دروس في الكفاية - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦

له ، والأوّل غير معقول ، لبداهة : استحالة أخذ ما لا يتأتّى إلّا من قبل الطلب في متعلقه مع لزوم الترادف بين لفظة الصلاة والمطلوب ، وعدم جريان البراءة مع الشك في أجزاء العبادات وشرائطها ، لعدم الإجمال ـ حينئذ ـ في المأمور به فيها (١) ، إنّما الإجمال فيما يتحقق به ، وفي مثله لا مجال لها ، كما حقق في محله ، مع إن المشهور القائلين بالصحيح قائلون بها في الشك فيها ، وبهذا يشكل لو كان البسيط هو ملزوم المطلوب أيضا (٢) ـ مدفوع (٣) : بأن الجامع إنّما هو مفهوم واحد منتزع عن هذه

______________________________________________________

المطلوب ، كعنوان المحبوب أو ذي المصلحة ، لأن الإشكال الأخير أي : الرجوع إلى قاعدة الاشتغال دون البراءة يرتبط ببساطة الجامع بلا خصوصية كونه عنوان المطلوب أو ملزوما مساويا له. وقيل : بأنه يرد عليه جميع الإشكالات الثلاث وهي الدور والترادف والاشتغال فتدبر.

(١) أي : في العبادات.

(٢) أي : يرد الإشكال لو كان البسيط ملزوم المطلوب أيضا ، كما ورد على ما إذا كان الجامع البسيط عنوان المطلوب.

(٣) خبر لقوله : «والإشكال» وجواب عنه بما حاصله : أنه اختار الشق الثاني أعني : كون الجامع أمرا بسيطا ولكن ليس عنوان المطلوب كي يلزم إشكال عدم جريان البراءة فيما إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته ؛ بل هو أمر بسيط منتزع عن المركبات المختلفة زيادة ونقيصة.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي :

أن المأمور به ـ وهو الجامع البسيط على الفرض ـ قد يكون ممتازا عن محصله بحيث لا يكون متحدا معه وجودا ، بل يكون مغايرا له ؛ نظير تغاير وجود المسبب لوجود سببه وذلك كالطهارة على القول بأنها حالة نفسانية مغايرة لأسبابها من الغسل والوضوء ونحوها ، وحينئذ فإذا شك في دخل شيء جزءا أو شرطا في أسباب الطهارة جرت فيه قاعدة الاشتغال دون البراءة ؛ لما عرفت : من أن الشك حينئذ شكّ في المحصل ، ومقتضى القاعدة فيه أصالة الاشتغال والاحتياط دون البراءة.

وقد يكون المأمور به متحدا مع محصله وجودا كاتحاد الطبيعي مع أفراده ؛ حيث لا وجود له إلّا بوجود أفراده ؛ ففي هذه الصورة إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته في المأمور به تجري البراءة ، فيقال : الأصل عدم دخل المشكوك جزءا أو شرطا في المأمور به.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن ما نحن فيه من هذا القبيل أي : يكون المأمور به

١٠١

المركبات المختلفة زيادة ونقيصة ، بحسب اختلاف الحالات ، متحد معها نحو اتحاد ، وفي مثله تجري البراءة ، وإنّما لا تجري فيما إذا كان المأمور به أمرا واحدا خارجيا مسببا عن مركب مردد بين الأقل والأكثر ، كالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فيما إذا شك في أجزائهما (١) هذا على الصحيح.

وأمّا على الأعم ، فتصوير الجامع في غاية الإشكال (٢) ، وما قيل في تصويره أو يقال وجوه : «أحدها» (٣) : أن يكون عبارة عن جملة من أجزاء العبادة كالأركان في الصلاة مثلا ، وكان الزائد عليها معتبرا في المأمور به ، لا في المسمى.

______________________________________________________

متحدا مع الأجزاء والشرائط وجودا ، فالشك في دخل شيء فيه جزءا أو شرطا شك في المأمور به وهو مجرى البراءة.

(١) أي : في أجزاء الغسل والوضوء ، فلا تجري البراءة لكون الشك فيه شكا في المحصل ، وأما في المورد الذي يكون وجود المأمور به بوجود الأجزاء والشرائط وليس له وجود مستقل منحاز عن وجودهما ـ كما فيما نحن فيه ـ كان الأصل الجاري عند الشك هو البراءة لا الاشتغال ؛ لأن الشك في الحقيقة شك في المأمور به ، لأنّ المأمور به في الحقيقة هو الأجزاء والشرائط.

(٢) أي : ففي تصوير الجامع بين الصحيح والفاسد غاية الإشكال.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أنه يعتبر في الصحيح الزيادة بالنسبة إلى الفاسد ؛ لأنّ الصحيح هو تام الأجزاء والشرائط ، والفاسد هو ناقص بعض الأجزاء أو الشرائط.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا يمكن تصوير الجامع على الأعم ؛ وذلك أنه لو كان الزائد دخيلا في الجامع امتنع أن يكون الناقص فردا للزائد ، وإن كان الناقص دخيلا في الجامع امتنع أن يكون الزائد فردا للناقص ، ومعنى وجود الجامع هو : انطباقه عليهما ، وهو غير معقول لاستلزامه اجتماع النقيضين حيث يلزم أن يكون الزائد دخيلا في الجامع ، وأن لا يكون دخيلا حينما يكون الناقص دخيلا فيه. هذا ما ذكرناه من اجتماع النقيضين.

(٣) أي : حكي هذا التصوير عن المحقق القمي بتفاوت يسير وحاصله : أنّ الجامع هو الأركان على نحو لا بشرط بأن تكون الصلاة اسما لتكبيرة الإحرام والقيام والركوع والسجود والنية ، كي يصدق على مطلق المركب منها سواء كان واجدا لسائر الأجزاء والشرائط أم لا.

١٠٢

وفيه (١) ما لا يخفى : فإنّ التسمية بها (٢) حقيقة لا تدور مدارها ؛ ضرورة : صدق الصلاة مع الإخلال ببعض الأركان ، بل وعدم الصدق عليها مع الإخلال بسائر الأجزاء والشرائط عند الأعمي مع أنّه يلزم أن يكون الاستعمال فيما هو المأمور به بأجزائه وشرائطه مجازا عنده (٣) ، وكان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل ؛ لا من باب إطلاق الكلي على الفرد والجزئي كما هو واضح ، ولا يلتزم به (٤) القائل بالأعم فافهم (٥).

______________________________________________________

نعم ؛ بقية الأجزاء والشرائط دخيلة في المأمور به دون المسمى بمعنى : أن لفظ الصلاة مثلا موضوع لذات التكبيرة والركوع والسجود وغيرها من الأركان ، وأمّا سائر الأجزاء والشرائط فهي معتبرة في مطلوبية الصلاة شرعا لا في تسميتها عرفا.

(١) أي : فيما ذكر من تصوير الجامع ما لا يخفى من الإشكال.

(٢) أي : التسمية بالأركان حقيقة لا تدور مدار الأركان ؛ بمعنى : أن التسمية لا تدور مدارها وجودا ؛ فلا يكون مطردا ولا تدور مدارها عدما فلا يكون منعكسا.

وحاصل ما أفاده المصنف من الإشكال يرجع إلى وجهين :

الأول : أن هذا الجامع لا يطرد ولا ينعكس ، وأمّا عدم اطراده : فلأن لازمه عدم صدق الصلاة على فاقد ركن مع استجماعها لسائر الأجزاء والشرائط وذلك لعدم الموضوع له وهو مجموع الأركان. وأمّا عدم انعكاسه : فلأن لازمه هو صدق الصلاة على فاقد جميع الأجزاء والشرائط سوى الأركان ، لأنّ الأركان هي الموضوع له واللازم بكلا قسميه باطل ؛ وذلك لأن صدق الصلاة في الأول وعدم صدقها في الثاني مما لا ينكر عرفا. فملزومهما ـ وهو كون الجامع هو الأركان ـ أيضا باطل.

وأمّا الوجه الثاني : فملخصه : لزوم مجازية استعمال اللفظ في مجموع الأجزاء والشرائط ، لأن اللفظ موضوع للجزء أعني : خصوص الأركان ، فاستعماله في المجموع وإطلاقه على الواجد لجميع الأجزاء والشرائط استعمال للفظ الموضوع للجزء في الكل ؛ وهو مما لا يلتزم به القائل بالأعم.

(٣) أي : عند الأعمي.

(٤) أي : بكون الاستعمال مجازا ، فإنّ الأعمي مدع لكون الاستعمال في المأمور به حقيقة.

(٥) لعله إشارة إلى عدم لزوم المجازية. توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أنه تارة : يكون مسمى الصلاة خصوص الأركان على نحو الماهية المجردة أعني : الماهية

١٠٣

«ثانيها» (١) : أن تكون موضوعة لمعظم الأجزاء التي تدور مدارها التسمية عرفا ، فصدق الاسم كذلك يكشف عن وجود المسمى ، وعدم صدقه عن عدمه.

وفيه (٢): ـ مضافا إلى ما أورده على الأول أخيرا ـ : أنه عليه يتبادل ما هو المعتبر في

______________________________________________________

بشرط لا. وأخرى : يكون خصوص الأركان على نحو الماهية لا بشرط والماهية المطلقة.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه تلزم المجازية على الاحتمال الأول دون الاحتمال الثاني ، والحق هو الاحتمال الثاني كما عرفت. فإن مسمّى الصلاة هو خصوص الأركان على نحو الماهية لا بشرط ، فلا تلزم المجازية إذا استعملت في جميع الأجزاء والشرائط ، لأن الماهية إذا كانت لا بشرط تجتمع مع ألف شرط.

(١) الثاني من وجوه تصوير الجامع على مذهب الأعمي : وملخص هذا الوجه الثاني الذي نسب إلى المشهور : أن الموضوع له هو معظم الأجزاء سواء كانت هي الأركان أم غيرها أم المركب منهما ؛ فصدق الصلاة مثلا وعدمه يدوران مدار وجود ذلك المعظم وعدمه ، والفرق بين هذا الوجه وسابقه هو ابتناء هذا الوجه على الصدق العرفي المنوط بوجود المعظم ، بخلاف الوجه المتقدم حيث يكون المسمى فيه جملة خاصة من الأجزاء ؛ من دون إناطة بالمعظم الذي يناط به الصدق العرفي ، فلا ينفك الصدق العرفي عن المعظم ، ولذا لا يرد على هذا الوجه الإشكال الأول الذي أورده المصنف «قدس‌سره» على الوجه السابق من عدم الاطراد والانعكاس على ما في «منتهى الدراية ج ١ ، ص ١١٨» ، مع تصرف ما.

(٢) أي : الإشكال في هذا الوجه الثاني من وجوه التصوير ؛ مضافا إلى ما أورده ثانيا على الوجه الأوّل من لزوم المجازية في استعمال اللفظ في الكل ؛ يلزم عدم تعيّن الجامع وتردده بين أمور. ويلزم أن يكون الشيء الواحد تارة دخيلا في المعظم ، وأخرى لا يكون كذلك. هذا مجمل الكلام.

وأمّا تفصيل ذلك فقد أورد المصنف على هذا الوجه بوجوه :

أوّلها : ما أشار إليه بقوله : «مضافا ...» إلخ وملخصه : أن الإشكال الأخير الوارد على الوجه الأول بعينه جار هنا ؛ وهو : لزوم مجازية استعمال اللفظ في المجموع ، والكل من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل ، ولا يلتزم به القائل بالأعم.

وثانيها : ما أشار إليه بقوله : «أنه عليه يتبادل ما هو المعتبر في المسمى» لأن المعظم ليس أمرا مشخصا إذ ليس المراد مفهوم المعظم بل مصداقه ، فيتردد بين أمور ، فإن المعظم في صلاة الصبح غير المعظم في صلاة المغرب. والمعظم فيها غير المعظم في صلاة العشاء والظهر والعصر ، والمعظم في حال الاختيار غير المعظم في حال الاضطرار ، وهكذا فليزم

١٠٤

المسمى فكان شيء واحد داخلا فيه تارة ، وخارجا عنه أخرى ، بل مرددا بين أن يكون هو الخارج أو غيره عند اجتماع تمام الأجزاء وهو كما ترى (١) ، سيما إذا لوحظ هذا (٢) مع ما عليه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات.

«ثالثها» : أن يكون وضعها (٣) كوضع الأعلام الشخصية ك «زيد» ، فكما لا يضرّ

______________________________________________________

عدم تعين الجامع وكونه مجهولا لاختلافه حسب اختلاف حالات المكلف ؛ كالسفر والحضر ، والقدرة على جميع الأجزاء والعجز عن البعض.

وثالثها : ما أشار إليه بقوله : «بل مرددا بين أن يكون هو الخارج أو غيره عند اجتماع تمام الأجزاء ...» إلخ. أي : يلزم أن يكون الشيء الواحد مرددا بين كونه داخلا في المسمى وخارجا عنه ، فلا يعلم حينئذ أن المعظم مركب منه ومن غيره ، أو من غيره فقط وهو أجنبي عن المعظم ؛ كالقيام والركوع مثلا حيث هما داخلان في المعظم في حق القادر ، وخارجان عنه في حق العاجز ، وكذلك الإيماء حين يقصد كونه بدلا عن الركوع والسجود.

وكيف كان ؛ فيلزم التردد في المسمى وهو على خلاف حكمة الوضع ، لأن مقتضى حكمة الوضع هو الإفهام ، ولازم ذلك تعيّن المسمى لا تردده بين أمور ، أو تردّده بين كون شيء داخلا فيه وخارجا عنه.

(١) أي : ما ذكر من التردد والجهل أولا : يكون على خلاف الوجدان.

وثانيا : على خلاف حكمة الوضع فيكون باطلا.

(٢) أي : ما ذكر من التبادل والتردد «مع ما عليه العبادات من الاختلاف». وقد عرفت الاختلاف الفاحش الناشئ من اختلاف حالات المكلف.

(٣) أي : أن يكون وضع ألفاظ العبادات كوضع الأعلام الشخصية.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الموضوع له في المركب على قسمين :

الأول : أنه لا يقبل الطوارئ من الزيادة والنقصان والتغيرات ، بل يكون لكل جزء من أجزائه مدخلية في الموضوع له ، ويلزم من انتفائه انتفاؤه كما في أسامي المقادير والمعاجين.

الثاني : أن الموضوع له يؤخذ على نحو يقبل الطوارئ فلا يلزم من انتفاء كل جزء انتفاؤه كما في الأعلام الشخصية ، فإن العلم موضوع للمركب بلا شبهة ، ولكن نقصان الأجزاء وتغير العوارض لا يقدح في التسمية ، ولذا يستمر صدق زيد مثلا مع طريان حالات غير متناهية بين الرضاع والشيخوخة.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن أسامي العبادات من هذا القبيل ، فكما لا يضر في

١٠٥

في التسمية فيها (١) تبادل الحالات المختلفة من الصغر والكبر ، ونقص بعض الأجزاء وزيادته ، كذلك فيها.

وفيه (٢) : أن الأعلام إنّما تكون موضوعة للأشخاص ، والتشخص إنّما يكون بالوجود الخاص ، ويكون الشخص حقيقة باقيا ما دام وجوده باقيا ، وإن تغيرت عوارضه من الزيادة والنقصان وغيرهما من الحالات والكيفيات ، فكما لا يضر اختلافها في التشخص ، لا يضر اختلافها في التسمية ، وهذا (٣) بخلاف مثل ألفاظ

______________________________________________________

التسمية في الأعلام الشخصية تبادل الحالات والعوارض ؛ فكذلك في العبادات ، فالجامع هو المركب القابل للطوارئ.

(١) أي : في الأعلام الشخصية. والضمير في قوله : «كذلك فيها» يرجع إلى العبادات.

(٢) أي : الإشكال في هذا الجامع.

وتوضيح ما أفاده المصنف من الإشكال يتوقف على مقدمة وهي : بيان الفرق بين الموضوع له في الأعلام الشخصية وبينه في ألفاظ العبادات.

والفرق بينهما : أن الموضوع له في الأعلام الشخصية معين محفوظ في جميع الأحوال ؛ لأنّ الموضوع له فيها هو الشخص ، وتشخص الشخص إنّما هو بالوجود الخاص ، فما دام الوجود باقيا كان الشخص باقيا ، وإن تغيرت عوارض الوجود من زيادة ونقصان وغيرهما من الحالات فالموضوع له أمر ثابت محفوظ في جميع هذه الحالات ، وصدق الاسم عليه إنّما هو لصدق المسمى دائما.

هذا بخلاف ألفاظ العبادات ؛ فإنها موضوعة لنفس المركبات المختلفة كما وكيفا بحسب اختلاف حالات المكلف ، فلا بدّ من أن يفرض ما يجمع الشتات ؛ كي يوضع اللفظ بازائه ولكن ليس فيها ما يجمع شتاتها ؛ إذ ليس في المركبات العبادية شيء معين محفوظ مع الأصناف ، كي يكون هو الموضوع له.

ومن هنا : ظهر أن قياس وضع ألفاظ العبادات بوضع الأعلام الشخصية قياس مع الفارق فيكون باطلا ؛ فإن الأعلام الشخصية وضعت للوجود الخاص المحفوظ بين العوارض ، ولذا لا يختلف المسمى بتبدل الحالات. وأما ألفاظ العبادات فهي موضوعة للمركبات ولا جامع بينها على مذهب الأعمي ؛ إذ لا أثر للفاسد حتى يستكشف منه الجامع بين الأفراد الصحيحة والفاسدة.

(٣) قوله : «وهذا بخلاف مثل ألفاظ العبادات» بيان لما ذكرناه من الفرق.

١٠٦

العبادات مما كانت موضوعة للمركبات والمقيدات ، ولا يكاد يكون موضوعا له ، إلّا ما كان جامعا لشتاتها وحاويا لمتفرقاتها كما عرفت في الصحيح منها (١).

«رابعها» (٢) : أن ما وضعت له الألفاظ ابتداء هو الصحيح التام الواجد لتمام الأجزاء والشرائط ؛ إلّا إن العرف يتسامحون ـ كما هو ديدنهم ـ ويطلقون تلك الألفاظ على الفاقد للبعض ، تنزيلا له منزلة الواجد.

فلا يكون مجازا في الكلمة ـ على ما ذهب إليه السكاكي في الاستعارة ـ بل يمكن دعوى صيرورته (٣) حقيقة فيه ، بعد الاستعمال فيه كذلك دفعة أو دفعات ؛ من

______________________________________________________

(١) أي : من العبادات.

(٢) هذا رابع الوجوه في تصوير الجامع على مذهب الأعمي.

توضيح ذلك : أن ألفاظ العبادات وإن كانت وضعت ابتداء للمعاني الصحيحة بمعنى : تامة الأجزاء والشرائط ؛ إلّا إن العرف ـ لبنائهم على المسامحة في استعمال الألفاظ ـ أطلقوا تلك الألفاظ على المعاني الفاقدة لبعض الأجزاء والشرائط تنزيلا للفاقد منزلة الواجد ؛ بمعنى : أنهم ادعوا أن الموضوع له هو الجامع بين الواجد والفاقد ، ولأجل هذا التنزيل والادعاء لا يكون إطلاقهم هذا من المجاز في الكلمة ـ أي : استعمال اللفظ في غير ما وضع له بأن يكون من باب تسمية الجزء باسم الكل ـ بل حقيقة ادعائية أي : بمعنى : استعمال اللفظ في معناه الحقيقي ادعاء ، والمجاز إنّما هو في الإسناد فقط كما هو مذهب السكاكي في باب الاستعارة ؛ حيث أنكر كون المجاز في الكلمة فيها وادعى فيها الحقيقة ، وإن المجاز إنّما هو في الإسناد فيقال في المقام : إن الموضوع له للفظ الصلاة ابتداء هو المركب من عشرة أجزاء مثلا ؛ لكن العرف أطلقوها على الناقص منها بجزء أو جزءين مثلا تنزيلا له منزلة الواجد ، بمعنى : أنهم ادعوا أن الموضوع له هو الجامع بين التام والناقص ، وهذا نظير أسامي المعاجين الموضوعة بإزاء الواجد لتمام ما له دخل فيها ، ثم تطلق عرفا على فاقد بعض الأجزاء مسامحة تنزيلا له منزلة الواجد. كما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ١٢٢» ، مع تصرف منّا.

(٣) أي : صيرورة إطلاق تلك الألفاظ على الفاقد حقيقة في الفاقد بعد الاستعمال في الفاقد «كذلك» أي : تنزيلا له منزلة الواجد ، وغرض المصنف من قوله : «بل يمكن دعوى ...» إلخ هو الترقي من كونها حقائق ادعائية في فاقد الأجزاء والشرائط إلى كونها حقائق اصطلاحية فيه بنحو الوضع التعيّني ؛ الحاصل من الأنس الحاصل لأجل المشابهة في الصورة ، أو المشاركة في الأثر. فقوله : «للأنس» تعليل لعدم الحاجة إلى الكثرة والشهرة.

١٠٧

دون حاجة إلى الكثرة والشهرة ، للأنس الحاصل من جهة المشابهة في الصورة (١) أو المشاركة في التأثير. كما في أسامي المعاجين الموضوعة ابتداء لخصوص مركبات واجدة لأجزاء خاصة ، حيث يصح إطلاقها على الفاقد لبعض الأجزاء المشابه له صورة ، والمشارك في المهم أثرا تنزيلا أو حقيقة.

وفيه (٢) : أنه إنما يتم في مثل أسامي المعاجين وسائر المركبات الخارجية (٣) مما يكون الموضوع له فيها ابتداء مركبا خاصا ، ولا يكاد يتم في مثل العبادات التي عرفت : أن الصحيح منها (٤) يختلف حسب اختلاف الحالات ، وكون الصحيح بحسب حالة

______________________________________________________

فملخص الكلام في المقام : أنه بعد حصول الأنس بين لفظ الصلاة الموضوع للتام ، وبين الناقص ينقلب الوضع التعييني الأولي في التام إلى الوضع التعيّني في التام الأعم من الحقيقي والادعائي.

(١) أي : لأن الناقص شبيه للتام في الصورة ؛ بأن يكون واجدا لمعظم الأجزاء أو مشاركا له في الأثر المطلوب ؛ بمعنى : أن كل منهما صلاة ومعراج للمؤمن.

(٢) أي : الإشكال في هذا الوجه الرابع من وجوه الجامع : أن قياس ألفاظ العبادات بأسماء المعاجين والمركبات الخارجية قياس مع الفارق. وحاصل الفرق : أن الموضوع له في المركبات الخارجية مضبوط معين وهو تام الأجزاء ، فيجعل هذا التام مقياسا ويلاحظ تسامح العرف بالنسبة إليه.

هذا بخلاف العبادات التي هي مركبات اعتبارية حيث قد عرفت : أنه لا يمكن أن يفرض فيها صحيح على الإطلاق ، بل هو مختلف بحسب اختلاف حالات المكلف ، وقد عرفت تفصيل ذلك ، فليس في العبادات ما يكون صحيحا مطلقا ، وفي جميع حالات المكلف ليكون هو الموضوع له أولا حتى ينسب إليه غيره مما هو دونه من المراتب النازلة.

(٣) أي : كالمقادير من المنّ والكيلو والمثاقيل والمتر وغيرها كالدار والسرير. فلها تام مضبوط معين لا يتغير أصلا.

وليست العبادات كذلك كما عرفت غير مرّة.

(٤) أي : الصحيح من العبادات «يختلف حسب اختلاف الحالات» من الحضر والسفر ، والقدرة والعجز وغيرها ، فالصلاة ذات الأربع ركعات صحيحة في حق الحاضر ، وفاسدة في حق المسافر ، والصلاة عن جلوس صحيحة في حق العاجز عن القيام ، وفاسدة في حق القادر عليه. هذا معنى قول المصنف : «وكون الصحيح بحسب

١٠٨

فاسدا بحسب حالة أخرى ، كما لا يخفى. فتأمل جيدا (١).

«خامسها :» (٢) : أن يكون حالها (٣) حال أسامي المقادير والأوزان مثل المثقال ، والحقة ، والوزنة إلى غير ذلك ، مما لا شبهة في كونها حقيقة في الزائد والناقص في الجملة ، فإن الواضع وإن لاحظ مقدارا خاصا إلّا إنه لم يضع له بخصوصه ، بل للأعم منه ومن الزائد والناقص ، أو أنه وإن خص به أولا ، إلّا إنه بالاستعمال كثيرا فيهما بعناية أنهما منه قد صار حقيقة في الأعم ثانيا.

______________________________________________________

حالة فاسدا بحسب حالة أخرى».

(١) لعله إشارة إلى لزوم الاشتراك اللفظي على فرض صحة الجامع المذكور ، لأن استعمال ألفاظ العبادات في فاقد بعض الأجزاء والشرائط على وجه الحقيقة موجب للاشتراك ؛ إذ المفروض : وضعها للصحيح فقط ابتداء ، وعدم مهجورية المعنى الحقيقي الأوّلي بعد صيرورتها حقيقة في الأعم ، ثم لازم الاشتراك مع عدم القرينة المعينة هو الإجمال المنافي لإطلاق الخطاب ، وهو خلاف مقصود الأعمي من التمسك بالإطلاق ؛ لرفع الشك في الجزئية أو الشرطية على ما سيأتي في بيان ثمرة النزاع.

(٢) أي : خامس الوجوه.

(٣) أي : حال ألفاظ العبادات حال أسامي المقادير والأوزان ؛ حيث إنها حقيقة في الزائد والناقص في الجملة أي : إما بوضع الواضع ، أو بكثرة الاستعمال في الأعم ، فيقال : إن الأمر في ألفاظ العبادات كذلك أي : أن الموضوع له فيها كالموضوع له في أسامي المقادير والأوزان ، فكما أن الموضوع له فيها هو الجامع بين الزائد والناقص ـ حيث إن الواضع وإن لاحظ حين الوضع مقدارا خاصا لتحديد الكيلو مثلا لكن لم يضع لفظ الكيلو بإزاء خصوص المقدار ، بل وضعه للجامع بينه وبين الزائد والناقص في الجملة ، وهكذا المثقال والوزنة والرطل وغيرها من أسامي الأوزان ـ فكذلك الموضوع له في ألفاظ العبادات ؛ حيث إن الشارع وإن لاحظ فيها جميع الأجزاء والشرائط إلّا إنه لم يضع لفظ الصلاة مثلا بإزائها بالخصوص ، بل وضعها بإزاء الجامع بينها وبين الناقص في الجملة ، فيكون اللفظ حقيقة في التام والزائد والناقص في الجملة ؛ فلا يكون إطلاق اللفظ على الزائد والناقص مجازا.

ومن هنا ظهر الفرق بين هذا الوجه وسابقه وهو : أن المدعى في الوجه السابق هو وضع اللفظ للصحيح التام ابتداء ، ثم استعماله في الناقص إنّما هو من باب تنزيله منزلة الواجد ؛ بخلاف هذا الوجه الخامس حيث إن المدعى فيه هو وضع اللفظ من الأول للأعم من الزائد والناقص كما عرفت.

١٠٩

وفيه (١) : أن الصحيح ـ كما عرفت في الوجه السابق ـ يختلف زيادة ونقيصة ، فلا يكون هناك ما يلحظ الزائد والناقص بالقياس عليه كي يوضع اللفظ لما هو الأعم ، فتدبر جيدا (٢).

ومنها : (٣) أنّ الظاهر : أن يكون الوضع والموضوع له ـ في ألفاظ العبادات ـ عامين ، واحتمال كون الموضوع له خاصا بعيد (٤) جدا ، لاستلزامه كون استعمالها في

______________________________________________________

(١) الإشكال هو نفس الإشكال الذي سبق في الوجه الرابع ، وهو : أن قياس ألفاظ العبادات بألفاظ المقادير والأوزان قياس مع الفارق ، وهو أن الصحيح بمعنى تام الأجزاء مضبوط ومعلوم في المقادير والأوزان ، هذا بخلاف ألفاظ العبادات حيث إن الصحيح بمعنى تام الأجزاء والشرائط لا يكون مضبوطا فيها في جميع الحالات ، بل يختلف باختلافها ، فليس هناك ما هو مضبوط من الصحيح ، كي يلاحظ التام والناقص بالنسبة إليه حتى يوضع لفظ الصلاة للأعم منهما.

(٢) قوله : «فتدبر» تدقيقي إشارة إلى دقة ما سبق بقرينة قوله : «جيدا».

فالمتحصل : أن الصحيح الذي يلاحظ الزيادة والنقصان بالإضافة إليه يختلف في باب العبادات كما عرفت دون باب المقادير والأوزان.

(٣) الرابع من الأمور التي ينبغي أن يذكر قبل أدلة القولين : هو عمومية الوضع والموضوع له في ألفاظ العبادات كأسماء الأجناس.

(٤) أي : احتمال كون الموضوع له في ألفاظ العبادات خاصا بعيد جدا ؛ لأحد أمرين على نحو منع الخلو :

الأول : ما أشار إليه بقوله : «لاستلزامه كون استعمالها في الجامع» أي : أنه تستلزم مجازية استعمال ألفاظ العبادات في الجامع ؛ في مثل : (الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ ،) و «الصلاة معراج المؤمن» ، و «عمود الدين» ، و «الصوم جنّة من النار» لكون هذا الاستعمال من استعمال اللفظ في غير ما وضع له فيكون مجازا.

وجه المجازية : أنه لو كان الموضوع له خاصا كان استعمالها في العام سببا لتجريد المعنى عن الخصوصية فيكون الاستعمال في غير ما وضع له ، ثم كون الاستعمال مجازا بعيد جدا ، لأنّ المجاز يتوقف على لحاظ العلاقة بين المعنى المجازي والمعنى الحقيقي ، وعلى القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي ، فانتفاؤهما في المقام يدل على انتفاء المجاز.

١١٠

الجامع في مثل : (الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) (١) ، و «الصلاة معراج المؤمن» (*) و «عمود الدين» (**) و «الصوم جنّة من النار» (***) مجازا ، أو منع (٢) استعمالها فيه في مثلها ، وكل منهما بعيد إلى الغاية كما لا يخفى : على أولي النهاية.

______________________________________________________

(١) العنكبوت : ٤٥.

(٢) إشارة إلى الأمر الثاني أي : منع استعمال ألفاظ العبادات في الجامع في مثل الأمثلة المذكورة. فقوله : «أو منع» عطف على قوله : «كون استعمالها في الجامع». فمعنى العبارة : أنه لو كان الموضوع له في ألفاظ العبادات خاصا ؛ لكان مستلزما لأحد أمرين : المجازية ، أو منع استعمال ألفاظ العبادات في الجامع في الأمثلة المذكورة ، وكلاهما بعيد. وقد عرفت وجه بعد المجازية. وأما بعد منع استعمال ألفاظ العبادات في الجامع فلأحد وجهين :

الوجه الأول : أنه مجاز على ما هو المفروض وهو يحتاج إلى القرينة الصارفة وهي مفقودة في الأمثلة المذكورة. ومن انتفائها نستكشف انتفاء المجاز.

الوجه الثاني : أن الظاهر : كون القضية في المقام طبيعية ؛ لكون الآثار من المعراجية ونحوها تكون مترتبة على طبيعة الصلاة من دون لحاظ الخصوصية من السفر والحضر ونحوهما. ولازم ذلك : أن ألفاظ العبادات قد استعملت في الجامع فيكون استعمالها فيه كاشفا عن جواز استعمالها فيه ، فمنع استعمالها فيه بعيد إلى الغاية كما لا يخفى على أولي النهى ، فنستنتج من الأمرين المذكورين : أن الموضوع له في ألفاظ العبادات كالوضع عام.

__________________

(*) توجد هذه الرواية في (اعتقادات المجلسي : ٣٩ ، لكن الحديث في المصدر هكذا : «الصلاة معراج المؤمن ، وعمود الدين»). حاشية المحقق المشكيني على الكفاية ، ج ١ ، ص ١٨٤ ، هامش.

(**) في الكافي ، ج ٢ ، ص ١٨ ، ح ٥ : عن أبي جعفر «عليه‌السلام» قال : «... إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «الصلاة عمود دينكم». ومنه ج ٣ ، ص ٢٦٦ ، ح ٩ : «عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» قال : «قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط ؛ إذا أثبت العمود نفعت الأطناب والأوتاد والغشاء ، وإذا انكسر العمود لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء». وغيرها بألفاظ أخرى.

(***) الكافي ، ج ٢ ، ص ٢٤ ، ح ١٥ ـ ج ٤ ، ص ٦٢ ، ح ٣١ / التهذيب ، ج ٤ ، ص ١٥١ ، ح ١ ، الفقيه ، ج ٢ ، ص ٧٤ ، ح ١٨٧١ ـ ص ٧٥ ، ح ١٧٧٥.

١١١

ومنها : (١) أن ثمرة (٢) النزاع إجمال الخطاب على القول الصحيحي ، وعدم جواز الرجوع إلى إطلاقه في رفع ما إذا شك في جزئية شيء للمأمور أو شرطيته أصلا ؛ لاحتمال دخوله في المسمى ، كما لا يخفى.

وجواز الرجوع إليه في ذلك على القول الأعمي في غير ما (٣) احتمل دخوله فيه ؛ مما شك في جزئيته أو شرطيته.

______________________________________________________

(١) الخامس من الأمور التي ينبغي ذكرها قبل الخوض في أدلة القولين : هو بيان ثمرة النزاع عند الشك في جزئية شيء ، أو شرطيته للمأمور به.

(٢) ثمرة النزاع هي : جواز التمسك بالإطلاق أو العموم على القول الأعمي عند الشك في اعتبار شيء جزءا أو شرطا ، وعدم جوازه على القول بالصحيح ، بل لا بد فيه من الرجوع إلى الأصل العملي من البراءة أو الاحتياط على الخلاف في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

وتوضيح ثمرة النزاع بين القولين يتوقف على مقدمة وهي : بيان ما يعتبر في الرجوع إلى الإطلاق والتمسك به فنقول : إنه يعتبر في ذلك إحراز صدق ما تعلّق به الخطاب وكان الشك في أمر زائد على المسمى ؛ وذلك بأن يكون الحكم في القضية واردا على المقسم بين قسمين أو أقسام ، وكان الحكم منطبقا عليهما أو عليها جميعا.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه يمكن إحراز صدق ما تعلق به الخطاب على القول بالأعم ولو بمقدمات الحكمة وهي ثلاثة :

الأولى : ورود الحكم على المقسم الذي له قابلية الانطباق على نوعين أو أنواع.

الثانية : كون المتكلم في مقام البيان.

الثالثة : عدم نصب قرينة على التعيين. فإذا تمت المقدمات يصير الكلام مطلقا ، فيصح التمسك به لنفي اعتبار ما شك في اعتباره في المأمور به. هذا إنّما يتم على القول بالأعم. وأما على القول بالصحيح فلا يمكن إحراز صدق ما تعلق به الخطاب ، مثلا : الخطاب في قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) تعلق بما هو مسمى بلفظ الصلاة ، فعلى القول بوضع لفظ الصلاة للصحيح يكون كل ما اعتبر فيها دخيلا في المسمّى ، فإذا احتمل وجوب الاستعاذة فيها من باب الجزئية لرواية ضعيفة ؛ كان الخطاب مجملا لأجل تردد مسمى الصلاة بين الأقل والأكثر ، فالشك في جزئية الاستعاذة شكّ في صدق الصلاة على فاقدها ، فلا يجوز التمسك بالإطلاق لأجل عدم إحراز صدق ما تعلق به الخطاب على القول بالصحيح.

(٣) أي : يجوز الرجوع إلى الإطلاق في غير ما له دخل في المسمى على القول

١١٢

نعم ؛ لا بدّ في الرجوع إليه (١) فيما ذكر من كونه واردا مورد البيان كما لا بد منه

______________________________________________________

بالأعم ، وأمّا إذا شك في اعتبار شيء في المأمور به ـ لو كان معتبرا ـ كان له دخل في المسمى ، فلا يجوز الرجوع إلى الإطلاق لعدم إحراز صدق ما تعلق به الخطاب عند الشك.

فالمتحصل من جميع ما ذكرناه : أنه مع عدم إحراز صدق ما تعلق به الخطاب أصبح الخطاب مجملا ، ومع الإجمال يسقط عن الحجية ، لأن التمسك به فرع للعلم بانطباق متعلق الخطاب وموضوعه على ما شك في اعتبار شيء فيه ، وهو غير حاصل مع الإجمال ، فعلى القول بالصحيح لا يجوز التمسك بالإطلاق لنفي جزئية ما شك في جزئيته ، لكن من باب السالبة بانتفاء الموضوع أعني : ليس هناك إطلاق حتى يتمسك به.

(١) أي : يعتبر في الرجوع إلى الإطلاق كونه واردا مورد البيان «كما لا بد منه» أي : من كون الإطلاق واردا مورد البيان «في الرجوع إلى سائر المطلقات».

قال في : «منتهى الدراية» ما هو لفظه : (ثم إن قوله : «نعم ؛ لا بدّ» إشارة إلى دفع توهم ، أمّا التوهم فملخصه : أنه لا يمكن للأعمي الرجوع إلى الإطلاق أيضا كالصحيحي لعدم الإطلاق ؛ بدعوى : عدم كون المتكلم في مقام البيان أو دعوى الانصراف إلى خصوص الصحيح المانع عن تحقق الإطلاق لكون الانصراف كالقرينة الحافة بالكلام مانعا عن ظهوره في الإطلاق ، هذا وأمّا الدفع فحاصله : أن كون المتكلم في مقام البيان من شرائط التمسك بالإطلاق في جميع موارده من دون خصوصية للمقام. توضيحه : أن التمسك بالإطلاق منوط بمقدمات :

إحداها : كون المتكلم في مقام البيان لا في مقام التشريع فقط.

ثانيها : عدم قرينة أو ما يصلح للقرينية على التقييد.

ثالثها : كون الحكم متعلقا بالطبيعة لا بحصة خاصة منها ؛ كما هو كذلك بناء على قول الصحيحي ، لأن متعلق الأمر حينئذ خصوص الصحيح ، فمع الشك في دخل شيء فيه جزءا أو شرطا لا يحرز موضوع الخطاب حتى يصح التمسك بالإطلاق ، فهذه المقدمة الثالثة ـ بناء على وضع ألفاظ العبادات لخصوص الصحيح ـ مفقودة.

وهذا بخلاف القول بوضعها للأعم ، لتحقق موضوع الخطاب ـ وهو الطبيعة الجامعة بين الصحيح والفاسد ـ حينئذ فيصدق عليه لفظ العبادة كالصلاة مثلا ، فمع الشك في الجزئية أو الشرطية لا بأس بالتمسّك بإطلاقه ؛ لكون الشك في اعتبار أمر زائد على الموضوع ، فالمتحصل : أنه لا إطلاق بناء على الصحيح ، لعدم إحراز موضوع الخطاب ، فعدم الإطلاق حينئذ يكون من السالبة بانتفاء الموضوع وهذا بخلاف الوضع للأعم ، فإن

١١٣

في الرجوع إلى سائر المطلقات ، وبدونه (١) لا مرجع أيضا إلّا البراءة أو الاشتغال على الخلاف في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

وقد انقدح بذلك (٢) : أن الرجوع إلى البراءة أو الاشتغال في موارد إجمال الخطاب أو إهماله على القولين ، فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلى البراءة على

______________________________________________________

الموضوع معه محرز ، فمع تمامية المقدمتين الأوليتين ـ وهما كون المتكلم في مقام البيان ، وعدم ما يصلح للقرينية ـ يتمسك بالإطلاق).

(١) أي : بدون كون الإطلاق واردا في مقام البيان لا يرجع إلى الإطلاق أيضا ، بل لا بدّ من الرجوع إلى الأصل العملي وهو البراءة أو الاحتياط ؛ على الخلاف في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

(٢) أي : ظهر بما ذكرناه من أن الملاك في الرجوع إلى الإطلاق وروده في مقام البيان ـ أي : ظهر ـ الإشكال في الثمرة الثانية التي نقلها «المحقق القمي» «قدس‌سره» عن «الوحيد» «رحمه‌الله» وهي : أن الأعمي يتمسك بالبراءة في موارد الشك في الأجزاء والشرائط ، والصحيحي يتمسك بقاعدة الاشتغال والاحتياط في تلك الموارد.

وحاصل الإشكال : أنه على تقدير إجمال الخطاب أو إهماله بأن لا يكون واردا مورد البيان لا فرق بين القولين في الرجوع إلى الأصل العملي إما الاشتغال على كلا القولين ، أو البراءة كذلك لكون المقام حينئذ من صغريات مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، والمرجع فيها إما البراءة وإما الاحتياط على القولين ، لأن الخلاف فيها ليس مبنيا على الخلاف في الصحيح والأعم ، بل التمسك بالبراءة مبتني على القول بانحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بالنسبة إلى الأقل ، والشك البدوي بالإضافة إلى الزائد ، فحينئذ لا مانع من الرجوع إلى البراءة على كلا القولين.

وأما لو قلنا بعدم انحلال العلم الإجمالي : فلا بد من الاحتياط والرجوع إلى قاعدة الاشتغال على كلا القولين ، فلا ملازمة بين القول الأعمي وبين الرجوع إلى البراءة.

ولذا قال المصنف «قدس‌سره» : «فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلى البراءة على الأعم ، والاشتغال على الصحيح».

بقي الكلام في الفرق بين إجمال الخطاب وإهماله : أن الأول هو قصور الدليل بحسب الدلالة على كيفية تشريع الحكم على موضوعه ، كما إذا كان اللفظ مشتركا لفظيا ولم ينصب قرينة معيّنة لمصلحة مثلا.

١١٤

الأعم ، والاشتغال على الصحيح ، ولذا ذهب المشهور إلى البراءة ، مع ذهابهم إلى الصحيح.

وربما قيل : بظهور الثمرة (١) في النذر أيضا.

قلت : (٢) وإن كان تظهر فيما لو نذر لمن صلى إعطاء درهم في البرء فيما لو أعطاه لمن صلى ، ولو علم بفساد صلاته لإخلاله بما لا يعتبر في الاسم على الأعم ، وعدم البرء على الصحيح ، إلّا إنه ليس بثمرة لمثل هذه المسألة ، لما عرفت من : أن ثمرة الأصولية (٣) ، هي أن تكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الأحكام الفرعية ، فافهم (٤).

______________________________________________________

والثاني : هو تشريع الحكم على موضوعه في الجملة ، مع تعلق غرض المتكلم بعدم تعرض جميع الجهات الدخيلة في الحكم.

(١) قوله هذا إشارة إلى الثمرة الثالثة وهي : كما لو نذر شخص بأن يعطي درهما لمن صلى فإنه بناء على القول بالصحيح : لا يحصل الوفاء بالنذر إلّا بإعطاء الدرهم لمن صلى صلاة صحيحة ، وبناء على الأعم : يحصل الوفاء بالنذر بإعطاء الدرهم لمن صلى مطلقا ولو صلاة فاسدة.

(٢) خلاصة إشكال المصنف وردّه على ظهور الثمرة في النذر : أن هذه الثمرة وإن كانت صحيحة في نفسها إلّا إنها أجنبية عن محل الكلام ؛ لأنها ليست ثمرة للمسألة الأصولية ، فإن ثمرتها استنباط الحكم الكلي الفرعي وهي مفقودة. وأما تطبيقه على موارده ومصاديقه ـ كما في مسألة النذر ـ فليس ثمرة للبحث الأصولي.

(٣) أي : الملاك في كون المسألة أصولية أن تكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الأحكام الكلية. والملاك في كون المسألة فقهية هو تطبيق الحكم الكلي على مصاديقه والمقام من قبيل الثاني ، فلا تكون هذه الثمرة ثمرة للمسألة الأصولية وإن كانت تامة في نفسها.

(٤) لعله إشارة إلى عدم تمامية الثمرة المذكورة في نفسها أيضا ؛ بمعنى : أنه لا يحصل الوفاء بالنذر حتى على الأعم لو قصد الناذر خصوص الصلاة الصحيحة. وبعبارة واضحة : أن الوفاء بالنذر تابع لقصد الناذر ، فإن قصد خصوص الصلاة الصحيحة لم يحصل الوفاء إلّا باعطاء الدرهم لمن صلى صلاة صحيحة ، ولو قلنا بالأعم ، وإن قصد الأعم من الصلاة الصحيحة والفاسدة يحصل الوفاء بإعطاء الدرهم لمطلق المصلي ولو كانت صلاة فاسدة ؛ وإن قلنا بالصحيح.

١١٥

وكيف كان ؛ فقد استدل للصحيحي بوجوه :

أحدها : التبادر (١) ، ودعوى : أن المنسبق إلى الأذهان منها هو الصحيح ولا منافاة (٢) بين دعوى ذلك ، وبين كون الألفاظ على هذا القول مجملات ، فإن المنافاة إنما تكون فيما إذا لم تكن معانيها على هذا مبيّنة بوجه ، وقد عرفت كونها مبيّنة بغير وجه.

ثانيها (٣) : صحة السلب عن الفاسد ، بسبب الإخلال ببعض أجزائه ، أو شرائطه

______________________________________________________

(١) الاستدلال بالتبادر يتوقف على أمور :

الأول : ثبوت الحقيقة الشرعية ، فإنه على القول بالعدم وأن الشارع استعملها مجازا في الصحيح لا معنى لدعوى التبادر.

الثاني : أن يكون التبادر من حاق اللفظ وإلّا فلا يكون من علامات الحقيقة.

الثالث : أن يكون حصوله في زمان الشارع وللعلم بحصوله كذلك أحد طريقين :

الأول : أنّنا نرى أن المتبادر منها هو الصحيح ، وقد أخذناه ممن قبلنا ، وكان المتبادر عنده هو الصحيح إلى أن يصل إلى زمان الشارع. هذا يرجع إلى استصحاب القهقري.

الثاني : هو أصل عدم النقل من المعنى اللغوي إلى الأعم ؛ بل نقل إلى الصحيح بعد العلم بحصول أصل النقل ، وللملاحظة في كل واحد منها مجال تركناها رعاية للاختصار.

(٢) قوله : «فلا منافاة» دفع لتوهم المنافاة بين تبادر الصحيح منها ، وبين إجمال ألفاظ العبادات على القول بالصحيح ؛ بتقريب : أن الموضوع له فيها على القول بالصحيح هو تام الأجزاء والشرائط ، فيكون مجملا مرددا بين الأقل والأكثر كما عرفت في الثمرة الأولى ، ثم التبادر ينافي الإجمال.

وحاصل الدفع : أن التنافي بين الإجمال والتبادر إنما يتم لو كانت ألفاظ العبادات مجملات من جميع الجهات ، بحيث لا تكون مبيّنة لا من حيث المفهوم ولا من حيث المصداق ، وليس الأمر كذلك ؛ إذ قد عرفت : كون معانيها ومصاديقها مبيّنة معلومة بوجوه عديدة ولو من جهة آثارها ؛ مثل كونها معراجا للمؤمن ، وعمود الدين ، وناهية عن الفحشاء والمنكر ، وقربانا لكل تقي.

(٣) الوجه الثاني من الوجوه التي استدل بها للصحيحي : هو صحة سلب لفظ الصلاة عن الفاسد بتقريب : أنه يصح أن يقال : إن صلاة الحائض ليست بصلاة ، فلو كان لفظ الصلاة موضوعا للجامع بين الصحيح والفاسد لم يصح سلبه عن الفاسد.

١١٦

بالمداقة (١) ، وإن صح الإطلاق عليه بالعناية.

ثالثها (٢) : الأخبار الظاهرة في إثبات بعض الخواص والآثار للمسميات مثل : «الصلاة عمود الدين» ، أو «معراج المؤمن» ، و «الصوم جنة من النار» إلى غير ذلك ، أو نفي ماهيتها وطبائعها ، مثل «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» ونحوه ، مما كان ظاهرا في

______________________________________________________

(١) أي : قوله : «بالمداقّة» متعلق بصحة السلب ، كما أن قوله : «بسبب الإخلال» متعلق بالفاسد.

ومعنى العبارة : أنه يصح سلب لفظ «الصلاة» عن الفاسدة بالمداقة العقلية ، وإن لم يصح بالمسامحة لرعاية المشابهة في الصورة فيصح إطلاق لفظ الصلاة عليها بالعناية والمجاز. إلّا إنه قد علم في محله : أن صحة السلب وعدمها علامتان للحقيقة والمجاز إذا لوحظا بحسب الدقة العقلية لا مطلقا ولو بالعناية.

(٢) الوجه الثالث من الوجوه التي استدل بها الصحيحي : هي الأخبار وهي على طائفتين :

إحداهما : ما مفادها : إثبات بعض الآثار للمسميات ، وهي لا تترتب على غير الصحيحة ، لأن ظاهر «الصلاة عمود الدين» ، أو «معراج المؤمن» هو إثبات الأثر على ما يسمى بالصلاة ، ومعلوم : أنه أثر للصلاة الصحيحة فيكون هذا كاشفا عن كون لفظ الصلاة اسما للصحيح ؛ إذ لو كان موضوعا للأعم لترتبت هذه الآثار على الصلاة الفاسدة وهو خلاف الضرورة ، لأن الفاسد يكون بمنزلة العدم فكيف يكون منشأ للآثار والخواص.

والأخرى : ما مفادها : نفي الطبيعة والماهية بمجرد انتفاء جزء أو شرط ـ وهي ما أشار إليها بقوله : ـ «أو نفي ماهيتها وطبائعها».

الاستدلال بالطائفة النافية للماهية للصحيحي يتوقف على مقدمة وهي :

أولا : أنّ ظاهر قول الشارع : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» ، و «لا صلاة إلّا بطهور» نفي الحقيقة والماهية لا نفي الكمال والصحة.

وثانيا : بأن يكون هذا الاستعمال على نحو الحقيقة لا على نحو المجاز.

إذا عرفت المقدمة فاعلم : أن مفاد هذه الطائفة هو نفي حقيقة الصلاة عند انتفاء الجزء أو الشرط. هذا إنما يتم على القول بالصحيح ؛ إذ لو كان الموضوع له للفظ الصلاة هو الأعم لم يلزم انتفاء الحقيقة والطبيعة بانتفاء أحد أجزائها أو شرطا من شرائطها ، إذ لا يلزم بانتفاء واحد منهما إلّا انتفاء الصحة ، فالحاصل : إنّ الفاقدة للجزء أو الشرط ليست بصلاة هذا هو مراد القائلين بالصحيح.

١١٧

نفي الحقيقة بمجرد فقد ما يعتبر في الصحة شطرا (١) أو شرطا (٢) ، وإرادة (٣) خصوص

______________________________________________________

(١) أي : جزءا كما في قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (١).

(٢) أي : شرطا كما في قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لا صلاة إلّا بطهور» (٢).

(٣) قوله : «وإرادة خصوص الصحيح ...» إلخ دفع للإشكال على الاستدلال بالأخبار ، فلا بد أولا من تقريب الإشكال ، وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الاستدلال بها مبني على أن يكون الاستعمال في كلتا الطائفتين على نحو الحقيقة ؛ بأن يكون استعمال لفظ الصلاة في خصوص الصحيح في الطائفة الأولى على نحو الحقيقة ، واستعمال كلمة لا لنفي الجنس في نفي الحقيقة والطبيعة في الطائفة الثانية على نحو الحقيقة.

إذا عرفت هذه المقدمة فيقال في تقريب الإشكال على الاستدلال المذكور : إن إرادة خصوص الصحيح من الطائفة الأولى مجازا ، وكذلك إرادة نفي الصحة مجازا من الطائفة الثانية بمكان من الإمكان ، بل إرادة نفي الصحة منها أولى ، وذلك «لشيوع استعمال هذا التركيب في نفي مثل الصحة أو الكمال» فقوله : «لشيوع استعمال ...» إلخ تعليل لإرادة نفي الصحة من الطائفة الثانية ، فحينئذ لا يتم الاستدلال بها على وضع ألفاظ العبادات لخصوص الصحيح.

وحاصل الدفع : أن إرادة خصوص الصحيح من الطائفة الأولى مجازا ، ونفي الصحة من الثانية كذلك خلاف الظاهر ، لأن الظاهر من الأخبار المثبتة للآثار هو : ثبوتها

__________________

(١) في التهذيب ، ج ٢ ، ص ١٤٦ ، ح ٣١ / الاستبصار ، ج ١ ، ص ١٣٠ ، ح ١ : «عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر «عليه‌السلام» قال : سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته ، قال : «لا صلاة له إلا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات».

وفي صحيح مسلم ، ج ١ ، ص ٢٩٥ ، ح ٣٩٣ / صحيح البخاري ، ج ١ ، ص ٢٦٣ ، ح ٧٢٣ / سنن الترمذي ، ج ٢ ، ص ٢٥ ، ح ٢٤٧ ، وغيرهم : «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».

وفي سنن ابن ماجة ، ج ١ ، ص ٢٧٤ ، ح ٨٣٩ / سنن الترمذي ، ج ٢ ، ص ٣ ، ح ٢٣٨ / مصباح الزجاجة ، ج ١ ، ص ١٠٤ ـ وإسناده لديه ضعيف بسبب ضعف طريف السعدي ـ : «لا صلاة لمن لم يقرأ الحمد وسورة في فريضة أو غيرها».

(٢) التهذيب ، ج ١ ، ص ٤٩ ، ح ٨٣ ، ص ٢٠٩ ، ح ٨ ، ج ٢ ، ص ١٤٠ ، ح ٣ ـ ٤ / الفقيه ، ج ٢ ، ص ٣٣ ، ح ٦٧ / الوسائل ، ج ١ ، ص ٣١٥. عنهما.

وفي سنن أبي داود ، ج ١ ، ص ١٦ / مسند أحمد ، ج ٢ ، ص ١٠٩ ، ح ٤٧٠٠ / سنن البيهقي الكبرى ، ج ٢ ، ص ٢٥٥ ، ح ٣١٩٦ : «ولا صلاة بغير طهور» .. إلخ.

١١٨

الصحيح من الطائفة الأولى ، ونفي الصحة من الثانية ، لشيوع استعمال هذا التركيب في نفي مثل الصحة أو الكمال خلاف الظاهر لا يصار إليه مع عدم نصب قرينة عليه ، واستعمال هذا التركيب في نفي الصفة ممكن المنع ، حتى في مثل «لا صلاة لجار

______________________________________________________

للمسميات وهي المعاني الصحيحة ، فحمل لفظ الصلاة فيها على الأعم وإرادة خصوص الصحيح مجازا على خلاف الظاهر ، ولا يصح حمل اللفظ على خلاف ظاهره إلّا بالقرينة وهي مفقودة.

وكذلك أن الظاهر من الطائفة الثانية هو : نفي الحقيقة والطبيعة ، فإرادة نفي الصحة منها على خلاف الظاهر ، فلا وجه لتقدير الصحة. هذا ما أشار إليه بقوله : «واستعمال هذا التركيب في نفي الصحة ممكن المنع حتى في مثل : «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» يمكن أن يقال : إن المراد من نفي الصلاة هو نفي الحقيقة ؛ حتى في الموارد التي يعلم أن المراد نفي الكمال كما في المثال المذكور.

بدعوى : أن هذا التركيب لا يستعمل إلّا في نفي الحقيقة والطبيعة ، بمعنى : أن المراد منه نفي الحقيقة إما حقيقة كما في مثل «لا صلاة إلّا بطهور» ، أو مبالغة وادعاء كما في مثل : «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» (١) ؛ بأن تكون الصلاة في غير المسجد لجار المسجد بمنزلة العدم الحقيقي مبالغة في نقصها ثم تستعمل كلمة «لا» في نفي ماهيتها وحقيقتها ، فلا مجاز في الكلمة أصلا.

فتوهم : كون استعمال هذا التركيب شائعا في غير نفي الحقيقة على نحو المجاز في غير محله.

__________________

(١) المستدرك على الوسائل ، ج ٣ ، ب ٢ ، ص ٣٥٦ ، عن الدعائم عن علي «عليه‌السلام».

وفي التهذيب ، ج ١ ، ص ٩٢ ، ح ٩٣ ، ج ٣ ، ص ٦ ، ح ١٦ عن الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بلفظ : «.. إلا في مسجده».

ووردت باللفظ الأول في السنن الكبرى ، ج ٣ ، ص ٥٧ ، ح ٤٧٢١ ، ج ٣ ، ص ١١١ ، ح ٥٠٢٨ ، ص ١٧٤ ، ح ٨٣٨١ / مصنف ابن أبي شيبة ، ج ١ ، ص ٣٠٣ ، ح ٣٤٦٩ / مصنف عبد الرزاق ، ج ١ ، ص ٤٩٧ ، ح ١٩١٥ ، عن علي «عليه‌السلام» / التمهيد ، ج ١٨ ، ص ٣٣٢ / الدراية في تخريج أحاديث الهداية ، ج ٢ ، ص ٢٩٣. وقد ضعف طريقه إلى الرسول ، وصحح طريقه إلى علي «صلوات الله عليهما» / تلخيص الحبير ، ج ٢ ، ص ٣١.

وقد ضعّف طريقه إليهما «عليهما وآلهما السلام» / المحلى ، ج ٤ ، ص ١٩٥ ، عن علي «عليه‌السلام» وأورد تكملتها بما يلي : (فقيل له : يا أمير المؤمنين : ومن جار المسجد؟ قال : «من سمع الأذان»).

١١٩

المسجد إلّا في المسجد» مما يعلم أن المراد نفي الكمال ، بدعوى استعماله في نفي الحقيقة في مثله أيضا بنحو من العناية ، لا على الحقيقة ، وإلا (١) لما دل على المبالغة ، فافهم (٢).

رابعها : (٣) دعوى القطع بأن طريقة الواضعين وديدنهم وضع الألفاظ للمركبات التامة ، كما هو قضية الحكمة الداعية إليه.

______________________________________________________

(١) أي : وإن لم يكن المراد من هذا التركيب نفي الحقيقة لما دل على المبالغة.

(٢) إشارة إلى أن الأخبار المثبتة للآثار وإن كانت ظاهرة في ذلك ـ لمكان أصالة الحقيقة ـ ولازم ذلك : كون الموضوع له للاسماء هو الصحيح ، ضرورة : اختصاص تلك الآثار به إلّا إنه لا يثبت بأصالتها كما لا يخفى ، لإجراء العقلاء لها في إثبات المراد لا في أنه على نحو الحقيقة لا المجاز. فتأمل جيدا. هذا من المصنف «قدس‌سره».

فحاصل ما ذكره المصنف في وجه قوله : «فافهم» : أنه إشارة إلى ضعف الاستدلال بالطائفة الأولى من جهة أن أصالة الحقيقة إنما تكون حجة في إثبات المراد ، إذا كان مردّدا بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ؛ لا في إثبات كون الاستعمال فيه حقيقة أو مجازا بعد العلم بالمراد ؛ كما في محل الكلام ، ومورد الاخبار المثبتة.

(٣) رابع الوجوه التي استدل بها للصحيحي : وهذا هو الدليل الأخير للصحيحي وهو : دعوى القطع بأن طريقة الواضعين للألفاظ بإزاء المركبات ، وديدنهم وضع الألفاظ للمركبات التامة لا الناقصة ، وهذا هو مقتضى الحكمة التي تدعو إلى الوضع للتفهيم في المحاورات ، وهو الذي تدعو إليه الحاجة.

والظاهر : أن الشارع لما أراد أن يضع ـ على فرض أن يكون هو الواضع للمستحدثات ـ غير متخط عن هذه الطريقة ، ومن هنا يمكن أن يقال : بأن الألفاظ وضعت للمعاني الصحيحة ، ولا يخفى : أن هذه الدعوى بطولها وعرضها تتوقف على مقدمة وهي : إثبات أمور تالية :

١ ـ أن هذا الاستدلال على فرض تسليمه إنما يتم على القول بثبوت الحقيقة الشرعية ، لأنه لا يتم إلّا بالوضع التعييني.

٢ ـ أن عادة الواضعين والمخترعين جرت على وضع الألفاظ للمركبات التامة ؛ بدعوى : أن مقتضى حكمة الوضع هو تفهيم المعاني التامة والصحيحة دون الناقصة والفاسدة.

٣ ـ أن الشارع لم يتخط عن طريقتهم لوجود تلك الحكمة في وضع الألفاظ للمركبات الشرعية ، بل سلك مسلكهم ووضع الألفاظ لخصوص الصحيح.

١٢٠