دروس في الكفاية - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦

والحاجة وإن دعت أحيانا إلى استعمالها في الناقص أيضا إلّا إنه لا يقتضي أن يكون بنحو الحقيقة ، بل ولو كان مسامحة ، تنزيلا للفاقد منزلة الواجد. والظاهر : أن الشارع غير متخط عن هذه الطريقة.

ولا يخفى : أن هذه الدعوى وإن كانت غير بعيدة ، إلّا انها قابلة للمنع ، فتأمل (١).

وقد استدل للأعمي أيضا ، بوجوه :

منها : تبادر الأعم (٢) ، وفيه (٣) : أنه قد عرفت الإشكال في تصوير الجامع الذي لا بد منه ، فكيف يصح معه (٤) دعوى التبادر؟

______________________________________________________

وملخص ردّ المصنف على هذا الوجه : أن هذه الدعوى وإن كانت غير بعيدة في حد ذاتها إلّا إنها قابلة للمنع ، لأن هذا الوجه يتوقف على إثبات ما ذكرناه من الأمور الثلاث ، وإثباتها دونه خرط القتاد.

(١) لعله إشارة إلى وجه المنع. وهو أنّ هذا الوجه مبني على أمرين :

أحدهما : كون وضع ألفاظ العبادات كأسماء المركبات الخارجية. وقد مرّ فساد قياس ألفاظ العبادات بالمركبات الخارجية ، في تصوير الجامع.

وثانيهما : العلم بعدم تخطي الشارع عن طريقة الواضعين وفيه : أنه لا سبيل إلى هذا العلم لا من النقل ولا من العقل ، فدعوى : عدم تخطي الشارع عن طريقة الواضعين ـ بعد تسليم بنائهم على وضع ألفاظ المركبات للمركبات التامة ـ ليست إلّا تخرصا بالغيب.

أدلة الأعمي :

الدليل الأول هو : التبادر

(٢) أي : تبادر الأعم من ألفاظ العبادات عند اطلاقها ، لأنه إذا قيل : «زيد صلّى» كان المتبادر منه الجامع بين الصحيح والفاسد ، وهو من علامات الوضع والحقيقة.

(٣) مخلص ما في التبادر من الإشكال :

أولا : تبادر الأعم ينافي ما تقدم من دعوى تبادر الصحيح.

وثانيا : أن تبادر الأعم لا يعقل إلّا بعد وجود الجامع. وقد عرفت الإشكال في تصويره ، بل يمكن أن يقال : بامتناع تبادر الأعم بعد ما تقدم من امتناع تصوير الجامع على القول بالأعم.

(٤) أي : لا يصح ـ مع ما عرفت من الإشكال في تصوير الجامع ـ «دعوى التبادر» أي : تبادر الجامع بين الصحيح والفاسد. فالاستفهام إنما للإنكار.

١٢١

ومنها : عدم صحة السلب (١) عن الفاسد ، وفيه منع ، لما عرفت.

ومنها : صحة التقسيم (٢) إلى الصحيح والسقيم.

وفيه (٣) : أنه إنما يشهد على أنها للأعم ؛ لو لم تكن هناك دلالة على كونها موضوعة للصحيح ، وقد عرفتها ، فلا بد أن يكون التقسيم بملاحظة ما يستعمل فيه اللفظ ، ولو بالعناية.

______________________________________________________

الدليل الثاني هو : عدم صحة السلب

(١) أي : لا يصح سلب الصلاة بما لها من المعنى عن الصلاة الفاسدة ، فلا يصح أن يقال : إن الصلاة الفاسدة كصلاة الحائض ليست بصلاة ؛ بل يصح أن يقال : الصلاة الفاسدة صلاة ، كما يصح أن يقال : الصلاة الصحيحة صلاة ، وهذا أولا. وثانيا : ما أشار إليه بقوله : «لما عرفت» من صحة السلب عن الفاسدة بالمداقة ، وإن صح إطلاقها عليها بالعناية والمجاز.

وثالثا : أن عدم صحة السلب عندنا لا يثبت ما هو المطلوب وهو الوضع للأعم عند الشارع ، وعدم صحة السلب عنده غير معلوم لنا.

الدليل الثالث هو : صحة التقسيم

(٢) أي : صحة التقسيم إلى الصحيح والفاسد دليل على الأعمية ، بتقريب : أن المقسم يجب أن يكون مشتملا على الأقسام اشتمال الكلي على أفراده ومصاديقه ، فيكون أعم من الأقسام ، ثم مقتضى أصالة الحقيقة : كون الاستعمال في المقسم الجامع بين الصحيح والفاسد على نحو الحقيقة ؛ فيكون دليلا على الوضع للأعم.

(٣) وملخص ما أفاده المصنف من منع الاستدلال على الأعم بصحة التقسيم : أن مجرد الاستعمال في الأعم لا يشهد بالوضع للأعم إلّا من باب كون الأصل في الاستعمال أن يكون على نحو الحقيقة ؛ وذلك إنما يتم لو لم يكن هناك دليل على خلاف أصالة الحقيقة ؛ لأن موضوعها الشك ، وهو يرتفع بالدليل ، وقد عرفت : قيام الدليل على الوضع للصحيح من التبادر وغيره الموجب للعلم بمجازية الاستعمال ، فلا مجال لإجراء أصالة الحقيقة.

«والضمير» في «أنها» و «كونها» يرجع إلى ألفاظ العبادات ، وفي «عرفتها» يرجع إلى الدلالة.

١٢٢

ومنها : استعمال الصلاة وغيرها في غير واحد من الأخبار في الفاسدة (١) ؛ كقوله «عليه الصلاة والسلام» : «بني الإسلام على خمس : الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية ، ولم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع ، وتركوا هذه ، فلو أن أحدا صام نهاره ، وقام ليله ، ومات بغير ولاية ، لم يقبل (٢) له صوم ولا صلاة» (*) ، فإن (٣) الأخذ بالأربع لا يكون بناء على بطلان عبادات تاركي

______________________________________________________

الدليل الرابع هو : الأخبار

(١) أي : الاستدلال بالرواية الأولى يتوقف على مقدمة وهي : الالتزام بأمور تالية :

١ ـ أن تكون الولاية شرطا لصحة العبادات ـ كما يظهر من بعض الروايات ، وأفتى به جماعة من الفقهاء ـ لا شرطا لقبولها على ما قيل.

٢ ـ أن يكون المراد من أربع ـ في قوله : «فأخذ الناس بأربع» ـ هو : الأربع المذكور قبل الولاية أعني : الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم.

٣ ـ أن لا يكون المراد من أربع جعل لفظ «الأربع» قالبا للأعم من دون توسط الألفاظ المخصوصة ، بل المراد بالأربع هو : الأربع بألفاظها المخصوصة ، كلفظ الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم.

٤ ـ أن يكون إطلاق الألفاظ المذكورة في الرواية على الأعم بنحو الحقيقة لا بالعناية والمجاز.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن محل الاستشهاد هو قوله : «فأخذ الناس بأربع ، وتركوا هذه» أي : الولاية فيقال في تقريب الاستدلال : أن مفاد الرواية : أن الناس أي : العامة أخذوا بالأربع المذكور قبل الولاية أعني : الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم كما هو مقتضى الأمر الثاني ، ثم إن الأربع المذكورة بدون الولاية فاسدة كما هو مقتضى الأمر الأول. ولازم ذلك : استعمال ألفاظ العبادات المذكورة في الرواية في الأعم ؛ إذ لو كانت موضوعة للصحيح لكان يلزم أن يقال : «لم يأخذ الناس بشيء منها» لعدم صدقها على الفاسد حينئذ.

ثم مقتضى الأمر الرابع : أن يكون الاستعمال على نحو الحقيقة ، فلازم الجميع : أن ألفاظ العبادات موضوعة للأعم وهو المطلوب.

(٢) أي : المراد بعدم قبول الصوم والصلاة بغير الولاية فسادهما ، فصدق كل من الصوم والصلاة مع فسادهما دليل على الأعم.

(٣) أي : قوله : «فإن الأخذ بالأربع ...» إلخ بيان للاستدلال بالرواية على الأعم.

__________________

(*) في الكافي ، ج ٢ ، ص ١٨ ، ح ١ ، ٣ / المحاسن ، ص ٢٨٦ ، ح ٢٤٩ : إلى قوله : «فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه يعني الولاية».

١٢٣

الولاية ، إلّا إذا كانت أسامي للأعم.

وقوله عليه‌السلام : «دعي (١) الصلاة أيام أقرائك» (*) ضرورة : أنه لو لم يكن المراد منها الفاسدة ؛ لزم عدم صحة النهي عنها لعدم قدرة الحائض على الصحيحة منها.

وفيه : (٢) أن الاستعمال أعم من الحقيقة ، مع إنّ المراد في الرواية الأولى : هو

______________________________________________________

(١) أي : الاستدلال بالرواية المذكورة يتوقف على أمور تالية :

١ ـ أن ظاهر قوله : «دعي الصلاة ...» إلخ مطلوبية ترك الصلاة ؛ بمعنى : كونها مبغوضة ، فيكون النهي المستفاد من الأمر مولويا ؛ لا إرشاديا.

٢ ـ أن نقول بعدم جواز التكليف بغير المقدور ، كما هو مسلم عند العدلية.

٣ ـ أن يكون المراد بالصلاة معناها الشرعي.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الأمور المذكورة هو كون الصلاة اسما للأعم ، وإلّا فلا بد من الالتزام بأحد أمور : إما من حمل النهي على الإرشاد ، وإما من القول بجواز التكليف بغير المقدور ، وإما من الالتزام بكون الاستعمال في الفاسد مجازا.

(٢) قوله : «وفيه» جواب من المصنف عن الاستدلال بالأخبار على الأعم ، وأنه قد أجاب عن الاستدلال بالرواية الأولى بوجهين :

الوجه الأول : ما أشار إليه بقوله : إن الاستعمال أعم من الحقيقة ، وهو مشترك بين الرواية الأولى وبين غيرها من الروايات.

وملخصه : أن غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال بتلك الأخبار على الأعم : إن ألفاظ العبادات قد استعملت في الأعم ، إلّا إنّ مجرد الاستعمال لا يدل على الوضع للأعم ، لأن الاستعمال أعم من الحقيقة ، ومن البديهي : إن العام لا يدل على الخاص.

والوجه الثاني : الذي أشار إليه بقوله : «مع إن المراد في الرواية الأولى هو خصوص الصحيح» ، وهو مختص بالرواية الأولى.

وحاصله : إنكار استعمال ألفاظ العبادات فيها على الأعم ؛ بدعوى : أن المراد بها

__________________

(*) في الكافي ، ج ٣ ، ص ٨٨ ، / التهذيب ، ج ١ ، ص ٣٨٤ ، ح ٦ : عن أبي عبد الله (عليه‌السلام): «لقول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : ... دعي الصلاة أيام أقرائك لله».

في الكافي ، ج ٣ ، ص ٨٥ ، ح ١ / التهذيب ، ج ١ ، ص ٣٨٢ ، ح ٦ : «ألا تراه لم يقل لها دعي الصلاة أيام أقرائك ، ولكن قال لها : إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلّي ..».

١٢٤

خصوص الصحيح ؛ بقرينة أنّها مما بني عليها الإسلام ، ولا ينافي ذلك (١) : بطلان عبادة منكري الولاية ، إذ لعل أخذهم بها إنما بحسب اعتقادهم لا حقيقة ، وذلك لا يقتضي استعمالها في الفاسد أو الأعم ، والاستعمال في قوله : «فلو أن أحدا صام نهاره» ، إلى آخره ؛ كان كذلك أي : بحسب اعتقادهم (٢) ، أو للمشابهة والمشاكلة (٣) ،

______________________________________________________

خصوص الصحيح بقرينة كونها مما بني عليها الإسلام ، وبديهيّ : أن الإسلام إنما بني على الصحيح دون الأعم ، فلا وجه للاستدلال بها على الوضع للأعم.

(١) أي : ولا ينافي كون المراد خصوص الصحيح بطلان عبادة منكري الولاية. قوله : «ولا ينافي ذلك ..» إلخ دفع لتوهم التنافي بين كون المراد خصوص الصحيح وبين بطلان عبادة منكر الولاية. فلا بد من توضيح التنافي ، كي يتضح الجواب عنه فنقول : إن توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أنه قد عرفت فيما تقدم ـ في تقريب الاستدلال بالرواية على الأعم ـ من أن الولاية شرط لصحة العبادة ، فتكون عبادة منكر الولاية باطلة نظرا إلى ما هو المشهور من أنه إذا فات الشرط فات المشروط. ولازم ذلك : أن ما أخذه الناس من الأربع كان فاسدا لأجل فقدان شرط الصحة.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن التنافي بين إرادة خصوص الصحيح وبين فساد عباداتهم أوضح من الشمس.

وتوضيح الدفع والجواب عن التوهم المذكور أيضا يتوقف على مقدمة وهي : أن الصحيح على قسمين : ١ ـ الصحيح الواقعي. ٢ ـ الصحيح الاعتقادي.

وإذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن التنافي بين إرادة خصوص الصحيح وبين فساد عباداتهم إنما يصح فيما إذا كان المراد بالصحيح الصحيح بحسب الواقع فقط ، وأما إذا كان المراد منه مطلق الصحيح أي : سواء كان بحسب الواقع أو بحسب الاعتقاد فلا تنافي في البين ، لأن عبادات منكري الولاية صحيحة بحسب اعتقادهم.

(٢) أي : المراد بالصوم في قوله : ـ «فلو ان أحدا صام نهاره» ـ هو الصوم الصحيح بحسب اعتقاده ، فإن صوم تارك الولاية وإن كان فاسدا بحسب الواقع إلّا إنه صحيح بحسب اعتقاد الصائم ، فالمستعمل فيه هو الصحيح بحسب الاعتقاد.

فالمتحصل : أن أخذهم بالأربع لا يقتضي استعمال ألفاظ العبادات في الفاسد أو الأعم حتى يقال إنه دليل على الأعم.

(٣) يمكن أن يكون الاستعمال في الأعم أو الفاسد مجازا بعلاقة المشابهة والمشاكلة في الصورة ، فالرواية الثانية أيضا لا تدل على وضع ألفاظ العبادات للأعم.

١٢٥

وفي الرواية الثانية (١) الإرشاد إلى عدم القدرة على الصلاة ، وإلا (٢) كان الإتيان بالأركان ، وسائر ما يعتبر في الصلاة ، بل بما يسمى في العرف بها (٣) ولو أخلّ بما لا يضر الإخلال به بالتسمية عرفا محرما على الحائض ذاتا ؛ وإن لم تقصد به القربة. ولا أظن أن يلتزم به المستدل بالرواية ، فتأمل جيدا (٤).

ومنها : أنه (٥) لا شبهة في صحة تعلق النذر وشبهه بترك الصلاة في مكان تكره

______________________________________________________

(١) أي : يظهر من هذا : أن ما تقدم هو الرواية الواحدة فقوله : «فلو أن أحدا صام نهاره ...» إلخ ليس رواية مستقلة ، بل من تتمة الرواية الأولى ، فحينئذ يكون محل الاستشهاد فقرتين من الرواية الواحدة كما هو ظاهر حاشية المشكيني.

وكيف كان ؛ فحاصل الإشكال على الرواية الثانية : أن لفظ الصلاة في قوله : «دعي الصلاة أيام أقرائك» لم يستعمل في الفاسدة حتى تكون من أدلة القائلين بالأعم.

بل استعمل في الصحيحة والنهي ليس تحريميا ، كي يقال بلزوم التكليف بغير المقدور ، بل يكون النهي للارشاد ، والمعنى حينئذ : أن الحائض لا تقدر على الصلاة الصحيحة لانتفاء الأمر ، وتوقف العبادة على قصد التقرب المتوقف على الأمر ، وفي بعض النسخ «وفي الرواية الثانية النهي للإرشاد»

(٢) أي : وإن لم يكن النهي للإرشاد إلى المانعية وعدم القدرة على الصلاة ؛ بأن كان مولويا لزم أن يكون الإتيان بها محرما على الحائض ذاتا ؛ فلا يجوز الإتيان بها حتى لتمرين طفلها ، وهو مما لا يلتزم به المستدل وإن ذهب إليه بعض.

(٣) أي : بالصلاة أي : تلزم حرمة صورة الصلاة وما يصدق عليه لفظ الصلاة ذاتا على الحائض ، «وإن لم تقصد به القربة» أي : لامتناع قصد القربة بما يكون منهيا عنه بالنهي المولوي ؛ الكاشف عن كون متعلقه مبغوضا للمولى.

(٤) لعله إشارة إلى أنه لا محذور في الالتزام بالحرمة الذاتية للعبادة على الحائض ، كما اختاره المصنف في كتابه شرح التبصرة.

ويؤيد ذلك ما في الفقه من عدّها من جملة المحرمات على الحائض ـ كدخولها في المساجد مثلا ـ فكما أن حرمة دخولها في المساجد ذاتية فكذلك حرمة الصلاة عليها ذاتية.

الدليل الخامس هو : تعلق النذر بترك الصلاة

(٥) الضمير للشأن وتوضيح هذا الدليل يتوقف على مقدمة وهي : أن هناك أمرين وقع التسالم عليهما :

١٢٦

فيه ، وحصول الحنث بفعلها ، ولو كانت الصلاة المنذور تركها خصوص الصحيحة ، لا يكاد يحصل به الحنث أصلا ، لفساد الصلاة المأتي بها لحرمتها ، كما لا يخفى ، بل يلزم المحال.

فإن النذر (١) حسب الفرض قد تعلق بالصحيح منها ، ولا يكاد يكون معه (٢) صحيحة ، وما يلزم من فرض وجوده عدمه محال.

قلت : لا يخفى : أنه لو صح ذلك (٣) ، لا يقتضي إلّا عدم صحة تعلق النذر

______________________________________________________

الأول : انعقاد النذر وشبهه ـ العهد واليمين ـ إذا تعلق بترك الصلاة في مكان تكره فيه ، كالصلاة في الحمام والمقابر وغيرهما.

الثاني : حصول الحنث بفعل الصلاة في ذلك المكان الذي تعلق النذر بترك الصلاة فيه كالحمام مثلا.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنّنا نستكشف من التسالم عليهما كون لفظ الصلاة موضوعا للأعم لا للصحيح ، إذ لو كان موضوعا للصحيح لكان المنذور تركه هو الصلاة الصحيحة ، وهو باطل لأمرين :

الأول : عدم حصول الحنث أصلا بفعلها في ذلك المكان ؛ وذلك لفساد الصلاة المأتي بها لتعلق الحرمة بها بعد النذر ، فلا يكون المأتى به هو المنذور تركه ، فلا يحصل الحنث.

الثاني : يلزم المحال ، لأن الصلاة المنذور تركها هي الصحيحة ، وبالنذر صارت فاسدة لدلالة النهي في العبادة على الفساد والحرمة ، فلا يمكن فعلها على وجه صحيح فينحل النذر لخروج الصلاة بسبب هذا النهي المفسد للعبادة عن متعلق النذر ـ وهو خصوص الصحيح ـ فيلزم من وجود النذر عدمه ، واستلزام وجود الشيء لعدمه محال.

(١) قوله : «فإن النذر» ... إلخ بيان للمحال وقد عرفته ، فلا حاجة إلى التكرار والإعادة.

(٢) أي : لا تكون الصلاة مع تعلق النذر بها صحيحة كما عرفته مفصلا.

(٣) قد أجاب المصنف عن الاستدلال المذكور بجوابين :

الأول : ما أشار إليه بقوله : «أنه لو صح ذلك» أي : لو صح ذلك الاستدلال ، لكان لازم ذلك : عدم تعلق النذر بالصحيح لاستلزامه ما ذكرناه من الإشكالين ؛ ولكن ليس مقتضاه وضع اللفظ شرعا للأعم كما هو المدعى.

وملخصه : أن مقتضى لزوم المحذورين عدم تعلق النذر بالصحيح لا عدم الوضع لها.

والجواب الثاني : ما أشار إليه : «مع إن الفساد من قبل النذر لا ينافي صحة متعلقه».

١٢٧

بالصحيح ، لا عدم وضع اللفظ له شرعا ، مع إن الفساد من قبل النذر لا ينافي صحة متعلقه ، فلا يلزم من فرض وجودها (١) عدمها.

ومن هنا (٢) انقدح : أن حصول الحنث إنما يكون لأجل الصحة لو لا تعلقه.

نعم ؛ (٣) ؛ لو فرض تعلقه (٤) بترك الصلاة المطلوبة بالفعل لكان منع حصول الحنث بفعلها بمكان من الإمكان.

______________________________________________________

وحاصله : منع امتناع تعلق النذر بالصحيح ، لأن متعلق النذر ـ على تقدير كونه هو الصحيح ـ هو الصحيح لو لا النذر ؛ وهو الجامع لجميع ما يعتبر من أجزاء وشرائط في مرحلة سابقة على النذر فلا ينفيه تعلق النهي به من قبل النذر ، فإن الصحة لو لا النذر لا تنافي تعلقه بالصحيح لولاه.

وعليه : فيحصل الحنث بالإتيان بما هو جامع لجميع الأجزاء والشرائط ؛ سوى عدم النهي من قبل النذر.

ومن هنا ظهر عدم المحال ؛ أي : لا يلزم من وجوده عدمه ؛ لأن الفساد الناشئ من قبل النذر لم يؤخذ عدمه في متعلق النذر حتى يقال : بانتفاء ما تعلق به النذر بعد النذر فيلزم ذلك.

(١) أي : فلا يلزم من فرض وجود الصحة عدم الصحة حتى يقال : إنه محال.

(٢) أي : من كون الصحة المقصودة في النذر هي الصحة السابقة على النذر ؛ انقدح : حصول الحنث ، فيحصل الحنث لو أتى بما هو صحيح من جهة ذاته ، لو لا تعلّق النذر. فهذا جواب عن خصوص الإشكال بعدم حصول الحنث على تقدير تعلق النذر بالصحيح.

(٣) أي : هذا استدراك على قوله : «ومن هنا انقدح ...» إلخ وحاصله : كما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ١٥٢» : أن منع حصول الحنث في محله إذا كان المنذور ترك الصلاة الصحيحة بالفعل يعني : الصحة بقول مطلق ولو بعد تعلق النذر ، بداهة : عدم القدرة على فعل الصلاة الصحيحة بالفعل مع فرض صيرورتها بسبب النذر منهيا عنها ، كما تقدم سابقا.

(٤) أي : تعلق النذر «بترك الصلاة المطلوبة بالفعل» أي : ولو مع النذر. ثم ما ذكرناه من صحة تعلق النذر بترك الصلاة في الحمام مبني على القول برجحان متعلق النذر حين تعلقه ، وأما لو قلنا : باعتبار الرجحان حين الإتيان بالمنذور فلا ينعقد النذر في المقام ، لأن فعل الصلاة يصير محرما بالنذر فينتفي بانتفاء الرجحان.

١٢٨

بقى أمور : (١)

الأول : أن أسامي المعاملات (٢) ، إن كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للأعم ، لعدم اتصافها بهما ، كما لا يخفى ؛ بل بالوجود تارة وبالعدم أخرى ، وأما إن كانت موضوعة للأسباب فللنزاع فيه مجال.

لكنه لا يبعد دعوى كونها (٣) موضوعة للصحيحة أيضا ، وأن الموضوع له هو

______________________________________________________

(١) أي : هناك أمور ثلاثة تتعلق بالصحيح والأعم.

(٢) وقبل الخوض في البحث لا بد من بيان ما هو محل النزاع في باب المعاملات.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن في كل معاملة يحصل أمران :

أحدهما : القول أو الفعل المقصود به إيجاد المعنى ؛ كالإيجاب والقبول في القول ، أو إشارة الأخرس في الفعل.

ثانيهما : المعنى المقصود إيجاده كالملكية الحاصلة بالقول أي : عقد البيع أو بالفعل ، أي : التمليك بالإشارة مثلا. فالأول يسمى سببا ، والثاني مسببا.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المعاملات فيها أسباب ومسببات ، وأساميها إما موضوعة للأسباب أو للمسببات ، والنزاع فيها يجري فيما إذا كانت ألفاظها موضوعة للأسباب ، وأما لو كانت موضوعة للمسببات كالزوجية والملكية والحرية وغيرها من الأمور الاعتبارية فلا مجال للنزاع أصلا ؛ وذلك لعدم اتصافها بالصحة والفساد حتى يقال إنها موضوعة للصحيح أو للأعم ؛ بل حينئذ يدور أمرها بين الوجود والعدم. وهذا ما أشار إليه المصنف بقوله : «لعدم اتصافها بهما» أي : بالصحة والفساد.

وملخص كلامه : أن النزاع إنما يجري في المورد القابل للاتصاف بالصحة والفساد بأن يكون له وجودان أحدهما : يترتب عليه الأثر ، والآخر : لا يترتب عليه الأثر ، فيصح حينئذ أن يقال : بأن اللفظ موضوع لخصوص ما يترتب عليه الأثر أو للأعم منه ومن غيره ، وأما ما لا يقبل الاتصاف بهما لعدم تعدد نحو وجوده فلا مجال للنزاع فيه.

(٣) أي : أسامي المعاملات كألفاظ العبادات فكما أن ألفاظ العبادات موضوعة لخصوص الصحيحة ـ على رأي المصنف ـ فكذلك ألفاظ المعاملات لا يبعد دعوى كونها موضوعة للعقود الصحيحة المؤثرة في الملكية ، أو في علقة الزوجية أو في الحرية. إلّا إن المصنف قد جزم في باب العبادات بأن ألفاظها موضوعة للصحيح ، ولم يجزم هنا ذلك الجزم فلذا قال : «لكنه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة أيضا» أي : كألفاظ العبادات.

١٢٩

العقد المؤثر لأثر كذا شرعا وعرفا (١).

والاختلاف (٢) بين الشرع والعرف فيما يعتبر في تأثير العقد ؛ لا يوجب الاختلاف بينهما في المعنى ، بل الاختلاف في المحققات والمصاديق ، وتخطئة الشرع العرف في تخيل كون العقد بدون ما اعتبره في تأثيره ، محققا لما هو المؤثر ، كما لا يخفى فافهم (٣).

الثاني (٤) : إن كون ألفاظ المعاملات أسامي للصحيحة لا يوجب إجمالها كألفاظ

______________________________________________________

(١) أي : أن الموضوع له في المعاملات هو العقد المؤثر في الأثر المطلوب منه من دون تفاوت في ذلك بين الشرع والعرف.

(٢) قوله : «والاختلاف بين الشرع والعرف فيما يعتبر ...» إلخ دفع لما يتوهم من أن هناك معاملات لا يقرّها الشرع المقدس ، ويقرها العرف مثل معاملة الصبي المالك فإنها فاسدة بنظر الشرع ، وصحيحة بنظر العرف ، فكيف يقال : إن معنى العقد هو الصحيح بنظر كل من الشرع والعرف؟

وهذا الاختلاف دليل على عدم كون الصحيح عند الشرع والعرف بمعنى : واحد ، بل يدل على أن ألفاظ المعاملات أسام للصحيحة شرعا ، وللأعم عرفا ، وليست موضوعة للصحيح شرعا وعرفا.

وحاصل الدفع : أن هذا الاختلاف لا يوجب الاختلاف في المعنى ، بل هذا الاختلاف يرجع إلى الاختلاف في المحقق والمصداق ؛ حيث إن الشارع يخطئ العرف فيما يراه صحيحا ، وينبهه على أن الشيء الفلاني دخيل في العقد المؤثر ، لأن العرف قد يشتبه في تطبيق الصحيح الواقعي على ما لا يكون مؤثرا وصحيحا واقعا ، والشارع ينبهه على خطئه ، فحاصل الجميع : أن الصحيح شرعا هو الصحيح عرفا ، فلا يكون الثاني أعم من الأول.

(٣) لعله إشارة إلى أن الاختلاف بينهما إنما هو في نفس المعنى الموضوع له لا في محققه ومصداقه ، فمفهوم ألفاظ المعاملات هو الصحيح عند الشارع ، والأعم عند العرف ، فكل صحيح عند الشارع صحيح عند العرف ، وليس كل صحيح عند العرف صحيحا عند الشارع ؛ ضرورة : أن العرف يرى عدم دخل البلوغ أو القبض في المجلس ـ مثلا في بعض العقود ـ في مفهوم البيع وغيره ، والشارع يرى دخلهما فيه ، فلا محيص عن كون الاختلاف في المعنى لا في المصداق.

(٤) الغرض من عقد هذا الأمر على ما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ١٥٦» دفع إشكال أورد على القائلين بالصحيح في المعاملات.

١٣٠

العبادات ، كي لا يصح التمسك بإطلاقها عند الشك في اعتبار شيء في تأثيرها شرعا.

وذلك (١) ، لأن إطلاقها لو كان مسوقا في مقام البيان (٢) ينزّل على أن المؤثر عند الشارع هو المؤثر عند أهل العرف ، ولم يعتبر في تأثيره عنده غير ما اعتبر فيه

______________________________________________________

أما الإشكال فحاصله : أنه بناء على هذا القول : ـ تكون ألفاظ المعاملات مجملة ، فلا يصح التمسك بإطلاق أدلتها ، مع وضوح استقرار ديدنهم على التمسك بإطلاقها عند الشك في اعتبار شيء في المعاملة.

وأما الدفع : فتوضيحه يتوقف على مقدمة وهي : الفرق الواضح بين العبادات ، والمعاملات ، حيث إن العبادات بناء على الوضع للصحيح ماهيات مخترعة شرعية غير معلومة للعرف.

فمع عدم معرفة تلك الماهيات لا يصح التمسك بالإطلاق ، لكون الشك في الموضوع الذي لا يتصور معه الإطلاق ، فعدم جواز التمسك بالإطلاق سالبة بانتفاء الموضوع أي : لا إطلاق أصلا حتى يتمسك به عند الشك في اعتبار شيء جزءا أو شرطا.

وهذا بخلاف المعاملات فإنها أمور عرفية وليست مخترعة شرعية ، والأدلة الشرعية كقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ونحوه إمضائية لا تأسيسية ، والمعنى هو المعاملة العرفية فالشارع لم يخترع مفهوم المعاملة حتى يكون مجملا ، ويرجع الشك فيه إلى الشك في موضوع الإطلاق ، كي لا يمكن التمسك به ، بل زاد على المعاملة العرفية قيودا لا ترتبط بالمفهوم ، فإذا كان الشارع في مقام البيان صح التمسك بالإطلاق إذا شك في شرطية شيء في تأثير المعاملة العرفية.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا يلزم إجمال الخطاب بناء على كون ألفاظ المعاملات أسامي للصحيح ، كما يلزم ذلك في العبادات ؛ بناء على كونها أسامي للصحيحة ، فيجوز التمسك بالإطلاق في المعاملات لعدم الإجمال ؛ ولا يجوز التمسك به في العبادات ؛ لما عرفت من إجمال معنى الصحيح الموجب لعدم جواز التمسك بالإطلاق.

(١) تعليل لقوله : «لا يوجب إجمالها» ودفع لإشكال الإجمال على القول بالصحيح وقد عرفته مفصلا.

(٢) هذا إشارة إلى ما يعتبر في التمسك بالإطلاق وهو : كون المتكلم في مقام البيان ؛ لا في مقام الإجمال أو الإهمال.

١٣١

عندهم (١) ، كما ينزّل عليه إطلاق كلام غيره (٢) ، حيث إنه منهم ، ولو اعتبر في تأثيره ما شك في اعتباره كان عليه (٣) البيان ، ونصب القرينة عليه ، وحيث لم ينصب بان (٤) عدم اعتباره عنده أيضا ، ولذا (٥) يتمسكون بالإطلاق في أبواب المعاملات مع ذهابهم إلى كون ألفاظها موضوعة للصحيح.

نعم (٦) ؛ لو شك في اعتبار شيء فيها عرفا فلا مجال للتمسك بإطلاقها في عدم اعتباره ، بل لا بد من اعتباره لأصالة عدم الأثر بدونه (٧) فتأمل جيدا (٨).

______________________________________________________

(١) أي : عند أهل العرف بمعنى : أن ما يعتبر في تأثير العقد عند الشارع نفس ما يعتبر عند أهل العرف.

(٢) أي : كلام غير الشارع «حيث إنه منهم» أي : الشارع من أهل العرف.

(٣) أي : كان على الشارع البيان ، ونصب قرينة على اعتبار ما شك في اعتباره ، فقوله : «ولو اعتبر في تأثيره ما شك في اعتباره» بيان للتمسك بالإطلاق.

(٤) أي : ظهر عدم اعتبار ما شك في اعتباره عند الشارع أيضا أي : كعدم اعتباره عند العرف ، ووجه ظهور عدم دخله شرعا في مؤثّريته هو : الإطلاق.

(٥) أي : لأجل عدم كون ألفاظ المعاملات على القول بوضعها للصحيح موجبا لإجمالها ؛ ترى الفقهاء من الصدر الأول إلى زماننا هذا يتمسكون بالإطلاق في نفي الجزئية المشكوكة في جميع أبواب المعاملات ؛ مع ذهابهم في هذه المسألة إلى وضع ألفاظ المعاملات للصحيح.

(٦) هذا استدراك على جواز التمسك بالإطلاق وحاصله : على ما في «منتهى الدراية» : أن الشك في دخل شيء في المعاملة على نحوين :

أحدهما : الشك في دخله في المعاملة العرفية بأن يشك في صدق مفهوم المعاملة عرفا على فاقد ذلك الشيء.

ثانيهما : الشك في دخله في تأثير المعاملة شرعا مع صدق المفهوم العرفي بدونه ، فإن كان الشك على النحو الأوّل ، فلا مجال للتمسك بالإطلاق لعدم إحراز موضوعه وهو المعاملة العرفية ، بل يرجع إلى استصحاب عدم ترتب الأثر. وإن كان على النحو الثاني ، فلا بأس بالتمسك به.

(٧) أي : لأصالة عدم حصول الأثر بدون ما شك في اعتباره في السبب ، وهذا معنى أصالة الفساد في المعاملات بعد اليأس عن الإطلاق.

(٨) قوله «فتأمل جيدا» تدقيقي ، أو إشارة إلى الفرق بين العبادات والمعاملات عند عدم الإطلاق ، وحاصل الفرق : أن المرجع في العبادات هو البراءة أو الاشتغال فيما إذا

١٣٢

الثالث (١) : أن دخل شيء وجودي أو عدمي في المأمور به ؛ تارة : بأن يكون داخلا

______________________________________________________

دار الأمر بين الأقلّ والأكثر ؛ على الخلاف الذي تقدم في بحث العبادات.

وأما المرجع في باب المعاملات فهو أصالة الفساد ؛ بمعنى : استصحاب عدم حصول الأثر بدون ما شك في اعتباره في المعاملة.

(١) الظاهر : أن غرض المصنف «قدس‌سره» من عقد هذا الأمر هو : التنبيه على ما يكون من الأجزاء والشرائط دخيلا في المسمى بحيث ينتفي بانتفائه ، وما لا يكون دخيلا فيه فلا ينتفي المسمى بانتفائه ، بل يصدق بدونه فيكون تمهيدا للتفصيل الذي التزم به بعض في مسألة الصحيح والأعم ؛ من الذهاب إلى الصحيح في الأجزاء ، وإلى الأعم في الشرائط.

وليس الغرض من عقد هذا الأمر بيان حكم الجزء المستحب وإمكانه في الواجب ؛ كالقنوت في الصلاة كما في بعض التقارير ، لأن الاحتمال الأول هو الأنسب بالبحث ، بل هو صريح كلامه حيث قال : «إذا عرفت هذا فلا شبهة في عدم ما ندب إليه في العبادات نفسيا في التسمية بأساميها».

وتوضيح ما أفاده المصنف «قدس‌سره» ـ في هذا الأمر الثالث من الأمور الثلاثة ـ يتوقف على مقدمة مشتملة على أمور تالية :

الأول : بيان تعاريف الجزء والشرط فنقول : إن لكل منهما تعاريف :

١ ـ لو اعتبر شيء في شيء يكون الشيء الأول جزءا ، ولو قيد شيء بشيء يكون الشيء الثاني شرطا.

٢ ـ ما كان من مقوّمات المركب : فإذا كان داخلا فيه فهو جزءا ، وإذا كان خارجا عنه فهو شرط.

٣ ـ ما كان اعتباره في ذات متعلقه فهو جزء. وما كان اعتباره لفائدة غيره فهو شرط.

٤ ـ ما كان فعلا فهو جزء ، وما كان صفة وحالة فهو شرط.

الثاني : بيان الفرق بين الأجزاء والشرائط وهو : أن بعض الأجزاء كما أنه دخيل في ماهية المأمور به ؛ فكذلك دخيل في التسمية أيضا.

هذا بخلاف الشرائط فإنها ليست دخيلة في التسمية مطلقا أي : كانت من شرائط الماهية أو تشخصها.

الثالث : أقسام دخل الشيء في المأمور به :

١ ـ أن يكون مقوّما للمأمور به ودخيلا في ماهيته بنحو الجزئية مثل : تكبيرة الإحرام ،

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والركوع ، والسجود وما شابهها ؛ فإنها أجزاء للصلاة. وقد أشار إليه بقوله : «تارة بأن يكون داخلا فيما يأتلف منه ومن غيره» أي : بأن يكون متعلق الأمر مؤلفا من ذلك الشيء ومن عدة أجزاء أخر ، وقد اعتبرها الشارع حقيقة واحدة ، وتعلق بها أمر واحد من جهة تأثيرها في غرض وحداني.

٢ ـ أن يكون خارجا عنه أي : عن المأمور به أي : ليس جزءا للمأمور به لكنه داخل في ماهيته شرطا ، كما إذا أخذ في الماهية خصوصية لا تتحقق إلّا بذلك الشيء الدخيل شرطا.

وهو ما سماه المصنف بالمقدمة حيث قال : «فيكون من مقدماته» وهو على أقسام :

١ ـ أن يكون سابقا على المأمور به كالطهارة بالنسبة للصلاة. ٢ ـ أن يكون مقارنا للمأمور به ؛ كالاستقبال والستر بالنسبة إلى الصلاة. ٣ ـ أن يكون لاحقا للمأمور به ؛ كغسل المستحاضة في الليلة الآتية بالنسبة إلى صوم اليوم المقدم عليها ؛ فإن الخصوصية المأخوذة في المأمور به لا تحصل بدون ذاك الشرط الذي يعتبر تارة : سابقا ، وأخرى : مقارنا ، وثالثة : متأخرا عن المأمور به.

٣ ـ أن يكون مقوّما للفرد والتشخص بنحو الجزئية أي : يكون ذلك الشيء موجبا لتشخص المأمور به مثل : كثرة الذكر في الركوع مثلا.

٤ ـ أن يكون موجبا لتشخص المأمور به بنحو الشرطية ؛ مثل : الصلاة جماعة ، أو في المسجد ؛ حيث يكون موجبا للمزية ، أو كالصلاة في الحمام حيث يكون موجبا للنقيصة.

٥ ـ أن لا يكون دخيلا في المأمور به أصلا ؛ لا بنحو الجزئية بكلا قسميه ، ولا بنحو الشرطية كذلك ؛ كالقنوت في الصلاة مثلا.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا دخل للقسم الخامس في التسمية بأسامي العبادات ، وكذا القسم الثالث والرابع مما له دخل في الفرد والتشخص ، بل يمكن أن يقال : بعدم دخل القسم الثاني في التسمية أيضا ، نعم ؛ القسم الأول كما له دخل في ماهية المأمور به فكذلك له دخل في التسمية.

ومن هنا يظهر : أنه يمكن أن يقال بالتفصيل بين الأجزاء والشرائط ، والذهاب إلى الصحيح في الأجزاء ؛ لأن لها دخل في التسمية ، وإلى الأعم في الشرائط إذ ليس لها دخل في التسمية هذا.

١٣٤

فيما يأتلف منه (١) ومن غيره ، وجعل جملته متعلقا للأمر ، فيكون جزءا له وداخلا في وقوامه ، وأخرى (٢) : بأن يكون خارجا عنه ، لكنه كان مما لا يحصل الخصوصية المأخوذة فيه (٣) بدونه ؛ كما إذا أخذ شيء (٤) مسبوقا أو ملحوقا به أو مقارنا له متعلقا للأمر ، فيكون (٥) من مقدماته لا مقوّماته.

وثالثة : (٦) بأن يكون مما يتشخص به المأمور به بحيث يصدق على المتشخص به عنوانه.

وربما يحصل له (٧) بسببه مزية أو نقيصة ، ودخل هذا (٨) فيه أيضا طورا : بنحو

______________________________________________________

وأما توضيح العبارات فنرجع إلى ما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ١٦٠».

(١) أي : يأتلف المأمور به من ذلك الشيء الوجودي أو العدمي ومن غيره. وهذا إشارة إلى القسم الأول.

(٢) هذا إشارة إلى القسم الثاني وعرفته مفصلا.

(٣) أي : في المأمور به أي : لا يحصل ما أخذ فيه من الخصوصية بدون ذلك الشيء الذي له دخل فيه بنحو الشرطية وقد عرفت أقسامه مفصلا.

(٤) أي : المراد بالشيء هو المأمور به أي : تارة : يؤخذ مسبوقا بالشرط ، وأخرى : مقارنا له ، وثالثة : ملحوقا به. وقد تقدم تفصيله مع الأمثلة.

(٥) هذه نتيجة ما ذكره في الأمر الخارج عن الماهية وحاصلها : أن الشيء الخارج عن الطبيعة المأمور بها قد يكون مقدمة لوجود الخصوصية المعتبرة في الماهية ، فإن المقدمة تارة : تكون مقدمة لوجود أصل الواجب ، وأخرى : لوجود وصفه. الضميران ـ في مقدماته ولا مقوّماته ـ يرجعان إلى الشيء وهو المأمور به ، فمعنى العبارة : أن ذلك الخارج عن المأمور به يكون من مقدماته ؛ لا من مقوماته.

(٦) هذا إشارة إلى القسم الثالث والرابع أي : ما له دخل في تشخص المأمور به بنحو الجزئية أو الشرطية ؛ بحيث لا يصدق عنوان المأمور به إلّا على المتشخص.

(٧) أي : ربما يحصل للمأمور به بسبب الشيء الموجب لتشخصه مزية ؛ كالصلاة في المسجد ، أو مع القنوت ، أو تحصل المزية لها بتكرر الأذكار في ركوعها وسجودها. أو يحصل بسبب تشخص المأمور به نقصان فيه كالصلاة في الحمام مثلا. أو لا يحصل شيء منهما كالصلاة في البيت مثلا.

(٨) أي : دخل ما يوجب التشخص في المأمور به على قسمين : أيضا أي : مثل ما له دخل في ماهيته تارة : بنحو الشطرية والجزئية هذا هو القسم الثالث. وأخرى : بنحو

١٣٥

الشطرية ، وأخرى : بنحو الشرطية فيكون (١) الإخلال بما له دخل بأحد النحوين في حقيقة المأمور به وماهيته موجبا لفساده لا محالة ؛ بخلاف ما له الدخل في تشخصه وتحققه مطلقا شطرا كان أو شرطا ؛ حيث لا يكون الإخلال به إلّا إخلالا بتلك الخصوصية مع تحقق الماهية بخصوصية أخرى غير موجبة لتلك المزية ، بل كانت موجبة لنقصانها (٢) ، كما أشرنا إليه (٣) كالصلاة في الحمام.

ثم إنه (٤) ربما يكون الشيء مما يندب إليه فيه (٥) ، بلا دخل له أصلا ـ لا شطرا ولا شرطا ـ في حقيقته ، ولا في خصوصيته وتشخصه ، بل له (٦) دخل ظرفا في مطلوبيته ،

______________________________________________________

الشرطية. هذا إشارة إلى القسم الرابع.

(١) هذا منه بيان للفرق بين ما له دخل في الماهية ، وما له دخل في التشخص وملخصه : أن الإخلال بما يكون دخيلا في نفس الماهية سواء كان جزءا أو شرطا ـ يوجب الفساد ـ لعدم تحقق المسمى حينئذ ، إذ الدخيل في الماهية دخيل في المسمى. هذا بخلاف الإخلال بما له دخل في تشخص المأمور به سواء كان جزءا أو شرطا ؛ حيث لا يوجب فساده.

والوجه فيه : أن الإخلال به ليس إخلالا بنفس الماهية ، بل بالخصوصية التي لا يقدح انتفاؤها إلّا بالمزية المسببة عنها. مثلا : انتفاء خصوصية كون المكان مسجدا لا يوجب انتفاء طبيعة الصلاة مطلقا حتى في غير المسجد.

والمتحصل : أن الموجب لانتفاء الماهية التي تدور التسمية مدارها هو انتفاء جزئها أو شرطها لا جزء الفرد أو شرطه ، لإمكان وجود الماهية بخصوصية أخرى ، فانتفاء ما له دخل في الفرد لا يوجب إلّا انتفاء ذلك الفرد. هذا ما أشار إليه بقوله : «حيث لا يكون الإخلال به إلّا إخلالا بتلك الخصوصية ...» إلخ.

(٢) أي : لنقصان الماهية.

(٣) أشار إليه بقوله : «ربما يحصل بسببه مزية أو نقيصة».

(٤) قوله : «ثم إنه ربما ...» إلخ إشارة إلى القسم الخامس ؛ وهو ما ليس له دخل في المأمور به أصلا.

(٥) أي : يندب إلى ذلك الشيء أن يكون في المأمور به ؛ كالقنوت في الصلاة مثلا.

(٦) أي : بل للمأمور به دخل ظرفا في مطلوبية ذلك الشيء كالقنوت حيث يكون مطلوبا في الصلاة ، أو كالمتابعة في صلاة الجماعة فإن وجوبها نفسي ، وللصلاة دخل

١٣٦

بحيث لا يكون مطلوبا إلّا إذا وقع في أثنائه ، فيكون مطلوبا نفسيا (١) في واجب أو مستحب ، كما إذا كان مطلوبا كذلك (٢) قبل أحدهما (٣) أو بعده (٤) ، فلا يكون الإخلال به (٥) موجبا للإخلال به ماهية ، ولا تشخصا وخصوصية أصلا.

إذا عرفت هذا (٦) كله ، فلا شبهة في عدم دخل ما ندب إليه في العبادات نفسيا في التسمية بأساميها ، وكذا فيما له دخل في تشخصها (٧) مطلقا.

وأما ما له (٨) الدخل شرطا في أصل ماهيتها : فيمكن الذهاب أيضا (٩) إلى عدم

______________________________________________________

ظرفي في مطلوبيتها.

(١) أي : سواء كان واجبا في واجب كوجوب المتابعة في الجماعة ، أم مستحبا في واجب ، أو مستحب ؛ كالقنوت في الصلاة الواجبة أو المستحبة.

(٢) أي : نفسيا.

(٣) أي : قبل الواجب أو المستحب ؛ كالمضمضة والاستنشاق قبل الواجب أو المستحب ؛ بناء على عدم كونهما جزءا منه.

(٤) أي : بعد أحدهما ؛ كاستحباب بعض الأدعية بعد الصلاة مثلا.

(٥) أي : فلا يكون الإخلال بالقسم الخامس ـ وهو ما ندب إليه في واجب أو مستحب ـ موجبا للإخلال بالمأمور به وحاصله : أن الإخلال بهذا المطلوب النفسي لا يوجب إخلالا بالطبيعة المأمور بها ولا بفردها ، لأن المفروض : عدم دخله في شيء منهما لا شطرا ولا شرطا.

(٦) أي : إذا عرفت ما ذكرناه من الأقسام والاعتبارات الخمسة فاعلم : أنه لا شبهة في إن هذا الأخير أي : الخامس لا دخل له في التسمية بأسامي العبادات ، فلا يدخل في النزاع بين الصحيحي والأعمي ، وكذا لا شبهة في خروج ما له دخل في تشخص المأمور به عن محل النزاع.

(٧) أي : تشخص العبادات مطلقا أي : سواء كان دخله بنحو الجزئية أو الشرطية.

(٨) هذا هو القسم الثاني من الأقسام الخمسة. وهو الدخل في أصل الماهية وحاصله : أنه يمكن أن يقال بعدم دخله في التسمية ، فانتفاؤه لا يوجب انتفاء المسمى ، وإن قلنا بكون الجزء دخيلا في المسمى.

ومن هنا ظهر الفرق بين جزء الماهية وشرطها بدخل الأول في التسمية دون الثاني.

(٩) أي : كشرط الفرد الذي ليس دخيلا في التسمية.

١٣٧

دخله في التسمية بها (١) ، مع الذهاب (٢) إلى دخل ما له الدخل جزءا فيها (٣) ، فيكون الإخلال بالجزء مخلّا بها دون الإخلال بالشرط ؛ لكنك عرفت (٤) : أن الصحيح اعتبارهما فيها.

______________________________________________________

(١) أي : بأسامي العبادات.

(٢) كما ذهب إليه الوحيد البهبهاني «قدس‌سره» ، حيث نسب إليه الذهاب إلى دخل جزء الماهية في التسمية دون شرطها ؛ لخروجه عن المسمى ، فهو قائل في أجزاء الماهية بالصحيح ، وفي شرائطها بالأعم.

(٣) أي : في التسمية «فيكون الإخلال بالجزء مخلا بها» أي : بالتسمية «دون الإخلال بالشرط» أي : لا يكون الإخلال به مخلا بالتسمية.

(٤) أي : عرفت عند ذكر أدلة القائلين بالصحيح «أن الصحيح اعتبارهما فيها» أي : اعتبار الجزء والشرط معا في التسمية ؛ لأن ألفاظ العبادات موضوعة للصحيحة بمعنى : جامع الأجزاء والشرائط فتنتفي عند انتفاء أحدهما ، كما تنتفي عند انتفائهما معا. هذا هو مختار المصنف «قدس‌سره».

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور تالية :

١ ـ لا إشكال في جريان النزاع على القول بثبوت الحقيقة الشرعية ، وأما على القول بعدم الثبوت ففيه إشكال ؛ إلّا إن يقال : بجريان الخلاف في المجاز الأوّل. فالصحيحي يقول : إن المجاز الأوّل الذي لاحظ الشارع العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي ابتداء هو الصحيح ، ويقول الأعمي : هو الأعم من الصحيح والفاسد.

٢ ـ أن الصحة بمعنى : التمامية عند الكل أي : الفقهاء ، والمتكلمين ، والعرف وأمّا اختلافهم في تفسيرها بإسقاط القضاء كما عن الفقهاء ، أو بموافقة الشريعة كما عن المتكلمين لا يوجب تعدد المعنى ، لأن الاختلاف إنما هو في لوازم الصحة.

٣ ـ لا بد على كلا القولين من قدر جامع في البين ، ولا إشكال في وجوده بين الأفراد الصحيحة على القول الصحيحي ، ويشار إليه بخواصه مثل : (الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) و «معراج المؤمن» ، «والصوم جنة من النار» ، وليس الجامع أمرا مركبا كي يقال : إنه لا ينطبق على جميع الأفراد الصحيحة المختلفة زيادة ونقيصة ، وصحة وفسادا حسب اختلاف حالات المكلف ، ولا أمرا بسيطا وهو عنوان المطلوب أو ملزومه المساوي له كي يقال : أنه مستلزم للدور أو الترادف.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بل الجامع هو : مفهوم واحد منتزع عن هذه المركبات المختلفة زيادة ونقصانا ، ومتحد مع جميع أفرادها ومراتبها نحو اتحاد.

وأما تصوير الجامع على القول الأعمي ففي غاية الإشكال ، وما قيل في تصويره غير صحيح ؛ إمّا لاستلزامه صدق الصلاة على فاقد جميع الأجزاء والشرائط سوى الأركان أو معظم الأجزاء ؛ لو كان الجامع هو الأركان أو معظم الأجزاء ، أو يلزم تبادل ما هو المعتبر في المسمى وجودا وعدما بحسب حالات المكلف ، أو يلزم القياس مع الفارق في قياس ألفاظ العبادات بأسامي المقادير والأوزان ، وكل واحد من هذه الأمور باطل لا يمكن الالتزام به.

٤ ـ الظاهر : أن الموضوع له في ألفاظ العبادات كالوضع عام ، واحتمال كون الموضوع له فيها خاصا بعيد جدا ؛ لاستلزامه كون استعمالها في الجامع مجازا وهو بعيد إلى الغاية.

٥ ـ ثمرة النزاع هو : إجمال الخطاب على القول بالصحيح ، فلا يجوز التمسك بإطلاقه عند الشك في جزئية شيء ؛ بخلاف القول بالأعم حيث يجوز التمسك بالإطلاق لرفع جزئية ما شك في جزئيته.

٦ ـ أدلة القول بالصحيح :

١ ـ التبادر. ٢ ـ صحة السلب عن الفاسد. ٣ ـ الأخبار الظاهرة في إثبات بعض الآثار للمسميات بألفاظ العبادات مثل : «الصلاة عمود الدين» ، و «معراج المؤمن» ، أو نفي ماهيتها وطبائعها عن فاقد بعض الأجزاء أو الشرائط مثل : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» ، «ولا صلاة إلّا بطهور».

٣ ـ دعوى القطع بأن طريقة الواضعين وديدنهم وضع الألفاظ للمركبات التامة ، والشارع غير متخط عن هذه الطريقة. فوضع ألفاظ العبادات لجامع الأجزاء والشرائط.

٧ ـ أدلة الأعمي :

١ ـ تبادر الأعم. ٢ ـ عدم صحة السلب عن الفاسد. ٣ ـ صحة التقسيم إلى الصحيح والفاسد.

وأما فساد الاستدلال بالتبادر وعدم صحة السلب عن الفاسد فظاهر مما تقدم في أدلة الصحيحي ؛ من تبادر الصحيح ، وصحة السلب عن الفاسد.

وأما صحة التقسيم إلى الصحيح والفاسد : فيمكن أن يكون بملاحظة استعمال اللفظ

١٣٩

الحادي عشر (١)

الحق وقوع الاشتراك للنقل والتبادر وعدم صحة السلب بالنسبة إلى معنيين أو

______________________________________________________

في الأعم بالعناية والمجاز ؛ فلا يكون دليلا على المدعى ؛ وهو : كون ألفاظ العبادات موضوعة للأعم.

٤ ـ استعمال اللفظ في غير واحد من الأخبار في الفاسد ؛ مثل : «بني الإسلام على الخمس» ، «ودعى الصلاة أيام أقرائك» ، وقد عرفت الجواب بأن المراد مما بني عليه الإسلام في الرواية الأولى هو الصحيح ولو باعتقادهم فيكون دليلا للصحيح لا للأعم ، وأما قوله : «دعي الصلاة أيام أقرائك» فالنهي فيه للإرشاد إلى عدم قدرة الحائض من العبادة حين الحيض ، فلا يكون دليلا على الأعم.

٨ ـ أمور ثلاثة تتعلق بالصحيح والأعم :

١ ـ الفرق بين ألفاظ العبادات والمعاملات : أن كون ألفاظ المعاملات أسامي للصحيحة لا يوجب إجمالها ؛ كي لا يجوز التمسك بالإطلاق في رفع اعتبار ما شك في اعتباره فيها.

ثم النزاع فيها إنما يجري لو كانت ألفاظها أسامي للأسباب دون ما كانت أسامي للمسببات ؛ لعدم اتصافها بالصحة والفساد ، بل يدور أمرها بين الوجود والعدم.

٢ ـ أن ما له دخل في المأمور به وإن كان على أقسام ، إلّا إن ما له دخل في التسمية هو جزء ماهيته أو شرطها.

٩ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

أن ألفاظ العبادات موضوعة للصحيحة وكذلك ألفاظ المعاملات.

وأن الإخلال بما له دخل في ماهية المأمور به موجب للإخلال بالتسمية ؛ سواء كان شرطا للماهية أو جزءا لها.

الاشتراك

(١) قبل الخوض في البحث لا بدّ من تحرير ما هو محل الكلام ، وبيان ذلك يتوقف على مقدمة مشتملة على أمرين :

الأول : أن الاشتراك على قسمين :

الأول : الاشتراك المعنوي وهو : ما إذا كان للفظ معنى واحد كلي يصدق على المصاديق الكثيرة ؛ مثل : لفظ الإنسان مثلا.

١٤٠