البراهين الجليّة - ج ١

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ١

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-628-8
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

كلام التقي السبكي في السيف الصقيل على ابن تيميّة :

هداية : فيها شهادة إمام المجتهدين تقي الدين السبكيّ على ابن تيميّة باعتقاد قيام الحوادث بذات الربّ سبحانه، وأنّه تعالى مازال فاعلا، وأنّ التسلسل ليس بمحال فيما مضى كما هو فيما سيأتي، وأنّ ابن تيميّة شقّ العصا، وشوّش عقائد المسلمين، وأغرى بينهم وتعدّى، حتّى قال : إنّ السفر لزيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصية، وقال : إنّ الطلاق الثلاث لا يقع، وإنّ من حلف بطلاق امرأته وحنث لا يقع عليه الطلاق، ذكر تقي الدين ذلك في مقدمة كتابه السيف الصقيل في ردّ ابن زفيل عند ذكره للحشوية، قال بعد كلام طويل في التشنيع على الحشوية أسلاف ابن تيميّة ما لفظه :

ثمّ جاء في أواخر المائة السابعة رجل له فضل ذكاء واطّلاع، ولم يجد شيخاً يهديه وهو على مذهبهم، وهو جسور متجرّد لتقرير مذهبه، ويجد اُموراً بعيدة، فبجسارته يلتزمها، فقال بقيام الحوادث بذات الربّ سبحانه وتعالى (١) ، وأنّ الله سبحانه وتعالى مازال فاعلا (٢) ، وأنّ التسلسل ليس بمحال فيما مضى كما فيما سيأتي (٣) ، وشقّ العصا، وشوّش عقائد المسلمين وأغرى بينهم، ولم يقتصر على العقائد في علم الكلام حتّى تعدّى وقال : إنّ السفر لزيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصية (٤) . وقال : إنّ الطلاق

____________________

(١) راجع منهاج السنّة ٢ : ٣٨٠.

(٢) راجع مجموع الفتاوى ٦ : ٢٠٠ - ٢٠١.

(٣) راجع منهاج السنّة ١ : ٤٣٨، ومجموعة الفتاوى ٨ : ٩٤، ودرء تعارض العقل والنقل ١ : ٣٢١ .

(٤) راجع مجموعة الفتاوى ٢٧ : ١٠٤ - ١٠٥.

٤١

الثلاثة لا يقع (١) ، وإن من حلف بطلاق امرأته وحنث لا يقع عليه الطلاق (٢) ...

واتّفق العلماء على حبسه الحبس الطويل، فحبسه السلطان، ومنعه من الكتابة في الحبس، وأن لا يُدْخَل عليه بدوات، ومات في الحبس...

ثمّ حدّث من أصحابه من يشيع عقائده، ويعلّم مسائله، ويلقي ذلك إلى الناس سرّاً، ويكتمه جهراً، فعمّ الضرر بذلك حتّى وقفت في هذه الأيام على قصيدة نحو ستة الآف بيت يذكر فيها عقائده وعقائد غيره، ويزعم بجهله أنّ عقائده عقائد أهل الحديث، فوجدت هذه القصيدة تصنيفاً في علم الكلام الذي نهى العلماء من النظر فيه لو كان حقّاً، (كيف وهي تقرير للعقائد الباطلة وبَوح بها) (٣) ، وزيادة على ذلك وهي حمل العوام على تكفير كل من سواه وسوى طائفته، فهذه ثلاث اُمور هي مجاميع ما تضمّنه هذه القصيدة (٤) .

وقد أخرج محمّد مرتضى الزبيديّ في شرحه لكتاب قواعد العقائد، أحد كتب الإحياء، تمام كلام السبكيّ فراجعه (٥) .

____________________

(١) نفس المصدر ٣٣ : ١١ ـ ١٢.

(٢) راجع مجموعة الفتاوى ٣٣ : ٨٠ - ٨١.

(٣) بدل ما بين القوسين في النسختين : وفي تقرير للعقائد الباطلة فيه وبرع بها. والمثبت من المصدر.

(٤) السيف الصقيل في رد ابن زفيل : ١٧ ـ ١٨.

(٥) راجع إتحاف السادة المتّقين ٢ : ١٠٦.

٤٢

شهادة المولوي حسن الزمان بن محمّد بن قاسم

التركماني الحيدرآبادي في كتابه المستحسن في فخر الحسن

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بسلوكه طريق المتعصّبة، والقول بحرمة زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعدم صحة إسلام عليّ المرتضى، ونسبة عثمان إلى حبّ المال، وردّ الأحاديث النبويّة الموجودة في السنن الجياد، وإنّه ينتقص على عليّ عليه‌السلام ، وبالتدارك على ذريته الطاهرة، وأنّه ردّ عليه جماعة من أئمّة السنّة، وعدّ أسماء جملة منهم، وجملة من مجازفاته، وذكر ذلك العالم المتبحّرالمولوي صدّيق حسن حسن الزمان في كتابه القول المستحسن قال :

ومن الاُخرى من يسلك طريقة المتعصّبة، فيقول مجازفة من غير استقراء وتتبّع أقوال (١) الأفاضل : إنّ الاجتماع والسماع أعني اجتماع الحسن البصري وسماعه من عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كليهما باطل باتّفاق الأماثل منهم اُعجوبة وقته ابن تيمية الحنبليّ ـ غفر الله له وقد قال شيخ الإسلام الإمام الحافظ أبو الفضل بن حجر العسقلانيّ في الدرر الكامنة (٢) في ترجمته بعد ما ذكر مناقبهومثالبه ، كالقول بحرمة زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...، وعدم صحّة إسلام عليّ المرتضى كرم الله وجهه لكونه صبيّاً...، بل التدارك عليه وعلى الذريّة الطاهرة باعتراضات سخيفة مردودة...

وأمّا تصحيح إسلام المرتضى وهو صغير فقال الحافظ [ابن

____________________

(١) في المصدر : لأقوال.

(٢) انظر الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

٤٣

حجر] (١) : مستنبط من كونه أقرّ على ذلك (٢) ...

قال (٣) الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي في تخريج أحاديث الاختيار : أوضح من هذا ما روى ابن سعد في الطبقات : حدّثنا إسماعيل ابن (٤) أبي اُويس، حدّثنا أبي، عن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا علياً إلى الإسلام وهو ابن تسع سنين. ويقال دون ذلك ولم يعبد وثناً قط لصغره (٥) . انتهى ...

قال : فلو لم يكن الإسلام مقبولا منه لما دعاه إليه. انتهى (٦) ...

قلت : وكذا دعا شرذمة من أطفال الصحابة إلى الإسلام وقَبِلَـهُ منهم كما يظهر من كتب الأثر، وقد بايع عبد الله بن الزبير، وجعفر بن الزبير، وعبد الله ابن جعفر ، وهم أبناء سبع سنين، رواه أبو نعيم وابن عساكر، وغيرهما (٧) ...

(وللطبرانيّ بسند جيد جداً عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام ) (٨) : «أنّ

____________________

(١) الزيادة من المصدر.

(٢) انظر عبقات الأنوار الجزء ١٦ القسم الثاني الصفحة : ٢١٢.

(٤) في المصدر زيادة : تلميذه.

(٥) في الطبقات زيادة : عبد الله بن ...

(٦) عنه في عبقات الأنوار الجزء ١٦ القسم الثاني الصفحة : ٢١٢.

(٧) معرفة الصحابة لأبي نعيم ١ : ٥١٧ / ١٤٤٨ و ٣ : ١٦٠٥ / ١٥٩١، تاريخ دمشق ٢٧ : ٢٤٨ - ٢٥٣، وراجع مستدرك الحاكم ٣ : ٥٦٦ - ٥٦٧، اُسد الغابة ١ : ٥٤٠ / ٧٥٦، سير أعلام النبلاء ٣ : ٤٥٧ تاريخ الإسلام للذهبي ٥ : ٤٢٨ - ٤٣٠.

(٨) بدل ما بين القوسين موافق لما في عبقات الأنوار الجزء ١٦ القسم الثاني : ٢١٢. وبدله في المصدر : وقال الزبير بن بكار، حدّثنا أحمد بن سليمان، عن، عبد العزيز الدراوردي، عن جعفر بن محمّد عن أبيه...

٤٤

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايع الحسن، والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر وهم صغار لم يعقلوا ولم يبلغوا، ولم يبايع صغيراً إلاّ منّا» (١) انتهى (٢) ...

وإنّما المردّ في ذلك كلّه في عام الحكم إلى الفهم...

وأوضح من ذلك كلّه في صحة إسلام المرتضى صبيّاً ما في أحاديث في مقام تفضيله أنّه أوّلهم سلماً (٣) ...

ونسبة أمير المؤمنين عثمان بن عفان إلى حبّ المال...

وردّ الأحاديث الموجودة في السنن وإن كانت ضعيفة...

وذكر ابن حجر (٤) اختلاف العلماء الكرام في حقّه وقال : إنّا لا نعتقد عصمته، بل إنّا نخالفه في مسائل أصلية وفرعية (٥) ...

وقال في لسان الميزان في ترجمة ابن مطهّر الرافضي ما لفظه : وصنّف كتابه في فضائل علي رضي‌الله‌عنه فنقضه الشيخ تقي الدين بن تيميّة في كتاب كبير، وقدأشار الشيخ تقي الدين السبكي إلى ذلك في أبياته المشهورة :

وابن مطهّرلم يظهرخلافه

لابن تيمية ردّعليهواستيفاءأجوبة (٦)

____________________

(١) المعجم الكبير ٣ : ١١٥ / ٢٨٤٣، وانظر أيضاً مجمع الزوائد ٦ : ٤٠.

(٢) في المصدر بدل انتهى : وعن الزبير : أخرجه الطبراني، ومع جودة سنده لا يضرّ قول ابن كثير البداية والنهاية ٨ : ٢٢٦ : وهذا مرسل غريب.

(٣) انظر العثمانيّة للجاحظ : ٢٨٧، تاريخ الطبري ٢ : ٥٧، الكامل لابن عدي ٨ : ١١٦ / ١٨٦٥، تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٠ - ٤٤، ميزان الاعتدال ١ : ٥٠٦ / ١٨٩٨.

(٤) بين الشارحتين ليس في المصدر.

(٥) الدرر الكامنة ١ : ٩١.

(٦) وهكذا في لسان الميزان طبعة الهند، وفي المصدر :

وابن المطهر لم تظهر خلائقه

داع إلى الرفض غال في تعصبه

ولابن تيمية ردّ عليه وفا

بمقصـد الرد واستيفاء أجوبة

٤٥

لكنه يذكر بقية الأبيات فيما يعاتب به ابن تيميّة من العقيدة، طالعت الردّالمذكور فوجدته كما قال السبكي في الاسـتيفاء، كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحـاديث التي يوردهـا ابن المطهّر، وإن كان معظم ذلك من الموضـوعات والواهيات، لكنه ردّ في ردّه كثيراً من الأحـاديث الجياد...

إلى قوله (١) : يهم ويصل من مبالغته لتوهين كلام الرافضي أحياناً إلى تنقيص (٢) علي عليه‌السلام ، والترجمة لا تحتمل إيضاح ذلك وإيراد أمثلته (٣) ...

قلت : ومع ذلك كونه لم يذكره في اللسان كالذهبي في الميزان مع ذكر الأجلاّء فيهما من عجائب الزمان...

وقال الإمام أبو عبد الله الذهبيّ في تاريخه مع كونه من أتباعه (٤) في كثير ـكما لا يخفى بعد ذكر نحوها : فهو بشر له ذنوب وخطايا (٥) ...

وكذا ذكره الإمام اليافعي وغير واحد من الأئمّة..

وقال العلاّمة ابن حجر المكي في الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم : مَنْ [هو] (٦) ابن تيميّة حتّى ينظر إليه، أو يعوّل في شيء من اُمور الدين عليه؟ (وهل هو إلاّ كما قال جماعة من الأئمّة الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة، حتّى أظهروا عوار سقطاته، وقبائح أوهامه وغلطاته كالعزّ بن جماعة : عبد أضلّه الله وأغواه، وألبسه رداء الخزي

____________________

(١) في المصدر : وقوله بدل : إلى قوله.

(٢) في المصدر : تبغيض بدل : تنقيص.

(٣) انظر لسان الميزان طبعة الهند ٦ : ٣١٩ ـ ٣٢٠، وطبعة دار إحياء التراث ٧ : ٥٢٨ ـ ٥٢٩.

(٤) في المصدر : موافقيه بدل : أتباعه.

(٥) انظر كتابه المعجم المختصّ : ٢٥ / ٢٢، وفيه : خطأ بدل : خطايا.

(٦) الزيادة عن المصدر.

٤٦

وأرداه، وبوّأه من قوّة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان، وأوجب له الحرمان؟!) (١) ...

ولقد تصدّى شيخ الإسلام، وعالم الأنام، المجمع على جلالته واجتهاده، وصلاحه وإمامته، التقي السبكي قدّس الله روحه ونوّر ضريحه للردّ عليه في تصنيف مستقلّ، أفاد فيه وأجاد وأصاب، وأوضح بباهر حججه طريق الصواب، فشكر الله مسعاه، وأدام عليه شآبيب رحمته ورضاه.

ومن عجائب الوجود ما تجاسر عليه بعض السرجاء من الحنابلة، فغبر في وجوه مخدراته الحسان، التي لم يطمثهن إنس قبله ولا جان، وأتى ما دلّ على جهله، وأظهر به عوار غباوته وعدم فضله...

إلى قوله : وتدارك [على الأئمّة] (٢) سيما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة، وأتى من نحو هذه الخرافات بما تمجّه الأسماع وتنفر منه الطباع (٣) ...

وهكذا ذكر العلاّمة المحدّث البرنسي في إتحاف أهل العرفان برؤية الأنبياء والملائكة والجان...

وقال العلاّمة الحافظ الشامي صاحب السيوطي في سيرته المسمّاة بسبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مشروعيّة السفر لزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمجاد، قد ألف فيها الشيخ تقي الدين السبكي، والشيخ

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في المصدر : إلى أن قال.

(٢) في النسختين : ابن تيمية. وفي الجوهر المنظم : على أئمتهم. وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الجوهر المنظم (الوهابية المتطرّفة موسوعة نقديّة ١) : ٦٦ - ٦٧.

٤٧

كمال (١) الدين الزملكاني، والشيخ داوُد أبو سليمان كتاب الانتصار، وابن جماعة (٢) وغيرهم من الأئمّة، وردّوا على الشيخ تقي الدين ابن تيميّة، فإنّه أتى في ذلك بشيء منكر لا تغسله البحار (٣) ...

وممّن ردّه عليه من أئمة عصره، العلاّمة محمّد بن يوسف الزرنديّ المدني المحدّث في بغية المرتاح إلى طلب الأرباح (٤) ...

ثمّ في هذا كلّه ردّ جيّد على ما وقع للقارئ (٥) من الإشارة إلى تأويل مذهبه هذا، وحمله على محامل بعيدة من مقصوده على مراحل، (وزعمه أنّه من أولياء الله فلا حول ولا قوة إلاّ بالله) (٦) ...

وقال الشيخ العلاّمة شهاب الدّين أبو عبد الله أحمد البرنسي المالكي الشاذلي المعروف بزروق في شرح حزب البحر : فإن قلت : قد أنكر ابن تيميّة هذه الأحزاب وردها ردّاً شنيعاً فما جوابه؟...

قلنا : ابن تيميّة رجل مسلم له باب الحفظ والإتقان، مطعون عليه في عقائد الإيمان، ملموز بنقص العقل فضلا عن العرفان، وقد سئل عنه الشيخ الإمام تقي الدين السبكي فقال : هو رجل علمه أكبر من عقله (٧) ...

قلت : ومقتضى ذلك أن يعتبر بنقله لا بتصرّفه في العلم...

____________________

(١) في سبيل الهدى : جمال .

(٢) في سبيل الهدى والمصدر : ابن جملة بدل : ابن جماعة .

(٣) سبيل الهدى والرشاد ١٢ : ٣٨٤.

(٤) مخطوط، وانظر عبقات الأنوار ١٧ : ١٧١.

(٥) وهو علي بن سلطان القارئ.

(٦) مابين القوسين ليس في المصدر. والمتن موافق لما في عبقات الأنوار الجزء ١٦ القسم الثاني الصفحة ٢١٥.

(٧) انظر شرح الزرقاني على المواهب اللدنيّة ١٢ : ١٩٥ و ٢١٥.

٤٨

قلت : بل ينبغي أن لا يعتبر من نقله إلاّ بما تخلص فيه من التعصّب والتعسّف لا مطلقاً، يتّضح لك ذلك من مانقله هناك...

وقد بالغ بعض علماء الظاهر (١) فأطلق : أنّ من سمّى ابن تيميّة بشيخ الإسلام كافر، ولا يخفى ما فيه، ولذا ألّف ابن ناصر الدين الشافعي عليه كتابه الردّ الوافر، ولكني لم أقف عليه إلى الآن...

وبالجملة فالفقهاء والعرفاء ليسوا أشدّ تغليظاً (٢) على أحد من أهل العلم منهم عليه...

فثناء من أثنى عليه من العلماء فيما نقله ابن ناصر الدين (٣) في التبيان بعضه يرجع إلى علمه، وبعضه وقع من عدم الوقوف على سقمه من فضائحهوقبائحه ...

ثمّ نقل حسن الزمان قول ابن تيميّة (٤) : بأنّ إسناد الخرقة إلى علي عليه‌السلام من جهة معروف الكرخي منقطع، فتارة يقولون أنّ معروفاً صحب علي بن موسى الرضا عليه‌السلام (٥) ...

قال صديق حسن : لا يخفى ما فيه من رائحة نسبة الأصفياء والأولياء

____________________

(١) هو صلاح الدين بن سعيد بن خليل بن كيكلدي العلائي الحافظ، المتوفّي سنة ٧٦١هـ قال التاج السبكي في الطبقات عند ذكره : كان بينه وبين الحنابلة خصومات كثيرة. إلى أن قال : وأمّا الحديث فلم [يكن] في عصره من يدانيه فيه. إلى آخره «منه». طبقات الشافعية ١٠ : ٣٦.

(٢) في المصدر : غيظاً بدل : تغليظاً.

(٣) محمّد بن أبي بكر عبد الله بن محمّد الحافظ شمس الدين القيس الشافعي، الشهير بابن ناصر الدين الدمشقي، المولود سنة ٧٧٧ هـ والمتوفّي سنة ٨٤٢ هـ، له تصانيف منها التبيان في شرح بديعة البيان، هدية العارفين ٢ : ١٩٣، الأعلام ٦ : ٢٣٧.

(٤) في المصدر : صاحب القرّة بدل : ابن تيميّة.

(٥) منهاج السنّة ٨ : ٤٤، وقرّة العينين للدهلوي : ٢٨٩.

٤٩

إلى الكذب بالتردّد، وإنّما هو ونحوه في السند من التعدد، ولكن لا طبّ للتبلّد (مع التشدّد في التمرّد والتعنّد) (١) ، ونسأل الله الصمد الودّ لأوليائه والتودّد والمدد في ذلك للتوكّد (٢) ...

ثمّ نقل قول ابن تيميّة : أنّ معروفاً لم يكن اجتمع بعليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، ولا نقل عنه ثقة أنّه اجتمع به وأخذ عنه، بل لا يعرف أنّه رآه، ولاكان معروف بوّابه، ولا أسلم على يديه فهذا كلّه كذب (٣) ...

فقال حسن الزمان : قد مضى تكذيب بعضه، ويأتي تكذيب بعضه إن شاء الله العليّ القوي...

ثمّ كذّبه بما قال الإمام اليافعي في مرآة الجنان في ترجمة الإمام معروف الكرخيّ : من موالي عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، وكان أبواه نصرانيين، فأسلماه إلى المؤدّب وهو صبيّ، فكان المؤدّب يقول له : قل : ثالث ثلاثة. فيقول معروف : بل هو الله الواحد القهّار. فضربه المعلّم يوماً على ذلك ضرباً مبرحاً، فهرب منه، وكان أبواه يقولان : ليته يرجع إلينا على أيّ دين شاء، فنوافقه عليه، ثمّ أنّه أسلم على يدي علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ورجع إلى أبويه فدقّ الباب. فقيل له : مَن بالباب؟ فقال : معروف. فقيل : على أي دين؟ فقال : على الإسلام. فأسلم أبواه (٤) ...

ثمّ قال حسن الزمان : وهذه القصّة قد أوردها كذلك الإمام القشيري (٥) ، نقلا عن شيخه الإمام المشتهر في الآفاق، القارئ صحيح

____________________

(١) ما بين القوسين ليس في المصدر، والمتن موافق لما في عبقات الأنوار.

(٢) القول المستحسن في فخر الحسن : ٣٤٧.

(٣) منهاج السنّة ٨ : ٤٤.

(٤) مرآة الجنان ١ : ٤٦٠ - ٤٦١.

(٥) انظر الرسالة القشيريّة ١ : ٤٢.

٥٠

البخاري وغيره على النقدة أبي علي الدقّاق (١) ، وتبعه ابن خلكان وغيره من أهل الشأن (٢) ، وهي تكملة ما في المجمع عن الصفوة لابن الجوزي (٣) ...

وأخرج تمام ذلك، وعن ابن حجر المكي كذلك (٤) ، وكذلك عن الشعراني (٥) ، والحرّالي (٦) ، والمناوي (٧) ...

إلى أن قال : قوله : وهذا باطل باتّفاق أهل هذه الفرقة فإنّهم متّفقون على أنّ الحسن لم يجتمع بعلي (٨) ...

سبحان الله هذا بهتان عظيم! فقد تقدّم عن إمامي هذه الفرقة علي بن المدني شيخ البخاري، وأبي زرعة الرازي شيخ مسلم إنّهما قالا : إنّه رآه بالمدينة الطيبة (٩) ...

____________________

(١) الحسن بن علي بن محمّد بن إسحاق النيسابوري، تفقّه بمرو للمذهب الشافعي عند أبي بكر القفّال المروزي وغيره، توفّي سنة ٤٠٥ أو ٤٠٦ أو ٤١٢ هـ. الكامل لابن الأثير ٩ : ٣٢٦، طبقات الشافعيّة للسبكي ٤ : ٣٢٩ / ٣٨٤.

(٢) انظر وفيات الأعيان ٤ : ٤٤٥ / ٧٢٩، مسالك الأبصار وممالك الأمصار ٨ : ٤٧، شذرات الذهب ١ : ٣٦٠، غربال الزمان للحرضي اليماني : ١٨٦، جامع الأنوار للبندنيجي : ٢٥٧ / ٧٠.

(٣) انظر صفوة الصفوة ٢ : ٣١٨

(٤) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٩٣.

(٥) طبقات الشعراني ١ : ٧٢.

(٦) أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسين التجيبي الأندلسي، ولد بمراكش، وأخذ العربية عن ابن خروف، توفّي سنة ٦٣٧ هـ. طبقات المفسرين للسيوطي : ٦٥ / ٦٨، الأعلام للزركلي ٤ : ٢٥٦.

(٧) طبقات الصوفيّة (الكواكب الدريّة) ١ : ٧١٥ / ٢٨٣.

(٨) منهاج السنّة ٨ : ٤٥.

(٩) راجع الحاوي للفتاوي للسيوطي ٢ : ٢٧٠.

٥١

مع رواية البخاري القويّة (١) ، ورواية أبي يعلى الموصلي الصحيحة الصريحة في سماعه منه رضي‌الله‌عنه (٢) ... وغير ذلك...

ورواية الحافظ أبي نعيم الذي هو مستند ابن تيميّة ومعتمده عن الحسن ما هو صريح في كثرة سماعه منه رضي الله عنه (٣) ...

وغير ذلك ككلام الإمام الضياء في المختارة في ترجيح إثبات سماعه منه وتجريح نفيه وتصحيح حديثه عنه لذلك وإيراده هناك (٤) ...

وقد قال الحافظ الشامي في سبل الهدى والرشاد في الردّ على ابن تيميّة إنكاره إنكار المواخاة بين المهاجرين والأنصار، وخصوصاً مواخاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ المرتضى عليه‌السلام (٥) وذكر رواية الضياء ذلك ما نصّه : وابن تيميّة (٦) يصرّح بأنّ الأحاديث المختارة أصحّ وأقوى من أحاديث المستدرك (٧) .

ولو تحلّى ابن تيميّة بالإنصاف، وتخلّى من التعصّب والاعتساف، لنقل اتّفاق أئمة حفّاظ الآفاق على خلاف ما جعله عليه الوفاق، وإنّما قوله هذا كردّه الأحاديث المسندة الموجودة في الكتب المعتمدة المشهورة، ونسبة الوضع والكذب إليها، كما قال في هذا الكتاب أيضاً : إنّ حديث

____________________

(١) التاريخ الصغير للبخاري ٢ : ١٨٢، عن الحسن رأى عليّاً والزبير التزماً ورأى عليّاً وعثمان التزماً.

(٢) عنه في إكمال تهذيب الكمال ٤ : ٧٨ / ١٢٨٤، وتحفة الأحوذي ٤ : ٥٧٠.

(٣) انظر حلية الأولياء ١ : ٧٦.

(٤) انظر الأحاديث المختارة ٢ : ٤١ - ٤٢.

(٥) منهاج السنّة ٤ : ٣٢.

(٦) مجموعة الفتاوى ٣٣ : ١١.

(٧) سبل الهدى والرشاد ٣ : ٣٦٨.

٥٢

الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه»، وأمّا الزيادة وهي قوله : «اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه» إلى آخره فلا ريب أنّه كذب، ونقل الأثرم في سننه عن الإمام أحمد أنّ العباس سأله عن الحسين الأشقر، وأنّه حدّث بحديثين فذكر أحدهما... قال : والآخر : «اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه» فأنكره أبو عبد الله جدّاً ولم يشكّ في أنّ هذين الحديثين كذب (١) . انتهى.

وقد رواه الإمام أحمد في مسنده (٢) مع شرطه فيه وهو عدم ذكر الموضوع والمنكر، بل والشديد الضعف على رأيه، وقد قدّمنا تحقيقه في المقدّمة فتذكّر وتنبّه. وقد اعترف به صاحب القرّة، فقال في الحجّة في الطبقة الثانيّة من طبقات كتب السنّة : وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة، فإنّ الإمام أحمد جعله أصلا يعرف به الصحيح والسقيم، قال : ما ليس فيه فلا تقبلوه (٣) ...

وابنه عبد الله (٤) ، وغيرهما بطرق اُخر كثيرة صحيحة ليس فيهاالأ شقر (٥) ...

قلت : هو وإن قال البخاري : فيه نظر (٦) . وقال : عنده مناكير (٧) . وقال

____________________

(١) منهاج السنّة ٧ : ٣١٩.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٢٨١ و ٣٦٨ و ٣٧٠ و ٣٧١ و ٣٧٢ - ٣٧٣.

(٣) حجّة الله البالغة ١ : ٢٣٢.

(٤) مسند أحمد ١ : ١١٨ - ١١٩ و : ١٥٢.

(٥) انظر فضائل الصحابة للنسائي : ١٥، المستدرك للحاكم ٣ : ١١٦ و : ٣٧١، ومسند أبي يعلى ٥ : ٤٥ / ٨١٤٨، المعجم الكبير للطبراني ٢ : ٣٥٧، وانظر أيضاً منهاج السنّة ١ : ٥٠١، الهامش رقم ٢.

(٦) التاريخ الكبير ٢ : ٣٧٤ / ٢٨٦٢، التاريخ الصغير ٢ : ٢٩١.

٥٣

أبوزرعة : منكر الحديث (١) . وقال العقيلي : شيعي متروك الحديث (٢) . وقال أبوحاتم والنسائي والدارقطني : ليس بقوي (٣) . وقال ابن عدي : جماعة من الضعفاء يحيلون بالروايات عليه على أنّ في حديثه بعض ما فيه (٤) ٤٤. وقال في خبر على ما في (تنزيه الشريعة عن) (٥) الميزان : والبلاء عندي فيه من الأشقر (٦) .

لكن في لسان الميزان : إنّ ابن عدي ذكر في ترجمته حديثاً عن محمّد ابن علي بن خلف العطّار عنه وقال : هو منكر الحديث والبلاء فيه عندي منه لامن حسين (٧) . انتهى...

وروى الخطيب في الكفاية عن إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد، قال : سمعت يحيى بن معين ذكر حسيناً الأشقر، فقال : كان من الشيعة المغلية الكبار.فقلت : وكيف حديثه؟ قال : لا بأس به. قلت : صدوق. قال : نعم كتبت عنه عن أبي كُدينَة ويعقوب القمّيّ (٨) ...

وقد احتجّ به النسائي (٩) ، ووثّقه ابن حبّان (١٠) ٠، وصحّح له الحاكم في

____________________

(١) عنه في الجرح والتعديل للرازي ٣ : ٤٩ / ٢٢٠، وتهذيب الكمال ٦ : ٣٦٨ / ١٣٠٧.

(٢) الضعفاء الكبير ١ : ٢٤٩ / ٢٩٧.

(٣) انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي ٣ : ٤٩ / ٢٢٠، الضعفاء والمتروكين للنسائي : ٨٦ / ١٤٨، الضعفاء والمتروكين للدارقطني : ١١٦ / ١٩٦.

(٤) الكامل في الضعفاء ٣ : ٢٣٦.

(٥) بدل ما بين القوسين في المصدر : الضعفاء لابن الجوزي و...

(٦) انظـر تنزيـه الشـريعـة ١ : ٣٩٥ / ١٣٩، والضـعفاء والمتروكين لابن الجـوزي ١ : ٢١١ / ٨٧٥، وميـزان الاعتـدال ١ : ٥٣١ / ١٩٨٦.

(٧) لسان الميزان ٦ : ٣٥٨، ضمن ترجمة محمّد بن خلف العطّار.

(٨) الكفاية في علم الدراية : ١٣٠، وانظر أيضاً سؤالات ابن الجنيد : ٤٣٥ / ٦٧٤.

(٩و١٠) انظر السنن الكبرى للنسائي ٣ : ٢٥٣ / ٢٩١٤. والثقات لابن حبّان ٨ : ١٨٤.

٥٤

المستدرك (١) ، وروى عنه الإمام أحمد (٢) في المسـند، وهو لم يكن يروي إلاّ عن ثقة (٣) ، وقد صرّح ابن تيميّة بذلك في الكتاب الذي صنّفه في الردّ على البكريّ، قال : إنّ القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث، نوعان : منهم من لم يرو إلاّ عن ثقة عنده كمالك (٤) ، وشعبة (٥) ، ويحيى بن سعيد (٦) وعبد الرحمن بن مهدي (٧) وأحمد بن حنبل (٨) ...

____________________

(١) المستدرك للحاكم ٣ : ١٣٨.

(٢) ابن حنبل بن هلال بن أسد الحافظ أبو عبد الله الشيباني المروزي الأصل البغدادي، أحد أئمة المذاهب الأربعة عند العامة، وإليه تنسب الحنابلة، وكان فقيهاً كثير الحديثوالحفظ ، توفّي سنة ٢٤١ هـ. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ٣٥٤، وتاريخ بغداد ٤ : ٤١٢ / ٢٣١٧.

(٣) انظر مسند أحمد ١ : ١١١ و ٢٥١ و ٣٢٤.

(٤) مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري أبو عبد الله المدني، أحد أئمّة المذاهب الأربعة عند العامة وإليه تنسب المالكيّة، ولد بالمدينة سنة ٩٣ هـ وقيل : ٩٥ هـ، وكان ذامنزلة عند المنصور وغيره من خلفاء بني العبّاس، وقد عدّ مالك من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، توفّي بالمدينة سنة ١٧٩ هـ. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ١٩٢، التاريخ الكبير ٧ : ١٨٧ / ١٠٦٦١، المنتظم لابن الجوزي ٩ : ٤٢.

(٥) شعبة بن الحجّاج بن الورد أبو بسطام الأزدي العتكي مولاهم الواسطي، نزيل البصرةومحدّثها ، قال ابن المديني : له نحو ألفي حديث، توفّي سنة ١٦٠ هـ. انظر تاريخ بغداد ٩ : ٢٥٥ / ٤٨٣٠، الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ٢٨.

(٦) ابن فروخ التميمي، ويقال : مولى بني تميم أبو سعد البصري الأحول القطان، مولده سنة ١٢٧ هـ، وكان أحد كبار حفاظ الحديث، عدّ من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، وقال النجاشي : روى عن أبي عبد الله نسخة، توفّي سنة ١٩٨ هـ . انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ٢٩٣، تاريخ بغداد ١٣٥ / ٧٤٦١.

(٧) العنبري مولاهم وقيل : مولى بني الأزد أبو سعيد البصري اللؤلؤي الحافظ، ولد سنة١٣٥ هـ ، وتوفّي سنة ١٩٨ هـ. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ٢٩٧، تاريخ بغداد ١٠ : ٢٤٠ / ٥٣٦٦.

(٨) الرد على البكري (تلخيص الاستغاثة) ١ : ٧٧.

٥٥

وقد كفانا ابن تيميّة بهذا الكلام مؤونة إثباته، وحينئذ لا يبقى له مطعن فيه، فما نقله الأثرم ـ هو القيل المقدّم (١) ـ وقد ظهر للعبد بعد تتبّع تام أنّ معظم حكايات الأثرم عن أحمد من هذا (٢) مرجوعة عنها، وممّا عليه يدلّ مسنده الذي هو معتمده عند الكلّ والله أعلم...

وكذا روى عن الأشقر الكديمي، ومحمّد بن المثنّى الزمن، وأحمد ابن عبدة ، وعبد الرحمن بن محمّد بن منصور الحارثي، وعدّة أئمة (٣) ، فكلام الأوّلين والآخرين راجع إلى شيعيّته لا روايته، فقد كذب من كذّبه...

وأمّا قول الجوزجاني (٤) : غال من الشاتمين للخيرة (٥) . فظنّ غير مقبول مخالف لقول الأئمة، وكذا جلّ جرحه لأهل الكوفة (لشدّة نصبه وانحرافه) (٦) ...

وبمعناه اتّهام أبي معمر الهذلي (٧) إيّاه بالكذب (٨) ، إلى آخر ما ذكر من

____________________

(١) تقدّم في ص : ٥٣.

(٢) أي من قبيل هذا المحكي عنه ممّا فيه تعليل ما صحّحه آخرون. «منه أي من مؤلّف المستحسن ».

(٣) انظر تهذيب الكمال ٦ : ٣٦٦ / ١٣٠٧.

(٤) إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق، أبو إسحاق السعدي، سكن دمشق، وفي معجم البلدان لياقوت للحموي عن الدارقطني : كان فيه انحراف عن علي عليه‌السلام . مات سنة ٢٥٩ هـ وقيل : ٢٥٦ هـ. تاريخ دمشق ٧ : ٢٨٨ / ٥٤٤، معجم البلدان ٢ : ١٨٣.

(٥) انظر أحوال الرجال : ٧١ / ٨٥.

(٦) بدل ما بين القوسين في المصدر : ما فيه من الانحراف والنصب...

(٧) إسماعيل بن إبراهيم بن معمّر بن الحسن الهذلي القطيعي، وقيل : مولى بني تميم، من ساكني قطيعة الربيع، وهو هروي الأصل سكن بغداد، توفّي سنة ٢٤٦ هـ بمكّة. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ٣٥٩، وتاريخ بغداد ٦ : ٢٦٦ / ٣٢٩٩.

(٨) انظر ميزان الاعتدال ١ : ٥٣١، والكشف الحثيث : ١٤٨ / ٢٣٧.

٥٦

الردّ البليغ على ابن تيميّة (١) ، وإنّما نقلناه بطوله (٢) لفائدة تظهر لك في النوع السادس من أنواع المكفّرة لابن تيميّة في المقصد الثالث من مقاصد هذا الكتاب.

[أبيات للسبكي في الطعن على ابن تيميّة] :

وحيث جرى ذكر أبيات الإمام السبكي في الطعن على ابن تيميّة في عقيدته الفاسدة فينبغي أن أذكر الأبيات، وهي شهادة اُخرى من تقي الدين السبكي بكفر ابن تيميّة على اُصول أهل السنّة والجماعة أتباع الإمام أبي الحسن الأشعري (٣) كما لا يخفى، وقد ذكرها ولده التاج قاضي القضاة في الطبقات، وذكر : أنّ والده شيخ الإسلام أنشده أبياتاً لنفسه، وقد وقف على كتاب صنّفه ابن تيميّة في الردّ على ابن المطهّر، وفيها :

ولابن تيميّة ردّ عليه (وما

بمصدق) (٤) الردّ واستيفاء اضربه

لكنّه خلط الحقّ المبين بما

يشوبه كدراً في صفو مشربه

يخالط الحشو أنّى كان فهو له

حثيث سير بشرق أو بمغربه

يرى حوادث لا مبداً لأوّلها

في الله سبحانه عمّا يظنّ به

لو كان حيّاً يرى قولي ويفهمه

رددت ما قال أقفوا أثر سبسبه

____________________

(١) القول المستحسن في فخر الحسن : ٢٣٠ ـ ٢٦٨.

(٢) ذكره من الصفحة : ٤٣ إلى هذه الصفحة : ٥٧.

(٣) عليّ بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم... من ولد أبو موسى الأشعري، بصري المولد بغدادي المنشأ والدار، أحد الأئمّة المتكلّمين، وهو إمام الأشاعرة وإليه تنسب الأشعرية ولد سنة ٢٦٠ هـ، وتوفّي سنة ٣٣٤ هـ ودفن في بغداد وطمس قبره خوفاً من أن تنبشه الحنابلة فإنّهم كانوا يعتقدون كفره ويبيحون دمه. انظر تاريخ بغداد ١١ : ٣٤٧، تاريخ أبي الفداء ٢ : ٨٩، الوافي بالوفيات ٢٠ : ١٣٧ / ٢١٢.

(٤) بدل ما بين القوسين في المصدر : وفا بمقصد

٥٧

كما رددت عليه في الطلاق وفي

ترك الزيارة رداً غير مشتبه (١)

والغرض من نقل هذه الأبيات تكرار شهادة الإمام السبكي.

شهادة ابن حجر في الجوهر المنظم :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة أنّه أضلّه الله وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأرداه، شهد بذلك عليه جماعة من الأئمّة، منهم : العزّ بن جماعة على مانقله العلاّمة ابن حجر في الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرّم، قال بعد كلام يأتي نقله ما لفظه : مَنْ ابن تيميّة حتّى ينظر إليه أو يعوّل في شيء من اُمور الدين عليه؟! وهل هو إلاّ ـ كما قال جماعة من الأئمّة الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة، حتّى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعز بن جماعة (٢) عبد أضلّه الله وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأرداه، انتهى موضع الحاجة من كلامه (٣).

شهادة الشيخ أبي حيان النحوي في كتاب النهر :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة أنّه قال في كتاب العرش : إنّ الله سبحانهوتعالى يجلس على الكرسي وقد أخلى مكاناً يتقدّمه فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، شهد عليه بذلك الشيخ أبو حيان (٤) في كتاب النهر في

____________________

(١) طبقات الشافعية الكبرى ١٠ : ١٧٦.

(٢) في «ب» زيادة : قال.

(٣) الجوهر المنظم : (الوهابية المتطرّفة : موسوعة نقديّة ١) : ٦٦.

(٤) أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان الأندلسي الجياني، أثيرالدين، من علماء العربية، كتب في التفسـير والحديث والتراجـم واللغـة والتاريخ، توفّي سنة ٧٤٥ هـ، انظر الوافي بالوفيات ٥ : ٢٦٧ / ٢٤٣٥، الدرر الكامنة ٤ : ١٨٥ / ٤٨١٢.

٥٨

قوله سبحانه وتعالى : ( وَسعَ كُرسِيّهُ السَّمَاوَات وَالأرض ) (١) قال : قرأت في كتاب العرش لأحمد بن تيميّة ماصورته بخطّه : أنّ الله سبحانه وتعالى يجلس على الكرسي وقد أخلى مكاناً يتقدّمه فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

أقول : وإن لم يحضرك كتاب النهر فعليك بمراجعة كتاب كشف الظنون في كتاب العرش فإنّه نقل ذلك عن كتاب النهر أيضاً (٣) .

وقال الإمام تقي الدين السبكي : و كتاب العرش من أقبح كتبه، ولما وقف عليه الشيخ أبو حيان ما زال يلعنه حتّى مات بعد أن كان يعظّمه (٤) . نقل ذلك العلاّمة محمّد مرتضى في صفحة : ١٠٦ من الجزء الثاني من شرح كتاب الإحياء، وهو شرح قواعد العقائد من كتب الإحياء المطبوع بمصر فراجعه (٥) والعن ابن تيميّة كما لعنه الشيوخ الأئمة.

شهادة الحافظ العسقلاني في الدرر الكامنة :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة أنّه كان يسعى في الإمامة الكبرى، وهوخلاف الشرع المبين، وإفساد لجماعة المسلمين، وتشتيت لنظام المؤمنين، وشقّ للعصا بالضرورة.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة عند ترجمته لابن

____________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٥٥.

(٢) عنه في السيف الصقيل : ٩٤، ودفع شبه من شبّه وتمرّد للحصنى الدمشقي : ٤٧، والتوسّل بالنيي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابن مرزوق : ١٠.

(٣) كشف الظنون ٣ : ١٤٣٨.

(٤) السيف الصقيل : ٩٤.

(٥) المطبوع باسم إتحاف السادة المتّقين ٢ : ١٠٦.

٥٩

تيميّة ما لفظه (١) : ونسبه قوم إلى أنّه يسعى في الإمامة الكبرى فإنّه كان يلهج بذكر ابن تومرت (٢) ويطريه، وكان ذلك مؤكّداً لطول حبسه.

أقول : وإلى ذلك يشير الإمام تقي الدين السبكي في قوله :

في كلّ واد بليلى واله شغف

ما إن يزال به من مسّها وصب

ففي بني عامر من حبّها دنف

ولابن تيميّة من عهدها سغب (٣)

فتأمّل فأنّه يريد أنّه كان يمنّي نفسه الوصول إلى الإمامة الكبرى نظير ابن تومرت المتمهدي في اليمن، وصاحب البدع والضلال، وله شرح طويل ذكره المؤرّخون وأشار إليه التاج في الطبقات، وكرّر ذكره ابن تيميّة في كتبه، ذكره في منهاج الحشويّة قال : وممّن ادّعى أنّه المهدي ابن التومرت الذي خرج أيضاً بالمغرب وسمّى أصحابه الموحّدين، وكان يقال له في خطبهم : الإمام المعصوم والمهدي المعلوم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً، وهذا ادّعى أنّه من ولد الحسن دون الحسين، فإنّه لم يكن رافضياً، وكان له من الخبرة بالحديث ما ادّعى به دعوى تطابق الحديث، وقد علم بالاضطرار أنّه ليس هو الذي ذكره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . انتهى (٤) .

____________________

(١) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٢) محمّد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري، أبو عبد الله، الملقّب بالمهدي، ويقال : مهدي الموحّدين، صاحب الدعوة المهدويّة في المغرب، وواضع اُسس الدولة المؤمنيّة الكوميّة، وهو من قبيلة هرغة، رحل إلى المشرق طالباً للعلم سنة٥٠٠ هـ، فانتهى إلى العراق وأخذ عن الغزالي، توفّي سنة ٥٢٣ أو ٥٢٤ هـ. راجع سير أعلام النبلاء ١٩ : ٥٣٩ / ٣١٨، الوافي بالوفيات ٣ : ٣٢٣ / ١٣٨٢، الأعلام للزركلي٦ : ٢٢٨.

(٣) طبقات الشافعيّة الكبرى ١٠ : ١٧٩.

(٤) منهاج السنّة ٨ : ٢٥٨ - ٢٥٩.

٦٠