البراهين الجليّة - ج ١

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ١

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-628-8
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

وروى العارفون من سلف أهل البيت : أنّ الإمام الحسين عليه‌السلام لما انكشف له سرّه تدلى الخلافة الروحيّة التي هي الغوثيّة والإمامة الجامعة فيه وفي بنيه على الغالب استبشر بذلك، وباع في الله نفسـه لنيل هذه النعمة المقدّسـة، فمنّ الله عليه بأن جعل في بيته كبكبة الإمامة، وختم ببنيه هـذا الشأن على أنّ الحجّة المنتظر الإمام المهدي عليه‌السلام من ذريته الطاهرة وعصابته الزاهرة (١) ، انتهى.

فاغتنم وكن من الشاكرين ولا تكن كابن تيميّة من الشاكّين المعاندين لأهل بيت النبيّ الطاهرين.

[كلامه في الإمام الصادق عليه‌السلام ] :

فصل : ومن نصب ابن تيميّة تنقيصه من الإمام الصادق جعفر بن محمّد رضي‌الله‌عنه.

قال ابن تيميّة في صفحة ١٢٤ من الجزء الثاني من منهاج السنّة : وأمّا قوله : هو الذي نشر فقه الإماميّة والمعارف الحقيقيّة والعقائد اليقينيّة، فهذا كلام يستلزم أحد أمرين : إمّا أنّه ابتدع في العلم ما لم يكن يعلمه ممّن قبله، وإمّاأن يكون الذي قبله قصّر في ما يجب من نشر العلم، وهل يشكّ عاقل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيّن لاُمّته المعارف الحقيقيّة اليقينيّة أكمل بيان، وأنّ أصحابه تلقّواعنه ذلك و بلّغوه إلى المسلمين، وهذا يقتضي القدح إمّا فيه وإمّا فيهم (٢) ، إلى آخر كلامه الفاسد الظاهر في النصب والعداوة، وإلاّ فكلّ مسلم يعلم أنّ علم جعفر بن محمّد كلّه عن آبائه عن رسول الله، فهو أحد

____________________

(١) صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطميّة الأخيار : ٤٨ - ٤٩.

(٢) منهاج السنّة ٤ : ٥٣.

٣٦١

أبواب علم رسول الله، وهم أولى برسول الله وعلمه من غيرهم، وهم الذين قرنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن، وأنّهما لا يفترقان حتّى يردا عليه الحوض، وفي القرآن تبيان كلّ شيء، وقد علّمهم علم ذلك، وأمر الاُمّة بالتمسّك بهما، وأنّ التمسّك بهما يرفع الضلالة (١) ، فمن يكون مثلهم؟؟

كلام أبي حنيفة النعمان :

قال في تهذيب الكمال في أسماء الرجال في ترجمة الإمام جعفر ابن محمّد الصادق بعد ما عدّ من روى عنه وثناء الأئمّة عليه ما لفظه بحروفه : وعن أبي حنيفة قال : ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد، ولمّا رأيته دخلني منه الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور (٢) .

وفي الجزء الأوّل من جامع مسانيد أبي حنيفة لقاضي القضاة محمّد ابن محمود بن مسلم الخوارزمي، المتوفّي سنة خمس وخمسين وستمائة، في صفحة ٢٢٢ من النسخة المطبوعة بحيدر آباد الدكن سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف : أنّ أبا حنيفة قال : جعفر بن محمّد أفقه من رأيت، ولقد بعث إليّ أبو جعفر المنصور : أنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهيّئ له مسائل شداداً، فلخّصت أربعين مسألة، فبعثت بها إلى المنصور بالحيرة، ثمّ أبرد إليّ فوافيته على سريره وجعفر بن محمّد عن يمينه، فتداخلني من جعفر هيبة لم أجدها من المنصور، فأجلسني، ثمّ التفت إلى جعفر قائلا : ياأبا عبد الله هذا أبو حنيفة، فقال : «نعم أعرفه» ثمّ قال المنصور : سله ما بدا لك يا أبا حنيفة، فجعلت أسأله ويجيب الإجابة

____________________

(١) راجع إلى جميع ما أشار إليه في ملحقات إحقاق الحقّ للسيد المرعشي ٩ : ٣٥٩ و٣٦٤ و٢٠ : ٤٠٤ و٢٤ : ٢٠٦.

(٢) تهذيب الكمال ٥ : ٧٩ / ٩٥٠.

٣٦٢

الحسنة ويفحم، حتّى أجاب عن أربعين مسألة، فرأيته أعلم الناس باختلاف الفقهاء، فلذلك أحكم أنّه أفقه من رأيت. أخرجه الحافظ طلحة ابن محمّد في مسنده، عن أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد، عن جعفر بن محمّد بن الحسين الحازمي، عن أبي نجيح إبراهيم بن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن زياد، عن أبي حنيفة، إلى آخره (١) .

فإذا كان الإمام الأعظم أبو حنيفة يشهد أنّه أفقه ممّن رآهم وقد رأى جماعة لا يخفى فضلهم وإمامتهم في الاُمّة، فلماذا ينكر ابن تيميّة أن يكون عند جعفر من العلم ما لم يكن عند غيره، والإمامة الجامعة له لا لغيره، فهو صاحب الحقائق والدقائق، والعلم اليقين، وعين اليقين والحقّ اليقين، وقطب الأقطاب، والغوث الأعظم، على رغم كلّ ناصب معاند للأشراف الأطهار وللعترة الأبرار المرشدة الهادية من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة : كان جعفر الصادق من بين إخوته خليفة أبيه، ووصيّه، والقائم بالإمامة من بعده.

إلى أن قال : قد نقل الناس عنه من [العلوم] (٢) ما سارت به الركبان، وانتشرصيته وذكره في جميع البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث (٣) ، إلى آخر كلامه الحسن.

كلام الشريف سراج الدين الرفاعي في صحاح الأخبار :

وقال الشريف الكبير محمّد سراج الدين الرفاعي في كتابه صحاح

____________________

(١) جامع مسانيد أبي حنيفة ـ دار الكتب العلميّة ـ ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣، وانظر سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٥٧ / ١١٧، ملحقات إحقاق الحقّ للسيّد المرعشي ١٢ : ٢٠٧ - ٢٠٩ و١٩ : ٥١٤.

(٢) في النسختين : العلم.

(٣) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة عليهم‌السلام: ٢٢٢.

٣٦٣

الأخبار المتقدّم ذكره (١) عند ذكره للإمام جعفر الصادق ما هذا لفظه : وقد نقل عنه الناس على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم من العلوم ما سارت به الركبانوانتشر ذكره في البلدان، وقد جمع أسماء الرواة عنه فكانوا أربعة آلاف رجل ، إلى آخره كلامه (٢).

أقول : قد جمع أسماء من روى عنه جماعة منهم أحمد بن عقدة، وذكرهم أربعة آلاف، وأخرج لكلّ واحد منهم حديثاً أسنده عنه (٣) .

كلام أبي عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفيّة :

وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي (٤) في طبقات المشايخ الصوفيّة : جعفر الصادق فاق جميع أقرانه من أهل البيت، وهو ذو علم غزير في الدين، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وأدب كامل في الحكمة.

وقال رضي‌الله‌عنه : من غرق في بحر المعرفة لم يقف في شطّ، ومن ترقى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حطّ، ومن آنس بالله توحّش عن الناس، ومن استأنس بغير الله نهبه الوسواس (٥) .

وقال في قوله تعالى : ( قل هو الله أحد ) : «إنّ الحقائق مصونة عن

____________________

(١) في ص : ٣٦٠.

(٢) صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطميّة الأخيار : ٤٣.

(٣) راجع الذريعة للطهراني ١٠ : ٨٦ - ٨٧ / ١٦١.

(٤) محمّد بن الحسين بن محمّد بن موسى السلمي النيسابوري، روى عن الأصمّ، وروى عنه مشايخ البغداديين كالأزهري والبيهقي، توفّي سنة ٤١٢ هـ. الكامل في التاريخ ٩ : ٣٢٦، البداية والنهاية ١٢ : ١٤.

(٥) حكاه عنه في ينابيع المودّة ٣ : ١٦٠.

٣٦٤

أن يبلغها وهم أو فهم، وإظهار ذلك بالحروف ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد» (١) انتهى (٢) .

كلام ابن حجر :

وذكره ابن حجر في الصواعق وقال : ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمّة الأكابر (٣) . وذكرهم وذكر جملة من مكاشفاته وعلومه الغيبيّة فراجع صفحة ١٢٠ من المطبوع بمصر بالمطبعة الميمنيّة.

كلام ابن قتيبة :

وقال ابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب : وكتاب الجفر كتبه الإمام جعفر الصادق بن محمّد الباقر رضي الله عنهما، فيه كلّ ما يحتاجون إلى علمه إلى يوم القيامة، وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعرّي بقوله :

لقد عجبوا لآل البيت لمّا

آتاهم علمهم في جلد جفر

ومرآة المنجّم وهي صغرى

تريه كلّ عامرة وقفر (٤)

والجفر : من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر وانفصل عن اُمّه، انتهى (٥) .

____________________

(١) حقائق التفسير المعروف بتفسير السلمي ٢ : ٤٣١.

(٢) انظر الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٢٧٢، فصل الخطاب لخواجة بارسا (مخطوط) الورقة ١٩٧، ينابيع المودّة ٣ : ١٦٠، وملحقات إحقاق الحقّ ١٢ : ٢٢٧.

(٣) الصواعق المحرقة ـ نشر مؤسّسة الرسالة ـ ٢ : ٥٨٦.

(٤) لزوم ما لا يلزم ٢ : ٧٤٨، وفيه : مسك بدل : جلد.

(٥) عنه في حياة الحيوان للدميري ١ : ١٧٩، وينابيع المودّة ٣ : ٣٥٩. وانظر أدب الكاتب : ١٢٩، وتأويل مختلف الحديث : ٦٨،

٣٦٥

وابن تيميّة يعترف بإمامة ابن قتيبة ويعتمد نقله.

وقد نصّ الإمام عليّ بن موسى الرضا على الجفر والجامعة في كتابته على العهد لمّا ولاّه المأمون ولاية العهد فكتب : «والجفر والجامعة يخبران أنّ هذا الأمر لا يتمّ» كما حكاه أئمّة التواريخ جميعاً (١) .

وقال ابن الصبّاغ في الفصول المهمّة والشبلنجي في نور الأبصار : وكان جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه مجاب الدعوة، إذا سأل الله شيئاً لا يتمّ قوله إلاّ وهو بين يديه (٢) .

ثمّ ذكروا له الكرامات الباهرة، والكلمات الزاهرة التي لا ينطق بها إلاّ الشارب من الينبوع النبوي، والحاوي بين جنبيه العلم اللاهوتي، فراجع حتّى تعرف نصب ابن تيميّة الحشوي المشبّه.

[كلامه في الإمام الكاظم عليه‌السلام ] :

فصل وأمّا تنقيص ابن تيميّة من الإمام موسى بن جعفر فمن وجوه :

منها : قوله في الصفحة المتقدّم ذكرها ما لفظه : وليس له كثير رواية، روى عن أبيه جعفر، وروى عنه أخوه عليّ، وروى له الترمذيّ وابن ماجة (٣) ، انتهى.

مع أنّ الأئمّة ذكروا له المسند وهو ألف حديث أسنده عن أبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

(١) الفخري في الآداب السلطانيّة للطقطقي : ٢١٥، المواقف للقاضي عضد الدين ٢ : ٦٠، ينابيع المودّة ٣ : ٢٠٤.

(٢) الفصول المهمّة : ٢٢٦ - ٢٢٧، نور الأبصار : ١٦١، إسعاف الراغبين ـ المطبوع في هامش نور الأبصار ـ : ٢٤٨، وانظر إحقاق الحقّ ١٢ : ٢٦٠.

(٣) منهاج السنّة النبويّة ٤ : ٥٦.

٣٦٦

قال صاحب كشف الظنون ما لفظه : مسند الإمام موسى بن جعفر الكاظم رواه أبو نعيم الأصفهانيّ، وروى عنه المسند موسى بن إبراهيم (١) ، انتهى (٢) .

أقول : وهو المعروف اليوم بكتاب الجعفريات ، وأيضاً لأخيه عليّ ابن جعفر كتاب معروف رواه عن أخيه موسى بن جعفر (٣) ، والكتابان المسند وكتاب عليّ بن جعفر من الكتب المتواترة عند الشيعة.

كلام صاحب فصل الخطاب :

وقال السيد الكامل المحدّث محمّد خواجه پارسائي البخاري (٤) أسبق خلفاء خواجه محمّد البخاري شاه نقشبند (٥) في كتابه فصل الخطاب عند ذكره للإمام موسى بن جعفر : قال جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه : «هؤلاء أولادي وهذا

____________________

(١) مسند الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام مجموعة من الروايات المسندة المرفوعة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسندها الإمام الكاظم عليه‌السلام بطريق آبائه عليهم‌السلام إليه، رواها عنه موسى بن إبراهيم أبو عمران المروزي البغدادي معلّم ولد السندي، سمعها من الإمام عند ماكان سجيناً في سجن هارون العبّاسي. الفهرست للشيخ الطوسي : ٤٥٤ / ٧٢٢

(٢) كشف الظنون ٢ : ١٦٨٢.

(٣) المعروف بكتاب مسائل علي بن جعفر، ذكر الشيخ الطوسي علي بن جعفرفي أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام فقال : أخوه، له كتاب ما سأله عنه. رجال الشيخ الطوسي : ٣٣٩ / ٥.

(٤) محمّد بن محمّد بن محمود بن محمّد، شمس الدين الجعفري البخاري، فقيه حنفي مفسّر ، من أهل بخارى، جاور بمكّة ومات بها أو بالمدينة سنة ٨٢٢ هـ. الضوء اللامع ١٠ : ٢٠ / ١٥٧، الأعلام للزركلي ٧ : ٤٤.

(٥) محمّد بن محمّد بهاء الدين المعروف بشاه نقشبند البخاري، مؤسّس الطريقة النقشبنديّة المنتشرة في تركيا وسوريا وآسية الوسطى، توفّي سنة ٧٩١ هـ. طبقات الصوفيّة ٤ : ٢٣٩ / ١٩٤، كشف الظنون ١ : ٤٨٨ و ٨٨٢.

٣٦٧

سيّدهم» وأشار إلى ابنه الكاظم (١) .

وقال أيضاً : «هو باب من أبواب الله تعالى يخرج الله تبارك وتعالى منه غوث هذه الاُمّة ونور الملّة وخير مولود ناشئ» (٢) .

وروى المأمون عن أبيه الرشيد أنّه قال لبنيه في حقّ موسى الكاظم : هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده... أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وأنه والله لأحقّ بمقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّي ومن الخلق جميعاً، ووالله لو نازعني في هذا الأمر لآخذن بالذي فيه عيناه فإنّ الملك عقيم.

وقال الرشيد للمأمون : يا بني هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر، إن أردت العلم الصحيح تجد عند هذا. قال المأمون : من حينئذ انغرس في قلبي حبّه. انتهى ما في فصل الخطاب (٣) بلفظه بحروفه، وأخرجه في ينابيع المودّة القندوزي (٤) فراجع.

وقال الشيخ المحدّث نور الدين بن الصبّاغ المالكي : قال بعض أهل العلم : الكاظم هو الإمام الكبير القدر الأوجه، الحجّة الحبر، الساهر ليله قائماً، القاطع نهاره صائماً، المسمّى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظماً، وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى الله، وذلك لنجح حوائج المتوسّلين به (٥) ، انتهى.

____________________

(١) الإمامة والتبصرة : ٢١٥ / ٦٨، الكافي ١ : ٣١٣ / ١٤، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٩ / ٩.

(٢) الإمامة والتبصرة : ٢١٦، الكافي ١ : ٣١٤، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٧٤ ب ٧ ح ١١.

(٣) فصل الخطاب (مخطوط) الوقة : ١٩٨.

(٤) ينابيع المودّة ٣ : ١٦٥.

(٥) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة : ٢٣١.

٣٦٨

أقول : بعض أهل العلم هو الإمام محمّد بن طلحة الشافعي رأيته ذكر ذلك في أوّل الباب السابع من كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (١) ، وهذان الشيخان من أئمّة علماء السنّة.

كلام ابن حجـر :

وقال العلاّمة ابن حجر في الصواعق في صفحة ١٢١ من المطبوع بالمطبعة الميمنيّة ما هذا لفظه : موسى الكاظم وهو وارث أبيه علماً ومعرفةً وكمالا وفضلا، سمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان أعبد أهل زمانه (٢) .

فلماذا ينقص من شأنه ابن تيميّة ولا يساويه بسائر أهل عصره من الرواة، وهو باب الله وغوث الاُمّة وسيّد الأئمّة!!.

ومنها : تكذيب ابن تيميّة الحكاية المشهورة عن شقيق البلخي (٣) مع الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام .

قال ابن تيميّة في صفحة ١٢٥ من الجزء الثاني من منهاج السنّة قال : إنّها كذب، فإنّ هذه الحكاية تخالف المعروف من حال موسى بن جعفر، وموسى كان مقيماً بالمدينة بعد موت أبيه جعفر سنة ثمان وأربعين، ولم يكن قد جاء إذ ذاك إلى العراق حتّى يكون بالقادسيّة، ولم يكن أيضاً ممّن ينزل منفرداً على هذه الحالة لشهرته وكثرة من يغشاه وإجلال الناس له وهو

____________________

(١) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ٤٤٧.

(٢) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٩٠، ينابيع المودّة ٣ : ١١٧ / ٦٣.

(٣) أبو علي شقيق بن إبراهيم بن علي الأزديّ البلخيّ، من مشايخ خراسان أخذ عن إبراهيم بن أدهم واستاذ حاتم الأصمّ، توفّي سنة ١٩٤ هـ حلية الأولياء ٨ : ٥٨ / ٢٩٥.

٣٦٩

معروف ومتّهم أيضاً بالملك، ولذلك أخذه المهدي ثمّ الرشيد إلى بغداد، انتهى (١) .

وكل هذه التعسّفات لمحض العناد وإنكار فضل الإمام موسى بن جعفر، وإلاّ فقد حكى العلماء في مصنّفات السير والتواريخ والمناقب مجيء الإمام موسى بن جعفر إلى العراق أيّام المنصور الدوانيقي أبي المهدي.

قال ابن شهر آشوب في كتاب المناقب في الباب المتعلّق بالإمام موسى ابن جعفر عليهما‌السلام ما لفظه بحروفه : إنّ المنصور تقدّم إلى موسى بن جعفر بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز وقبض ما يحمل إليه، فقال الإمام موسى : «إنّي قد فتشت الأخبار عن جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم أجد لهذا العيد خبراً، وأنّه سنّة للفرس، ومحاها الإسلام، ومعاذ الله أن نحيي ما محاه الإسلام» فقال المنصور : إنّما نفعل هذا سياسة للجند، فسألتك بالله العظيم إلاّ جلسـت. ودخلت عليه الملوك والاُمراء والأجناد يهنئونه ويحملون إليه الهدايا والتحف، وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل، فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السنّ فقال له : يا ابن بنت رسول الله إنّني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك ولكن أتحفك بثلاثة أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين بن علي عليه‌السلام :

عجبت لمصقول علاك فرنده

يوم الهياج وقد علاك غبار

ولا سهم نفذتك دون حرائر

يدعون جدّك والدموع غزار

إلاّ تغضغضت السهام وعاقها

عن جسمك الإجلال والإكبار

قال عليه‌السلام : «قبلت هديتك أجلس بارك الله فيك» ورفع رأسه إلى

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥٧.

٣٧٠

الخادم وقال : «امض إلى أمير المؤمنين وعرفه بهذا المال وما يصنع به» فمضى الخادم وعاد وهو يقول : كلّه هبة منّي له يفعل به ما أراد. فقال موسى للشيخ : «اقبض جميع هذا المال فهو هبة منّي لك» (١) .

أقول : لكنّني لم أقف على ما يدلّ أنّ المنصور كان طلبه إلى الحيرة بعد وفاة أبيه الصادق، أو أنّه هو جاءه.

ويشهد أن حديث شقيق كان في هذه السفرة للكاظم قول شقيق : فنظرت إلى فتى حسن الوجه، كما في رواية ابن طلحة (٢) ، أو : شاب حسن الوجه، كما في رواية سبط بن الجوزي (٣) ، لأنّ تولده سنة ثمان وعشرين ومائة، فيكون عمره سنة تسع وأربعين أحداً وعشرين سنة.

وأيضاً فإنّ الذين رووا هذا الحديث عن شقيق من شيوخ الحديث وهم أعرف من ابن تيميّة بالتواريخ.

أسماء الحفّاظ وأئمّة الحديث الذين رووا قصّة شقيق البلخي :

قال سبط بن الجوزي في التذكرة عند روايته ذلك : أخبرنا أبو محمّد البزّاز، أنبأنا أبو الفضل بن ناصر، أنبأنا محمّد بن عبد الملك والمبارك بن عبدالجبّار الصرفي قالا : أنبأنا عبد الله بن أحمد بن عثمان، أنبأنا محمّد بن عبدالرحمن الشيبانيّ : أنّ عليّ بن محمّد بن الزبير البجلي حدّثهم قال : أنبأنا هشام بن حاتم الأصمّ، عن أبيه قال : حدّثني شقيق البلخي... إلى آخره (٤) .

____________________

(١) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٣١٨.

(٢) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٤٤٨.

(٣) تذكرة الخواص : ٣١٢ - ٣١٣.

(٤) نفس المصدر : ٣١٢.

٣٧١

ورواه محمّد بن طلحة الشافعيّ عن هشام بن حاتم، عن أبيه حاتم الأصمّ، عن شقيق (١) .

وقال العلاّمة ابن حجر في الصواعق : ومن بديع كراماته ما حكاه ابن الجوزي والرامهرمزي وغيرهما عن شقيق البلخي. وذكر القصّة (٢) .

ورواه الإمام نور الدين بن الصبّاغ المالكي من طريق هشام بن حاتم الأصمّ ثمّ قال ما لفظه بحروفه : وهذه الحكاية رواها جماعة من أهل التأليف، رواها ابن الجوزي في كتابه مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن (٣) ، ورواها الحافظ عبد العزيز بن الخضر الجنابذي البغدادي الحنبلي (٤) في كتابه معالم العترة النبويّة ومعارف أهل بيت الفاطميّة، ورواها الرامهرمزي قاضي القضاة (٥) في كرامات الأولياء (٦) ، انتهى.

____________________

(١) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ٤٤٩ - ٤٥٠.

(٢) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٩١.

(٣) مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن ٢ : ١٦٦ / ٣٦٤.

(٤) المحدّث الحافظ أبو محمّد عبد العزيز بن نصر بن المبارك الجنابذيّ، المعروف بـ : ابن الأخضر، وجنابذ ناحية بنيسابور، ولد سنة ٥٢٤ هـ وتوفّي سنة ٦١١ هـ . سير أعلام النبلاء ٣١ : ٢٦.

(٥) الحسن بن عبد الرحمن بن خلاّد الرامهرمزيّ الفارسيّ، أبو محمّد، محدّث العجم في زمانه، من اُدباء القضاة، اتّصل بالوزير المهلّبي، له : أمثال الحديث، والمحدّث الفاصل بين الراوي والواعي وغيرهما، توفّي نحو ٣٦٠ هـ. الأعلام للزركلي ٢ : ١٩٤.

(٦) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة : ٢٣٣ - ٢٣٤، وراجع أيضاً تذكرة الخواص : ٣١٢ - ٣١٣، صفوة الصفوة ٢ : ١٨٥، مفتاح النجاة للبدخشي : ١٧٢، إسعاف الراغبين (هامش نور الأبصار) : ٢٤٧، الإتحاف بحبّ الأشراف : ١٤٩، ملحقات إحقاق الحقّ ١٢ : ٣١٤ و ١٩ : ٥٤٥.

٣٧٢

فهل يبقى للمؤمن المنصف ريب في صحّة الحكاية بعد رواية هؤلاء المشايخ الفقهاء الحفّاظ الأئمّة في فنون الحديث إلاّ أن يكون في قلبه مرض النفاق والبغض لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ هذا الحشويّ اعتمد في عقيدته في الحشو والتشبيه أحاديث لم يعتمدها واحد من مثل هؤلاء الأعاظـم المحدّثين، والحمد لله الذي أخزاه وحرمه محبّة العترة ومودّة القربى الطاهرين من آل خير المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وبعد ما بينّاه من مجيئه عليه‌السلام إلى العراق أيّام المنصور ورواية الحفّاظ لتلك الكرامة بالإسناد والاستفاضة، تعرف باقي ما ذكره ابن تيميّة ممّا تضحك منه الثكلى، فإنّ الأولياء إذا أرادوا العزلة في السفر إلى بيت الله قدروا عليه بكلّ وجه كما هو المنقول عن آباء موسى بن جعفر كالإمام زين العابدين (١) بل والحسن بن أمير المؤمنين (٢) ، كما يظهر لمن راجع السير والتواريخ، على أنّ تاريخ القصّة سنة تسع وأربعين ومائة بعد موت أبيه بسنة في أيّام المنصور، فإنّه عاش إلى آخر سنة ثمان وخمسين ومائة، فأين الاتّهام بالملك ما أحمقك! إنّما ذلك في أيّام المهدي والرشيد لا في سطوة المنصور وشوكته، فإنّ الإمام موسى كان ابن أحد وعشرين سنة يوم كانت قصته مع شقيق كما عرفت فلا مجال للاتّهام بالملك أيام المنصور، لكن لايعرف ابن تيميّة قبح العثرة; لأنّ الله أصمّه وأعماه وأضلّه وجعله مثلا بين العوام.

____________________

(١و٢) انظر المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ١٣٧، وتاريخ دمشق ١٣ : ٢٤٢، وحلية الأولياء ٢ : ٣٧، ذخائر العقبى : ١٤٧، صفوة الصفوة ١ : ٣٢٠، تذكرة الخواص : ١٧٥، البداية والنهاية ٨ : ٤٠.

٣٧٣

انكار ابن تيميّة توبة بشر الحافي

على يد الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام والجواب عنها

ومنها : وهي أشنعها على ابن تيميّة قوله في الصفحة المذكورة بعد الذي نقلناه ما لفظه : وأمّا قوله يعني ابن المطهّر تاب على يده بشر الحافي (١) فمن أكاذيب من لا يعرف حاله وحال بشر، فإنّ موسى بن جعفر لما قدم به الرشيد إلى العراق حبسه، فلم يكن ممّن يجتاز على دار بشر وأمثاله من العامّة (٢) ، انتهى.

يا محروم! قد جاء الإمام موسى بن جعفر إلى بغداد في أيّام المهدي مرّتين، وجاء في أيام الرشيد كذلك، ولم يكن يحبس بحيث لا يخرج إلاّ في المرّة الأخيرة (٣) ، روى الشريف المرتضى الموسوي في الغرر والديلمي في أعلام الدين عن أبي عبد الله (٤) ، بإسناده عن أيوب الهاشمي أنّه حضر باب الرشيد رجل يقال له : نفيع الأنصاري، وحضر موسى بن جعفر على حمار له، فتلقّاه الحاجب بالإكرام وعجّل له بالإذن، فسأل نفيع عبد العزيز ابن عمر : من هذا الشيخ؟ قال : شيخ آل أبي طالب، شيخ آل محمّد، هذا موسى بن جعفر. قال : ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم يفعلون هذا برجل

____________________

(١) بشر بن حارث المروزيّ الحافي ، أبو نصر ، عارف زاهد ، كان من أبناء خراسان من أهل مرو وانتقل إلى بغداد ، وكان من المنغمسين في الملاهي والملذّات فتاب على يد الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام ، توفّي في بغداد سنة ٢٢٧ هـ . موسوعة مؤلّفي الإماميّة ١ : ١٨٩ .

(٢) منهاج السنّة ٤ : ٥٧.

(٣) راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير ٦ : ٨٥.

(٤) في المصدر : أبو عبيد الله المرزباني.

٣٧٤

يقدر أن يزيلهم عن السرير، أما إن خرج لأسوأنّه. فقال له عبد العزيز : لا تفعل، فإنّ هؤلاء أهل بيت قلّ ما تعرّض لهم أحد في الخطاب إلاّ وسموه في الجواب سمة يبقى عارها عليه مدى الدهر. قال : وخرج موسى وأخذ نفيع بلجام حماره وقال : من أنت يا هذا؟ قال : «يا هذا إن تريد النسب أنا ابن محمّد حبيب الله بن إسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله على المسلمين وعليك ـ إن كنت منهم الحجّ إليه، وان كنت تريد المفاخرة والله ما رضوا مشركوا قومي مسلمي قومك أكفائهم حتّى قالوا : يا محمّد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش، وإن كنت تريد الصيت والاسم فنحن الذين أمر الله بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة تقول : اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد فنحن آل محمّد، خلّ عن الحمار» فخلّى عنه ويده ترعد وانصرف مخزيّاً، فقال له عبد العزيز : ألم أقل لك (١) .

وشاهد آخر : روى أبو عمرو الكشّي في تاريخ الرواة قال ما هذا لفظه : وجدت بخطّ محمّد بن الحسن بن بندار، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد ابن سالم قال : لمّا حمل سيدي موسى بن جعفر إلى هارون جاء إليه هشام ابن إبراهيم العبّاسي فقال له : يا سيدي قد كتب لي صك إلى الفضل ابن يونس فأسألك أن تسأله أن يروج أمري. قال : فركب إليه أبو الحسن موسى، فدخل عليه حاجبه فقال : يا سيدي أبو الحسن موسى بالباب، فقال : فإن كنت صادقاً فأنت حرّ ولك كذا وكذا، فخرج الفضل بن يونس حافياً يعدو حتّى خرج إليه، فوقع على قدميه يقبّلهما، ثمّ سأله أن يدخل،

____________________

(١) غرر الفوائد ودرر القلائد المعروف بـ : أمالي المرتضى ١ : ٢٧٥، أعلام الدين في صفات المؤمنين : ٣٠٥.

٣٧٥

فدخل فقال له : «اقض حاجة هشام بن إبراهيم» فقضاها، ثمّ قال : يا سيدي قد حضر الغدا فتكرمني أن تتغدى. فقال : «هات المائدة» وعليها البوارد فأجال يده في البارد ثمّ قال : «البارد تجال اليد فيه» فلمّا رفع البارد جاء بالحار فقال أبو الحسن : «الحار حمى» (١) .

أقول : ولو أردنا استقصاء ما يدل على أنّه عليه‌السلام كان في بعض تلك الأيّام غير محبوس لطال المقام، مثل ما في كتاب العيون لأبي جعفر محمّد ابن عليّ بن موسى القمي، عن الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد ابن الحسين المدني، عن عبدالله بن الفضل، عن أبيه الفضل قال : كنت أحجب للرشيد فأقبل علي يوماً غضباناً وبيده سيف يقلّبه، فقال : يا فضل بقرابتي من رسول الله لئن لم تأتني بابن عمّي لأخذت الذي فيه عيناك. فقلت : بمن أجيئك؟ فقال : هذا الحجازي. قلت : وأي الحجازيين؟ قال : موسى بن جعفر، إلى أن قال : ومضيت إلى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر، فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرايد النخل، فإذا أنا بغلام أسود، فقلت له : استأذن لي على مولاك يرحمك الله، فقال لي : لج ليس له حاجب ولا بوّاب، فولجت إليه فإذا أنا بغلام أسود بيده مقصّ يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده، إلى آخر الحديث، وهو حديث طويل فراجعه (٢) .

بل في جملة من التواريخ أن في بعض إتيانه إلى بغداد كان معه بعض نسائه وبعض ولده، وأنّه لمّا رجع أبو الحسن موسى من بغداد ومضى يريد المدينة ماتت له ابنة بـ (فيد) (٣) ، فدفنها، وأمر بعض مواليه أن يجصص

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) ٢ : ٧٩٠ / ٩٥٦.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٦٢ - ٦٣ / ٥.

(٣) فيد : بليدة في نصف طريق مكّة من الكوفة عامرة. معجم البلدان ٤ : ٢٨٢.

٣٧٦

قبرها، ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر (١) .

في تنقيص ابن تيميّة من الإمام عليّ الرضا عليه‌السلام :

فصل : في تنقيص ابن تيميّة من الإمام عليّ بن موسى الرضا رضي الله تعالى عنهما.

منها : ما في صفحة ١٢٥ من الجزء الثاني من منهاج السنّة : أمّا قوله : كان أزهد الناس وأعلمهم فدعوى مجرّدة بلا دليل، فكلّ من غلا في شخص أمكنه أن يدّعي له هذه الدعوى، كيف والناس يعلمون أنّه كان في زمانه من هو أعلم منه وأزهد منه كالشافعي، وإسحاق بن راهويه، وأحمد ابن حنبل، وأشهب بن عبد العزيز، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، وأمثال هؤلاء، هذا ولم يأخذ عنه أحد من أهل العلم بالحديث شيئاً، ولا روى له حديثاً في كتب السنّة، وإنّما يروي له أبو الصلت الهروي وأمثاله نسخاً عن آبائه فيها من الأكاذيب ما نزّه الله عنه الصادقين منهم (٢) ، انتهى.

أقول : أوّلا ستعرف أنّ كلّ هذا النفي كذب وعناد، وأئمّة السنّة ذكروا ما ذكره ابن المطهّر في الإمام الرضا، فلا نشكّ أن كلام ابن تيميّة هذا في الإمام عليّ الرضا إيذاء لرسول الله الذي قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من آذى شعرة منّي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى» أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وذكر أنّ ابن عساكر رواه عن عليّ (٣) ، لكن ابن تيميّة من ذرية الخوارج،

____________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٢ / ٣، وانظر تاريخ بغداد ١٣ : ٢٧ / ٦٩٨٧، مروج الذهب ٣ : ٣٤٦.

(٢) منهاج السنّة ٤ : ٦٠ - ٦١.

(٣) الجامع الصغير ٢ : ٥٤٧ / ٨٢٦٧، تاريخ دمشق ٥٤ : ٣٨ / ٦٧٨٨.

٣٧٧

وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الودّ يتوارث والبغض يتوارث» رواه الطبراني في الكبير والحاكم عن عفير (١) .

وأخرج أبو سعيد (٢) والملاّ (٣) في سيرته عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: «استوصوا بأهل بيتي خيراً، فإنّي اُخاصمكم عنهم غداً، ومن أكن خصمه أخصمه، ومن أخصمه دخل النار» (٤) وهذا ابن تيميّة كما ترى لا يصبر على سماع فضيلة لأهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما أنكره ابن تيميّة من فضل الإمام الرضا عليه‌السلام ثابت بلا ريب، وأنا أنقل ما قاله الأئمّة الأعلام من علماء الإسلام.

قال السيّد الكامل المحدّث محمّد خواجه پارسائي البخاري أسبق خلفاء خواجه محمّد البخاري شاه نقشبند(قدس سرهما) في كتابه فصل الخطاب قالت أُمّ الإمام عليّ بن موسى الرضا : لمّا حملت بابني عليّ الرضا لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتحميداً وتهليلا من بطني، فلمّا وضعته وقع إلى الأرض واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء

____________________

(١) المعجم الكبير ١٧ : ١٨٩ / ٥٠٧، المستدرك للحاكم ٤ : ١٧٩.

(٢) عبد الملك بن محمّد بن إبراهيم الخركوشي النيشابوري الواعظ، وخركوش سكّة بنيشابور، سمع بدمشق وببغداد ومكّة، روى عنه الحاكم ومدحه، توفّي سنة ٤٠٦ أو ٤٠٧ هـ، له كتاب شرف المصطفى وغيره. سير أعلام النبلاء ١٧ : ٢٥٦ / ١٥٣.

(٣) عمر بن محمّد بن خضر الإربلي الموصلي، أبو حفص معين الدين، المعروف بالملاّ; لأنّه كان يملأ تنانير الآجر ويأخذ الاُجرة، شيخ الموصل، له أخبار مع نورالدين محمود بن زنگي، صنّف كتاب وسيلة المتعبّدين في سيرة سيد المرسلين، توفّي سنة ٥٧٠ أو ٥٧٨ هـ. الأعلام للزركلي ٥ : ٦٠ - ٦١.

(٤) شرف المصطفى ١ : ٢٩٩ / ٢٢٤٦، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : ٢٨، الصواعق المحرقة ٢ : ٤٤١ و ٦٥٧، ينابيع الموددّة ٢ : ١١٥، ٣٢٤.

٣٧٨

محرّكاً شفتيه كأنّه يناجي ربّه، فدخل أبوه فقال لي : «هنيئاً لك كرامة ربّك عزّوجلّ» فناولته إيّاه، فأذّن في اُذنه اليمنى وأقام في اُذنه اليسرى، فحنّكه بماء الفرات.

ثمّ قال المحدّث البخاري : وعن موسى الكاظم أنّه قال : «رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليّ رضي‌الله‌عنه معه، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا موسى ابنك ينظر بنور الله عزّوجلّ، وينطق بالحكمة، يصيب ولا يخطئ، يعلم ولا يجهل، قدمُلِئ وحكماً» (١) .

وقد نقل ذلك حافظ عصره عبد الحقّ الدهلوي في رسالة أحوال الأئمّة الأطهار، والمولوي مبين الكهنوي في وسيلة النجاة، والمولوي ولي الله اللكهنوي في مرآة المؤمنين، ورشيد الدين في الإيضاح، والجامي في شواهد النبوّة (٢) .

ثمّ حكى في فصل الخطاب : إنّه عرض المأمون عليه الخلافة فأبى، قال : وجرت في ذلك مخاطبات كثيرة، وألحّ عليه المأمون مرّة بعد أُخرى، وفي كلّها يأبى، وقال : «بالعبوديّة لله أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو الرفعة عند الله تعالى» وكلّما ألحّ عليه يقول : «اللهمّ لا عهد إلاّ عهدك، ولا ولاية إلاّمن قبلك، فوفقني لإقامة دينك وإحياء سنّة نبيّك، فإنّك نعم المولى ونعم النصير»...

فقال المأمون : إن لم تقبل الخلافة فكن وليّ عهدي، فأبى أيضاً

____________________

(١) فصل الخطاب (مخطوط) الورقة : ١٩٩، وعنه في ينابيع المودّة ٣ : ١٦٦، وانظر اُصول الكافي ١ : ٢١ / ٩، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٢، الإمامة والتبصرة : ٢١٥ / ٦٨، ملحقات إحقاق الحقّ ١٢ : ٣٥١.

(٢) شواهد النبوة : ٢٥٨، وانظر إحقاق الحقّ ١٢ : ٣٥١ - ٣٥٢.

٣٧٩

وقال : «لقد حدّثني أبي، عن آبائه، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّي أخرج من الدنيا قبلك مظلوماً تبكي عليَّ ملائكة السماء والأرض، وأُدفن في أرض الغربة»...

ثمّ ألحّ المأمون إلحاحاً كثيراً فقبل ولاية العهد وهو باك حزين، على شرط أن لا ينصب أحداً معزولا ولا يعزل أحداً منصوباً، فرضى المأمون ذلك الشرط، وجعله ولي عهده، قال : ونظر المأمون إلى أولاد العبّاس وهم ثلاثة وثلاثين ألفاً من كبير وصغير، ونظر إلى أولاد عليّ رضي‌الله‌عنه فلم يجد أحداً أحقّ بالخلافة من عليّ الرضا رضي‌الله‌عنه(١) .

أقول : ولهذا كتب في العهد بيده : ولم أزل منذ افضت إلى الخلافة أنظر فيمن اُقلّده أمرها، واجتهد فيم اُوليه عهدها، فلم أجد من يصلح لها إلاّ أباالحسن علي بن موسى الرضا، لمّا رأيت من فضله البارع، وعلمه النافع، وورعه الباطن والظاهر، وتخليته عن الدنيا وأهلها، وميله إلى الآخرة وإيثاره لها، وقد تحقّق عندي وتيقّنت فيه ما الأخبار عليه متواطئة والألسن متّفقة، فعقدت له العهد واثقاً بخيرة الله في ذلك، نظراً للمسلمين، وإيثاراً لإقامة شعائر الدين، وطلب النجاة يوم يقوم الناس لربّ العالمين، وكتب عبد الله بخطّه لسبع خلون من شهر رمضان ٢٠١، وقد بايع أهل بيتي وخاصّتي وولدي وأهلي وجندي وعبيدي، اللهمّ صلِّ على سيدنا محمّد وآله، والسلام (٢) .

أقول : فإذا كان رسـول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لموسى بن جعفر في المنـام :

____________________

(١) فصل الخطاب (مخطوط) الورقة : ١٩٩، وانظر عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٣٨ / ٣، وينابيع المودّة ٣ : ١٦٧.

(٢) تذكرة الخواص : ٣١٧.

٣٨٠