البراهين الجليّة - ج ١

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ١

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-628-8
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

في غاية الظهور من حيث المعنى، فإنّ القائم في هذا المنصب الشريف جدير بأن يكون من أهل البيت النبوي، وهو نظير قول من اشترط في القطب أن يكون من أهل البيت عليهم‌السلام..

إلاّ أنّ القطب من شأنه غالباً الخفاء وعدم الظهور، فإذا لم يوجد في الظاهر من أهل البيت من يصلح للاتّصاف حمل على أنّه قام بذلك رجل منهم في الباطن..

وأمّا القائم بتجديد الدين فلابدّ أن يكون ظاهراً حتّى يسير علمه في الآفاق وينتشر في الأقطار، ولا يمكن أن يقال في المئات السابقة : لعلّ رجلا من أهل البيت قام بذلك في الباطن، لأنّ ذلك غير مقصـود الحديث.

والحاصل : أن الأوجه من حيث المعنى أنّ المناصب الثلاثة لا يقوم بها إلاّ رجل من أهل البيت :

منصب الخلافة الظاهرة وهي القيام بأمر الإمام.

ومنصب الخلافة الباطنيّة وهي القطبيّة.

ومنصب تجديد الدين على رأس كلّ مائة سنة.

ولكن يبقى النظر في تحرير المراد بأهل البيت، فإن أراد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : «رجل من أهل بيتي» أي من قريش كما هو المراد بالخلافة الظاهرة اتّسع الأمروسهل ، إلى آخر كلام الجلال السيوطي (١) .

في أنّه لا يشترط في الإمام التسلّط والغلبة الفعليّة :

أقول : لا داعية إلى الخروج عن ظاهر المراد بـ «أهل بيتي» فإنّه كالنصّ في العترة الطاهرة وهم الأئمّة بالاستحقاق، ولا يشترط في الإمام

____________________

(١) رشفة الصادي : ١٢٤ - ١٢٦.

٣٤١

التسلّط الفعلي، قال الشيخ أبو شكور الحنفي في كتاب التمهيد في بيان التوحيد ما لفظه :

قال بعض الناس : بأنّ الإمام إذا لم يكن مطاعاً فإنّه لا يكون إماماً لأنّه إذالم يكن له القهر والغلبة فلا يكون إماماً (١) .

قلنا : ليس كذلك، لأنّ طاعة الإمام فرض على الناس، فإن لم يكن القهرفذلك يكون من تمرّد الناس، وهو لا يعزله عن الإمامة، فلو لم يطع (٢) الإمام فالعصيان حصل منهم، وعصيانهم لا يضرّ بالإمامة، ألا ترى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان مطاعاً في أوّل الإسلام، وما كان له القهر على أعدائه من طريق العادة، والكفرة قد تمرّدوا عن أمره ودينه (٣) ، وقد كان هذا لا يضرّه ولا يعزله عن النبوّة، وكذلك الإمام لأنّ الإمام خليفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامحالة، وكذلك عليّ ما كان مطاعاً من جميع المسلمين ومع ذلك ما كان معزولا، فصحّ ما قلنا : ولو أنّ الناس كلّهم ارتدّوا عن الإسلام والعياذ بالله تعالى فإنّ الإمام لا ينعزل من الإمامة فكذلك في العصيان (٤) ، انتهى.

ومن هنا يظهر انطباق أحاديث : «الأئمّة بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش» المخرجة في الصحيحين (٥) وغيرهما (٦) على الأئمّة الاثنى عشر من

____________________

(١) انظر شرح بدء الأمالي للرازي : ٢٦٠، واُصول الدين للغزنوي : ٢٨١ / ١٦٣.

(٢) في المصدر : يطيعوا .

(٣) في المصدر : تمرّدوا عن إمداده ونصرة دينه.

(٤) التمهيد في بيان التوحيد : ١٨٦ - ١٨٧، وفي العبارة تقديم تأخير فراجع.

(٥) صحيح البخاري ٩ : ٧٢٩ / ٢٠٣٤، صحيح مسلم ٣ : ١٤٥٢ / ١٨٢١ - ١٨٢٢.

(٦) مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٨٧، ٩٠، ٩٣، ٩٧، سنن أبي داوُد ٤ : ١٠٦ / ٤٢٧٩، سنن الترمذي ٣ : ٣٤٠ / ٢٣٢٣.

٣٤٢

أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وينافي أنّ الإمرة الظاهريّة والخلافة الاختياريّة من المسلمين للخلفاء، فإنّ ذلك غير الإمامة الخاصّة الإلهيّة المختصّة بأهل البيت، لكن بني اُميّة وأمثالهم من أعداء أهل البيت تهاونوا بأهل البيت كما تهاونوا بنوإسرائيل بأنبيائهم فقتلوهم وأبادوهم.

تنقيصه من الإمام زين العابدين بن الحسين عليهما‌السلام :

فصل : وبالغ ابن تيميّة في الاستقصاء على آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذهاب حرمة العترة، والتنقيص منهم، حتّى أنكر تسمية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليّ ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب سيّد العابدين.

قال في صفحة ١٢٣ من الجزء الثاني من منهاج السنّة ما لفظه : وكذلك ماذكره من تسمية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له سيّد العابدين هو شيء لا أصل له ولم يروه أحد من أهل العلم والدين (١) ، انتهى.

مع أنّ جماعة من علماء السنّة رووا (٢) ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلزم أن لا يكونوا من أهل العلم والدين، وإذا لم يكونوا علماء أهل السنّة من أهل العلم والدين فمن يكون من علماء الدين من الحشويّة وابن تيميّة المشبّهوالمنقّص لله ورسوله وآل رسوله ولأوليائه والمكذّب لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

قال جمال الدين يوسف بن الجوزي في تذكرة خواص الاُمّة : فصل في ذكر علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وهو أبو الأئمّة، وكنيته

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥٠.

(٢) مضافاً إلى ما سيأتي، ما رواه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق ٤١ : ٣٧ و٥٤ : ٢٧٦، والحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ٩ : ١١٥.

٣٤٣

أبوالحسن، ويلقّب بزين العابدين، وسمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد العابدين لما نذكره في سيرة ولده محمّد عليه‌السلام (١) ، إلى آخره.

أقول : قال سبط بن الجوزي في فصل سيرة الإمام محمّد الباقر ما لفظه : وذكر المدايني عن جابر بن عبد الله أنّه أتى أبا جعفر محمّد بن عليّ إلى الكتابوهو صغير، فقال له : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلّم عليك. فقيل لجابر : وكيف هذا ؟ فقال : كنت جالساً عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسين في حجره وهويداعبه فقال : «يا جابر يولد له مولود اسمه عليّ إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده، ثمّ يولد له ولد اسمه محمّد، فإن أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام» (٢) .

ومثله ما رواه محمّد بن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول في الباب الخامس قال : ونقل عن أبي الزبير محمّد بن أسلم (٣) المكّي أنّه قال : كنّا عند جابر بن عبد الله، فأتاه عليّ بن الحسين ومعه ابنه محمّد وهو صبيّ، فقال عليّ لابنه محمّد : «قبّل رأس عمّك» فدنا محمّد من جابر فقبّل رأسه، فقال جابر : من هذا؟ وكان قد كفّ بصره فقال له عليّ : «هذا ابني محمّد» فضمّه جابر إليه وقال : يا محمّد، محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ عليك السلام، فقال لجابر : «كيف ذلك يا أبا عبد الله؟» فقال : كنت مع رسـول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسـين في حجـره وهـو يلاعبه، فقال : «يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له : عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ليقم سيّد العابدين. فيقوم عليّ بن الحسين، ويولد لعليّ ابن

____________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٩١.

(٢) نفس المصدر : ٣٠٣.

(٣) في المصدر : مسلم بدل : أسلم.

٣٤٤

يقال له : محمّد، يا جابر إن رأيته فاقرأه منّي السلام» (١) الحديث.

وأخرجه الشيخ مؤمن في نور الأبصار (٢) ، والعلاّمة ابن حجر المكّي في الصواعق (٣) من طريق ابن المدايني أيضاً.

وبالجملة الحديث بذلك مشهور لا ينكره إلاّ منطمس البصيرة أو فاسد الطويّة كابن تيميّة وأمثاله.

إنكاره صلاة ألف ركعة في اليوم والليلة للسجّاد عليه‌السلام :

وأنكر أيضاً ابن تيميّة حديث صلاة علي بن الحسين في كلّ يوم وليلة ألف ركعة بغضاً وعداوةً لأولاد رسول الله.

قال في الصفحة المذكورة ما لفظه : وأمّا ماذكره من قيام ألف ركعة فقد تقدّم أنّ هذا لا يمكن إلاّ على وجه مكروه في الشريعة، أو لا يمكن بحال، فلا يصحّ ذكر مثل هذا في المناقب (٤) ، انتهى.

ألا قائل لابن تيميّة : أنت يا لكع تُعلّم زين العابدين ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم الشريعة، وقد ذكر ذلك عنه الثقاة وأئمّة الحديث مثل الشعراني في الطبقات الكبرى (٥) ، وابن حجر في الصواعق (٦) ، وابن طلحة (٧) ، والشبراوي في الإتحاف (٨) .

____________________

(١) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول عليهم‌السلام: ٤٣١.

(٢) نور الأبصار للشبلنجي : ١٥٧.

(٣) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٨٦.

(٤) منهاج السنّة ٤ : ٥٠.

(٥) الطبقات الكبرى للشعراني ١ : ٣٢.

(٦) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٨٢، وانظر ينابيع المودّة ٣ : ١٠٥.

(٧) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول عليهم‌السلام: ٤٢٠.

(٨) الإتحاف بحبّ الأشراف : ١٣٦.

٣٤٥

وحكى الشيخ الحافظ المحدّث نور الدين عليّ بن محمّد بن الصبّاغ المالكي : روي من طريق أبي حمزة الثمالي أنّه قال : كان عليّ بن الحسين يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة (١) . وحكى ذلك غيرهم من علماء السنّة والشيعة (٢) ، وأي شيء ينفي إمكان ذلك ممّن لقّب بزين العابدين بإجماع المسلمين.

قال الإمام مالك : سمّي زين العابدين عليه‌السلام لكثرة عبادته. كما حكاه في نورالأبصار (٣) .

وهو ابن الحسين بن رسول الله غير أنّ شدّة عداوة ابن تيميّة لآل الرسول يمنعه من أن يتصوّر ذلك، نعوذ بالله من النصب والعمى والعداوة لآل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

كلامه في الإمام الباقر عليه‌السلام :

فصل : وكذا أظهر نصبه وعداوته ابن تيميّة في حقّ الإمام الباقر عليه‌السلام .

قال في الصفحة المذكورة : وأمّا كونه أعلم أهل زمانه فهذا يحتاج إلى دليل، والزهريّ من أقرانه وهو عند الناس أعلم منه، ونقل تسميته بالباقر

____________________

(١) الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة : ٢٠١.

(٢) تاريخ دمشق ٤١ : ٣٧٨، تهذيب الكمال للمزي ٢٠ : ٣٩٠، سير أعلام النبلاء ٤ : ٣٩٢، تهذيب التهذيب ٧ : ٣٠٦، البداية والنهاية ٩ : ١١٤، كشف الغمّة للاربلي ٢ : ٩٢، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ٢ : ٢٧٥، ينابيع المودّة ٣ : ١٠٥.

(٣) نور الأبصار : ١٥٣.

٣٤٦

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) لا أصل له عند أهل العلم، بل هو من الأحاديث الموضوعة، وكذلك حديث تبليغ جابر له السلام (٢) هو من الموضوعات عند أهل العلم بالحديث (٣) ، انتهى.

أقول : أمّا طلبه الدليل على أنّ الإمام محمّد بن علي كان أعلم زمانه فهو نصّ في نصب ابن تيميّة، لأنّه لا يمكن أن يقال إنّه لم يطّلع على نصوص علماء الاُمّة على ذلك في كلّ كتاب ذكر فيه مناقب أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال سبط بن الجوزي في كتاب التذكرة في الفصل الذي ذكر فيه محمّد الباقر ما لفظه بحروفه : وقال ابن سعد : محمّد من الطبقة الثالثة من التابعين من أهل المدينة، كان عالماً عابداً ثقةً، روى عنه الأئمّة أبو حنيفة وغيره، قال أبو يوسف : قلت لأبي حنيفة : لقيت محمّد بن علي الباقر؟ فقال : نعم، وسألته يوماً فقلت له : أراد الله المعاصي؟ فقال : أفيعصى قهراً! قال أبوحنيفة : فما رأيت جواباً أفحم منه.

وقال عطاء (٤) : مـا رأيت العلماء عند أحـد أصـغر علمـاً منهـم عند أبي

____________________

(١) انظر سرّ السلسة العلويّة لأبي نصر البخاري : ٣٢، الفصول المهمّة : ٢١١، المختار من المناقب الأخيار لابن أثير الجزري : ٣٠، عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١٢، وفيه : قال زيد بن علي جواب هشام : وسمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «باقراً»، الصواعق المحرقة : ١٢٠، نور الأبصار : ١٥٧.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٢٠، تاريخ دمشق ٥٤ : ٢٧٦، معارج الاُصول للزرندي : ١٢١ - ١٢٢، عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١٢، ملحقات إحقاق الحقّ ١٢ : ١٣ و ١٥٤.

(٣) منهاج السنّة ٤ : ٥١.

(٤) ابن أبي رباح، أبو محمّد القرشي، مولى آل خثيم، تابعي، مفتي مكّة، من مولدي الجَنَد بلدة مشهورة في اليمن، ولد في خلافة عثمان، حدّث عن اُمّ سلمة وعائشة

٣٤٧

جعفر، لقد رأيت الحَكَم عنده كأنّه عصفور مغلوب. ويعني بالحَكَم الحَكَم ابن عتيبة (١) ، وكان عالماً نبيلا جليلا في زمانه (٢) ، انتهى.

ولا نعني بأعلم أهل زمانه إلاّ من كانت العلماء عنده كعصفور مغلوب، وهل أحد سمّي بالباقر سواه؟!

قال الإمام الشعراني في الطبقات (٣) : قال النووي : سمّي بالباقر لأنّه بقرالعلم ـأي شقّه فعرف أصله وعرف خفيّه (٤) .

وقال الجوهري في الصحاح : التبقّر : التوسّع في العلم، قال : وكان يقال لمحمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : الباقر; لتبقّره في العلم (٥) ، انتهى.

وقال محمّد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول في الباب الخامس الذي عقده لمحمّد الباقر ما لفظه بحروفه : هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، ومتفوّق دَرِّه وراضعه، ومنمّق دُرّه وراصعه، صفا قلبه، وزكا علمه، وطهرت نفسه، وشرفت أخلاقه، وعمرت بطاعة الله أوقاته، ورسخت في مقام التقوى قدمه، وظهرت عليه سمات الازدلاف وطهارة الاجتباء ، فالمناقب تنبو إليه، والصفات تشرف به (٦) ، انتهى.

____________________

وابن عبّاس وأبي هريرة وغيرهم، أخذ عنه أبو حنيفة، وروى له البخاري وغيره، توفّي سنة ١١٤ هـ على المشهور. ميزان الاعتدال ٣ : ٧٠ / ٥٦٤٠.

(١) أبو أحمد الكندي مولاهم الكوفي، وقيل : أبو عمرو، وقيل : أبو عبد الله، عالم أهل الكوفة ، توفّي سنة ١١٥، وقيل : ١١٣ هـ. سير أعلام النبلاء ٥ : ٢٠٨ / ٨٣.

(٢) تذكرة الخواص : ٣٠٢، وانظر طبقات ابن سعد ٥ : ٣٢٣ - ٣٢٤، تاريخ دمشق ٥٤ : ٢٧٨، البداية والنهاية ٩ : ٣٢٢، مطالب السؤول : ٤٢٩، حلية الأولياء ٣ : ١٨٦.

(٣) انظر الطبقات الكبرى ١ : ٣٢ / ٣٨، وقد حكاه عن الثوري.

(٤) شرح مسلم للنووي ١ : ١٠٢.

(٥) الصحاح ٢ : ٥٩٤.

(٦) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ٤٢٤.

٣٤٨

في قدح الزهري المتكلّم فيه :

فكيف يفضّل ابن تيميّة الزهري عليه، والزهري قد صحب الاُمراء لقلّة الديانة كما في كتاب تحصيل الكمال لعبد الحقّ.

وقال الذهبي في الجزء الأوّل الذي صنّفه في الرواة الثقات : وكذا تكلّم في الزهري لكونه خضّب بالسواد، ولبس زي الجند، وخدم هشام ابن عبدالملك (١) .

قال ابن الجوزي في كتابه تبليس إبليس : ومن تلبيس إبليس على الفقهاء : مخالطتهم للاُمراء والسلاطين ومداهنتهم، وترك الإنكار عليهم مع القدرة على ذلك، وربّما رخّصوا لهم ما لا رخصة فيه لينالوا من دنياهم فيقع بذلك الفساد لثلاثة :

الأوّل : الأمير فيقول : لو لا أنّي على صواب لأنكر علي الفقيه، وكيف لاأكون مصيباً وهو يأكل من مالي.

الثاني : العامي فإنّه يقول : لا بأس بهذا الأمير ولا بماله فإنّ فلاناً الفقيه لايبرح (٢) عنده.

والثالث : الفقيه يفسد دينه بذلك (٣) . انتهى.

وقال الإمام الشعراني في الطبقات الكبرى : وكان يقول يعني جعفر ابن محمّد الصادق : «الفقهاء أمناء الرسل ما لم يأتوا أبواب السلاطين» (٤) .

فلينصف المؤمن المحقّ أنّه هل يقاس من هو مصداق هذه الآفات

____________________

(١) الرواة الثقاة : ٢٦.

(٢) في النسختين : الا يزال، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) تلبيس إبليس : ١١٨.

(٤) الطبقات الكبرى المسمّى بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار ١ : ٣٣.

٣٤٩

وصاحب هذه النقائص في العلم والعمل بالإمام الباقر عليه‌السلام المجمع على علمه وورعه وطهارته من كلّ الأدناس؟!

والزهريّ في مخالطته للسلاطين ملزوم لا محالة بما ذكره ابن الجوزي وبما ذكره أبو حامد الغزالي في الإحياء في علامات علماء الآخرة، قال : ومنها : أن يكون منقبضاً عن السلاطين فلا يدخل عليهم البتة ما دام يجد إلى الفرارعنهم سبيلا، بل ينبغي أن يحترز من مخالطتهم وإن جاؤوا إليه، فإنّ الدنياحلوة خضرة وزمامها بأيدي السلاطين، والمخالطة لهم لا يخلو عن تكلّف في طلب مرضاتهم واستمالة قلوبهم مع أنّهم ظلمة، ويجب على كلّ متديّن الإنكار عليهم وتضييق صدورهم بإظهار ظلمهم وتقبيح فعلهم، فالداخل عليهم إمّا أن يلتفت إلى تجمّلهم فيزدري نعمة الله عليه، أو يسكت عن الإنكار فيكون مداهناً لهم، أو يتكلّف في كلامه لمرضاتهم وتحسين أحوالهم وذلك هو البهت الصريح، أو يطمع في أن ينال من دنياهموذلك هو السحت.

إلى أن قال : وعلى الجملة فمخالطتهم مفتاح لشرور عدّة، وحكي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أتى السلطان افتتن» (١) .

قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «سيكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سـلم، ولكن من رضي وتابع أبعده الله تعالى» قيل : أفلا نقاتلهم؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا ما صلّوا» (٢) .

____________________

(١) مسند أحمد ١ : ٣٥٧ و ٢ : ٣٧١ و ٤٤٠، سنن أبي داوُد ٣ : ١١١ / ٢٨٥٩، سنن الترمذي ٣ : ٣٥٧ / ٢٣٥٧، سنن النسائي ٧ : ١٩٦، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ : ١٠١.

(٢) مسند إسحاق بن راهوية ٤ : ١٢٨ / ١٨٩٤، مسند أحمد ٦ : ٢٩٥، سنن أبي داوُد ٤ : ٢٤٢ / ٤٧٦٠، السنن الكبرى ٣ : ٣٦٧، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٥٣٠ / ٣٧٧٣٢.

٣٥٠

وقال سفيان : في جهنّم واد لا يسكنه إلاّ القرّاء الزائرون للملوك (١) .

وقال حذيفة رضي‌الله‌عنه : إيّاكم ومواقف الفتن. قيل : وما هي؟ قال : أبواب الاُمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول له ما ليس فيه (٢) .

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «العلمـاء اُمناء الرسـل على عباد الله تعالى مـا لم يخالطـوا السلطان فإذا فعلـوا ذلك فقـد خانوا الرسـول فاحذروهـم واعتزلوهـم» (٣) رواه أنس.

وقيل للأعمش (٤) : قد أحـييت العلـم لكثرة من يأخـذه عنك. فقـال : لاتعجلوا ثلث يموتون قبل الإدراك، وثلث يلزمون أبواب السلاطين فهم شرّالخلق ، والثلث الباقي لا يفلح منهم إلاّ القليل.

ولذلك قال سعيد بن المسيب : إذا رأيتم العالم يغشى الاُمراء فاحترزوا منه فإنّه لصّ (٥).

وقال الأوزاعي : ما من شيء أبغض إلى الله عزّوجلّ من عالم يزور

____________________

(١) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البرّ ١ : ٦٣٦ / ١٠٩٧، التخويف من النار لابن رجب : ١١٩، تفسير الكشّاف ٢ : ٤٣٤، تفسير النسفي ١ : ٥٨٩، تفسير البحر المحيط ٥ : ٢٦٩.

(٢) المصنّف لعبد الرزّاق ١١ : ١٤٣ / ٢٠٦٤٣، حلية الأولياء لأبي نعيم ١ : ٢٧٧، التمهيد لابن عبد البرّ ٥ : ٨٧، شعب الإيمان للبيهقي ٧ : ٤٩ / ٩٧١٣.

(٣) تنبيه الغافلين للسمرقندي : ٥٢٤، الأمالي الخمسيّة للشجري : ٩٠ / ٣٤٠، الموضوعات لابن الجوزي ١ : ٢٦٣، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ١٩٠ / ٥٧٠١، كنز العمّال ١٠ : ١٨٣ / ٢٨٩٥٢ و ٢٤٠ / ٢٩٠٨٣، فيض القدير ٤ : ٣٨٢.

(٤) أبو محمّد سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي، أصله من بلاد الري، رأى أنس بن مالك. كان ثقة عالماً فاضلاً، وكان يقارب بالزهري في الحجاز، توفّي سنة ١٤٨ هـ. الكامل في التاريخ ٥ : ٥٨٩.

(٥) الآداب الشرعية لابن مفلح المقدسي ٣ : ٤٥٩.

٣٥١

عاملا (١) .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شرار العلماء الذين يأتون الاُمراء وخيار الاُمراء الذين يأتون العلماء» (٢) .

وقال مكحول الدمشقي (٣) : من تعلّم القرآن وتفقّه في الدين ثمّ صحب السلطان تملّقاً إليه وطمعاً لما في يديه خاض في بحر من نار جهنّم بعدد خطاه (٤) .

قال سمنون (٥) : ما أسمج بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيسأل عنه فيقال : هو عند الأمير (٦) . قال : وكنت أسمع أنّه يقال : إذا رأيتم العالم يحبّ الدنيا فاتّهموه على دينكم حتّى جربت ذلك إذ ما دخلت قطّ على السلطان إلاّ وحاسبت نفسي بعد الخروج فأرى عليه الدرك.

ثمّ قال : وعلماء زماننا هذا شرّ من علماء بني إسرائيل، يخبرون السلطان بالرخص، وبما يوافق هواه، ولو أخبروه بالذي عليه وفيه نجاته

____________________

(١) أخبار الشيوخ وأخلاقهم لأبي بكر المروذي : ١٢٨ / ١٩٩، ربيع الأبرار ونصوص الأخبار للزمخشري ٤ : ٧٧ / ٣٥٦.

(٢) تذكرة الموضوعات للفتني : ٢٤، الفوائد المجموعة للشوكاني ١ : ٢٨٨ / ٦٠، كشف الخفاء للعجلوني ٢ : ٣٢١.

(٣) الشامي أبو عبد الله الدمشقي، كان عبداً لسعيد بن العاص فوهبه لامرأة من قريش فأعتقته، روى عن أنس بن مالك وغيره، توفّي سنة ١١٣ هـ. طبقات ابن سعد ٧ : ٤٥٣،تاريخ دمشق ٦٠ : ٢٠١.

(٤) تنبيه الغافلين للسمرقندي : ٥٢٥.

(٥) سمنون بن حمزة الصوفي أبو الحسن الخواص، سكن بغداد، وكان من كبار مشايخ العراق، صحب سريّا السقطي وغيره، مات سنة ٢٩٨ هـ وقيل : مات نحو ٢٩٠ هـ. تاريخ بغداد ٩ : ٢٣٤ / ٤٨٠٩، طبقات الصوفيّة للسلمي : ١٥٨ / ٢٨.

(٦) ربيع الأبرار للزمخشري ٤ : ٧٧ / ٣٥٧، وفيه : سحنون، بدل : سمنون.

٣٥٢

لاستثقلهم، وكره دخولهم عليه وكان ذلك نجاة لهم عند ربهم.

وقال أبو ذرّ لسلمة : يا سلمة لا تغش أبواب السلاطين، فإنّك لا تصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينك أفضل منه (١) .

وهذه فتنة عظيمة للعلماء، وذريعة صعبة للشيطان عليهم، لا سيما من له لهجة مقبولة وكلام حلو، إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه : إن في وعظك لهم ودخولك عليهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم شعار الشرع، إلى أن يخيّل إليه إنّ الدخول عليهم من الدين، ثمّ إذا دخل لم يلبث أن يتلطّف في الكلام ويداهن ويخوض في الثناء والإطراء وفيه هلاك الدين.

إلى أن قال : ولم يزل السلف العلماء مثل : الحسن، والثوري، وابن المبارك، والفضيل، وإبراهيم بن أدهم، ويوسف بن أسباط يتكّلمون في علماء الدنيا من أهل مكّة والشام إمّا لميلهم إلى الدنيا أو لمخالطتهم السلاطين، انتهى كلام الغزالي ملخّصاً (٢) .

فإذا كان حال الزهري وأمثاله هذا من المخالطين للسلاطين هذا، وفي الحديث من المدلِّسين فيه كما نصّ عليه الذهبي في الميزان (٣) ، ولم يقبل مراسيله الإمام الشافعي وقال : وإرسال الزهري ليس بشيء وذلك إنّا وجدناه يروي عن سليمان بن أرقم (٤) . حكى ذلك إمام الصناعة ومقدم الجماعة البخاري محمّد بن إسماعيل، قال : أهدر الإمام المطلبي مرسلات الزهري

____________________

(١) انظر المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٥٢٨ / ٣٧٧٢١، وبدائع السلك لابن الأزرق الاُندلسي : ١١٠.

(٢) إحياء علوم الدين ١ : ٦٨ - ٦٩.

(٣) ميزان الاعتدال ٤ : ٤٠ / ٨١٧١.

(٤) أبو معاذ البصري، مولى الأنصار أو قريش متروك ليس بثقة انظر التاريخ الكبير للبخاري ٤ : ٢١ / ٤٦٥٠، الكفاية للخطيب البغدادي : ٤٢٥، وتاريخ دمشق ٥٥ : ٣٦٨.

٣٥٣

ونقل كلام الشافعي فراجع الطبقات السبكي الكبرى في الجزء الأوّل في صفحة ١٠ المطبوعة بمصر (١) .

فكيف يصحّ من ابن تيميّة تفضيله على باقر العلم وجامعه والعامل به وحامله ومن انحصر واختصّ بلقب باقر العلم ولم يشاركه أحد في هذا اللقب ولم ينكره عليه أحد.

بل قال العلاّمة ابن حجر في الصواعق في صفحة ١٢٠ من النسخة المطبوعة بالمطبعة الميمنيّة سنة ١٣١٢ ما لفظه بحروفه : أبو جعفر محمّد الباقرسمّي بذلك من بقر الأرض أي شقّها وأثار مخبئاتها ومكامنها. فلذلك هوأظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لايخفى على منطمس البصيرة أو فاسد الطويّة والسريرة، ومن ثمّ قيل فيه (٢) : هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه، وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا يحتملها هذه العجالة، وكفا شرفاً أنّ ابن المدائني روى عن جابر أنّه قال له وهو صغير : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلّم عليك. فقيل : وكيف ذالك؟ قال : كنت... إلى آخر الحديث (٣) ، انتهى.

قال الذهبي في الميزان : محمّد بن مسلم الزهري الحافظ الحجّة، كان يدلّس في النادر (٤) ، انتهى.

____________________

(١) الطبقات الشافعيّة الكبرى ـ تحقيق عبد الفتّاح الحلو ومحمود محمّد الطناحي ـ ١ : ٢٠، وانظر سير أعلام النبلاء ٥ : ٣٣٩.

(٢) القائل هو ابن طلحة الشافعي المتوفّي سنة ٦٥٢ هـ في مطالب السؤول : ٤٢٥.

(٣) الصواعق المحرقة ـ مطبعة الرسالة ـ ٢ : ٥٨٦.

(٤) ميزان الاعتدال ٤ : ١٤٠ / ١٨٧١.

٣٥٤

فإذا كان في مخالطة الاُمراء بحيث لبس لباس الجند، وفي الحديث يدلّس، وأئمّة الحديث تتّهمه ولا تقبل مراسيله، فمثله لا يقاس بعالم آل محمّد.

وكأنّ ابن حجر رأى كلام ابن تيميّة حتّى قال : إلاّ على منطمس البصيرة، أو فاسد الطويّة والسريرة (١) .

فإنّ أحداً من علماء الإسلام لم ينكر فضل علم الباقر وتفرّده بهذا الوصف إلاّ ابن تيميّة، فإنّه أنكر أن يكون الباقر أفضل من الزهري، بل نقل مايعطي الإجماع على إنّ الزهري أعلم من الباقر، والزهري من أقرانه وهو عندالناس أعلم منه (٢) .

وهذا كذب ظاهر وافتراء صريح على الناس، ما فاه مسلم من علماء السنّة والجماعة بأنّ الزهري أعلم من الباقر، وإنّما هذا من افتراء ابن تيميّة، فإنّ العلماء شهدوا عليه بأنّ له ملكة في شدّة الكذب والافتراء كما صرّح بذلك ابن حجر في الفتاوي الحديثيّة (٣) .

وأمّا تكذيب حديث تبليغ جابر للباقر السلام فقد عرفت كثرة طرقه واستفاضة روايته في الفصل المتقدّم وفي المقام. (٤)

حديث تسميته عليه‌السلام بالباقر :

وأمّا حديث تسميّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له بالباقر، فقد روى جماعة من العلماء المشهود بمحدِّثيّتهم وحفظهم ما يدلّ على ذلك :

____________________

(١) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٨٥.

(٢) راجع الصفحة : ٣٤٦.

(٣) الفتاوى الحديثيّة : ٨٥ - ٨٦.

(٤) راجع الصفحة : ٣٤٤ - ٣٤٦.

٣٥٥

منهم : الشيخ المحدّث نور الدين علي بن محمّد المعروف بابن الصبّاغ المالكيّ المكّيّ قال رضي‌الله‌عنه في الفصل الخامس مالفظه بحروفه : وله ثلاثة ألقاب : الباقر، والشاكر، والهاديّ.

روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا جابر يوشك أن تلتحق بولد لي من ولد الحسين اسمه كاسمي يبقر العلم بقراً ـأي يفجّره تفجيراً فإذا رأيته فاقرأه عنّي السلام» قال جابر : فأخّر الله تعالى مدّتي حتّى رأيت الباقر فأقرأته السلام عن جدّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

ومنهم : ما حكاه السيّد الشريف النسّابة محمّد بن عبد الله بن محمّد سراج الدين بن السيّد عبد الله الرفاعيّ المخزوميّ (٢) نقيب البصرة في كتابه صحاح الأخبار ما هذا لفظه بحروفه : ذكر السيّد عميد الدين بن علي الحسيني في مشجره عند خطّ سيدنا الإمام محمّد الباقر ما هو برمّته : كنيته أبو جعفر باقر العلم عند الخاصّ والعام، ولقد لقّبه بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال لجابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي‌الله‌عنه : «يوشك أن تبقى حتّى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له : محمّد يبقر العلم بقراً، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام» (٣) . انتهى.

أقول : فهذا هو السبب في تسمية الناس له بالباقر واشتهاره بهذا اللقب.

نعم قد أخرج جمال الدين المحدّث (٤) في كتابه روضة الأحباب عن

____________________

(١) الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة : ٢١١.

(٢) شيخ الإسلام في زمانه، يتّصل نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ، ولد بواسط سنة ٧٩٣ هـ وتوفّي سنة ٨٨٥ هـ. الأعلام للزركلي ٦ : ٢٣٨.

(٣) صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطميّة الأخيار : ٤٠ - ٤١.

(٤) عطاء الله بن فضل الله الشيرازيّ النيسابوري، المعروف بالمحدّث، عالم، فاضل

٣٥٦

جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت من جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي‌الله‌عنه أنّه يقول : لمّا أنزل الله تعالى على رسوله : ( يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الامْرِ مِنكُمْ ) (١) قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله، فمن أصحاب الأمر الذين قرن الله سبحانه طاعتهم بطاعتك؟ فقال رسول الله : «هم خلفائي من بعدي : أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقروستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ حجّة الله في أرضه وبقيته في عباده محمّد بن الحسن بن عليّ، ذلك الذي يفتح الله عزّوجلّ على يديه مشارق الأرضومغاربها، وذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يبيت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان». قال جابر : فقلت : يارسول الله أينتفع شيعته منه في غيبته؟ فقال : «أي والذي بعثني بالنبوّة، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب ، يا جابر هذه أسرار الله المكنونة فاكتمها إلاّ عن أهلها» (٢) .

أقول : وهذا المحدّث الراوي لهذا الحديث من المشايخ الكبار، ومن

____________________

مؤرّخ، وكان مقبولاً لدى المؤرّخين، فقد نقل عنه الملا علي القارئ في شرح أحاديث المشكاة، وله أيضاً من الكتب الأربعين في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، توفّي سنة ٩٢٦ هـ. كشف الظنون ١ : ٩٢٢.

(١) سورة النسـاء ٤ : ٥٩.

(٢) عنه في النجم الثاقب للمحدّث النوري : ٤٨. وانظر كمال الدين للشيخ الصدوق ١ : ٢٥٣.

٣٥٧

أكابر المحدّثين، وقد وصفه بذلك الملاّ علي القارئ في المرقاة شرح المشكاة، وصاحب منتهى الكلام، واعتمدا كتابه وما فيه، وكذا الملاّ يعقوب (١) في [البحر الجاري، وعبد الحقّ الدهلوي] (٢) في مدارج النبوّة ورجال المشكاة، وشاه ولي الله والد صاحب التحفة، والملاّ عبد العزيز الدهلوي في إزالة الخفاء، نقلوا عن روضة الأحباب، واعتمدوها، واحتجّوا بما روي فيها، وإنّما رمى ابن تيميّة الحديث بالوضع لعدم فهمه فقهه ومعناه، وستعرف أنّه على اُصول السنّة، وأنّهم الأئمّة والأقطاب وولاة الولاية لا غيرهم عند ردّنا على ما سنذكره من كلام ابن تيميّة في المهدي المنتظر محمّد بن الحسن العسكري.

رواية اُخرى :

وأيضاً رأيت في ينابيع المودّة تأليف الشيخ سليمان الحسيني البلخي القندوزي الحلبي النقشبندي رحمه‌الله رواية طويلة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها تلقيب الإمام محمّد بن عليّ الباقر بالباقر، ذكرها في الباب السادس والسبعين، قال ما لفظه بحروفه : وفي المناقب عن واثلة بن الأصقع بن قرخاب (٣) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال : دخل جندل بن جنادة بن جبير اليهودي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرني عمّا ليس

____________________

(١) أبو يوسف يعقوب البناني اللاهوري، ولد ونشأ بلاهور، وقرأ على أساتذتها، ولي مدرسة الشاهجهانيّة، من مصنّفاته : الخير الجاري شرح للبخاري، وغيره، توفّي سنة ١٠٩٨ هـ. نزهة الخواطر ٥ : ٤٣٩.

(٢) الزيادة لابدّ منها; لأن المدارج والرجال للدهلوي. انظر عبقات الأنوار ١ : ٣٢٥.

(٣) كذا في النسختين، وفي الينابيع : الأسقع بدل : الأصقع. والمعروف : واثلة بن الأسقع أبو قرصافة، من أهل الصفّة. انظر سير أعلام النبلاء ٥ : ٣٧٩ / ٥٧.

٣٥٨

لله، وعمّا ليس عند الله، وعمّا لا يعلمه الله؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمّا ما ليس لله فليس لله شريك، وأمّا ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأمّا ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود : إن عزيراً ابن الله، والله لا يعلم أنّه له ولد، بل يعلم أنّه مخلوقه وعبده».

فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله حقّاً وصدقاً، ثمّ قال : إنّي رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران عليه‌السلام فقال : «يا جندل أسلم على يد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم الأنبياء، واستمسك أوصياءه من بعده» فقلت : أسلم، فلله الحمد أسلمت وهداني بك، ثمّ قال : أخبرني يا رسول الله مَنْ أوصيائك من بعدك لأتمسّك بهم؟

قال : «أوصيائي الاثنا عشر».

قال جندل : هكذا وجدناهم في التوراة، وقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمّهم لي؟

فقال : «أوّلهم سيد الأوصياء أبو الأئمّة عليّ، ثمّ ابناه الحسن والحسين فاستمسـك بهم ولا يغرّنّك جهل الجاهلين، فإذا ولد عليّ بن الحسـين زين العابدين يقضي الله عليك ويكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه».

فقال جندل : وجدنا في التوراة وفي كتب الأنبياء : إيليا وشبّر وشبيراً فهذه اسم (١) عليّ والحسن والحسين، فمن بعد الحسين وما أساميهم؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا انقضت مدّة الحسين فالإمام ابنه عليّ ويلقّب بزين

____________________

(١) كذا، والصحيح : أسماء.

٣٥٩

العابدين، فبعده ابنه محمّد يلقّب بالباقر، فبعده ابنه جعفر يدعى بالصادق، فبعده ابنه موسى يدعى بالكاظم، فبعده ابنه عليّ يدعى بالرضا، فبعده ابنه محمّد يدعى بالتقي والزكي، وبعده ابنه علي يدعى بالنقي الهادي فبعده ابنه الحسن يدعى بالعسكري، فبعده ابنه محمّد يدعى بالمهدي والقائم والحجّة» الحديث، وهو طويل فراجع صفحة ٤٤٢ من ينابيع المودّة المطبوع بالاستانة (١) .

كلام سراج الدين في صحاح الأخبار في إمامة الأئمّةعليهم‌السلام:

قال الشريف سراج الدين بن السيد عبد الله الرفاعي في كتابه صحاح الأخبار المطبوع بمطبعة نخبة الأخبار بمبئي في صفحة ٤٩ما لفظه : وقد عنى أهل البيتعليهم‌السلام في أفرادهم المكرّمين وأئمّتهم الطاهرين إمامة معنويّة، لا كما عناها الرافضة، وهي الإمامة التي عناها جحاجحة الصوفيّة، وسمّوها بالقطبيّة الكبرى والغوثيّة العظمى والإمامة الجامعة، وقالوا لصاحب مرتبتها : الغوث، وقطب الأقطاب، والإمام الجامع، والإنسان الكامل، وأطبق جماهير الصوفيّة سلفاً وخلفاً أنّ الغوث بهذه الإمامة لا يكون من غير أهل البيت النبويّ أبداً، وقالوا : إنّ أهل البيت النبويّ لمّا فاتتهم إمامة الأشباح التي هي خلافة الظاهرة عوّضهم الله سبحانه تعالى ما هو خير منها وذلك إمامة الأرواح، فافهم.

وهذا أعني القطب الغوث يتصرّف في ذرّات الأكوان، وصاحب خلافة الظاهر ذرّة منها.

____________________

(١) ينابيع المودّة ٣ : ٢٨٣، وانظر كفاية الأثر للخزاز القمّي : ١٠٨، وغاية المرام للبحراني ٤ : ١٢٠.

٣٦٠