند الثبوت هو الانتفاء عند الانتفاء ، وإلا فلا معنى لتعليق حكم الجزاء على الشرط.

الثالث : ما أشار إليه بقوله : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) ، بتقريب : أن الجملة الشرطية قد استعملت في هذه الآية المباركة ، ولا مفهوم لها ، إذ لو كان لها مفهوم لكان المعنى جواز الإكراه على البغاء حين إرادة عدم التحصن ، ومن الضرورة من الدين : حرمة الإكراه على البغاء مطلقا ، فيثبت المدعى وهو : عدم دلالة الشرطية على المفهوم.

وحاصل الجواب : أن الشرط في الآية المباركة لبيان تحقق الموضوع ، والشرط إذا كان كذلك لا مفهوم له ؛ لانتفاء الحكم حينئذ بانتفاء الموضوع ، فلا وجه للتمسك بها لنفي المفهوم أصلا ، لأن الجملة الشرطية فيها مسوقة لبيان تحقق الموضوع يعني : لا يتحقق الإكراه مع إرادة البغاء.

بقي هاهنا أمور :

٥ ـ الأمر الأول : في مقام بيان قانون أخذ المفهوم : والضابط الكلي في أخذ المفهوم هل هو انتفاء شخص الحكم الحاصل بإنشائه في القضية الشرطية ، أو انتفاء سنخ الحكم ونوعه؟

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد توهم بعض : أن المعيار فيه هو انتفاء شخص الحكم لا نوعه ؛ لأن الشرط الواقع في المنطوق إنما هو الشرط للحكم الحاصل بالإنشاء ، وما يحصل بالإنشاء هو الشخص لا النوع ، لأن الشرط في ظاهر الشرطية شرط لشخص الحكم لا لنوعه وسنخه ، ولازم ذلك هو : انتفاء الشخص بانتفاء شرطه.

وقد أورد عليه المصنف بما حاصله : من أن انتفاء شخص الحكم قطعي عقلا ، فيكون انتفاؤه بضرورة من حكم العقل من انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه ، لا من باب المفهوم ، فالحق عند المصنف : أن المعيار في كون الشرطية ذات مفهوم هو : انتفاء طبيعة الحكم المعلقة في المنطوق على الشرط ، لا شخص الحكم.

ومن هنا يظهر : أنه يعتبر في المفهوم إمكان بقاء الحكم عند ارتفاع ما علق عليه من الشرط ، بأن لا يكون الشرط مسوقا لبيان تحقق الموضوع نحو : «إن رزقت ولدا فاختنه» ، مما ينتفي الحكم بانتفاء موضوعه عقلا وكذلك الوقف أو الوصية أو النذر على الأولاد ، إذ لا يكون المال قابلا للوقف ثانيا ، وكذا الوصية والنذر ، فيكون الحكم في الموارد المذكورة شخصيا كان انتفاؤه من باب انتفاء الموضوع لا المفهوم.

إشكال ودفع : أي : الإشكال على أن المناط في المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم ونوعه بأن يقال : إن الحكم المنفي في المفهوم وإن كان يمكن أن يكون كليا كما يمكن أن يكون جزئيا ، ولكن لا نسلم أن يكون المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم ونوعه ، بل هو انتفاء شخص الحكم ، فيكون الحكم المنفي في المفهوم جزئيا.

والدفع : أن المعلق على الشرط إنما هو نفس الوجوب الذي هو مفاد الصيغة ، ومعناها ، وأما الشخص والخصوصية الناشئة من قبل استعمالها فيه لا تكاد تكون من خصوصيات معناها المستعملة فيه.

٦ ـ فساد ما في التقريرات في مقام دفع الإشكال المذكور : فلا بد أولا من ذكر ما في التقريرات في دفع الإشكال حتى يتضح فساده بما ذكره المصنف ، وخلاصة ما في التقريرات هو : الفرق بين الإنشاء مثل : «إن جاءك زيد فأكرمه» ، وبين الإخبار مثل : «إن جاءك زيد فوجب إكرامه» بأن الوجوب المنشأ بالهيئة في المثال الأول جزئي خارجي ؛ لأن المنشأ المتحقق بالإنشاء هو شخص الحكم لكونه معنى الهيئة الذي يكون جزئيا. وأما الوجوب المخبر به في المثال الثاني فهو كلي ، فانتفاء السنخ بانتفاء الشرط معقول فيه ؛ لكونه معنى المادة الذي يكون اسميا ، ولا يرد عليه الإشكال لكون الوجوب كليا لا

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

شخصيا ، وأداة الشرط قرينة على انحصار علية الشرط لسنخ الحكم لا لشخصه ، والوجه في قرينية الشرط لذلك : أنه لو كان الحكم جزئيا كان انتفاؤه بانتفاء الشرط عقليا أجنبيا عن باب المفهوم.

فالنتيجة هي : انتفاء الحكم بانتفاء الشرط مطلقا ، سواء كان جزئيا أو كليا. غاية الأمر : على الأول : يكون الانتفاء من فوائد الشرط ، وعلى الثاني : يكون من باب المفهوم.

وأما وجه فساد ما في التقريرات من دفع الإشكال المذكور : فقد ظهر مما ذكره المصنف من : أنه لا فرق بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي في الكلية ، وإنما الجزئية فيهما تكون من ناحية الاستعمال لا دخل لها في الموضوع له.

هذا وقد أورد صاحب التقريرات على ما أجيب عن الإشكال المذكور في قوله : «إشكال ودفع» بجواب يرجع إلى ما أجاب به المصنف ، من عدم الفرق بين الوجوب في الكلام الخبري والإنشائي من حيث كلية المعنى ، وقد أورد صاحب التقريرات على هذا الجواب بما حاصله : من أنه لا حاجة إلى هذا التكلف والتعسف ؛ بل الصواب في المقام ما ذكرناه في الجواب من : أن الوجوب في الكلام الإنشائي وإن كان جزئيا إلّا إن انتفاء الوجوب الكلي عند انتفاء الشرط من نتائج انحصار علة سنخ الحكم الثابت في الجزاء في الشرط ، فالتفصي عن الإشكال المذكور لا يبتني على كلية الوجوب. هذا مضافا إلى أنه لا دليل على كون الموضوع له في الإنشاء عاما كليا ، بل قام الدليل على خلافه ، حيث إن الخصوصية من حيث هي هي مستفادة من ألفاظ الإنشاء ؛ إذ الغرض منه إيجاد المنشأ في الخارج بصيغة الأمر ، فلا يستفاد الوجوب الكلي من صيغة الأمر ، لأن الشيء الموجود في الخارج جزئي وليس بكلي. هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب إيراد التقريرات على ما تفصي به عن الإشكال.

وقد ظهر : فساد ما في التقريرات بما ذكره المصنف من : أن الموضوع له في كل من الاسم والحرف كلي ، والخصوصيات ـ كالإنشائية والإخبارية ـ تكون ناشئة من الاستعمالات بلا تفاوت بين الإنشاء والخبر.

قوله : «وذلك» بيان لانقداح فساد ما في التقريرات وتعليل له.

فالمتحصل : أن الإنشاء والإخبار من حيث الكلية سيّان بلا تفاوت بينهما أصلا. فالفرق بينهما بكون المعنى جزئيا في الإنشاء وكليا في الإخبار ـ كما في التقريرات ـ غير

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وجيه بل غير صحيح ، ولذا تعجب منه المصنف وقال : «ولعمري لا يكاد ينقضي تعجبي».

٧ ـ في تعدد الشرط ووحدة الجزاء : نحو : «إذا خفي الأذان فقصر ، وإذا خفي الجدران فقصر» ، ولا إشكال على القول بعدم المفهوم حيث إن الشرط عليه هو خفاء كليهما نظرا إلى منطوق القضيتين ، فلا تعارض بينهما أصلا ، وإنما الإشكال على القول بالمفهوم ، حيث يقع التعارض بين منطوق كل منهما وبين مفهوم الأخرى ، فلا بد من التصرف فيهما بأحد وجوه أربعة :

الأول : تخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر فيقال : إذا لم يخف الأذان فلا تقصر إلا إذا خفي الجدران ، وكذا إذا لم يخف الجدران فلا تقصر إلا إذا خفي الأذان ، ولازم تخصيص المفهومين : عدم انحصار الشرط في كل من الخفاءين ، وأن كل منهما عدل للآخر.

الثاني : رفع اليد عن المفهوم فيهما ، بأن تكون القضيتان الشرطيتان كالقضية اللقبية في عدم الدلالة على المفهوم. فالنتيجة هي : إنكار المفهوم فلا يقع بينهما تعارض أصلا.

الثالث : تقييد إطلاق كل منهما بالآخر ؛ بأن تكون العلة لوجوب القصر مجموع خفاء الأذان والجدران معا ، لا كل منهما بنحو الاستقلال ، ولازم ذلك كون كل من الشرطين جزء الموضوع ، فكأنه قيل : «إذا خفي الأذان والجدران وجب القصر».

الرابع : جعل الشرط هو القدر المشترك بينهما ، وذلك لقاعدة : أن الواحد لا يصدر إلا من الواحد ، فالمؤثر في وجوب القصر هو الجامع بينهما وهو البعد الخاص عن محل السكنى ، وجعل الشارع خفاءهما علامة لذلك البعد الخاص تسهيلا على العباد. هذا بحسب مقام الثبوت. وأما بحسب مقام الإثبات : فقد أشار إلى استظهار ما هو مختاره بقوله : «ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني» وهو عدم المفهوم للشرط ، كما أن العقل ربما يعيّن الوجه الرابع نظرا إلى قاعدة : إن الواحد لا يصدر إلا من الواحد ..

قوله : «فافهم» لعله إشارة إلى عدم تمامية القاعدة العقلية ، حيث إنها لو تمت لكانت مختصة بالعلل الطبيعية في الأمور التكوينية ، فلا تجري في الأحكام التي هي من الأمور الاعتبارية.

٨ ـ في تداخل الأسباب أو المسببات أو عدمه :

لمّا فرغ المصنف عن بيان تنقيح الصغرى ، شرع في بيان تطبيق الكبرى عليها فقال :

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء نحو : «إذا بلت فتوضأ ، وإذا نمت فتوضأ» فلا إشكال على الوجه الثالث من الوجوه المتقدمة ـ في الأمر الثاني ـ وهو رفع اليد عن المفهوم في كلتا الشرطيتين.

وأما على سائر الوجوه الباقية ففيه أقوال ، وعن جماعة ـ ومنهم المحقق الخوانساري ـ التداخل ، وعليه : فلا يتعدد الجزاء ، ويكفي الإتيان به مرة واحدة. وعن الحلي : التفصيل بين اتحاد جنس الشروط كالبول مرتين أو مرات ، وبين تعدده واختلافه كالبول والنوم فيتعدد الجزاء.

وأما ما أفاده المصنف تحت عنوان : «والتحقيق» فحاصله : أن القضية الشرطية ظاهرة في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط ؛ إذ هو مقتضى علية الشرط للجزاء ، فلا بد عندئذ من الالتزام بعدم التداخل ، حيث إن التداخل مستلزم لاجتماع المثلين ، فالأخذ بظاهر الشرطية محال ، لاستلزامه اجتماع حكمين مثلين ـ كوجوبين ـ في موضوع واحد وهو الوضوء في مثل : «إذا بلت فتوضأ ، وإذا نمت فتوضأ» ، وحينئذ فلا بد من التصرف في ظاهر الشرطية ، إذ لا يمكن التفصي عن محذور اجتماع المثلين إلا بالتصرف بأحد وجوه ثلاثة :

الأول : الالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على الحدوث عند الحدوث ، ومرجع هذا الوجه إلى التصرف في ظهور الشرط في كونه علة لحدوث الجزاء ، برفع اليد عن ظهوره بذلك وإرادة ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط.

الثاني : الالتزام بكون متعلق الجزاء متعددا حقيقة ؛ وإن كان واحدا صورة ، فالوضوء في المثال المذكور وإن كان شيئا واحدا صورة إلّا إنه حقائق متعددة حسب تعدد الشرط ، فلا يلزم حينئذ اجتماع حكمين مثلين في موضوع واحد.

«إن قلت» :

وحاصل الإشكال هو : عدم اندفاع محذور اجتماع المثلين فيما إذا تصادق على المصداق الخارجي طبيعتان ـ كصدق طبيعة الإكرام وطبيعة الضيافة على الإكرام بالضيافة ـ يلزم اجتماع وجوبين في الضيافة الخارجية التي هي مصداق للطبيعتين ، فيجتمع فيها وجوبان متماثلان ، فجعل الجزاء حقائق عديدة لا يجدي في دفع إشكال اجتماع المثلين.

وحاصل الدفع : أن انطباق عنوانين واجبين على شيء واحد لا يوجب اتصافه

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بوجوبين ؛ إذ العقل لا يجوّز اجتماع المثلين في محل واحد ، فلا بد من كون هذا المصداق محكوما بوجوب واحد مؤكد. هذا مضافا إلى القول بجواز الاجتماع في شيء واحد ذي عنوانين ؛ إذ تعدد العنوان يكفي في دفع محذور اجتماع المثلين.

قوله : «فافهم» لعله إشارة إلى لزوم اجتماع المثلين حتى على القول بجواز الاجتماع ؛ إذ جوازه إنما يصح في متعدد العنوان لا في متحد العنوان كالمثال المذكور.

الثالث : الالتزام بحدوث الأثر عند وجود كل شرط ، بأن يكون الشرط الأول مؤثرا في وجود الجزاء في الجملة ، والثاني : مؤثرا في تأكده الذي هو مرتبة شديدة من مراتب وجوده ، فكل مرتبة من مراتب وجود الجزاء مستندة إلى أحد الشرطين ، مع المحافظة على ظهور الشرطية في كون موضوع الجزاء بعنوانه موضوعا للحكم ، هذا تمام الكلام في التفصي عن محذور اجتماع المثلين على القول بالتداخل.

وقد أورد المصنف على هذه الوجوه الثلاثة المتقدمة بقوله : «ولا يخفى أنه لا وجه لأن يصار إلى واحد منها» ، لأنها مجرد احتمالات في مقام الثبوت ، فلا تجدي في دفع إشكال اجتماع المثلين ما لم يقم دليل عليها في مقام الإثبات ـ ولا دليل عليها ؛ بل الدليل على خلافها ـ لأن تلك الوجوه على خلاف ظاهر الجملة الشرطية.

٩ ـ إيراد المصنف على نفسه بوجهين وجوابه عنهما :

الوجه الأول : أن وجه المصير إلى أحد الوجوه المتقدمة على القول بالتداخل مع كونها خلاف الظاهر هو لزوم الخروج عما هو ظاهر الشرطية من لزوم اجتماع المثلين المستحيل عقلا ، فيجب المصير إلى أحد الوجوه المذكورة لئلا يلزم اجتماع المثلين فليس المصير إليه بلا وجه.

وحاصل الجواب عن هذا الوجه : أن التصرف وإن كان مسلما إلا إنه لا يتعين أن يكون بأحد الوجوه المذكورة ، بل يمكن صرف الجمل الشرطية عن ظاهرها بوجه آخر وهو : أن يكون متعلق الحكم في الجزاء في إحدى الجملة الشرطية فردا ، وفي الأخرى فردا آخر ، وبهذا التصرف يرتفع محذور اجتماع المثلين مع المحافظة على ظهور الشرطية في الحدوث عند الحدوث ، بلا حاجة إلى ارتكاب إحدى التصرفات المذكورة.

الوجه الثاني : ما أشار إليه بقوله : «إن قلت : نعم لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الإطلاق» يعني : نعم يجب الحمل على تعدد الجزاء بتعدد الفرد ، حتى لا

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

يحتاج إلى التصرفات المذكورة لو لم يكن فرض تعدد الفرض على خلاف إطلاق مادة الجزاء ، وأما لو كان على خلاف الإطلاق فالواجب هو التحفظ على الإطلاق ، والذهاب إلى ارتكاب إحدى التصرفات المذكورة ، فجعل متعلق الحكم في الجزاء الفرد خلاف الظاهر أيضا ؛ إذ ظاهر إطلاق مادة الجزاء هو : وجوب مطلق الوضوء ، لا وجوب وضوء آخر ، فهذا الاحتمال كالاحتمالات السابقة مما لا يصار إليه ، لكونه خلاف الظاهر.

وحاصل الجواب عنه : هو منع الإطلاق المذكور ، المقتضي لتعلق الحكم بطبيعة الجزاء ؛ لأن الإطلاق يتوقف على تمامية مقدمات الحكمة منها عدم ما يصلح للبيانية ، ومن المعلوم : كون ظهور الشرطية في حدوث الجزاء عند وجود الشرط المستلزم لتعدد أفراد الجزاء عند تعدد الشرط بيانا ، فيكون مانعا عن انعقاد الإطلاق الموجب لإرادة الطبيعة في الجزاء.

١٠ ـ ردّ ما نسب إلى الفخر وغيره ، من ابتناء القول بالتداخل على المعرفية وعدمه على المؤثرية ، بتقريب : أنه يجوز أن يكون لشيء واحد معرفات عديدة وعلامات متعددة ، ولا يجوز أن يكون لشيء واحد مؤثرات كثيرة ؛ لاستحالة توارد المؤثرين المستقلين على أثر واحد ، وعليه : فلا بد من الالتزام بالتداخل على المعرفية ، وبعدم التداخل بناء على المؤثرية.

وقد أفاد المصنف في ردّ كلام الفخر بما حاصله : أن كلام الفخر مخدوش بوجهين :

الأول : ما أشار إليه بقوله : «وقد انقدح مما ذكرناه أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التي ذكرناها».

الثاني : ما أشار إليه بقوله : «مع إن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها».

وخلاصة الكلام في الوجه الأول هو : أن مجرد معرفية الأسباب الشرعية لا تقتضي المصير إلى التداخل ؛ لإمكان معرفية الأسباب الشرعية المتعددة لأسباب حقيقية متعددة ، ويكفي في إرادة احتمال تعدد السبب الحقيقي من الأسباب الشرعية المتعددة : ظهور الشرطية في تعدد المسبب عند تعدد السبب ؛ إذ تعدد الكاشف مستلزم لتعدد المنكشف ، فحينئذ مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا يوجب القول بالتداخل.

وأما خلاصة الوجه الثاني : فلأنه لا فرق بين السبب الشرعي والعرفي ، فإنهما قد يكونان كاشفين ، كما في قوله : «إذا لبس الأمير أصفر فاحذره ، وإذا أذّن المؤذن فصل» ،

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يكونان مؤثرين كما في نحو : «إن غضب الأمير فاحذره ، وإن كثر الماء لا ينفعل بالملاقاة» ، فلا أصل لما اشتهر من أن الأسباب الشرعية معرفات ، بل هي على نوعين كما عرفت ، فجعل الأسباب الشرعية معرفات دائما مما لا وجه له أصلا.

قوله : «نعم لو كان المراد بالمعرفية ..» إلخ استدراك على الوجه الثاني الذي أفاده بقوله : «مع إن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها».

وحاصل الاستدراك : أن المعرف في الأسباب الشرعية إن أريد به ما لا يكون ملاكا للحكم أعني : به المصالح والمفاسد ، التي هي من الخواص الثابتة في الأشياء فله وجه ؛ إذ حينئذ لا مانع من دعوى الإيجاب الكلي وهو كون الأسباب الشرعية طرّا معرفات ، بمعنى : عدم كونها مصالح ومفاسد ؛ ولكنه لا يجدي فيما أفاده الفخر من ابتناء القول بالتداخل على المعرفية ؛ لأن المراد بالمعرف حينئذ هو موضوع الحكم الشرعي ، وكل موضوع يقتضي حكما ، وكل شرط يقتضي حدوث جزاء.

١١ ـ التفصيل بين اتحاد جنس الشرط ؛ كالبول مرتين أو مرات ، وبين اختلاف جنس الشرط ، كالبول والنوم والجنابة ، فقال ابن ادريس الحلي : بالتداخل في الأول ، وبعدمه في الثاني.

وهذا التفصيل فاسد ، فتوهم التفصيل بين اتحاد الجنس واختلافه لا يرجع إلى محصل صحيح ؛ لأن مقتضى إطلاق الشرط في مثل : «إذا بلت فتوضأ» هو : حدوث الوجوب للوضوء عند كل مرة ، فلا فرق بين الشرطين المتحدين جنسا وبين الشرطين المختلفين جنسا ، فإذا قال الحلي بالتداخل فليقل به في كلا الموردين ، وإذا قال بعدمه فليقل به فيهما ، فلا يصح التفكيك بينهما.

١٢ ـ نظريات المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ لا مفهوم للقضية الشرطية.

٢ ـ المنفي بالمفهوم على القول به هو سنخ الحكم ونوعه ، لا شخص الحكم.

٣ ـ حكم تعدد الشرط ووحدة الجزاء هو رفع اليد عن المفهوم فيهما عرفا ، وجعل الجامع بين الشرطين شرطا عقلا. هذا هو مختار المصنف من بين الوجوه الأربعة.

٤ ـ عدم الإشكال على الاحتمال الثالث المتقدم في الأمر الثاني وعلى سائر الوجوه الباقية ، فالحق عند المصنف هو : عدم التداخل ، وتعدد الجزاء بتعدد الشرط ؛ لئلا يلزم اجتماع المثلين في شيء واحد.

٢١٣
٢١٤

فصل (١)

الظاهر : أنه لا مفهوم للوصف وما بحكمه مطلقا ، لعدم ثبوت الوضع ، وعدم لزوم

______________________________________________________

في مفهوم الوصف

(١) وقبل الخوض في البحث ينبغي بيان ما هو محل النزاع ، وتنقيح محل النزاع يحتاج إلى ذكر أمور :

الأمر الأول : أن الوصف من حيث المعنى على أقسام :

١ ـ الوصف بمعنى : كل ما تتصف به ذات ، وهو المشتق بالمعنى الذي تقدم في مبحث المشتق الشامل لمثل العبد والزوج من الجوامد.

٢ ـ الوصف بمعنى : كل ما يكون قيدا للموضوع ، سواء كان نعتا أو حالا أو غيرهما ما عدا الغاية والاستثناء.

٣ ـ الوصف بمعنى : النعت النحوي نحو : «أكرم زيد العالم» ، حيث يكون العالم نعتا لزيد.

الأمر الثاني : أن الوصف من حيث اعتماده على موصوفه وعدم اعتماده عليه على قسمين :

١ ـ الوصف المعتمد على الموصوف : ما يكون موصوفه مذكورا في الكلام نحو : «أكرم رجلا عالما».

٢ ـ الوصف غير المعتمد على الموصوف : ما لا يكون موصوفه مذكورا في القضية نحو : «أكرم عالما».

الأمر الثالث : الوصف من حيث لحاظ النسبة بينه وبين موصوفه على أقسام :

١ ـ أن يكون مساويا لموصوفه كقولنا : «أكرم إنسانا ضاحكا».

٢ ـ أن يكون الأعم منه مطلقا كقولنا : «أكرم إنسانا ماشيا».

٣ ـ أن يكون أخص منه كذلك كقولنا : «أكرم إنسانا عالما».

٤ ـ أن يكون أعم منه من وجه كقوله «عليه‌السلام» : «في الغنم السائمة زكاة».

إذا عرفت هذه الأمور فاعلم : أن الداخل في محل النزاع هو القسم الثالث من

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الأقسام المذكورة في الأمر الأول.

والقسم الأول من القسمين المذكورين في الأمر الثاني.

والقسم الثالث والرابع من الأقسام المذكورة في الأمر الثالث.

وأما القسم الأول من الأقسام المذكورة في الأمر الأول ، والقسم الثاني من القسمين المذكورين في الأمر الثاني ، والقسم الأول والثاني من الأقسام المذكورة في الأمر الثالث ، فلا إشكال في خروجها ؛ وذلك لأن المعيار في دخول الوصف في محل النزاع أن يكون موجبا للتضييق في ناحية الموصوف ، ومن المعلوم : أن الوصف المساوي للموصوف أو الأعم منه لا يوجب تضييقا في ناحية الموصوف ، حتى يكون له دلالة على المفهوم.

وأما القسم الثاني من الأقسام المذكورة في الأمر الأول ـ أعني الوصف بمعنى ما يكون قيدا للموضوع ـ فيمكن دخوله أيضا في محل النزاع.

وقد أشار إليه بقوله : «وما بحكمه» أي : كالحال مثلا في مثل : «أكرم العالم عادلا» ، فقوله : «وما بحكمه» يشمل الوصف الضمني كقوله : «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لئن يمتلئ بطن الرجل قيحا خير من أن يمتلئ شعرا» ، حيث إن امتلاء البطن كناية عن الشعر الكثير ، فمفهومه ـ بناء على القول بمفهوم الوصف ـ عدم البأس بالشعر القليل. هذا تمام الكلام في تحرير محل النزاع في المقام.

ويقول المصنف : «الظاهر أنه لا مفهوم للوصف» ، بحيث يفيد انتفاء الحكم بانتفاء الوصف «مطلقا» يعني : سواء كان الوصف معتمدا على الموصوف كقوله «عليه‌السلام» : «وفي الغنم السائمة زكاة» ، أم لا كقوله : «في السائمة زكاة». وسواء كان الوصف مساويا للموصوف ، أو أعم منه مطلقا أو من وجه ، أو أخص منه ، وسواء كان الوصف مثبتا أم منفيا كقوله : «لا تصل في أجزاء الحيوان غير مأكول اللحم». نعم ، لو كان الوصف علة منحصرة للحكم نحو : صل خلف العادل ، لزم انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف ، ولكن ليس ذلك من جهة المفهوم ؛ بل من جهة كون العلة منحصرة. وقد أشار إلى بعض الوجوه التي استدل بها على عدم مفهوم الوصف بقوله : «لعدم ثبوت الوضع» ، وبقوله : «وعدم لزوم اللغوية بدونه».

وحاصل الاستدلال بالوضع على المفهوم : أن الوصف قد وضع للدلالة على العلية المنحصرة التي هي الخصوصية المستلزمة لانتفاء الحكم عند انتفاء الوصف ، ويقول المصنف في رد هذا الاستدلال لعدم ثبوت الوضع.

٢١٦

اللغوية بدونه ، لعدم انحصار الفائدة به ، وعدم قرينة أخرى ملازمة له ، وعليته (١) فيما إذا استفيدت غير مقتضية له كما لا يخفى ، ومع كونها بنحو الانحصار ـ وإن كانت

______________________________________________________

وحاصل الاستدلال بلزوم اللغوية لو لم يكن للوصف مفهوم : أنه لو لم يكن للوصف مفهوم ، ولم يدل على المفهوم لكان ذكره لغوا ، إذ لا فائدة فيه إلا ذلك ، فلا بد من الالتزام بالمفهوم صونا لكلام الحكيم عن اللغوية.

وحاصل ما أفاده المصنف في ردّ هذا الاستدلال : أن فائدة الوصف ليست منحصرة بالمفهوم ، حتى يكون ذكره ـ مع عدم دلالته على المفهوم ـ لغوا موجبا للالتزام بدلالته عليه صونا لكلام الحكيم عن اللغوية ؛ بل لذكر الوصف فوائد أخرى ، كالاهتمام بشأن الموصوف ببيان فضائله ومزاياه .. إلى غير ذلك من الفوائد المقصودة من ذكر الأوصاف.

الوجه الثالث من الوجوه التي استدل بها على عدم المفهوم : ما أشار إليه بقوله : «وعدم قرينة أخرى ملازمة له» ، وحاصل هذا الوجه هو : إثبات المفهوم للوصف ، بدعوى الانصراف إلى كون الوصف علة منحصرة لثبوت الحكم ، فيلزم انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الوصف.

وقد أجاب عنه المصنف : بمنع الانصراف بعد فهم العرف في كثير من الموارد فوائد أخرى غير كون الوصف علة منحصرة للحكم ، حتى يقال بدلالته على المفهوم فليست هناك قرينة أخرى ملازمة للمفهوم.

(١) يعني : وعلية الوصف في موارد عليته ـ نحو : أكرم زيدا لأنه عالم ـ غير مقتضية للمفهوم. هذا من المصنف إشارة إلى تضعيف تفصيل العلامة «قدس‌سره» بين الوصف الذي يكون علة نحو : «أكرم زيدا لأنه عالم» ، وبين الوصف الذي لا يكون علة ، نحو : «أكرم زيد العالم» ، حيث ذهب العلامة إلى المفهوم في الأول ، وعدمه في الثاني.

وحاصل تضعيف التفصيل المذكور وردّه : أن علية الوصف فيما إذا استفيدت لا تقتضي المفهوم ـ أعني انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف ـ ما لم يحرز كونها علة منحصرة ، ومع إحراز كونها كذلك فهو ليس من باب مفهوم الوصف ، بل من باب اقتضاء العلية المنحصرة المستفادة من القرينة عليها بالخصوص. كما أشار إليه بقوله : «ومع كونها بنحو الانحصار وإن كانت مقتضية له ، إلا إنه لم يكن من مفهوم الوصف» يعني : ومع كون العلية بنحو الانحصار وإن كانت مقتضية للمفهوم ، إلّا إنه أجنبي عن محل الكلام ، بل عن موضوع البحث إذ موضوعه كون الوصف بنفسه دالا على الانحصار المستلزم للمفهوم ، لا بقرينة خارجية.

٢١٧

مقتضية له ـ إلا إنه لم يكن من مفهوم الوصف ، ضرورة : (١) أنه قضية العلية الكذائية المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام ، وهو (٢) مما لا إشكال فيه ولا كلام ، فلا وجه لجعله تفصيلا في محل النزاع ، وموردا للنقض والإبرام.

ولا ينافي ذلك ما قيل : من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا ، لأن (٣)

______________________________________________________

(١) أي : المفهوم ، وقوله : «ضرورة» تعليل لعدم كونه من مفهوم الوصف المقصود في محل النزاع ، بل هو مقتضى العلة المنحصرة المستفادة من القرينة الخارجية في خصوص مقام قامت القرينة على كون الوصف علة منحصرة فيه ، فإن قيام قرينة في مورد خاص على ذلك لا يثبت المدعى وهو دلالة الوصف بنفسه على المفهوم.

(٢) أي : كون المفهوم مقتضى القرينة مما لا إشكال فيه ؛ لكنه غير مراد من المفهوم في بحث المفهوم ، إذ المقصود دلالة الوصف بنفسه على المفهوم.

وكيف كان ؛ فقد أشار إلى ردّ هذا التفصيل بقوله : «فلا وجه لجعله تفصيلا في محل النزاع».

وحاصل الردّ : أن ما ذكره العلامة «قدس‌سره» ليس تفصيلا في محل النزاع من بحث مفهوم الوصف ؛ إذ محل البحث هو دلالة الوصف بنفسه على المفهوم ، فدلالته عليه بالقرينة خارجة عن محل البحث ؛ لعدم استناد هذه الدلالة إلى الوصف من حيث هو بنفسه وبلا قرينة.

الوجه الرابع من الوجوه التي استدل بها على عدم المفهوم : ما أشار إليه بقوله : «ولا ينافي ذلك ما قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا».

توضيح هذا الوجه قبل جواب المصنف عنه : أن الأصل في القيد ـ كما اشتهر على الألسنة ـ أن يكون احترازيا ، ولا يكون احترازيا إلا بدلالته على المفهوم ، فإذا قال المولى لعبده : «أكرم رجلا عالما» كان مفهومه : عدم وجوب إكرام رجل غير عالم ، هذا معنى انتفاء الحكم بانتفاء الوصف ، فلازم كون القيد احترازيا هو : انتفاء الحكم بانتفائه ، وهو ينافي قولكم بعدم المفهوم للوصف.

ويقول المصنف في الجواب : إنه لا ينافي عدم المفهوم للوصف ما قيل من : أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا لا توضيحيا.

(٣) تعليل لعدم منافاة الاحترازية ، لما ذكر من عدم المفهوم للوصف.

وحاصل ما أفاده المصنف في الجواب : أن احترازية القيد لا تدل على المفهوم للوصف ؛ إذ أقصى ما تقتضيه الاحترازية هو : تضييق دائرة موضوع الحكم مثل أن يقول من الأول : «أكرم عالما من الرجال» ، فيكون انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف من باب

٢١٨

الاحترازية لا توجب إلا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية ، مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد (١) ، فلا فرق أن يقال : جئني بإنسان أو بحيوان ناطق ، كما أنه (٢) لا يلزم في حمل المطلق على المقيد ، فيما وجد شرائطه إلا ذلك (٣) ، من دون

______________________________________________________

انتفائه بانتفاء الموضوع ، لأن انتفاء حكم قيد الموضوع كانتفاء تمامه في ارتفاع شخص الحكم الثابت للموضوع ، وقد عرفت غير مرة : أن انتفاء شخص الحكم بعد انتفاء موضوعه يكون عقليا ، ولا يكون مرتبطا بالمفهوم ، لأن الحكم المنفي في المفهوم هو السنخ لا الشخص ، والمنفي بانتفاء القيد هو الشخص لا السنخ ، فانتفاء الحكم بانتفاء القيد يكون أجنبيا عن باب المفهوم.

(١) يعني : أن القيد يوجب تضييق دائرة موضوع الحكم ، مثل : ما إذا كان الضيق حاصلا من الأول بلفظ واحد ، مثل : «جئني بإنسان» بدل أن يقال : «جئني بحيوان ناطق» ، فإن قوله : «جئني بإنسان» الذي هو من قبيل اللقب المسلم عدم دلالته على المفهوم ، فلا فرق بين هذا التعبير المشتمل على لفظ واحد ، وبين التعبير المشتمل على لفظين كقوله : «جئني بحيوان ناطق» يعني : لا فرق بين التعبيرين في عدم الدلالة على المفهوم ، وفائدتهما : حصول ضيق دائرة الموضوع.

(٢) إشارة إلى ما نسب إلى الشيخ البهائي «قدس‌سره» من استدلاله على مفهوم الوصف بلزوم حمل المطلق على المقيد مع اتحاد الموجب ، كما إذا قيل : «إن ظاهرت فأعتق رقبة ، وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة». وحاصل ما أفاده الشيخ البهائي : إنه لا ريب في وجوب حمل المطلق على المقيد في المثال المذكور ، كما لا ريب في أن ذلك ليس إلا من جهة التنافي والمعارضة بينهما ، وهي مبتنية على القول بالمفهوم ، ودلالة الوصف على الانتفاء عند الانتفاء ؛ إذ لو قال : «أعتق رقبة» كان مقتضاه : إجزاء كل رقبة وإن كانت كافرة ، وإذا قال : «أعتق رقبة مؤمنة» كان مفهومه : عدم إجزاء الرقبة الكافرة ، فلو لم يكن للوصف مفهوم لم يحصل التنافي الموجب لحمل المطلق على المقيد.

وقد أجاب المصنف «قدس‌سره» عن ذلك بقوله : «كما أنه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد فيما وجد شرائطه» بأن يكون الموجب فيهما متحدا.

(٣) أي : لا يلزم من حمل المطلق على المقيد إلا التضييق المتقدم ، فيكون مفاد المطلق والمقيد معا وجوب الرقبة المؤمنة ، كما لو لم يكن مطلق في البين أصلا ، فيكون حاصلهما وجوب المقيد والسكوت عن المطلق «من دون حاجة فيه» أي : في هذا الحمل «إلى دلالته» أي : المقيد «على المفهوم» المستفاد من الوصف ، فالنتيجة هي : إن الحمل ليس من باب مفهوم الوصف حتى ينافي قولهم بعدم المفهوم.

٢١٩

حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم ، فإنه من المعلوم : أن قضية الحمل ليس إلا أن المراد بالمطلق هو المقيد ، وكأنه لا يكون في البين غيره (١) ، بل ربما قيل (٢) : إنه لا وجه

______________________________________________________

وبعبارة أخرى ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٤٠٣» ـ أن حمل المطلق على المقيد ليس من دلالة الوصف على المفهوم ؛ بل لأجل كون المطلوب صرف الوجود من الطبيعة ، لا مطلق الوجود ، فدليل التقييد قرينة على المراد ، وإن موضوع الحكم ليس مطلقا ؛ بل هو مقيد بقيد الإيمان في المثال المزبور ، فبانتفاء القيد ينتفي شخص الحكم عن موضوعه. وقد مر أن انتفاءه عن موضوعه عقلي ، وأجنبي عن المفهوم الذي هو انتفاء سنخ الحكم ، فالتنافي بين المطلق والمقيد الموجب للتقييد ناش عن كون الموضوع صرف الوجود المنطبق على أول الوجود ، سواء كان مؤمنا أم كافرا على ما يقتضيه الأمر بالمطلق كالرقبة. ودليل القيد يدل على تقييد المطلق بحيث لا يسقط الأمر بفاقد القيد.

فوجه حمل المطلق على المقيد هو : تضييق دائرة الموضوع ، ومطلوبية صرف الوجود الواجد للقيد ، فالفاقد له غير محكوم بحكم الواجد ، لعدم كونه موضوعا ، فانتفاء الحكم عن الفاقد أجنبي عن المفهوم.

فالنتيجة : أن باب تقييد الاطلاقات أجنبي عن مفهوم الوصف ، وليس دليلا على ثبوت المفهوم للوصف. وقد أشار إلى هذا الجواب بقوله : «فإن من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلّا إن المراد بالمطلق هو المقيد» بمعنى : أن القيد يكون جزء الموضوع ؛ بحيث يصير دليل القيد قرينة على المراد ، وهو كون الموضوع مركبا من الرقبة والإيمان في المثال ، ومن المعلوم : أن انتفاء جزء الموضوع أو قيده يوجب انتفاء شخص الحكم القائم به ، لا السنخ الذي هو قوام المفهوم.

(١) أي : غير المقيد. والضمير في قوله : «كأنه» للشأن.

(٢) القائل هو : صاحب التقريرات ، وحاصل ما في التقريرات : أن حمل المطلق على المقيد لو كان لأجل مفهوم الوصف ، لزم من ذلك عدم صحة الحمل المزبور ، وذلك لأن الدلالة المفهومية ليست بأقوى من الدلالة المنطوقية لو لم نقل بأقوائيتها من الدلالة المفهومية ، وحيث إن مقتضى المنطوق عدم اعتبار الإيمان في الموضوع ، وإجزاء عتق الرقبة الكافرة وجب تقديمه لأظهريته على مفهوم القيد ، فإن تقديم الأظهر على الظاهر مما استقر عليه بناء أبناء المحاورة.

وكيف كان ؛ فإن البناء على ثبوت المفهوم للوصف يقتضي تقديم المطلق على مفهوم المقيد ، والاجتزاء بعتق الكافرة ، ولا أقل من تعارضهما وتساقطهما. فلا وجه حينئذ للحمل المزبور.

٢٢٠