دروس في الكفاية - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فصلى بدون سورة ، ثم انكشف أن السورة كانت واجبة ؛ فهل تكون الصلاة بدون سورة مجزية عن الواقع أو لا؟

وقبل الخوض في محل الكلام لا بد من التنبيه على ما هو موضوع البحث فنقول : إن موضوع البحث ما إذا كان للحكم الظاهري ثبوت واقعي انقطع بانكشاف الواقع ، وانتهى أمده لمعرفة الواقع ، فلا يشمل ما إذا كان له وجود تخيّلي يتضح انتفاؤه من أول الأمر بانكشاف الواقع ؛ كما استند إلى ما تخيل أنه حجة شرعية كخبر فاسق تخيل أنه خبر عادل ، فإنه وإن كان في حين العمل معذورا لجهله المركب ؛ ولكن لم يثبت في حقه حكم ظاهري واقعا ، بل تخيّلا.

والسر في عدم دخول مثل هذا الحكم الظاهري في موضوع البحث ؛ ما يشير إليه المصنف «قدس‌سره» في ذيل مبحث الإجزاء ؛ من عدم إجزاء الحكم المقطوع به عن الواقع ، إذ لا وجود حينئذ للحكم الظاهري كي يبحث عن إجزاء العمل على طبقه عن الواقع ، فهو خارج عن موضوع البحث ، فموضوع البحث ما إذا كان للحكم الظاهري ثبوت واقعي في زمان محدود يتحدد بانكشاف الخلاف ؛ بحيث يكون انكشاف الخلاف رافعا للحكم الظاهري من حينه لا من أول الأمر.

ثم إن للحكم الظاهري إطلاقين :

أحدهما : ما كان للجهل مدخل فيه ؛ بخلاف الحكم الواقعي الذي لا مدخل للجهل فيه. وذلك كالأصول العملية التي موضوعها الشك في الحكم الواقعي ، في مقابل ما تدل عليه الأدلة الاجتهادية من الأحكام الواقعية ؛ التي لا تناط بشيء من العلم والجهل.

ثانيهما : كل وظيفة مجعولة لغير العالم بالواقع ، فيشمل الأحكام الكلية المستفادة من الأدلة الاجتهادية ، والأصول العملية ، والأحكام الجزئية الثابتة بالأصول الجارية في الشبهات الموضوعية ؛ كأصالة الصحة ، واليد ، والسّوق ونحوها.

ثم المراد بالحكم الظاهري هنا هو هذا المعنى الثاني.

إذا عرفت ما هو موضوع البحث في المقام الثاني ؛ فاعلم : أنه يقع الكلام فيه من ناحيتين :

«الأولى :» أنه إذا قام الأمر الظاهري من أصل أو أمارة على تحقق شرط أو جزء في الواجب ، ثم انكشف الخلاف ، وأن الشرط أو الجزء لم يكن متحققا واقعا فهل يجزي العمل الفاقد للشرط أو الجزء عن المأمور به الواقعي إعادة أو قضاء أم لا؟

٤٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية : أنه إذا قام الأمر الظاهري من أصل أو أمارة على إثبات واجب ، ثم انكشف الخلاف ، وأن الواجب كان أمرا آخر غير ما قام عليه الأصل أو الأمارة ؛ فهل يجزي المأتي به عن المأمور به الواقعي أم لا؟

فقد أشار إلى الناحية الأولى بقوله : «إن ما كان منه يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف ...» إلخ ، وإلى الثانية بقوله الآتي : «وأما ما يجري في إثبات أصل التكليف ...» إلخ.

وبعد هذا نقول : إن البحث يقع في إجزاء الحكم الظاهري أعم من ثبوته بأصل أو أمارة ، وأعم من كون انكشاف خلافه بأمارة ظنية أو بعلم وجداني ، وفي المسألة أقوال كثيرة تركنا ذكرها رعاية للاختصار ، إذ ليس من المهم ذكر تلك الأقوال ، وإنما المهم بيان ما يحتمل من وجوه الإجزاء.

وقد ذهب المصنف «قدس‌سره» إلى الإجزاء في بعض الأصول دون الأمارات ؛ إذا كان اعتبارها بنحو الطريقية.

وخلاصة الكلام فيما أفاده المصنف «قدس‌سره» ؛ من التفصيل بين بعض الأصول والأمارات في المقام من إجزاء بعض الأصول دون الأمارات إذا كان اعتبارها بنحو الطريقة.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : بيان الفرق بينهما من حيث مفاد دليلهما ؛ وهو : أن مفاد دليل الحكم الظاهري ومؤداه في بعض الأصول هو جعل الحكم حقيقة ، وبعبارة أخرى : يكون مفاد دليله إنشاء الحكم حقيقة كإنشاء الطهارة والحلية المستفادتين من مثل قوله «عليه‌السلام» : «كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام» (١) ، و «كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر» (٢) ، حيث إن المستفاد من الرواية الأولى : قاعدة الحلية ، ومن الثانية : قاعدة الطهارة ، وهما ـ كاستصحاب الطهارة والحلية ـ متكفلان لتنقيح ما هو موضوع التكليف.

هذا بخلاف مفاد دليل الحكم الظاهري في الأمارات الشرعية ؛ حيث يكون مؤدى دليله ثبوت الحكم واقعا ، والحكاية عن وجوده كذلك.

__________________

(١) الكافي ، ج ٥ ، ص ٣١٣ ، ح ٤٠ / التهذيب ، ج ٧ ، ص ٢٢٦ ، ح ٩ / الوسائل ، ج ١٧ ، باب ٤ ، ص ٨٩.

(٢) التهذيب ، ج ١ ، ص ٢٨٥ ، ح ١١٩ / الوسائل ، ج ٣ ، باب ٣٧ ، ص ٤٦٧.

٤٢٢

والتحقيق : أن ما كان منه يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه ، وكان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره كقاعدة الطهارة أو الحلية ، بل واستصحابهما في وجه قوي ، ونحوها بالنسبة إلى كل ما اشترط بالطهارة أو الحلية يجزي ، فإن دليله يكون حاكما على دليل الاشتراط ومبينا لدائرة الشرط ، وأنه أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية ، فانكشاف الخلاف فيه لا يكون موجبا لانكشاف فقدان العمل لشرطه ، بل بالنسبة إليه يكون من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل ، وهذا بخلاف ما كان منها بلسان أنه ما هو الشرط واقعا ، كما هو لسان الأمارات ، فلا يجزي ، فإن دليل حجيته حيث كان بلسان أنه واجد لما هو شرطه الواقعي ، فبارتفاع الجهل ينكشف أنه لم يكن كذلك ، بل كان لشرطه فاقدا.

______________________________________________________

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الحكم الظاهري إن كان من القسم الأول كان مجزيا ؛ لأن لسان الأصول هو إنشاء شرط من الطهارة والحلية في ظرف الشك ، ولازم هذا الإنشاء والجعل هو : كون الشرط أعم من الطهارة والحلية الواقعيتين والظاهريتين ، فتكون الأصول حاكمة على أدلة الشرائط ، مثل : «لا صلاة إلّا بطهور» الظاهر في اعتبار الطهارة الواقعية في الصلاة ، لأن مثله لا يتكفل لصورة الشك في الطهارة ؛ بخلاف الأصل فإنه متكفل لها ، فيكون ناظرا إلى دليل الشرطية ، وهذا هو معنى الحكومة ، فمقتضى أدلة الأوامر الظاهرية هو : كون الصلاة الفاقدة لشرط أو جزء في حال الشك ؛ مثل الصلاة الواجدة للشرط أو للجزء.

هذا بخلاف ما إذا كان الحكم الظاهري من القسم الثاني أي : بأن يكون مفاد دليله ثبوت الحكم واقعا ، والحكاية عن وجوده كذلك ـ كما هو مفاد الأمارات الشرعية إذا كان اعتبارها بنحو الطريقية كما هو الأقوى عند المصنف «قدس‌سره» ـ فلا يجزي ؛ لأن مفاد الأمارات ثبوت الواقع لا توسعة دائرة الشرط. وهذا ما أشار إليه بقوله : «وهذا بخلاف ما كان منها» أي : من الأوامر الظاهرية «بلسان أنه ما هو الشرط واقعا ، كما هو لسان الأمارات فلا يجزي» أي : يجب الإتيان بالعمل ثانيا أداء أو قضاء ، لأن مفاد الدليل : أن العمل واجد للشرط واقعا ، وبعد انكشاف الخلاف يظهر أن العمل كان فاقدا للشرط واقعا ، فلم ينعقد العمل صحيحا حتى لا يجب تداركه ، فيجب التدارك والإتيان به ثانيا. هذا هو معنى عدم الإجزاء.

قوله : «فإن دليله يكون حاكما ...» إلخ تعليل للإجزاء. والمراد بدليل الاشتراط مثل : «لا صلاة إلا بطهور».

٤٢٣

هذا (١) على ما هو الأظهر الأقوى في الطرق والأمارات ، من أن حجيتها ليست بنحو السببية.

وأما بناء عليها ، وأن العمل بسبب أداء أمارة إلى وجدان شرطه أو شطره ، يصير حقيقة صحيحا كأنه واجد له ، مع كونه فاقده ، فيجزي لو كان الفاقد معه ـ في هذا

______________________________________________________

(١) أي : عدم الإجزاء «فيما كان الأمر الظاهري بلسان أنه ما هو الشرط واقعا على ما هو الأظهر الأقوى» عندنا «في الطرق والأمارات من أن حجيتها على نحو الطريقية ، و «ليست بنحو السببية».

الفرق بينهما : أن الأول أعني : الطريقية يجب العمل بالطريق لمجرد كونه طريقا إلى الواقع ، وكاشفا ظنيا عنه ، بحيث لم يلاحظ فيه سوى الكشف عن الواقع ، فإن صادفه أحرز مصلحة الواقع ، وإن لم يصادفه لم يكن له شيء.

والثاني : أي : السببية وهو أنه يجب العمل به لأجل أنه يحدث فيه بسبب قيام الطريق مصلحة مساوية أو راجحة على المصلحة الواقعية التي تفوت عند مخالفة ذلك الطريق للواقع.

إذا عرفت هذا الفرق فاعلم : أن الإجزاء وعدمه مبتن على القولين ؛ فمن يقول : بأن حجية الأمارات من باب الطريقية ـ ومنهم المصنف «قدس‌سره» ـ يرى عدم الإجزاء فيما لو قامت الأمارة على شيء ، ثم تبين الخلاف ، إذ المصلحة الواقعية غير محرزة والواقع على حاله ، «وأما بناء عليها» أي : على السببية وهو القول الثاني وذلك بمعنى : «أن العمل بسبب أداء أمارة إلى وجدان شرطه أو شطره يصير حقيقة صحيحا» ، ويكون «كأنه» أي : العمل «واجد له ، مع كونه فاقده» في الحقيقة ؛ ففي الإجزاء وعدمه تفصيل ، إذ الأقسام المتصورة حينئذ أربعة ، لأن المأتي به إما واف بتمام الغرض أو لا.

وعلى الثاني : فالباقي من الغرض إما يمكن استيفاؤه أو لا. والممكن الاستيفاء إما واجب استيفاؤه أو مستحب على ما في «الوصول إلى كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٥٢٩» ، «فيجزي لو كان الفاقد» للشرط أو الشطر «معه» أي : مع كونه فاقدا «في هذا الحال» أي : في حال قيام الأمارة «كالواجد في كونه وافيا بتمام الغرض» ، وهي الصورة الأولى ، «ولا يجزي لو لم يكن» العمل الفاقد «كذلك» أي : وافيا بتمام الغرض ، وحين عدم الوفاء بتمامه «يجب الإتيان بالواجد» ثانيا «لاستيفاء الباقي إن وجب» الاستيفاء وهي الصورة الثالثة ، «وإلا» أي : وإن لم يجب الاستيفاء «لاستحب» الإتيان ثانيا وهي الصورة الرابعة.

٤٢٤

الحال ـ كالواجد في كونه وافيا بتمام الغرض ، ولا يجزي لو لم يكن كذلك ، ويجب الإتيان بالواجد لاستيفاء الباقي ـ إن وجب ـ وإلا لاستحب.

هذا مع إمكان استيفائه ، وإلا فلا مجال لإتيانه ، كما عرفت في الأمر الاضطراري. ولا يخفى : أن قضية إطلاق دليل الحجية ـ على هذا (١) ـ هو الاجتزاء بموافقته أيضا.

هذا (٢) فيما إذا أحرز أن الحجية بنحو الكشف والطريقية ، أو بنحو الموضوعية

______________________________________________________

(١) أي : على القول : بالسببية هو الاجتزاء بموافقة الأمر الظاهري «أيضا» يعني : كاقتضاء دليل المأمور به الاضطراري للإجزاء ، فهذا من المصنف «قدس‌سره» تعرّض لمقام الإثبات بعد الإشادة إلى مقام الثبوت.

(٢) أي : هذا الذي ذكرناه من الإجزاء بناء على السببية ، وعدم الإجزاء على الطريقية في بعض الصور واضح ؛ فيما إذا كانت كيفية الحجية من حيث السببية والطريقية معلومة ، وأمّا إذا شك ولم يحرز أن الحجية بنحو السببية أو الطريقية فيقع الكلام في مقامين :

المقام الأول : في الإعادة ، والمقام الثاني : في القضاء.

أما المقام الأول : الذي أشار إليه المصنف بقوله : «فأصالة عدم الإتيان» ؛ فملخصه : أن المرجع فيه هي قاعدة الاشتغال ، لكون الشك في الفراغ بعد العلم بشغل الذمة ، وعدم إحراز مسقطية المأتي به لما اشتغلت به الذمة من التكليف الفعلي.

وجه عد إحراز مسقطيته هو : عدم العلم بوفائه بتمام المصلحة أو معظمها ، إذ المفروض : عدم إحراز كون الحجية على نحو السببية حتى يكون المأتي به مجزيا عن الواقع.

فالحاصل : أنه لمّا كان الشك في وادي الفراغ ؛ فلا محيص عن الالتزام بعدم الإجزاء لو كان انكشاف الخلاف في الوقت ، فتجب الإعادة.

قال في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٨٠» ما هذا لفظه : (لا يخفى : أن تقريب الأصل بما ذكرناه من قاعدة الاشتغال أولى من جعله استصحاب عدم الإتيان بالمسقط ، كما في المتن ، وذلك : لأن المورد من موارد القاعدة لا من موارد الاستصحاب ، حيث إن موردها هو الشك في فراغ الذمة ؛ بحيث يكون الأثر مترتبا على نفس الشك ، ومورد الاستصحاب هو ما إذا كان الأثر مترتبا على الواقع.

ومن المعلوم : أن المقام من موارد القاعدة ؛ لكون لزوم الإتيان ثانيا مترتبا عقلا على نفس الشك في الفراغ ؛ لا على عدم الإتيان بالواقع حتى نحتاج إلى إحرازه

٤٢٥

والسببية ، وأما إذا شك «فيها» ولم يحرز أنها على أيّ الوجهين فأصالة عدم الإتيان بما يسقط معه التكليف مقتضية للإعادة في الوقت.

واستصحاب (١) عدم كون التكليف بالواقع فعليا في الوقت لا يجدي ، ولا يثبت كون ما أتى به مسقطا ؛ إلا على القول بالأصل المثبت ، وقد علم اشتغال ذمته بما يشك في فراغها عنه بذلك المأتي.

______________________________________________________

بالاستصحاب ، فإحرازه به يكون من صغريات تحصيل ما هو حاصل وجدانا بالتعبد ، وهو من أردأ وجوه تحصيل الحاصل المحال ، مضافا : إلى ما يرد على أصالة عدم الإتيان بالمسقط من المناقشات :

إحداها : عدم كون ترك الإتيان بالمسقط أثرا شرعيا ولا موضوعا له ؛ مع وضوح اعتبار أحدهما في جريان الاستصحاب.

ثانيتها : أنه مثبت ؛ لأن ترتب بقاء الطلب الموجب للإتيان ثانيا على عدم الإتيان بالمسقط عقلي.

ثالثتها : عدم جريانه ؛ لتردد المسقط بين ما هو معلوم البقاء ، وما هو معلوم الارتفاع ، إذ المسقط لو كان هو الواقع فذلك معلوم البقاء لعدم الإتيان به على الفرض ، فيجب فعله ، لو كان هو مؤدى الأمارة ، فذلك معلوم الارتفاع ، فلا يجب الإتيان بالواقع ، وفي مثله لا يجري الاستصحاب للعلم بالبقاء أو الارتفاع ، فلا شك في البقاء على كل تقدير). انتهى.

والعمدة من هذه المناقشات ما عرفته من عدم كون المقام من موارد الاستصحاب بل من موارد القاعدة.

(١) قوله : «واستصحاب ..» إلخ ، دفع للتوهم بتقريب : أن مقتضى استصحاب عدم فعلية التكليف الواقعي في الوقت هو : عدم وجوب الاعادة.

وحاصل الدفع : أن استصحاب عدم فعلية التكليف لا يجدي ، ولا يثبت عدم وجوب الإعادة إلا بناء على حجية الأصل المثبت ؛ وذلك : أن سقوط الإعادة من آثار فعلية مؤدى الأمارة كما هو المفروض على السببية ، وليس من آثار عدم فعلية الواقع حتى يثبت باستصحابه ، وإنما يكون من آثاره إذا كان الحكم الواقعي يسقط بقيام الأمارة على خلافه ، مع إنه ليس كذلك ؛ لعدم سقوط الواقعيات بقيام الأمارة على خلافها ، فإثبات سقوط الإعادة باستصحاب عدم فعلية الواقع يكون من قبيل إثبات أثر أحد الضدين باستصحاب عدم الآخر.

٤٢٦

وهذا (١) بخلاف ما إذا علم أنه مأمور به واقعا ، وشك في أنه يجزي عما هو المأمور به الواقعي الأوّلي ؛ كما في الأوامر الاضطرارية أو الظاهرية ، بناء على أن يكون الحجية على نحو السببية ، فقضية الأصل فيها ـ كما أشرنا إليه ـ عدم وجوب الإعادة ، للإتيان بما اشتغلت به الذمة يقينا ، وأصالة عدم فعلية التكليف الواقعي بعد رفع الاضطرار وكشف الخلاف.

______________________________________________________

ومن المعلوم : أنه من الأصول المثبتة ، فلا مجال لاستصحاب عدم فعلية التكليف الواقعي في الوقت ؛ حتى يثبت به عدم وجوب الاعادة ، بل المرجع هنا قاعدة الاشتغال ؛ لكون الشك في فراغ الذمة بعد العلم باشتغالها بالتكليف.

قوله : «بذلك المأتي» ؛ متعلق بقوله : «يشك» ، والباء للسببية ، ومعنى العبارة : أن منشأ الشك في الفراغ هو العمل بمؤدى الأمارة ، مثلا : إذا قامت البيّنة على طهارة ماء فتوضأ به وصلى ، ثم تبين خطأ البيّنة ، فيقال : إن التكليف بالوضوء بالماء الطاهر الذي هو حكم واقعي قد اشتغلت به الذمة قطعا ، ويشك في سقوطه بالوضوء بالماء المتنجس واقعا ؛ المحكوم لأجل البيّنة بالطهارة ظاهرا ، فقاعدة الاشتغال تقتضي وجوب الإعادة لكون الشك في سقوط التكليف لا في ثبوته.

(١) أي : هذا الذي ذكرنا ـ وهو الشك في الإجزاء لأجل الشك في الطريقية والموضوعية ـ حيث كان مجراه الاشتغال ؛ «بخلاف» ما إذا كان الشك في الأجزاء لأجل الشك في وفاء المأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري بناء على السببية ، فإن المرجع فيهما البراءة بعد ارتفاع الاضطرار ، أو انكشاف الخلاف.

وأشار إليه بقوله : بخلاف «ما إذا علم أنه مأمور به واقعا» ثانويا ، «وشك في أنه يجزي عما هو المأمور به الواقعي الأوّلي» أم لا ؛ «كما في الأوامر الاضطرارية ، أو» الأوامر «الظاهرية» ، وليس المراد بها الأمر الظاهري بناء على الطريقية ، لأنه على هذا ليس مأمورا به بالأمر الواقعي ، بل «بناء على أن يكون الحجية» في الأوامر الظاهرية «على نحو السببية» والموضوعية ، «فقضية الأصل فيها» أي : في الاضطرارية والظاهرية «كما أشرنا إليه» في المقام الأول «عدم وجوب الإعادة» عند ارتفاع الاضطرار وانكشاف الواقع في الوقت ، والفرق بين الشك في الطريقية والسببية ـ الموجب للإعادة ، وبين الشك في إجزاء المأمور به بالأمر الاضطراري ، أو الظاهري عن الأمر الواقعي بعد رفع الاضطرار وانكشاف الخلاف الذي لا يوجب الاعادة ـ أنه في الأول قطع بالاشتغال فيستصحب عدم إتيان متعلقه ، وأما في الثاني : فلا يجب «للإتيان بما اشتغلت به الذمة يقينا» من الأمر الاضطراري والظاهري.

٤٢٧

وأما القضاء (١) : فلا يجب بناء على أنه فرض جديد وكان الفوت المعلق عليه وجوبه لا يثبت بأصالة عدم الإتيان إلا على القول بالأصل المثبت ، وإلا (٢) فهو واجب كما لا يخفى على المتأمل فتأمل جيدا.

______________________________________________________

والأولى في قوله : «فقضية الأصل فيها» تثنية الضمير لرجوعه إلى الأوامر الاضطرارية والظاهرية ، ولا يجدي في إفراده دعوى رجوعه إلى الأوامر ؛ وذلك لأن الملحوظ هو : الأوامر الموصوفة بالاضطرارية والظاهرية ، وبهذا اللحاظ لا بد من تثنية الضمير.

(١) أي : قد عرفت في المقام الأول المتكفل لحكم انكشاف الخلاف في الوقت ؛ كوجوب الاعادة أو عدم وجوبها.

وأما المقام الثاني : المتكفل لحكم انكشاف الخلاف بعد الوقت ، وقد أشار المصنف إليه بقوله : «وأما القضاء فلا يجب ...» إلخ.

وحاصل الكلام في المقام الثاني : أنه إذا انكشف الخلاف بعد الوقت ، ولم يحرز كون حجية الأمارات بنحو السببية أو الطريقية ؛ ففي وجوب القضاء تفصيل ، وهو : أنه بناء على كون القضاء بفرض جديد أي : بأن لا يكون تابعا للأداء لا يجب ؛ وذلك لعدم إمكان إثبات الفوت الذي هو موضوع وجوب القضاء باستصحاب عدم الإتيان لكونه مثبتا ، حيث إن الفوت أمر وجودي ، وترتبه على عدم الإتيان بالفريضة في الوقت عقليّ ، والأصل المثبت ليس حجة فينتفي وجوب القضاء لانتفاء الموضوع ، وعدم العلم به.

غاية الأمر : يشك في وجوب القضاء المنفي بالبراءة لكون الشك حينئذ في أصل التكليف ، هذا إذا كان القضاء بأمر جديد. وأمّا بناء على كون القضاء بالفرض الأوّل فيجب ذلك ؛ لأنه حينئذ بحكم الإعادة.

(٢) أي : وإن لم يكن القضاء بفرض جديد بأن كان تابعا للأداء ، أو قلنا : بأن الفوت عبارة عن عدم الإتيان ؛ لا أنه أمر وجودي ، أو قلنا : بحجية الأصل المثبت ؛ فالقضاء واجب بعد رفع الاضطرار ، أو انكشاف الخلاف خارج الوقت ؛ وكان وجوبه بعين الدليل الذي ذكر في الأداء.

قوله : «فتأمل جيدا» ؛ لعله إشارة إلى أن موضوع القضاء لا ينحصر ولا يختص بالفوت ؛ بل هو أعم منه ومن نسيان الفريضة ، ومن النوم عليها ، فالموضوع للقضاء تركها في تمام الوقت ، فأصالة عدم الإتيان لو وجدت هنا لكانت كافية في وجوب القضاء بعد انكشاف الخلاف خارج الوقت ، أو إشارة إلى عدم كفاية مجرد كون القضاء بالفرض الأول في وجوب القضاء ، بل لا بد من إحراز الفوت ، وحينئذ فإن كان الفوت أمرا عدميا

٤٢٨

ثم إن هذا كله (١) فيما يجري في متعلق التكاليف من الأمارات الشرعية ، والأصول العملية ، وأما ما يجري في إثبات أصل التكليف كما إذا قام الطريق أو الأصل على وجوب صلاة الجمعة يومها في زمان الغيبة ، فانكشف بعد أدائها وجوب صلاة الظهر في زمانها (٢) ؛ فلا وجه لإجزائها مطلقا ، غاية الأمر : أن تصير صلاة الجمعة فيها ـ أيضا ـ ذات مصلحة لذلك (٣) ، ولا ينافي هذا (٤) بقاء صلاة الظهر على

______________________________________________________

أمكن إحرازه بالأصل ؛ فيجب القضاء ، وإن كان وجوديا فإحرازه بالأصل مبنيّ على حجية الأصل المثبت ، وحيث لا نقول بها فلا يجب القضاء.

(١) أي : ثم إن هذا الكلام الذي ذكر بالنسبة إلى الإعادة والقضاء «فيما يجري في متعلق التكاليف» أي : في الناحية الأولى وهي : ما إذا قام الأمر الظاهري من أصل أو أمارة على تحقق شرط أو جزء في الواجب ، ثم انكشف الخلاف.

وأما الكلام في الناحية الثانية : وهي ما إذا قام الأمر الظاهري من أصل أو أمارة على إثبات واجب ثم انكشف الخلاف وأن الواجب كان أمرا آخر غير ما قام عليه الأصل أو الأمارة. هذا ما أشار إليه بقوله : «وأما ما يجري في إثبات أصل التكليف ...» إلخ أي : وأما ما يجري من الأمارات والأصول العملية في إثبات نفس الأحكام الشرعية ؛ كما إذا قامت أمارة كخبر الثقة ، أو أصل كالاستصحاب على وجوب صلاة الجمعة يومها في زمان الغيبة ؛ وبعد الإتيان بها انكشف وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة في زمان الغيبة ، فلا وجه للإجزاء مطلقا أي : سواء قلنا : بطريقية الأمارات أم موضوعيتها.

وأما على الأول : فواضح ؛ إذ عرفت عدم الإجزاء على الطريقية.

وأما على الثاني : فلأن غاية ما تقتضيه الموضوعية هي : اشتمال صلاة الجمعة على المصلحة الناشئة من قيام الأمارة أو الأصل على وجوبها ، ومن الواضح : عدم المنافاة بين وجوب صلاة الجمعة بهذا العنوان ، وبين وجوب صلاة الظهر ، لتعدد متعلق الوجوبين ، إلا إذا قام دليل خاص من إجماع أو غيره على عدم وجوب صلاتين يوم الجمعة ، وأن الواجب فيه واحد ، فلا بد حينئذ من الإتيان بصلاة الظهر ؛ لعدم وجوب غيرها بناء على الطريقية ، والاكتفاء بصلاة الجمعة بناء على الموضوعية ؛ إذ المفروض : وجوب إحدى الصلاتين ، وقد أتى بها.

(٢) أي : الغيبة.

(٣) أي : لأجل قيام الأمارة أو الأصل على وجوبها ؛ فإنها حينئذ ذات مصلحة على القول بالسببية.

(٤) أي : ولا ينافي هذا الذي ذكرنا من صيرورة صلاة الجمعة ذات مصلحة «بقاء

٤٢٩

ما هي عليه من المصلحة كما لا يخفى ؛ إلا (١) أن يقوم دليل بالخصوص على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد.

______________________________________________________

صلاة الظهر على ما هي عليه» في الواقع «من المصلحة» ؛ لعدم المحذور في اجتماع المصلحتين الملزمتين في يوم واحد «كما لا يخفى».

غاية الأمر : أن مصلحة الظهر واقعية ، ومصلحة الجمعة سببية ، فلا مانع من وجوبهما معا ؛ إذ ليس لما يدل على وجوب صلاة الجمعة تعرّض لنفي وجوب صلاة الظهر.

(١) أي : إلا أن يقوم من الخارج دليل خاص على عدم وجوب صلاتين ؛ الأعم من الوجوب الواقعي والظاهري الأماري في يوم واحد. إذ لو قام دليل كذلك وقع التنافي بين وجوب الظهر ، ووجوب الجمعة. فقوله : «إلا أن يقوم ...» إلخ استثناء من عدم المنافاة أي : تتحقق المنافاة مع قيام دليل خاص على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد ؛ وذلك أنه مع قيام دليل خاص على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد ثبت التلازم بين ثبوت وجوب إحداهما وبين عدم وجوب الأخرى ؛ فحينئذ إذا ثبت وجوب إحداهما بأمارة أو أصل ثبت عدم وجوب الأخرى ؛ لما عرفت : من كون وجوب إحداهما ملازما لعدم وجوب الآخر.

ولكن ليس في الأدلة ما يفيد ذلك إذ غاية ما يستفاد من الضرورة أو الإجماع : عدم وجوب صلاتين واقعيتين في يوم واحد ؛ لا عدم الوجوب في الأعم من الواقعي والأماري كما في «الوصول إلى كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٥٣٦».

ثم لو قام دليل خاص على عدم وجوب صلاتين لكان مفاده يتصور على وجوه :

الأول : أن يكون مفاده عدم الوجوبين الواقعيين.

الثاني : عدم الوجوبين الظاهريين.

الثالث : عدم الوجوبين على الإطلاق.

الرابع : عدم وجوب ظاهري مع وجوب واقعي.

والأولان : لا ينافيان وجوب الإعادة ، لأن المأتي به واجب بوجوب ظاهري ، والآخر بوجوب واقعي ، وفي الأخيرين يقع التزاحم ، فإن كان الأول أهم أو مساويا فقضية الدليل المذكور هو الإجزاء ، وإلا فالإعادة واجبة ، فلا وجه لجعل قيام الدليل على عدم وجوب صلاتين ملاكا لعدم وجوبها مطلقا. كما في «حاشية المشكيني «رحمه‌الله» ، ج ١ ، ص ٤٣٩».

٤٣٠

(تذنيبان (١)):

الأول : (٢) لا ينبغي توهم الإجزاء في القطع بالأمر في صورة الخطأ ، فإنه لا يكون موافقة للأمر فيها ، وبقي الأمر بلا موافقة أصلا وهو أوضح من أن يخفى ، نعم (٣) ربما يكون ما قطع بكونه مأمورا به مشتملا على المصلحة في هذا الحال (٤) ، أو على مقدار

______________________________________________________

(١) التذنيب : جعل الشيء ذنابة للشيء ، وعن الصحاح «الذناب بالكسر عقيب كلّ شيء».

(٢) التذنيب الأول : في الأمر التخيّلي. والغرض من عقد هذا التذنيب هو دفع توهم الإجزاء في الأمر التخيّلي ، والتلازم في الإجزاء بين الأوامر الظاهرية الشرعية الثابتة بالأمارات والأصول ، وبين الأمر الظاهري العقلي الثابت بالقطع ؛ بمعنى : أن المكلف تخيل بوجود الأمر وليس في الواقع أمر أصلا.

وحاصل الدفع : إن الإجزاء في الأوامر الظاهرية الشرعية ـ على القول به ـ لا يلازم الإجزاء في الأمر الظاهري العقلي مع انكشاف الخلاف ، ضرورة : أن منشأ توهم الإجزاء هو : ثبوت الأمر الظاهري الشرعي ، وذلك مفقود في موارد القطع ؛ إذ ليس فيها إلا العذر العقلي في ترك الواقع ما دام قاطعا ، وبعد ارتفاع القطع يرتفع العذر ، فتجب الإعادة أو القضاء وذلك لعدم إتيان المكلف بنفس المأمور به الواقعي ، ولا بما جعله الشارع بمنزلته ، فلا وجه للاجزاء. كما أشار إليه بقوله : «لا ينبغي توهم الإجزاء في القطع ..» إلخ إذا لم يكن هناك حكم متقرر له ثبوت ، وإنما تخيل ثبوته فهو أجنبي عن بحث الإجزاء ؛ إذ لا حكم كي يبحث عن إجزائه وعدمه ، فلا إشكال في عدم الإجزاء فيما إذا قطع بحكم ثم انكشف خلافه ؛ إذ القطع لا يوجب الأمر لا واقعا ولا ظاهرا ، فلا يكون في البين إلا تخيل لثبوت الحكم ، فلا وجه لإجزاء المأتي به مع عدم كونه الواقع.

(٣) أي : قوله : «نعم ربما يكون ...» إلخ استدراك من عدم الإجزاء المستفاد من قوله : «لا ينبغي توهم الإجزاء». وحاصله : أنه قد يكون ما قطع بكونه مأمورا به مجزيا عن المأمور به الواقعي ، وهو ما إذا كان ما أتى به مشتملا على تمام مصلحة الواقع أو معظمها مع امتناع استيفاء الباقي من مصلحة الواقع ، فلا يجب الإتيان بالواقع حينئذ لا إعادة ولا قضاء ؛ لسقوط الأمر الواقعي بحصول غرضه كلا أو جلا.

(٤) أي : في حال القطع لا مطلقا ؛ إذ لو كان مشتملا على المصلحة مطلقا وفي كل حال لزم أن يكون عدلا للواجب الواقعي ، وأحد فرديه ، وأن يخرج عن موضوع البحث وهو إجزاء غير الواقع عن الواقع ؛ إذ المفروض حينئذ : كون المأتي به أحد فرديه الواجب الواقعي.

٤٣١

منها ، ولو في غير هذا الحال غير ممكن ، مع استيفائه استيفاء الباقي منها ، ومعه لا يبقى مجال لامتثال الأمر الواقعي.

وهكذا الحال في الطرق (١) ، فالإجزاء ليس لأجل اقتضاء امتثال الأمر القطعي أو الطريقي للإجزاء ؛ بل إنما هو لخصوصية اتفاقية في متعلقهما كما في الإتمام والقصر والإخفات والجهر (٢).

الثاني (٣) : لا يذهب عليك أن الإجزاء في بعض موارد الأصول والطرق والأمارات ـ على ما عرفت تفصيله ـ لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه في تلك

______________________________________________________

ولكن هذا إثباتا يحتاج إلى دليل خاص ، وقد ثبت في بعض الموارد ؛ كما إذا صلى جهرا في مورد الإخفات ، وبالعكس ، وكما إذا صلى تماما في السفر مع الجهل بكون الوظيفة غير ما أتى به ؛ فإن الدليل دل على الاكتفاء بالعمل ، وعدم لزوم الإعادة مع معاقبته على تقصيره في السؤال والتعلم ، مما يكشف عن عدم كون ما أتى به متعلقا للحكم ؛ وإنما هو محصل لبعض المصلحة بحيث لا يمكن تدارك الباقي ، ولذا لا تجب الإعادة ، ولكن يعاقب على ذلك لأنه فوّت على نفسه مصلحة الواقع الملزمة.

قوله : «ومعه» أي : مع كون المقطوع به مشتملا على تمام المصلحة ، أو على مقدار لا يمكن استيفاء الباقي «لا يبقى مجال لامتثال الأمر الواقعي» بعد الإتيان بالمقطوع ، ويكون مجزيا في الصورتين.

(١) أي : الحال في الأمارة المخطئة مثل الحال في القطع المخطئ في عدم الإجزاء ، فإذا عمل المكلف بالقياس قاطعا بحجيته فانكشف عدم حجيته لا يكون مجزيا ، فالعمل المطابق للأمارة المخطئة لا يجزي أصلا ؛ إلا إذا كان المأتي به وافيا بتمام المصلحة أو بمقدار منها ؛ مع امتناع تدارك الباقي ، فالإجزاء حينئذ ليس لأجل اقتضاء الأمر القطعي أو الطريقي له ؛ بل لوفاء المأتي به بمصلحة الواقع ، أو معظمها. والأول في القطع بالحكم. والثاني : في القطع بالطريق ؛ بل الإجزاء «إنما هو لخصوصية اتفاقية» أي : صدفة «في متعلقهما» أي : في متعلق القطع بالحكم ، أو الطريق ، والمراد بالخصوصية الاتفاقية : هي الوفاء بالمصلحة تماما أو بعضا كما مر.

(٢) أي : المشهور هو : صحة التمام في موضع القصر ، والإخفات في مورد الجهر ، وبالعكس جهلا بالحكم ، واستحقاق العقوبة إن كان الجهل عن تقصير كما عرفت. فهناك نصوص تدلّ على تمامية الصلاة في تلك الموارد وإجزائها.

(٣) التذنيب الثاني : في بيان عدم المنافاة بين التخطئة والإجزاء. والغرض من هذا

٤٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

التذنيب الثاني هو : ردّ توهم الملازمة بين الإجزاء والتصويب. فإنه قد يتوهم ملازمة القول بالإجزاء للتصويب ، وهذا ما يظهر من الشهيد «قدس‌سره» في تمهيد القواعد من أن الإجزاء في موارد الطرق والأصول مساوق للتصويب ؛ لأن مرجع الإجزاء إلى كون الواقع هو مؤدى الأمارة الذي هو التصويب ؛ فإن عدم وجوب الإعادة والقضاء بعد العمل بالأصل أو الأمارة وكشف الخلاف معناه : انتفاء الحكم الواقعي الأوّلي في حق هذا الجاهل ، وانحصار حكمه الواقعي في المؤدى ، فالإجزاء كاشف عن التصويب وخلو الواقعة عن الحكم الواقعي. هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب توهم الملازمة بين الإجزاء والتصويب.

وحاصل ما أفاده المصنف ـ في ردّ توهم الملازمة بين الإجزاء والتصويب ـ يتوقف على مقدمة وهي : أنّ للحكم في نظر المصنف مراتب أربع :

١ ـ مرتبة الاقتضاء. ٢ ـ مرتبة الإنشاء.

٣ ـ مرتبة الفعلية. ٤ ـ مرتبة التنجّز.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الحكم الذي دلت الأدلة على اشتراك العالم والجاهل فيه إنما هو الحكم الإنشائي ، فإن أدلة الاشتراك لا تقتضي أكثر من ذلك. أما الحكم الفعلي فهو يختص بالعالم ؛ لأن موضوعه هو العلم بالحكم الإنشائي ، وبهذا البيان يظهر : أن القول : بالإجزاء الذي هو فرع الالتزام بالسببية في حجية الأمارة لا يلازم التصويب بمعنى ارتفاع الحكم الواقعي ؛ لبقاء الحكم الواقعي على ما هو عليه ، ولكنه بمرتبته الإنشائية ، والأمارة المخالفة مانعة عن فعليته. فالحكم الواقعي بمرتبته الإنشائية محفوظ في موارد الأصول والأمارات ، فالواقعة لا تخلو عن الحكم الواقعي حتى يلزم التصويب ؛ بل الحكم الإنشائي ثابت ، والمنفي بقيام الأمارة على الخلاف هو الحكم الفعلي ، وكذلك الثابت في موارد الإصابة هو الحكم الفعلي.

وكيف كان ؛ فالحكم الواقعي في مرتبة الإنشاء عند أداء الأصل أو الأمارة على خلافه ، وإنه لا يصير فعليا في غير مورد الإصابة ؛ من دون فرق بين موارد الإجزاء وعدمه.

غاية الأمر : أنه إذا انكشف الخلاف ففي موارد الإجزاء يبقى على إنشائيته لتدارك غرضه ، أو لغير ذلك ؛ لا أنه ينتفي بالمرة ، وعلى فرض عدم كشف الخلاف تستمر إنشائيته ، والمكلف معذور.

٤٣٣

الموارد ، فإن (١) الحكم الواقعي بمرتبته محفوظ فيها (٢) ، فإن الحكم المشترك بين العالم والجاهل ، والملتفت والغافل ؛ ليس إلا الحكم الإنشائي المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الأحكام للموضوعات بعناوينها الأولية (٣) بحسب (٤) ما يكون فيها من المقتضيات ، وهو (٥) ثابت في تلك الموارد كسائر موارد الأمارات ، وإنما المنفي فيها ليس إلا الحكم الفعلي البعثي ، وهو منفي في غير موارد الإصابة (٦) وإن لم نقل بالإجزاء ، فلا فرق بين الإجزاء وعدمه إلا في سقوط التكليف بالواقع بموافقة الأمر

______________________________________________________

(١) قوله : «فإن الحكم الواقعي ...» إلخ دفع لتوهم الملازمة بين الإجزاء والتصويب.

(٢) أي : في موارد الأصول والأمارات.

(٣) أي : لا العناوين الثانوية كالحرج والاضطرار ونحوهما.

(٤) قوله : «بحسب» قيد للأحكام ؛ أي : الخطابات تشتمل على بيان الأحكام للموضوعات بعناوينها الأولية كالصوم والصلاة ونحوهما ، بحسب ما في تلك من الملاكات المقتضية لتشريع الأحكام ، فالموضوع المقتضي للوجوب محكوم عليه بالوجوب إنشاء ، والموضوع المقتضي للحرمة محكوم عليه بالحرمة كذلك ، وهكذا ، فمن في قوله : «من المقتضيات» بيان لما الموصولة في قوله : «ما يكون» ، وضمير «فيها» يعود إلى الموضوعات.

(٥) أي : الحكم الإنشائي «ثابت في تلك الموارد» أي : موارد الإجزاء ، هذا إشارة إلى دفع توهم التصويب في موارد الإجزاء ؛ بأن الإجزاء فيها يستدعي خلو الواقعة عن الحكم وهو معنى التصويب.

وحاصل الدفع : أن الواقعة لا تخلو عن الحكم حتى يلزم التصويب ، بل الحكم موجود وثابت وهو : الحكم الإنشائي المشترك بين العالم والجاهل ، والمنفي كما عرفت هو : الحكم الفعلي في غير موارد الإصابة.

(٦) أي : إصابة الأمارة مطلقا. أي : «وإن لم نقل بالإجزاء» ، فكلمة إن في قوله : «وإن لم نقل بالإجزاء» وصلية.

وحاصل الكلام : أن القول بالإجزاء لا يوجب فعلية الحكم الواقعي ؛ لأن الحكم إنما يصير فعليا إذا كان هناك بيان ، والمفروض : عدم البيان بالنسبة إلى الحكم الواقعي في مورد أدّت الأمارة إلى خلافه. فحينئذ الحكم الواقعي باق على إنشائيته كبقائه عليها بناء على الإجزاء ، فالفرق بين صورتي الإجزاء وعدمه إنما هو في سقوط الحكم الإنشائي في الصورة الأولى ، وبقائه على حاله في الصورة الثانية.

٤٣٤

الظاهري ، وعدم سقوطه بعد انكشاف عدم الإصابة ، وسقوط التكليف بحصول غرضه (١) ، أو لعدم إمكان تحصيله غير التصويب المجمع على بطلانه وهو خلو الواقعة عن الحكم غير ما أدت إليه الأمارة ، كيف (٢)؟ وكان الجهل بها ـ بخصوصيتها أو بحكمها ـ مأخوذا في موضوعها ، فلا بدّ من أن يكون الحكم الواقعي بمرتبته محفوظا فيها ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) أي : كما في موارد الأصول بناء على جعل الحكم ، وكما في موارد الأمارة بناء على القول بحجيتها من باب السببية. «أو لعدم إمكان تحصيله» كما إذا لم يمكن استيفاء الباقي «غير التصويب ...» إلخ ، فقوله : «سقوط التكليف» مبتدأ «وغير التصويب» خبره. فمعنى العبارة : أن سقوط التكليف لجهة من الجهات غير التصويب المجمع على بطلانه ، وهو : خلو الواقعة عن الحكم غير ما أدت إليه الأمارة.

(٢) أي : كيف يكون الإجزاء تصويبا مجمعا على بطلانه ، وقد كان مقابلا للتصويب؟ فإنه «كان الجهل بها» أي : بالواقعة «بخصوصيتها» ؛ كما في الشبهة الموضوعية «أو بحكمها» أي : الواقعة ؛ كما في الشبهة الحكمية «مأخوذا في موضوعها» أي : في موضوع الأمارات ، «فلا بد من أن يكون الحكم الواقعي بمرتبته» الإنشائية «محفوظا فيها» أي : في موارد الأصول والأمارات.

وكيف كان ؛ فغرضه من قوله : «كيف؟ وكان الجهل بها ...» إلخ هو بيان الفرق بين الإجزاء والتصويب.

وحاصل الفرق : أنه كيف يكون الإجزاء تصويبا ، مع إن نفس دليل اعتبار الأمارة والأصل يدل على ثبوت الحكم الواقعي الذي هو ضد التصويب المساوق لخلو الواقعة عن الحكم؟

أما دلالة دليل اعتبار الأمارة والأصل على وجود الحكم الواقعي : فلأن الشك في الحكم الواقعي موضوع في الأصول وظرف في الأمارات ، فالشك في الحكم الواقعي دخيل موضوعا أو ظرفا في ثبوت حكم الأمارة أو الأصول ، فلا بد من الحكم الواقعي كي يتعلق به الشك. فنفس دليل اعتبار الأمارة والأصل ينفي التصويب ؛ وهو خلو الواقعة عن الحكم.

فالمتحصل مما ذكره المصنف «قدس‌سره» : أن توهم استلزام الإجزاء في الأوامر الظاهرية للتصويب بالمعنى المذكور فاسد ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ٢ ، ص ٩٥» مع تصرف منّا. هذا تمام الكلام في بحث الإجزاء.

٤٣٥

خلاصة بحث الإجزاء مع رأي المصنف «قدس‌سره»

تلخيص البحث في أمور :

١ ـ بيان ما هو المراد من القيود المأخوذة في عنوان مسألة الإجزاء ، فالمراد من الوجه في قوله : «على وجهه» هي الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا وعقلا ، وليس المراد منه قصد الوجه الذي قيل باعتباره في العبادة.

الدليل على ذلك : أنه لو لا المراد بالوجه ما ذكرنا ـ بأن كان المراد به ما يعتبر في المأمور به شرعا فقط ـ لزم أولا : أن يكون قوله «على وجهه» قيدا توضيحيا لا قيدا احترازيا ؛ مع إن الأصل في القيد أن يكون احترازيا.

وثانيا : يلزم خروج الواجبات التعبدية عن البحث ؛ مع إن محل البحث هو الأعم.

ثم المراد بالاقتضاء هو الاقتضاء بمعنى العلية والتأثير ؛ لا بمعنى الكشف والدلالة.

وبعبارة أخرى : أن الاقتضاء واسطة في الثبوت للإجزاء ، وليس واسطة في الإثبات وسببا للعلم بالإجزاء.

والمراد بالإجزاء ـ في عنوان المسألة ـ : معناه اللغوي وهو الكفاية ؛ لا معناه الاصطلاحي وهو : إسقاط الإعادة والقضاء. نعم ؛ لازم الكفاية هو : إسقاط الإعادة والقضاء ، ومع إمكان حمله على المعنى اللغوي لا حاجة إلى جعل المراد منه معناه الاصطلاحي.

٢ ـ الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار ، ومسألة تبعية القضاء للأداء : أن البحث في هذه المسألة عقلي ، وفي المسألتين لفظي ؛ فإن البحث في هذه المسألة عن أن إتيان المأمور به بعد ثبوت كونه مأمورا به يجزي أم لا؟ وفي المسألتين يكون البحث في دلالة صيغة الأمر على المرة أو التكرار ، ودلالتها على أن القضاء تابع للأداء أم لا؟ بل تدل على أن القضاء إنما هو بأمر جديد فيكون البحث فيهما لفظيا.

٣ ـ الكلام في الإجزاء يقع في موضعين :

الأول : في إجزاء إتيان كل المأمور به عن أمر نفسه.

والثاني : إتيان المأمور به بأمر عن أمر آخر ؛ كالإتيان بالمأمور الاضطراري أو الظاهري عن الأمر الواقعي الأولي.

وخلاصة الكلام في الموضع الأول : إنه لا كلام في إجزاء إتيان كل المأمور به عن أمر نفسه.

٤٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنما الكلام في جواز تبديل الامتثال بامتثال آخر بأن يأتي بفرد آخر بحيث يكون هو امتثالا للأمر وعدم جوازه ، ولكن يجوز تبديل الامتثال عند المصنف في بعض الموارد وهو : فيما إذا لم يكن الإتيان بالمأمور به أولا علة تامة لحصول الغرض ، مثل : الإتيان للشرب ولم يشربه المولى مثلا.

الموضع الثاني وفيه مقامان :

المقام الأول : في أن الإتيان بالمأمور به الاضطراري هل يجزي عن إتيان المأمور به بالأمر الواقعي الأولي أم لا؟

المقام الثاني : في أن الإتيان بالمأمور به الظاهري هل يجزي عن المأمور به بالأمر الواقعي أم لا يجزي؟

وأما الكلام في المقام الأول : فتارة : يقع في مقام الثبوت ، وأخرى : في مقام الإثبات.

وأما مقام الثبوت فالفروض والاحتمالات المتصورة فيه هي أربعة : لأن التكليف الاضطراري إما أن يكون وافيا بتمام المصلحة والغرض من الأمر الواقعي الأوّلي أو لا يكون وافيا بها ، بل يبقى شيء أمكن استيفاؤه ، أو لم يمكن ، وما أمكن كان بمقدار يجب استيفاؤه ، أو بمقدار يستحب.

فيقع الكلام تارة في الإجزاء ، وأخرى في جواز البدار ؛ أي : المبادرة إلى الإتيان بالمأمور به الاضطراري. أما الإجزاء فلازم الجميع إلا الصورة الثالثة ؛ فلا يجزي المأمور به الاضطراري عن المأمور به الواقعي ؛ لأن المفروض : إمكان تداركه مع لزومه.

وأما البدار : فلا يجوز في الصورة الثانية ؛ لما فيه من نقض الغرض ، وتفويت مقدار من المصلحة. ولا مانع منه في الصورتين الأخيرتين.

وأما الصورة الأولى : فتسويغ البدار فيها يدور مدار كون العمل الاضطراري بمجرد الاضطرار وافيا بغرض الأمر الأوّلي ، أو بشرط الانتظار ، أو بشرط اليأس من رفع الاضطرار ؛ فيجوز البدار في الأول دون الأخيرين.

وأما في مقام الإثبات : فإن كان لدليل الأمر الاضطراري إطلاق يدل على أن مطلق الاضطرار ـ ولو في بعض الوقت ـ يكفي لتعلق التكليف الاضطراري ؛ فالظاهر : هو الإجزاء ؛ وإلا فالأصل يقتضي البراءة من إيجاب الإعادة ؛ لكون الشك فيه شكا في أصل التكليف ، فلا يجب القضاء بطريق أولى ؛ لأن القضاء تابع للأداء ، فإذا لم تجب الإعادة في الوقت لم يجب القضاء في خارجه بطريق أولى. هذا تمام الكلام في المقام الأول.

٤٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أما الكلام في المقام الثاني : أي : إجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الواقعي ؛ فيقع من ناحيتين :

الأولى : فيما إذا قام الأمر الظاهري من أصل أو أمارة على تحقق شرط أو جزء في الواجب ، ثم انكشف الخلاف ؛ فهل يجزي الفاقد للشرط أو الجزء عن المأمور به الواقعي أم لا؟

الثانية : فيما إذا قام الأمر الظاهري من أصل أو أمارة على إثبات واجب ، ثم انكشف الخلاف ، وأن الواجب كان أمرا آخر ؛ فهل يجزي المأتي به عن المأمور به الواقعي أم لا؟

وأما ما أفاده المصنف في الناحية الأولى فهو : الإجزاء في موارد بعض الأصول دون الأمارات ؛ إذا كان اعتبارها من باب الطريقية ، وعدم الإجزاء مطلقا في الناحية الثانية.

وأما الإجزاء في بعض الأصول دون الأمارات إذا كان اعتبارها من باب الطريقية ـ فمبنيّ على الفرق بين بعض الأصول والأمارات إذا كان اعتبارها من باب الطريقية ، والفرق بينهما إنما هو من حيث مفاد دليلهما ؛ فإن مفاد دليل الحكم الظاهري في بعض الأصول هو : جعل الحكم وإنشاؤه حقيقة ؛ كإنشاء الطهارة والحلية ، ولازم هذا الإنشاء والجعل هو : كون الشرط أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية ، وكذا الحليّة ، فتكون الأصول حاكمة على أدلة الشرائط مثل : «لا صلاة إلّا بطهور» ؛ الظاهر في اشتراط الطهارة الواقعية في الصلاة ، لأن مثله لا يتكفل لصورة الشك في الطهارة ؛ بخلاف الأصل فإنه متكفل لها ، فيكون ناظرا إلى دليل الشرطية وهذا معنى الحكومة.

هذا بخلاف ما إذا كان مفاد دليل الحكم الظاهري ثبوت الحكم واقعا ، والحكاية عن وجوده واقعا ؛ كما هو مفاد الأمارات الشرعية إذا كان اعتبارها من باب الطريقية ، وهو الحق عند المصنف ، فلا يجزي ؛ لأن مفاد الأمارات ثبوت الحكم الواقعي ؛ لا توسعة دائرة الشرط.

وأما على القول باعتبارها من باب السببية : ففي الإجزاء وعدمه تفصيل : أي : يجزي فيما إذا كان المأتي به وافيا بتمام الغرض ، ولا يجزي لو لم يكن العمل الفاقد وافيا بتمام الغرض.

هذا مع العلم بكيفية حجية الأمارات ؛ بأن يعلم ويحرز كون اعتبارها من باب الطريقية أو السببية ، وأما عند الشك فمقتضى أصالة عدم الإتيان هو : عدم الإجزاء ، ووجوب الإعادة في الوقت.

وهذا فيما إذا انكشف الخلاف في الوقت. وأما فيما إذا انكشف خارج الوقت ، ولم

٤٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

يحرز كون حجية الأمارات بنحو الطريقية أو السببية ؛ ففي وجوب القضاء تفصيل : بين ما إذا كان القضاء بفرض جديد ، وما إذا كان تابعا للأداء ، فلا يجب على الأول ، ويجب على الثاني.

هذا تمام الكلام في البحث من الناحية الأولى.

وأما الناحية الثانية وهي : ما إذا قام الأمر الظاهري من أصل أو أمارة على إثبات واجب ، ثم انكشف الخلاف ، وأن الواجب كان أمرا آخر غير ما قام عليه الأصل أو الأمارة ؛ كما إذا قامت أمارة على وجوب صلاة الجمعة يومها في زمان الغيبة ؛ فلا وجه للإجزاء مطلقا ؛ أي : قلنا : بطريقية الأمارات ، أو بموضوعيتها.

٤ ـ تذنيبان :

التذنيب الأول : في الإجزاء في الأمر التخييلي ، بمعنى : أن المكلف تخيل بوجود الأمر ، ولم يكن في الواقع أمر أصلا ، وهناك قد يتوهم الإجزاء في الأمر التخيّلي ويقال : بالتلازم بين الإجزاء في الأمر الظاهري الشرعي الثابت بالأمارة أو الأصل ، وبين الإجزاء في الأمر الظاهري العقلي الثابت بالقطع.

وحاصل الدفع للتوهم المزبور : أن الإجزاء في الأوامر الظاهرية الشرعية على القول به لا يلازم الإجزاء في الأمر الظاهري العقلي مع انكشاف الخلاف ؛ إذ موضوع الإجزاء هو : ثبوت الأمر الظاهري الشرعي ، وهو مفقود في موارد القطع ؛ إذ ليس فيها إلا العذر العقلي في ترك الواقع ما دام قاطعا ، وبعد ارتفاع القطع يرتفع العذر ، فتجب الإعادة أو القضاء ؛ لعدم إتيان المكلف بالمأمور به الواقعي ، ولا بما جعله الشارع بمنزلته.

التذنيب الثاني : في ردّ توهم الملازمة بين الإجزاء والتصويب المجمع على بطلانه ؛ بتقريب : أن مرجع الإجزاء إلى كون الواقع هو مؤدى الأمارة ، وخلو الواقعة عن الحكم الواقعي ، وانحصار الحكم في مؤدى الأمارة وهو التصويب.

وحاصل الردّ : أن الحكم الواقعي الإنشائي ؛ المشترك بين العالم والجاهل محفوظ في موارد الأصول والأمارات ، فالواقعة لا تخلو عن الحكم الواقعي حتى يلزم التصويب ، بل الحكم الواقعي موجود وثابت ، فلا تلازم بين الإجزاء والتصويب.

٥ ـ أما آراء المصنف في بحث الإجزاء فيتلخص في أمور تالية :

١ ـ المراد بالوجه في عنوان المسألة هو : إتيان المأمور به بجميع ما يعتبر فيه شرعا وعقلا.

٢ ـ المراد بالاقتضاء هو : الاقتضاء بمعنى العلية والتأثير ؛ لا بمعنى الكشف والدلالة.

٤٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

٣ ـ المراد بالإجزاء : معناه اللغوي ؛ وهو : الكفاية ؛ لا الاصطلاحي أي : إسقاط الإعادة والقضاء.

ثم لا إشكال في إجزاء إتيان كل المأمور به عن أمر نفسه ؛ وإنما الكلام والإشكال في تبديل الامتثال بامتثال آخر ، ويجوز تبديل الامتثال عند المصنف إذا لم يكن الامتثال الأول علة تامة لحصول الغرض.

٤ ـ الاتيان بالمأمور به الاضطراري يجزي عن الأمر الواقعي الأوّلي في جميع الصور الأربع ؛ إلّا في الصورة الواحدة وهي : أن لا يكون التكليف الاضطراري وافيا بتمام المصلحة ، وكان الباقي مما يمكن تداركه مع لزومه.

هذا في مقام الثبوت وأما في مقام الإثبات : فالمتبع هو الإطلاق ـ لو كان ـ فيقتضي الإجزاء ، وعند انتفائه فالأصل يقتضي البراءة من إيجاب الإعادة والقضاء.

٥ ـ أما رأي المصنف في الأمر الظاهري فهو : التفصيل بين الأصول والأمارات فيجزي في الأول دون الثاني.

٦ ـ وكذلك لا يجزي المأمور به بالأمر التخيلي عن الأمر الواقعي.

٧ ـ لا تلازم بين الإجزاء والتصويب.

٤٤٠