دروس في الكفاية - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيف كان ؛ فالمصنف لم يعتبر المندوحة في محل النزاع أصلا حيث قال : «ولكن التحقيق مع ذلك عدم اعتبارها فيما هو المهم في محل النزاع».

توضيح ما أفاده المصنف في التحقيق : يتوقف على مقدمة وهي : أنّ عدم جواز اجتماع الأمر والنهي تارة يكون : من جهة عجز المكلف عن امتثال الأمر والنهي معا ، مع وجود كل من الأمر والنهي ؛ لأجل تحقق موضوعهما ، ولكن المكلف لا يقدر على الجمع بينهما ؛ لأن الجمع بينهما تكليف بالمحال ؛ نظير الأمر بالضدين المتزاحمين ، كما لو أمر المولى عبده بإنقاذ الغريقين ، ولكن العبد لا يقدر على انقاذهما معا ، فعجزه مانع من الجمع بينهما فيكون هذا التكليف تكليفا بالمحال ، فالجمع بين الأمر والنهي مستلزم للتكليف بالمحال ؛ لاستحالة الجمع بين الفعل والترك عند وحدة المتعلق.

وأخرى : يكون عدم جواز الاجتماع من جهة تضاد الأمر والنهي ، فالجمع بينهما جمع بين الضدين ، فالاجتماع حينئذ مستلزم للتكليف المحال.

فالمتحصل : أن عدم جواز الاجتماع من الجهة الأولى لأجل لزوم التكليف بالمحال ، ومن الجهة الثانية لأجل لزوم التكليف المحال ، والفرق بين التكليف المحال والتكليف بالمحال : أن المحال في الأول هو : نفس التكليف ، وفي الثاني هو : متعلق التكليف.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن البحث في مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه إنما هو من الجهة الثانية ، بمعنى : أن اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد ذي عنوانين محال في نفسه إن لم يكن تعدد العنوان موجبا لتعدد المعنون ؛ للزوم اجتماع الحكمين المتضادين في موضوع واحد ، فيلزم التكليف المحال ، ولا يلزم التكليف المحال إذا كان تعدد العنوان موجبا لتعدد المعنون ؛ لعدم لزوم اجتماع الضدين في موضوع واحد.

وأما المندوحة : فهي وإن كانت تعتبر في جواز اجتماع الأمر والنهي من الجهة الأولى ؛ لئلا يلزم التكليف بالمحال ، إذ مع وجود المندوحة لا يلزم التكليف بالمحال ، إلّا إن محل الكلام والبحث هو : عدم جواز الاجتماع أو جوازه من الجهة الثانية ؛ لا من الجهة الأولى ، ولذا قال بعض الأصوليين بالامتناع ؛ حتى مع وجود المندوحة.

فالمتحصل : أن ما هو محل الكلام لا تعتبر فيه المندوحة ، وما تعتبر فيه المندوحة ليس من محل النزاع ، بل هو خارج عن محل الكلام. هذا ما أشار إليه المصنف «قدس‌سره» بقوله : «ولكن التحقيق مع ذلك : عدم اعتبارها فيما هو المهم في محل النزاع ، من لزوم

٣٦١

نعم ؛ (١) لا بد من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلا ، لمن يرى التكليف بالمحال محذورا ومحالا ، كما ربما لا بدّ من اعتبار أمر آخر في الحكم به كذلك أيضا.

______________________________________________________

المحال ، وهو اجتماع الحكمين المتضادين» يعني : والتحقيق عدم اعتبار المندوحة في نزاع جواز الاجتماع وعدمه ؛ من ناحية اجتماع الضدين ، ولزوم التكليف المحال.

(١) أي : بعد أن نفى اعتبار المندوحة من الجهة الثانية أعني : عدم جواز الاجتماع من جهة لزوم التكليف المحال ؛ أثبت اعتبارها من الجهة الأولى وهي : عدم جواز الاجتماع من جهة لزوم التكليف بالمحال في مقام الامتثال.

فقوله : «نعم ؛ لا بدّ من اعتبارها» استدراك على قوله : «ولكن التحقيق مع ذلك : عدم اعتبارها في ما هو المهم في محل النزاع».

وحاصله : أنه لا بدّ من اعتبار المندوحة في مقام الامتثال «في الحكم بالجواز فعلا» ؛ لكون تعدد الجهة مجديا في اجتماع الأمر والنهي ، ومانعا عن لزوم التكليف المحال إذ لو لا المندوحة لزم التكليف بالمحال ، وهو غير جائز عند من يرى التكليف بالمحال محذورا ومحالا ؛ كالعدلية. وأمّا عند من لا يراه محالا فلا تعتبر المندوحة أيضا.

وكيف كان ؛ فلا وجه لاعتبار المندوحة إلّا لأجل عدم لزوم التكليف بالمحال ، ولا دخل لاعتبارها بما هو المحذور في المقام من لزوم التكليف المحال ، فالمندوحة رافعة للزوم التكليف بالمحال الذي جوّزه بعض كالأشاعرة ، لا التكليف المحال الذي لم يجوّزه أحد وهو مورد البحث في المقام.

قوله : «فافهم» لعله إشارة إلى الفرق بين التكليف المحال ، وبين التكليف بالمحال ؛ فإن الأول : ناش عن التضاد بين التكليفين. والثاني : ناش من التضاد بين المتعلقين هذا أولا.

وثانيا : أن محالية نفس التكليف لأجل وحدة المتعلق ، ومحالية المكلف به لأجل عجز المكلف عن إتيان المكلف به في الخارج ، ففي الضدين المتزاحمين ؛ كإنقاذ الغريقين يكون المكلف به محالا ، فيلزم التكليف بالمحال ؛ وأما نفس التكليف فليس بمحال ؛ فلا يلزم التكليف المحال.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ عموم ملاك النزاع لجميع أقسام الإيجاب والتحريم في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، والملاك عبارة عن التضاد بين مطلق الوجوب والحرمة ، سواء كانا نفسيين أو

٣٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

غيريين أو مختلفين ، أو كانا عينيين أو كفائيين أو مختلفين ، أو كانا تعيينيين أو تخييريين ، أو كانا تعبديين أو توصليين أو مختلفين.

وتوهم صاحب الفصول لاختصاص النزاع بالوجوب والحرمة النفسيين التعيينيين العينيين للانصراف أو الإطلاق ؛ غير خال عن الاعتساف ؛ لبطلان الانصراف والإطلاق.

أما بطلان الانصراف : فلأنه إما لغلبة الوجود ، أو لكثرة الاستعمال وكلاهما باطل ؛ لعدم غلبة الوجود أولا ، وعدم كونها موجبة للانصراف ثانيا.

وأما كثرة الاستعمال : فعلى فرض تسليمها لا تنفع في خصوص المقام ؛ لقيام القرينة العقلية على الخلاف ، وهي عموم الملاك ، وتضاد مطلق الوجوب والحرمة.

وأما الإطلاق : فلأن مقتضاه بمقدمات الحكمة وإن كان ذلك ؛ إلّا إن مقدمات الحكمة غير جارية في المقام ؛ لوجود البيان على العموم ؛ وهي القرينة العقلية على تنافي الوجوب والحرمة بجميع أقسامهما ، ومع هذه القرينة لا ينعقد الإطلاق المقتضي لإرادة النفسية وأختيها في المقام.

٢ ـ جريان النزاع في الوجوب والحرمة التخييريين ؛ مثل وجوب الصلاة والصوم تخييرا ، وحرمة التصرف في الدار المغصوبة ، والمجالسة مع الأغيار تخييرا.

فإذا صلى المكلف في الدار المغصوبة ، فقد جمع الواجب التخييري والحرام التخييري ، فيجري النزاع في جواز اجتماع الأمر والنهي في الواحد ذي العنوانين ، وامتناعه في هذا المقام أيضا ، فتجيء أدلة المجوّزين والمانعين في هذا المورد كمورد اجتماع الوجوب والحرمة التعيينيين ؛ إذ لا وجه لاختصاص النزاع بالوجوب والحرمة التعينيين.

٣ ـ دفع توهم اعتبار المندوحة في مقام الامتثال في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، إذ مع عدمها لا بدّ من القول بالامتناع بلا خلاف أصلا ؛ لئلا يلزم التكليف بالمحال.

وحاصل الدفع : أن اعتبارها إنما هو في مقام الامتثال ، وهو خارج عن محل الكلام ، لأن محل الكلام هو : مقام الجعل لا مقام الامتثال ؛ بمعنى : أنه هل يمتنع تعلق حكمين متضادين في نفسهما في شيء واحد ذي وجهين ؛ لعدم تعدد الوجه موجبا لتعدد المتعلق أم يمكن ذلك ، لكون تعدد الوجه موجبا لتعدد المتعلق؟ فعلى الأول يلزم التكليف المحال.

فالمهم في المقام هو : بيان أنه هل يلزم المحال ؛ وهو اجتماع الحكمين المتضادين في شيء واحد أم لا؟ ومن الواضح : أن هذا المعنى لا يختلف الحال فيه بين وجود المندوحة وعدم وجودها.

٣٦٣

وبالجملة : لا وجه لاعتبارها إلّا لأجل اعتبار القدرة على الامتثال ، وعدم لزوم التكليف بالمحال ، ولا دخل له بما هو المحذور في المقام من التكليف المحال. فافهم واغتنم.

السابع : أنه ربما يتوهم تارة : أن النزاع في الجواز والامتناع يبتني على القول بتعلق الأحكام بالطبائع ، وأما الامتناع على القول بتعلقها بالأفراد فلا يكاد يخفى ؛ ضرورة : لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصي ، ولو كان ذا وجهين على هذا القول.

وأخرى : (١) أن القول بالجواز مبنيّ على القول بالطبائع ؛ لتعدد متعلق الأمر والنهي

______________________________________________________

٤ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ عموم محل النزاع وجريانه في جميع أقسام الواجب والحرام ؛ حتى في الواجب والحرام التخييريين.

٢ ـ عدم اعتبار قيد المندوحة فيما هو المهم في محل النزاع من لزوم المحال ، واعتبارها في مقام الامتثال لئلا يلزم التكليف بالمحال.

في توهم ابتناء النزاع على القول بتعلق الأحكام بالطبائع

(١) الغرض من عقد هذا الأمر السابع هو : دفع توهمين :

التوهم الأول : ما أشار إليه بقوله : «إنه ربما يتوهم تارة : أن النزاع في الجواز والامتناع يبتني على القول بتعلق الأحكام بالطبائع» ؛ بتقريب : أن الخلاف في الجواز والامتناع مبنيّ على تعلق الأحكام بالطبائع ؛ إذ عليه تكون طبيعة الصلاة المتعلقة للأمر غير طبيعة الغصب المتعلقة للنهي ، فيكون هناك مجال للنزاع ؛ لأن القائل بالجواز يرى تعدد المتعلق ماهية وإن اتحد وجودا ، فلا مانع من اجتماع الحكمين ؛ لكون المتعلق عبارة عن طبيعتين متغايرتين ماهية.

والقائل بالامتناع يرى اتحاد المتعلق وجودا وماهية ، والواحد لا يتحمل حكمين متضادين. هذا على القول بتعلق الأحكام بالطبائع.

وأما على القول بتعلقها بالأفراد : فلا يكاد يصح أن ينازع في الجواز والامتناع ، بل لا محيص عن القول بالامتناع بلا خلاف أصلا ؛ ضرورة : استحالة اجتماع حكمين ، وتعلقهما بواحد شخصي ؛ لأنه مستلزم لاجتماع الضدين في موضوع واحد.

التوهم الثاني : ما أشار إليه بقوله : «وأخرى : أن القول بالجواز مبنيّ على القول بالطبائع» ؛ بتقريب : أن جواز الاجتماع مبنيّ على القول بتعلق الأحكام بالطبائع ؛ لتعدد متعلق الأمر والنهي ذاتا وإن اتحد وجودا. وعدم جواز الاجتماع مبنيّ على تعلق الأحكام

٣٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بالأفراد ؛ لكون المتعلق حينئذ شخصا جزئيا حقيقيا ، ومن المعلوم : امتناع تحمله لحكمين متضادين ، فلا محيص حينئذ عن القول بالامتناع.

والفرق بين التوهمين : أنه على التوهم الأول : يمكن القول بالامتناع مع القول بتعلق الأحكام بالطبائع أيضا ، وعلى التوهم الثاني : لا يمكن ذلك ؛ بل لا بدّ من الذهاب إلى الجواز على القول بتعلقها بالطبائع ، فالقول بالامتناع في التوهم الثاني مبنيّ على تعلق الأحكام بالأفراد. وفي التوهم الأول غير مبنيّ عليه ؛ بل يمكن حتى على القول بتعلقها بالطبائع أيضا.

والجامع بينهما هو : الامتناع على القول بتعلقها بالأفراد. وقد أجاب المصنف عن كلا التوهمين بجواب واحد ، وهو ما أشار إليه بقوله : «وأنت خبير بفساد كلا التوهمين» ، وحاصله : أن أساس النزاع ـ في مسألة الاجتماع ـ إنما هو على أن تعدد الوجه هل يكفي في رفع الغائلة أم لا؟ بمعنى : أن تعدد الوجه ، إن كان مجديا في تعدد المتعلق ؛ بحيث لا يضر معه الاتحاد الوجودي ؛ فذلك مجد حتى على القول بتعلق الأحكام بالأفراد ؛ لكون الموجود الخارجي الموجه بوجهين مجمعا لفردين موجودين بوجود واحد ، ومصداقا لطبيعتين ؛ إحداهما : متعلق الأمر ، والأخرى : متعلق النهي ، فلا يلزم اجتماع الضدين من اجتماع الأمر والنهي ؛ بلا فرق بين تعلق الأحكام بالطبائع أو الأفراد.

وأما إن لم يكن تعدد الوجه مجديا في تعدد المتعلق : فالاجتماع محال حتى على القول بتعلق الأحكام بالطبائع ؛ لأن وجود كلّ من الطبيعتين عين وجود الأخرى ، فيلزم المحال وهو اجتماع الضدين في واحد.

وكيف كان ؛ فلا فرق بين القول بتعلق الأحكام بالطبائع أو الأفراد من حيث امتناع الاجتماع وجوازه ، إذ مع الالتزام بكفاية تعدد العنوان ، وأنه يستلزم تعدد المعنون : فالاجتماع جائز وممكن على كلا القولين.

ومع الالتزام بعدم كفايته ، وأنه لا يستلزم تعدد المعنون ؛ فالاجتماع محال على كلا القولين.

يعني : ويتوهم أخرى : ب «أن القول بالجواز مبنيّ على القول» بتعلق الأحكام «بالطبائع ؛ لتعدد متعلق الأمر والنهي ذاتا عليه» أي : على القول بتعلقها بالطبائع.

٣٦٥

ذاتا عليه ؛ وإن اتحد وجودا ، والقول بالامتناع على القول بالأفراد لاتحاد متعلقهما شخصا خارجا ، وكونه (١) فردا واحدا.

وأنت خبير بفساد كلا التوهمين ؛ فإن (٢) تعدد الوجه إن كان يجدي بحيث لا يضر معه الاتحاد بحسب الوجود والإيجاد (٣) لكان يجدي ولو على القول بالأفراد ، فإن الموجود الخارجي الموجه بوجهين (٤) يكون فردا لكلّ من الطبيعتين ، فيكون مجمعا

______________________________________________________

(١) أي : لكون متعلق الأمر والنهي فردا واحدا يمتنع اجتماع حكمين متضادين فيه ، فيكون قوله : «وكونه» عطفا على قوله : «لاتحاد».

(٢) هذا من المصنف تقريب لفساد التوهمين.

(٣) أي : الفرق بين الإيجاد والوجود إنما هو بالاعتبار ، بمعنى : أن الوجود ملحوظ في نفسه ، والإيجاد ملحوظ بالنسبة إلى موجده.

(٤) مثل جهة الصلاتية وجهة الغصبية في الموجود الخارجي ، وبهما يكون فردا لكل من الطبيعتين ؛ طبيعة الصلاة المأمور بها ، وطبيعة الغصب المنهي عنها ، فيكون الموجود الخارجي «مجمعا لفردين موجودين بوجود واحد» ، وحينئذ يمكن النزاع حتى على القول بتعلق الأوامر والنواهي بالأفراد ، فلا يتم التوهم الأول ؛ إذ تعلق الأمر بفرد ، وتعلق النهي بفرد آخر ، غاية الأمر : أن هذين الفردين اتحدا في الوجود.

ولا يقال : كيف يمكن أن يكون وجود واحد مجمعا لفردين ، فإن اللازم أن يكون لكل فرد مستقل منحاز عن الآخر؟

فإنه يقال : إنه لا فرق بين اتحاد الطبيعتين وبين اتحاد الفردين ، «فكما لا يضر وحدة الوجود بتعدد الطبيعتين» ؛ بأن يكون وجود واحد مجمعا لطبيعتين ؛ «كذلك لا يضر» وحدة الوجود «بكون المجمع اثنين» ؛ أي : فردين ؛ بأن يكون وجود واحد مجمعا لفردين «بما هو» أي : مجمعيته لفردين بسبب أنه «مصداق وفرد لكل من الطبيعتين» ، وذلك لما هو المعروف من : أن حكم الأمثال فيما يجوز ولا يجوز واحد.

أما وجه عدم الفرق بين اتحاد الطبيعتين ، وبين اتحاد الفردين : فلأن العقل لا يرى تفاوتا بين كون المطلوب بالفعل والترك هو الوجود السعي ـ أعني : الطبيعة ـ بحيث كانت الخصوصيات من لوازم المطلوب ، وبين كون المطلوب هو الوجود الخاص ـ أعني الفرد ـ بحيث كانت الخصوصيات داخلة في المطلوب ؛ إذ الموضوع للحكمين على كل تقدير ليس إلّا الوجود المجمع.

قوله : «وإلّا ...» إلخ ، معطوف على قوله : «وإن كان يجدي ...» إلخ فمعنى العبارة :

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن لم يكن تعدد الوجه مجديا في تعدد المتعلق لما كان مجديا أصلا ؛ حتى على القول بتعلق الأحكام بالطبائع ؛ لاتحاد الطبيعتين خارجا ، فيلزم اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد ـ وهو : اجتماع الضدين ـ إذ الطبيعتان وإن تعددتا ذهنا ولكنهما متحدتان خارجا.

فالمتحصل : أنه إن كان تعدد الوجه مجديا في تعدد المتعلق لكان مجديا ؛ بلا فرق بين تعلق الأحكام بالطبائع ، وبين تعلقها بالأفراد ؛ إذ كما أن وحدة الوجود لا تضر بتعدد الطبيعة ـ بناء على القول بتعلقها بالطبائع ـ فكذلك لا تضر بتعدد الفرد على القول بتعلقها بالأفراد ، فما يقع في الخارج من خصوصيات الصلاة في الدار المغصوبة يكون فردا للصلاة ، وفردا للغصب ، فهو مأمور به بالاعتبار الأول ، ومنهي عنه بالاعتبار الثاني.

وإن لم يكن تعدد الوجه مجديا في تعدد المتعلق ؛ لما كان مجديا حتى على القول بتعلق الأحكام بالطبائع ، كما عرفت. فلا فرق بينهما إلّا في دخول الخصوصيات في المطلوب على القول بتعلقها بالأفراد ، وخروجها عن حيّز الطلب على القول بتعلقها بالطبائع.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

١ ـ يتلخص البحث في التوهمين ، والجواب عنهما بما يلي :

فقد يتوهم : أنه لا نزاع على القول بتعلق الأحكام بالأفراد ، وإنما يبتني النزاع على الالتزام بتعلقها بالطبائع ، كما يتوهم : بأن القول بالجواز يبتني على القول بتعلق الأحكام بالطبائع ، والقول بالامتناع يبتني على القول بتعلقها بالأفراد.

ومنشأ كلا التوهمين : أن الفرد عبارة عن الوجود الشخصي ، ومن الواضح : أن تعلق الحكمين بواحد شخصي محال ؛ لأنه من اجتماع الضدين.

وقد أجاب المصنف عن كلا التوهمين بجواب واحد وحاصله : أن أساس النزاع على أنّ تعدد الوجه يكفي في رفع الغائلة أو لا؟.

فمع الالتزام بكفايته ، وأنه يستلزم تعدد المعنون ؛ يجوز الاجتماع ؛ لأن متعلق الحكم وإن كان هو الفرد ؛ إلّا إنه حيث كان ذا وجهين كان مجمعا لفردين من طبيعتين ؛ أحدهما : متعلق الأمر ، والآخر : متعلق النهي ، فلا يلزم اجتماع الضدين على كلا القولين.

ومع الالتزام بعدم كفايته ، وأنه لا يستلزم تعدد المعنون ، فالاجتماع محال حتى على

٣٦٧

لفردين موجودين بوجود واحد ، فكما لا يضر وحدة الوجود بتعدد الطبيعتين ، لا يضر بكون المجمع اثنين بما هو مصداق وفرد لكل من الطبيعتين ؛ وإلّا لما كان يجدي أصلا ؛ حتى على القول بالطبائع ، كما لا يخفى ؛ لوحدة الطبيعتين وجودا واتحادهما خارجا ، فكما أن وحدة الصلاتية والغصبية في الصلاة في الدار المغصوبة وجودا غير ضائر بتعددهما وكونهما طبيعتين ؛ كذلك وحدة ما وقع في الخارج من خصوصيات الصلاة فيها وجودا غير ضائر بكونه فردا للصلاة ، فيكون مأمورا به ، وفردا للغصب فيكون منهيا عنه ، فهو على وحدته وجودا يكون اثنين ؛ لكونه مصداقا للطبيعتين ، فلا تغفل.

الثامن (١) : أنه لا يكاد يكون من باب الاجتماع ؛ إلّا إذا كان في كل واحد من

______________________________________________________

القول بتعلق الأحكام بالطبيعة ؛ لأن وجود كلّ من الطبيعتين عين وجود الأخرى ، فيلزم اجتماع الأمر والنهي في واحد وهو محال.

فحاصل البحث : أنه إن كان تعدد الوجه مجديا في تعدد المتعلق لكان مجديا على كلا القولين. وإن لم يكن تعدد الوجه مجديا لما كان مجديا ؛ حتى على القول بتعلق الأحكام بالطبائع.

٢ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

هو : أن النزاع في مسألة الاجتماع لا يبتني على القول بتعلق الأحكام بالطبائع.

وكذلك لا يبتني القول بالجواز على تعلق الأحكام بالطبائع ، والقول بالامتناع على تعلقها بالأفراد. بل

يمكن النزاع على كلا القولين.

في اعتبار وجود المناطين في المجمع حتى تكون مسألة الاجتماع

من صغريات باب التزاحم على القول بالامتناع

(١) الغرض من عقد هذا الأمر الثامن هو : بيان أمرين :

الأمر الأول : أنه يعتبر في باب الاجتماع أن يكون مناط كل من الأمر والنهي موجودا في المجمع ؛ كي يكون على الجواز محكوما بكلا الحكمين ، وعلى الامتناع مندرجا في باب التزاحم بين المقتضيين كما ستعرف.

الأمر الثاني : بيان الفرق بين مسألة الأمر والنهي التي هي من صغريات باب التزاحم على الامتناع ، وبين باب التعارض أي : الفرق بين التزاحم والتعارض.

وتوضيح ذلك يتوقف على :

أن يقع الكلام تارة : في مقام الثبوت ، وأخرى : في مقام الإثبات.

٣٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما مقام الثبوت : فهناك احتمالات :

الاحتمال الأول : أن يكون مجمع الأمر والنهي فاقدا للملاكين.

الاحتمال الثاني : أن يكون واجدا لأحد الملاكين ، وذلك الملاك الواحد : إما ملاك للأمر ، أو للنهي ، أو غير معلوم تفصيلا ؛ بل يعلم إجمالا بأنه ملاك للأمر أو النهي.

الاحتمال الثالث : أن يكون واجدا للملاكين ، وهذا على قسمين :

أحدهما : أن يكون المجمع واجدا للملاكين مطلقا ، يعني : حتى في مورد التصادق والاجتماع.

وثانيهما : أن لا يكون واجدا لهما كذلك ؛ بأن لم يكن للمتعلقين ملاك حتى في مورد الاجتماع ؛ بأن كان الملاك قاصرا ، إنما يشمل مورد الافتراق.

إذا عرفت هذه الاحتمالات فاعلم : أن الاحتمال الأول : لا يكون موردا للتعارض ولا للتزاحم ، فيكون محكوما بحكم ثالث.

والاحتمال الثاني : محكوم بالوجوب أو التحريم فيما إذا علم ذلك الملاك الواحد تفصيلا بأنه ملاك للأمر أو للنهي ، ومورد للتعارض فيما إذا لم يعلم ذلك الملاك تفصيلا ؛ بل علم إجمالا بأنه ملاك للأمر أو النهي ؛ ولازم ذلك هو العلم بكذب أحدهما.

والاحتمال الثالث : مورد للتزاحم إذا كان المجمع موردا للملاكين حتى في مورد الاجتماع ، ولا يكون من هذا الباب إذا لم يكن للمتعلقين ملاك ؛ حتى في مورد الاجتماع ، بل لهما ملاك في مورد الافتراق.

والحاصل : أنه لو كان للحكمين المجتمعين الملاك ـ وهو : المصلحة في الأمر ؛ والمفسدة في النهي ؛ بأن لم يكن فرق بين الصلاة في الدار المغصوبة ، وبين سائر الصلوات ؛ وكذا لم يكن فرق بين هذا الغصب أعني : التصرف في مال الغير بغير إذنه حال الصلاة ، وبين سائر أفراده ـ كان هذا من باب التزاحم ، واجتماع الأمر والنهي.

غاية الأمر : كان التزاحم بين المقتضيين على القول بالامتناع والترجيح هنا بالأهمية ، فيؤخذ بما هو أقوى ملاكا ومناطا ـ وإن كان دليله أضعف سندا ودلالة ـ ولا يؤخذ بما هو أضعف مناطا ـ وإن كان دليله أقوى سندا ودلالة ـ ومع تساويهما مناطا وملاكا يحكم بحكم ثالث من استحباب أو كراهة أو إباحة هذا بخلاف باب التعارض ؛ حيث لا يعتبر فيه ثبوت المناط ؛ بل يعتبر فيه العلم بكذب أحد الدليلين ، ويرجع فيه إلى المرجحات السّندية والدلالية ، أو الاخبار العلاجية. والتفصيل في باب التعارض.

٣٦٩

متعلقي الإيجاب والتحريم مناط حكمه مطلقا ، حتى في مورد التصادق والاجتماع ؛ كي يحكم على الجواز بكونه فعلا محكوما بالحكمين. وعلى الامتناع بكونه محكوما بأقوى المناطين ، أو بحكم آخر غير الحكمين ؛ فيما لم يكن هناك أحدهما أقوى ، كما يأتي تفصيله.

وأما إذا لم يكن للمتعلقين مناط كذلك (١) فلا يكون من هذا الباب ، ولا يكون مورد الاجتماع محكوما إلّا بحكم واحد منهما (٢) ؛ إذا كان له مناطه ، أو حكم (٣) آخر غيرهما ؛ فيما لم يكن لواحد منهما ؛ قيل بالجوار (٤) أو الامتناع (٥) ، هذا بحسب مقام الثبوت.

______________________________________________________

والمتحصل : أن المجمع إن كان واجدا لكلا الملاكين فهو : من باب الاجتماع ، فعلى الجواز يكون محكوما بكلا الحكمين ، ولا يكون من باب التزاحم ، وعلى الامتناع يكون من باب التزاحم بين المقتضيين. وأما إذا كان أحد المناطين موجودا فيه دون الآخر : فهو محكوم بحكمه بالخصوص دون غيره ؛ كما إذا لم يكن فيه شيء من المناطين ، فهو محكوم بحكم آخر غير الحكمين ؛ من غير فرق بين الصورتين الأخيرتين بين الجواز والامتناع أصلا. هذا كله بحسب مقام الثبوت والواقع.

(١) أي : مطلقا حتى في مورد الاجتماع ـ بأن كان الملاك قاصرا ـ إنما يشمل مورد الافتراق فقط ، فلا يكون المجمع من هذا الباب أعني : باب التزاحم ، وبالتالي لم يكن من باب اجتماع الأمر والنهي.

(٢) أي : من الحكمين المجعولين للطبيعتين المتعلقتين للأمر والنهي ؛ «إذا كان له مناطه» ؛ يعني : إذا كان لأحد الحكمين مناطه.

(٣) معطوف على «حكم» أي : حكم آخر غير الوجوب والحرمة ؛ في مورد لم يكن لواحد ـ اي : شيء من الوجوب والحرمة ـ ملاك. وعلى هذا : فقد ذكر المصنف «قدس‌سره» لعدم اشتمال المتعلقين معا على المناط صورتين :

إحداهما : اشتمال أحدهما على المناط ، وقد أشار إليه بقوله : «إذا كان له مناطه».

ثانيهما : عدم اشتمال شيء منهما على المناط ، وقد أشار إليه بقوله : «أو حكم آخر غيرهما فيما لم يكن لواحد منهما».

(٤) لأن القول بالجواز مبني على وجود المقتضى لكل من الحكمين ، فمع عدمه في أحدهما أو كليهما لا مجال للنزاع.

(٥) إذا الامتناع مبني على عدم إمكان الجمع بين ما يقتضيه الملاكان الموجودان في المتعلقين ، ففي فرض عدم الملاكين لا مجال أيضا للامتناع كما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٤٢».

٣٧٠

وأما بحسب مقام الدلالة والإثبات : فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان ، إذا أحرز أن المناط من قبيل الثاني ، فلا بدّ من عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح

______________________________________________________

وكيف كان ؛ فما ذكر من اعتبار وجود الملاكين في مسألة الاجتماع دون التعارض : هو الفرق بينهما بحسب مقام الثبوت عند العدلية ؛ القائلين بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد. هذا تمام الكلام في مقام الثبوت.

أما الكلام في مقام الإثبات فقد أشار إليه بقوله : «وأما بحسب مقام الدلالة والإثبات ...» إلخ.

وتوضيح الفرق بين التزاحم والتعارض في مقام الإثبات يتوقف على مقدمة وهي أنه : «تارة :» يحرز أن المناط من قبيل الثاني ؛ بمعنى : أن أحد المناطين بلا تعيين موجود في المجمع دون الآخر.

و «أخرى :» يحرز أن المناط من قبيل الأول ؛ بمعنى : أن كلا من المناطين موجود في المجمع.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الدليلين الدالين على الحكمين متعارضان بالنسبة إلى المجمع في الصورة الأولى ـ وهي إحراز أحد المناطين ـ بلا فرق بين الجواز والامتناع ، فلا بدّ من عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح أو التخيير.

هذا بخلاف الصورة الثانية ؛ فيكون الدليلان فيها متزاحمان بالنسبة إلى المجمع ، فربما كان الترجيح مع ما هو أقوى مناطا ؛ وإن كان أضعف دليلا.

ولكن التزاحم إنما هو على الامتناع ، وإلّا فعلى الجواز لا تعارض ولا تزاحم أصلا ؛ لعدم التنافي بينهما باعتقاد المجوّز.

وهناك صورة ثالثة وهي : ما إذا أحرز أنه لا مناط في المجمع أصلا ، فالدليلان حينئذ ليسا بمتعارضين ، ولا بمتزاحمين ؛ لا على الجواز ولا على الامتناع. إلّا إن عبارة المصنف ـ في مقام الإثبات ـ قاصرة جدا عن إفادة المراد ، فإن العبارة لم تستقص جميع صور مقام الإثبات. فتدبر.

وكيف كان ؛ فإن علاج الدليلين الدالين على الحكمين ـ الدائر أمرهما بين التزاحم ، والتعارض ـ يكون بإعمال قاعدة التزاحم ؛ وهي : الترجيح بقوّة المناط إن أحرز كونه من التزاحم ، وبإعمال قواعد التعارض ؛ وهي : الترجيح بالمرجحات المقررة للمتعارضين إن أحرز كونه من التعارض.

وأما إثبات كون المناط من أي القبيلين ، وطريقة معرفته : فالمتكفل له الأمر التاسع ، فالمائز بين الأمر التاسع وهذا الأمر هو : أن هذا الأمر متكفل لمقام الثبوت ، وأن هناك

٣٧١

والتخيير ، وإلّا فلا تعارض في البين ، بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين ، فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا ؛ لكونه أقوى مناطا ، فلا مجال حينئذ (١) لملاحظة مرجحات الروايات أصلا (٢) ، بل لا بد من مرجحات المقتضيات المتزاحمات ، كما يأتي الإشارة إليها.

نعم ؛ (٣) لو كان كل منهما متكفلا للحكم الفعلي ، لوقع بينهما التعارض ، فلا بدّ

______________________________________________________

واقعين ، وهما التزاحم والتعارض ، وأن معالجة الأول في مرحلة الإثبات تكون بشيء ، ومعالجة الثاني بشيء آخر.

وأما الأمر التاسع : فهو متكفل بطريق إثبات كل من الواقعين ، وأن إثباتهما بأي : شيء يكون ليعالج بعلاجه.

قوله : «وإلّا فلا تعارض في البين» يعني : وإن لم يحرز أن المناط من قبيل الثاني ؛ لاحتمال كونه من قبيل الأول ـ وهو وجود المناط في كلّ من الحكمين حتى في مورد الاجتماع ، فلا تعارض بينهما ؛ لاحتمال صدقهما معا ، وعدم العلم الإجمالي بكذب أحدهما ؛ لأن التعارض فرع العلم بكذب أحدهما.

قوله : «بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين» استدراك على عدم التعارض بتقريب : أنه إذا لم يحرز من الخارج ـ كإجماع أو غيره ـ أن المورد من قبيل وجود المناط في كليهما أو أحدهما ؛ فلا يعامل مع الدليلين معاملة التعارض ، بل لا بدّ من الحكم بكونه من الأول وهو وجود المناط في كلا العنوانين.

والوجه في ذلك : أن مقتضى حجية الروايتين معا : حكايتهما عن وجود المناط في كليهما ؛ لكشف الحكمين اللذين هما مدلولا الروايتين المعتبرتين عن مناطين فيقع التزاحم بينهما لا محالة بناء على الامتناع ، كما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٤٥».

(١) أي : حين احتمال وجود المناط في كلا المتعلقين ؛ وذلك لاختصاص أدلة مرجحات الروايات بباب التعارض ، وعدم شمولها لباب التزاحم.

(٢) يعني : لا المرجحات السندية ولا الدلالية ، بل لا بدّ من إعمال مرجحات باب التزاحم الراجعة إلى الترجيح الملاكي ؛ «كما يأتي الإشارة إليها» أي : إلى مرجحات المقتضيات في التنبيه الثاني من تنبيهات اجتماع الأمر والنهي.

(٣) استدراك على ما ذكره من إعمال مرجحات التزاحم ، وحاصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٤٥» ـ أنه قد يعامل مع المتزاحمين معاملة التعارض ، وهو فيما إذا كانت الروايتان ظاهرتين في الحكم الفعلي مطلقا حتى في حال الاجتماع ؛ فإنه بناء

٣٧٢

من ملاحظة مرجحات باب المعارضة ؛ لو لم يوفق بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي ؛ بملاحظة (١) مرجحات باب المزاحمة. فتفطن.

______________________________________________________

على الامتناع يمتنع فعلية الحكمين على طبق مناطيهما ، فلا بدّ من فعلية أحدهما في مورد الاجتماع ؛ للعلم الإجمالي بكذب أحدهما الموجب لتعارض الدليلين ، فيجري عليهما حكم التعارض إن لم يمكن الجمع الدلالي بينهما ؛ إذ مع امكانه ينتفي موضوع التعارض ، فلا مجال لإجراء أحكامه ، كما قرر في محله.

ففي المقام إذا أحرزت أهمية أحد المناطين : كانت في قرينة على حمل الحكم الآخر على الاقتضائي ، وصالحة لصرف الدليل الآخر عن ظهوره في الحكم الفعلي إلى الاقتضائي.

فالمتحصل : أن الخبرين الواجدين للمناط ؛ وإن كانا من المتزاحمين ؛ لكنه قد يعامل معهما معاملة التعارض إذا كانا متكفلين للحكم الفعلي ، فإنه ـ بناء على الامتناع ـ يعلم إجمالا بكذب أحدهما ، فيجري عليهما أحكام التعارض بشرط عدم إمكان الجمع العرفي بينهما ولو بقرينة الأهمية التي هي من مرجحات باب التزاحم.

هذا ما أشار إليه بقوله : «لو لم يوفق بينهما ...» إلخ يعني : أن التعارض مشروط بعدم إمكان التوفيق العرفي بين الدليلين ؛ إذ معه ينتفي موضوع التعارض.

(١) متعلق ب «حمل» ؛ يعني : أن الحمل على الاقتضائي يكون بملاحظة مرجحات باب المزاحمة ، ويجوز تعلقه ب «يوفق» ؛ يعني : لو لم يوفق بين الدليلين بملاحظة ... إلخ.

ثم الوجه في الجمع بينهما بحمل أحدهما على الاقتضائي هو : أن المقتضي فيه أضعف من الآخر ، فاختلاف المقتضي يكشف عن اختلاف الحكم. «فتفطن» حتى لا يشتبه عليك الأمر ، وتجري أحكام التعارض على الروايتين الدالتين على الحكمين مطلقا ـ بناء على الامتناع ـ وذلك لاختصاص معاملة التعارض بما إذا كان المناط في أحدهما ، إذ لو كان المناط في كليهما يعامل معهما معاملة التزاحم ؛ إلّا إذا كانتا حاكيتين عن الحكم الفعلي ، ولم يمكن الجمع العرفي بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي.

وفي «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٤٧» ما هذا لفظه : «ويحتمل أن يكون قوله : «فتفطن» إشارة إلى : أن الجمع العرفي بين الدليلين منوط بأظهرية أحدهما من الآخر ، وأقوائية أحد المناطين لا توجب الأقوائية من حيث الظهور ، لكنه بعيد ؛ لأن مناط التوفيق العرفي ليس منحصرا بالأظهرية ، بل يكفي في ذلك صلاحية كون أحدهما قرينة على التصرف في الآخر ؛ لأظهرية ، أو قرينة لفظية ، أو عقلية ؛ كمناسبة الحكم للموضوع ، أو غيرها. ولو كان المناط الأظهرية فقط لكان ذو القرينة فيما إذا كان أظهر من القرينة ؛ كقوله : «رأيت أسدا يرمي» مقدما على ظهور القرينة ، وهو كما ترى خلاف ما جرت عليه سيرة أبناء

٣٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المحاورة في محاوراتهم. وعليه : فلا مانع من قرينية أقوائية المناط على التصرف في الدليل الآخر بحمله على الحكم الاقتضائي فتدبر».

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ أن مجمع الأمر والنهي بحسب الواقع ومقام الثبوت : إمّا واجد للملاكين أو فاقد لهما أو واجد لأحدهما. فعلى الأول : محكوم بحكمين على الجواز ، ومندرج في باب التزاحم على الامتناع ، فيتبع الحكم لأقوى الملاكين ، وعلى الثاني : محكوم بحكم ثالث. وعلى الثالث : يكون من باب التعارض إن علم إجمالا بكذب أحدهما.

فالحاصل : أن المورد لا يكون من موارد اجتماع الأمر والنهي إلّا إذا كان في كلّ من متعلقي الأمر والنهي مناط الحكم مطلقا ؛ يعني : حتى في مورد الاجتماع والتصادق.

والوجه فيه هو : أن أحكام باب الاجتماع لا تترتب إلّا في مورد وجود الملاكين ، فيحكم بكون المجمع محكوما بحكمين فعليين على الجواز ، وبكونه محكوما بما هو أقوى مناطا من الحكمين ، أو بحكم آخر غيرهما مع تساوي المناطين بناء على الامتناع. ولو لم يكن في المورد مناط كلا الحكمين فلا يكون من باب الاجتماع ؛ بل يكون محكوما بأحد الحكمين إذا كان له مناطه ، أو بغيرهما إذا لم يكن لكلا الحكمين مناط ؛ سواء قيل بالجواز أو الامتناع. هذا خلاصة ما يرجع إلى مقام الثبوت.

٢ ـ وأما بحسب مقام الإثبات : فإذا أحرز أن المناط من قبيل الثاني ـ يعني : لم يكن لكلا الحكمين مناط ـ فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان ، فالمحكم حينئذ : قواعد التعارض ؛ من ترجيح ، أو تخيير ، وإن لم يحرز ذلك ؛ بل أحرز وجود الملاكين : فلا يكون من باب التعارض ؛ بل يكون المورد من موارد تزاحم المقتضيين. فالمقدم هو الأقوى منهما مناطا ؛ وإن كان أضعف دليلا.

نعم ؛ إذا كان كلّ منهما متكفلا للحكم الفعلي كانت المعارضة ثابتة ، فلا بدّ من ملاحظة قواعد المعارضة ؛ إلّا إذا جمع بينهما عرفا ؛ بحمل أحدهما ـ وهو الأضعف ملاكا ـ على بيان الحكم الاقتضائي ؛ بملاحظة مرجحات باب المزاحمة.

٣ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ أما في مقام الثبوت : فتكون مسألة الاجتماع من صغريات باب التزاحم على القول بالامتناع.

٣٧٤

التاسع : (١) أنه قد عرفت : أن المعتبر في هذا الباب : أن يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها مشتملة على مناط الحكم مطلقا ؛ حتى في حال

______________________________________________________

٢ ـ وأما في مقام الإثبات : فظاهر كلامه هو : التفصيل ؛ بمعنى : أنها من باب التعارض إذا أحرز أن المناط من قبيل الثاني ؛ أي : هناك مناط واحد بلا تعيين أصلا.

ومن باب التزاحم بين المقتضيين إذا أحرز أن المناط من قبيل الأول ؛ بمعنى : أن كلا من المناطين موجود في المجمع.

في بيان ما يحرز به المناطان في المجمع

(١) المقصود من الأمر التاسع : بيان ما يحرز به المناطان في المجمع ، كما أن المقصود من الأمر الثامن هو : بيان اعتبار وجود المناطين في المجمع ؛ حتى يكون المجمع على القول بالامتناع مندرجا في التزاحم بين المقتضيين كما عرفت.

وكيف كان ؛ فالأمر التاسع يكون لبيان ما هو طريق إلى احراز المناط في مقام الإثبات.

وحاصل الكلام في الأمر التاسع : أنه إن كان إحراز المناطين في المجمع بإجماع أو غيره من دليل خاص ؛ موجب للعلم بثبوت المناط فيه ؛ فلا إشكال في كون المجمع من مسألة اجتماع الأمر والنهي ؛ لأن المعيار في مسألة الاجتماع هو : أن يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها مشتملا على مناط الحكم ؛ حتى في مورد الاجتماع ، كما أشار إليه بقوله : «مطلقا حتى في حال الاجتماع». فقوله : «حتى في حال الاجتماع» بيان لقوله : «مطلقا» ؛ بأن يكون مناط وجوب الصلاة ، ومناط حرمة الغصب موجودين حتى في الصلاة في الغصب.

وأما لو لم يكن في البين دليل على وجود المناطين «إلّا إطلاق دليلي الحكمين» كإطلاق «صلّ» ، وإطلاق «لا تغصب» ؛ بأن يكون كل منهما شاملا لمورد الاجتماع ، وكاشفا عن وجود المناط فيه ثبوتا «ففيه تفصيل» ، ومورد التفصيل هو : ما إذا انحصر الدليل في إطلاق دليلي الحكمين.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن في صورة انحصار الدليل في إطلاق دليلي الحكمين ؛ فتارة : يكون الدليلان في مقام بيان الحكم الاقتضائي ؛ كما إذا دل أحدهما على المصلحة ، والآخر على المفسدة.

وأخرى : أن يكون الدليلان في مقام بيان الحكم الفعلي كما هو الغالب.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إنه على الفرض الأول : كان المورد من باب الاجتماع ، كما أشار إليه بقوله : «فيكون من هذا الباب» سواء قلنا بجواز الاجتماع ؛ لكون تعدد

٣٧٥

الاجتماع ، فلو كان هناك ما دل على ذلك ـ من إجماع أو غيره ـ فلا إشكال ، ولو لم يكن إلّا إطلاق دليلي الحكمين ، ففيه تفصيل وهو : أن الإطلاق لو كان في بيان الحكم الاقتضائي ، لكان دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع ، فيكون من هذا الباب ، ولو كان بصدد الحكم الفعلي : فلا إشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز ؛ إلّا إذا علم إجمالا بكذب أحد الدليلين ، فيعامل معهما معاملة المتعارضين.

وأما (١) على القول بالامتناع فالإطلاقان متنافيان ، من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الاجتماع أصلا ؛ فإن (٢) انتفاء أحد المتنافيين كما يمكن أن

______________________________________________________

الجهة مجديا في تعدد المتعلق أم لا ، وذلك لدلالة الإطلاقين على ثبوت المقتضي في مورد الاجتماع.

وأما على الفرض الثاني : فيختلف الحكم ؛ بمعنى : أنه لا إشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز ، فيعامل مع الدليلين معاملة التزاحم ؛ لأن الحكاية عن فعلية الحكمين تستلزم الحكاية عن ثبوت مقتضيهما كما هو واضح ، إلّا إذا علم إجمالا بكذب أحد الدليلين في حكايته ؛ فيعامل معهما معاملة التعارض ؛ إذ المفروض : عدم المقتضى في المتعلقين معا حتى يندرجا في باب التزاحم. هذا تمام الكلام في الفرض الثاني على القول بالجواز.

وأما على الامتناع : فالإطلاقان متنافيان ؛ من دون أن تكون لهما دلالة على ثبوت مقتضى الحكمين في مورد الاجتماع ؛ وذلك لتنافي الإطلاقين ، فحينئذ يعامل معهما معاملة التعارض ؛ إلّا إن يجمع بينهما عرفا بحمل كل منهما على الحكم الاقتضائي إن كانا متساويين في الظهور ، وإلّا فيحمل خصوص الظاهر منهما على الحكم الاقتضائي ، والأظهر على الفعلي.

(١) معطوف على قوله : «على القول بالجواز» ؛ يعني على القول بالامتناع يمتنع صدق الدليلين معا على المجمع ؛ إذ المفروض حينئذ : تحقق التنافي بين الإطلاقين ، ومقتضى هذا التنافي جريان أحكام التعارض عليهما.

(٢) بيان لوجه عدم الدلالة مع تنافي الإطلاقين وحاصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٥٠» ـ أنه على القول بالامتناع يعلم إجمالا بكذب أحد الدليلين في دلالته على الحكم الفعلي ، لانتفائه في أحدهما ؛ كما هو مقتضى القول بالامتناع ، فحينئذ يمكن انتفاء مجرّد الفعلية مع وجود المناط في كل منهما ، ويمكن انتفاء المقتضي في أحدهما.

٣٧٦

يكون لأجل المانع مع ثبوت المقتضي له ؛ يمكن أن يكون لأجل انتفائه ؛ إلّا أن يقال (١) : إن قضية التوفيق بينهما هو : حمل كلّ منهما على الحكم الاقتضائي ؛ لو لم يكن أحدهما أظهر ؛ وإلّا فخصوص الظاهر منهما.

فتلخص (٢) : أنه كلما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضي في الحكمين كان من مسألة الاجتماع ، وكلما لم تكن هناك دلالة عليه فهو من باب التعارض مطلقا ؛ إذا

______________________________________________________

والحاصل : أنه يمكن استناد عدم الفعلية إلى عدم المقتضي ، وإلى وجود المانع ، ولما لم يحرز واحدا منهما ، فيشك في اندراج المقام في مسألة الاجتماع ؛ بل يحتمل أن يكون من باب التعارض ؛ لاحتمال انتفاء المقتضى فيعلم إجمالا بكذب أحد الدليلين لذلك ، ويحتمل أن يكون من باب التزاحم لوجود المانع مع ثبوت المقتضى لكلا الحكمين.

(١) هذا استثناء من جريان أحكام التعارض على الدليلين الحاكيين عن الحكم الفعلي ؛ بناء على القول بالامتناع ؛ وحاصله : أن إجراء أحكام التعارض في هذه الصورة مبني على عدم إمكان الجمع العرفي بين الدليلين.

وأما مع إمكانه ؛ فلا تصل النوبة إلى إجرائها ؛ لانتفاء موضوع التعارض ، مع إمكان الجمع العرفي ، والمراد بالجمع العرفي ـ كما عرفت ـ هو : حمل كلّ من الدليلين على الحكم الاقتضائي مع تساويهما في الظهور لو لم يكن أحدهما أظهر من الآخر ، وفي فرض أظهرية أحدهما فيحمل خصوص الظاهر منهما على الحكم الاقتضائي ، ويبقى الأظهر حجة في الفعلية.

(٢) فتلخص من جميع ما ذكرناه في الأمر التاسع : أنه كلما كانت هناك دلالة في الدليلين المجتمعين على ثبوت المقتضى والمناط في الحكمين ؛ سواء كان الدليل على ثبوته إجماعا أو دليلا خاصا ؛ مما يوجب العلم بالثبوت ، أو إطلاقا لدليل الحكمين ، لكان المجمع من باب التزاحم ، ومن مسألة الاجتماع ؛ سواء قلنا : بالجواز ، أو قلنا : بالامتناع ؛ بشرط أن يكونا اقتضائيين معا ، وإلّا ففيه تفصيل ، وقد سبق ذلك. وكلّما لم تكن هناك دلالة على ثبوت المقتضي والمناط في الحكمين. فالمجمع يكون من باب التعارض «مطلقا» ؛ يعني قلنا : بالجواز ، أو قلنا بالامتناع ؛ ولكن بشرط أن تكون هناك دلالة على انتفاء المناط والمقتضى في أحدهما بلا تعيين ؛ لأن المعيار في التعارض هو : عدم ثبوت المناط فيهما ؛ المستلزم للعلم بكذب أحدهما ؛ للعلم بثبوته في أحدهما بلا تعيين.

٣٧٧

كانت هناك دلالة على انتفائه في أحدهما بلا تعيين (١) ولو على الجواز ، وإلّا (٢) فعلى الامتناع.

______________________________________________________

(١) يعني : أن تقييد المصنف انتفاء المناط في أحدهما بقيد «بلا تعيين» ؛ إنما هو لإخراج ما إذا دل على انتفاء الملاك في أحدهما المعين ، فإنه يخرج حينئذ عن الاجتماع والتعارض معا ؛ للقطع بعدم حجية ما ليس فيه الملاك ، فيتعين الأخذ بالآخر بلا تعارض ولا تزاحم أصلا.

(٢) يعني : وإن لم تكن هناك دلالة على انتفاء المقتضي في أحدهما بلا تعيين ؛ كما إذا لم تكن دلالة على ثبوت المقتضي لهما في المجمع ؛ فهو من باب التعارض على القول بالامتناع ؛ إذ لا طريق إلى إحراز شرط مسألة الاجتماع وهو : ثبوت المقتضي في المتعلقين.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص مما ذكره المصنف «قدس‌سره» في الأمر التاسع :

أن الدليلين إن كانا في مقام بيان الحكم الاقتضائي ، فهما من باب الاجتماع. وإن كانا في مقام بيان الحكم الفعلي ؛ فإن علم إجمالا بكذب أحدهما غير المعيّن جرى عليهما حكم التعارض مطلقا ؛ سواء قلنا : بالجواز أم الامتناع. وإن لم يعلم بكذب أحدهما ، واحتمل صدقهما معا : فعلى القول بالجواز يكونان من باب الاجتماع ، وعلى القول بالامتناع يعامل معهما معاملة التعارض ؛ لعدم إحراز ثبوت المناط في كلا المتعلقين ؛ إن لم يمكن الجمع العرفي بينهما بحمل كليهما أو أحدهما على الحكم الاقتضائي ، وإلّا فلا تصل النوبة إلى أحكام التعارض.

٢ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ لو كان هناك دليل على ثبوت مناط الحكمين ؛ فلا إشكال في دخول المجمع في مسألة الاجتماع.

٢ ـ لو لم يكن إلّا إطلاق دليلي الحكمين : ففيه تفصيل ؛ بمعنى : أنه إن كان الدليلان في مقام بيان الحكم الاقتضائي كانا من باب الاجتماع ، وإن كانا في مقام بيان الحكم الفعلي : فعلى القول بالجواز : يعامل معهما معاملة التزاحم ؛ إلّا إذا علم إجمالا بكذب أحد الدليلين ، فيعامل معهما معاملة التعارض وعلى القول بالامتناع : يعامل معهما معاملة التعارض ؛ إلّا إن يجمع بينهما عرفا ، فلا يكون هناك موضوع للتعارض. هذا تمام الكلام في خلاصة البحث.

٣٧٨

العاشر (١) : أنّه لا إشكال في سقوط الأمر وحصول الامتثال بإتيان المجمع بداعي الأمر على الجواز مطلقا ، ولو في العبادات وإن كان معصية للنهي أيضا.

______________________________________________________

في ثمرة بحث الاجتماع

(١) المقصود من عقد هذا الأمر العاشر هو : بيان الثمرة المترتبة على القول بالجواز والامتناع في مسألة الاجتماع. وتوضيحها يتوقف على مقدمة وهي : أنّ الواجب المتحد مع الحرام : إمّا توصلي ، أو تعبّدي وعلى كلا التقديرين : إما نقول بالجواز أو بالامتناع. وعلى الامتناع : إمّا يرجح جانب الأمر أو جانب النهي. وعلى ترجيح جانب النهي : المكلف إما ملتفت إلى الحرمة أو لا ، ومع عدم الالتفات كان جهله وعدم التفاته عن تقصير أو عن قصور ، وعلى التقديرين قصد القربة أم لا؟

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنّه لا إشكال في سقوط الأمر بإتيان المجمع على القول بالجواز مطلقا ، سواء كان من العبادات أو المعاملات بالمعنى الأعم المقابل للعبادات ، فيكون المكلف مطيعا للأمر وعاصيا للنهي كما أشار إليه بقوله : «وإن كان معصية للنهي أيضا» أي : كما يكون إطاعة للأمر.

وكذلك يسقط الأمر على الامتناع وترجيح جانب الأمر بدون المعصية ؛ لأن المفروض : سقوط النهي لغلبة الأمر ، كما أشار إليه بقوله : «وكذا الحال على الامتناع مع ترجيح جانب الأمر ...» إلخ.

وأما على الامتناع وترجيح جانب النهي : فيسقط الأمر في غير العبادات مطلقا ، سواء التفت إلى الحرمة أم لا ؛ لحصول الغرض الداعي إلى الأمر بإتيان متعلقه ؛ لكونه توصليا لا يعتبر فيه قصد القربة. كما أشار إليه بقوله : «وأمّا عليه وترجيح جانب النهي ...» إلخ.

وأما في العبادات : ففيه تفصيل كما أشار إليه بقوله : «وأما فيها فلا مع الالتفات إلى الحرمة ...» إلخ.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن المكلّف «تارة» : يكون عالما بالحكم والموضوع ، و «أخرى» : يكون جاهلا بكل من الحكم والموضوع أو الحكم فقط.

والأول : كما إذا علم بأن مكان صلاته مغصوب ، وأنّ الحكم التكليفي هو الحرمة والحكم الوضعي هو فسادها فيه.

والثاني : يتصوّر على وجهين : أحدهما : أن لا يعذر في جهله لكونه عن تقصير.

والآخر : أن يعذر فيه لكونه عن قصور.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه يحكم ببطلان الصلاة إذا كان المكلف عالما بالحكم

٣٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والموضوع أو الحكم فقط ؛ لكون هذه الصلاة حراما ومعصية ، ومن المعلوم : عدم صلاحية الحرام للعبادية والمقربيّة ، فالأمر المتعلق بطبيعة الصلاة لا يسقط بإتيان المجمع ، وقد أشار إليه بقوله : «وأما فيها فلا ...» الخ ، يعني : وأمّا في العبادات. كما لو صلّى في الدار المغصوبة. فلا يسقط الأمر «مع الالتفات إلى الحرمة».

وأما إذا كان المكلف جاهلا بكل من الحكم والموضوع أو الحكم فقط. فالحكم فيها هو البطلان أيضا إن لم يكن جهله عذرا بأن كان عن تقصير ؛ لأن الجهل عن تقصير كالعلم في عدم العذر ، فالفعل حينئذ حرام محض ، فالمكلف وإن كان متمكنا من قصد القربة لجهله إلّا إن الفعل لحرمته لا يصلح لأن يكون مقرّبا للعبد إليه «سبحانه وتعالى».

ومجرّد اشتماله على المصلحة لا يجدي في مقربيّته ، لأنها مغلوبة بالمفسدة ، فلا فرق في الحكم بالفساد بين العلم وبين الجهل التقصيري. وقد أشار إليه بقوله : «أو بدونه تقصيرا ...» إلخ.

وأما لو كان الجهل لعذر. بأن يكون عدم الالتفات عن قصور. فتوضيحه : أن الفعل لما كان واجدا للمصلحة كان صدوره على وجه حسن لعدم الجهل العذري مانعا عن حسنه الصدوري ، فلا مانع حينئذ من سقوط الأمر بحصول الغرض به ؛ إذ تبعيّة الأمر للغرض حدوثا وبقاء يكون من الأمور البديهية.

فلا مانع من تمشي قصد القربة وسقوط الأمر في فرض كون الجهل عذرا ، وقد أشار إليه بقوله : «وأما إذا لم يلتفت إليها قصورا».

وكيف كان ؛ فإذا كان المكلف جاهلا «فتارة» : يكون جهله عن تقصير ، و «أخرى» : عن قصور. أما على الأول : فتكون صلاته فاسدة ؛ لأنّ صحّة العبادة مشروطة بشرائط ثلاثة عرضية لا طولية :

الأول : أن يكون العمل في حدّ نفسه قابلا للتقرّب إلى المولى.

الثاني : أن يقصد المكلف التقرّب بالعمل إلى المولى.

الثالث : أن لا يكون صدور العمل منه قبيحا ومبغوضا.

فالأول والثاني : وإن كانا موجودين هنا ، لأن هذه الصلاة كسائر الصلوات ذات ملاك ، فلا فرق بينهما في صورة الجهل بالحرمة ، والحال أنه قد قصد التقرب به.

ولكن الثالث : لا يكون موجودا في فرض كون الجهل عن تقصير ؛ لأن العمل وإن كان في نفسه قابلا للتقرب لأجل اشتماله على الملاك إلّا أنّه حيث كان مبغوضا للمولى

٣٨٠