دروس في الكفاية - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦

صنما أو وثنا لمنصب الإمامة والخلافة ، تعريضا بمن تصدى لها ممن عبد الصنم مدة مديدة ، ومن الواضح : توقف ذلك (١) على كون المشتق موضوعا للأعم ، وإلا (٢) لما صح التعريض ؛ لانقضاء تلبسهم بالظلم ، وعبادتهم للصنم حين التصدي للخلافة.

والجواب : منع التوقف على ذلك (٣) ، بل يتم الاستدلال ولو كان موضوعا

______________________________________________________

الاستدلال به : إن المشتق لو كان موضوعا لخصوص المتلبس لم يتم استدلال الإمام ـ عليه‌السلام ـ بالآية المباركة على عدم لياقة الخلفاء الثلاثة للخلافة الإلهية ، لأنهم في زمن دعواهم لمنصب الخلافة كانوا متشرفين بقبول الإسلام ، وغير متلبسين بالظلم وعبادة الوثن ظاهرا ، وإنما كان تلبسهم به قبل التشرف بالإسلام وفي زمن الجاهلية. فالاستدلال بالآية لا يتم إلّا على القول بالوضع للأعم ليصدق عليهم عنوان الظالم فعلا فيندرجوا تحت الآية.

(١) أي : توقف الاستدلال على كون المشتق موضوعا للأعم من المنقضي والمتلبس حتى يشمل الخلفاء.

(٢) أي : وإن لم يكن المشتق موضوعا للأعم لما صح التعريض بمن تصدى الخلافة ، لأن إطلاق الظالم عليه حينئذ يكون مجازا ، فلا يلزم به الخصم إذ صح له أن يقول : إن الآية لا تشمل من تصدى للخلافة بعد الانقضاء ؛ لأن ملاك عدم لياقة الخلافة صدق الظالم حقيقة حين التصدي إما بتلبسهم بالظلم ، وإما بوضع المشتق للأعم. والأول : منتف عند الخصم لاعتقاده بانقضاء عبادته الصنم حين التصدي ، فتعيّن الثاني. ثم إلزام الخصم يتوقف على أن يكون للآية ظهور عرفي في إطلاق المشتق على المنقضي عنه المبدأ ؛ لئلا يكون له مجال للردّ ، واعترافه بذلك موقوف على وضع المشتق للأعم.

(٣) أي : على وضع المشتق للأعم. وقد أجاب المصنف عن الاستدلال بالآية : بمنع توقف الاستدلال بها على القول بوضع المشتق للأعم ، بل يتم الاستدلال بها ولو على القول بوضعه لخصوص المتلبس بالمبدإ.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : إن الوصف العنواني الذي يؤخذ موضوعا للحكم في لسان الدليل على أقسام ثلاثة :

الأول : أن يكون لمحض الإشارة إلى ما هو الموضوع ـ وهو المعنون ـ من دون دخل للعنوان في الحكم أصلا نحو : «أكرم هذا الجالس» مشيرا إلى الشخص الخاص الذي يستحق الإكرام لا لأجل كونه جالسا ومعنونا بعنوان الجلوس ، بل أخذ هذا العنوان معرفا لما هو الموضوع في الواقع بلا دخل له في الحكم أصلا هذا ما أشار إليه بقوله : «أن يكون أخذ العنوان لمجرد الإشارة ...» إلخ.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : أن يكون العنوان لأجل الإشارة إلى علية العنوان للحكم حدوثا لا بقاء ؛ بحيث إذا صدق عليه العنوان ولو آناً ما ثبت الحكم ولو بعد زوال العنوان ، فالعنوان وإن كان دخيلا في حدوث الحكم إلّا إنه لا دخل له في بقائه ؛ بل يبقى الحكم مع انتفاء العنوان ، ويعبّر عنه بأنّ العلة المحدثة هي العلة المبقية ؛ بمعنى : أن الحكم في بقائه لا يحتاج الى بقاء العنوان ـ كما في آيتي السرقة والزنا وهما آيتا حد السارق والسارقة وحد الزانية والزاني ؛ الأولى : قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(*). والثانية : قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ)(**) ـ حيث يكفي فيهما صدق العنوان لثبوت القطع والجلدة ولو بعد زوال العنوان لأن وجوب القطع والجلدة يحدثان عند التلبس بهذين المبدأين ولكنهما لا يدوران مدار بقاء العنوان أصلا ، ولا دخل لهذا بوضع المشتق للأعم أو الأخص. هذا ما أشار إليه بقوله : «أن يكون لأجل الإشارة إلى علية المبدأ للحكم ...» إلخ.

الثالث : ما أشار إليه بقوله : «أن يكون لذلك» أي : لأجل الإشارة إلى علية المبدأ للحكم. وحاصله : إن أخذ المشتق عنوانا للموضوع لأجل الإشارة إلى علية المبدأ للحكم حدوثا وبقاء ؛ بحيث يدور الحكم مدار صدق العنوان نظير العالم والعادل في دوران الحكم بجواز التقليد والاقتداء أو غيرهما مدار وجود العلم والعدالة ، وعدم كفاية وجودهما ـ آناً ما ـ في بقاء الحكم ، بخلاف الوجه السابق فإن مجرد وجود المبدأ كان كافيا في بقاء الحكم واستمراره.

إذا عرفت هذه المقدمة ؛ فاعلم : أن المشتق ـ أعني : الظالم في الآية المباركة ـ مأخوذ بأحد الأنحاء الثلاثة فإن قلنا : إنه من القسم الثالث ؛ بحيث يكون الحكم في الآية المباركة يدور مدار صدق العنوان حدوثا وبقاء فاستدلال الإمام «عليه‌السلام» بالآية يتوقف على الوضع للأعم ، فيتم الاستدلال على الأعم إذ يبتني الاستدلال بها على كون الظالم فيها حقيقة في الأعم ، لأنه لو لم يكن حقيقة في الأعم لم يكن هذا العنوان باقيا للثلاثة المعهودة حين تصديهم لمنصب الخلافة.

وأما إذا كان العنوان من قبيل القسم الثاني ؛ بحيث كان يكفي في عدم لياقة الخلافة صدق العنوان حدوثا ولو آناً ما لثبوت الحكم وهو عدم نيل عهد الإمامة إلى الأبد ، فلا

__________________

(*) المائدة : ٣٨.

(**) النور : ٣.

٢٢٢

لخصوص المتلبس ، وتوضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة ، وهي : أن الأوصاف العنوانية التي تؤخذ في موضوعات الأحكام ، تكون على أقسام :

أحدها : أن يكون أخذ العنوان لمجرد الإشارة إلى ما هو في الحقيقة موضوعا للحكم ، لمعهوديته بهذا العنوان ؛ من دون دخل لاتصافه به في الحكم أصلا.

ثانيها : أن يكون لأجل الإشارة إلى علية المبدأ للحكم ؛ مع كفاية مجرد صحة جري المشتق عليه ، ولو فيما مضى.

ثالثها : أن يكون لذلك مع عدم الكفاية ، بل كان الحكم دائرا مدار صحة الجري عليه ، واتصافه به حدوثا وبقاء.

إذا عرفت هذا فنقول : إن الاستدلال بهذا الوجه إنما يتم لو كان أخذ العنوان في الآية الشريفة على النحو الأخير ؛ ضرورة : أنه لو لم يكن المشتق للأعم ، لما تم بعد عدم التلبس بالمبدإ ظاهرا حين التصدي فلا بد أن يكون للأعم ، ليكون حين التصدي حقيقة من الظالمين ؛ ولو انقضى عنهم التلبس بالظلم.

وأما إذا كان على النحو الثاني ، فلا (١) كما لا يخفى ، ولا قرينة على إنه (٢) على

______________________________________________________

يتوقف استدلال الإمام بالآية حينئذ على كون المشتق حقيقة في الأعم ، بل يصح الاستدلال بها على عدم نيل العهد والإمامة ولو بعد انقضاء الظلم وزوال العنوان ، لأن الظلم علة له حدوثا وبقاء ، ومع هذا الاحتمال يسقط الاستدلال بالآية الشريفة على كون المشتق موضوعا للأعم ، إذ لا دليل عقلا ولا نقلا على كون عنوان الظلم في الآية المباركة من قبيل القسم الثالث ، بل جلالة منصب الإمامة تكون قرينة مقامية ، بل قرينة عقلية على كون العنوان من قبيل القسم الثاني ، بمعنى : أن مجرد صدق عنوان الظالم ولو في مدة قليلة يكفي لعدم نيل منصب الإمامة. فالمناسب لمنصب الإمامة أن لا يكون المتقمص بها متلبسا بالظلم أصلا ولو آناً ما.

(١) أي : فلا يتم الاستدلال بالآية الكريمة على وضع المشتق للأعم ، وذلك لعدم توقف استدلال الإمام «عليه‌السلام» بها على عدم لياقة هؤلاء للخلافة على وضعه للأعم ؛ إذ المفروض : كون المبدأ وهو الظلم ـ بمجرد حدوثه آناً ما ـ علة لعدم لياقتهم لهذا المنصب الشامخ إلى الأبد ، ومن المعلوم : تسليم الخصم تلبسهم بالظلم قبل الإسلام. والحاصل : على ما في «منتهى الدراية» أن الاستدلال بالآية المباركة على عدم صلاحيتهم للخلافة لا يتوقف على وضع المشتق للأعم ، بل يتم ذلك ولو على القول بوضعه لخصوص المتلبس بالمبدإ.

(٢) أي : لا قرينة على أن العنوان على النحو الأول. المراد بالنحو الأول هو النحو

٢٢٣

النحو الأول ، لو لم نقل بنهوضها (١) على النحو الثاني (٢) ، فإن الآية الشريفة في مقام بيان جلالة قدر الإمامة والخلافة وعظم خطرها ورفعة محلها ، وإن لها خصوصية من بين المناصب الإلهية ، ومن المعلوم : أن المناسب لذلك ، هو أن لا يكون المتقمص بها متلبسا بالظلم أصلا ، كما لا يخفى.

إن قلت (٣) : نعم ؛ ولكن الظاهر : أن الإمام «عليه‌السلام» إنما استدل بما هو قضية

______________________________________________________

الثالث الذي هو الأول في الذكر بعد قوله : «إذا عرفت هذا» ، وهو الذي أشار إليه بقوله : «على النحو الأخير» وهو ثالث الأقسام التي ذكرها في المقدمة.

(١) أي : نهوض القرينة وهي مناسبة الحكم والموضوع التي هي من القرائن المعتبرة.

(٢) أي : كون المبدأ ـ آناً ما ـ علّة محدثة ومبقية. قوله : «فإن الآية الشريفة ...» إلخ بيان لنهوض القرينة على النحو الثاني وحاصله : على ما في «منتهى الدراية» : أن الآية الشريفة في مقام بيان جلالة منصب الإمامة وعظم شأنها ، وأنها من أعظم المناصب الشامخة الإلهية ؛ التي لا يليق بها كل أحد ، فلا بد أن يكون المتقمص بها منزّها في تمام عمره عن كل رذيلة فضلا عن الكفر الذي هو لصاحبه أعظم بلية ، فمن اتصف في آن من آنات عمره برذيلة لا تناله الخلافة فضلا عن الكفر ، فهذه قرينة على كون عنوان الظالمين في الآية المباركة مأخوذا على النحو الثاني ، وهو كفاية وجود المبدأ ـ آناً ما ـ في عدم اللياقة لمنصب الخلافة إلى الأبد ، فلا يتم استدلال القائلين بالأعم بالآية الشريفة.

وهذا ما أشار إليه بقوله : «أن المناسب لذلك» أي : المناسب لجلالة هذا المنصب وعظمته : أن لا يكون المتقمص به متلبسا بالظلم ولو آناً ما في عمره ؛ بل لا بد أن يكون طاهرا عن لوث المعصية في جميع آنات عمره.

(٣) قوله : «إن قلت : ...» إلخ إشكال على ما ذكره المصنف من الجواب عن الاستدلال بالآية الشريفة على وضع المشتق للأعم.

وحاصل الإشكال : إنّنا سلمنا أن الآية الكريمة هي في مقام بيان جلالة قدر الإمامة والخلافة ، وإن المناسب لها أن يكون المشتق فيها من القسم الثاني ، فتكون المناسبة المذكورة قرينة مقامية على علية المبدأ حدوثا وبقاء ، ولازم ذلك : كفاية صدق الظالم آناً ما في عدم نيل منصب الإمامة إلى الأبد.

لكن الظاهر : أن الاستدلال على عدم لياقة المتلبس ـ آناً ما ـ للإمامة ولو بعد انقضاء الظلم عنه إنما يكون بما يقتضيه الوضع لا بقرينة المجاز ؛ إذ الأصل عدم العدول عن الحقيقة إلى المجاز ، فعليه : يكون الظاهر : وضع المشتق للأعم ؛ لئلا يلزم مجازية إطلاقه على المنقضي عنه المبدأ ، ولازم ذلك : أن استدلال الإمام بها إنما يتم على القول بوضع

٢٢٤

ظاهر العنوان وضعا ، لا بقرينة المقام مجازا ، فلا بد أن يكون للأعم وإلّا لما تم.

قلت (١) : لو سلم ، لم يكن يستلزم جري المشتق على النحو الثاني كونه مجازا ، بل يكون حقيقة لو كان بلحاظ حال التلبس ـ كما عرفت ـ فيكون معنى الآية والله العالم : من كان ظالما ولو آناً ما في زمان سابق لا ينال عهدي أبدا ، ومن الواضح : أن إرادة هذا المعنى (٢) لا تستلزم الاستعمال ، لا بلحاظ حال التلبس.

ومنه (٣) قد انقدح ما في الاستدلال على التفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به

______________________________________________________

المشتق للأعم ، وإن لم يكن المشتق للأعم لما تم الاستدلال ؛ لكون خصوص المتلبس خلاف الظهور الوضعي الذي هو مبنى الاستدلال.

(١) قد أجاب المصنف عن الإشكال بوجهين :

أحدهما : منع ابتناء استدلال الإمام «عليه‌السلام» على الظهور الوضعي ؛ وذلك لكفاية الظهور العرفي المعتد به عن العقلاء ولو كان بمعونة القرينة كما في المقام ؛ لأن الآية المباركة بعد كونها مسوقة لبيان علو منصب الإمامة ظاهرة في علية الظلم ولو بعد انقضائه ؛ لعدم نيل من تلبس به للإمامة أبدا ، ويصح الاستدلال بهذا الظهور العرفي وإن كان مجازا ، فلا يتوقف الاستدلال على وضع المشتق للأعم.

ثانيهما : أنه بعد تسليم كون الاستدلال مبنيا على الظهور الوضعي ؛ كما أشار إليه بقوله : «لو سلم ...» إلخ أي : بعد التسليم نقول : إن جري المشتق على النحو الثاني ـ وهو علية المبدأ للحكم مستمرا وإن انقضى عن الذات ـ لا يستلزم مجازا أصلا ؛ لما مر غير مرة من كون جريه على نحو الحقيقة إن كان بلحاظ حال التلبس ، ومجازا إن لم يكن بلحاظه ، فلا يتوقف الاستدلال على وضع المشتق للأعم ، ولا على ارتكاب مجاز بناء على الوضع لخصوص المتلبس بالمبدإ ، فمعنى الآية على هذا الوجه هو : عدم لياقة المتلبس بالظلم ولو في آن لمنصب الإمامة إلى الأبد ؛ من دون توقفه على وضع المشتق للأعم حتى يلزم من عدم البناء عليه مجاز.

ويرد عليه : أنه خلاف ظاهر الاستدلال ؛ لكون ظاهره مبتنيا على الظهور الوضعي حتى نلتجئ إلى وضعه للأعم. كما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ٣٠١».

(٢) أي : أن إرادة علية المبدأ للحكم حدوثا وبقاء لا تستلزم الاستعمال في المنقضي عنه المبدأ ؛ حتى نلتزم بكون المشتق حقيقة في الأعم ويثبت مدعى الخصم ؛ بل يصح الاستعمال بلحاظ حال التلبس ، فلا يلزم مجاز ولا وضع للأعم.

(٣) أي : مما تقدم من ردّ الدليل الثالث ـ وهو الاستدلال بالآية على الأعم ـ بأن الجري بلحاظ حال التلبس يكون حقيقة ، فلا يلزم مجاز أصلا ؛ ظهر ما من الإشكال في

٢٢٥

باختيار عدم الاشتراط في الأول (١) ، بآية حد السارق والسارقة والزاني والزانية ، وذلك (٢) حيث ظهر إنه لا ينافي إرادة خصوص حال التلبس دلالتها على ثبوت

______________________________________________________

الاستدلال على التفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به بقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ...) و (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) على وضع المشتق للأعم إذا وقع محكوما عليه ، وللأخص إذا وقع محكوما به ، فلا بد أولا : من تقريب الاستدلال على التفصيل. وثانيا : من بيان الإشكال على الاستدلال.

أما حاصل الاستدلال على التفصيل فيقال : أنّنا من وجوب القطع أو الجلد ولو بعد انقضاء المبدأ وزوال التلبس نعرف أن كلا من «السارق والسارقة والزانية والزاني» في الآيتين الشريفتين حقيقة في الأعم ؛ إذ لو كان حقيقة في المتلبس في الحال لم يجز القطع أو الجلد بعد انقضاء المبدأ وزوال التلبس ، وحيث إن ذلك لم يكن إلّا في المشتق الواقع محكوما عليه لم يجز التعدي عنه إلى المحكوم به. هذا بخلاف ما إذا كان المشتق محكوما به نحو : «زيد مجتهد» فهو حقيقة في المتلبس.

وأما الإشكال عليه ، وبعبارة أخرى : جواب المصنف عنه أن المشتق في الآيتين الشريفتين مستعمل فيما انقضى عنه المبدأ بلحاظ حال التلبس ؛ نظير ما تقدم في آية (لا يَنالُ عَهْدِي) أي : من كان سارقا أو زانيا فيجب قطع يده أو جلده ؛ فلا ينافي إرادة حال التلبس مع ثبوت الجلد أو القطع بعد انقضاء المبدأ.

(١) في كون المشتق محكوما عليه. ولازم عدم الاشتراط هو الوضع للأعم.

(٢) بيان لقوله : «انقدح» ، والضمير في قوله : «أنّه» للشأن ، وفي «دلالتها» يرجع إلى الآية.

وحاصل الكلام في المقام على ما في «منتهى الدراية» : أنه قد ظهر مما تقدم : عدم منافاة إرادة خصوص حال التلبس من المشتق دلالة الآية الشريفة على ثبوت القطع والجلد ولو بعد الانقضاء ، بل لا بد من انقضاء المبدأ ضرورة : أن إجراء الحد عليهما منوط بثبوت السرقة والزنا عند الحاكم ، وثبوتهما عنده يكون بعد الانقضاء.

وجه عدم المنافاة : أن استعمال المشتق بلحاظ حال التلبس في موارد الانقضاء مما لا شبهة في جوازه على نحو الحقيقة ، ومعه لا يكون المشتق موضوعا للأعم.

وبعبارة أخرى : أن غاية ما يستفاد من الآيات هي : كون المراد بها ـ بقرينة مواردها ـ خصوص حال الانقضاء فهو المراد منها قطعا ، وأما كون المشتق على نحو الحقيقة أو المجاز فغير معلوم أصلا.

٢٢٦

القطع والجلد مطلقا ، ولو بعد انقضاء المبدأ. مضافا (١) إلى وضوح بطلان تعدد الوضع ، حسب وقوعه محكوما عليه أو به كما لا يخفى.

ومن مطاوي ما ذكرنا ـ هاهنا (٢) وفي المقدمات (٣) ـ ظهر حال سائر الأقوال ، وما ذكر لها (٤) من الاستدلال ، ولا يسع المجال لتفصيلها ، ومن أراد الاطلاع عليها فعليه بالمطولات.

______________________________________________________

(١) أي : مضافا إلى أن هذا التفصيل موجب لتعدد الوضع في المشتق أي : وضعه للأعم ؛ فيما إذا وقع محكوما عليه ، وللأخص فيما إذا وقع محكوما به مع وضوح بطلان تعدد الوضع ، ضرورة : أن السارق ونحوه له وضع واحد سواء كان محكوما عليه أو به. فقوله : «مضافا ...» إلخ جواب عن الاستدلال بآيتي السرقة والزنا على وضع المشتق للأعم إذا كان محكوما عليه ، وللأخص إذا كان محكوما به.

(٢) أي : في حجج قول المختار وردّ غيره.

(٣) أي : من عدم الفرق بين المبادئ ، وأن اختلافها لا يوجب تفاوتا فيما هو المهم من محل النزاع. فتكون الأقوال والتفاصيل الناشئة من اختلاف المبادئ باطلة.

(٤) أي : للأقوال. والضمير في قوله : «لتفصيلها» و «عليها» يعود إلى الأقوال.

خلاصة البحث على ما يلي

١ ـ حجة القائلين بوضع المشتق للأعم وجوه :

١ ـ التبادر أي : تبادر الأعم من المشتق ، وقد عرفت تبادر خصوص المتلبس بالمبدإ من المشتق ، ومعه كيف يتبادر الأعم؟

٢ ـ عدم صحة السلب «في مضروب ومقتول» ، وقد عرفت الجواب عنه بأن المراد من المبدأ ـ في مثلهما ـ هو معنى يكون التلبس به باقيا كمن وقع عليه الضرب في الأول ، وزهوق الروح في الثاني ، فليس إطلاق المشتق على الذات بعد انقضاء المبدأ حتى يقال : إنه دليل على القول بوضعه للأعم ؛ نظرا إلى عدم صحة السلب.

وأما الجواب عن الوجه الثالث ، فلأن عنوان الظلم في الآية علة للحكم بعدم نيل الإمامة حدوثا وبقاء ؛ نظرا إلى المناسبة بين الحكم والموضوع ، فمن كان ظالما ولو آناً ما لا يناله منصب الإمامة لجلالة شأنها.

٣ ـ وما يدعى من أنّ استدلال الإمام «عليه‌السلام» بالآية إنما هو بمقتضى ظاهر العنوان وضعا لا بقرينة المناسبة بين الحكم والموضوع ـ مدفوع أولا : بمنع ابتناء الاستدلال على الظهور الوضعي ، بل يكفي فيه الظهور العرفي ولو في المعنى المجازي.

٢٢٧

بقي أمور :

الأول : أن مفهوم المشتق (١) ـ على ما حققه المحقق الشريف في بعض حواشيه ـ

______________________________________________________

وثانيا : إن جري المشتق على النحو الثاني لا يستلزم مجازا أصلا ؛ لأن إطلاقه بلحاظ حال التلبس حقيقة ، فلا يتوقف الاستدلال بالآية الشريفة على وضع المشتق للأعم.

٤ ـ قد ظهر من ردّ الاستدلال بالآية : الإشكال في الاستدلال على التفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به ؛ بقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) حيث يكفي صدق عنوان السارق في القطع ولو بعد زوال المبدأ ، فلا دخل لوضع المشتق للأعم أو الأخص ؛ لأن العنوان علة للحكم حدوثا وبقاء.

في بيان بساطة مفهوم المشتق أو تركبه

(١) أي : في مفهوم المشتق خلاف بين الأعلام ، ذهب المحقق الشريف في حاشيته على شرح «المطالع» إلى : أن مفهوم المشتق بسيط ردّا على صاحب شرح «المطالع» ؛ حيث ذهب إلى التركيب ، وذلك أنه ذكر في جواب الإشكال الوارد على تعريف المشهور للفكر والنظر ـ بأنه ترتيب أمور معلومة لتحصيل المجهول ـ.

وحاصل الإشكال على هذا التعريف : أنه لا يشمل التعريف بالفصل وحده كتعريف الإنسان بالناطق ، ولا بالخاصة وحدها كتعريفه بالضاحك ؛ لأن الترتيب لا يتصور في الأمر الواحد ، فلا يكون التعريف المذكور للفكر والنظر جامعا.

وقد أجاب شارح «المطالع» عن هذا الإشكال : بأن المشتق وإن كان في اللفظ مفردا ؛ إلّا إن معناه شيء ثبت له النطق أو الضحك فيكون من حيث المعنى مركبا ، لأن مفهوم الناطق مركب من ذات ووصف ، فالناطق ينحل إلى ذات ونطق وكذا الضاحك ، فلا يكون ترتيب أمر واحد ، بل ترتيب أمور معلومة عند النفس لتحصيل شيء مجهول.

وردّه المحقق الشريف : بأنه لا يمكن أخذ الشيء في مفهوم المشتق ، فما ذكره شارح «المطالع» من أن معنى «الناطق» شيء له النطق غير صحيح بل مستحيل.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الشيء الذي ينحل إليه مفهوم المشتق ـ ويقال : الناطق شيء له النطق ، والضاحك شيء له الضحك ـ لا يخلو عن أحد احتمالين : أحدهما : أن يراد به مفهومه. وثانيهما : أن يراد به مصداقه أي : الإنسان.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن كل واحد من الاحتمالين مستلزم للمحال فيكون باطلا ، فالقول بتركيب المشتق باطل فلا محيص عن القول ببساطة المشتق.

٢٢٨

بسيط منتزع عن الذات باعتبار تلبسها بالمبدإ واتصافها به غير مركب ، وقد أفاد في وجه ذلك : أن مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم الناطق مثلا ، وإلا (١) لكان العرض العام داخلا في الفصل ولو اعتبر فيه ما صدق عليه الشيء انقلبت مادة الإمكان الخاص ضرورة (٢) ؛ فإن (٣) الشيء الذي له الضحك هو الإنسان ، وثبوت الشيء لنفسه ضروري. هذا ملخص ما أفاده الشريف على ما لخصه بعض (٤) الأعاظم.

وقد أورد عليه (٥) في الفصول : بأنه يمكن أن يختار الشق الأول ، ويدفع الإشكال

______________________________________________________

وأما توضيح الاستحالة على كلا الاحتمالين : فلأنه لو كان المراد من الشيء مفهومه لزم دخول العرض العام في الفصل ؛ لأن مفهوم الشيء عرض عام بدليل صدقه على المتباينات من جميع الجهات وهو محال ؛ يعني : دخول العرض العام في الفصل محال ، لأن الفصل ذاتي داخل في حقيقة الشيء ، والعرض العام خارج عن حقيقة الشيء ، فيستحيل أن يدخل أحدهما في مفهوم الآخر لتباينهما.

ولزوم تقوّم الذاتي بالعرض وهو محال ؛ لأن الفصل مقوّم للنوع والعرض خارج عنه غير مقوّم له. وأما لو كان المراد من الشيء مصداقه ـ وهو الإنسان في المثالين المزبورين ـ لزم انقلاب القضية الممكنة إلى الضرورية وهو مستحيل.

توضيح الانقلاب : أن قولنا : «الإنسان ضاحك» قضية ممكنة ، فلو كان مصداق الشيء وهو الإنسان مأخوذا في مفهوم الضاحك لكان معناه «إنسان له الضحك» ، فترجع القضية الممكنة إلى قولنا : «الإنسان إنسان له الضحك» وهي ضروري ، لأن ثبوت شيء لنفسه ضرورية ، وهذا معنى انقلاب القضية الممكنة إلى القضية الضرورية. واستحالة انقلاب الممكنة إلى الضرورية بديهي. وقد أشار إلى ما ذكرناه بقوله : «وقد أفاد في وجه ذلك» أي : في وجه البساطة وردّ القول بالتركيب.

(١) أي : وإن كان مفهوم الشيء معتبرا في مفهوم الناطق لكان العرض العام داخلا في الفصل ـ وهذا هو المحذور الأول ـ فيلزم تقوّم الذاتي بالعرض ؛ وهو محال على ما عرفت.

(٢) أي : لزم انقلاب القضية الممكنة إلى القضية الضرورية لو اعتبر في المشتق مصداق الشيء ـ هذا هو المحذور الثاني ـ إذ قولنا : الإنسان ضاحك في قوة الإنسان إنسان.

(٣) هذا الكلام بيان للانقلاب الذي لازمه انتفاء القضايا الممكنة ، وبطلانه لا يحتاج إلى الدليل.

(٤) وهو صاحب الفصول ، ص ٦١. س ٣٠.

(٥) أورد صاحب الفصول على قول الشريف بما هذا لفظه : «ويمكن أن يختار

٢٢٩

بأن كون الناطق ـ مثلا ـ فصلا ، مبني على عرف المنطقيين ، حيث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات ، وذلك (١) لا يوجب وضعه لغة كذلك (٢).

وفيه (٣) : أنه من المقطوع أن مثل الناطق قد اعتبر فصلا بلا تصرف في معناه أصلا ، بل بما له من المعنى كما لا يخفى.

______________________________________________________

الوجه الأول ، ويدفع الإشكال بأن كون الناطق فصلا مبنيّ على عرف المنطقيين حيث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات ، وذلك لا يوجب أن يكون وضعه لغة كذلك» انتهى.

وتوضيح ما أفاده صاحب الفصول في ردّ قول الشريف يتوقف على مقدمة وهي : أن الناطق معناه اللغوي الاشتقاقي «شيء له النطق» فيكون مركبا. وهو في عرف المنطقيين يكون بسيطا ، لأنهم يعتبرونه مجردا عن مفهوم الذات.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول في ردّ المحقق الشريف : أنّنا نختار الشق الأول أي : دخول مفهوم الشيء في مفهوم المشتق ، ويدفع الإشكال ـ وهو دخول العرض العام في الفصل ـ بأنّ ذلك مبني على عرف المنطقيين حيث جعلوه فصلا للإنسان ، واعتبروه مجردا عن مفهوم الذات وخاليا عن مفهوم الشيء ؛ ولكن هذا ليس محل الكلام ، لأن محل الكلام هو مفهوم المشتق لغة ، فحينئذ إذا اخترنا اعتبار مفهوم الشيء ؛ في مفهوم الناطق لغة لا يلزم دخول العرض العام في الفصل المنطقي ؛ بل في معنى الناطق لغة وهو مما لا محذور فيه عقلا ، لأن المحذور إنما هو في دخول العرض العام في الفصل المنطقي لا في المعنى اللغوي ، فما فيه المحذور غير لازم ، وما هو اللازم لا محذور فيه عقلا.

(١) أي : تجرد الناطق عن مفهوم الذات عند المنطقيين لا يوجب وضعه للمعنى المجرد عن الذات عند اللغويين ؛ لعدم الملازمة بينهما.

(٢) أي : مجردا عن مفهوم الذات. فالاستدلال المزبور على بساطة المشتق غير تام ، وذلك لعدم استلزام بساطة معناه المنطقي لبساطة معناه اللغوي.

(٣) قد أجاب المصنف عن إيراد الفصول على الشريف بما حاصله : أن المقطوع هو أن «الناطق» بما له من المعنى اللغوي جعل عند أهل الميزان فصلا ؛ من دون تصرف منهم في معناه اللغوي حتى يكون معناه المنطقي مغايرا لمعناه اللغوي ؛ إما بتعدد الوضع ، وإما بالحقيقة والمجاز ، فيلزم ما ذكره الشريف من دخول العرض العام في الفصل المنطقي. فإيراد الفصول على استدلال الشريف غير وارد.

٢٣٠

والتحقيق (١) أن يقال : إن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي ، بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصه ؛ وإنما يكون فصلا مشهوريا منطقيا يوضع مكانه إذا لم يعلم نفسه ، بل لا يكاد يعلم ، كما حقق في محله.

ولذا (٢) ربما يجعل لأزمان مكانه إذا كانا متساوي النسبة إليه ؛ كالحساس

______________________________________________________

(١) أي : وأن التحقيق في الجواب عن الشق الأول ، وهذا إيراد من المصنف على الشريف بوجه آخر غير ما أورده الفصول عليه.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي :

أن الفصل على قسمين :

أحدهما : هو الفصل الحقيقي. وثانيهما : هو الفصل المشهوري. والفرق بينهما : أن الأول : ما يكون ذاتيا للشيء ومبدأ لصورته النوعية التي بها شيئيته.

والثاني : ما لا يكون ذاتيا للشيء ، بل من أظهر خواصه ، ولوازمه الحاكية عنه.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن إشكال دخول العرض العام في الفصل إنما يلزم على تقدير كون الناطق فصلا حقيقيا ، وليس الأمر كذلك ؛ بل هو لما كان من أظهر خواص الفصل الحقيقي سماه المنطقيون فصلا فيكون فصلا مشهوريا يوضع مكان الفصل الحقيقي. وعليه فلا بأس بأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق ، إذ اللازم منه أخذ عرض عام في عرض خاص ، ولا محذور فيه.

فالمتحصل : أن الناطق ليس فصلا حقيقيا حتى يلزم تقوّم الذاتي بالعرض من اعتبار مفهوم الشيء في مفهومه ؛ بل هو فصل منطقي مشهوري ، ولا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى الناطق إلّا دخول العرض العام في الخاصة لا بمعنى : دخوله في حقيقة الخاصة ، ضرورة : مباينته للخاصة كمباينته للفصل ، بل بمعنى : دلالة هيئة المشتق على العرض العام المقرون بالخاصة ؛ كدلالة الماشي المستقيم القامة على المشي المقرون باستقامة القامة.

(٢) أي : لأجل أن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي ، بل لازم ما هو الفصل الحقيقي ربما يجعل لأزمان مكان الفصل الحقيقي إذا كان كل من اللازمين متساوي النسبة بالنسبة إليه ؛ كالحساس والمتحرك بالإرادة في تعريف الحيوان.

غرض المصنف من هذا الكلام : إقامة الشاهد على عدم فصلية ما يدعى كونه فصلا ؛ وذلك لامتناع أن يكون لشيء واحد فصلان أو جنسان في مرتبة واحدة ، وعليه : فلا يكون الحساس والمتحرك بالإرادة من الفصل الحقيقي للحيوان ، بل من لوازمه لجواز تعدد اللازم لملزوم واحد.

٢٣١

والمتحرك بالإرادة في الحيوان ، وعليه (١) : فلا بأس بأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق ، فإنه وإن كان عرضا عاما ، لا فصلا مقوما للإنسان ، إلّا إنه بعد تقييده بالنطق واتصافه به كان من أظهر خواصه.

وبالجملة (٢) : لا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتق إلّا دخول العرض في الخاصة ؛ التي هي من العرضي (٣) ، لا في الفصل الحقيقي الذي هو من الذاتي ، فتدبر جيدا (٤).

ثم قال (٥) : «إنه يمكن أن يختار الوجه الثاني أيضا ، ويجاب (٦) : بأن المحمول ليس

______________________________________________________

(١) أي : بناء على أن الناطق ليس فصلا حقيقيا «فلا بأس بأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق» ؛ وذلك لجواز أخذ العرض العام في الخاصة على ما عرفت ، لأن مفهوم الشيء وإن كان عرضا عاما للإنسان وغيره ؛ «إلّا إنه بعد تقييده بالنطق» يكون معنى الإنسان ناطق ـ الإنسان شيء له النطق ـ فيصير من أظهر خواص الإنسان ؛ لأن الشيء المقيد بالنطق ليس إلّا الإنسان.

(٢) أي : أن نقول في الجواب عن الشق الأول من إشكال الشريف : أنه لا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتق إلّا دخول العرض العام في الخاصة ، ولا محذور فيه.

(٣) المراد بالعرضي في المقام هو ما يقابل الذاتي كالجنس والفصل ؛ لا العرضي بالمعنى الذي أراده في بحث المشتق وهو عبارة عن الأمر الاعتباري الانتزاعي.

(٤) قوله : «فتدبر جيدا» إشارة إلى حاجة المطلب المذكور إلى الدقة.

(٥) أي : قال صاحب الفصول ، ص ٦١ ، س ٣٧ : يعني أجاب في الفصول عن كلا شقي الإشكال ، وقد تقدم ما أجاب به عن الشق الأول ، ولما فرغ عن جواب الشق الأول شرع في الجواب عن الشق الثاني حيث «قال : إنه يمكن أن يختار الوجه الثاني» وهو أخذ مصداق الشيء في مفهوم المشتق أيضا أي : مثل أخذ مفهومه في مفهومه.

(٦) أي : يجاب عن إشكال الانقلاب بعدم لزومه ؛ أي : لا يلزم انقلاب مادة الإمكان الخاص إلى الضرورة ، لأن المحمول في مثل قولك : «الإنسان كاتب» ليس هو الإنسان مطلقا أي : ليس مصداق الكاتب هو الإنسان بلا قيد ؛ حتى يكون معنى «الإنسان كاتب» هو الإنسان إنسان فتكون ضرورية ؛ بل المحمول هو الإنسان المقيد بالكتابة ، فكأنه قيل : الإنسان إنسان له الكتابة. ومن المعلوم : أن ثبوت الإنسان المقيد بوصف ممكن الثبوت للإنسان ليس ضروريا ، فإن النتيجة تتبع أخسّ المقدمات ـ على ما في علم الميزان ـ فإذا كان القيد ممكن الثبوت كان ثبوت المقيد به أيضا ممكن الثبوت ،

٢٣٢

مصداق الشيء والذات مطلقا ، بل مقيدا بالوصف ، وليس ثبوته للموضوع حينئذ بالضرورة ؛ لجواز أن لا يكون ثبوت القيد ضروريا» انتهى.

ويمكن أن يقال (١) : إن عدم كون ثبوت القيد ضروريا لا يضر بدعوى الانقلاب ،

______________________________________________________

وحينئذ فلا تنقلب القضية الممكنة الخاصة إلى الضرورية.

فالمتحصل : إنه لا يلزم من أخذ مفهوم الشيء ولا من أخذ مصداقه في مفهوم المشتق محذور أصلا.

(١) هذا الكلام إيراد من المصنف على جواب صاحب الفصول عن الشق الثاني.

وحاصل ما أفاده المصنف «قدس‌سره» في ردّ صاحب الفصول يتوقف على مقدمة وهي : أن المحمول كالكاتب في مثل «الإنسان كاتب» ؛ وإن كان مقيدا على ما هو المفروض إلّا إنه بحسب التصوير العقلي على أقسام :

الأول : أن يكون المحمول هو ذات المقيد بلا دخل للقيد والتقيد فيه أصلا ، بل لوحظ التقييد مرآة وإشارة إلى تعيين المحمول كقولك : «هذا زيد الذي سلّم عليك أمس» ؛ حيث إن الغرض من حمل زيد على هذا وتقييده به لمجرد التعيين ، فيكون معنى «الإنسان كاتب» هو : الإنسان إنسان ، فتكون القضية ضرورية.

الثاني : أن يكون المحمول هو ذات المقيد وكان القيد خارجا ، والتقيد داخلا ؛ بمعنى : أن التقيد جزء القضية بما هو معنى حرفيّ ، فإن التقيد نسبة بين القيد والمقيد فهو قائم بذات المقيد وتابع له ، ولم يلحظ مستقلا في قبال ذات المقيد. فالقضية لا محالة تكون ضرورية ؛ ضرورة : ضرورية ثبوت الإنسان الذي يكون مقيدا بالكتابة للإنسان. وما في المتن من قوله : «الذي يكون مقيدا بالنطق» سهو من القلم ، والصحيح ما ذكرناه من التقيد بالكتابة ؛ لأن الكلام هاهنا ليس إلّا في الوجه الثاني الذي ادعى المحقق الشريف فيه لزوم الانقلاب من الإمكان الخاص إلى الضرورة ، وقد عرفت : أن المثال لذلك هو «الإنسان كاتب» ؛ لا الإنسان ناطق فإنها ضرورية في حد ذاتها ؛ من غير حاجة إلى الالتزام بالانقلاب.

الثالث : أن يكون المحمول هو المقيد ؛ على أن يكون القيد والمقيد والتقيد كلها داخلة.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن ما ذكره في الفصول ـ من عدم ثبوت القيد ضروريا فلا يلزم من أخذ المصداق في المشتق الانقلاب الذي ادعاه الشريف ـ غير تام ؛ إذ عدم ضرورية القيد لا يضر بدعوى الانقلاب ولو لم يكن القيد ضروريا ؛ وذلك لما عرفت : من انقلاب القضية الممكنة الخاصة إلى القضية الضرورية في جميع الصور والاحتمالات ، إلّا إنها حسب الاحتمال الأخير تنحل إلى قضيتين ؛ إحداهما : قضية

٢٣٣

فإنّ المحمول إن كان ذات المقيد ، وكان القيد خارجا ، وإن كان التقيد داخلا بما هو معنى حرفي ، فالقضية لا محالة تكون ضرورية ، ضرورة : ضرورية ثبوت الإنسان الذي يكون مقيدا بالنطق للإنسان ، وإن كان المقيد به بما هو مقيد على أن يكون القيد داخلا ، فقضية «الإنسان ناطق» تنحل في الحقيقة إلى قضيتين ؛ إحداهما : قضية «الإنسان إنسان» وهي ضرورية. والأخرى : قضية «الإنسان له النطق» وهي ممكنة (١) ؛

______________________________________________________

«الإنسان إنسان ،» وهي ضرورية. والقضية الأخرى : قضية «الإنسان له الكتابة» وهي ممكنة.

(١) توضيح انحلال قضية واحدة إلى قضيتين يتوقف على مقدمة وهي : أن تعدد المحمول في القضية يوجب تعدد القضية ؛ بمقدار عدد المحمول أو أجزائه إن كان مركبا مثلا : «زيد عالم عادل شاعر» ينحل إلى قضايا ثلاث ، وهي «زيد عالم ، وزيد عادل ، وزيد شاعر» ، وكذلك إذا كان المحمول مركبا من الأجزاء تنحل القضية إلى القضيتين أو القضايا بمقدار تعدد الأجزاء.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن المحمول في مثل : «الإنسان كاتب» مركب من مجموع القيد والمقيد ، فيكون متعددا لصيرورة كل من القيد والمقيد محمولا ، فقضية «الإنسان كاتب» تنحل في الحقيقة إلى قضيتين :

إحداهما هي : «الإنسان إنسان» وهي ضرورية حتما ؛ لأن ثبوت شيء لنفسه ضروري.

والأخرى هي : «الإنسان له الكتابة» ؛ وذلك لأن معنى الكاتب هو : «الإنسان له الكتابة» ، فالإنسان المطوي في الكاتب يحمل على الإنسان الموضوع فيقال : «الإنسان إنسان» ، كما أن الجزء الآخر من المحمول المركب وهو «له الكتابة» يحمل أيضا على الإنسان الموضوع ؛ فيقال : «الإنسان له الكتابة» ، وهي : ممكنة ؛ لأن المحمول فيها من الأوصاف الممكنة.

وما في كلام المصنف من قوله : «الإنسان ناطق» سهو من القلم ، لأن القضية حينئذ ضرورية حتما ، وتنحل إلى قضيتين ضروريتين.

وكيف كان ؛ فيكون مثل : «الإنسان له الكتابة» قضية تامة خبرية ، وإنما تصير ناقصة تقييدية بعد العلم بالقيد. وهذا معنى قولهم : «إن الأوصاف قبل العلم بها أخبار ، كما أن الأخبار بعد العلم بها أوصاف». فقولك : «الإنسان شاعر» قبل علم السامع بشاعرية الإنسان إخبار ومركب تامّ. وأما بعد علمه بكون الإنسان شاعرا فيصير مركبا ناقصا

٢٣٤

وذلك لأن الأوصاف قبل العلم بها أخبار ، كما أن الأخبار بعد العلم تكون أوصافا.

فعقد الحمل ينحل إلى القضية (١) ، كما أن عقد الوضع ينحل إلى قضية مطلقة

______________________________________________________

تقييديا ، فلا يصح أن يقال حينئذ : «الإنسان شاعر» ، بل يقال : «الإنسان الشاعر كاتب» ؛ لأنه حينئذ من الأوصاف ومن المركبات الناقصة التقييدية ، فلا فرق بين الأخبار والأوصاف إلّا بما قبل علم المخاطب ، وبعد علمه فالقول الذي يحكى عن النسبة قبل علم المخاطب بها يكون خبرا ، والقول الحاكي للنسبة بعد علم المخاطب بها يكون وصفا ؛ مثلا : إذا قيل «جاءني زيد العالم» فالعالم يكون وصفا لزيد إذا علم السامع بكون «زيد عالما» قبل هذا الكلام ، وأما إذا لم يعلم بكونه عالما قبل الأخبار : فالعالم يكون خبرا لزيد ، ولذا اشتهر عند النحاة : أن الأوصاف قبل العلم بها أخبار ، والأخبار بعد العلم بها أوصاف.

(١) أي : أن كل قضية مشتملة على عقدين ؛ أعني : عقد الوضع ، وعقد الحمل.

والأول : هو اتصاف الموضوع بوصفه العنواني مثل إنسانية الإنسان في قولنا : «الإنسان كاتب».

والثاني : هو اتصاف ذات الموضوع بوصف المحمول ، ثم عقد الحمل في المثال المزبور ينحل إلى القضية وهي : إنسان له الكتابة وهي ممكنة ، وقد تكون ضرورية في مثل :

«الإنسان ناطق» ؛ حيث ينحل عقد الحمل إلى الضرورية وهي «إنسان له النطق» ، هذا مما لا خلاف فيه. وإنما الخلاف فيما ينحل إليه عقد الوضع ـ وهو في المثال المذكور ـ الإنسان ـ ينحل إلى القضية وهي : «شيء له الإنسانية» ؛ مع كون الإنسان لفظا جامدا ، وهي قضية مطلقة عامة عند الشيخ أبي علي ابن سينا. وممكنة عامة عامة عند الفارابي.

وبعبارة واضحة : أن عقد الوضع ينحل إلى القضية وهي «شيء له الإنسانية» وهي قضية مطلقة عند الشيخ وممكنة عند الفارابي. والمطلقة العامة هي التي يحكم فيها بفعلية النسبة كما هي قضية إطلاق القضية.

وكيف كان ؛ فقد تظهر ثمرة الخلاف بين القولين في العكس المستوى للممكنتين ؛ حيث لا يصدق عكسهما على مذهب الشيخ ، ويصدق على مذهب الفارابي ؛ مثلا : إذا فرض أن مركوب زيد بالفعل منحصر في الفرس صدق كل حمار بالفعل مركوب زيد بالإمكان ، ولا يصدق عكسه وهو أن بعض مركوب زيد بالفعل حمار بالإمكان. لأن مركوبه بالفعل هو الفرس لا يمكن أن يكون حمارا. هذا بخلاف ما إذا كان عقد الوضع ينحل إلى الممكنة فيصدق عكسها ويقال : إن بعض مركوب زيد بالإمكان حمار بالإمكان ؛ إذ من الممكن أن يركب زيد حمارا.

٢٣٥

عامة عند الشيخ ، وقضية ممكنة عند الفارابي فتأمل (١).

لكنه (٢) «قدس‌سره» تنظر فيما أفاده بقوله : وفيه ، لأن الذات المأخوذة مقيدة

______________________________________________________

(١) لعله إشارة إلى تأييد قول صاحب الفصول ؛ بأن يكون إشارة إلى ردّ دعوى انقلاب الممكنة إلى الضرورية على الشق الثاني ؛ لأن المحمول في القضية هو الإنسان المقيد بوصف الكتابة ؛ لأن الكاتب معناه هو الإنسان الذي ثبتت له الكتابة ؛ لا الإنسان المطلق.

ومن المعلوم : أن قيد الكتابة ليس بضروري ، فثبوت الإنسان المقيد بوصف ممكن الثبوت للإنسان ليس ضروريا وهو : مقتضى تبعيّة النتيجة لأخس المقدمتين ؛ وهو كون القضية ممكنة ، فما ذكره صاحب الفصول من أن عدم ضرورية القيد مانع عن انقلاب الممكنة إلى الضرورية متين جدا.

(٢) أي : صاحب الفصول ، «رحمه‌الله» ، ص ٦١ ، س ٣٨ ، تنظر فيما أفاده في جوابه عن الانقلاب الذي يقوله الشريف ؛ على تقدير أخذ مصداق الشيء في مفهوم المشتق حيث قال في الجواب ما حاصله : من أنّ تقيّد المحمول بقيد إمكاني يكون مانعا عن انقلاب القضية الممكنة إلى الضرورية. وحاصل نظره في جوابه عن الانقلاب يتوقف على مقدمة وهي : أن القضية الضرورية على أقسام :

منها : الضرورة بشرط المحمول وهي : أن يكون الموضوع مقيّدا بالمحمول كقولنا : «الإنسان الكاتب كاتب» وهي ضرورية ؛ لأن ثبوت شيء لنفسه ضروري كما أن سلب شيء عن نفسه محال.

إذا عرفت هذه المقدمة : فنقول : إن الذات المأخوذة في مفهوم المشتق كالإنسان له الكتابة المأخوذ في معنى الكاتب في مثل قولنا : «الإنسان كاتب» إن كانت واجدة للقيد في نفس الأمر ، كما إذا فرض كون الإنسان المنطوي في مفهوم الكاتب واجدا للكتابة واقعا ، فلا محالة يصدق الإيجاب بالضرورة ؛ لأن مرجع قولنا : «الإنسان كاتب» إلى قولنا : «الإنسان له الكتابة كاتب» وهي قضية ضرورية بشرط المحمول ؛ لأنها في قوة «الإنسان الكاتب كاتب» ، وإن كانت الذات فاقدة له في نفس الأمر يصدق السلب بالضرورة أي : «الإنسان الذي ليس له الكتابة ليس بكاتب» ، فتنقلب مادة الإمكان على كل حال إلى الضرورة إيجابا أو سلبا.

فالمتحصل : أن دعوى انقلاب مادة الإمكان إلى الضرورة كما أفاده المحقق الشريف في محلها ، ولا يمنعها كون القيد ممكنا.

٢٣٦

بالوصف قوة أو فعلا ، إن كانت مقيدة به واقعا صدق الإيجاب بالضرورة ، وإلّا صدق السلب بالضرورة ، مثلا : لا يصدق زيد كاتب بالضرورة (١) ، لكن يصدق «زيد الكاتب بالقوة أو بالفعل كاتب بالضرورة» انتهى (٢).

ولا يذهب (٣) عليك : أن صدق الإيجاب بالضرورة بشرط كونه مقيدا به واقعا لا يصحّح دعوى الانقلاب إلى الضرورية ؛ ضرورة (٤) : صدق الإيجاب بالضرورة بشرط المحمول في كل قضية ولو كانت ممكنة ، كما لا يكاد يضرّ بها (٥) صدق السلب كذلك ، بشرط عدم كونه مقيدا به واقعا ، لضرورة (٦) السلب بهذا الشرط (٧) ، وذلك (٨) لوضوح : أن المناط في الجهات ومواد القضايا

______________________________________________________

(١) أي : لا يصدق لعدم أخذ المحمول في الموضوع ، «ويصدق زيد الكاتب ...» إلخ لأخذ المحمول في الموضوع ، فتصير القضية قضية ضرورية بشرط المحمول.

(٢) أي : انتهى كلام صاحب الفصول في الفصول ، ص ٦١.

(٣) هذا إيراد من المصنف على ما تنظّر فيه صاحب الفصول.

وحاصل اعتراض المصنف على الفصول هو : أن لحاظ تقيد ذات الموضوع بوصف المحمول لا ينفع في دعوى الانقلاب ، وإلّا يلزم انتفاء القضية الممكنة ، وانحصار القضايا بالضرورية ؛ ضرورة : ضرورية ثبوت المحمول ، الذي قيّد به الموضوع نحو : «الإنسان الكاتب كاتب بالضرورة» ، وكذا في طرف السلب نحو : «الإنسان غير الكاتب ليس بكاتب بالضرورة» ، وتسمّى هذه القضية ضرورية بشرط المحمول كما عرفت.

وعلى هذا لا تبقى قضية ممكنة ، ولا مطلقة عامة ، ولا دائمة مطلقة ، وهو واضح الفساد ؛ لكون المناط في مواد القضايا وجهاتها هو : لحاظ نفس المحمول مع قطع النظر عن الجهات الخارجية ، مثل : كون الموضوع مقيّدا بثبوت المحمول له أو نفيه عنه ، ومع قطع النظر عن كيفية ثبوته له ، فالإمكان والضرورة ملحوظان في نفس المحمول بدون لحاظ أمر خارجي معه ، والمدّعى في المقام هو : انقلاب مادّة الإمكان إلى الضرورة بمجرّد أخذ الذات في مفهوم المشتق من دون لحاظ تقيّد الذات بالوصف ، فما في الفصول من انقلاب الممكنة إلى الضرورية بتقيّد الذات بالمحمول في غير محلّه.

(٤) تعليل لعدم صحة دعوى الانقلاب.

(٥) أي : بالممكنة «صدق السلب كذلك» أي : بالضرورة.

(٦) تعليل لصدق السلب ؛ كضرورة الإيجاب بشرط المحمول.

(٧) أي : بشرط عدم كون الموضوع مقيدا بالمحمول.

(٨) تعليل لقوله : «لا يصحح دعوى الانقلاب إلى الضرورة» على ما في «منتهى

٢٣٧

إنما هو (١) بملاحظة أن نسبة هذا المحمول إلى ذلك الموضوع موجهة بأيّ جهة منها (٢) ومع أية منها في نفسها صادقة ؛ لا بملاحظة ثبوتها له واقعا أو عدم ثبوتها له كذلك ، وإلّا كانت الجهة منحصرة بالضرورة ، ضرورة : صيرورة الإيجاب أو السلب ـ بلحاظ الثبوت وعدمه ـ واقعا ضروريا ، ويكون من باب الضرورة بشرط المحمول (٣).

وبالجملة : الدعوى (٤) هو انقلاب مادة الإمكان بالضرورة فيما ليست مادته واقعا في نفسه وبلا شرط غير الإمكان.

وقد انقدح بذلك (٥) : عدم نهوض ما أفاده «رحمه‌الله» بإبطال الوجه الأول كما

______________________________________________________

الدراية ، ج ١ ، ص ٣١٥».

(١) أي : المناط في الجهات ومواد القضايا. والفرق بين مادة القضية وجهتها : أن المراد بالأولى هي كيفية النسبة الواقعية ، وبالثانية : هو اللفظ الدال على الكيفية مثل : لفظ الضرورة والإمكان وغيرهما.

(٢) أي : من الجهات كالضرورة والإمكان وغيرهما. والضمير في «نفسها» يرجع إلى النسبة ، وكذلك الضمير في «ثبوتها» في الموردين يعود إلى النسبة.

(٣) أي : الضرورة بشرط المحمول خارجة عن محل النزاع ؛ بل النزاع إنما هو في انقلاب الممكنة إلى الضرورية في حد نفسها ؛ لا باشتراطها بوجود المحمول للموضوع.

(٤) أي : دعوى الشريف «هو انقلاب مادة الإمكان بالضرورة» إذا أخذ في المشتق مصداق الذات «فيما» أي : في قضية «ليست مادته» غير الإمكان أي : ليست بشرط وجود المحمول.

(٥) أي : بما ذكرناه ـ في ردّ قول الفصول بالانقلاب ـ من الفرق بين الضرورة الذاتية وبين الضرورة بشرط المحمول ، وما في الفصول من الانقلاب إلى الضرورة بشرط المحمول خارج عن محل الكلام أي : بما ذكرنا ظهر : عدم نهوض ما أفاده صاحب الفصول «رحمه‌الله» بإبطال الوجه الأول.

الغرض من هذا الكلام هو : الإشكال على ما ذكره الفصول في الوجه الأول ؛ بعد بسط الكلام في الوجه الثاني والنظر فيه قال ما هذا لفظه : «ولا يذهب عليك أنه يمكن التمسك بالبيان المذكور على إبطال الوجه الأول أيضا ؛ لأن لحوق مفهوم الذات أو الشيء لمصاديقهما أيضا ضروري ، ولا وجه لتخصيصه بالوجه الثاني». انتهى.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وبيان ذلك : أنه يمكن إبطال الوجه الأول الذي استدل به على البساطة ـ وهو أخذ مفهوم الشيء في المشتق ـ أي : يمكن إبطال أخذ مفهوم الشيء في المشتق بلزوم انقلاب مادة الإمكان إلى الضرورة أيضا أي : كما أبطل الوجه الثاني ـ وهو أخذ مصداق الشيء في مفهوم المشتق بلزوم الانقلاب ؛ بأن يقال : إن الانقلاب لا يختص بالوجه الثاني ـ وهو أخذ مصداق الشيء في مفهوم المشتق ـ بل يعم الوجه الأول أيضا ؛ حيث إن عروض مفهوم الشيء لمصاديقه وصدقه عليها ضروري ، مثلا : عروض الشيئية للإنسان ضروري لا ممكن ، فإشكال انقلاب الممكنة إلى الضرورية كما يبطل الوجه الثاني كذلك يبطل الوجه الأول وهو أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتق ، ولازم ذلك : بساطة المشتق ونفي تركيبه ؛ إذ على التركيب يلزم انقلاب مادة الإمكان إلى الضرورة وهو باطل.

هذا غاية ما يمكن في توضيح ما أفاده صاحب الفصول في إبطال الوجه الأول ، واعترض المصنف عليه وقال : «قد انقدح بذلك عدم نهوض ما أفاده بإبطال الوجه الأول».

وقوله : «فإن لحوق مفهوم الشيء ...» إلخ بيان ما انقدح من كلام المصنف في ردّ ما تنظر فيه الفصول من تسليم الانقلاب في الوجه الثاني.

وحاصل ردّ المصنف على الفصول : أن ضرورية لحوق مفهوم الشيء لمصاديقه منوطة بإطلاقه كعروضه لزيد وبكر وغيرهما من المصاديق ، بخلاف ما إذا قيد بقيد كتقيّده بالضحك والكتابة وغيرهما من مبادئ المشتقات ، فإن عروض المفهوم المقيد لمصاديقه ليس ضروريا ، وعلى هذا ـ فزيد ضاحك ـ بناء على انحلال الضاحك إلى شيء له الضحك لا يكون من القضايا الضرورية ، لإمكان عدم كون زيد شيئا له الضحك في بعض الأوقات. نعم ؛ إذا أخذ زيد بشرط الضحك موضوعا للشيء الذي له الضحك ؛ تصير القضية ضرورية بشرط المحمول كسائر القضايا الضرورية بشرط المحمول ، وهي كما عرفت خارجة عن محل الكلام.

وخلاصة الكلام في المقام : أن ما أفاده صاحب الفصول من جريان إشكال انقلاب الممكنة إلى الضرورية في الشق الأول ـ وهو أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتق ـ في غير محله ؛ لابتنائه على أخذ الموضوع بشرط المحمول ، وقد عرفت ما في هذا الشرط من الإشكال.

٢٣٩

زعمه «قدس‌سره» ، فإن لحوق مفهوم الشيء والذات لمصاديقهما إنما يكون ضروريا مع إطلاقهما لا مطلقا ولو مع التقيد (١) ؛ إلا (٢) بشرط تقيد المصاديق به أيضا. وقد عرفت حال الشرط فافهم (٣).

ثم أنه (٤) لو جعل التالي في الشرطية الثانية لزوم أخذ النوع في الفصل ، ضرورة :

______________________________________________________

(١) أي : بأن يكون الضاحك هو الشيء المقيد بالضحك لا مطلقا. ومن البديهي : عدم ضرورية المقيد ؛ فإن الشيء الضاحك ليس ضروريا للإنسان.

(٢) أي : إلّا إن يقال بضرورية الشيء المقيد ؛ بشرط تقيد المصاديق بالمحمول. ومن المعلوم : أن القضية حينئذ تصير ضرورية بشرط المحمول ، وقد عرفت الإشكال فيها.

(٣) لعله إشارة إلى : أن إيراد صاحب الكفاية على الفصول هو عين الإيراد الذي أورده صاحب الفصول على نفسه ؛ قبل تنظره في الوجه الثاني. أو إشارة إلى دفع توهم المنافاة بين ما ذكره المصنف هنا من عدم ضرورية «الإنسان شيء له الكتابة» ، وبين ما ذكره هناك من ضرورية «الإنسان إنسان له الكتابة» ؛ إذ يستظهر أن الموردين على وزان واحد ، فلا بد من كون القضية ضرورية في كليهما.

وحاصل الدفع : أن الفرق بين الموردين واضح ؛ إذ الموضوع في قولنا : «الإنسان إنسان له الكتابة» لما أخذ في المحمول فلا محالة تكون القضية ضرورية ؛ لاستحالة سلب الشيء عن نفسه بخلاف «الإنسان شيء له الكتابة» فإن سلب الشيء الذي له الكتابة عن الإنسان لما كان ممكنا فلا تخرج مادة القضية عن الإمكان ، ولا تنقلب إلى الضرورة أصلا.

(٤) هذا من المصنف «قدس‌سره» رجوع إلى كلام المحقق الشريف ، والغرض منه هو : إصلاح برهان الشريف ، حيث استدل لإثبات بساطة مفهوم المشتق بما يرجع إلى قضيتين شرطيتين :

الأولى : هي أنه لو أخذ مفهوم الشيء في مفهوم المشتق للزم دخول العرض العام في الفصل.

والثانية : أنه لو أخذ مصداق الشيء في مفهوم المشتق للزم انقلاب الإمكان إلى الضرورة ، فالمراد بالشرطية الثانية هو قوله : «ولو اعتبر فيه ما صدق عليه الشيء انقلبت مادة الإمكان إلى الضرورة» ، وتالي الشرطية الثانية هو : انقلاب الإمكان إلى الضرورة.

يقول المصنف : إن تبديل التالي في الشرطية الثانية بدخول النوع في الفصل أولى بأن يقال : ولو اعتبر فيه ما صدق عليه الشيء للزم دخول النوع في الفصل.

وحاصل ما أفاده المصنف في مقام إصلاح كلام الشريف هو : أن جعل التالي في

٢٤٠