والإعادة عند الفقيه ـ فهي من لوازم الإتيان بالمأمور به بالامر الواقعي الأوّلي عقلا ، حيث لا يكاد يعقل ثبوت الإعادة أو القضاء معه جزما ، فالصحة بهذا المعنى (١) فيه وإن كان ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه (٢) ، أو بتبع تكليف ، إلّا إنّه (٣) ليس بأمر
______________________________________________________
أو الظاهري بتمام ملاك المأمور به الواقعي الأوّلي أو بمعظمه ، بحيث لا يقتضي الباقي تشريع وجوب الإعادة أو القضاء ، فإنّ وزان الصحّة حينئذ وزان الصحة في الأمر الواقعي الأوّلي في كونها من اللوازم العقلية للإتيان بالمأمور به.
فالمتحصّل مما ذكرنا أمران :
الأوّل : أنّ الصحة عند المتكلم أمر انتزاعي ، منشؤه انطباق المأمور على المأتى به.
الثاني : أنّ الصحة عند الفقيه بالنسبة إلى الأمر الواقعي الأوّلي من اللوازم العقلية ، وبالنسبة إلى الأمر الثانوي أو الظاهري : إمّا حكم وضعي شرعي ، وإمّا حكم عقلي قوله : «حيث لا يكاد يعقل ثبوت الإعادة ... الخ» ، تعليل لكون الصحة لازما عقليا ، لأنّها مترتبة عقلا على انطباق المأمور به على المأتي به ، الموجب لسقوط الأمر بملاكه ، ومعه لا موجب للإعادة والقضاء ، فلا يعقل ثبوت الإعادة أو القضاء مع الإتيان بالمأمور به.
وجه عدم المعقولية : عدم تصوّر الامتثال عقيب الامتثال فإنّه لو أتى ثانيا فإمّا أن يحصل عين الأوّل فهو تحصيل الحاصل ، أو غيره فهو غير المأمور به.
(١) أي : بمعنى سقوط القضاء والإعادة «فيه» أي : في المأمور به بالأمر الواقعيّ الأوّلي ، وكيف كان ؛ فقد فسّروا صحة العبادة بسقوط القضاء والإعادة ، وهذا المعنى له احتمالان :
أحدهما : عدم وجوب الإتيان ثانيا بمعنى : أنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي مسقط للأمر الواقعي ، والظاهري للظاهري ، والاضطراري للاضطراري ، وهذا السقوط من اللوازم العقلية للإتيان ؛ لامتناع الامتثال بعد الامتثال.
ثانيهما : أن إتيان المأمور به الظاهري أو الاضطراري مسقط للأمر الواقعي الاختياري وهذا السقوط مجعول للشارع ، كما اشار إليه بقوله : «وفي غيره فالسقوط ربّما يكون مجعولا» ، وقد تقدم توضيحه في قولنا : «أحدهما : أن تكون الصحة فيهما حكما ...» الخ.
(٢) أي : الحكم الوضعي المجعول بنفسه كالملكية والزوجية ، والمجعول بتبع التكليف كالنجاسة المجعولة بتبع الأمر بالاجتناب عنها.
(٣) أي : إلّا إنّ المعنى المزبور للصحة «ليس بأمر اعتباري ينتزع كما توهّم» في محكي التقريرات.
اعتباري ينتزع كما توهّم ؛ بل ممّا يستقل به العقل ، كما يستقل باستحقاق المثوبة به (١).
وفي غيره (٢) : فالسقوط ربما يكون مجعولا ، وكان الحكم به تخفيفا ومنّة على العباد ، مع ثبوت المقتضي لثبوتهما كما عرفت في مسألة الإجزاء كما ربّما يحكم
______________________________________________________
(١) أي : بسبب تحقق المعنى المذكور للصحة ، وحيث يرى العقل الموافقة يحكم بسقوط الأمر المستلزم لسقوط القضاء والإعادة.
(٢) أي : الصحة بمعنى سقوط القضاء والإعادة في غير المأمور به بالأمر الواقعي أعني : في المأمور به بالأمر الاضطراري والظاهري ، «فالسقوط ربما يكون مجعولا» أي : فالصحة المستلزمة للسقوط ربّما يكون مجعولا. وربما لا يكون مجعولا بمعنى : أنّ إتيان المأمور به بالأمر الاضطراري والظاهري مسقط للقضاء والإعادة بالنسبة إلى أمرهما قطعا ، فحينئذ ليست الصحة بمعنى مسقط القضاء والإعادة مجعولة شرعا ؛ بل من لوازم الإتيان عقلا كما في إتيان المأمور به بالأمر الواقعي.
وأما مسقطية الاضطراري والظاهري بالنسبة إلى الأمر الواقعي : فهو مجعول ، «وكان الحكم به» أي : بسقوط القضاء والإعادة بالنسبة إلى الأمر الواقعي «تخفيفا ومنّة على العباد ، مع ثبوت المقتضى لثبوتهما» أي : ثبوت القضاء والإعادة.
وكيف كان ؛ فالمأمور به بالأمر الاضطراري والظواهري ـ بحسب مقام الثبوت ـ إذا كان وافيا بتمام مصلحة المأمور به الواقعي الاختياري ، أو بقي مقدار غير لازم الاستيفاء ، أو مستحيل الاستيفاء يحكم العقل بالإسقاط ، وإن بقى مقدار لازم الاستيفاء مع إمكانه يحكم بعدم المسقطية. وأمّا بحسب مقام الإثبات : إن قام دليل على عدم السقوط في الفرض الأوّل ، أو على السقوط في الفرض الثاني تخفيفا ومنّة : فالصحة والفساد مجعولان شرعيان.
فقد تحصل مما ذكرنا في الأوامر الاضطرارية والظاهرية : أن إسقاطهما على ثلاثة أقسام :
الأوّل : إسقاط أمرهما ، وهذا عقلي.
الثاني : إسقاط الأمر الواقعي في صورة عدم وفائهما بمعظم مصلحة الواقع ، وهذا شرعي امتناني.
الثالث : إسقاط الأمر الواقعي في صورة وفائهما بمعظم مصلحة الواقع ؛ بحيث لا يبقى مقدار قابل للتدارك ، وهذا عقلي أيضا.
بثبوتهما ، فيكون الصحة والفساد فيه حكمين مجعولين لا وصفين انتزاعيين (١).
نعم ؛ الصحة والفساد في الموارد الخاصة لا يكاد يكونان مجعولين ؛ بل إنّما هي تتصف بهما بمجرد الانطباق على ما هو المأمور به.
هذا (٢) في العبادات.
______________________________________________________
(١) أي : لفقدان منشأ انتزاعهما وهو المطابقة للمأمور به ؛ لأن المأمور به بالأمر الظاهري والاضطراري ليس مطابقا للمأمور به بالأمر الواقعي ، حتى تكون الصحة أمرا انتزاعيا.
وكان الكلام إلى هنا في الكليات ، بمعنى : أنه يحكم الشرع أو العقل بالصحة فيما لو توافق المأتي ـ بعنوانه الكلي ـ للمأمور به ، ويحكمان بالفساد في صورة عدم الموافقة ، أمّا شخص هذه الصلاة الخارجية الّتي هي فرد من أفراد المأتي به الكلي : فالمدار في صحتها وفسادها ما أشار إليه بقوله : «نعم الصحة والفساد في الموارد الخاصّة». فقوله : «نعم» استدراك على قوله : «فيكون الصحة والفساد فيه» أي : في غير الأوامر الواقعية ـ أعني : الأوامر الاضطرارية والظاهرية ـ «حكمين مجعولين».
وحاصل الاستدراك : أن ذلك إنّما يكون في الطبيعي المأمور به ، دون تطبيقاته وأفراده الّتي يؤتى بها في الخارج ؛ لأن انطباق الكلي على الأفراد قهري غير قابل للجعل ، فالصحة في الجزئيات الخارجية الّتي يوجدها المكلف تحصل بمجرّد هذا الانطباق ، فلا تتصف الموارد الجزئية بالصحة والفساد المجعولين بالاستقلال ، بل اتصافها بهما إنّما يكون بتبع اتصاف كلّيها بهما كما أشار إليه بقوله : «بل إنّما هي» أي : الموارد الخاصة التي تتصف بالصحة والفساد بمجرّد انطباق المأمور به عليها ، فإذا انطبق الكلي على الفرد الخارجي كان صحيحا ، ومتى لم ينطبق كان فاسدا ، ومن البديهي : أن انطباق الكلي على الفرد وعدمه ليس بمجعول شرعي ؛ بل هو أمر قهري ، واتصاف الموارد الشخصية بهما ليس أمرا مستقلا في قبال اتصاف الكلي.
وكيف كان ؛ فالمراد بالصحة والفساد في الموارد الجزئية هو انطباق المأمور به الكلي وعدمه عليها ، فلا يناط الصحة والفساد في الأفراد الخارجية بسقوط الإعادة والقضاء وثبوتهما ؛ لإمكان عدم وجوب الإعادة والقضاء كصلاة الجمعة في ضيق الوقت ؛ إذ ليست صحتها بمعنى إسقاط الإعادة والقضاء ، كما إن فسادها ليس بمعنى ثبوتهما ؛ وكذا كل مضيق لم يشرع له القضاء ، كصوم كل يوم غير صوم شهر رمضان. فالمراد بالصحة والفساد في الأفراد الخارجية هو انطباق المأمور به عليها وعدمه.
(٢) أي : ما ذكرنا من كون الصحة أمرا انتزاعيا أو لازما عقليا تارة. وحكما شرعيا
وأمّا الصحة في المعاملات : فهي تكون مجعولة ، حيث كان ترتّب الأثر على معاملة إنّما هو بجعل الشارع ، وترتيبه عليها ولو إمضاء (١) ضرورة (٢) : أنّه لو لا جعله لما كان يترتب عليه لأصالة (٣) الفساد.
نعم (٤) ؛ صحة كل معاملة شخصية وفسادها ليس إلّا لأجل انطباقها مع ما هو المجعول سببا وعدمه ، كما هو (٥) الحال في التكليفية من الأحكام ، ضرورة : أن اتّصاف المأتي به بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما (٦) ليس إلّا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام.
______________________________________________________
وضعيا أخرى إنّما هو في العبادات. أمّا الصحة في المعاملات فهي حكم وضعي شرعي ، فالملكية والزوجية والحرية وغيرها لا تترتب على المعاملة إلّا بجعل الشارع ولو إمضاء ، حيث إن غالب المعاملات أمور عرفية أمضاها الشارع ، فليست الصحة فيها حكما عقليا ولا أمرا انتزاعيا.
(١) قيد لجعل الشارع ، يعني : ولو كان الجعل بنحو الإمضاء لا التأسيس.
(٢) تعليل لكون الصحة مجعولا شرعيا. بيان ذلك : إن الصحة لو لم تكن حكما شرعيا لما ترتّب الأثر على المعاملة ؛ لأنّها بمقتضى أصالة الفساد محكومة بالفساد ، فلا يحكم بصحّتها إلّا بحكم الشارع الحاكم على أصالة الفساد.
(٣) تعليل لقوله : «لما كان يترتّب» ، والضمير في «عليه» يرجع إلى المعاملة ، فالأولى تأنيثه.
(٤) يعني : حال صحة كل فرد من أفراد كلّي المعاملة حال صحة كل فرد من أفراد العبادات في عدم كونها حكما مستقلا مجعولا ؛ بل هي لأجل انطباق الكلي على أفراده ، فالمجعول بالاستقلال هو صحة كلي المعاملة كالعبادة.
وصحة الأفراد الخارجية إنّما هي لأجل انطباق الكلي العبادي أو المعاملي عليها. فالمجعول هو الكلي دون الجزئي.
(٥) أي : كما أنّ انطباق الكلي على الفرد يوجب اتّصاف الأفعال الخارجية الّتي يأتي بها المكلف بالأحكام التكليفية من الوجوب والحرمة.
(٦) أي : كالكراهة والاستحباب والإباحة «ليس إلّا لانطباقه» أي : انطباق الفرد «مع ما» أي : الكلي الذي «هو الواجب أو الحرام».
السابع (١):
لا يخفى : أنه لا أصل في المسألة يعول عليه ، لو شك في دلالة النهي على الفساد.
نعم (٢) ؛ كان الأصل في المسألة الفرعية الفساد لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم
______________________________________________________
في تحقيق حال الأصل في المسألة
(١) المقصود من عقد هذا الأمر : إنّه لو فرض عدم دلالة النهي على الفساد ، أو الشك في دلالته عليه ؛ لعدم نهوض دليل عليها أو لعدم تماميّته ، فهل يكون هناك أصل يثبت الدلالة عليه أو عدمها أم لا؟
وحاصل الكلام في المقام : أنّه إذا أثبتنا في المسألة الأصولية أنّ النهي يدل على الفساد ، أو أنّه لا يدّل عليه فهو ، ونأخذ به.
وأمّا لو عجزنا عن ذلك نفيا وإثباتا ، وشك في دلالته على الفساد وعدمها فلا أصل لنا في المسألة يقتضي دلالة النهي على الفساد ، أو عدم دلالته عليه.
والسر على ذلك : أن النهي حين حدوثه إمّا كان دالّا على الفساد وإمّا لم يكن دالّا عليه ، وحيث لم يعلم شيء منهما ، فليس له حالة سابقة معلومة حتى تستصحب ، ولا مجال لأصالة عدم وضع اللفظ لما يوجب الفساد ، لمعارضتها لأصالة عدم وضعه لما لا يستلزمه.
(٢) أي : نعم ، يجري الأصل في المسألة الفقهية ، ففي المعاملات تجري أصالة الفساد بعد فرض عدم عموم ، أو إطلاق يقتضي الصحة فيها ، والمراد من الفساد هو عدم ترتّب الأثر المقصود من المعاملة كالملكية والزوجية ونحوهما ، فيستصحب عدم حصول الأثر عند الشك في حصوله ، وهذا هو معنى أصالة الفساد المشتهرة على الألسن في المعاملات ، ففساد البيع المنهي عنه هو : عدم ترتّب النقل والانتقال عليه ، وبقاء كل من المالين على ملك مالكه ، إلّا إن يكون هناك إطلاق أو عموم يدل على صحتها ، فلا يجري الأصل حينئذ لحكومتهما على أصالة عدم ترتب الأثر.
وكذلك تجرى أصالة الفساد المراد بها قاعدة الاشتغال في العبادات أيضا ؛ لأنّ الشك في فراغ الذّمة ـ بعد القطع باشتغالها بالتكليف ـ يوجب لزوم تحصيل اليقين بالفراغ. هذا ما أشار إليه بقوله : «وأما في العبادة فكذلك» يعني : أن الأصل فيها الفساد كالمعاملات ، غاية الأمر : أن الفساد في المعاملات يكون مقتضى الاستصحاب ، وفي العبادات يكون مقتضى قاعدة الاشتغال.
قوله : «لعدم الأمر بها» تعليل لكون الأصل في العبادات الفساد.
يقتضي الصحة في المعاملة ، وأمّا في العبادة فكذلك ؛ لعدم الأمر بها مع النهي عنها كما لا يخفى.
______________________________________________________
وحاصل التعليل : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ، ٣ ص ٢٦٦» ـ أن الفساد إنّما هو لأجل عدم الأمر الذي هو الموجب للصحة ، مضافا إلى وجود ضدّه وهو النهي.
خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدسسره»
يتلخص البحث في أمور :
١ ـ أنّ الصحة والفساد وصفان إضافيان يختلفان بحسب الآثار والأنظار ، بمعنى : أنّ عملا واحدا صحيح بالنسبة إلى أثر دون أثر آخر ، مثلا : المأمور به بالأمر الظاهري كالصلاة مع الطهارة الاستصحابية صحيح بالنسبة إلى أثر وهو موافقة الأمر والشريعة ، وفاسد بحسب أثر آخر وهو سقوط القضاء والإعادة عند كشف الخلاف. هذا في العبادات.
وأمّا في المعاملات : فبيع النقدين بلا قبض في المجلس صحيح في نظر العرف ، وفاسد في نظر الشرع.
٢ ـ اختلاف المتكلم والفقيه في تعريف الصحة والفساد لا يوجب اختلافهما في المعنى اللغوي أعني : التمامية وعدم التمامية ، مثلا : الصحة عند المتكلم ما يوافق الأمر والشريعة وإن كان مخالفا للصحة عند الفقيه وهو ما يوجب سقوط الإعادة والقضاء ، إلّا إن هذا الاختلاف إنّما هو بحسب الأثر المهم عند كل منهما ، فإنّ المهم في نظر الفقيه هو : سقوط القضاء والإعادة في العبادات ، وفي نظر المتكلم هو : موافقة الأمر الموجبة لاستحقاق الثواب.
٣ ـ النسبة بين التعريفين لا تنحصر في العموم المطلق مع كون العموم من طرف المتكلم كما هو المشهور ؛ بل يمكن إن تكون النسبة عموما مطلقا مع كون العموم من طرف تعريف الفقيه ، ويمكن التساوي بينهما.
توضيح ذلك يتوقف على بيان أقسام الأمر ، فنقول : إنّ الأمر على ثلاثة أقسام :
١ ـ الأمر الواقعي الأوّلي.
٢ ـ الأمر الواقعي الثانوي.
٣ ـ الأمر الظاهري.
إذا عرفت هذه الأقسام فنقول :
إن كون النسبة عموما مطلقا ، مع كون العموم من طرف تعريف المتكلم كما هو المشهور مبنيّ على أمرين :
.................................................................................................
______________________________________________________
أحدهما : أن يكون المراد بالأمر في تعريف المتكلم ما يعمّ أقسامه الثلاثة المذكورة.
ثانيهما : مع بناء الفقيه على عدم الإجزاء بموافقة الأمر الظاهري ؛ فحينئذ الصحة في نظر المتكلم أعم من الصحة في نظر الفقيه ؛ إذ يصدق كلما يسقط الإعادة والقضاء موافق للأمر ولا عكس ، أي : لا يصدق كلّما كان موافقا للأمر كان مسقطا للقضاء والإعادة ؛ لأن المأمور به بالأمر الظاهري موافق للأمر عند المتكلم ، ولا يكون مسقطا للإعادة والقضاء عند الفقيه.
وحينئذ : فبانتفاء أحد الأمرين تنتفي النسبة المذكورة ، وتنقلب إلى التساوي ، فإنّ موافقة مطلق الأمر مسقط للإعادة والقضاء ، وكلّ مسقط لهما موافق للأمر. ويمكن أن تكون النسبة عموما مطلقا ، مع كون العموم من طرف تعريف الفقيه. وذلك فيما إذا أريد بالأمر في تعريف المتكلم : خصوص الأمر الواقعي ، مع بناء الفقيه على الإجزاء بموافقة الأمر الظاهري ؛ إذ يصدق حينئذ أن كل ما يوافق الأمر الواقعي مسقط للإعادة والقضاء ولا عكس ؛ إذ المفروض : أن المأمور به بالأمر الظاهري مسقط لهما ، وليس موافقا للأمر عند المتكلم.
٤ ـ الصحة والفساد عند المتكلم : أمران انتزاعيان ينتزعان عن مطابقة المأتي به للمأمور به وعدم المطابقة ، فهما من الأمور الاعتبارية ؛ لا من الأحكام الشرعية الوضعية ، ولا من الأحكام العقلية.
وأمّا الصحة والفساد عند الفقيه : ففيهما تفصيل بمعنى : أنهما من الأحكام العقلية بالإضافة إلى الأمر الواقعي الأوّلي ، ومن الأحكام الشرعية الوضعية أو الأحكام العقلية بالنسبة إلى الأمر الظاهري ، أو الواقعي الثانوي.
أما كونهما من الأحكام العقلية بالنسبة إلى الأمر الواقعي الأوّلي : فلأن الصّحة عند الفقيه حينئذ إنما هي من اللوازم العقلية المترتبة على الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي ؛ لأنه بعد انطباق المأمور به على المأتي به يحكم العقل بسقوط الأمر ، فلا موجب للإعادة والقضاء بعد سقوطه بملاكه.
وأما الصحة والفساد بالنسبة إلى الأمر الظاهري أو الثانوي : فعلى وجهين :
أحدهما : أن تكون الصحة فيهما حكما شرعيا وضعيا بمعنى : أن الشرع يحكم بأنه مسقط للقضاء والإعادة منّة منه على العباد ، وتخفيفا عنهم مع ثبوت المقتضي لهما.
وثانيهما : أن تكون الصحة حكما عقليا ؛ كما إذا فرض وفاء المأمور به بالأمر الظاهري
.................................................................................................
______________________________________________________
أو الثانوي بتمام ملاك المأمور به الواقعي الأوّلي أو بمعظمه ؛ بحيث لا يقتضي الباقي تشريع وجوب القضاء أو الإعادة ، فتكون الصحة حينئذ من اللوازم العقلية للإتيان بالمأمور به.
٥ ـ الصحة والفساد في الموارد الخاصة لا يكونان مجعولين ، بل الصحة تحصل بمجرد انطباق الكلي المأمور به على الفرد الخارجي.
فإذا انطبق الكلي على الفرد الخارجي كان صحيحا ؛ وإلّا كان فاسدا ، ومن البديهي : أن انطباق الكلي على الفرد ، وعدم انطباقه عليه ليس بمجعول شرعي ، بل هو أمر قهري ، فاتصاف الموارد الجزئية بهما ليس أمرا مستقلا في قبال اتصاف الكلي بهما.
٦ ـ أما الصحة في المعاملات : فهي تكون مجعولة ؛ لأن الملكية والزوجية والحرّية وغيرها لا تترتّب على المعاملة ؛ إلّا بجعل من الشارع ولو إمضاء ، فليست الصحة فيها حكما عقليا ولا أمرا انتزاعيا.
٧ ـ لا أصل في المسألة الأصولية عند الشك في دلالة النهي على الفساد ؛ لعدم حالة سابقة معلومة ؛ لأن النهي عند حدوثه إمّا دال على الفساد ، وإمّا لم يكن دالّا عليه.
نعم ؛ كان الأصل في المسألة الفقهية هو الفساد ؛ بمعنى : عدم ترتّب الأثر المقصود من المعاملة عليها. هذا في المعاملات.
وأمّا الفساد في العبادات : فهو بمعنى : وجوب القضاء أو الإعادة بقاعدة الاشتغال.
فالفساد في المعاملات هو مقتضى أصالة عدم ترتّب النقل والانتقال ، وبقاء كل من المالين على ملك مالكه.
وفي العبادات : هو مقتضى قاعدة الاشتغال مع عدم الأمر الموجب للصحة فيها.
٨ ـ رأي المصنف «قدسسره» :
١ ـ الصحة والفساد من الأمور الإضافية والاعتبارية.
٢ ـ النسبة بين تعريفي المتكلم والفقيه لا تكون منحصرة بعموم مطلق ، مع كون العموم من طرف تعريف المتكلم ؛ بل يمكن أن تكون النسبة هي التساوي ، أو العموم المطلق مع كون العموم من طرف تعريف الفقيه.
٣ ـ الصحة والفساد عند المتكلم أمران انتزاعيان.
أمّا الصحة والفساد عند الفقيه : ففيهما تفصيل ؛ بمعنى : أنّهما من الأحكام العقلية بالنسبة إلى الأمر الواقعي ومن الأحكام الشرعية أو العقلية بالنسبة إلى الأمر الظاهري.
٤ ـ وأما الصحة في المعاملات فهي مجعولة شرعا.
الثامن : [أن متعلق النهي إما أن يكون نفس العبادة أو جزئها ، ...]
أن متعلق النهي إما أن يكون نفس العبادة أو جزئها ، أو شرطها الخارج عنها ، أو
______________________________________________________
٥ ـ لا أصل في المسألة الأصولية.
٦ ـ والأصل في المسألة الفقهية هو : الفساد ؛ من دون فرق بين المعاملات والعبادات.
في أقسام تعلق النهي بالعبادة
(١) المقصود من عقد هذا الأمر الثامن : بيان أقسام تعلق النهي بالعبادة ، وبيان حكم كل قسم من تلك الأقسام من حيث الدخول في محلّ النزاع وعدمه ، فالغرض الأصلي من عقد هذا الأمر هو : تحرير محل النزاع ، وهو يتوقف على مقدمة وهي بيان أقسام تعلق النهي بالعبادة.
فنقول : إنّ النهي المتعلّق بالعبادة يتصوّر على أقسام :
١ ـ ما يتعلق بذات العبادة ؛ كالنهي عن الصلاة حال الحيض ، والصوم في العيدين.
٢ ـ ما يتعلق بجزء منها ؛ كالنهي عن قراءة العزائم في حال الصلاة.
٣ ـ ما يتعلق بشرط منها ؛ كالنهي عن الوضوء بالماء المغصوب.
٤ ـ ما يتعلق بوصفها الملازم للعبادة ؛ كالنهي عن الجهر والإخفات للقراءة أعني :
الجهر بالقراءة في الظهرين ، وإخفاتها في العشاءين والصبح ، فإنّ القراءة لا تنفكّ عن أحد الوصفين ، ولا توجد إلّا جهرا أو إخفاتا ، فتتحد مع أحدهما ، ولذا عبر المصنف عن الجهر والإخفات بالوصف الملازم.
٥ ـ ما يتعلق بوصفها غير الملازم للعبادة ؛ كالنهي عن الكون الغصبي حال الصلاة ، فالنهي عنه نهي عن الوصف الغير الملازم ؛ لأنّه قد ينفك عن أكوان الصلاة ؛ كما إذا وقعت في غير المغصوب ، وقد يتحد معها كما إذا وقعت فيه.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : إنه لا ريب في دخول القسم الأول في محل النزاع ، وقد أشار إليه بقوله : «لا ريب في دخول القسم الأول في محل النزاع» ، ويكون قوله : «لا ريب ...» إلخ ، إشارة إلى بيان أحكام الأقسام الخمسة المذكورة لمتعلق النهي من حيث الدخول في محل النزاع وعدمه.
وحاصل الكلام في المقام : أن القسم الأول داخل في محل النزاع ؛ إذ قال البعض : بدلالة النهي المتعلق بنفس العبادة على الفساد ، وقال البعض الآخر : بعدم دلالته عليه ، كما سيأتي. هذا حكم القسم الأول.
وصفها الملازم لها ؛ كالجهر والإخفات للقراءة ، أو وصفها الغير الملازم كالغصبية لأكوان الصلاة المنفكّة عنها ؛ لا ريب في دخول القسم الأول في محل النزاع ، وكذا القسم الثاني بلحاظ (١) : أن جزء العبادة عبادة ، إلّا إن (٢) بطلان الجزء لا يوجب بطلانها ؛ إلّا مع الاقتصار عليه ، لا مع الإتيان بغيره مما لا نهي عنه إلّا إن يستلزم محذورا آخر.
وأمّا القسم الثالث (٣) : فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا لفساد العبادة
______________________________________________________
وأمّا القسم الثاني : فهو أيضا داخل في محل النزاع بلحاظ : أن جزء العبادة عبادة ، لأنّ الكل هو عين أجزائه ، فإذا كان الأمر بالكل عباديا كان كل واحد من الأوامر الضمنية المتعلقة بكل واحد من الأجزاء عباديا.
فالمتحصل : أنه لا ريب في دخول القسمين الأوّلين في محل النزاع.
(١) الباء للسببية وقوله : «بلحاظ أن جزء العباد عبادة» تعليل لدخول القسم الثاني في محلّ النزاع.
وحاصل التعليل : أن جزء العبادة كتمامها عبادة ؛ إذ ليس الكل إلّا نفس الأجزاء فكل جزء من المركب العبادي عبادة والنهي عنه نهي عن العبادة ، والنهي يدل على الحرمة ، ولا يمكن اجتماعها مع الصحة عند المتكلم والفقيه كليهما ؛ لأن العبادة مع الحرمة ليست موافقة الأمر والشريعة ، وكذا ليست مسقطة للإعادة والقضاء.
(٢) إشارة إلى الفرق بين القسم الأول والثاني ، وحاصل الفرق بينهما بعد اشتراكهما في أصل البطلان بالنهي : أنّ النهي المتعلق بنفس العبادة يقتضي بطلانها ، ولا علاج لصحتها كصلاة الحائض. هذا بخلاف النهي المتعلق بجزء العبادة ؛ كقراءة العزائم فيها ، فإنّ النهي عنه لا يقتضي إلّا فساد ذلك الجزء ، ولا يقتضي فساد أصل العبادة إلّا إذا اقتصر على ذلك الجزء الفاسد ، فإن الاقتصار عليه يوجب بطلان أصل العبادة ؛ لأجل النقيصة العمدية ، كما أشار إليه بقوله : «إلّا إن يستلزم محذورا آخر» ، وليس بطلانها لأجل اقتضاء النهي عن الجزء فساد الكل كما هو قضية النهي عن نفس الكل كما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٢٦٨» مع تصرّف وتوضيح منّا.
(٣) وهو ما يتعلق النهي بشرط العبادة ، فحرمته لا تستلزم الفساد ؛ لا فساد الشرط ولا فساد العبادة المشروطة به. وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الشرط على قسمين : أحدهما : أن يكون عبادة كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة.
وثانيهما : أن يكون توصليا ـ وهو الغالب في شرائط العبادات ـ كطهارة البدن والثوب عن النجاسة.
إلّا فيما كان عبادة كي تكون حرمته موجبة لفساده ، المستلزم لفساد المشروط به.
وبالجملة : لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجبا لفساد العبادة المشروطة به ، لو لم يكن موجبا لفساده ؛ كما إذا كانت عبادة.
وأما القسم الرابع (١) : فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه ، فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلا مساوقا للنهي عنها ؛ لاستحالة (٢) كون
______________________________________________________
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : إن النهي عن الشرط إذا كان من القسم الثاني لا يوجب فساده ـ فضلا عن فساد العبادة المشروطة به ـ لأن الشرط خارج عن المشروط ، وليس عبادة حتى يسري بطلانه إلى المشروط.
وكيف كان ؛ فالوجه في ذلك : أن الغرض من الشرط التوصلي يحصل بمجرّد إيجاده في الخارج ، وإن كان إيجاده في ضمن فعل محرّم شرعا نحو : تطهير البدن والثوب عن النجاسة بماء مغصوب ، فإذا طهّرهما به وصلّى فهي صحيحة تامّة لا إشكال فيها. هذا بخلاف ما إذا كان الشرط عباديا ؛ كالوضوء والغسل لأن النهي عنه موجبا لفساده ؛ لاستحالة التقرب بما هو مبغوض للمولى.
ومن البديهي : أن فساد الشرط العبادي يستلزم فساد العبادة المشروطة به ، فإذا توضأ بماء مغصوب وصلى كانت صلاته فاسدة ؛ لفساد شرطها المستلزم لفساد العبادة المشروطة به ، كما أشار إليه بقوله : «كما إذا كانت عبادة» يعني : كما إذا كان الشرط المنهي عنه عبادة فيفسد حينئذ ، ويسري فساده إلى العبادة المشروطة به وتأنيث ضمير «كانت» إنما هو باعتبار الخبر.
(١) أي : ما يتعلق النهي بالوصف الملازم للعبادة ، فالنهي عنه كالنهي عن العبادة.
توضيح ذلك : أن النهي عن الوصف الملازم المتحد وجودا مع العبادة ـ كالجهر بالقراءة في الظهرين ـ نهي عن العبادة لاتحاده معها ، وعدم المغايرة بينهما وجودا ؛ إذ ليس للوصف وجود مستقل بدون وجود موصوفه ، فالنهي عنه لا ينفك عن النهي عن الموصوف الذي هو عبادة بالفرض ، وعليه : فلا يعقل أن يكون أحدهما منهيا عنه والآخر مأمورا به ؛ لاستحالة كون شيء واحد مصداقا لهما ، فالنهي في هذا القسم يندرج في النهي عن جزء العبادة فيلحقه حكمه ، فالمنهي عنه حقيقة هو الموصوف ، كما أشار إليه بقوله : «فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلا مساوقا للنهي عنها» أي : عن نفس القراءة الجهرية.
(٢) تعليل لكون النهي عن الوصف الملازم المتحد مع الموصوف مساوقا للنهي عن الموصوف.
القراءة الّتي يجهر بها مأمورا بها ، مع كون الجهر بها منهيا عنه فعلا كما لا يخفى.
وهذا بخلاف ما إذا كان مفارقا (١) كما في القسم الخامس ، فإن النهي عنه لا يسري إلى الموصوف ، إلّا فيما إذا اتحد معه وجودا ، بناء (٢) على امتناع الاجتماع ، وأمّا بناء على الجواز ، فلا يسري إليه كما عرفت في المسألة السابقة (٣).
هذا (٤) حال النهي المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف.
وأمّا النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأمور (٥) : فحاله حال النهي عن أحدها إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق.
______________________________________________________
توضيح وجه الاستحالة : أن الاتحاد الوجودي بين القراءة والجهر يوجب امتناع كونها مأمورا بها مع تعلق النهي بالجهر بها فعلا ، فيلزم اجتماع الأمر والنهي الفعليين في شيء واحد.
وكيف كان ؛ فلا يعقل أن يكون أحد المتلازمين واجبا والآخر حراما.
(١) أي : القسم الخامس : ـ وهو ما يتعلق النهي بوصف العبادة الغير الملازم لها ـ خارج عن مسألة النهي عن العبادة ، وداخل في مسألة اجتماع الأمر والنهي.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن هذا الوصف يمكن أن يكون متحدا وجودا مع موصوفه في مورد الاجتماع ، ويمكن أن يكون غير متحد معه وجودا وخارجا عنه في مورد الاجتماع ، ولم نقل بسراية الحكم من أحدهما إلى الآخر.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إنّه على الفرض الأول يدخل هذا القسم تحت كبرى مسألة النهي عن العبادة ، ولا بدّ من القول بالامتناع للزوم اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد.
وعلى الفرض الثاني : فلا يدخل هذا القسم تحت كبرى مسألة النهي عن العبادة ؛ لعدم سراية النهي إلى الموصوف الذي يكون عبادة ، ولا مناص حينئذ من القول بالجواز.
(٢) قيد للسراية في ظرف الاتحاد الوجودي ، يعني : أن السراية حينئذ مبنية على امتناع اجتماع الأمر والنهي ، وأمّا بناء على جواز الاجتماع : فلا يسري النهي عن الوصف إلى الموصوف.
(٣) يعني : مسألة اجتماع الأمر والنهي.
(٤) أي : ما ذكرناه من دلالة النهي على الفساد هو : ما إذا كان متعلّقه نفس الجزء أو الشرط أو الوصف بكلا قسميه الملازم والمفارق.
(٥) لمّا فرغ المصنف من تعلّق النهي بنفس الجزء أو الشرط أو الوصف بكلا قسميه ؛
.................................................................................................
______________________________________________________
أراد أن يبين حال النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأمور ، نحو : «لا تصل وأنت تقرأ العزائم» ؛ و «لا تصل وأنت لابس الحرير» ، و «لا تصلّ الظهورين وأنت تجهر القراءة» ، و «لا تصل وأنت في المكان المغصوب».
والأول : مثال لتعلق النهي بالعبادة لأجل الجزء.
والثاني : مثال لتعلق النهي بها باعتبار الشرط.
والثالث : مثال لتعلق النهي بها باعتبار الوصف الملازم.
والرابع : مثال لتعلق النهي بها باعتبار الوصف المفارق. إذا عرفت هذه الأمثلة فاعلم : أن النهي عن العبادة لأجل الجزء أو الشرط أو الوصف يتصور على وجهين :
أحدهما : أن تكون هذه الأمور واسطة في العروض ، بأن يكون متعلق النهي حقيقة نفس هذه الأمور ، ويكون النهي عن العبادة بالعرض والمجاز ، كالنهي عن قراءة العزائم في الصلاة ، وعن الجهر بالقراءة في الظهرين ، وعن الغصب في الصلاة والطواف والسعي والتقصير ، فإن النهي حقيقة نهي عن المكان المغصوب في الصلاة ، وعن غصب الثوب في الطواف والسعي ، وعن غصب المقراض في التقصير.
وعليه : فالنهي عن هذه الأمور يكون من قبيل الوصف بحال الموصوف ؛ لأنها منهي عنها حقيقة ، ويكون النهي عن الصلاة من قبيل الوصف بحال المتعلق ، فيكون بالعرض والمجاز ، فالحرمة أوّلا وبالذات تعرض على الجزء أو الشرط أو الوصف ، وثانيا وبالعرض على الصلاة ، فاتصاف الصلاة بالحرمة إنما هو بالتبع ؛ نظير الوصف بحال متعلق الموصوف نحو : «زيد القائم أبوه» ؛ إذ وصف القيام يعرض أولا وبالذات على الأب ، وثانيا وبالعرض يعرض على زيد.
فتكون حرمة الصلاة من قبيل الوصف بحال متعلق الموصوف.
وبعبارة أخرى : أن حرمة الجزء أو الشرط أو الوصف واسطة في العروض لحرمة الصلاة ، نظير حركة السفينة لجالسها ؛ إذ الحركة تعرض أولا وبالذات على السفينة ؛ وثانيا وبالعرض على جالسها ، فكما أن حركة السفينة واسطة في العروض لحركة جالسها فكذا حرمة الجزء أو الشرط أو الوصف واسطة في العروض لحرمة الصلاة. هذا ما أشار إليه بقوله : «إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق».
ثانيهما : أن تكون هذه الأمور واسطة في الثبوت ـ أي : علّة لتعلق النهي بالعبادة ـ بحيث يكون النهي متعلّقا حقيقة بنفس العبادة لأجل تلك الأمور ، فالمنهي عنه نفس
وبعبارة أخرى : كان النهي عنها بالعرض ، وإن كان النهي عنها على نحو الحقيقة والوصف بحاله ، وإن كان بواسطة أحدها ، إلّا أنه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض (١) كان (٢) حاله حال النهي في القسم الأول (٣) ، فلا تغفل (٤).
ومما ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة ، يظهر حال الأقسام في المعاملة (٥) ، فلا يكون بيانها على حدة بمهم.
______________________________________________________
العبادة ، فيكون من الوصف بحال الموصوف ، نظير : «جاء زيد العالم» فإن كان النهي من قبيل الأوّل ـ بأن كان متعلّقا حقيقة بنفس هذه الأمور ـ فقد عرفت حكمه من حيث الدخول في محل النزاع وعدمه ، وقد تقدم دخول القسم الأول والثاني والرابع ـ إذا كان النهي عن الوصف الملازم ـ في محل النزاع.
وأمّا إذا كان من قبيل الثاني أي : بأن كان المقصود هو تحريم نفس العبادة وإن كان السبب لتحريمها مبغوضيّة جزئها أو شرطها أو وصفها بحيث كان أحد هذه الأمور واسطة في الثبوت ؛ كالنار لحرارة الماء ، لا واسطة في العروض ؛ كالماء في إسناد الجري إلى الميزاب ، فحال هذا النهي حال النهي في القسم الأول من الأقسام الخمسة المتقدمة أي : النهي عن نفس العبادة ؛ بل هو عينه حقيقة.
وأمّا استظهار أحد الوجهين المذكورين فمنوط بخصوصيّات الموارد.
(١) أي : ليست الأمور المذكورة واسطة في العروض ؛ حتى يكون المنهي عنه في الحقيقة هو نفس تلك الأمور ، ويكون النهي عن العبادة بالعرض والمجاز.
(٢) جواب «إن» الشرطية في قوله : «وإن كان النهي عنها» ، وكلمة «إن» في قوله : «وإن كان بواسطة أحدها» وصلية ، ومعنى العبارة حينئذ : أن المنهي عنه نفس العبادة وإن كان النهي بسبب أحد تلك الأمور ؛ إلّا إن أحدها من قبيل العلّة لتعلق النهي بالعبادة.
(٣) يعني : تعلّق النهي بنفس العبادة ، وقد أشار إليه في أول الأمر الثامن بقوله : «أنّ متعلق النهي إمّا أن يكون نفس العبادة». وكونه كالقسم الأول لرجوعه إليه حقيقة ؛ لأنّ مناط الفساد هو المبغوضية مطلقا سواء كانت ذاتية أم عرضية ناشئة عن أحد هذه الأمور.
(٤) أي : فلا تغفل عن انقسام النهي عن العبادة لجزئها أو شرطها أو وصفها.
(٥) يعني : أقسام النهي في المعاملات مثل : أقسامه في العبادات وأمثلة النهي في المعاملات هي حسب ما يلي على نحو الإيجاز والاختصار :
١ ـ المعاملة المنهي عنها لذاتها هي : كالبيع الربوي.
كما أن تفصيل الأقوال (١) في الدلالة على الفساد وعدمها ، التي ربما تزيد على العشرة ـ على ما قيل ـ كذلك (٢).
إنّما المهم بيان ما هو الحق في المسألة ، ولا بد في تحقيقه على نحو يظهر الحال في الأقوال من بسط المقال في مقامين :
الأول (٣) في العبادات :
فنقول ، وعلى الله الاتكال : أن النهي المتعلق بالعبادة بنفسها ولو كانت جزء
______________________________________________________
٢ ـ أما المنهي عنها لجزئها فهو : كبيع الشاة بالخنزير ، حيث يكون بيع الشاة منهيا عنه بلحاظ ثمنه ، وهو الجزء المقوّم للبيع ؛ إذ قوام البيع بأمور أربعة : ١ ـ البائع. ٢ ـ المشتري. ٣ ـ المثمن. ٤ ـ الثمن. وباقي الأمور المذكورة في علم الفقه يكون من شرائطه.
٣ ـ وأما المعاملة المنهي عنها لشرطها فهي كالنكاح بشرط كون الطلاق بيد الزوجة ، وبيع العنب بشرط أن يعمل خمرا.
٤ ـ وأما المنهي عنها لوصفها اللازم فهي كبيع الحصاة والمنابذة.
٥ ـ وأما المنهي عنها لوصفها المفارق فهي كنكاح المرأة المحرمة ؛ مثل : نكاح الأمة من غير إذن سيّدها ومالكها ، وأكل لحم الشاة ، فأكل لحمها منهي عنه بلحاظ عنوان الجلالية. ومن المعلوم : أن عنوان الجلّالية يزول عنها بالاستبراء المقرر شرعا. وقد ظهر حكم هذه الأقسام من حكم أقسام النهي في العبادات ، «فلا يكون بيانها على حدة بمهم».
(١) أي : كما أن تفصيل أقوال الأصوليين في دلالة النهي على الفساد وعدم دلالته عليه ليس بمهم ؛ لأنّها تزيد على العشرة ، والمقام لا يسع تفصيلها ، مضافا إلى أن أكثرها مردود عند المصنف «قدسسره» ، فلا فائدة في النقض والإبرام فيها ، وإنّما المهم هو بيان قول الحق في المسألة ، وتحقيق الحق على نحو يظهر الحال في الأقوال يتوقف على بسط المقال في مقامين.
(٢) أي : ليس بمهمّ.
المقام الأوّل في العبادات
(٣) يعني : المقام الأول : في اقتضاء النهي عن العبادة للفساد ، وتقديم بحث العبادات على بحث المعاملات لأشرفيّتها عليها.
عبادة (١) بما هو عبادة ـ كما عرفت ـ مقتض لفسادها ؛ لدلالته على حرمتها ذاتا ، ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الأمر أو الشريعة مع الحرمة ، وكذا بمعنى
______________________________________________________
(١) كالنهي عن قراءة العزائم في الصلاة «بما هو عبادة» قيد لجزء العبادة ، ويدل عليه تذكير الضمير
وكيف كان ؛ فإن النهي المتعلق بالعبادة سواء كان المنهي عنه عبادة مستقلّة كقوله : «لا تصلّ في الدار المغصوبة» ، أم جزءا لها كقوله : «لا تقرأ العزائم في الصلاة» ، أم شرطا لها كقوله : «لا تتوضأ بالماء المغصوب» يقتضي الفساد ، فإنّ العبادة ـ بوصف كونها عبادة ـ لا فرق في فسادها بالنهي المتعلق بها بين هذه الأقسام الثلاثة ؛ لوجود ملاك الفساد ـ وهو دلالة النهي بطبعه مجرّدا عن القرينة على الحرمة الذاتية الملازمة للفساد ـ في العبادات ؛ لأن الحرمة تكشف عن المبغوضية المضادة للمحبوبية المقوّمة للعبادة ، ومن البديهي : أن المحبوبية لا تجتمع مع المبغوضية في شيء واحد ، فلا محالة يكون النهي رافعا للأمر فيفسد المنهي عنه ، سواء كان نفس العبادة أم جزئها أم شرطها ، غاية الأمر : أن سراية فساد الجزء أو الشرط إلى نفس العبادة منوطة بالاكتفاء به وعدم تداركه كما سبق.
قوله : «لدلالته على حرمتها ذاتا» تعليل لاقتضاء النهي للفساد.
وقوله : «ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة ...» إلخ تقريب لملازمة الحرمة للفساد في العبادات ، وامتناع اجتماع الصحة عند المتكلم والفقيه مع النهي الدّال على الحرمة الذاتية.
أمّا الصحّة عند المتكلم : فلأنّه مع الحرمة لا أمر حتى يتحقق موافقة الأمر أو الشريعة ، ضرورة : أن الإتيان بالحرام الذاتي معصية ، ومعها كيف يكون المنهي عنه موافقا للأمر أو الشريعة؟
وأمّا الصحة عند الفقيه : فلما أفاد المصنف بقوله : «وكذا بمعنى سقوط الإعادة» ؛ لأن سقوط الإعادة مترتّب على إتيان العبادة بقصد القربة ، وكانت العبادة ممّا يصلح لأن يتقرب بها.
وحاصل ما أفاده المصنف في المقام : أن الصحة عند الفقيه منوطة بأمرين :
أحدهما : إتيان العمل بقصد القربة ؛ إذ بدونه لا تصحّ العبادة حتى تسقط الإعادة.
وثانيهما : كونه صالحا لأن يقرّب العبد إلى مولاه ، فإن لم يكن كذلك ـ كما إذا كان حراما ومبغوضا ـ فلا يصلح للمقربيّة ، وبالتالي فلا تصح العبادة.
قوله : «ولا يتأتّى قصدها» عطف على «يصلح» أي : لا يكاد يتأتّى قصد القربة من
سقوط الإعادة ، فإنّه مترتّب على إتيانها بقصد القربة ، وكانت ممّا يصلح لأن يتقرّب به ، ومع الحرمة لا تكاد تصلح لذلك ، ولا يتأتّى قصدها من الملتفت إلى حرمتها كما لا يخفى.
لا يقال : هذا (١) لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية ، ولا يكاد يتّصف بها العبادة ؛ لعدم (٢) الحرمة بدون قصد القربة ، وعدم القدرة عليها مع قصد القربة بها إلّا
______________________________________________________
الملتفت إلى حرمة العبادة ؛ لما عرفت من تضاد الحرمة مع صحة العبادة ، وإن أمكن قصد القربة بها مع عدم الالتفات إلى الحرمة ؛ إلّا إنّ مجرّد قصدها مع عدم صلاحية الفعل بنفسه للمقربيّة لا يكفي في سقوط الإعادة.
(١) أي : الذي ذكر من دلالة النهي على الفساد إنّما يتمّ فيما لو كان النهي عن العبادة دالّا على الحرمة الذاتية ، كما اعترف المستدل بقوله :
«لدلالته على حرمتها ذاتا».
وحاصل ما أفاده المصنف في تقريب الإشكال : أن النهي لا يدل على الفساد إلّا إذا دل على الحرمة الذاتية ، والمفروض : عدم دلالته على ذلك ؛ لامتناع اتصاف العبادة بالحرمة الذاتية ، لأنّه إن أتى بالعمل بدون القربة كصلاة الحائض لتمرين الصبيّ فلا يتصف بالحرمة ؛ لأنّ المحرم هو العبادة الّتي تتقوّم بقصد القربة ، وبدون قصدها لا يكون العمل عبادة حتى تفسد بحرمتها الناشئة من النهي.
وإن أتى بالعمل مع قصد القربة كان مشرّعا ؛ إذ لا أمر به مع حرمته ، فلا يقدر على نيّة القربة إلّا بتشريع أمر ليقصد التقرّب به ، وحينئذ يحرم العمل للتشريع ، ومع هذه الحرمة التشريعية يمتنع اتصافه بالحرمة الذاتية لاجتماع المثلين المستحيل.
وملخص الكلام في المقام : أنّ النهي عن العبادة لمّا لم يدل على الحرمة الذاتية لامتناع اتصاف العبادة بها ، فلم يدل على الفساد أيضا ، فلا يصح الالتزام بدلالته على فساد العبادة ، كما التزموا بها. هذا غاية ما يقال في تقريب الإشكال.
(٢) تعليل لعدم اتصاف العبادة بالحرمة الذاتية.
وحاصل التعليل : أنه بدون قصد القربة لا موضوع للحرمة ؛ لأن المفروض : كون المنهي عنه هي العبادة المتقومة بقصد القربة. ومع قصد القربة تحرم تشريعا ؛ إذ لا أمر بها إلا بالتشريع المحرم ، ومع حرمة التشريع لا تتصف بحرمة أخرى وهي الحرمة الذاتية ؛ لامتناع اجتماع المثلين ، كما أشار إليه بقوله : «لا تتصف بحرمة أخرى» أي : الحرمة الذاتية.
تشريعا ، ومعه تكون محرّمة بالحرمة التشريعية. لا محالة ، ومعه لا تتصف بحرمة أخرى ، لامتناع اجتماع المثلين كالضدين.
فإنّه يقال (١) : لا ضير في اتّصاف ما يقع عبادة لو كان مأمورا به بالحرمة الذاتية ،
______________________________________________________
في جواب المصنف عن الإشكال المذكور
(١) وقد أجاب المصنف عن الإشكال بوجوه :
الأول : ما أشار إليه بقوله : «لا ضير في اتّصاف ما يقع عبادة ...» إلخ. وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن العبادة تارة : تكون شأنية بمعنى : أنه لو أمر به كان عبادة وكان أمره عباديا لا توصليا ولا يسقط أمره إلّا بقصد القربة نحو : «لا تصم يومي العيدين» ؛ بناء على حرمته ذاتا ، فصوم العيدين عبادة شأنية ، بحيث لو فرضنا ورود الأمر من قبل الشارع لكان أمره أمرا عباديا ؛ كالأمر بصوم سائر الأيام.
وأخرى : تكون العبادة عبادة ذاتية فعلية ؛ كالسجود والتحميد لله تعالى.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المراد من العبادة في العنوان هو العبادة الشأنية لا العبادة الذاتية الفعلية. فما ذكره المستشكل من امتناع اتّصاف العبادة بالحرمة الذاتية ممنوع ؛ إذ لا مانع من اتصاف العبادة الشأنية بها ، فإنّ صوم العيدين عبادة شأنية ، ويمكن أن يكون في صومهما مفسدة ملزمة أوجبت حرمته الذاتية ؛ كحرمة شرب الخمر. هذا هو الوجه الأول في الجواب.
أمّا الوجه الثاني الذي أشار إليه بقوله : «مع إنّه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة» فحاصله : أنّ ما ذكره المستشكل من «أنّه مع الحرمة التشريعية يمتنع اتصافه بالحرمة الذاتية ؛ للزوم اجتماع المثلين الذي هو محال كاجتماع الضدين» فحاصله : ممنوع ؛ لأن مورد اجتماع المثلين المحال هو اتحاد الموضوع ، وأما مع تعدده فلا يلزم محذور اجتماع المثلين أصلا ، والمقام من هذا القبيل ، ضرورة : أن موضوع حرمة التشريع هو الالتزام بكون شيء من الدين ، مع العلم بعدم كونه من الدين ، أو لا يعلم أنّه منه.
ومن المعلوم : أن الالتزام فعل قلبي ، وموضوع الحرمة الذاتية نفس الفعل الخارجي ؛ كالسجود من الجنب ، أو الحائض ، ومع تعدد الموضوع لا تجتمع الحرمتان حتى يلزم اجتماع المثلين المحال.
وأما الوجه الثالث الذي أشار إليه بقوله : «مع إنه لو لم يكن النهي فيها ...» إلخ فحاصله : أنّه يمكن البناء على فساد العبادة المنهي عنها وإن لم نقل بدلالة النهي على الحرمة ؛ إذ لا أقلّ من دلالته على عدم كون الفرد المنهي عنه مأمورا به ، إذ لا معنى للنهي مع الأمر الفعلي ، وبدون الأمر يكون حراما تشريعيا فاسدا ؛ لكفاية الحرمة التشريعية في الفساد ، فيخرج هذا الفرد المنهي عنه عن إطلاق الدليل أو عمومه الدال على صحة كل فرد فرض وجوده من أفراد طبيعة العبادة.
مثلا : صوم العيدين كان عبادة منهيا عنها ، بمعنى : إنه لو أمر به كان عبادة لا يسقط الأمر به إلّا إذا أتى به بقصد القربة كصوم سائر الأيّام.
هذا فيما إذا لم يكن ذاتا عبادة ؛ كالسجود لله ونحوه ، وإلّا كان محرّما مع كونه فعلا عبادة ، مثلا : إذا نهى الجنب أو الحائض عن السجود له «تبارك وتعالى» كان عبادة محرّمة ذاتا حينئذ ، لما فيه من المفسدة والمبغوضيّة في هذا الحال (١).
مع أنّه (٢) لا ضير في اتّصافه بهذه الحرمة (٣) مع الحرمة التشريعية ، بناء على أن الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متصفا بالحرمة ؛ بل إنّما يكون المتصف بها ما هو من أفعال القلب (٤) ، كما هو الحال في التجري والانقياد (٥) فافهم (٦).
______________________________________________________
وبالجملة : وزان النهي عن عبادة خاصة ـ فيما إذا كان هناك عموم أو إطلاق يقتضي صحتها لو خلّي وطبعه ـ وزان الأمر الواقع عقيب الحظر ، فكما لا يدل الأمر هناك على الوجوب الذي هو مدلوله لغة أو عرفا ؛ بل يكون إرشادا إلى رفع الحظر السابق ، فكذلك النهي في المقام ، فإنّه لا يدل على الحرمة التي هي مدلوله اللغوي أو العرفي ؛ بل يكون إرشادا إلى فساد هذا الخاص من بين الخصوصيّات المشمولة للعام ، أو المطلق لو خلّي وطبعه ، وعدم كونه محبوبا عند المولى. وعليه فيستحيل التقرّب بإكرام العالم الظالم الذي ليس فيه ملاك وجوب الإكرام ، أو أنّ ملاكه مغلوب لملاك حرمته وإن كان مشمولا أوّلا لقوله : «أكرم العلماء» ، فقد ظهر : أن التقرب بالملاك أيضا غير ممكن ؛ لمغلوبيته بملاك النهي كما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٢٨٣».
(١) أي : حال الجنابة والحيض.
(٢) الضمير للشأن ، وهذا إشارة إلى الوجه الثاني من الوجوه الّتي أجاب بها المصنف عن الإشكال ، وقد تقدم توضيح ذلك ، فلا حاجة إلى التكرار.
(٣) أي : الحرمة الذاتية ، وضمير «اتصافه» راجع إلى السجود ، والضمير في «فيها» راجع إلى العبادة المحرّمة بالحرمة التشريعية ، وفي «بها» راجع إلى الحرمة التشريعية.
(٤) لأن التشريع عبارة عن البناء على حكم الواقعة كذا ، والالتزام بدخول ما لا يعلم أنّه من الدين في الدين.
(٥) في كونهما من أفعال القلب ، فإنّ الأوّل عصيان قلبي ، والثاني : طاعة قلبيّة. وعلى هذا : فلا تجتمع الحرمة الذاتية مع الحرمة التشريعية في موضوع واحد ؛ لأن موضوع الحرمة الذاتية هو الفعل من أفعال الجوارح ، وموضوع الحرمة التشريعية هو القصد القلبي ، فيكون من أفعال الجوانح.
(٦) لعلّه إشارة إلى عدم دفع اجتماع المثلين : لأن الحرمة التشريعية ـ وإن كانت
هذا مع أنّه (١) لو لم يكن النهي فيها دالا على الحرمة لكان دالا على الفساد ؛ لدلالته على الحرمة التشريعية ، فإنّه لا أقل من دلالته على إنّها ليست بمأمور بها وإن عمّها إطلاق دليل الأمر بها أو عمومه.
نعم (٢) ؛ لو لم يكن النهي عنها إلّا عرضا ، كما إذا نهي عنها فيما كانت ضدّ الواجب مثلا ، لا يكون مقتضيا للفساد ، بناء (٣) على عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ إلّا كذلك ـ أي : عرضا ـ فيخصّص (٤) به أو يقيّد.
______________________________________________________
متقوّمة بالقصد ـ إلّا إنّ الفعل يتصف بها ، وحينئذ يجتمع المثلان كما ذكره المستشكل. فمراده : حرمة نفس الفعل بحرمتين ، واتصافه بهما.
(١) الضمير للشأن ، وهذا إشارة إلى الوجه الثالث من الوجوه الّتي أجاب بها المصنف عن الإشكال ، وقد تقدم حاصل ما أفاده المصنف من الجواب.
وحاصل هذا الوجه بعبارة أخرى : أنّه سلّمنا أن النهي عن العبادة لا تكون نهيا ذاتيا ؛ إلّا إنّه لا أقلّ من كونه إرشادا إلى الفساد لانتفاء ملاك العبادية من أمر أو مصلحة ، فيخرج عن عمومات حسن العبادة وإطلاقاته ، فيكون التقرب تشريعا مفسدا ؛ إلّا إنّ هذا يتمّ في مثل الصوم المتوقف عباديّته على الأمر لا في مثل السجود لله تعالى ، فإنّه عبادة ذاتية من دون حاجة إلى أمر ، فالنهي عنه إرشادا إلى عدم الأمر به لا يدل على فساده.
(٢) هذا استدراك على قوله : «لكان دالا على الفساد» ، وحاصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٢٨٤» ـ : أن ما ذكرناه من دلالة النهي على الفساد لدلالته على الحرمة التشريعية إنّما هو فيما إذا لم يكن النهي عرضيا ؛ كالنهي عن ضدّ الواجب كالصلاة المضادة للإزالة بناء على كون النهي عن ضدّ الواجب عرضيا ، حيث إن المنهي عنه حقيقة هو ترك الإزالة مثلا ، فالنهي عن الصلاة ونحوها ممّا يلازم ترك الإزالة يكون عرضيا لا حقيقيا ، والنهي العرضيّ لا يقتضي الفساد.
(٣) يعني : أنّ كون النهي عن ضدّ الواجب عرضيا مبنيّ على أن لا يكون النهي الذي يقتضيه الأمر بالشيء إلّا نهيا عرضيا.
(٤) يعني : فيخصّص أو يقيّد بهذا النهي العرضي عموم أو إطلاق النهي الدّال على الفساد.
فالمتحصّل : أنّ النهي بأنحائه الثلاثة ـ من الذاتي والتشريعي والإرشادي ـ يدلّ على فساد العبادة المنهي عنها بأحد هذه الأنحاء الثلاثة.