دروس في الكفاية - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦

أحدهما لا بعينه مصداقا ولا مفهوما ، كما هو واضح ؛ إلّا إن يرجع إلى ما ذكرنا فيما إذا كان الأمر بأحدهما بالملاك الأول ، من أن الواجب هو الواحد الجامع بينهما ، ولا أحدهما معينا ، مع كون كل منهما مثل الآخر في أنه واف بالغرض ، (ولا كلّ واحد منهما تعيينا مع السقوط بفعل أحدهما ، بداهة : عدم السقوط مع إمكان استيفاء ما

______________________________________________________

ومنها : هو كون الواجب أحدهما لا بعينه ؛ مصداقا أو مفهوما. يقول المصنف في تزييف هذا القول : «لا وجه للقول بكون الواجب هو أحدهما لا بعينه مصداقا أو مفهوما».

أما الأول : ـ وهو أحدهما لا بعينه مصداقا ـ فمردود بوجوه :

الأول : أنه خلاف ظاهر الدليل الدال على تعدد الواجب ، لأنّ الكلام فيما ورد الأمر بنحو الترديد.

الثاني : أن تعدد الغرض كاشف عن تعدد الواجب.

الثالث : امتناع أن يكون الواجب مصداق أحدهما لا بعينه ؛ إذ لا وجود له بداهة : أن الفرد الخارجي دائما يكون معينا لا مرددا نظرا إلى قاعدة «الشيء ما لم يتشخص لم يوجد» فلا يصح جعل مصداق «الواحد لا بعينه» موضوعا للغرض الداعي إلى الطلب والبعث ؛ لأن المردد بما هو مردد لا وجود له حتى يكون مصداقا للواحد بعينه.

وأما الثاني : ـ وهو أحدهما : لا بعينه مفهوما ـ فمردود.

أوّلا : أن المردد لا واقع له أصلا لا خارجا ولا مفهوما ، فإن كل ما يوجد في الذهن أو في الخارج لا تردد فيه ، فإذا لم يكن للمردد واقع امتنع أن يكون معروضا لغرض اعتباري أو حقيقي.

وثانيا : ما عرفت في الأول ؛ من أن تعدد الغرض كاشف عن تعدد الواجب.

وثالثا : أن هذا العنوان ليس من العناوين المقبّحة أو المحسّنة ، نعم ؛ يصح تعلّق بعض الصفات الحقيقية ذات الإضافة به كالعلم ، وأمّا الطلب : فلا ؛ لأنه لا يتعلق إلّا بما كان حسنا. وتركنا ما في الوجوه المذكورة من النقض والإبرام رعاية لاختصار الكلام في المقام ، قوله : «إلّا إن يرجع إلى ما ذكرنا» ... إلخ ، إشارة إلى توجيه القول بكون الواجب أحدهما لا بعينه ، بعد وضوح فساده ، وحاصل التوجيه : هو إرجاعه إلى ما ذكره المصنف من أن الواجب هو الجامع بينهما فيما إذا كان الملاك واحدا.

قوله : «ولا أحدهما معينا» معطوف على قوله : «أحدهما لا بعينه» يعني : لا وجه للقول بكون الواجب هو أحدهما المعين ؛ لأن إيجاب أحدهما معينا مع وفاء كل منهما

٣٠١

في كل منهما من الغرض ، وعدم جواز الإيجاب كذلك مع عدم إمكانه) فتدبر.

بقي الكلام في أنه هل يمكن التخيير عقلا أو شرعا بين الأقل والأكثر أو لا؟

ربما يقال : «بأنه محال ؛ فإن الأقل إذا وجد كان هو الواجب لا محالة ، ولو كان في ضمن الأكثر لحصول الغرض به ، وكان الزائد عليه من أجزاء الأكثر زائدا على

______________________________________________________

بغرض يصلح لتشريع إيجابه يكون ترجيحا بلا مرجح ، كما أشار إليه بقوله : «مع كون كل منهما مثل الآخر في أنه واف بالغرض».

بقي الكلام بكون كل واحد منهما واجبا تعيينا مع السقوط بفعل أحدهما ، وهو الذي أشار إليه بقوله : «ولا كل واحد منهما تعيينا مع السقوط بفعل أحدهما» يعني : ولا وجه لهذا القول أيضا كالقولين السابقين ؛ وذلك فلأنه مع إمكان استيفاء غرض كل واحد من الشيئين أو الأشياء لا وجه للسقوط بفعل واحد منهما ، إذ المفروض : عدم التضاد بين الغرضين وكون كل منهما لازم الاستيفاء ، وإلّا لم يكن داع إلى إيجاب ما يقوم به.

ومع عدم إمكان استيفائه لا وجه لإيجاب كل من الشيئين تعيينا ، لعدم القدرة عليه الموجب لقبح الإيجاب.

والحاصل : أنه مع إمكان الاستيفاء لا وجه للسقوط ، ومع عدمه لا وجه لإيجاب كلّ واحد منهما تعيينا ، كما هو واضح.

وقوله : «ولا كل واحد منهما تعيينا» معطوف أيضا على قوله : «أحدهما لا بعينه» يعني لا وجه للقول بكون الواجب كل واحد منهما معينا مع السقوط بفعل أحدهما.

قوله : «بداهة عدم السقوط ...» إلخ بيان لعدم الوجه لوجوب كلّ منهما معينا. كما في «منتهى الدراية ، ج ٢ ، ص ٥٥٣».

بقي الكلام في بطلان القول الرابع ؛ وهو «وجوب المعين عند الله» ، وبطلانه أوضح من الشمس ، فلا يحتاج إلى إقامة برهان.

فالحق عند المصنف هو : وجوب الجامع ، وقد عرفت وجه ذلك في المقام الأول ، فلا حاجة إلى التكرار والإعادة. نعم ؛ في المقام بحث طويل وهو النقض والإبرام حتى على ما اختاره المصنف ، وقد أضربنا عن ذلك رعاية للاختصار.

قوله : «فتدبر» لعله إشارة : إلى أن مرجع هذا القول إلى الوجوبين التعيينيين المشروط كل منهما بترك الآخر ، فكلاهما واجبان تعيينيان مشروط وجوب كل منهما بترك الآخر.

٣٠٢

الواجب» ؛ لكنه ليس كذلك ؛ فإنه (١) إذا فرض أن المحصّل للغرض ـ فيما إذا وجد

______________________________________________________

الكلام في التخيير بين الأقل والأكثر

وهناك قولان قول بالاستحالة ، وقول بالإمكان :

والأول : ما أشار إليه بقوله : «ربما يقال : بأنه محال» لكون الواجب هو الأقل فقط إن حصل به الغرض الداعي إلى الأمر ؛ لأن الوجوب تابع لما في متعلقه من الغرض ، فإذا فرض حصوله بالأقل ؛ فلا محالة يكون هو الواجب.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الأمر ـ لكونه من الأفعال الاختيارية ـ لا بدّ له من غرض داع إليه لأن الأمر بلا غرض محال على الحكيم. ثم ذلك الغرض إما يحصل بالأقل وإما لا يحصل به ، بل يحصل بالأكثر.

إذا عرفت هذه المقدمة فيتضح لك : أن التخيير بينهما غير معقول إذ على الأول : ـ وهو فرض حصول الغرض بالأقل ـ لا يتصف الأكثر بالوجوب أصلا ؛ لأن الأقل يوجد قبل الأكثر ، فيسقط الأمر بمجرد الإتيان به لوفائه بالغرض.

وعلى الثاني : ـ وهو عدم حصول الغرض بالأقل ـ لا يتصف الأقل بالوجوب ـ لما عرفت في المقدمة من : أن الوجوب والأمر تابع للغرض ـ فلا معنى لجعل الأقل طرف الوجوب التخييري ـ كما لا معنى لجعل الأكثر كذلك على الفرض الأول.

فالمتحصل : أن التخيير بين الأقل والأكثر غير معقول ، وما نراه في الشريعة من التخيير بين القصر والتمام وما شاكلهما تخيير شكلي وصوري لا واقعي وحقيقي ؛ فإنه بحسب الواقع تخيير بين المتباينين ، لفرض : أن القصر في اعتبار الشارع مباين للتمام ، فلا يكون التخيير بينهما من التخيير بين الأقل والأكثر ، بل هو من التخيير بين المتباينين.

(١) هذا ردّ من المصنف على القول باستحالة التخيير بين الأقل والأكثر ، فيصح التخيير بينهما.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الأكثر يعتبر بشرط شيء أعني : الزيادة ، والأقل يعتبر بشرط لا ؛ أعني : عدم الزيادة. ومن المعلوم : مغايرة الماهية بشرط شيء ، والماهية بشرط لا.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن التخيير بين الأقل والأكثر يرجع إلى التخيير بين المتباينين ؛ لما عرفت : من التباين بين الماهية بشرط شيء ، والماهية بشرط لا ؛ فلا يمتنع التخيير بين الأقل والأكثر ، لأن المحصّل للغرض هو الأقل إذا وجد بحدّه ، ولا يكون محصلا للغرض إذا وجد في ضمن الأكثر ، بل المحصّل هو الأكثر ، وإذا كان الأمر كذلك تعيّن التخيير بين الأقل والأكثر ؛ لأن كلا منهما محصّل للغرض ، ولا مرجّح

٣٠٣

الأكثر ـ هو الأكثر لا الأقل الذي في ضمنه ؛ بمعنى : أن يكون لجميع أجزائه حينئذ دخل في حصوله ، وإن كان الأقل لو لم يكن في ضمنه كان وافيا به أيضا فلا محيص عن التخيير بينهما ، إذ تخصيص الأقل بالوجوب حينئذ كان بلا مخصص (١) ، فإن الأكثر بحدّه يكون مثله على الفرض مثل (٢) أن يكون الغرض الحاصل من رسم الخط مترتبا على الطويل إذا رسم بما له من الحدّ لا على القصير في ضمنه.

ومعه (٣) كيف يجوز تخصيصه بما لا يعمه. ومن الواضح : كون هذا الفرض بمكان من الإمكان.

______________________________________________________

يقتضي تعيين أحدهما على الآخر. هذا ما أشار إليه بقوله : «فلا محيص عن التخيير بينهما».

(١) يعني : بلا وجه صحيح ، «فإن الأكثر بحدّه يكون مثله» مثل الأقل على الفرض ، إذ المفروض : وفاء كل من الأقل والأكثر بالغرض ، فيكون تخصيص الوجوب حينئذ بالأقل بلا وجه.

نعم ؛ لو كان الواجب صرف وجود الطبيعة ، لكان للإشكال المذكور مجال في المقام ؛ لأن الواجب حينئذ ينطبق على الأقل بمجرد حصوله ، فيسقط الأمر فلا يجب الزائد عليه ؛ وأما إذا كان الواجب هو الوجود الخاص ـ أعني : وجودا واحدا تاما من الطبيعة ـ فلا ينطبق على الأقل بمجرد حصوله مطلقا ، بل يتوقف على كونه تمام الفرد ، فإذا شرع في الواجب فحصلت ذات الأقل لم يصدق أنه تمام الفرد حتى ينقطع الوجود ، فإن انقطع عليه كان هو الواجب ، وإن لم ينقطع لم يصدق الواجب إلّا على تمام الوجود وهو الأكثر.

(٢) هذا مثال لقيام الغرض بالأكثر لا الأقل المتحقق في ضمنه ، وإن فرض كونه محصّلا للغرض إذا رسم بحدّه.

توضيحه : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٢ ، ص ٥٥٨» ـ : أنه إذا أمر المولى برسم خط طويل دفعة بدون تخلل سكون في البين ، فلا يحصل غرضه بالخط القصير المتحقق في ضمنه وإن فرض حصوله به إذا رسّم بحدّه.

(٣) يعني : مع حصول الغرض بالأكثر كيف يجوز تخصيص الوجوب بما لا يعم الأكثر؟ وهو الأقل ، وعليه : فيكون الأكثر عدلا للواجب التخييري. فحينئذ هذا الفرض ـ يعني : فرض دخل الأكثر في الغرض ـ بمكان من الإمكان.

والمتحصل : أنه مع إمكان استيفاء الغرض بما هو بشرط شيء ، وبما هو بشرط لا ؛ لا بد

٣٠٤

إن قلت : هبه (١) في مثل ما إذا كان للأكثر وجود واحد ، لم يكن للأقل في ضمنه وجود على حدة ، كالخط الطويل الذي رسم دفعة بلا تخلل سكون في البين ، لكنّه ممنوع فيما كان له في ضمنه وجود ، كتسبيحة في ضمن تسبيحات ثلاث ، أو خط طويل رسم مع تخلّل العدم في رسمه ؛ فإن الأقل قد وجد بحدّه ، وبه يحصل الغرض على الفرض.

ومعه (٢) لا محالة يكون الزائد عليه مما لا دخل في حصوله ، فيكون زائدا على الواجب ، لا من أجزائه.

______________________________________________________

من وجوب أحدهما تخييرا ؛ إذ الإيجاب التعييني ترجيح بلا مرجح ، إلّا إن يقال : إن هذا التخيير وإن كان صحيحا إلّا إنه أجنبي عن التخيير المبحوث عنه وهو الأقل والأكثر ، ومندرج في التخيير بين المتباينين لمباينة الماهية بشرط شيء وهو الأكثر ؛ للماهية بشرط لا وهو الأقل.

(١) كلمة «هب» اسم فعل أمر جامد «لا ماضي له ولا مضارع» ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر ، والهاء مفعوله الأول ، ومفعوله الثاني : هو قوله : «في مثل ما إذا كان ...» إلخ ، لأن الجار والمجرور مفعول بالواسطة ، وهي : ضمنت معنى جعل ، فمعنى العبارة : «إن قلت : جعل التخيير بين الأقل والأكثر ممكن في مثل ما إذا كان للأكثر وجود واحد».

وحاصل هذا الإشكال : أن محصلية الأكثر للغرض الداعي إلى وجوبه تختص ببعض موارد الأقل والأكثر ، وهو : ما إذا وجد الأكثر دفعة ، بحيث لا يكون للأقل في ضمنه وجود مستقل ، كالخط الطويل المتحقق دفعة ؛ فإنه ليس للخط القصير الموجود في ضمنه وجود كذلك دون ما إذا كان للأقل وجود على حدة قبل تحقق الأكثر كالتسبيحة ؛ فإنها توجد بوجود مستقل قبل حصول التسبيحتين الأخيرتين ، فلا وجه حينئذ لوجوب التسبيحات الثلاث تخييرا بينها وبين التسبيحة الواحدة ؛ إذ المفروض : فردية الأقل ـ أعني : التسبيحة الواحدة ـ للطبيعي المأمور به ، ووفاؤه بالغرض. فلا يتصور التخيير بين الأقل والأكثر مطلقا ؛ إذ في صورة دفعية الأكثر هو يتعين للوجوب ، وفي صورة تدريجيته الأقل هو يتعين للوجوب لفرديته للمأمور به ، ووفائه بالغرض الداعي إلى تشريع الوجوب ، فالواجب : إما الأكثر وإما الأقل لا أحدهما تخييرا.

(٢) يعني : ومع حصول الغرض بالأقل المفروض وجوبه تخييرا لا محالة يكون الزائد على الأقل مما لا دخل له في حصول الغرض الداعي إلى الإيجاب ، فيكون زائدا على الواجب ، لا من أجزائه لفرض تحقق الواجب بالأقل.

٣٠٥

قلت : (١) لا يكاد يختلف الحال بذلك فإنه مع الفرض لا يكاد يترتب الغرض على الأقل في ضمن الأكثر ، وإنما يترتب عليه بشرط عدم الانضمام ، ومعه كان مترتبا على الأكثر بالتمام.

وبالجملة : إذا كان كل واحد من الأقل والأكثر بحدّه (٢) مما يترتب عليه الغرض ، فلا محالة يكون الواجب هو الجامع بينهما ، وكان التخيير بينهما عقليا إن كان هناك غرض واحد ، وتخييرا شرعيا فيما كان هناك غرضان ، على ما عرفت (٣).

نعم ؛ (٤) لو كان الغرض مترتبا على الأقل من دون دخل للزائد ، لما كان الأكثر

______________________________________________________

(١) هذا دفع للإشكال : وحاصل ما أفاده المصنف في دفع الإشكال : أنه لا فرق بين القسم الأول والقسم الثاني ؛ لأن مجرد دفعية الوجود وتدريجيته ليس مناطا في اتصاف الأكثر بالوجوب وعدمه ، حتى يقال : إن الأكثر لا يتصف بالوجوب إلّا إذا لم يكن للأقل وجود مستقل ، كتسبيحة في ضمن التسبيحات. بل المناط في ذلك هو : اشتراط محصلية شيء للغرض بوجود أمر ـ كالأكثر ـ أو بعدمه ـ كالأقل ـ فإن كان مشروطا بالانضمام فهو الأكثر وإن وجد تدريجا ، وإن كان مشروطا بعدمه ، فهو الأقل كذلك.

هذا ما أشار إليه بقوله : «لا يكاد يختلف الحال بذلك» يعني : بحسب تدريجية الوجود ودفعيته.

قوله : «فإنه مع الفرض» تقريب لعدم اختلاف الحال بالدفعيّة والتدريجية والمراد بالفرض : ما سبق من أن الغرض قد يحصل بشرط لا وقد يحصل بشرط شيء ، والأقل من قبيل بشرط لا بأن كانت خصوصية الوجود دخيلة في الغرض ، فلا يكاد يترتب الغرض على الأقل إذا كان في ضمن الأكثر ، بل يترتب الغرض على الأكثر حينئذ ، وإنما يترتب الغرض عليه أي : على الأقل «بشرط عدم الانضمام» أي : عدم الانضمام الزائد إليه ومعه ، أي : مع انضمام الزائد كان الغرض مترتبا على الأكثر بالتمام يعني : بجميع أجزائه ، ليكون الواجب المحصل للغرض هو الأكثر لا الأقل المندرج فيه.

(٢) يعني : حدّ الأقل هو وجوده مجرّدا عن الانضمام ، وحدّ الأكثر خلافه.

(٣) من الأمر بأحد شيئين أو أشياء إن كان بملاك واحد ، فالتخيير بينهما أو بينها عقلي ، وإن كان بملاكين أو ملاكات فالتخيير بينهما أو بينها شرعي.

(٤) استدراك من التخيير بين الأقل والأكثر ، وحاصله : أنه لا مجال للتخيير بينهما فيما إذا كان الغرض مترتبا على الأقل مطلقا ؛ من غير فرق بين انضمام الأكثر إليه وعدمه ، لوضوح : سقوط الأمر بحصول الغرض القائم بالأقل ، فهو الواجب تعيينا.

٣٠٦

مثل الأقل ، وعدلا له ، بل كان فيه اجتماع الواجب وغيره مستحبا أو غيره (١) حسب اختلاف الموارد ، فتدبر جيدا (٢).

______________________________________________________

(١) أي : غير المستحب وحاصله : أن الزائد على الواجب إما مستحب شرعا ، كما عدا الذكر الواجب من أذكار الركوع والسجود ، وغير ذلك من المستحبات التي ليست دخيلة في الغرض الداعي إلى إيجاب الصلاة. وإما غير مستحب من الحرام ، والمكروه ، مثل القرآن بين السورتين ، على القولين من الحرمة والكراهة. كما في «منتهى الدراية» ، ج ٢ ، ص ٥٦١.

(٢) قوله : «فتدبر جيدا» إشارة إلى الدقة والتدقيق حتى تتميز موارد التخيير الشرعي من موارد التخيير العقلي.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتخلص البحث في أمور :

١ ـ لا إشكال في وقوع التخيير في الشرعيات والعرفيات ، وإنما الكلام في تصويره في مقام الثبوت حيث يستشكل في الوجوب التخييري ، ويقال : إن الوجوب التخييري يتنافي مع حقيقة الوجوب إذ أساس الوجوب هو : عدم جواز ترك متعلقه ، والوجوب التخييري يجوز ترك متعلقه ، وقد أجاب المصنف عن هذا الإشكال : بأن الوجوب التخييري نحو من الوجوب تترتب عليه آثاره ؛ من ترتب الثواب على فعل أحدهما ، والعقاب على تركهما معا ، وعدم جواز ترك جميع الأطراف.

٢ ـ المذكور في تصويره وجوه : أشار إليها المصنف.

الأول : «وجوب كل واحد على التخيير».

الثاني : «وجوب الواحد لا بعينه».

الثالث : «وجوب كل منهما مع السقوط بفعل أحدهما».

الرابع : «وجوب المعين عند الله».

ومصبّ هذه الوجوه والأقوال هو مقام الثبوت ، وقد بين المصنف ما هو مختاره من تصوير التخيير الشرعي ، ثم أرجعه إلى التخيير العقلي حيث قال : الواجب في الحقيقة هو الجامع بين الشيئين أو الأشياء ، لأن الغرض الداعي إلى الأمر بهما أو بها واحد ، والواحد لا يصدر إلّا من الواحد ، فلا بد من أن يكون الواجب هو الجامع لئلا يلزم تعدد العلل لمعلول واحد ، فيكون التخيير بين الأفراد عقليا لا شرعيا.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا فيما إذا كان هناك غرض واحد. وأما إذا كان غرضان بأن يكون في كل واحد منهما أو منها غرض مستقل ، ولكن لا يحصل الغرض من أحدهما مع حصوله من الآخر ، لما بينهما من التضاد المفوّت أحدهما للآخر ، فلا بد من الاكتفاء بأحدهما في مقام الامتثال ، فيكون وجوبهما تخييريا شرعيا. إلّا إن هذا الفرض بعيد جدا ؛ إذ فرض غرضين متضادين بحيث لا يمكن الجمع بينهما في الخارج ، مع فرض كون المكلف قادرا على الفعلين بعيد جدا ؛ إذ لا يعقل التضاد بين الغرضين مع عدم المضادة بين الفعلين.

٣ ـ ردّ سائر الوجوه والأقوال على فرض تعدد الغرض والملاك ، ولذا يقول المصنف «فلا وجه في مثله للقول ... الخ» يعني : فلا وجه في مثل ما يكون التكليف متعلقا بكل واحد من الشيئين بغرض مستقل ، بمعنى : تعلق التكليف بأحدهما على سبيل التخيير مع تعدد الملاك والغرض. فلا وجه في هذا الفرض للقول بكون الواجب هو أحدهما لا بعينه مصداقا ولا مفهوما.

أما الأول : فلوجوه : ١ ـ أنه خلاف ظاهر الدليل الدال على تعدد الواجب.

٢ ـ أن تعدد الغرض كاشف عن تعدد الواجب.

٣ ـ امتناع كون الواجب مصداق «أحدهما لا بعينه» ، إذ لا وجود له ؛ لأن الفرد الخارجي يكون معينا لا مرددا.

أما في الثاني : وهو كون الواجب مفهوم أحدهما لا بعينه فباطل ؛ أولا : أن المردّد لا واقع له أصلا لا مصداقا ولا مفهوما ، فامتنع أن يكون معروضا لغرض اعتباري أو حقيقي.

وثانيا : أن تعدد الغرض كاشف عن تعدد الواجب.

وثالثا : أن هذا العنوان ليس من العناوين المحسّنة ، والطلب لا يتعلق إلّا بما كان حسنا وكذلك لا وجه للقول بكون الواجب أحدهما معينا لاستلزامه الترجيح بلا مرجح ، مع إن المفروض : كون كل منهما وافيا بالغرض.

وكذلك لا وجه للقول بكون كل واحد منهما واجبا تعيينا مع السقوط بفعل أحدهما ، لأن المفروض : إمكان استيفاء غرض كل واحد منهما لعدم التضاد بين الغرضين ، وكون كل واحد منهما لازم الاستيفاء ، فلا وجه للسقوط بفعل أحدهما لاستلزامه تفويت الغرض الذي يكون لازم الاستيفاء.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

٤ ـ التخيير بين الأقل والأكثر :

ربما يقال : إنه محال ؛ لأن الغرض إن كان يحصل بالأقل : فلا مجال للامتثال بالأكثر أصلا ؛ إذ حينئذ يسقط الأمر بعد حصول الغرض بالأقل بمجرد الإتيان به.

وإن كان لا يحصل الغرض بالأقل : فلا وجه لجعله طرف التخيير ، والاكتفاء به في مقام الامتثال.

وقد قال المصنف في دفع هذا الإشكال ـ وتصحيح التخيير بين الأقل والأكثر ـ بما حاصله : إنه يمكن أن يكون المحصل للغرض عند وجود الأكثر هو الأكثر دون الأقل الذي في ضمنه ، ويمكن أن يكون الأقل محصّلا للغرض إذا وجد بحدّه لا في ضمن الأكثر.

فإذا كان الأمر كذلك يتعين التخيير بينهما ، لأن كلا منهما محصل للغرض ، ولا مرجح يقتضي تعين أحدهما دون الآخر.

وقد يستشكل : بأن هذا إنما يتم في المورد الذي لا يكون للأقل وجود مستقل لو وجد الأكثر ، نظير الخط الطويل والخط القصير ؛ فإنه لا وجود للخط القصير مستقل عند وجود الخط الطويل.

وأما لو كان للأقل وجود مستقل مع وجود الأكثر ؛ نظير التسبيحة الواحدة والتسبيحات الثلاث فلا يتم ما ذكر ، إذ الأقل موجود بحدّه دائما ، فيتحقق به الغرض ، فلا تصل النوبة إلى الأكثر أبدا.

وقد أجاب المصنف عن هذا الإشكال : بما حاصله : أنه يمكن أن يكون ترتب الغرض على الأقل بشرط عدم الانضمام ، ومع الانضمام : يكون الغرض مترتبا على الأكثر ، فيكون الأقل مأخوذا بشرط لا ، فيصح التخيير بين الأقل والأكثر. إلّا إن هذا وإن كان تصحيحا للتخيير بين الأقل والأكثر ، إلّا إنه أجنبي عن التخيير المبحوث عنه ، بل يرجع هذا التخيير في الحقيقة إلى التخيير بين المتباينين لمباينة الماهية بشرط شيء للماهية بشرط لا ، ولازم هذا الكلام هو : الاعتراف بما ذكره بقوله : «ربما يقال بأنه محال إذ المراد بالاستحالة عدم معقولية التخيير بين الأقل والأكثر ؛ ضرورة : أن الأقل بشرط لا يباين الأكثر الذي هو الأقل بشرط شيء ، فيخرجان عن الأقل والأكثر ، ويندرجان في المتباينين ؛ إلّا إن يقال : إن التباين بين الأقل والأكثر عقلي ، والتباين بين المتباينين خارجي ، فلا يندرج الأول في الثاني ؛ حتى يقال بخروجهما عن الأقل والأكثر ، ودخولهما في المتباينين.

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

٥ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ رأيه في التخيير بين المتباينين : أن الواجب هو الجامع بين الشيئين ، فيكون التخيير بين أفراده عقليا لا شرعيا.

٢ ـ رأيه في التخيير بين الأقل والأكثر هو : إمكان التخيير ، وكون الواجب هو الجامع بينهما ، فيكون التخيير عقليا كالتخيير بين المتباينين إن كان هناك غرض واحد يترتب على كل واحد من الأقل والأكثر.

وأما لو كان هناك غرضان : لكان التخيير بينهما شرعيا ؛ على ما عرفت في التخيير بين المتباينين.

٣١٠

فصل في الوجوب الكفائي (١)

والتحقيق : أنه (٢) سنخ من الوجوب ، وله تعلق بكل واحد ، بحيث لو أخلّ بامتثاله الكل لعوقبوا على مخالفته جميعا ، وإن سقط عنهم لو أتى به بعضهم. وذلك : لأنه

______________________________________________________

في الواجب الكفائي

(١) في نسخة : في الواجب الكفائي.

(٢) أعني : الوجوب الكفائي نوع من الوجوب ، كما أن الوجوب التخييري كذلك ، ولكن قبل الخوض في البحث ينبغي تقديم أمور :

١ ـ العلم بالكفائية في مقام الإثبات :

فنقول : «تارة يعلم الكفائية» من عدم قابلية الفعل للتكرار ؛ كقتل مهدور الدم في نحو ما إذا قال المولى : «اقتلوا فلانا» ، فقتله أحدهم ، لا يبقى مجال للآخرين ؛ لانتفاء موضوع الحكم ، فيسقط التكليف عن الجميع.

«وأخرى : يعلم» : من حصول الغرض بفعل البعض وإن كان الموضوع باقيا ، كما إذا قال : «اسقوني ماء» ، فسقاه أحدهم ، وارتفع به العطش ـ وهو الغرض ـ فسقط به الأمر عن الباقين.

«وثالثة» : قد يحصل العلم بالكفائية من الأدلة الشرعية كالإجماع ونحوه ؛ كما في غسل الميت والصلاة عليه ، حيث قام الدليل على سقوط التكليف عن الباقين بقيام أحد المكلفين بذلك ، وهو كاشف عن حصول الغرض بمجرد تحقق الفعل وصدوره عن أحدهم على النحو الصحيح.

٢ ـ تعريف الواجب الكفائي :

وله تعاريف عديدة ، ولكن نكتفي بذكر بعضها رعاية للاختصار.

الأول : ما إذا فعل بعض سقط عن الباقين.

الثاني : ما قصد به الشارع إدخال الفعل في الوجود لا من مباشر معين ، فلم يقصد تعيين عين فاعله.

الثالث : ما وجب لمصلحة ولطف يحصل للمكلفين كافة بفعل أيّهم كان.

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

٣ ـ للواجب الكفائي أحكام متفق عليها بين القوم.

منها : أنه لو تركه الجميع لكانوا معاقبين بأجمعهم.

ومنها : أنه يمتثل بفعل واحد منهم. ومنها : لو أتى به الجميع يعد الجميع ممتثلا ومستحقا للثواب.

إذا عرفت هذه الأمور فنقول : إنه لا ريب في وجود الواجبات الكفائية شرعا وهي : الأمور التي يجب تحققها من دون عناية إلى صدورها من شخص خاص ، بل المطلوب صدورها عن جميع المكلفين ، ولكن مع قيام البعض يسقط عن الباقين ، كما عرفت.

ولكن قد صار تصوير الواجب الكفائي من المشكلات عندهم ، حيث أرادوا تصويره بنحو ينطبق عليه التعريف الذي ذكروه لمطلق الواجب ، أعني : ما يكون في فعله ثواب ، وفي تركه عقاب.

أما تقريب الإشكال في تصويره : فلأن عقاب الكل عند ترك الجميع ينافي سقوط الواجب بفعل البعض ، إذ لازم عقاب الكل هو : توجه التكليف والوجوب إلى كل واحد منهم ، ولازم السقوط بفعل البعض هو : توجهه إلى البعض لا إلى كل منهم. هذا خلاصة الإشكال في تصوير الواجب الكفائي ، وقد تصدّوا لحل هذا الإشكال بالفرق بين الواجب العيني والواجب الكفائي ، وغاية ما يمكن أن يقال في الفرق بينهما هو : أن مطلوب المولى في الوجوب الكفائي هو : وجود الطبيعة المطلقة ، غير مقيدة بصدورها عن مكلف خاص ، فليس لصدورها عن فاعل خاص دخل في الغرض ، هذا بخلاف الوجوب العيني حيث يكون صدور الطبيعة المأمور بها عن كل مكلف بشخصه ونفسه مطلوبا للمولى ، ودخيلا في الغرض ، فحينئذ لمّا كان كل واحد من المكلفين قادرا على إيجاد الطبيعة المأمور بها في الواجب الكفائي ، يتوجه طلب المولى إلى كل واحد منهم لعدم خصوصية موجبة للتخصيص بواحد منهم.

فالمتحصل : أن التكليف يتوجه إلى كل واحد من المكلفين مستقلا. ولكن ما كلف به كل واحد منهم عبارة عن أصل الطبيعة غير المقيدة بصدورها عن نفسه ، ففي مسألة دفن الميت مثلا : يكون كل واحد من الناس مكلّفا مستقلا ، ولكن المكلف به في الجميع أمر واحد ، فكما أن زيدا مكلف بإيجاد طبيعة الدفن ؛ فكذلك سائر المكلفين ، من غير ان تكون هذه الطبيعة مقيدة بصدورها عن زيد نفسه وبالمباشر ، وعن عمرو وبكر وخالد كذلك ، ولازم هذا النوع من الوجوب هو : سقوط جميع التكاليف بامتثال واحد منهم ؛

٣١٢

قضية ما إذا كان غرض واحد ، حصل بفعل واحد ، صادر عن الكل (١) أو البعض (٢).

كما أن الظاهر : هو امتثال الجميع لو أتوا به دفعة ، واستحقاقهم للمثوبة ، وسقوط الغرض بفعل الكل ، كما هو (٣) قضية توارد العلل المتعددة على معلول واحد.

______________________________________________________

من جهة حصول ما هو تمام المطلوب أعني : إيجاد الطبيعة المأمور بها. هذا بخلاف الواجب العيني فإن المطلوب هو صدورها عن كل واحد من المكلفين بنفسه وشخصه ، فلا يحصل الغرض إلّا بصدورها عن كل شخص.

فخلاصة الفرق بين الواجب الكفائي والعيني هو : أنه إذا بادر أحدهم إلى الامتثال سقط عن الباقين في الواجب الكفائي دون الواجب العيني ، ومنشأ هذا الفرق هو : ارتفاع موضوع التكليف في الكفائي ، أو وحدة الغرض فيه ، فيسقط التكليف بحصول الغرض بفعل واحد من المكلفين ؛ هذا بخلاف العيني حيث إن الغرض منه متعدد ، ولذا لا يسقط بفعل واحد منهم. وهناك كلام طويل تركناه تجنبا عن التطويل الممل.

قوله : «وذلك لأنه ...» إلخ تعليل لاستحقاق الجميع للعقوبة.

(١) كرفع حجر ثقيل لا يتمكن من رفعه إلّا الكل ، والمجموع من حيث المجموع ، أو اجتمعوا على الصلاة على الميت.

(٢) يعني : كما لو غسل الميت بعضهم.

(٣) أي : سقوط الغرض بفعل الكل مقتضى توارد العلل المتعددة على معلول واحد ، فإن المقام من تواردها ، ضرورة : أنه بعد كون الغرض الموجب للأمر واحدا فلا محالة يكون المؤثر في حصوله هو الجامع بين الأفعال المتعددة ؛ لئلا يلزم استناد الأثر الواحد إلى المتعدد لبرهان امتناع ذلك. وكيف كان ؛ فعند فعل الجميع يكون الأثر مستندا إلى الجامع بين أفعالهم ، كما في «منتهى الدراية» ، ج ٢ ، ص ٥٦٧ مع توضيح منّا.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ للعلم بكفائية الواجب طرق :

الأول : عدم قابلية الفعل للتكرار كقتل مهدور الدم.

الثاني : حصول الغرض بفعل البعض.

الثالث : الأدلة الشرعية كقيام الإجماع ونحوه ؛ على كفاية الصلاة على الميت إذا صلى عليه واحد من المكلفين.

٢ ـ تعريف الواجب الكفائي :

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الأول : ما إذا فعل بعض سقط عن الباقين.

الثاني : ما قصد به الشارع صدور الفعل لا من مكلف مباشر معين.

الثالث : ما وجب لمصلحة ولطف يحصل للمكلفين كافة بفعل أيّهم كان.

ومن أحكام الواجب الكفائي : أنه لو تركه الجميع لكانوا معاقبين بأجمعهم ، ولو أتى به الجميع يعدّ الجميع ممتثلا ومستحقا للثواب.

٣ ـ لا ريب في وجود الواجبات الكفائية شرعا ، إلّا إنه قد يستشكل في تصوير الواجب الكفائي : بأن الواجب ما في فعله ثواب وتركه عقاب ، ثم عقاب الكل في الواجب الكفائي عند ترك الجميع ينافي سقوطه بفعل البعض إذ لازم السقوط بفعل البعض هو توجهه إلى البعض لا إلى الكل ، ولازم عقاب الجميع : هو توجه التكليف إلى كل واحد منهم لا إلى البعض والتنافي بين اللازمين واضح.

وقد تصدّوا الحل هذا الإشكال بالفرق بين الواجب العيني والكفائي ؛ «تارة» : من حيث ما هو المطلوب و «أخرى» : من حيث الغرض. فإن المطلوب في الوجوب الكفائي هو وجود الطبيعة غير مقيدة بصدورها عن مكلف خاص.

وبعبارة أخرى : أن المطلوب في الكفائي هو صرف الوجود الصادق على الكلي والجزئي ؛ بخلاف العيني حيث يكون صدور الفعل عن مكلف خاص بشخصه ونفسه مطلوبا. والغرض من الواجب الكفائي واحد يحصل بفعل واحد من المكلفين ؛ بخلاف الواجب العيني ، ولازم الفرق المذكور هو : أنه إذا بادر أحدهم إلى الامتثال سقط عن الباقين في الكفائي دون العيني.

٤ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ أن الوجوب الكفائي سنخ من الوجوب.

٢ ـ يتوجه إلى كل واحد من المكلفين ، ويسقط بفعل البعض لحصول الغرض به.

٣ ـ ولو أخلّ بامتثاله الكل لعوقبوا جميعا على تركه.

٤ ـ ولو أتى به الجميع دفعة لكان الجميع مستحقا للثواب.

٣١٤

فصل

لا يخفى : أنه وإن كان الزمان مما لا بد منه عقلا في الواجب ، إلّا إنه تارة : مما له دخل فيه شرعا فيكون مؤقتا (١) ، وأخرى : لا دخل له فيه أصلا فهو غير مؤقت. والمؤقت : إما أن يكون الزمان المأخوذ فيه بقدرة فمضيّق ، وإما أن يكون أوسع منه فموسع. ولا يذهب عليك : أن الموسع كلي ، كما كان له أفراد دفعية كان له أفراد تدريجية (٢) يكون التخيير بينها كالتخيير بين أفرادها

______________________________________________________

في الواجب المؤقت

(١) وقبل الخوض في البحث ينبغي بيان ما هو محل الكلام في المقام. فنقول : إنه قد قسموا الواجب ـ باعتبار تحديده بزمان خاص ، وعدم تحديده به ـ إلى مؤقت وغير مؤقت. أعني : المطلق.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي أن الواجب باعتبار كونه فعلا صادرا عن المكلف يكون زمانيا ، فيحتاج إلى زمان يقع فيه.

ثم الزمان تارة : يكون مما جعله الشارع دخيلا وقيدا في الواجب كالزمان الذي أخذ في لسان الدليل للصلوات اليومية ، فهذا يسمى بالموقت ، وهو على قسمين : موسع ، ومضيق ، لأن الزمان المأخوذ قيدا إن كان بقدر ما يحتاج إليه الفعل عقلا من غير زيادة ونقصان ؛ بحيث يكون الزمان كاللباس المخيط على قدر قامة الفعل فهو مضيق ؛ كقوله : «صم من الفجر إلى المغرب» ، وإن كان الزمان أوسع منه ـ كالزمان في الصلوات اليومية ـ فهو موسع. كقوله تعالى : (أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق الليل) سورة الإسراء ، الآية ٧٨. وأخرى لم يؤخذ الزمان قيدا للواجب شرعا ، كصلاة الزلزلة مثلا ، فيسمى بالمطلق وغير موقت.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن محل الكلام في المقام هو الواجب الموقت.

(٢) هذا الكلام من المصنف دفع لتوهم كون التخيير بين أفراد الواجب الموسع شرعيا فلا بد أوّلا من تقريب التوهم. وثانيا : من توضيح دفعه ، والمتوهم ـ على ما قيل ـ هو العلامة «قدس‌سره».

٣١٥

الدفعية (١) عقليا.

ولا وجه لتوهم : أن يكون التخيير بينها شرعيا ، ضرورة : أن نسبتها (٢) إلى الواجب نسبة أفراد الطبائع إليها ، كما لا يخفى.

ووقوع (٣) الموسّع فضلا عن إمكانه مما لا ريب فيه ، ولا شبهة تعتريه ، ولا اعتناء

______________________________________________________

وأما تقريب التوهم : فيمكن أن يقال : إنه لمّا امتنع تطبيق الواجب على الزمان الموسع ، لأوسعيته من الواجب ، فلا محالة يكون تقييد الواجب به عبارة عن تقييده بكل جزء من أجزاء ذلك الزمان على البدل ، فيراد من قوله تعالى : (أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق الليل) مثلا ، ما يساوي أن يقال : صلّ في الآن الأول ، وفي الآن الثاني ، أو في الآن الثالث إلى آخر آنات الزمان ، فيكون ذكر الزمان الوسيع بمنزلة التخيير الشرعي بين الأفراد الطولية التدريجية التي يمكن وقوعها فيه. نظير أطعم أو صم أو أعتق في كفارة الإفطار ، فيكون التخيير بين أفراد الموسع الطولية شرعيا.

وأما توضيح الدفع الذي أشار إليه بقوله : «ولا يذهب عليك ...» إلخ هو : أن الغرض القائم بطبيعة الصلاة المقيدة بوقوعها بين الحدين التي لها أفراد طولية بلحاظ قطعات الزمان نسبتها معها نسبة الكلي والجزئي ، ولها أفراد عرضية بلحاظ نقاط الأرض ، ونسبتها معها أيضا نسبة الكلي والجزئي ، فكما أن المكلف مخيّر عقلا بين أفرادها العرضية بلا إشكال أصلا ، فكذلك مخيّر عقلا بين أفرادها الطولية ، لأن الأمر بالشيئين أو الأشياء إذا كان بملاك واحد كان التخيير بينهما أو بينها عقليا ، لقيام الغرض بالجامع الذي يكون انطباقه على أفراده عقليا ، والمقام من هذا القبيل ، ولا مجال للتخيير الشرعي المنوط بتعدد الغرض ؛ إذ لم يحرز تعدد الغرض بحسب الآنات المتوالية.

(١) يعني : كما أن التخيير بين الأفراد الدفعية عقلي ، فكذلك بين الأفراد الطولية.

(٢) يعني : نسبة الأفراد إلى الواجب الموسع نسبة أفراد الطبائع إلى طبائعها. يعني : فيكون التخيير بين أفراد الموسع عقليا ، لكون الواجب نفس الطبيعة ؛ لا خصوصية جزئي من جزئياتها حتى يكون التخيير بين الأفراد شرعيا. كما في «منتهى الدراية» ، ج ٢ ، ص ٥٧٠.

(٣) هذا الكلام من المصنف «قدس‌سره» دفع لتوهم استحالة الموسع ؛ بتقريب : أن تشريع الواجب الموسع مستلزم لاجتماع النقيضين ؛ بداهة : أن جواز ترك الواجب في بعض أجزاء الزمان ينافي الوجوب الذي هو عدم جواز الترك.

ومن البديهي : أن جواز الترك وعدم جوازه أمران متناقضان لا زمان للواجب الموسّع ، وبطلان اللازم واستحالته يكفي في بطلان الملزوم.

٣١٦

ببعض التسويلات (١) كما يظهر من المطوّلات.

ثم إنه لا دلالة للأمر بالموقت بوجه ؛ على الأمر به في خارج الوقت بعد فوته في

______________________________________________________

وحاصل الدفع : أن الواجب الموسع قد وقع في الشرع ، ومن المعلوم : أن وقوع شيء أدلّ دليل على إمكانه ، هذا مضافا : إلى أن جواز الترك لا ينافي الوجوب إذا كان مع بدل كالوجوب التخييري.

(١) يعني : ومنها : توهم استحالة الموسع كما عرفت.

ومنها : أن ترك الواجب في الآن الأول مع بدل في الآن الثاني مستلزم للخلف ؛ إذ يكون وجوبه حينئذ تخييريا لا تعيينيا ، مع إن الواجب الموسع من الواجبات التعيينية.

وحاصل الجواب : أن الواجب هو طبيعي الفعل في طبيعي الوقت ، فيكون وجوب الفعل في كل آن وجوبا تخييريا عقليا لا شرعيا ؛ لانطباق طبيعي الفعل المقيد بطبيعي الوقت على كل فرد عقلا ، والتخيير العقلي ليس خلاف الفرض ؛ فإنه لا يتنافي مع كون الوجوب الشرعي تعيينيا.

«ومن تلك الشبهات : أن الفضيلة والزيادة في الوقت ممتنعة لأدائها إلى جواز ترك الواجب فيخرج عن كونه واجبا.

والجواب : أن أفراد الموسع كخصال الكفارة ، فكما لا يجب إتيان جميعها ، كذلك لا يجب إيقاع الفعل في جميع الأزمنة ، ولا يجوز له إخلاء الجميع عنه ، والتعيين مفوض إليه ما دام الوقت متسعا ، فإذا تضيق تعيّن الفعل عليه بحيث لو لم يفعل في هذا الحال كان عاصيا ، فأين الخروج عن وجوبه»؟ كما في «الوصول إلى كفاية الأصول ، ج ٢ ، ص ٢٩٧».

هذا تمام الكلام في الواجب الموسع في مقام الثبوت.

أما تنقيح البحث فيه في مقام الإثبات : فقد أشار إليه بقوله : «ثم إنه لا دلالة للأمر بالمؤقت ...» إلخ هل يدل الأمر بالموقت على وجوب الفعل خارج الوقت ـ على نحو تعدد المطلوب ـ أو يدل على عدم الوجوب ، أو لا دلالة له على شيء منهما؟ وظاهر المصنف هو : التفصيل بين كون التوقيت بدليل متصل ، وبين كونه بدليل منفصل.

وتوضيح ذلك ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٢ ، ص ٥٧١» ـ : أن التوقيت : تارة : يكون بدليل متصل ، كأن يقول : «صلّ فيما بين دلوك الشمس وغروبها» ، وأخرى : يكون بدليل منفصل ، كأن يقول : «اغتسل» ، ثم ورد دليل على وجوب الغسل أو استحبابه يوم الجمعة.

فعلى الأول : لا دلالة للتوقيت على الوجوب بعد خروج الوقت ؛ إذ لا يدل على

٣١٧

الوقت ، لو لم نقل بدلالته على عدم الأمر به. نعم ؛ لو كان التوقيت بدليل منفصل (١) لم يكن له إطلاق على التقييد بالوقت وكان الدليل الواجب إطلاق لكان قضية إطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت (٢) ، وكون التقييد به بحسب تمام المطلوب ،

______________________________________________________

كيفية دخل الوقت في المصلحة من كونه دخيلا في جميع مراتبها ؛ حتى لا يجب بعد الوقت لانتفاء تمامها بخروج الوقت ، فلا مصلحة تقتضي الوجوب بعده ، أو دخيلا في بعض مراتبها ؛ حتى يبقى منها مرتبة توجب تشريع الوجوب أو الاستحباب بعد الوقت ، فيشك في الوجوب بعده ، والأصل يقتضي عدمه إن لم يقم دليل على الوجوب ، وإلّا فهو المتبع.

هذا إذا لم نقل بمفهوم الوصف ، وإلّا فيدل التوقيت على عدم الوجوب بعد الوقت.

وعلى الثاني : وهو كون التقييد بدليل منفصل : لا يخلو الحال عن صور أربع :

الأولى : ثبوت الإطلاق لكلّ من دليلي الواجب والتقييد ، ومعنى إطلاق دليل الواجب : وجوبه في الوقت وخارجه ، فيكون من باب تعدد المطلوب. ومعنى إطلاق دليل التوقيت : دخل الوقت في جميع مراتب المصلحة ، ومقتضاه الوجوب في الوقت فقط دون خارجه ؛ لفرض : انتفاء المصلحة الداعية إلى الإيجاب بخروج الوقت ، فيكون من باب وحدة المطلوب. ولا بد في هذه الصورة من الأخذ بإطلاق دليل التقييد لحكومته على إطلاق دليل الواجب ، ومقتضاه : الحكم بعدم وجوبه بعد الوقت.

الثانية : عدم إطلاق لشيء من الدليلين ، بأن كانا مهملين ، والمرجع في هذه الصورة : الأصل العملي ، وهو أصل البراءة عن وجوب القضاء.

الثالثة : إطلاق دليل الواجب ، وإهمال دليل التوقيت.

الرابعة : عكس هذه الصورة ، بأن يكون دليل التوقيت مطلقا ، ودليل الواجب مهملا ، والمرجع في هاتين الصورتين : الإطلاق ، ففي الأولى : يحكم بالوجوب بعد خروج الوقت ، وفي الثانية : بعدم الوجوب بعده ؛ لاقتضاء إطلاق دليل التوقيت انتفاء المصلحة رأسا ، فلا موجب لوجوبه بعد الوقت.

قوله : «لا دلالة للأمر بالموقت بوجه على الأمر به في خارج الوقت» إشارة إلى التقييد بالمتصل ، كما أن قوله : «نعم» إشارة إلى التقييد بالمنفصل ، يعني : لا دلالة للأمر بالموقت بوجه من وجوه الدلالة لا لغة ولا عرفا.

(١) كما لو قال : صلّ ، ثم قال : يجب كون الصلاة في الوقت ، فهو على أربعة أقسام وقد عرفت أحكام تلك الأقسام وقد أشار المصنف إليها.

(٢) هذا إشارة إلى الصورة الثالثة من الصور الأربع ، فمعنى العبارة : إذا كان لدليل

٣١٨

لا أصله (١).

وبالجملة : التقييد بالوقت كما يكون بنحو وحدة المطلوب (٢) كذلك ربما يكون بنحو تعدد المطلوب ، بحيث كان أصل الفعل ـ ولو في خارج الوقت ـ مطلوبا في الجملة ، وإن لم يكن بتمام المطلوب إلّا إنه لا بدّ في إثبات أنه بهذا النحو من دلالة ، ولا يكفي الدليل على الوقت إلّا فيما عرفت (٣) ، ومع عدم الدلالة : فقضية أصالة البراءة عدم وجوبها في خارج الوقت (٤) ، ولا مجال

______________________________________________________

الواجب إطلاق لكان مقتضاه ثبوت الوجوب بعد الوقت ، وكون التقييد بالوقت بنحو تعدد المطلوب لا وحدته ، إذ مقتضى تعدد المطلوب هو مطلوبية نفس الواجب ؛ سواء كان في الوقت أم بعده ، فمطلوبيته في خصوص الوقت زائدة على مطلوبية أصل الواجب ، ففوت المصلحة الوقتية لا يستلزم فوات مطلوبية نفس الطبيعة ؛ لأن التقييد يكون لبعض مراتب المصلحة ، لا أصلها ، فيؤتى بالواجب بعد الوقت ، فالمراد من «تمام المطلوب» هو : المطلوب الأقصى والتام أراد به تعدد المطلوب.

(١) لا أصل المطلوب ، كي لا يجب بعد خروج الوقت ، وكان بنحو وحدة المطلوب ، بل أصل مطلوبية الفعل باق ولو خرج الوقت ، فيكون بنحو تعدد المطلوب.

(٢) كصلاة العيد والجمعة ؛ بأن كان المطلوب للمولى صرف الطبيعة الموقتة ؛ بحيث تفوت بفوات الوقت ، «كذلك ربما يكون بنحو تعدد المطلوب» كالصلوات اليومية بحيث كان أصل الفعل مطلوبا بمرتبة ضعيفة «وإن لم يكن بتمام المطلوب». أعني : المطلوب الأكمل ، لأنه إنما يكون بإتيان الواجب في الوقت ؛ لا في خارج الوقت ، «إلّا إنه لا بدّ في إثبات أنه» أي : المطلوب «بهذا النحو» ، يعني : بنحو تعدد المطلوب من دلالة دليل ، لأن ظاهر دليل التوقيت كسائر أدلة التقييدات هو : كون القيد دخيلا في جميع مراتب المصلحة ، فبانتفائه تنتفي المصلحة بتمام مراتبها ، فيكون التوقيت من باب وحدة المطلوب ، فدخل الوقت في بعض مراتب المصلحة حتى يكون من باب تعدد المطلوب خلاف ظاهر دليل التوقيت ، فلا بد في الدلالة عليه من التماس دليل آخر غير دليل التوقيت ، كما أشار إليه بقوله : «إلّا إنه لا بدّ في إثبات أنه بهذا النحو من دلالة» دليل مستقل غير دليل التوقيت.

(٣) في قوله : «نعم ؛ لو كان التوقيت ...» إلخ حيث كان ثبوت الوجوب بعد الوقت مقتضى إطلاق دليل الواجب.

(٤) إذ يشك ـ بعد عدم الدليل على تعدد المطلوب ـ في وجوبه بعد الوقت ، فتجري البراءة فيه ؛ لكون الشك فيه شكا في التكليف.

٣١٩

لاستصحاب (١) وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت ، فتدبر جيدا (٢).

______________________________________________________

(١) قوله : «لا مجال لاستصحاب ...» إلخ دفع لتوهم الاستصحاب بتقريب : أن وجوب صلاة الظهر مثلا كان قبل غروب الشمس معلوما ، فيستصحب وجوبها بعد غروبها ، فهذا الاستصحاب الحكمي يثبت وجوبها بعد الوقت ، ومعه لا تجري البراءة لحكومته عليها.

وحاصل الدفع : أنه لا مجال لجريان الاستصحاب هنا وذلك لانتفاء الموضوع وهو الوجوب المقيد بالوقت ، لأن من شرائط الاستصحاب هو إحراز بقاء الموضوع فلا يجري مع الشك في بقائه فضلا عن العلم بانتفائه.

(٢) حتى لا يقع الاشتباه والخلط بين الأقسام الأربعة ، أو إشارة : إلى أن الموضوع في الاستصحاب إن كان بنظر العقل ودقته فلا يجري في التكليف الموقت. وأما إذا كان الموضوع بنظر العرف : فيمكن القول بجريانه في المقام.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ الواجب باعتبار كون الزمان قيدا له ينقسم إلى الموقت والمطلق ، أعني : غير الموقت ، والموقت ما يكون للوقت والزمان دخل في مصلحته ، وهو على قسمين : فإن كان الوقت بقدر الواجب فهو مضيق ؛ كالصوم ، وإن كان أوسع فيسمّى موسّعا ؛ كما في الصلوات اليومية ، فيجوز للمكلف أن يأتي بصلاة الظهر في أول الوقت أو في وسطه أو في آخر الوقت ، ثم التخيير بين أفرادها الطولية كأفرادها العرضية عقلي ، وليس شرعيا كما توهّم.

٢ ـ توهم : أن التخيير بين الأفراد الطولية شرعي ؛ بتقريب : أنه لمّا امتنع تطبيق الواجب على الزمان الموسّع ؛ فلا محالة يكون تقييد الواجب به عبارة عن تقييده بكل جزء من أجزاء ذلك الزمان على البدل ، فيكون التخيير بين أجزاء الزمان شرعيا.

مدفوع : بأن الغرض القائم بطبيعة ـ لها أفراد طولية وعرضية ـ يقتضي كون التخيير بين أفرادها عقليا ؛ من دون فرق بين أفرادها العرضية والطولية ، وذلك لانطباق الغرض بالجامع الذي يكون انطباقه على أفرادها عقليا.

وتوهم : استحالة الواجب الموسع مدفوع ؛ بوقوع الواجب الموسع ؛ لأن وقوع شيء أدل دليل على إمكانه. هذا تمام الكلام في مقام الثبوت.

٣ ـ أمّا مقام الإثبات : فقد أشار إليه بقوله : «ثم إنه لا دلالة للأمر بالموقت بوجه على

٣٢٠