دروس في الكفاية - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦

أن مصداق الشيء الذي له النطق هو الإنسان ، كان أليق بالشرطية الأولى بل كان أولى لفساده مطلقا ، ولو لم يكن مثل الناطق بفصل حقيقي ، ضرورة : بطلان أخذ الشيء في لازمه (١) وخاصته فتأمل جيدا (٢).

ثم أنه يمكن أن يستدل على البساطة (٣) بضرورة عدم تكرار الموصوف في مثل :

______________________________________________________

الشرطية الثانية دخول النوع في الفصل أليق بالشرطية الأولى ، بل كان أولى.

وجه الأليقية على ما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ٣١٩» هو : دخول الكليات بعضها في الآخر ؛ وهو دخول العرض العام في الفصل كما في تالي الشرطية الأولى ، ودخول النوع في الفصل كما في تالي الشرطية الثانية ؛ إذ مصداق الناطق في قولنا : «الإنسان ناطق» هو النوع أعني : الإنسان ، فالنوع داخل في الفصل وهو الناطق ، وصدق هذين التاليين الفاسدين على مثال واحد كقولنا : «الإنسان ناطق» ؛ لأنه على تقدير أخذ مفهوم الشيء في المشتق يلزم دخول العرض العام ـ وهو مفهوم الشيء ـ في الفصل أعني : الناطق. وعلى تقدير أخذ المصداق فيه يلزم دخول النوع وهو الإنسان في الفصل ؛ إذ مصداق الشيء الذي له النطق هو الإنسان ، فالناطق على هذا مركب من النوع والفصل.

وأما وجه الأولوية فهو : ما أفاده بقوله : «لفساده مطلقا» أي : لفساد التالي مطلقا ؛ يعني : وإن لم يكن فصلا حقيقيا بل كان فصلا مشهوريا منطقيا أي : لازما للفصل الحقيقي ، وذلك أخذ النوع في كل من الفصل والعرض الخاص ، فلا فرق في الفساد والاستحالة بين أخذ النوع في الفصل الحقيقي ، وبين أخذه في لازمه وعرضه الخاص بناء على كون الناطق فصلا مشهوريا لا حقيقيا ؛ وذلك لاستحالة دخول الذاتي في العرضي. هذا بخلاف أخذ العرض العام في الفصل ، فإن فساده مبني على كون الناطق فصلا حقيقيا.

(١) أي : لازم ذلك الشيء ، لأن الناطق ولو لم يكن فصلا لكنه لازم وخاصة للفصل الحقيقي قطعا.

(٢) إشارة إلى دقة المطلب المذكور بقرينة قوله : «جيدا».

(٣) أي : نسب إلى المحقق الدواني أنه استدل على بساطة المشتق بضرورة عدم تكرر الموصوف في المشتقات المحمولة ، ولزوم تكرره فيها لو كان المشتق مركبا.

وملخص تقريب الاستدلال : أنه يحكم الوجدان بعدم تكرر الموصوف ـ في مثل زيد الكاتب إذ لو كان المشتق مركبا من الشيء مفهوما أو مصداقا لزم تكرره بأن يقال في المثال : زيد زيد الكاتب ؛ إن كان المأخوذ في مفهوم المشتق مصداق الشيء ، وزيد

٢٤١

زيد الكاتب ، ولزومه (١) من التركب ، وأخذ الشيء مصداقا أو مفهوما في مفهومه (٢).

إرشاد :

لا يخفى : أن معنى البساطة ـ بحسب المفهوم ـ وحدته إدراكا وتصورا بحيث لا يتصور عند تصوره إلّا شيء واحد لا شيئان ، وإن انحل بتعمل من العقل إلى شيئين كانحلال مفهوم الشجر والحجر إلى شيء له الحجرية أو الشجرية ، مع وضوح بساطة مفهومهما (٤).

______________________________________________________

الشيء الكاتب إن كان المأخوذ في مفهومه مفهوم الشيء ، فعدم تكرر الموصوف في المثال ونظائره برهان إني على البساطة ؛ إذ المتبادر منه إلى الذهن هو أمر بسيط لا مركب من أمرين ، وليس ذلك إلّا لأجل بساطة مفهوم المشتق وعدم تركبه من شيئين أو أكثر.

(١) أي : لزوم تكرر الموصوف من تركب المشتق.

(٢) أي : في مفهوم المشتق.

(٣) الغرض من هذا الكلام : بيان ما هو المراد من بساطة المشتق.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أنّ البساطة تارة : يراد بها وحدة ما يفهم من اللفظ ، كمفهوم الحجر والإنسان حيث لا يتحقق في الذهن عند التعبير عنهما إلّا صورة واحدة ؛ وإن انحل كل واحد منهما بالتحليل العقلي إلى مفهومين ؛ وهما «شيء له حجرية» ، و «حيوان ناطق» ، فالمراد من تركب المفهوم : تعدد ما يفهم من اللفظ بلا تحليل عقلي ؛ كمفهوم غلام زيد مثلا ، أو كما إذا فرض لفظ قالبا لمعنيين. وأخرى : أن يراد بالبساطة البساطة الحقيقية بأن لا يكون الشيء مركبا من الجنس والفصل.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المراد من بساطة المشتق هي البساطة في عالم التصور واللحاظ لا الواقع ، وبحسب التحليل العقلي : فالمشتق وإن كان مركبا بحسب الحقيقة والماهية من أمرين أي : ذات ثبت له المبدأ إلّا إنه بسيط إدراكا وتصورا ، فالكلام في أن المشتق بسيط في عالم التصور أو مركب ؛ بمعنى : أنه حين إطلاق اللفظ هل تأتي في الذهن صورة لشيء أو أشياء؟ وليس الكلام في واقع المشتق وحقيقته بحسب التحليل العقلي.

(٤) أي : ولا منافاة بين بساطته تصورا وإدراكا ، وبين تركبه بالتحليل العقلي ؛ لأن موطن وحدة التصور هو التصور الذهني ، وموطن التعدد هو التحليل العقلي.

٢٤٢

وبالجملة : (١) لا ينثلم بالانحلال إلى الاثنينية ـ بالتعمل العقلي ـ وحدة المعنى وبساطة المفهوم كما لا يخفى ، وإلى ذلك (٢) يرجع الإجمال والتفصيل الفارقان بين المحدود والحد ، مع ما هما عليه من الاتحاد ذاتا ، فالعقل بالتعمل يحلل النوع ، ويفصّله إلى جنس وفصل ، بعد ما كان (٣) أمرا واحدا إدراكا ، وشيئا فاردا تصورا ، فالتحليل يوجب فتق (٤) ما هو عليه من الجمع والرتق.

______________________________________________________

(١) وبالجملة : أنه لا تنافي بين القول ببساطة المشتق إذا كان المراد بها وحدة المعنى تصورا ، وبين القول بتركبه إذا كان المراد به تعدده بالتعمّل من العقل ، فإن لفظ الإنسان مثلا وضع لمعنى واحد ، لكن يحلله العقل إلى جنس وفصل.

(٢) أي : البساطة التصورية والتركب التحليلي العقلي يرجع إلى الإجمال والتفصيل ؛ الموجبان للفرق بين المحدود كالإنسان ، وبين الحد كالحيوان الناطق في تعريف الإنسان ؛ مع إن المحدود والحد متحدان ذاتا ، والفارق بينهما ليس إلّا الإجمال والتفصيل ؛ فإن المحدود واحد تصورا ، والحد يكون عينه لكنه بعد التحليل العقلي ، فالتفصيل ملحوظ في الحد ، والإجمال ملحوظ في المحدود.

(٣) أي : بعد ما كان النوع أمرا بسيطا مفهوما.

(٤) أي : تفصيل المعنى الذي هو المحدود كان عليه من الجمع والرتق ذهنا وتصورا.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور تالية :

١ ـ بيان ما استدل به المحقق الشريف على بساطة مفهوم المشتق وحاصله : أن المشتق لو لم يكن بسيطا وكان مركبا لزم أحد أمرين : أحدهما : دخول العرض العام في الفصل. وثانيهما : انقلاب مادة الإمكان إلى الضرورة والتالي بكلا شقيه باطل ؛ فالمقدم أعني : كون المشتق مركبا أيضا باطل. أما الملازمة : فلأن المأخوذ في مفهوم المشتق ـ على فرض تركبه ـ إما هو مفهوم الشيء أو مصداقه ، فعلى الأول : يلزم دخول العرض العام في الفصل. وعلى الثاني : يلزم الانقلاب. وأما بطلان التالي فواضح.

٢ ـ جواب الفصول عن كلا شقي الإشكال :

أما عن الأول : فبأن الناطق إنما يكون فصلا في عرف المنطقيين ، ومحل الكلام هو مفهوم المشتق لغة ، فحينئذ لا يلزم من اعتبار مفهوم الشيء في مفهوم المشتق لغة دخول العرض العام في الفصل ، بل يلزم دخوله في مفهوم المشتق لغة وهو مما لا محذور فيه عقلا.

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما عن الثاني : فبأن المحمول ليس هو الموضوع على إطلاقه ؛ كي يكون الحمل ضروريا ، بل المحمول هو الموضوع المقيد بالكتابة في نحو : «الإنسان كاتب» ، وحيث إن ثبوت القيد غير ضروري فلا يكون حمل المقيد ضروريا ؛ حتى يلزم انقلاب الإمكان إلى الضرورة ، كما يقوله الشريف.

٣ ـ تحقيق المصنف في الجواب عن الشق الأول في كلام الشريف : إن الناطق ليس فصلا حقيقيا ؛ بل هو لازم الفصل الحقيقي ، ومن أظهر خواصه ، وعليه : فلا بأس لأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق ؛ إذ لا يلزم حينئذ دخول العرض العام في الفصل ، بل يلزم دخول العرض العام في الخاصة ولا محذور فيه عقلا.

وأما إيراد المصنف على جواب الفصول عن الشق الثاني فحاصله : أن عدم كون ثبوت القيد ضروريا لا يضر بدعوى الانقلاب ؛ بداهة : ضرورية ثبوت الإنسان الذي يكون مقيدا بالكتابة للإنسان ؛ نظرا إلى ضرورة ثبوت الشيء لنفسه.

٤ ـ إشكال صاحب الفصول على نفسه : حيث تنظّر فيما أفاده في جوابه عن الانقلاب وحاصله : أن الانقلاب الذي يقوله الشريف ، في محله بتقريب : أن الذات المأخوذة في مفهوم المشتق كالإنسان له الكتابة المأخوذ في معنى الكاتب في نحو : «الإنسان كاتب» إن كانت واجدة للقيد في نفس الأمر يصدق الإيجاب بالضرورة ، فيلزم انقلاب مادة الإمكان إلى الضرورة كما أفاده الشريف. وقد أورد المصنف على الفصول بما حاصله : من أن القضية حينئذ وإن كانت ضرورية إلّا إنها ضرورية بشرط المحمول ، وهي خارجة عن محل الكلام ، لأن محل الكلام هو انقلاب الإمكان إلى الضرورة المطلقة.

٥ ـ أنه لو جعل الشريف التالي في الشرطية الثانية : لزوم أخذ النوع في الفصل ؛ كان أليق بالشرطية الأولى وأولى لفساده مطلقا ؛ أي : سواء كان الناطق فصلا حقيقيا أو غير حقيقي ؛ وذلك لفساد أخذ النوع في كل من الفصل والعرض الخاص.

٦ ـ أن المراد من بساطة المشتق هو بساطته مفهوما في مقام التصور واللحاظ ؛ لا بحسب الحقيقة والماهية بأن لا يكون مركبا من الجنس والفصل. هذا هو رأي المصنف «قدس‌سره» ، ولا منافاة بين البساطة التصورية والتركب التحليلي العقلي. انتهى التلخيص.

٢٤٤

الثاني (١):

الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوما : أنه بمفهومه لا يأبى عن الحمل على ما تلبس بالمبدإ ، ولا يعصى عن الجري عليه ، لما هما عليه من نحو من الاتحاد ، بخلاف المبدأ ،

______________________________________________________

الفرق بين المشتق والمبدأ

(١) قد عرفت : أن مختار المصنف هو : بساطة المشتق وحينئذ ربما يتوهم : عدم صحة حمل المشتق على الذات ؛ وذلك لعدم الفرق بينه وبين المبدأ بتقريب : أن المشتق لما لم تكن الذات مأخوذة فيه ـ كما هو قضية بساطته ـ كان عين المبدأ بإضافة النسبة ، حيث يكون موضوعا بمادته للمبدا وبهيئته للنسبة ، فلا يصح حمله على الذات ، كما لا يصح حمل المبدأ عليها ؛ هذا بخلاف من قال بتركب المشتق من الذات والمبدأ ، حيث صح عنده الفرق بين المشتق ومبدئه ، فيصح حمله على الذات ويقال : «زيد ضارب».

وقد أجاب المصنف عن هذا الإشكال ببيان الفرق بين المشتق ومبدئه ؛ بأن المشتق لا يأبى عن الحمل بمفهومه على ما تلبس بالمبدإ.

فالغرض من عقد هذا الأمر الثاني هو : دفع توهم عدم صحة حمل المشتق على الذات على ما هو مختار المصنف من القول ببساطته.

وحاصل الدفع : يتوقف على مقدمة وهي : الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوما ، وخلاصة الفرق : أن المشتق لا يأبى عن الحمل ، لأنه عبارة عن العرض المتحد مع المحل بنحو من الاتحاد المصحح للحمل ، فيصح أن يقال : «زيد ضارب» هذا بخلاف المبدأ كالضرب في المثال المزبور مثلا فإنه بمفهومه آب عن الحمل ، فلا يصح أن يقال : «زيد ضرب» إلّا بضرب من التأويل ، لأن معناه لمّا كان نفس العرض والمبدأ بما هو شيء من الأشياء في مقابل سائر الأشياء كان مغايرا لغيره ، وغير متحد معه ، ولذا لا يصح الحمل إلّا بضرب من العناية والتأويل.

فالمتحصل : أن مفهوم المبدأ لمّا لم يلاحظ فيه الاتحاد الوجودي مع غيره لا يقبل الحمل ، هذا بخلاف مفهوم المشتق لمّا لوحظ فيه الاتحاد الوجودي مع غيره يقبل الحمل على المتلبس بالمبدإ.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا فرق في صحة حمل المشتق على الذات بين القول بتركبه والقول ببساطته. نعم ؛ الفرق بينهما في التركب والبساطة بمعنى : أن مفهوم ضارب في قولنا : «زيد ضارب» ـ على القول بالتركب ـ وهو «زيد له الضرب» ، فيتحد

٢٤٥

فإنه بمعناه يأبى عن ذلك (١) ؛ بل إذا قيس ونسب إليه كان غيره ، لا هو هو ، وملاك الحمل والجري إنما هو نحو من الاتحاد والهوهوية ، وإلى هذا (٢) يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما ؛ من أن المشتق يكون لا بشرط ، والمبدأ يكون بشرط لا ، أي : يكون مفهوم المشتق غير آب عن الحمل ، ومفهوم المبدأ يكون آبيا عنه ، وصاحب

______________________________________________________

مع زيد الأول الموضوع وجودا فيصح الحمل ويقال : «زيد ضارب» ، وعلى القول بالبساطة : يكون مفهومه منتزعا من الذات بلحاظ تلبسه بالمبدإ ؛ فأيضا يتحد مع الموضوع وجودا ، فيصح الحمل ؛ هذا بخلاف مفهوم المبدأ فإنه حدث محض لا يتحد مع الذات ، فلا يصح حمله على الذات ؛ إلّا مع التأويل ؛ إذ ملاك صحة الحمل هو الاتحاد.

(١) أي : المبدأ بمفهومه يأبى عن الحمل ؛ لعدم وجود شرط صحة الحمل وهو الاتحاد.

وحاصل الكلام : أن المشتق وإن كان بسيطا مفهوما إلّا إنه مركب من الذات والحدث بالتحليل العقلي ، فمفهوم «ضارب» وإن كان واحدا تصورا إلّا إنه في الحقيقة ذات ثبت له المبدأ ، أو ذات صدر عنه الضرب ، هذا بخلاف المبدأ والمصدر ؛ فإن معناه بسيط من حيث التصور والإدراك ، ومن حيث الماهية والحقيقة وهو الحدث فقط ؛ فلذا لا يتحد مع الذات ولا يحمل عليها ، فملاك الحمل ـ وهو نحو من الاتحاد ـ غير موجود في المبدأ ، وموجود في المشتق.

(٢) أي : إلى هذا الفرق وهو : وجود ملاك الحمل في المشتق دون المبدأ ؛ يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : إن للماهية بالنسبة إلى ما يقارنها من الخصوصيات اعتبارات ثلاث :

١ ـ قد تتصور «الماهية بشرط لا» ؛ أي : بأن لا يكون معها شيء من الأوصاف وتسمى مجردة.

٢ ـ قد تتصور «بشرط شيء» ؛ بأن تتصف بالأوصاف وتسمى مخلوطة.

٣ ـ قد تتصور «لا بشرط» ؛ بأن يتصور معناها مع تجويز كونها وحدها ، وكونها مع الأوصاف وتسمى مطلقة.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول في الفرق بين المشتق والمبدأ : إن مفهوم المشتق لوحظ على نحو لا بشرط ، ولذا يتحد وجودا مع الذات باعتبار كونه من توابع الذات ولواحقها ، وهذا النحو من الاتحاد كاف في صحة حمله عليها. هذا بخلاف مفهوم المبدأ فإنه لوحظ بشرط لا أي : بشرط أن لا يكون مع الذات ؛ بمعنى : كونه في مقابل

٢٤٦

الفصول «رحمه‌الله» (*) حيث توهم : أن مرادهم (١) إنما هو بيان التفرقة بهذين الاعتبارين ، بلحاظ الطوارئ والعوارض الخارجية مع حفظ مفهوم واحد (٢) ، أورد (٣) عليهم بعدم استقامة الفرق بذلك ؛ لأجل امتناع حمل العلم والحركة على الذات ،

______________________________________________________

الذات ؛ بحيث يكون وجوده ملحوظا في قبال وجودها ، وهذا يقتضى المغايرة ؛ فليس هناك اتحاد مصحح للحمل ، ولذا لا يصح حمل المبدأ على الذات.

وبعبارة أخرى على ما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ٣٢٦» : للعرض حيثيتان :

إحداهما : كونه موجودا بمفاد كان الناقصة ، وهو بهذا اللحاظ يكون مندكا في موضوعه وفانيا فيه ومن شئونه ، ولذا يصح حمله عليه.

ثانيتهما : كونه موجودا بمفاد كان التامة ؛ نظير وجود الجوهر. والعرض بهذا اللحاظ هو نفسه لا غيره ، ولذا لا يصح حمله لمغايرته لغيره الرافعة لشرط الحمل وهو الاتحاد ، وهذا هو مرجع ما ذكره أهل المعقول من الفرق بين المشتق ومبدئه ، ثم إن هذا توطئة لردّ كلام الفصول الآتي.

(١) أي : مراد أهل المعقول من اللابشرطية في المشتق ، وبشرط اللائية في المبدأ «إنما هو بيان التفرقة» بين المشتق ومبدئه «بهذين الاعتبارين» ؛ من غير دخالة لهما في قوام ذاتي المشتق والمبدأ ، بل الفرق بينهما «بلحاظ الطوارئ والعوارض الخارجية» أي : الخارجة عن المعنى الموضوع له كالزمان والمكان ، وغيرهما من العوارض المبحوث عنها في بحث المطلق والمقيد.

(٢) أي : مع حفظ مفهوم واحد في المشتق ومبدئه ؛ وذلك لأن مفهوم الرقبة ـ في باب المطلق والمقيد ـ واحد ، ولحاظ اللابشرط وبشرط لا إنما هو بالإضافة إلى الطوارئ ؛ كالإيمان والكتابة وغيرهما من العوارض فيقال : إن الرقبة بالنسبة إلى الإيمان ملحوظة على نحو لا بشرط ، وبالإضافة إلى الكتابة ملحوظة بشرط شيء ، وبالنسبة إلى الكفر ملحوظة بشرط لا ، مع إن الجامع وهو مفهوم الرقبة موجود في الجميع.

(٣) أورد صاحب الفصول (١) على أهل المعقول بعدم استقامة الفرق بالاعتبار أي : اعتبار المشتق لا بشرط ، واعتبار المبدأ بشرط لا.

توهم صاحب الفصول : بأن مراد أهل المعقول هو : اتحاد المبدأ والمشتق في المعنى بالذات وهو الحدث ، وإنما الفرق والاختلاف بينهما في اللحاظ والاعتبار ، بمعنى : أن

__________________

(*) الفصول الغروية ، ص ٦٢ ، ص ٦.

(١) الفصول الغروية ، ص ٦٢ ، س ١٤.

٢٤٧

وإن اعتبرا (١) لا بشرط ، وغفل (٢) عن أن المراد ما ذكرنا (٣) ، كما يظهر منهم من بيان الفرق بين الجنس والفصل ، وبين المادة والصورة فراجع.

______________________________________________________

لفظ ضارب وضع للحدث الملحوظ في نظر الواضع على نحو لا بشرط ، ولفظ ضرب وضع للحدث الملحوظ في نظره بشرط لا أي : بشرط عدم الحمل ، فاعترض عليهم بعدم الجدوى للحاظ ، لأن الضرب لا يحمل وإن اعتبر ولوحظ على نحو اللابشرط ، والضارب يحمل وإن اعتبر ولوحظ على نحو بشرط لا.

(١) أي : لا يصح حمل العلم والحركة على الذات وإن اعتبرا لا بشرط ؛ لأن الاعتبار لا يغير الواقع. ثم قوله : «لأجل امتناع حمل العلم ...» إلخ ؛ تعليل لعدم استقامة الفرق بين المشتق ومبدئه بالاعتبارين المذكورين.

وخلاصة إيراد صاحب الفصول على أهل المعقول هو : أن الفرق بين المشتق ومبدئه بلحاظ الأول واعتباره لا بشرط ، واعتبار الثاني بشرط لا بالإضافة إلى العوارض الخارجية ؛ مع كون المفهوم فيهما واحدا ذاتا لا يستقيم ، لأنه لا يوجب صحة حمل المشتق على الذات دون المبدأ ؛ ضرورة : عدم صحّة حمل مثل القيام والقعود والحركة والسكون وغيرها من المبادئ على الذوات وإن لوحظت واعتبرت تلك المبادئ على نحو اللابشرط ؛ وذلك لعدم الاتحاد بينهما المصحح للحمل.

(٢) هذا جواب المصنف عن إيراد الفصول على أهل المعقول.

(٣) أي : غفل صاحب الفصول عن أن مرادهم بقولهم : لا بشرط وبشرط لا «ما ذكرنا» من دخالتهما في قوام المعنى ؛ لا أنهما طوارئ خارجة عن ذات المعنى ، كي يرد على قولهم ما أورده صاحب الفصول.

وتوضيح إيراد المصنف على صاحب الفصول يتوقف على مقدمة وهي : أن لحاظ واعتبار اللابشرطية وبشرط اللائية في باب المطلق والمقيد يختلف عن اعتبارهما في باب الجنس والفصل والمادة والصورة ، والفرق بينهما هو : أن لحاظ اللاشرط وبشرط لا في باب المطلق والمقيد إنما هو بالإضافة إلى العوارض الخارجية ؛ كاعتبار الرقبة مثلا ، ولحاظها اللاشرط أو بشرط لا بالإضافة إلى الكفر والإيمان ونحوهما من الطوارئ ؛ حيث إن اللاشرط وبشرط لا بهذا المعنى لا يوجبان صحة حمل المبدأ كالعلم مثلا على الذات ، لأن الحمل منوط بالاتحاد وجودا ، ومجرد اللحاظ لا يوجب ذلك ، فلا وجه للحمل أصلا.

هذا بخلاف اعتبار ولحاظ اللابشرط أو بشرط لا في باب الجنس والفصل والمادة والصورة ؛ فإن المراد باللابشرط وبشرط لا في هذا الباب ما ينتزع عن حقيقة الشيء

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومفهومه ، لا ما ينتزع عن الطوارئ.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن إشكال الفصول على أهل المعقول مبني على أن يكون مرادهم باللاشرط وبشرط لا بالإضافة إلى العوارض الخارجية ؛ كما في باب المطلق والمقيد ، والمراد بهما في المقام هو : ما ينتزع عن حقيقة الشيء ؛ كما في باب الجنس والفصل والمادة والصورة ، فلا يرد عليهم ما أورده في الفصول ؛ وذلك لأن المصدر والمبدأ حينئذ يكون بحقيقته وهويته بشرط لا ، لأنه عبارة عن نفس الحدث ، والعرض بما أنه ماهية من الماهيات وهو بهذا المعنى آب عن الحمل بمقتضى حقيقته ؛ لا بلحاظ بشرط اللائية ، كما أن عدم الإباء عن الحمل المنتزع عنه اللابشرطية هو مقتضى حقيقة المشتق ومفهومه ، وهذان الاعتباران متباينان لعدم جامع بينهما ؛ بخلافهما في باب المطلق والمقيد ؛ لوجود القدر الجامع المشترك بينهما كما عرفت.

فنظر أهل المعقول في مقام الفرق بين المبدأ والمشتق بكون الأول مأخوذا بشرط لا ، والثاني لا بشرط إنما هو إلى ما ذكرناه ؛ من كون هذين الاعتبارين منتزعين عن مقام الذات لا عن الطوارئ ، كما أن مرادهم من اللابشرط وبشرط لا في مقام الفرق بين الجنس والفصل والمادة والصورة هو : انتزاعهما عن نفس الذات والحقيقة ؛ لا باعتبار الطوارئ ، فإن الجنس بذاته غير آب عن الحمل ، وكذا الفصل والمادة والصورة بذاتهما آبيتان عن الحمل.

وخلاصة الكلام في المقام : أن اللابشرطية وبشرط اللائية في المشتق ومبدئه منتزعتان عن الذات كانتزاعهما عن الجنس والمادة والفصل والصورة ، وليس المقصود بهما ما يراد بهما في باب المطلق والمقيد.

وإشكال الفصول على أهل المعقول مبني على : إرادة ما يراد بهما في باب المطلق والمقيد ؛ دون ما يراد بهما في باب الجنس والفصل والمادة والصورة. هذا هو ظاهر كلامهم كما أشار إليه بقوله : «كما يظهر منهم» ؛ بتقريب : أن صحة الحمل في الجنس والفصل وعدمها في المادة والصورة إنما هما لجهة ذاتية ؛ لا لأمر خارج عن الذات ، فلا محالة تكون اللابشرطية في الجنس والفصل وبشرط اللائية في المادة والصورة منتزعتين عن مقام الذات ، وغير ملحوظتين بالإضافة إلى أمر خارج ، ويشهد بالتغاير الذاتي بين الجنس والفصل وبين المادة والصورة : أن الأولين من الأجزاء الذهنية ، والأخيرين من الأجزاء الخارجية.

٢٤٩

خلاصة البحث

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ توهم عدم الفرق بين المشتق ومبدئه على القول ببساطة المشتق ، فلا يصح حمله على الذات ، كما لا يصح حمل المبدأ عليها ، وقد أجاب المصنف عن التوهم المذكور : بأن الفرق بينهما : أن المشتق بمفهومه لا يأبى عن الحمل ، لأنه عبارة عن العرض المتحد مع المحل والموضوع بنحو من الاتحاد المصحح للحمل ، هذا بخلاف المبدأ فإنه بمفهومه آب عن الحمل. وإلى هذا الفرق يرجع ما ذكره أهل المعقول في مقام الفرق بينهما من : أن المشتق يكون لا بشرط ، والمبدأ يكون بشرط لا ؛ فلذا يصح حمل المشتق على الذات دون المبدأ.

٢ ـ إيراد الفصول على أهل المعقول ـ حيث توهم أنّ مرادهم بالتفرقة بهذين الاعتبارين بالإضافة إلى العوارض الخارجية مع حفظ مفهوم واحد ـ بعدم استقامة الفرق المذكور ؛ لعدم الجدوى لاعتبار اللابشرطية في صحة الحمل ، واعتبار بشرط اللائية في عدمها ؛ وذلك لعدم صحة حمل العلم والحركة على الذات وإن اعتبرا على نحو اللابشرط.

٣ ـ إيراد المصنف على صاحب الفصول هو : أن إشكال الفصول على أهل المعقول مبني على أن يكون لحاظ اللابشرطية وبشرط اللائية بالنسبة إلى العوارض الخارجية ؛ كاعتبار الرقبة مثلا في باب المطلق والمقيد بالنسبة إلى الكفر والإيمان ونحوهما ، وليس الأمر كذلك في المقام ؛ بل لحاظ اللابشرطية وبشرط اللائية في محل الكلام كلحاظهما في باب الجنس والفصل والمادة والصورة ، فإن المراد باللابشرط وبشرط لا ما ينتزع عن حقيقة الشيء ؛ لا من العوارض الخارجية.

فالمبدأ والمشتق ما ينتزع عن الحقيقة ؛ بمعنى : أن المبدأ بحقيقته بشرط لا ، لأنه عبارة عن نفس الحدث ، والعرض بما أنه ماهية مباينة لماهية الذات فهو بهذا المعنى آب عن الحمل والمراد من كون المشتق لا بشرط : ما ينتزع اللابشرطية عن الذات ، فيكون عدم الإباء عن الحمل مقتضى حقيقته ، ولذا يصح حمله على الذات دون المبدأ. فالتغاير بين المشتق والمبدأ إنما هو بحسب حقيقتهما ؛ لا لأجل اللابشرطية وبشرط اللائية.

٢٥٠

الثالث :

ملاك الحمل ـ كما أشرنا إليه (١) ـ هو الهوهوية والاتحاد من وجه ، والمغايرة من وجه آخر كما يكون بين المشتقات والذوات (٢) ، ولا يعتبر معه (٣) ملاحظة التركيب بين المتغايرين واعتبار كون مجموعهما بما هو كذلك واحدا ، بل يكون لحاظ ذلك (٤) مخلا لاستلزامه (٥) المغايرة بالجزئية والكلية. ومن الواضح : أن ملاك الحمل لحاظ

______________________________________________________

ملاك الحمل

(١) إشارة إلى ملاك الحمل في الأمر الثاني حيث قال : «وملاك الحمل والجري إنما هو نحو من الاتحاد والهوهوية» أي : يعتبر في الحمل الاتحاد بين الموضوع والمحمول من وجه ، والتغاير من وجه آخر. فلا يصح الحمل مع الاتحاد من جميع الجهات ، ولا مع التغاير كذلك ؛ إذ على الأول يلزم حمل الشيء على نفسه ، وعلى الثاني يلزم حمل المباين على المباين ، فلا بد في الحمل من الاتحاد من وجه والتغاير من وجه آخر ، سواء كان الحمل أوليا ذاتيا ، أو شائعا صناعيا. غاية الأمر : إن كان الاتحاد بين الموضوع والمحمول من حيث المفهوم يسمى الحمل بالأولى الذاتي ، وإن كان الاتحاد في الوجود والتغاير في المفهوم يسمى الحمل بالشائع الصناعي. هذا ملخص الكلام في ملاك الحمل.

(٢) أي : كما هو الحال في المشتقات والذوات كقولنا : «الإنسان عالم» مثلا حيث يكون ملاك الحمل هو التغاير من حيث المفهوم والاتحاد من حيث الوجود والمصداق.

(٣) أي : لا يعتبر مع ثبوت ملاك الحمل وهو التغاير من جهة والاتحاد من جهة أخرى «ملاحظة التركيب بين المتغايرين» ؛ بأن يجعل كل واحد من الموضوع والمحمول جزء مركب ، ثم اعتبار كون مجموعهما بما هو كذلك واحدا اعتباريا بل ملاحظة التركيب بين المتغايرين مخلّ بالحمل ، لأن لحاظ التركيب الذي ادعاه صاحب الفصول مستلزم للجزئية ؛ إذ حينئذ كل من الموضوع والمحمول جزء للمركب ، والمجموع كل. ومن البديهي : عدم صحة حمل أحد جزئي المركب على الآخر.

(٤) أي : كون التركيب مخلّا بالحمل كما عرفت.

(٥) أي : لاستلزام التركيب المغايرة بين أجزاء المركب والمجموع «بالجزئية والكلية» ؛ بمعنى : أن كل واحد جزء ، والمجموع كلّ.

٢٥١

بنحو الاتحاد (١) بين الموضوع والمحمول مع وضوح عدم لحاظ ذلك (٢) في التحديدات وسائر القضايا في طرف الموضوعات ، بل لا يلحظ في طرفها إلّا بنفس معانيها ، كما هو الحال في طرف المحمولات (٣) ، ولا يكون حملها (٤) عليها إلّا بملاحظة ما هما عليه من نحو من الاتحاد ؛ مع ما هما عليه من المغايرة ولو بنحو من الاعتبار.

فانقدح بذلك (٥) : فساد ما جعله في الفصول (*) تحقيقا للمقام ، وفي كلامه موارد للنظر تظهر بالتأمل وإمعان النظر.

______________________________________________________

(١) أي : بين الموضوع والمحمول سواء كان الاتحاد من حيث المفهوم أو من حيث الوجود.

(٢) أي : التركيب لم يلاحظ في التحديدات أي : المعرفات «وساير القضايا» المستعملة ، فإن التركيب غير ملحوظ في طرف الموضوعات الواقعة في التحديدات وغيرها ، «بل لا يلحظ في طرفها إلّا نفس معانيها» الحاصلة قبل التركيب ، مثلا : أن الإنسان بما له من المعنى موضوع في قولنا : الإنسان حيوان ناطق.

(٣) أي : ، لأن المحمول هو اللفظ المفرد بما له من المعنى.

(٤) أي : لا يكون حمل المحمولات على الموضوعات إلّا بملاحظة ما يعتبر في الحمل من الاتحاد الوجودي أو المفهومي.

(٥) أي : ظهر بما ذكرناه من كون مناط الحمل هو الاتحاد بين الموضوع والمحمول من وجه ، ومغايرتهما من وجه آخر ، وعدم إناطة الحمل بلحاظ التركيب والوحدة : «فساد ما جعله في الفصول تحقيقا للمقام».

والغرض من عقد هذا الأمر هو : دفع اشتباه الفصول فيما أفاده في ملاك الحمل.

وبيان ما يعتبر في صحة الحمل من المصنف يكون تمهيدا للمناقشة في كلام صاحب الفصول. فلا بد من ذكر ما في الفصول كي يتضح ما فيه من موارد للنظر.

قال في الفصول ما هذا حاصله : إنّ لصحة الحمل شروط ثلاثة :

الأول : ملاحظة المتغايرين كالنفس والبدن في الإنسان شيئا واحدا ؛ بأن يعتبر الإنسان المركب منهما شيئا واحدا اعتبارا مع تغاير النفس والبدن حقيقة ، فيقال : إن الإنسان وضع لمجموع النفس والبدن المتغايرين حقيقة ، المتحدين اعتبارا.

الثاني : ملاحظة الأجزاء وأخذها على نحو لا بشرط ، كي يصح حملها على المركب ؛ كلحاظ البدن والنفس في الإنسان باعتبار كونهما مفادي الجسم والناطق ، إذ لحاظهما بما

__________________

(*) الفصول الغروية ، ص ٦٢ ، س ٤.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أنهما مفاد البدن والنفس يوجب كونهما بشرط لا ، ومن المعلوم : أنهما بهذا اللحاظ لا يقبلان الحمل ، لانتفاء الاتحاد بينهما. هذا بخلاف ما إذا أخذا اللابشرط كما هو مفاد الجسم والناطق ، فصح حمل أحدهما على الآخر ، وحملهما على الإنسان ، لتحقق الاتحاد المصحح للحمل.

الثالث : الحمل بالنسبة إلى المجموع ، بأن يكون المحمول كالناطق والجسم محمولا على مجموع جزئي الإنسان ، فقد تحقق مما ذكر : أن حمل أحد المتغايرين على الآخر لا يصح إلّا بشروط ثلاثة :

١ ـ أخذ المجموع من حيث المجموع. ٢ ـ أخذ الأجزاء لا بشرط. ٣ ـ اعتبار الحمل بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع. هذا ملخص ما في الفصول.

أما المصنف فقد أشار إلى ما جاء في الفصول ؛ من لزوم ملاحظة التركيب بين المتغايرين بملاحظتهما شيئا واحدا ، وحمل أحدهما على الآخر بقوله : «ولا يعتبر معه ملاحظة التركيب».

ثم أورد عليه بوجهين :

أحدهما : أنه يكفي في صحة الحمل مجرد الاتحاد بين الموضوع والمحمول من وجه ، والتغاير من وجه آخر.

وثانيهما : إن ما ذكره من ملاحظة التركيب بين المتغايرين ، وملاحظة المجموع أمرا واحدا ليس من شروط صحة الحمل ، بل مخلّ به ؛ لأنه يوجب المغايرة بين الموضوع والمحمول في الكلية والجزئية. ومن البديهي : أن الكل والجزء أمران متغايران بالتباين ، فلا يصح حمل أحدهما على الآخر ، ولا حمل أحدهما على المجموع والكل ؛ لأنه من حمل المباين على المباين ، فلحاظ التركيب مخل بالحمل قطعا. هذا مضافا إلى ما أشار إليه بقوله : «وفي كلامه موارد للنظر» أي : في كلام الفصول موارد للنظر. وإليك بعض تلك الموارد :

الأول : هو صحة الحمل في المتغايرين وجودا بمجرد لحاظ التركيب والوحدة اعتبارا ، مع إنه قد ثبت اعتبار الاتحاد الوجودي في صحة الحمل ، فلحاظ التركيب والوحدة لا يوجب انقلابهما عما هو عليه من التغاير الوجودي ، ومع التغاير الوجودي لا يصح الحمل ؛ لانتفاء ما يعتبر فيه من الاتحاد.

الثاني : جعل الناطق والحساس من المتغايرين حقيقة ، المتحدين اعتبارا ، مع إنّهما من

٢٥٣

الرابع (١):

لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه مفهوما ، وإن اتحدا عينا

______________________________________________________

المتغايرين مفهوما ، والمتحدين خارجا ؛ لما في علم الميزان من اتحاد الجنس مع الفصل خارجا.

الثالث : أن الحمل يقتضي التغاير الحقيقي ، مع إن التغاير كذلك مانع من صحة الحمل.

خلاصة البحث

إن ملاك صحة الحمل هو الاتحاد بين الموضوع والمحمول من جهة ، والتغاير من جهة أخرى. ومن هنا يظهر : عدم اعتبار ملاحظة التركيب بين المتغايرين في صحة حمل أحدهما على الآخر كما في الفصول ؛ حيث جعل ملاحظة التركيب من شروط صحة الحمل. نعم ؛ قد أشار المصنف إلى ما جاء في الفصول من لزوم ملاحظة التركيب بين المتغايرين بملاحظتهما شيئا واحدا ، ثم حمل أحدهما على الآخر.

ثم أورد المصنف عليه ؛ أولا : بأن ملاحظة التركيب مخلّ بالحمل ؛ لاستلزامها المغايرة بين الموضوع والمحمول ، فينتفي الاتحاد المصحح للحمل.

وثانيا : بأنه من الواضح أن لا يلاحظ في الموضوع والمحمول إلّا ذاتهما ومعناهما ؛ بلا لحاظ شيء آخر أصلا. هذا في جميع القضايا وموارد الحمل.

(١) الغرض من عقد هذا الأمر أولا : بيان كيفية حمل ما يجري من الصفات عليه «سبحانه وتعالى» ، ودفع الإشكال عن حمل الصفات على ذاته المقدسة ؛ لأن الحمل لا بد فيه من تغاير الموضوع والمحمول ، والمفروض : أن صفاته «جل اسمه» ، عين ذاته فلا تغاير بينهما.

وثانيا : دفع ما وقع من الاشتباه عن صاحب الفصول ؛ حيث التزم بالنقل أو التجوّز في ألفاظ الصفات الجارية عليه «سبحانه وتعالى».

وأما الإشكال على حمل الصفات عليه تعالى ، مع الجواب عنه فيتوقف على مقدمة وهي : أن المبدأ قد يكون مغايرا للذات كما في قولنا : «زيد ضارب» مثلا ، وأخرى : يكون عين الذات كما في صفاته تعالى فيقال : «الله عالم» ، والمفروض : أن علمه تعالى عين ذاته.

وقد عرفت ما هو الملاك في صحة الحمل ؛ وهو الاتحاد بين الموضوع والمحمول من جهة ، والتغاير من جهة أخرى.

٢٥٤

وخارجا ، فصدق الصفات مثل : العالم ، والقادر ، والرحيم ، والكريم ، إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال عليه تعالى ؛ على ما ذهب إليه أهل الحق من عينية صفاته ، يكون على الحقيقة ، فإن المبدأ فيها وإن كان عين ذاته تعالى خارجا ، إلّا إنه غير ذاته تعالى مفهوما.

ومنه (١) قد انقدح ما في الفصول ، من الالتزام بالنقل أو التجوز في ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى ، بناء على الحق من العينية ؛ لعدم المغايرة المعتبرة بالاتفاق ؛ وذلك لما عرفت : من كفاية المغايرة مفهوما ، ولا اتفاق على اعتبار غيرها ، إن لم نقل بحصول الاتفاق على عدم اعتباره كما لا يخفى ، وقد عرفت : ثبوت المغايرة كذلك بين الذات ومبادئ الصفات.

______________________________________________________

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه قد يستشكل في صحة حمل صفاته تعالى على ذاته المقدسة ؛ وذلك لانتفاء التغاير بينهما ، لأن صفاته تعالى هي عين الذات خارجا ، ومن هنا التزم صاحب الفصول «قدس‌سره» بالنقل في صفاته تعالى عن معانيها اللغوية أو التجوز.

وقد أجاب المصنف عن هذا الإشكال بما حاصله : من أن مناط صحة الحمل هو التغاير من جهة ، والاتحاد من جهة أخرى ، ومغايرة الموضوع والمحمول مفهوما أمر واضح ، وعليه : فلا يرد الإشكال في حمل صفاته الذاتية عليه تعالى ، ولا يلزم من إطلاقها عليه تعالى تجوّز ولا نقل أصلا ؛ لأن هذه الصفات وإن كانت عين ذاته تعالى ؛ لكنها مغايرة لها مفهوما ، والمغايرة المفهومية كافية في صحة الحمل.

(١) أي : ومما ذكرنا من كفاية المغايرة المفهومية بين المبدأ والذات ظهر : فساد ما في الفصول (١) ؛ من الالتزام بالنقل في ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى ؛ بأن يقال : إن هيئة العالم والقادر ونحوها من المشتقات في غير الله تعالى حقيقة في الذات المغايرة مع المبدأ ، وفي الله تعالى نقل منها إلى الذات المتحدة مع المبدأ ، أو الالتزام بالتجوز بأن يكون إطلاق العالم على الذات المتحدة مع المبدأ على نحو المجاز. فالعالم الذي يحمل على الله غير العالم المحمول علينا.

وكيف كان ؛ فإن صاحب الفصول بعد ما اشترط قيام مبدأ الاشتقاق بالموصوف في صدق المشتق قال : «وخالف في ذلك جماعة فلم يعتبروا قيام المبدأ في صدق المشتق ... إلى أن قال : وانتصر لهم بعض أفاضل المتأخرين ؛ بصدق العالم والقادر ونحوهما عليه

__________________

(١) الفصول الغروية ، ص ٦٢ ، س ٢٨.

٢٥٥

الخامس (١):

أنه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبار المغايرة ـ كما عرفت ـ بين المبدأ وما

______________________________________________________

تعالى مع عينية صفاته تعالى كما هو الحق». ثم أجاب عن هذا الانتصار بقوله : «الظاهر إطباق الفريقين على أن المبدأ لا بد أن يكون مغايرا لذي المبدأ وإنما اختلفوا في وجوب قيامه به وعدمه ، فالوجه : التزام وقوع النقل في تلك الألفاظ بالنسبة إليه تعالى».

وأما وجه فساد قول الفصول ؛ بالنقل في صفات البارئ تعالى فهو ما تقدم ؛ من كفاية المغايرة المفهومية في صحة الحمل ، ومفهوم العلم والقدرة غير مفهوم واجب الوجود. فلا حاجة إلى الالتزام بالنقل أو التجوّز.

تنبيه : قد ثبت في العلوم العقلية : بأن صفاته تعالى عين ذاته «جل وعلا» ؛ إذ لو لم تكن صفاته عين ذاته لكانت عارضة لها ، فحينئذ لزم خلوه تعالى في مرتبة ذاته عن العلم والقدرة ، ولازم ذلك : نسبة الجهل والعجز إليه تعالى ، وهو منزه عن ذلك ، وهذا البرهان لا يقتضى إلّا العينية ؛ المانعة عن محذور لزوم خلوه تعالى في مرتبة ذاته عن الحياة والعلم والقدرة ، ولا يقتضي ذلك تفاوتا في أوضاع الألفاظ ومعانيها ؛ لعدم ارتباطه بها ، فبرهان العينية لا يوجب تغيّرا في وضع الألفاظ ومعانيها ؛ كي يقال بالنقل أو التجوّز.

خلاصة البحث

في حمل صفات البارى تعالى كالعالم والقادر ونحوهما على ذاته المقدسة : فقد يستشكل في صحته بأن الحمل لا بد فيه من تغاير الموضوع والمحمول ، والمفروض : أن صفاته تعالى عين ذاته فلا تغاير بينهما ، ومن هنا التزم صاحب الفصول بالنقل أو التجوّز.

وقد أجاب المصنف عن هذا الإشكال بكفاية المغايرة المفهومية بين الموضوع والمحمول في صحة الحمل ، وهي ثابتة في حمل الصفات على ذاته تعالى ؛ لأن مفهوم العالم مغاير لمفهوم واجب الوجود ، وعليه : فيصح حمل صفاته تعالى على ذاته ويقال : «الله عالم ـ وقادر ـ ومريد» فلا يلزم من إطلاقها عليه تعالى تجوّز ، ولا نقل أصلا.

ومن هنا ظهر فساد ما في الفصول من التزامه بالنقل أو التجوّز ، وذلك لانتفاء المغايرة المعتبرة في صحة الحمل ، فلا بد في صحة الحمل من النقل بأن يقال : إن هيئة المشتق كالعالم والقادر مثلا في غير الله تعالى حقيقة في الذات المغايرة مع المبدأ ، وفي الله تعالى نقل منها إلى الذات المتحدة مع المبدأ ، أو استعمل مجازا.

(١) الغرض من عقد هذا الأمر : دفع توهم عدم اعتبار قيام المبدأ بالذات في صدق

٢٥٦

يجري عليه المشتق ؛ في اعتبار قيام المبدأ به ، في صدقه على نحو الحقيقة ، وقد استدل من قال بعدم الاعتبار بصدق الضارب والمؤلم مع قيام الضرب والألم بالمضروب والمؤلم ـ بالفتح ـ.

______________________________________________________

المشتق عليها على نحو الحقيقة ، وإثبات ما هو الحق عند المصنف «قدس‌سره» : من اعتبار قيام المبدأ بالذات حقيقة في صدق المشتق عليها على نحو الحقيقة.

واعلم : أن الأقوال في المسألة أربعة :

الأول : ما ذهب إليه الأشعري من اعتبار القيام بمعنى : الحلول ، ولهذا السبب قالوا : إن صفات الله تعالى زائدة عليه ، ونقل عنهم في محكي المواقف ما لفظه : «لا شك أن علة كون الشيء عالما هي العلم ، وحد العالم من قام به العلم ، وشرط صدق المشتق على واحد منا ثبوت أصله له ، فكذا شرطه فيمن غاب وهكذا سائر الصفات». وبهذا الدليل نفسه أثبتوا الكلام النفسي وقالوا : إن المراد بالكلام في المشتق ـ أعني : إطلاق المتكلم عليه تعالى ـ هو معنى قديم قائم بالذات ؛ لأن الكلام بالمعنى المعروف من قبيل الحوادث ، ويلزم من قيامه بالذات القديمة كونها محلا للحوادث وهو غير جائز.

الثاني : ما ذهب إليه المعتزلي من عدم اعتبار القيام الحلولي ، ولهذا ذهبوا إلى نفي الصفات الزائدة عن الله تعالى.

وما يمكن الاستدلال به له وجوه ؛ منها : إطلاق الضارب والمؤلم ـ بالكسر ـ على الفاعل ؛ مع قيام الضرب والإيلام بالمفعول ، وهو المضروب والمؤلم ـ بالفتح ـ وإطلاق الخالق والمتكلم على الله تعالى ؛ مع قيام مبدئهما بغيره من المخلوق والجسم ؛ لأن التكلم من الله تعالى هو : إيجاد الأصوات في الأجسام.

ومنها : إطلاق الصفات الذاتية الجارية على الله تعالى ؛ مع كون مباديها عين الذات فكيف يتصور القيام؟

ومنها : إطلاق اللابن والتامر وغيرهما مما كان المبدأ فيه ذاتا.

الثالث : ما يستفاد من ظاهر «الفصول» ؛ من اعتبار القيام بالمعنى الأعم من الحلول والصدور ؛ فيما لم يكن المبدأ ذاتا ، وعدم اعتباره فيه ؛ ولذا التزم بصدق القيام في الأمثلة الأربعة المتقدمة في الوجه الأول وهي : الضارب والمؤلم والخالق والمتكلم. والتزم في الصفات الذاتية بالنقل أو التجوّز ، وصرح بعدم اعتبار القيام في اللابن وأمثاله.

الرابع : ما اختاره المصنف من اعتبار القيام بمعنى : التلبس ، ولكن التلبس كما يختلف باختلاف هيئات المشتق ؛ من اسم الفاعل واسم المفعول على أقسامه ، كذلك يختلف باختلاف المراد ؛ فتارة : يكون التلبس حلوليا ، كما في مثل «الأبيض» ، وقد يكون

٢٥٧

والتحقيق : إنه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولي الألباب في : أنه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها (١) ، من التلبس بالمبدإ بنحو خاص على اختلاف أنحائه (٢) ؛ الناشئة من اختلاف المواد تارة ، واختلاف الهيئات (٣) أخرى ، من

______________________________________________________

صدوريا ، كما في «الضارب» و «المؤلم» و «الخالق» و «المتكلم» بالنسبة إلى الله تعالى ، بل هو في الممكن ـ أيضا ـ بهذا الاعتبار ؛ لا باعتبار كونه محلا له ، وقد يكون انتزاعيا ؛ بمعنى : أن الذات تكون منشأ لانتزاع المبدأ منها مفهوما مع كونه عينها وجودا ، وقد يكون انتزاعيا صرفا بحيث لا تحقق له وجودا ؛ بمعنى : أن الخارج ظرف لنفسه لا لوجوده كما في الأوصاف الاعتبارية.

وأما مثل : «التامر» : فالتحقيق فيه أيضا تحقق التلبس ؛ لأن الذات بما هي ذات غير قابلة للاشتقاق ؛ فلا بد من إرادة المعنى الحدثي من المبدأ ليصح الاشتقاق ؛ مثل : أن يراد من التمر بيعه ، فعليه : يكون من قبيل القيام الصدوري ؛ كما في حاشية المشكيني. ثم قال : «هذا القول» أي : القول الرابع وهو مختار المصنف «هو الأقوى ؛ لأن المتبادر من المشتق عرفا هو المتلبس ، ولا إشكال في تحققه في جميع الموارد».

(١) أي : جري المشتق على الذات.

وحاصل التحقيق : أنه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها «من التلبس بالمبدإ» ، وقيامه بها ، غاية الأمر : أن التلبس يختلف ؛ فقد يكون بنحو الصدور كما في «الضارب» ، وقد يكون بنحو الوقوع فيه كما في «المقتل» ، وقد يكون بنحو الحلول كالمرض والجوع مثلا ، وقد يكون بنحو الوقوع نحو الممات مثلا.

وقد يكون بنحو انتزاع المبدأ عنه مفهوما واتحاده معه خارجا ؛ كما في العالم والقادر ونحوهما مما يجري عليه تعالى ، وقد يكون بنحو انتزاع المبدأ مع عدم تحقق إلّا لمنشا الانتزاع ، كما في الزوج والملك والرق ؛ ونحوها من العناوين التي كانت مباديها من الإضافات والاعتبارات التي لا تحقق لها في الخارج إلّا لمنشا انتزاعها ، ويكون من خارج المحمول في قبال المحمول بالضميمة ؛ وهي المبادئ المتأصلة التي لها وجود في الخارج حقيقة ولو في ضمن المعروض ؛ كالسواد والبياض والشجاعة والكرم ونحو ذلك.

(٢) أي : أنحاء التلبس وقد عرفت أقسامه.

(٣) أي : كاسمي الفاعل والمفعول وغيرها من المشتقات ، والاختلاف بين اسمي الفاعل والمفعول من حيث الهيئة واضح ؛ لأن مفاد الأول هو : صدور المبدأ من الذات ، ومفاد الثاني هو : وقوعه عليها.

٢٥٨

القيام صدورا ، أو حلولا أو وقوعا عليه أو فيه ، أو انتزاعه عنه مفهوما مع اتحاده معه خارجا ، كما في صفاته تعالى ، على ما أشرنا إليه آنفا ، أو مع عدم تحقق إلّا للمنتزع عنه ؛ كما في الإضافات والاعتبارات التي لا تحقق لها ، ولا يكون بحذائها في الخارج شيء ، وتكون من الخارج المحمول لا المحمول بالضميمة (١).

ففي صفاته الجارية عليه تعالى يكون المبدأ مغايرا له مفهوما ، وقائما به عينا ، لكنه (٢) بنحو من القيام ؛ لا بأن يكون هناك اثنينية (٣) وكان بحذائه (٤) غير الذات ، بل (٥) بنحو الاتحاد والعينية وكان ما بحذائه عين الذات ، وعدم اطلاع (٦) العرف على

______________________________________________________

(١) أي : قد حكى بعض من تلاميذ المصنف : أنه قال في درسه الشريف : «إن المراد بالخارج المحمول هو العارض الاعتباري كالزوجية ونحوها ، وبالمحمول بالضميمة : العارض المتأصل كالسواد والبياض ، ووجه تسمية الأول بالخارج المحمول هو : كونه خارجا عن الشيء ومحمولا عليه ، والثاني بالمحمول بالضميمة لكونه محمولا بضم ضميمة على شيء ؛ كحمل السواد على غيره فإنه لا يحمل عليه إلّا بضم ضميمة فيقال : الجسم ذو سواد».

(٢) أي : لكن القيام الذي يكون بنحو العينية نحو خاص من القيام ، وليس كسائر موارد قيام المبدأ بالذات ؛ مما يكون بينهما اثنينية كما ربما يكون المتبادر من قيام شيء بشيء التعدد والاثنينية.

(٣) أي : لا القيام المشهوري بأن يكون هناك اثنينية.

(٤) أي : ما بحذاء المبدأ ، وغرضه : بيان لازم الاثنينية وهو : كون ما بإزاء المبدأ غير الذات كصفات المخلوق ؛ فإن العلم فيهم هو الصورة الحاصلة مثلا ، وهي غير الذات القائمة بها تلك الصورة. كما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ٣٤٦».

(٥) قوله : «بل بنحو الاتحاد» تفسير لقوله : «بنحو من القيام» ؛ يعني : هذا القيام يكون بنحو الاتحاد والعينية بحيث يكون ما بحذاء المبدأ كالعلم والقدرة عين الذات.

(٦) قوله : «وعدم اطلاع العرف هذا التلبس» أي : التلبس بنحو العينية دفع للإشكال.

وحاصله : أن العرف لا يتفطنون لمثل هذا التلبس ؛ لأنه من الدقائق أي : كونه متلبسا بالعلم والقدرة بمعنى : أن ذاته تعالى منشأ أوصافه المغايرة معها مفهوما ، وعينيتها معها حقيقة ليكون العالم والقادر ونحوهما صادقة عليه تعالى حقيقة بلا تجوّز أصلا.

وحاصل الدفع : أن عدم اطلاعهم على مثل هذا التلبس لكونه من الأمور الخفية مما لا يضر بصدق الصفات عليه تعالى حقيقة ، لأن العرف إنما يكون مرجعا في تعيين

٢٥٩

مثل هذا التلبس من الأمور الخفية لا يضر بصدقها عليه تعالى على نحو الحقيقة ؛ إذا كان لها مفهوم صادق عليه تعالى حقيقة ، ولو بتأمل وتعمّل من العقل ، والعرف إنما يكون مرجعا في تعيين المفاهيم ، لا في تطبيقها على مصاديقها.

وبالجملة : يكون مثل العالم والعادل وغيرهما ـ من الصفات الجارية عليه تعالى وعلى غيره ـ جارية عليهما بمفهوم واحد ومعنى فارد ؛ وإن اختلفا فيما يعتبر في الجري من الاتحاد وكيفية التلبس بالمبدإ ، حيث إنه (١) بنحو العينية فيه تعالى ، وبنحو الحلول أو الصدور في غيره ، فلا وجه لما التزم به في الفصول ؛ من نقل الصفات الجارية عليه تعالى عما (٢) هي عليها من المعنى كما لا يخفى.

______________________________________________________

المفاهيم ، مثل : أن مفهوم المشتق ذات متلبس بالمبدإ لا في تطبيقها على المصاديق ، فإن التطبيق أمره بأيدينا ، فإذا رأينا أن العالم بمعناه العرفي ينطبق عليه تعالى لتلبسه بالعلم ـ ولو بنحو الانتزاع والعينية ـ كان صدقه عليه تعالى على نحو الحقيقة ؛ وإن لم يطلع العرف على هذا النحو من التلبس.

وبالجملة : لا فرق في الصفات الجارية عليه تعالى وعلى غيره من حيث المفهوم ، فإن العالم مثلا بما له من المفهوم يجري عليه «سبحانه وتعالى» وعلى غيره بوزان واحد ؛ «وان اختلفا فيما يعتبر في الجري من الاتحاد» فيه تعالى ، والتعدد والاثنينية في غيره ، وفي «كيفية التلبس بالمبدإ حيث إنه بنحو العينية فيه تعالى وبنحو الحلول أو الصدور في غيره».

قوله : «فلا وجه لما التزم به ...» إلخ متفرع على ما ذكره من كون صفاته تعالى كصفاتنا من غير تفاوت بينهما إلّا في كيفية التلبس والاتحاد ، فالعالم مثلا ـ بما له من المعنى ـ يحمل على الواجب والممكن ؛ من دون حاجة إلى تصرف فيه بنقل أو تجوّز إذا أطلق عليه تعالى ، كما توهمه صاحب الفصول.

(١) أي : التلبس بنحو العينية في الله تعالى ، وبنحو الحلول أو الصدور في غيره.

(٢) أي : عن المعنى الذي تكون الصفات عليه. قوله : «من المعنى» بيان لما في «عما». والأولى أن يقال : «من المعاني» ليوافق ضمير عليها ، أو يقال بتذكير الضمير في «عليها» أعني : عليه ؛ حتى تكون العبارة هكذا : عما هي عليه من المعنى.

وكيف كان ؛ فالتزم صاحب الفصول بالنقل أو التجوّز في الصفات الجارية عليه تعالى ، وغرضه من النقل هو : النقل في هيئات المشتقات ؛ وهي : الصفات الجارية عليه تعالى فهيئة العالم في غيره تعالى حقيقة في الذات المغايرة مع المبدأ ، وفيه «جل وعلا» قد نقلت إلى الذات المتحدة مع المبدأ.

٢٦٠