البراهين الجليّة - ج ١

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ١

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-628-8
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

مع من وافقهم! فمن الناس من يعدّ من بدعهم : الجهر بالبسملة ووافقهم بعض، وترك المسح على الخفين إما مطلقاً وإمّا في الحضر، والقنوت في الفجر، ومتعة الحجّ، ومنع لزوم الطلاق البدعي، وتسطيح القبور، وإسبال اليدين في الصلاة، ونحو ذلك من المسائل التي تنازع فيها علماء السنّة، وقد يكون الصواب فيها للقول الذي يوافقهم (١) .

فنحن لا نريد الإطالة في أمثال هذه البحوث، لأنّ هذا الكتاب قد خصص لهذا الغرض وإليك بعض سماته ومميزاته :

ميزات الكتاب :

امتاز كتاب البراهين الجلية بعدّة ميزات، أهمّها ما يلي :

١ ـ استخدم المؤلِّف في كتابه اُسلوب الردّ غير المباشر بالاعتماد على علماء عصر ابن تيمية، ومن أهل نحلته ـ من علماء السنّة ليكشف عن زيف وبطلان آرائه وتصوراته. إذ كفّره الكثيرون من هؤلاء الأعلام حتّى شكوه إلى السلطان، فأودعه السلطان السجن مرّتين، وفي الثالثة حبسه حتّى مات في السجن.

٢ ـ اعتماده الدقّة والتأمّل في النقل ومتابعته للمصادر، حيث كان المؤلّف يشير إلى اسم الكتاب والمجلّد والصفحة، وتاريخ ومحل الطبع، ليكون عمله وثائقياً وشاهداً على صحّة نقله وتأمّله.

نحن والكتاب :

بعد أن وقع الاختيار على هذا الكتاب من قبل اللجنة العلمية المشرفة

____________________

(١) منهاج السنّة ١ : ١٠.

٢١

على التحقيق في المؤسّسة، اعتمدنا النسختين المحفوظتين في مكتبة الشيخ كاشف الغطاء العامة في النجف الأشرف احديهما برقم ٣٤٩٧ وهي بخط المصنّف فجعلناها نسخة الأصل.

والاُخرى برقم ٣٤٩٦ وهي جيّدة الخط وعليها بلاغاته، فاقتصرناعليهمالكفايتهما بالمقصود، ونشير إلى هذه النسخة بالنسخة الثانية.

وقد قام بمهمّة مقابلة المخطوطتين : فضيلة الشيخ محمّد علي زينلي والأخ الماجد عبد الرضا الروازق، وبمهمّة التخريجات وتقويم النصّ معاً : أصحاب الفضيلة : الشيخ محمّد علي السالكي، والشيخ محمّد علي زينلي، والشيخ نصير مهدي نجفي، واُحيلت مهمّة المراجعة النهائيّة إلى سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ علي المرواريد، والحمد لله ربّ العالمين.

مؤسسة آل البيت عليه‌السلام لإحياء التراث

٢٢

٢٣

٢٤

٢٥

٢٦

بسـم الله الـرّحمـن الـرّحـيم

الحمد لله المتجلّي لخلقه بخلقه، والظاهر لقلوبهم بحجّته، خلق الخلق من غير روية; إذ كانت الرويّات لا تليق إلاّ بذوي الضمائر، وليس بذي ضمير في نفسه، خرق علمه باطن غيب السترات، وأحاط بغموض عقائد السريرات.

وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، الأوّل لا شيء قبله، والآخر لا غاية له، لا يقع الأوهام له على صفة، ولا تعتمد القلوب منه على كيفية، ولا تناله التحيزية والتبعيض، ولا تحيط به الأبصار والقلوب، ما وحّده من كيّفه، ولا حقيقته أصاب مَن مثّله، ولا إياه عنى مَن شبّهه، ولاصَمَده من أشارَ إليه وتوهمه، كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، [فاعل] (١) لاباضطراب (٢) آلة، مقدر لا بجول فكرة، غني لاباستفادة، لا تصحبه الأوقات، ولا ترفده الأدوات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبمضادته بين الاُمور عرف أن لا ضدّ له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لاقرين له، ضادّ النور بالظلمة، والوضوح بالبهمة، والجمود بالبلل، والحرور بالصرد، مقرّب بين متباعداتها، مفرّق بين متدانياتها، لا يشمل بحدّ، ولا يحسب بعدّ، وإنّما تحدّ الأدوات أنفسها، وتشير [الآلات] (٣) إلى نظائرها، منعتها «منذ» القدمة، وحمتها «قد» الأزلية، وجنبتها «لو لا»

____________________

(١) أضفناه من نهج البلاغة، الخطبة : ١٨٦.

(٢) في «ب» : لا باضطرار.

(٣) في النسختين : الأدوات، وما أثبتناه من نهج البلاغة الخطبة : ١٨٦.

٢٧

التكملة، بها تجلّى صانعها للعقول، وبها امتنع عن نظرالعيون، لا يجري عليه السكون والحركة، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، ويعود فيه ما هو أبداه، ويحدث فيه ما هو أحدثه; إذاً لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولكان له وراء إذ وجد له أمام، ولا التمس التمام إذ لزمه النقصان، وإذاً لقامت آية المصنوع، [فيه] (١) ولتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه، وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره. الذي لا يحول ولا يزول، ولا يجوز عليه الاُفول، لم يلد فيكون مولوداً، ولم يولد فيصير محدوداً، جلّ عن اتّخاذ الأبناء، وطهر عن ملامسة النساء، لا تناله الأوهام فتقدّره، ولا تتوهّمه الفطن فتصوّره، ولا تدركه الحواس فتحسّه، ولا تلمسه الأيدي فتمسّه، ولا يتغيّر بحال، ولا يتبدّل بأحوال، ولا تبليه الليالي والأيّام، ولا يغيّره الضياء والظلام، ولا يوصف بشيء من الأجزاء، ولا [بالجوارح] (٢) والأعضاء، ولا بعرض من الأعراض، ولا بالغيريّة والأبعاض، ولا يقال : له حدّ ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا أن الأشياء تحويه فتقلّه [أو تُهويه] (٣) ، أو أنّ شيئاً يحمله فيميله أو يعدّ له، ليس في الأشياء بوالج ولا عنها بخارج، يخبر لا بلسان ولهوات، ويسمع لا بخروق وأدوات، يقول ولايلفظ، يحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر، ويحب ويرضى من غير رقّة، ويبغض ويغضب من غير مشقّة، يقول لما أراد كونه : كن، فيكون، لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، سنّة الله في خلقه ولن تجد لسنّة الله تبديلا.

____________________

(١) أضفناه من نهج البلاغة الخطبة : ١٨٦.

(٢) في النسختين : بالأحوال ، وما أثبتناه من نهج البلاغة الخطبة : ١٨٦ .

(٣) أضفناه من نهج البلاغة الخطبة : ١٨٦.

٢٨

وصلّ وسلّم اللّهم على المصطفى في الظلال، المرتجى للشفاعة، المفوّض إليه دين الله، خير خلقك، وخاتم رسلك، صاحب السكينة، والمدفون بالمدينة، وعلى آله الطيّبين الطاهرين الهادين، وصحبه الناصرين الكاملين.

أَما بعد : فلمّا صحّ عندي قول سيد البشر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا ظهرت البدع وسكت العالم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (١) بادرت إلى تسطير نبذة من البراهين الجلية، التي أقامها أئمّة الأشعرية على كفر أحمد ابن تيمية، مؤسّس مذهب الوهابية، شيخ الحشوية، لما رأيت طبع كتبه في هذه الأيام وإشاعة بدعه الكفر واستزلال العوام بها; لأن الحشو ممّا يقرب من أفهامهم ويتصوّر في أوهامهم، حتّى رأيته قد رسخ في قلوب بعضهم، وألفته نفوسهم، ومزجت البدع بلحومهم وعروقهم ودمائهم، وقد يجب على العلماء إعزاز الدين، وإغماد المبتدعين; لأنّ جهاد العلماء بالقلم واللسان وجهاد الملوك بالسيف والسنان، وكما لا يصحّ للملوك إغماد السيف عن المشركين والملحدين كذلك لا يجوز للعلماء إغماد ألسنتهم عن الزائفين والمبتدعين، وإلاّ فقد زيّف العلماء قبلي عقيدة ابن تيمية الفاسدة ونقضوا حججه الداحضة الكاسدة، وأظهروا عواثر سقطاته، وبيّنوا قبائح أوهامه وغلطاته، كتقي الدين الحصني (٢) أبي بكر بن محمّد الدمشقي

____________________

(١) الدرر السنيّة لزيني دحلان : ٤٨، وانظر الكافي للكليني ١ : ٥٤ / ٢، الجامع الصغير ١ : ١١٥ / ٧٥١، وكنز العمّال ١ : ١٧٩ / ٩٠٣.

(٢) نسبة إلى الحصن من قرى حوران، فقيه شافعي من أهل الشام، تفقّه على شرف الدين الشريسي وشهاب الدين الزهري وغيرهما، من تصانيفه : شرح منهاج الطالبين للنووي، وشرح مختصر أبي شجاع، وشرح صحيح مسلم وغيرها، انظر الضوء اللامع ١١ : ٨١، الأعلام ٢ : ٦٩.

٢٩

الحسني المتوفّي سنة تسع وعشرين وثمان مائة، نقض كتاب ابن تيمية الذي سماه الصراط المستقيم في ردّ أهل الجحيم الذي ذكره في كشف الظنون وقال : إنّ فيه أشياء لا ينبغي أن تذكر، كتكفيره عبد لله بن عباس على مانقله الحصنيّ (١) في كتابه للردّ عليه (٢) . فهو صراط الشيطان الرجيم.

وكالشيخ تاج الدين القاضي الحنفي أحمد بن عثمان بن التركمانيّ الحنفيّ (٣) المتوفّي بمصر سنة أربع وأربعين وسبعمائة كتب الأبحاث الجلية في مسألة ابن تيمية (٤) .

والشيخ جمال الدين أبي المعالي محمّد بن علي بن عبد الواحد (٥) المعروف بابن الزملكاني الشافعي علّق على الدرر المضئية في ردّ ابن تيمية في مسألة الطلاق، ورتّب الردّ على ثلاث فصول في حكم المسألة في إجمال دفع الاستدلال في الجواب عنه، وفرغ منه في رمضان سنة أربع وثلاثين وثمانمائة (٦) .

____________________

(١) انظر كتابه دفع شبه من شبّه وتمرّد للحصنى الدمشقي : ٦٤.

(٢) كشف الظنون ٢ : ١٠٧٨.

(٣) أبو العبّاس المارديني المعروف بابن التركماني، فقيه مجيد وأديب مفيد، ولد بالديار المصريّة سنة ٦٨١ هـ، سمع من الدمياطي وابن الصواف وغيرهما، وتوفّي بالقاهرة، من تصانيفه : شرح الجامع الكبير، وتعليقه على المحصّل، وشرح الشمسية وغيرها، انظر الوافي بالوفيّات ٧ : ١٨٢ / ٣١٢٣، معجم المؤلفين ١ : ٣٠٩.

(٤) انظر كشف الظنون ١ : ٢ و ٢ : ١٦٦١.

(٥) الأنصاري الدمشقي ثمّ المصري السماكي ، وأيضاً يعرف بابن الخطيب ، فقيه ، انتهت إليه رياسة الشافعيّة في عصره ، ولد وتعلّم بدمشق وتصدّر للتدريس والافتاء ، ولي نظر ديوان ونظر خزانة وكالت بيت المال ، ثمّ ولي القضاء في حلب فأقام سنتين ، وطلب لقضاء مصر فقصدها ، فتوفّي في الطريق ودفن بالقاهرة سنة ٧٢٧ هـ . انظر الوافي بالوفيات ٤ : ٢١٤ / ١٧٤٧ ، هدية العارفين ١ : ٦٣٥ و٢ : ١٤٦ ، الأعلام ٦ : ٢٨٤ .

(٦) انظر كشف الظنون ١ : ٧٤٤.

٣٠

ذكر التاج السبكي في ترجمة ابن الزملكاني أنّه صنّف الردّ على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة (١) .

أقول : اسم الردّ على حرمة شدّ الرحال إلى قبور الأنبياء الدرّة اليتيمة كما يظهر من كشف الظنون في لفظة بحث (٢) . فتأمل.

وكالقاضي بدر الدين محمّد بن ابراهيم الشافعي المعروف بالقاضي بدرالدين بن جماعة المتوفّي سنة ٧٣٣هـ، كتب في الردّ على ابن تيميّة كتاب الردّ على المشبّه (٣) في قوله تعالى : ( الرَّحْمَـن عَلَى العَرشِ اسْتَوَى ) (٤) (٥) .

ولعلّ كتاب الملحمة على المجسّمة له أيضاً الذي ذكره النابلسي (٦) في القول الجلي قال : قد صنّف بعض الناس كتاباً في الردّ على الشيخ أحمد بن تيمية وسمّاه الملحمة على المجسمة.

وكالشيخ ابن غانم المقدسي عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن أحمد المقدسي المتوفّي سنة ستة وخمسين وثمانمائة، كتب كتاب كشف الاعتقاد في الردّ على مذهب الإلحاد، وهو صاحب الوسيلة للفظ (٧) مزيله (٨) .

وكالشيخ شهاب الدين بن جبرائيل الكلابي، كتب كتاباً في الردّ على

____________________

(١) طبقات الشافعيّة ٩ : ١٩٠ / ١٣٢٥.

(٢) كشف الظنون ١ : ٢٢٠.

(٣) انظر تاريخ الإسلام الذهبي ٤٦ : ٤٢٣، كشف الظنون ١ : ٨٣٩.

(٤) سورة طه ٢٠ : ٥.

(٥) انظر تاريخ الإسلام الذهبي ٤٦ : ٤٢٣، كشف الظنون ١ : ٨٣٩.

(٦) أبو الفضل محمّد صفي الدين بن أحمد الحسيني البخاري الأصل، نزيل بلدة الخليل ثمّ نابلس الشام، من مصنّفاته القول الجلي في ترجمة ابن تيميّة، توفّي بالطاعون سنة ١٢٠٠ هـ، الأعلام للزركلي ٦ : ١٥، إيضاح المكنون ٢ : ٢٤٨.

(٧) كذا في النسختين، وفي كشف الظنون : للغلط.

(٨) كشف الظنون ٢ : ١٤٨٧ و ٢٠١٠.

٣١

رسالة ابن تيمية في حديث الجهة (١) ، أخرجها بتمامها التاج السبكي في الطبقات الكبرى في ترجمة الإمام أحمد بن يحيى بن إسماعيل الشيخ شهاب الدين بن جبرائيل المذكور في الجزء الخامس من الطبقات (٢) .

وكالإمام المجمع على إمامته واجتهاده تقي الدين السبكي كتب : دافع الشقاق في ردّ ابن تيمية في مسألة الطلاق وهو الردّ الصغير (٣) ، وله الردّ الكبير سمّاه كتاب التحقيق في مسألة التعليق (٤) ولم يره ابن تيمية، وكتب شفاء السقام أيضاً في زيارة خير الأنام (٥) ، وشنّ فيه الغارة على ابن تيمية المنكر السفر إلى الزيارة.

وكالحافظ الحجّة الشيخ محمّد سراج الدين حسن بن عيش التيمي اليماني (٦) ذكر في كتابه اليتم العجاج في أسانيد السراج : أنّ له كتاب إكمال المنّة في نقض منهاج السنّة لابن تيمية (٧) وإنّه منهاج الحشوية لا منهاج السنّة لأنّه شحنه في التشبيه والتجسيم والحشو، والتشنيع على أئمة السنّة، وكفّر فيه الأشعري وأتباعه وبدّعهم وضلّلهم، وجعلهم تارة جهمية، واُخرى من غلاة القدريّة، فهو منهاج اللجاج والاعوجاج.

أقول : وستعرف صحة ذلك في المقصد الثاني، وأنّه لا ينصر فيه إلاّ

____________________

(١) هدية العارفين ١ : ١٠٨.

(٢) طبقات الشافعيّة الكبرى ٩ : ٣٤ / ١٣٠٢.

(٣) كشف الظنون ١ : ٨٣٧.

(٤) نفس المصدر ١ : ٣٧٨.

(٥) نفس المصدر ٢ : ١٠٤٩.

(٦) الشهير بالشيخ فدا حسين، تلميذ المفتي مير محمّد عبّاس، والمجاز من المحدّث النوري سنة ١٣١٥ هـ. انظر الذريعة ٢ : ٢٨٣ / ١١٤٨.

(٧) انظر الذريعة ٢ : ٣٨٣ / ١١٤٨ و ١٥ : ٢١٢ / ١٤٠٤ و ٢١٦ / ١٦٨٩، معجم المؤلِّفين ٣ : ٢٦٨.

٣٢

أسلافه الحشوية، ويكذب على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ويزعم أنّهم يقولون بمقالته، ولو أنفق ملأ الأرض ذهباً ما استطاع أن يروّج عليهم كلمة تصدّق دعواه، وتستّر بالسلف حفظاً لرئاسته والحطام الذي يجتلبه يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم، ومذهب السلف إنّما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه.

وهذا ابن زفيل (١) أحد سيئات ابن تيمية، وبلسانه يناضل وبحجته يحتج، قد حمل العوام في قصيدته النونية على تكفير كلّ من سواه وسوى طائفته.

وقد نقضـها الإمام تقي الدين السبكي بـ : السيف الصقيل في ردّ ابن زفيل (٢) .

وشهد على ابن تيمية بالكفر البراح الصريح أبو الحسن التقي السبكي كما في الفتاوى الحديثية لابن حجر المكي، وذكر فيها أنّ عقيدته كفر عند الأكثر، وضلّله هو ووصفه بأوصاف الكافرين (٣) .

وحكى في الجوهر المنظم أنّه قام عليه علماء عصره، وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره إلى أن مات (٤) .

وقال اليافعي في مرآة الجنان : إنّ العلماء ألزموا السلطان بإعلام الخاص والعام، بأنّ من كان على عقيدة ابن تيمية حلّ ماله ودمه (٥) .

أقول : وستعرف في المقصـد الأول أسماء من ضـلّله وكفّره

____________________

(١) ابن زفيل الشهير بابن القيم، سيأتي ذكره في الخاتمة ج ٢ ص ١٨٣ فراجع.

(٢) انظر معجم ما ألّفه علماء الاُمّة الإسلاميّة ضدّ الوهّابيّة : ٢١ / ١٢٨.

(٣) الفتاوى الحديثيّة : ٨٥.

(٤) الجوهر المنظم : ٢٩ - ٣٠.

(٥) مرآة الجنان ٤ : ٢٤٠.

٣٣

ببدعته، وهم الجمع الغفير من علماء السنّة، كالإمام تقي الدين السبكي (١) ، وابنه التاج (٢) ، والعز بن جماعة (٣) ، وابن الزملكاني، وتاج الدين بن التركمان، وأثيرالدين أبو حيان (٤) ، وابن فضـل الله الكاتب (٥) ، والشيخ صدر الدين بن الوكيل (٦) ، والشيخ صلاح الدين العلاء (٧) شيخ ابن حجر

____________________

(١) عليّ بن عبد الكافي بن عليّ بن تمّام السبكي الأنصاري الخزرجي أبو الحسن، شيخ الإسلام في عصره، وأحد الحفّاظ المفسّرين المناظرين، وهو والد التاج السبكي صاحب الطبقات، ولد في سبك وتوفّي سنة ٧٥٦ هـ، ودفن في القاهرة. انظر تذكرة الحفّاظ ٤ : ١٥١٧، الأعلام ٤ : ٣٠٢، معجم المؤلّفين ٧ : ١٢٧.

(٢) عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الأنصاري الخزرجي، تاج الدين أبو نصر الشافعي، ولد في القاهرة وانتقل إلى دمشق مع والده فسكنها، وتوفّي بها سنة ٧٧١هـ، وكان طلق اللسان قوي الحجّة. انظر الأعلام ٤ : ١٨٤، طبقات الفقهاء ٨ : ١٢٤ / ٢٧٤٩.

(٣) عبد العزيز بن بدر الدين محمّد بن إبراهيم بن جماعة الكناني، الحمومي الأصل، الدمشقي المولد، ثمّ المصري، الحافظ، قاضي القضاة، ولد سنة ٦٩٤ هـ، ومات بمكّة بعدالمولد سنة ٧٦٧ هـ . انظر طبقات الشافعية الكبرى ١٠ : ٧٩ ، الأعلام ٤ : ٢٦.

(٤) محمّد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان الشيخ، الحافظ، النحوي، المفسّر صاحب تفسير البحر المحيط، المتوفّي سنة ٧٤٥ هـ. انظر شذرات الذهب ٦ : ١٤٥، كشف الظنون ٢ : ١٥٣.

(٥) شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن محمّد الكرماني العمري الشافعي، المعروف بابن فضل الله الكاتب الشافعي، المتوفّي سنة ٧٤٩ هـ. انظر كشف الظنون ٢ : ١٦٦٢.

(٦) محمّد بن زين الدين مكّي بن عبد الصمد بن عطية بن أحمد الأموي المصري الشافعي، المعروف بابن المرجل وابن الوكيل، ولد سنة ٦٥٠ هـ، وتوفّي بالقاهرة سنة ٧١٦ هـ. انظر طبقات الشافعية الكبرى ٩ : ٢٥٣ / ١٣٢٩، كشف الظنون ١ : ١٠٠.

(٧) خليل بن كيكلدي العلائي الشافعي الدمشقي ثمّ القدسي، ولد سنة ٦٩٤ هـ، وكان مصاحباً للشيخ كمال الدين بن الزملكاني، الى سنة ٧٢٠ هـ، توفّي في القدس الشريف ودفن هناك سنة ٧٦١ هـ. انظر الوافي بالوفيات ١٣ : ٤١٠ / ٥٠٥، كشف الظنون ١ : ١٠٠، الأعلام ٢ : ٣٢١.

٣٤

العسـقلاني، والنور البكري (١) ، وشهاب الدين النويري (٢) ، وشرف الدين الزواوي المالكي (٣) ، وشيخ الإسلام ابن جهبل (٤) ، والجلال الدواني (٥) ، والحافظ ابن حجر العسـقلاني (٦) ، وسـند المحدثين محمّد

____________________

(١) عليّ بن يعقوب بن جبرئيل بن عبد المحسن بن يحيى بن الحسن بن موسى التميمي، المفتي الزاهد نور الدين أبو الحسن البكري، المصري الشافعي، ولد سنة ٦٧٣ هـ، وتوفّي سنة ٧٢٤ هـ، وقيل : سنة ٧٢٧ هـ. انظر تاريخ الإسلام ٥٠ : ١٤٥، الوافي بالوفيات ٢٢ : ٢٠٥، كشف الظنون ١ : ٤٥٥.

(٢) شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن عبد الوهّاب بن محمّد بن عبد الدائم البكري التيمي الشافعي القرشي المعروف بالنويري، مؤلّف كتاب نهاية الإرب في فنون الأدب، ولد سنة ٦٧٧ هـ، وتوفّي سنة ٧٣٢ أو سنة ٧٣٣ هـ. انظر كشف الظنون ٢ : ١٩٨٥، الأعلام ١ : ١٦٥.

(٣) عيسى بن مسعود بن منصور بن يحيى بن يونس بن عبد الله بن أبي الحاج المنجلاتي، القاضي شرف الدين أبو الروح الحميري المالكي، ولد سنة ٦٧٤ هـ بزواوة من المغرب، وتوفّي في رجب سنة ٧٤٣ هـ. انظر الدرر الكامنة ٣ : ١٢٥ / ٣١٤٣، كشف الظنون ١ : ٥٥٨.

(٤) أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن طاهر بن نصر بن جهبل الكلابي الحلبي الشافعي، ولد سنة ٦٧٠ هـ، وتوفّي سنة ٧٣٣ هـ، صنّف في نفي الجهة ردّاً على ابن تيميّة. انظر طبقات الشافعية ٩ : ٣٤ / ١٣٠٢، هدية العارفين ١٠ : ١٠٨ و ٢ : ٢٠١.

(٥) جلال الدين محمّد بن أسعد البكري المتكلّم الحكيم، قاضي القضاة بفارس، ينتهي نسبه إلى أبي بكر، كان في أوائل أمره على مذهب العامة ثمّ صار شيعيّاً، وكتب رسالة سمّاها نور الهداية وهي مصرحة بتشيّعه، ذكره القاضي نور الله في مجالس المؤمنين في فضلاء الشيعة، توفّي سنة ٩٠٨. انظر مجالس المؤمنين ٢ : ٢٢١، روضات الجنات ٢ : ٢٣٩ / ١٨٨، كشف الظنون ١ : ١٦٠ و٢ : ١١١٧، الأعلام٢ : ١٦٧.

(٦) شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن الشيخ نور الدين علي بن محمّد بن محمّد بن علي بن أحمد، الشهير بابن حجر نسبة إلى حجر الكناني العسقلاني الأصل المصري المولد والمنشأ والدار والوفاة الشافعي، قاضي قضاة الديار المصرية، ولد سنة ٧٧٣ هـ، وتوفّي سنة ٨٥٢ هـ. من مؤلّفاته : لسان الميزان، والإصابة في تمييز الصحابة. انظر النجوم الزاهرة ١٥ : ٢٥٩، كشف الظنون ١ : ١٠٦، شذرات الذهب ٧ : ٢٧٠، الأعلام ١ : ١٧٨.

٣٥

البرلسي (١) ، والعلامة الهيتمي أحمد ابن حجـر المكي (١) ، والعلامة عبد الحـليم الهندي (٣) ، والصـدر بن بهادرخان (٤) صاحب منتهى المقال في حديث شدّ الرحال : وغيرهم من الشافعيّة والمالكيّة والحنفيّة.

وناهيك بضلال من شهد بضلاله هؤلاء الأعلام، والفقهاء الكرام، فتتمّ بشهادتهم الحجّة، وتنكشف بهم المحجّة، وسأتلوها عليك بألفاظهم في هدايات وعبارات ينقطع بها عذر من لا خبرة له بضلال هذا المبتدع العنيد، والشيطان المريد، حتى يكون أهل الحلّ والعقد قائمين في حقّ الله بمنع الناس من طبع كتبه، ومراجعة مصنّفاته، وترويج ضلاله، وحتى لا يقام لكلامه وزن، بل يرمى في كلّ وعر وحزن، لأنّه مبدع ضالّ مضلّ، جاهل كذّاب، قد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه، وجهاد المبتدعين أفضل من جهاد الكافرين; لأن بدعهم تهدم الدين ويؤخذ من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ

____________________

(١) في «ب» : البرنسي. وهو الشيخ شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن عيسى البرلسي (البرنسي) الفاسي المالكي المغربي، المعروف بالشيخ زروق الصوفي، ولد سنة ٨٤٦ هـ، وتوفّي في سنة ٨٩٩ هـ، من مصنّفاته : إتحاف أهل العرفان. انظر شذرات الذهب ٧ : ٣٦٣، كشف الظنون ٢ : ١٣٥٨.

(٢) شهاب الدين أحمد بن محمّد بن محمّد بن علي السعدي الأنصاري، أبو العبّاس الهيتمي المصري ثمّ المكّي، المعروف بابن حجر نسبة إلى أحد أجداده من فقهاء الشافعيّة، ولد سنة ٩٠٩ هـ، وتوفّي سنة ٩٧٣ وقيل : ٩٧٤ هـ. انظر شذرات الذهب ٨ : ٣٧٠، الأعلام ١ : ٢٣٤.

(٣) أبو الحسنات محمّد بن عبد الحي بن محمّد عبد الحليم بن محمّد أمين الأنصاري الأيّوبي الهندي الحنبلي اللكهنوي، ولد سنة ١٢٦٤ هـ... وتوفّي سنة ١٣٠٤ هـ. انظر الأعلام ٦ : ١٨٧، هدية العارفين ٢ : ٣٨٥، معجم المؤلفين ١٠ : ١٢٩.

(٤) جاء في أبجد العلوم ١ : ٧١١ : صدر الدين خان بهادر، ولي الصدارة بدهلي من جهة البرطانية حكّام الهند اليوم فاستمرّ عليها إلى الفتنة، وأخذ الحديث عن الشيخ المهاجر، وله رسالة منتهى المقال في شدّ الرحال، قال في اليانع الجني : قد تأنّق فيها.

٣٦

سبّهم (١) ، للتحذير وبيان حالهم، أفضل من سبّ الكافرين، لأنّ الضرر يخشى منهم أكثر، والعامـة إلى الاغترار بهم أقرب، فينبغي إعلان حالهـم لتحذير الاُمّة من الاقتداء بهم، والميل إلى أكاذيبهم وتأويلاتهم، كما ستعرف ذلك في مقاصد هذا الكتاب.

فالمقصد الأوّل في المشهود به عليه من الكفر والضلال في كلّ عصر وزمان، وإن تلك الكبائر (٢) قد سمعها منه الثقات، ونقلوها عنه في المصنّفات والتراجم والطبقات، حتى صارت بيّنات وشهادات متواردات، لا يبقى لسامعها ريب في ضلاله وكفره، وليس لأحد أن يقول في الشهود : إنّهم إن شهدوا لي كانوا عدولاً، وإن شهدوا عليَّ كانوا فسّاقاً، وإن شهدوا بمدح من أحببته كانوا عدولاً، وإن شهدوا بذمّ من أحبه كانوا فسّاقاً، كما تقوله أتباع ابن تيمية المعاندين الذين لا يؤمنون للمؤمنين، ويتعصّبون للحشويّة المعاندين، ويظنون بعلماء السنّة المتفق على إمامتهم وثقتهم أنّ شهادتهم على ابن تيمية للحسد والهوى، وحاشا علماء الإسلام أنّهم لا ينطقون إلاّ عن تثبّت وتحقيقومزيد احتياط وتحرٍّ، سيما إن نسبوا إلى مسلم ما يقتضي كفره وردّته وضلاله وإهدار دمه.

وتكفير المسلم كفر كما قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا قال الرجل لأخيه : ياكافر فقد باء بها أحدهما» (٣) .

ومع ذلك شهدوا على ابن تيمية بالكفر البراح الصريح، فليس إلاّ

____________________

(١) ورد مؤدّاه في اُصول الكافي ٢ : ٣٧٥ / ٤، الأذكار النووية : ٣٠٧ باب التبرّي من أهل البدعوالمعاصي ، الجامع الصغير ١ : ٥١٥ / ٣٣٥١.

(٢) في النسخة الثانية : الكتابة

(٣) مسند أحمد ٢ : ٤٧، البخاري ٨ : ٣٥٣ باب ٥٩٥ / ٩٨١، الكافي ٢ : ٣٦١ / ٨.

٣٧

الصدق والحقّ والقيام بحقّ الله في منع الناس عن اتّباع عقيدته الزائغة، وأما من اتّبع هواه فقد أعمى الله قلبه ومن يضلل الله فلن تجد له ولياً مرشداً.

والمقصد الثاني في خروجه عن أهل السنّة والجماعة، واتّباعه غير سبيل المؤمنين، ومباينته لهم، وتكفيره لهم، والتشنيع (١) على عقيدتهم بما لا يفوه به من كان فيه رائحة من الإيمان، كلّ ذلك من لفظه في مصنفاته.

والمقصد الثالث في أنواع المكفِّرات له من لفظه في مصنّفاته، مع الدلالة على مواضعها :

النوع الأول : مخالفته في المسائل التي في اُصول الدين التي ترجع إلى تنقيص الربّ  جل جلاله كالتجسيم، والتشبيه، والتحييز، وأمثال ذلك.

النوع الثاني : ما يرجع إلى إنكار الضروري في الدين.

النوع الثالث : ما يرجع إلى تنقيص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

النوع الرابع : التشنيع على كبار الصحابة المعظمين في الكتاب والسنّة.

النوع الخامس : انحرافه عن عليّ عليه‌السلام بالنصب والمبالغة في التنقيص والتشنيع عليه وعلى الأئمّة من أولاده والعترة  وأهل البيتعليهم‌السلام، بما لا يفوه به مسلم يؤمن بالله وبرسوله.

النوع السادس : في تكذيبه وإنكاره لكثير من أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فأقول وبالله جلّ جلاله التوفيق :

____________________

(١) في «ب» : التتبّع بدل : التشنيع.

٣٨

المقصد الأوّل :

في شهادات الثقات بالمكفِّرات

٣٩
٤٠