دروس في الكفاية - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦

بالوجوب عليه (١) قبله ، كما عن البهائي «رحمه‌الله» تصريحه : بأن لفظ الواجب مجاز في المشروط ، بعلاقة الأول أو المشارفة (٢).

______________________________________________________

أي : الوجوب في الحال ؛ لما عرفت من : أن الوجوب في الواجب المشروط على مختار الشيخ مطلق (١) ، وليس مشروطا بشيء.

(١) أي : لا تلبس بالوجوب قبل الشرط على مختار المصنف. فقوله : «حيث لا تلبس» تعليل للمجازية على مختاره.

وجه المجازية : هو عدم تلبس المادة بالوجوب على المختار قبل حصول الشرط.

(٢) الفرق بين علاقة الأول وعلاقة المشارفة : أن الأولى : ما كانت المناسبة بين ذاتين ، فتسمى الذات في الحالة الأولى باسمها في الحالة الثانية ، كأن يسمى الإنسان ترابا بعلاقة أوله إليه أي : صيرورته ترابا فيما بعد ، وكإطلاق الخمر على العنب في قوله تعالى : (إنّي أراني أعصر خمرا). يوسف : ٣٦ ؛ بعلاقة الأول ؛ نظرا إلى صيرورته خمرا فيما بعد.

وعلاقة المشارفة هي : ما إذا كانت المناسبة بين الزمانين ، بأن يسمى الشيء في هذا الحال باسمه في الحال الثاني لتقارب الزمانين ؛ كإطلاق القتيل مثلا على المصلوب المشرف على الموت بلحاظ قربه من القتل. وكإطلاق القتيل على المشرف على القتل في الرواية ؛ وهي قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «من قتل قتيلا فله سلبه» (٢) ، فإن القتيل هو فعيل بمعنى مفعول ، ومعنى الرواية : «من قتل مقتولا فله سلبه». والحال : إنه لا معنى لقتل المقتول ثانيا ، لكن أطلق الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الكافر الحي «مقتولا» بعلاقة المشارفة ؛ لأنه علم أنه مقتول بعد دقائق أو ساعة ، فيكون مشرفا على القتل وزهوق الروح.

وكيف كان ؛ فكان إطلاق الواجب على الواجب المشروط قبل حصول الشرط على نحو المجاز بعلاقة الأول أو المشارفة. فنتيجة البحث : أنه إذا أطلق الواجب على الواجب المشروط بلحاظ حال حصول الشرط يكون على نحو الحقيقة عند الكل.

وأما إذا كان بلحاظ حال قبل الشرط : فيكون مجازا على مذهب المصنف الذي هو المشهور ، وحقيقة على مختار الشيخ «قدس‌سره». هذا تمام الكلام في الشطر الأول.

أما الشطر الثاني : فقد أشار إليه بقوله : «وأما الصيغة مع الشرط» مثل قول القائل : «حج إن استطعت» ، فهي حقيقة على كل حال ؛ أي : سواء كان الشرط قيدا للهيئة أم

__________________

(١) مطارح الأنظار ، ج ١ ، ص ٢٤٤.

(٢) عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في البحار ، ج ٤١ ، ص ٧٢ ، ح ٣.

٦١

وأما الصيغة مع الشرط : فهي حقيقة على كل حال ؛ لاستعمالها على مختاره «قدس‌سره» في الطلب المطلق ، وعلى المختار في الطلب المقيد على نحو تعدد الدال والمدلول ، كما هو الحال (١) فيما إذا أريد منها المطلق المقابل للمقيد ؛ لا المبهم المقسم. فافهم.

______________________________________________________

قيدا للمادة ؛ لأن الصيغة في المثال المذكور قد استعملت في معناها حقيقة على كلا القولين ؛ أما على قول الشيخ فواضح ؛ لأن الطلب المستفاد من الصيغة غير مشروط بشيء أصلا.

وأما على قول المشهور ـ الذي هو مختار المصنف ـ : فلكون الطلب مستفادا من الصيغة ، وتقيده مستفادا من دال آخر ـ وهو الشرط ـ فالصيغة لم تستعمل إلّا في معناها وهو إنشاء الطلب والوجوب.

(١) غرض المصنف من هذا الكلام هو : تنظير إرادة الطلب المطلق بمعنى الإرسال من الصيغة بإرادة الطلب المقيد منها ؛ في كون كل من الإطلاق والتقييد بدال آخر ، وعدم لزوم مجاز أصلا.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الطلب على أقسام :

الأول : الطلب المقسمي المنقسم إلى المطلق والمقيد ، وقد عبر المصنف عنه بقوله : «المبهم المقسم» وهو اللابشرط المقسمي.

الثاني : الطلب المطلق المقابل للمقيد ؛ وهو : الطلب المقيد بالإطلاق والإرسال.

الثالث : الطلب المقيد.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن الصيغة وضعت للقسم الأول من الطلب ، وهو اللابشرط المقسمي المعروض للإطلاق والتقييد ، فالطلب المطلق المقابل للمقيد بمعنى : ما يكون شاملا لما قبل الشرط وما بعده ؛ كالطلب المقيد خارج عن المعنى الموضوع له ، ومفاد الصيغة على كل حال هو أمر واحد ـ وهو أصل الطلب ـ من دون دلالتها على الإطلاق والتقييد ، بل هما مستفادان من دال آخر وهو الشرط ، ومقدمات الحكمة ؛ بمعنى : أن الصيغة تدل على أصل الطلب ، والشرط يدل على التقييد ، ومقدمات الحكمة تدل على الإطلاق ، فدلالة الصيغة على كل واحد من الإطلاق والتقييد تكون بنحو تعدد الدال والمدلول.

فيكون استعمال الصيغة على نحو الحقيقة على كل حال ، غاية الأمر : الإطلاق على ما هو مختار الشيخ مستفاد من مقدمات الحكمة ، والتقييد على مختار المصنف مستفاد من الشرط ؛ كما هو مقتضى تعدد الدال والمدلول.

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله : «فافهم» لعله إشارة إلى احتمال أن لا تكون الصيغة مستعملة في كل من الطلب المقيد والطلب المطلق المقابل للمقيد ؛ بنحو تعدد الدال والمدلول ، بل تكون الصيغة بنفسها مستعملة في الطلب المقيد ، أو في الطلب المطلق المقابل للمقيد مجازا. غايته : أن الشرط ومقدمات الحكمة قرينة على المجاز ؛ وعليه : فلا يكون استعمالها على نحو الحقيقة ؛ بل يكون مجازا لكونه في غير ما وضع له أي : في غير المبهم المقسم وهي الطبيعة اللابشرط المقسمي.

خلاصة البحث مع نظريات المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ أن الواجب المطلق : ما لا يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده ؛ كالصلاة بالنسبة إلى الطهارة ، والواجب المشروط : ما يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده ؛ كالحج بالإضافة إلى الاستطاعة ، وما ذكر لهما من التعاريف تعاريف لفظية وليست بحقيقية ؛ لأنها ليست مطردة ولا منعكسة.

ثم إطلاق المطلق على الواجب المطلق ، وإطلاق المشروط على الواجب المشروط إنما هو بما لهما من المعنى اللغوي والعرفي ، وليس للأصوليين اصطلاح خاص فيهما ، كما أن الظاهر : أن الإطلاق والاشتراط وصفان إضافيان لا حقيقيان ؛ إذ يمكن أن يكون شيء واحد مطلقا بالإضافة إلى شيء ، ومشروطا بالإضافة إلى الآخر ؛ مثل وجوب الصلاة مثلا فإنه مطلق بالإضافة إلى الطهارة ، ومشروط بالإضافة إلى دخول الوقت والزوال.

٢ ـ النزاع المعروف بين الشيخ الأنصاري وغيره من الأعلام هو : رجوع القيود المأخوذة في لسان الأدلة إلى الهيئة كما هو مختار المصنف تبعا للمشهور. وإلى المادة حسب مختار الشيخ الأنصاري ؛ حيث قال : بامتناع رجوع القيد إلى الهيئة ، ولزوم كونه من قيود المادة لبّا ؛ مع اعترافه بأن قضية القواعد العربية أنه من قيود الهيئة ، فيرجع ما ادعاه إلى دعويين :

١ ـ دعوى استحالة رجوع القيد إلى الهيئة. ٢ ـ دعوى لزوم رجوعه إلى المادة لبّا.

وقد استدل الشيخ على ذلك بوجوه ؛ إلّا إن المصنف جعل بعضها اعتراضا على ما اختاره من رجوع القيد إلى الهيئة ، ثم أجاب عنه فانتظر ذلك.

وقد ذكر وجهين منها دليلا على ما اختاره الشيخ من رجوع القيد إلى المادة ، وامتناع رجوعه إلى الهيئة.

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الوجه الأول : ـ وهو الدليل على الدعوى الأولى أعني : استحالة رجوع القيد إلى الهيئة ـ أن مفاد الهيئة معنى حرفي غير قابل للإطلاق والتقييد ، لأن الحرف موضوع للمعنى الجزئي الحقيقي ، ومن البديهي : أن الجزئي الحقيقي غير قابل للتقييد ، فيمتنع رجوع القيد إلى الهيئة لعدم قابليته للتقييد.

الوجه الثاني : ـ وهو الدليل على الدعوى الثانية أعني : لزوم كون القيد من قيود المادة لبّا ـ هو : شهادة الوجدان بعدم اشتراط الوجوب والطلب في شيء من الموارد ؛ لأن القيد في جميع تلك الموارد راجع إلى المادة ، وتلك الموارد مذكورة في المتن.

وقد أجاب المصنف عن الوجه الأول بقوله : «أما حديث عدم الإطلاق في مفاد الهيئة ...» إلخ.

وملخص الجواب : أن مفاد الهيئة وإن كان معنى حرفيا إلّا إن المعنى الحرفي عند المصنف كالمعنى الاسمي يكون مفهوما كليا قابلا للإطلاق والتقييد ، فلا مانع من رجوع القيد إلى مفاد الهيئة ، لكونه كليا لا جزئيا حقيقيا. هذا أولا.

وثانيا : لو سلمنا أن الهيئة مستعملة في الفرد من الطلب ؛ إلّا إن الفرد لا يقبل التقييد إذا أنشئ أولا مطلقا ، ثم أريد تقييده ، فلا يعقل انقلاب الشخص المنشأ مطلقا إلى الشخص المقيد. هذا بخلاف ما إذا أنشئ من الأول مقيدا ؛ بحيث يلاحظ القيد والمقيد فيصبّ عليهما الإنشاء مرة واحدة ، فالممتنع هو الأول لا الثاني.

«فإن قلت : على ذلك ...» إلخ أي : على ما ذكرت من كون الشرط قيدا للهيئة ؛ «يلزم تفكيك الإنشاء عن المنشأ» وهو مستحيل ، وهذا الإشكال في الحقيقة دليل ثالث للشيخ على امتناع رجوع القيد إلى الهيئة ؛ بتقريب : أن الإنشاء والمنشأ من قبيل الإيجاد والوجود ، والعلة والمعلول في استحالة الانفكاك ؛ فكما لا ينفك الوجود عن الإيجاد ، والمعلول عن العلة ؛ فكذلك لا ينفك المنشأ عن الإنشاء ؛ لأن الإنشاء علة للمنشإ ، وعلى تقدير كون الشرط قيدا للهيئة يلزم انفكاك الإنشاء عن المنشأ زمانا ؛ لأن الطلب لا يحصل إلّا بعد حصول شرطه ، والمفروض : أن الإنشاء حالي ، والمنشأ ـ وهو الطلب ـ استقبالي فيلزم الانفكاك وهو مستحيل ، فلا محيص عن رجوع القيد إلى المادة كما هو مختار الشيخ.

وحاصل ما أفاده المصنف في الجواب : أن الإنشاء وإن كان علة للمنشإ ؛ إلّا إنه ليس علة تامة في جميع الموارد ؛ بل قد يكون علة ناقصة بأن يكون الإنشاء جزء العلة ،

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وجزؤها الآخر هو الشرط فلا يلزم الانفكاك.

قوله : «وأما حديث لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبّا ففيه ...» إلخ جواب عن الوجه الثاني على الدعوى الثانية وهي لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبّا.

وملخص الجواب عنه هو : صحة رجوع الشرط إلى الهيئة ، وعدم امتناعه ؛ من دون فرق بين القول بتبعية الأحكام لما في أنفسها من المصالح والمفاسد ، وبين القول بتبعيتها لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد على ما عليه الأكثر ؛ لأن تلك المصالح على القولين : يمكن أن يكون حصولها مشروطا بشرط ، فالطلب والحكم يكون مشروطا بذلك الشرط ، فيضطر الإنسان إلى إنشاء طلب مشروط بشرط مترقب الحصول لتحصيل تلك المصلحة.

ومحصل الكلام : أن الأحكام الشرعية ليست جزافية عند العدلية ، بل هي تابعة للمصالح ، وحينئذ قد يرى المولى أن الفعل الكذائي على إطلاقه مشتمل على المصلحة أو الحكم الكذائي كذلك ؛ فلا محالة يأمر به على نحو الإطلاق ، أو ينشئ الحكم كذلك.

وقد يرى أن الفعل الكذائي أو الحكم الكذائي ـ حال كونه مقيدا بقيد ـ مشتمل على المصلحة لا مطلقا ، فلا محالة يأمر به على نحو المقيد ، أو ينشئ الحكم كذلك.

وكيف كان ؛ فالنتيجة هي : صحة رجوع القيد إلى الهيئة ولا يكون ممتنعا. «فإن قلت : فما فائدة الإنشاء» أي : هذا الاعتراض من المصنف على نفسه ؛ دليل رابع للشيخ القائل برجوع القيد إلى المادة ؛ بتقريب : أن رجوع القيد إلى الهيئة عديم الفائدة ، فيلزم أن يكون الإنشاء بدون ترتب المنشأ عليه لغوا.

وحاصل الجواب أن للإنشاء فائدتين :

الفائدة الأولى : أن يصير الحكم فعليا بعد حصول الشرط ؛ من دون حاجة إلى خطاب جديد بعد حصول الشرط بل ربما لا يتمكن المولى من الخطاب الجديد بعد حصول الشرط لوجود مانع.

الفائدة الثانية : هو شمول الخطاب وعمومه لواجد الشرط وفاقده ، فيكون الخطاب فعليا لواجد الشرط ، ومشروطا لفاقده.

٣ ـ دخول المقدمات الوجودية للواجب المشروط في محل النزاع ؛ كدخول المقدمات الوجودية للواجب المطلق فيه ؛ فلا وجه لتخصيص النزاع بمقدمات الواجب المطلق ، وخروج مقدمات الواجب المشروط مطلقا عن محل النزاع كما هو المشهور ، ولهذا

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

خص بعض العلماء النزاع بمقدمات الواجب المطلق ، والمصنف يقول بعدم الفرق بين الواجب المشروط والواجب المطلق في المقدمات الوجودية ؛ فهي داخلة في محل النزاع ؛ لأن الواجب المشروط بعد تحقق مقدماته الوجوبية يصير فعليا ، فيأتي النزاع في مقدماته الوجودية.

وأما المقدمات الوجوبية فلا ريب في خروجها عن محل النزاع على كلا القولين.

وأما خروجها على مذهب المشهور والمنصور : فلكونها مقدمات وجوبية. وأما خروجها على مختار الشيخ من رجوع القيد إلى المادة : فلأجل أن الشرط أخذ على نحو لا يكاد يترشح إليه الوجوب من الواجب ؛ لأنه جعل مثل الحج واجبا على تقدير حصول الاستطاعة ، ومع حصولها لا يعقل إنشاء الطلب ؛ إذ ليس الطلب حينئذ إلّا طلب الحاصل وهو محال.

نعم ؛ إن الفرق بين مبنى الشيخ الأنصاري ومبنى المشهور إنما هو في سائر المقدمات الوجودية غير المعلق عليه الإيجاب في ظاهر الخطاب ، فهي واجبة على مبنى الشيخ ، وليست واجبة على مبنى المشهور الذي هو مختار المصنف «قدس‌سره».

«هذا في غير المعرفة والتعلم» ، وأما المعرفة : فهي واجبة مطلقا أي : حتى في الواجب المشروط بالمعنى المختار ؛ وهو كون الشرط قيدا للهيئة. ولكن الوجه في وجوبها ليس الملازمة بين وجوبي المقدمة وذيها حتى يقال : كيف يعقل وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها في الواجب المشروط ؛ بل وجوبها من باب حكم العقل بذلك ؛ للعلم الإجمالي بالأحكام الموجب للفحص عنها ، وتحصيل المؤمّن من العقوبة على مخالفتها. هذا مضافا إلى روايات آمرة بتعلم الأحكام.

٤ ـ في تحقيق حال إطلاق الواجب على الواجب المشروط ؛ من حيث الحقيقة والمجاز ، وإطلاق الصيغة مع الشرط.

أما إطلاق الواجب على الواجب المشروط بلحاظ حال النسبة ، وحصول الشرط فيكون على نحو الحقيقة مطلقا أي : كان الشرط قيدا للهيئة أم للمادة.

وأما إطلاقه عليه بلحاظ ما قبل الشرط فيكون على نحو الحقيقة أيضا على ما هو مختار الشيخ من : كون الشرط قيدا للمادة ، وعلى نحو المجاز على مختار المصنف ؛ لأنه مشتق ، وإطلاق المشتق على من لم يتلبس بعد بالمبدإ مجاز كما سبق في مباحث المشتق.

وأما إطلاق الصيغة مع الشرط مثل : «حج إن استطعت» فحقيقة على كل حال أي :

٦٦

ومنها (١) : تقسيمه إلى المعلق والمنجز ، قال في ...

______________________________________________________

سواء كان الشرط قيدا للهيئة أم قيدا للمادة ؛ لأن الصيغة في المثال قد استعملت في معناها ـ وهو أصل الطلب ـ وأما الإطلاق أو التقييد فمستفادان من دال آخر كالشرط ومقدمات الحكمة ، فالدلالة على كل من الإطلاق والتقييد تكون بنحو تعدد الدال والمدلول ، فيكون استعمال الصيغة على نحو الحقيقة والإطلاق ـ على مذهب الشيخ ـ مستفاد من مقدمات الحكمة ، كما أن التقييد على مذهب المصنف مستفاد من الشرط.

٥ ـ أما نظريات المصنف :

فهي حسب ما يلي :

١ ـ التعاريف المذكورة للواجب المطلق والمشروط تعاريف لفظية لا حقيقية.

٢ ـ أن الإطلاق والتقييد وصفان إضافيان لا حقيقيان.

٣ ـ أن القيود المأخوذة في لسان الأدلة ترجع إلى مفاد الهيئة لا إلى المادة.

٤ ـ إطلاق الواجب على الواجب المشروط بلحاظ حصول الشرط على نحو الحقيقة ، وبلحاظ ما قبل حصوله يكون على نحو المجاز.

٥ ـ إطلاق الصيغة مع الشرط يكون على نحو الحقيقة على كل حال ؛ أي : سواء كان الشرط قيدا للهيئة ، أم قيدا للمادة.

في تقسيم الواجب إلى المعلق والمنجز

(١) من تقسيمات الواجب : تقسيمه إلى المعلق والمنجز وهو الذي ابتكره صاحب الفصول ، وفرّع عليه وجوب المقدمة قبل مجيء وقت العمل بذي المقدمة في الواجب المعلق.

وقد أفاد في بيان المراد من كل منهما ما في المتن من أن المنجز : ما يتعلق وجوبه بالمكلف ، ولا يتوقف حصوله على أمر غير مقدور كالمعرفة ، ويسمى بالواجب المنجز ؛ لأن التكليف فيه ثابت ومنجز.

والمعلق : ما يتعلق وجوبه بالمكلف ، ويتوقف حصوله على أمر غير مقدور له ؛ كالحج ، فإن الوجوب يتعلق به في أول أزمنة الاستطاعة ، أو خروج الرفقة ؛ لكن فعله يتوقف على مجيء وقته ، وهو غير مقدور للمكلف ، ويسمى بالواجب المعلق ؛ لأن الواجب فيه معلق على أمر غير مقدور كما عرفت في الحج.

وهناك جهات من البحث :

الجهة الأولى : هي الفرق بين الواجب المعلق ، والواجب المشروط عند المشهور.

٦٧

الفصول (١) إنه ينقسم باعتبار آخر إلى ما يتعلق وجوبه بالمكلف ، ولا يتوقف حصوله على أمر غير مقدور له كالمعرفة ؛ وليسمّ منجزا ، وإلى ما يتعلق وجوبه به ويتوقف حصوله على أمر غير مقدور له ؛ وليسمّ معلقا كالحج ، فإن وجوبه يتعلق بالمكلف من أول زمن الاستطاعة ، أو خروج الرفقة ، ويتوقف فعله على مجيء وقته وهو غير مقدور له ، والفرق بين هذا النوع (٢) وبين الواجب المشروط هو : أن التوقف هناك

______________________________________________________

الجهة الثانية : هي إنكار الشيخ لتقسيم صاحب الفصول الواجب المطلق إلى المنجز والمعلق.

الجهة الثالثة : إشكال المصنف على هذا التقسيم.

الجهة الرابعة : فيما يرد على الواجب المعلق من الإشكالين الآخرين.

وأما الفرق بين الواجب المعلق الفصولي والواجب المشروط المشهوري فهو : ما في كلام صاحب الفصول حيث قال : «والفرق بين هذا النوع».

(١) الفصول ، ص ٧٩ آخر الصفحة. نقلا عن كفاية الأصول طبع مؤسسة أهل البيت ، ص ١٠٠.

(٢) أي : الفرق بين الواجب المعلق «وبين الواجب المشروط هو : أن التوقف هناك» أي : في الواجب المشروط للوجوب ، «وهنا» أي : في الواجب المعلق «للفعل».

وحاصل الفرق : أن المعلق ما كان الوجوب فيه حاليا ، والواجب استقباليا أي : مقيدا بزمان متأخر.

والمشروط : ما كان الوجوب فيه متوقفا على شيء ، فالتوقف في المعلق الفصولي للفعل ، وفي المشروط المشهوري للوجوب.

وأما إنكار الشيخ «قدس‌سره» لهذا التقسيم : فلأن الواجب المعلق الفصولي هو عين الواجب المشروط الشيخي ، فتقسيم الشيخ الواجب إلى المطلق والمشروط يغني عن تقسيم الفصول الواجب إلى المنجز والمعلق.

توضيح ذلك : أن الشيخ الأنصاري قد أرجع جميع القيود في الخطاب التعليقي إلى المادة والواجب ، فالواجب المشروط عند الشيخ : ما كان الوجوب فيه حاليا ، والواجب استقباليا ، هذا هو عين الواجب المعلق عند صاحب الفصول ؛ لذهاب كل واحد منهما فيهما إلى رجوع القيد إلى الواجب ، وإلى كون الوجوب فعليا ، كما أن الواجب المنجز الفصولي هو عين الواجب المطلق الشيخي ، فلا معنى لتقسيم صاحب الفصول ، بل يكفي تقسيم الواجب إلى المطلق والمشروط على مبنى الشيخ.

نعم ؛ يمكن أن يقال : إن المعلق الفصولي أخص من المشروط الشيخي ؛ لأن الواجب المشروط عند الشيخ ما كان الواجب متوقفا على أمر استقبالي ؛ سواء كان ذلك الأمر

٦٨

وبين الواجب المشروط هو : أن التوقف هناك للوجوب ، وهنا للفعل. انتهى كلامه رفع مقامه.

لا يخفى : أن شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ حيث اختار في الواجب المشروط ذاك المعنى (١) ، وجعل الشرط لزوما من قيود المادة ثبوتا وإثباتا (٢) ، حيث ادعى امتناع كونه من قيود الهيئة كذلك ، أي : إثباتا وثبوتا ، على خلاف القواعد العربية ، وظاهر المشهور ، كما يشهد به (٣) ما تقدم آنفا عن البهائي ، أنكر على الفصول هذا التقسيم ؛

______________________________________________________

مقدورا ؛ كالاستطاعة بالإضافة إلى الحج ، أو غير مقدور ؛ كالموسم بالنسبة إليه ، فيكون المعلق الفصولي من مصاديق الواجب المشروط الشيخي.

وفي الحقيقة : أن إنكار الشيخ للواجب المعلق يرجع إلى إنكاره للواجب المشروط عند المشهور.

وكيف كان ؛ فالنسبة بين الواجب المشروط الشيخي والواجب المعلق الفصولي هي : عموم مطلق ، والواجب المشروط أعم من الواجب المعلق.

وأما النسبة بين الواجب المشروط المشهوري ، والواجب المعلق فهي : عموم من وجه.

مادة الاجتماع هي : الحج ؛ فإن وجوبه متوقف على الاستطاعة ، والواجب ـ أعني الفعل ـ يتوقف على الموسم. ومادة الافتراق من جانب المشروط كما إذا قال المولى : «إذا جاء زيد فأكرمه» ؛ فإن وجوب الإكرام متوقف على المجيء ، وأما نفس الإكرام فلا توقف له على شيء. ومادة الافتراق من جانب الواجب المعلق : فيما إذا كانت المادة ـ أي : الفعل ـ فقط متوقفا ، كما إذا قال المولى : «يجب عليك الإكرام عند المجيء» ؛ فإن الإكرام متوقف دون وجوبه.

(١) أي : كون الشرط قيدا للمادة.

(٢) أي : لبّا وواقعا كما هو مقتضى دليله الثاني حيث قال : «وأما لزوم كونه من قيود المادة لبّا» وإثباتا أي : لفظا ودليلا كما هو مقتضى دليله الأول ؛ حيث قال : «أما امتناع كونه من قيود الهيئة» ، فقوله : «ثبوتا وإثباتا» ؛ إشارة إلى الوجهين اللذين أفادهما الشيخ «رحمه‌الله» في رجوع القيد إلى المادة.

(٣) أي : يشهد بكون رجوع القيد إلى المادة على خلاف ظاهر المشهور ما تقدم عن الشيخ البهائي من تصريحه : بأن استعمال الواجب في المشروط مجاز بعلاقة الأول أو المشارفة ، ووجه الاستشهاد واضح ؛ لأن استعمال الواجب في المشروط مجاز على مبنى المشهور ؛ لا على مبنى الشيخ ، فما أفاده الشيخ الأنصاري من رجوع القيد إلى المادة ؛

٦٩

ضرورة : أن المعلق بما فسره ، يكون من المشروط بما اختار له من المعنى على ذلك (١) ، كما هو واضح ، حيث لا يكون (٢) حينئذ هناك معنى آخر معقول ، كان هو المعلق المقابل للمشروط.

ومن هنا (٣) انقدح : أنه في الحقيقة إنما أنكر الواجب المشروط بالمعنى الذي يكون هو ظاهر المشهور ، والقواعد العربية ، لا الواجب المعلق بالتفسير المذكور.

وحيث قد عرفت ـ بما لا مزيد عليه ـ إمكان رجوع الشرط إلى الهيئة ، كما هو ظاهر المشهور ، وظاهر القواعد ، فلا يكون مجال لإنكاره عليه.

______________________________________________________

المستلزم لكون استعمال الواجب في المشروط على نحو الحقيقة مخالف لظاهر المشهور من المجازية.

قوله : «أنكر على الفصول هذا التقسيم» خبر ـ أن ـ في قوله : «لا يخفى : أن شيخنا العلامة». وقوله : «ضرورة» تعليل للإنكار ، وقد سبق ما حاصله : أن الشيخ قد حكم باستحالة المشروط بمعناه المشهور ؛ بزعم : أن القيد يرجع إلى المادة ، فالمشروط في نظره : هو عين المعلق عند صاحب الفصول ، فلا مجال ـ بعد تقسيم الواجب إلى مطلق ومشروط ـ إلى تقسيمه ثانيا إلى المنجز والمعلق ، ولهذا أنكر عن الفصول هذا التقسيم.

(١) أي : على البيان المتقدم في كلام الشيخ «قدس‌سره».

(٢) هذا الكلام من المصنف بيان وتوضيح لاتحاد المعلق الفصولي مع المشروط الشيخي ؛ بمعنى : أنه لا يكون حين رجوع القيد إلى المادة في تقسيم الواجب إلى المعلق والمنجز معنى آخر معقول ؛ غير تقسيم الواجب إلى المطلق والمشروط عند الشيخ ، فتقسيمه إلى المعلق والمنجّز هو عين تقسيمه إلى المطلق والمشروط.

(٣) أي : من كون الواجب المشروط بتفسير الشيخ هو عين المعلق بتفسير صاحب الفصول : «انقدح» أي : ظهر : أن الشيخ لم ينكر في الحقيقة المعلق الفصولي ؛ بل هو ملتزم به ثبوتا وواقعا ـ وإن أنكره إثباتا ودليلا ـ فالشيخ التزم بالواجب المعلق لكن سماه مشروطا. نعم ؛ إنه أنكر المشروط بمعناه المشهور.

وكيف كان ؛ فغرض المصنف من قوله : «من هنا انقدح ...» إلخ هو الإشكال على إنكار الشيخ ـ بحسب الظاهر ـ للمعلق الفصولي : بأن هذا الإنكار لم يقع في محله ؛ إذ المفروض : اتحاد المعلق الفصولي مع المشروط الشيخي ، ومن المعلوم : أن الاعتراف بأحدهما اعتراف بالآخر ، فلا معنى للإنكار.

٧٠

نعم ؛ يمكن أن يقال (١) : إنه لا وقع لهذا التقسيم ؛ لأنه بكلا قسميه من المطلق المقابل للمشروط ، وخصوصيّة كونه حاليا أو استقباليا لا توجبه ما لم توجب الاختلاف في المهم ، وإلّا لكثرت تقسيماته لكثرة الخصوصيات ، ولا اختلاف فيه (٢) ؛ فإن ما رتبه عليه من وجوب المقدمة فعلا ـ كما يأتي ـ إنما هو من أثر إطلاق وجوبه وحاليته ؛ لا من استقبالية الواجب ، فافهم (٣).

______________________________________________________

(١) أما إشكال المصنف على تقسيم الفصول بعد دفع إشكال الشيخ عنه ، فتوضيحه يتوقف على مقدمة وهي : أن مقصود صاحب الفصول من هذا التقسيم هو التخلص عن العويصة الآتية وهي : وجوب المقدمة من قبل وجوب ذي المقدمة ؛ كالغسل في الليل لأجل الصوم في نهار شهر رمضان أو لغيره من الصوم المعين ، فالتزم بالواجب المعلق ليكون الوجوب حاليا من قبل مجيء الغد ، ويعقل ترشح الوجوب إلى الغسل من قبل مجيء وقت الصوم.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن التخلص المذكور إنما هو من أثر حالية الوجوب ـ وهي مشتركة بين المنجز والمعلق ـ لا من أثر استقبالية الواجب المختصة بالمعلق ، فما يترتب عليه الأثر لا يختص بالمعلق ، وما يختص بالمعلق لا يترتب عليه الأثر.

وعليه : فلا وجه لهذا التقسيم بعد أن كان بكلا قسميه من الواجب المطلق ، واختلاف أنحاء الواجب لا توجب التقسيم ما لم توجب الاختلاف في الأثر المهم أعني : وجوب المقدمة وعدمه. ومن الواضح : أنه لا أثر لهذا التقسيم بالنسبة إلى وجوب المقدمة ؛ فلهذا قال المصنف : «لا وقع لهذا التقسيم».

وملخص كلام المصنف في المقام : أن مجرد كون الواجب حاليا في المنجز ، واستقباليا في المعلق لا يجدي في صحة التقسيم إلى المنجز والمعلق ؛ بعد كون الوجوب في كلا القسمين حاليا ومطلقا. والمفروض : أن الأثر هو وجوب المقدمة مترتب على كلا القسمين.

(٢) أي : في الأثر المهم ، فخصوصية كون الواجب حاليا كالمنجز ، أو استقباليا كالمعلق لا تصحّح التقسيم ما لم توجب تلك الخصوصية اختلافا في المهم ، والمفروض : إنه لا اختلاف فيه مع تلك الخصوصيات ، فلا يصح التقسيم.

(٣) لعله إشارة إلى أنّ مقصود صاحب الفصول من هذا التقسيم لا يكون بيان الثمرة بين المعلق والمنجز ـ حتى يشكل عليه بأنه لا ثمرة بينهما ـ نظرا إلى أن الأثر ـ أعني : وجوب المقدمة ـ مترتب على حالية الوجوب وفعليته ، وهي مشتركة بينهما ؛ بل

٧١

ثم إنه ربما حكي عن بعض أهل النظر (١) من أهل العصر إشكال في الواجب المعلق ، وهو : أن الطلب والإيجاب ، إنما يكون بإزاء الإرادة المحركة للعضلات نحو المراد ؛ فكما لا تكاد تكون الإرادة منفكة عن المراد فليكن الإيجاب غير منفك عما يتعلق به ، فكيف يتعلق بأمر استقبالي؟ فلا يكاد يصح الطلب والبعث فعلا نحو أمر متأخر.

______________________________________________________

مقصوده من هذا التقسيم بيان الثمرة بين المعلق والمشروط المشهوري ، فعلى المشروط : لا يكون الوجوب حاليا عند المشهور ، فلا يمكن القول بوجوب الغسل غيريا قبل مجيء الغد ، وعلى المعلق : يكون وجوبه حاليا ، فيمكن القول حينئذ بوجوب الغسل قبل مجيء الغد ، وهذا لا إشكال فيه كما هو واضح.

وفي «منتهى الدراية ، ج ٢ ، ص ١٩٢» ما هذا لفظه : «لعله إشارة إلى : إن التقسيم إلى المعلق والمنجز لا يخلو من الثمرة ، وهي : إن المقدمة المعلق عليها غير واجبة في المعلق ؛ بخلاف المنجز فإنه يجب تحصيل جميع مقدماته ؛ لأن المفروض : كون الوجوب فيه فعليا».

بقي الكلام في الجهة الرابعة وهي : ما يرد على الواجب المعلق من الإشكالين الآخرين غير ما مر عن الشيخ والمصنف من الإشكال عليه ، والإشكال الأول من الإشكالين الباقيين ما أشار إليه بقوله : «ثم إنه ربما حكي عن أهل النظر من أهل العصر إشكال في الواجب المعلق».

والإشكال الثاني منهما ما أشار إليه بقوله الآتي : «وربما أشكل على المعلق أيضا» فانتظر.

(١) قيل : إن المراد من بعض أهل النظر هو المحقق النهاوندي صاحب «تشريح الأصول» وقيل : هو المحقق الشهير السيد محمد الأصفهاني ، وعلى كل حال فالمهم هو : بيان الإشكال على الواجب المعلق ، وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الإرادة التشريعية كالإرادة التكوينية في جميع الخصوصيات والآثار ، أي : في كونهما مشتركتين فيما تتوقف عليه الإرادة ؛ من العلم ، والتصديق بالغاية والميل ، وفيما يترتب على الإرادة من تحريك العضلات ، وحصول الفعل بعده ؛ وإنما الفرق بينهما : في أن الإرادة التشريعية تتعلق بفعل الغير ، والتكوينية تتعلق بفعل نفس الشخص ، فحينئذ كما أن الإرادة التكوينية يستحيل انفكاكها عن المراد ـ لأنها الشوق المؤكد المستتبع لتحريك العضلات ـ فكذلك يستحيل انفكاك الإرادة التشريعية عن المراد وهو طلب الفعل من الغير.

٧٢

قلت (١) : فيه أن الإرادة تتعلق بأمر متأخر استقبالي ، كما تتعلق بأمر حالي ، وهو أوضح من أن يخفى على عاقل فضلا عن فاضل ، ضرورة : أن تحمّل المشاق في تحصيل المقدمات ـ فيما إذا كان المقصود بعيد المسافة وكثير المئونة ـ ليس إلّا لأجل تعلق إرادته به ، وكونه مريدا له قاصدا إيّاه لا يكاد يحمله على التحمل إلّا ذلك ، ولعل الذي أوقعه (٢) في الغلط ما قرع سمعه من تعريف الإرادة بالشوق المؤكد المحرك

______________________________________________________

وبعبارة أخرى : كما أن الإرادة التكوينية لا تنفك عن الحركة نحو الفعل ، كذلك الإرادة التشريعية لا تنفك عن حركة الغير إلى الفعل والتعليق ؛ حيث إن الايجاب فيه حالي ، والحركة نحو الفعل استقبالية فهو باطل لاستلزامه انفكاك الإرادة عن المراد.

إذا عرفت هذه المقدمة فيتضح لك امتناع الواجب المعلق ؛ لما عرفت في المقدمة من استلزامه انفكاك المراد عن الإرادة ؛ لكون المراد فيه متأخرا زمانا عن الإرادة ؛ إذ المفروض : استقبالية الواجب ، وفعلية الوجوب ويستحيل انفكاك الوجوب عن الواجب بأن يكون الوجوب فعليا والواجب استقباليا فيكون من قبيل تخلف المعلول عن العلة وهو ممتنع.

(١) أجاب المصنف عن إشكال بعض أهل النظر على الواجب المعلق بوجوه :

الوجه الأول من الجواب : ما أشار إليه بقوله : «فيه أن الإرادة تتعلق بأمر متأخر استقبالي كما تتعلق بأمر حالي».

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي :

أن المستشكل ـ وهو بعض أهل النظر ـ قد قاس الإرادة التشريعية بالإرادة التكوينية بعدم انفكاك المراد عن الإرادة.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المصنف أنكر امتناع انفكاك الإرادة التكوينية ـ التي هي المقيس عليها عن المراد ـ فقال : بعدم امتناع تعلق الإرادة التكوينية بأمر استقبالي فيما إذا كان المراد بعيد المسافة ، ومما يحتاج إلى مقدمات كثيرة محتاجة إلى زمان طويل ؛ كطي المسافات ونحوه ، فإن إتعاب النفس في تحصيلها ليس إلّا لأجل تعلق إرادته بما لا يحصل إلّا بها ؛ فإن السفر المحتاج إلى المقدمات إنما هو للوصول إلى المراد وهو : تحصيل المال مثلا مع انفكاكه عن الإرادة ـ لأن فعل هذه المقدمات لا يكون له إرادة استقلالية ـ بل إرادة المقدمات تبعية مترشحة عن إرادة ذيها. وكيف كان ؛ فالإرادة التكوينية تنفك عن مراداتنا المنوطة بتمهيد مقدمات ومضي زمان.

(٢) أي : أوقع بعض أهل النظر من أهل العصر في الغلط.

٧٣

للعضلات نحو المراد ، وتوهم : أن تحريكها نحو المتأخر مما لا يكاد ، وقد غفل (١) عن أن كونه محرّكا نحوه يختلف حسب اختلافه ؛ في كونه مما لا مئونة له كحركة نفس العضلات ، أو مما له مئونة ومقدمات قليلة أو كثيرة ، فحركة العضلات تكون أعم من أن تكون بنفسها مقصودة أو مقدمة له ، والجامع إن يكون (٢) نحو المقصود.

بل مرادهم (٣) من هذا الوصف ـ في تعريف الإرادة ـ : بيان مرتبة الشوق الذي

______________________________________________________

وحاصل وجه غلطه وتوهمه هو : ظهور تعريف الإرادة بالشوق المؤكد المحرك للعضلات نحو المراد في امتناع انفكاك الإرادة عن المراد ، فيمتنع تحريك الإرادة نحو المتأخر عنها زمانا ؛ كالواجب المعلق ، حيث : إنه متأخر زمانا عن الوجوب.

(١) هذا الكلام من المصنف دفع لهذا التوهم ، وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن المراد على قسمين :

الأول : ما يكون مرادا بالأصالة ؛ كشرب الماء الموجود.

الثاني : ما يكون مرادا بالتبع ؛ كبذل المال لشراء الماء ونقله إلى منزله ، ثم إلى إناء يعتاد شرب الماء منه ، فحركة العضلات ـ في المثال الأول ـ تكون مقصودة بالأصالة ، وفي المثال الثاني : مرادة بالتبع.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الإرادة لا تنفك عن المراد في المثالين ؛ لأن المراد ليس منحصرا في المقصود الأصلي ـ كما عرفت في المقدمة ـ حتى يلزم انفكاكها عنه فيما إذا توقف المراد على مقدمات ، كالمثال الثاني.

(٢) أي : الجامع هو التحريك نحو المقصود ؛ سواء كان أصليا أو تبعيا ، والأول : فيما لم تكن هناك مقدمات. والثاني : فيما إذا احتاج المراد إلى مقدمات.

وعلى كلا التقديرين : لا يلزم انفكاك الإرادة عن المراد ، غاية الأمر : أن المراد في أحدهما : أصلي ، وفي الآخر : تبعيّ. هذا تمام الكلام في الوجه الأول من الجواب.

(٣) هذا هو الوجه الثاني من الجواب عن إشكال بعض أهل النظر على الواجب المعلق ، غرض المصنف منه هو : منع اعتبار التحريك الفعلي في تعريف الإرادة. وأن مقصودهم من توصيف الإرادة بذلك : بيان أن الإرادة مرتبة أكيدة من الشوق المحرك للعضلات نحو المراد.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الإرادة وإن كانت عبارة عن الشوق المؤكد المحرك للعضلات نحو المراد ؛ إلّا إن المراد من تحريك العضلات في تعريف الإرادة ليس هو التحريك الفعلي ؛ لإمكان تعلقها بأمر متأخر لا مقدمات له أصلا ، فلا حركة في

٧٤

يكون هو الإرادة ، وإن لم يكن هناك فعلا تحريك ؛ لكون المراد وما اشتاق إليه كمال الاشتياق أمرا استقباليا غير محتاج إلى تهيئة مئونة أو تمهيد مقدمة ؛ ضرورة : أن شوقه إليه ربما يكون أشدّ من الشوق المحرك فعلا نحو أمر حالي أو استقبالي ، محتاج إلى ذلك.

هذا مع (١) انه لا يكاد يتعلق البعث إلّا بأمر متأخر عن زمان البعث ؛ ضرورة : أن

______________________________________________________

البين فعلا لا نحو الفعل ولا نحو المقدمات ، بل مرادهم من حركة العضلات هي : مطلق الحركة شأنية كانت أو فعلية.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا يعتبر في الإرادة التحريك الفعلي للعضلات ؛ بل يكفي مطلق التحريك سواء كانت حركة العضلات نحو المراد فعلية أو استقبالية. نعم ؛ يعتبر فيها التحريك حين إيجاد المراد.

وكيف كان ؛ فقد أجاب المصنف عن توهم بعض أهل النظر إلى الآن بوجهين :

الأول : ما أشار إليه بقوله : «وقد غفل ...» إلخ ، ومحصله : تعميم المراد إلى الأصلي والتبعي بعد اعتبار التحريك الفعلي في الإرادة.

الثاني : ما أشار إليه بقوله : «بل مرادهم من هذا الوصف ...» إلخ وحاصله : منع اعتبار التحريك الفعلي في الإرادة ، وكفاية التحريك في ظرف إيجاد المراد ، ففي المراد الاستقبالي غير المحتاج إلى مقدمات تكون الإرادة ـ وهي الشوق المؤكد ـ موجودة بدون التحريك الفعلي ، فعلى هذا تنفك الإرادة عن التحريك الفعلي نحو كل من المراد ومقدماته ؛ وذلك لفرض استقبالية المراد ، وعدم احتياجه إلى مقدمات ، ولا ضير فيه بعد منع اعتبار التحريك الفعلي في الإرادة ، وكفاية التحريك في موطنه.

(١) هذا هو الوجه الثالث من الجواب عن إشكال بعض أهل النظر ، ومرجعه : إلى بطلان قياس الإرادة التشريعية بالإرادة التكوينية ؛ لكون هذا القياس قياسا مع الفارق فيكون باطلا.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : بيان الفرق بين الإرادتين والفرق بينهما :

أولا : أن الإرادة التكوينية تتعلق بفعل نفس الشخص ، والإرادة التشريعية تتعلق بفعل الغير.

وثانيا : إن الإرادة التشريعية عبارة عن إحداث الداعي في نفس المكلف نحو الفعل المأمور به بتوجيه أمر إليه.

ومن البديهي : أن حدوث الداعي يتوقف على بعض المقدمات ؛ كتصور المكلف الأمر

٧٥

البعث إنما يكون لإحداث الداعي للمكلف إلى المكلف به بأن يتصوره بما يترتب عليه من المثوبة ، وعلى تركه من العقوبة ، ولا يكاد يكون هذا إلّا بعد البعث بزمان ، فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان ، ولا يتفاوت طوله وقصره ، فيما هو ملاك الاستحالة والإمكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب.

ولعمري (١) ما ذكرناه واضح لا سترة عليه ، والإطناب إنما هو لأجل رفع المغالطة الواقعة في أذهان بعض الطلاب.

______________________________________________________

بما يترتب عليه من مثوبة على موافقته ، وإتيان متعلقه ، وعقوبة على مخالفته ، وترك متعلقه ، وهذا مما لا يمكن أن يتحقق إلّا بعد البعث بزمان قصير ؛ كما في الواجب المنجز ، أو بزمان طويل ؛ كما في الواجب المعلق.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن قياس الإرادة التشريعية بالإرادة التكوينية قياس مع الفارق.

وخلاصة الفرق ـ ببيان أوضح ـ : أنه لو سلمنا امتناع الانفكاك في الإرادة التكوينية ، فلا بد من الالتزام بالانفكاك في الإرادة التشريعية ؛ وذلك لما عرفت ـ في المقدمة ـ من أن المكلف لا ينبعث عن الأمر نحو المأمور به إلّا بعد تصور الأمر وما يترتب عليه من الثواب على موافقته ، والعقاب على مخالفته ؛ ليحصل له الداعي إلى الإتيان بالمأمور به ، فلا محالة يتأخر الانبعاث الذي هو ظرف الواجب عن البعث ، ويتحقق الانفكاك بينهما.

فالمتحصل من جميع ما ذكرناه : أنه لا بد من الالتزام بالانفكاك في الإرادة التشريعية وهي : إرادة الفعل من الغير باختيار ذلك الغير.

(١) يقول المصنف : «ولعمري ما ذكرناه» من تخلف الإرادة التشريعية عن المراد واضح ، فلا يكون مستحيلا ـ كما زعمه بعض أهل النظر ـ إذ لو كان مستحيلا لكان مستحيلا في الواجب المنجز أيضا ؛ لأن ملاك الاستحالة هو : تخلف الانبعاث عن البعث ، وهو موجود في الواجب المنجز ، فلا فرق بين الواجب المعلق والمنجز في الاستحالة ، فإن كان الواجب المنجز ممكنا كان الواجب المعلق أيضا ممكنا ؛ إذ لا دخل لطول الزمان وقصره في الاستحالة والإمكان.

ثم يعتذر المصنف عن إطناب الكلام في المقام ـ وهو على خلاف ديدنه ـ بأنّه كان لأجل رفع المغالطة والاشتباه اللذين وقعا في أذهان بعض الطلاب ، كما وقع في ذهن المستشكل المذكور ؛ وهو بعض أهل النظر.

٧٦

وربما أشكل على المعلق أيضا (١) : بعدم القدرة على المكلف به في حال البعث ، مع إنها من الشرائط العامة.

وفيه (٢) : أن الشرط إنما هو القدرة على الواجب في زمانه ، لا في زمان الإيجاب

______________________________________________________

(١) هذا إشكال آخر على الواجب المعلق الذي قال به صاحب الفصول.

توضيح الإشكال يتوقف على مقدمة وهي : أن للتكاليف الشرعية شرائط ومنها : القدرة على العمل ؛ لأن القدرة على الواجب عقلا من الشرائط العامة ، ومقتضى شرطيتها انتفاء الوجوب عند انتفائها ؛ إذ معنى الشرط ما ينتفي المشروط بانتفائه.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن القول بالواجب المعلق باطل لاستلزامه وجود المشروط عند انتفاء الشرط ، إذا المفروض : هو انتفاء القدرة على الواجب مع كونها من الشرائط العامة ؛ فالحج في الموسم قبل وقته غير واجب لعدم القدرة عليه ، فلو كان واجبا لزم وجود المشروط عند انتفاء الشرط. وهو خلف.

(٢) أي : ما يرد في هذا الإشكال : أن الشرط للتكليف هو القدرة على الامتثال حين الامتثال لا حين الإيجاب.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن القدرة على فعل الواجب على أقسام :

١ ـ القدرة عليه حين الإيجاب فقط.

٢ ـ القدرة حين الإيجاب والامتثال معا.

٣ ـ القدرة حين الامتثال فقط.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن الشرط المعتبر في وجوب شيء هو القدرة على الواجب في زمان فعله وامتثاله ؛ لا القدرة حين الإيجاب فقط ، ولا القدرة حين الإيجاب والامتثال معا ، والمفروض هو : وجود قدرة المكلف على الإتيان بالواجب المعلق في زمان فعله وامتثاله فقط ؛ إذ لم يثبت شرعا اعتبار القدرة في زمان حدوث الإيجاب ، ويكفي ثبوتها في ظرف الامتثال لتشريع الوجوب من باب الشرط المتأخر ، الذي هو من الشرط المقارن حقيقة ؛ بناء على ما سبق تحقيقه من المصنف ـ في مبحث أقسام الشرط ـ حيث قال : إن الشرط في الشرط المتأخر هو وجوده اللحاظي الذي هو من المقارن ، والقدرة كذلك حيث أنها بوجودها العلمي شرط للإرادة لا بوجودها الخارجي.

ولذا لو علم المكلف بعدم قدرته لا يريده وإن كان مقدورا له واقعا ، وكذلك لو علم بقدرته عليه يريده وإن لم يكن مقدورا له واقعا.

وكيف كان ؛ فالقدرة حين الامتثال من الشرط المتأخر ، كما أشار إليه بقوله : «غاية

٧٧

أنه كالمقارن ، من غير انخرام للقاعدة العقلية أصلا ، فراجع.

ثم لا وجه (١) لتخصيص المعلق بما يتوقف حصوله على أمر غير مقدور ؛ بل ينبغي تعميمه إلى أمر مقدور متأخر ، أخذ على نحو (٢) يكون موردا للتكليف ، ويترشح عليه الوجوب من الواجب ، أو لا ؛ لعدم تفاوت فيما يهمه من وجوب تحصيل المقدمات

______________________________________________________

الأمر : يكون من باب الشرط المتأخر» ، والشرط المتأخر ، كالمقارن من غير انخرام القاعدة العقلية وهي : تقدم العلة بتمام أجزائها على المعلول رتبة ، ومقارنتها له زمانا.

(١) أي : أنه يرد على الواجب المعلق الفصولي إشكال آخر غير ما سبق من الإشكالات ؛ وهو ما أشار إليه بقوله : «لا وجه لتخصيص المعلق بما يتوقف حصوله على أمر غير مقدور».

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الغرض من الالتزام بالواجب المعلق هو : وجوب تحصيل المقدمات غير المقدورة في زمان الواجب ، فإنه على القول بالواجب المعلق يجب تحصيلها قبل الوقت. هذا أولا.

وثانيا : أن ما يتوقف عليه حصول الواجب المعلق لا يختص بما هو ظاهر الفصول من اختصاصه بأمر غير مقدور للمكلف ؛ بل ينبغي تعميمه إلى أمر مقدور متأخر كالاستطاعة لمن يقدر على تحصيلها.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إنه لا يتفاوت في المهم ـ وهو وجوب المقدمات غير المقدورة في زمان الواجب ـ بين كون الأمر المعلق عليه الواجب غير مقدور قبل زمان الواجب ، وبين كونه مقدورا ، فحينئذ لا وجه لما في بعض الكلمات من اختصاص القيد الذي يتوقف عليه الواجب المعلق بغير المقدور ، كما هو ظاهر الفصول.

(٢) اختلفت النسخ في حذف حرف النفي ـ أعني كلمة لا ـ وإثباته ، والمعنى واحد على التقديرين ؛ إذ لو كان هذا نفيا كان قوله : بعد «أو لا» إثباتا لأنه نفي للنفي ، وإن كان هذا إثباتا كان قوله : «أو لا» نفيا ، والمعنى : إنه لا يفرق في تعلق الواجب بأمر مقدور متأخر بين أن لا يكون ذلك الأمر المتأخر موردا للتكليف ؛ بأن يكون توقف حصول الواجب عليه بوجوده الاتفاقي ؛ لأنّ ظاهر الفصول هو كون الواجب المعلق هو المقيد بوجوده الاتفاقي ، ولم يظهر عدول المصنف عنه.

نعم ؛ ثبت عدوله عن تخصيص الفصول تعليق الواجب بغير المقدور ، ولذا عمّمه المصنف للمقدور.

وقوله «لعدم تفاوت فيما يهمّه ...» إلخ تعليل لقوله : «لا وجه لتخصيص المعلق» كما أنّ قوله : «لثبوت الوجوب الحالي فيه» تعليل لوجوب المقدمات غير المقدورة في زمان

٧٨

الوجوب من الواجب ، أو لا ؛ لعدم تفاوت فيما يهمه من وجوب تحصيل المقدمات التي لا يكاد يقدر عليها في زمان الواجب المعلق ، دون المشروط لثبوت الوجوب الحالي فيه ، فيترشح منه الوجوب على المقدمة ، بناء على الملازمة دونه لعدم ثبوته فيه إلّا بعد الشرط.

نعم (١) لو كان الشرط على نحو الشرط المتأخر ، وفرض وجوده ، كان الوجوب

______________________________________________________

الواجب ، والضمير في قوله : «فيه» و «منه» يعود إلى الواجب المعلق ، والضمير في «دونه» يعود إلى المشروط.

وقوله : «لعدم ثبوته فيه» تعليل لعدم وجوب المقدمات في الواجب المشروط أي : العلة لعدم وجوب مقدمات الواجب المشروط هو عدم ثبوت الوجوب في المشروط أي : في ذي المقدمة ، حتى يترشح منه على المقدمة ؛ لأن المفروض : هو عدم ثبوت الوجوب فيه إلّا بعد الشرط.

(١) قوله : «نعم لو كان الشرط ...» إلخ استدراك عن قوله : «دونه» يعني : دون المشروط.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة. وهي : أنّ الواجب المشروط باعتبار شرطه ينقسم إلى أقسام ؛ لأن شرط الواجب على أقسام :

الاول : أن يكون الوجوب مشروطا بشرط مقارن كقول المولى : لعبده «إن جاءك زيد فأكرمه» ؛ حيث يكون وجوب إكرام زيد مقارنا لمجيئه.

الثاني : أن يكون مشروطا بشرط متأخّر عن الوجوب ، مفروض الحصول في موطنه ؛ ولكن الواجب يكون حاليا ؛ كالوجوب كما في قوله : «إن سافرت يوم الاثنين فتصدق يوم الأحد بدرهمين» ، فيكون كل من الوجوب والواجب فعليا ، وشرط الوجوب استقباليا.

الثالث : أن يكون الوجوب مشروطا بشرط متأخر عن الوجوب مفروض الحصول في موطنه ، مع كون الواجب أيضا متأخرا كالشرط ، كما في قوله : «إن جاءك زيد يوم الجمعة فمن الآن أحتم عليك إطعامه في ذلك اليوم» ، وكبقاء الاستطاعة المالية إلى انتهاء المناسك ؛ حيث يكون هذا متأخرا عن وجوب الحج بالاستطاعة ؛ لكن يفرض وجودها قبل الموسم فيصير الوجوب فعليا ، فتجب مقدماته بناء على الملازمة بين وجوب الواجب ووجوب مقدماته.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : يمكن القول بوجوب المقدمات في القسم الأخير من المشروط قبل حصول شرطه ، فهذا القسم هو الذي ننتفع به بعين ما ننتفع بالواجب

٧٩

المشروط به حاليا ، أيضا ، فيكون وجوب سائر المقدمات الوجودية للواجب أيضا حاليا. وليس الفرق بينه وبين المعلق حينئذ إلّا كونه مرتبطا بالشرط ، بخلافه ، وإن ارتبط به الواجب.

تنبيه (١) :

قد انقدح ـ من مطاوي ما ذكرناه ـ أن المناط في فعلية وجوب المقدمة الوجودية ،

______________________________________________________

المعلق ، فلا فرق بين المشروط والمعلق في فعلية الوجوب ليترشح منه على مقدماته ، وإنما الفرق بينهما في أن الشرط في المعلق قيد للمادة ومرتبط بها ، وفي المشروط قيد للوجوب ومرتبط به ، كما أشار إليه بقوله : «وليس الفرق بينه وبين المعلق حينئذ» أي : حين كون الشرط مأخوذا على نحو الشرط المتأخر ، المثبت لوجوب المقدمات «إلّا كونه» أي : المشروط «مرتبطا بالشرط بخلافه» أي : بخلاف المعلق.

وملخص الفرق : أن وجوب المشروط مترتب عليه بخلاف المعلق ؛ حيث إن الواجب مرتبط ومقيد به دون الوجوب.

(١) أي : تنبيه في بيان مناط وجوب المقدمة وهو فعلية وجوب ذيها ، كما أشار إليه بقوله : «هو فعلية وجوب ذيها ولو كان أمرا استقباليا» ، والغرض الأساسي من عقد هذا التنبيه في هذا المقام هو : دفع الإشكال ، والتخلص عن العويصة المشهورة وهي : وجوب المقدمات في موارد عديدة مع عدم وجوب ذيها.

وخلاصة الإشكال والعويصة : أنه لا إشكال في أنهم قد صرحوا بتبعية المقدمة لذي المقدمة في الإطلاق والاشتراط ، بل لا يمكن عقلا اتصاف المقدمة بالوجوب الغيري قبل اتصاف ذيها بالوجوب النفسي. ومع ذلك قد حكموا في الموارد الكثيرة بوجوب المقدمة قبل وجوب ذيها ؛ فهذا منهم ينافي حكم العقل بامتناع اتصاف المقدمة بالوجوب الغيري قبل وجوب ذيها بالوجوب النفسي ؛ لأن وجوب المقدمة يترشح من وجوب ذي المقدمة ، فلا يعقل قبل وجوب ذيها.

فلا بد من ذكر تلك الموارد أولا ، ومن دفع الإشكال الوارد على وجوب المقدمة فيها ثانيا.

وأما الموارد التي حكموا فيها بوجوب المقدمة قبل وجوب ذيها فهي :

١ ـ حكمهم بوجوب الغسل على المحدث بالحدث الأكبر في الليل ، قبل طلوع الفجر مقدمة للصوم في الغد ؛ مع عدم وجوب الصوم في الليل.

٨٠