البراهين الجليّة - ج ١

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ١

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-628-8
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

يوحى إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قاله غيره من الأنبياء، وإنّ أراد أنّهم سمعوا ذلك من غيرهم فيمكن أن يسمع من ذلك الغير الذي سمعوه منهم سواء كان ذلك من بني هاشم أو غيرهم، فأي مزيّة لهم في النقل عن جدّهم (١) .

إلى أن قال : بل في غيرهم من هو أعلم بالسنّة من أكثرهم. قال : فالزهري أعلم بأحاديث النبيّ وأحواله وأقواله باتّفاق أهل العلم من أبي جعفر محمّد بن عليّ وكان معاصراً له، وأمّا موسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمّد بن عليّ، فلا يستريب من له من العلم نصيب أنّ مالك بن أنس، وحمّادبن زيد ، وحمّاد بن سلمة، والليث بن سعد، والأوزاعي، ويحيى بن سعيد، ووكيع ابن الجرّاح، وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وأمثالهم، أعلم بأحاديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هؤلاء.

إلى أن قال في آخر الصفحة : ويقال ثانياً : متى يثبت النقل عن أحد هؤلاء كان غايته أن يكون كما لو سمع منه وحينئذ فله حكم أمثاله (٢) .

أقول : الإنصاف في المقام ما قاله الإمام الحافظ المحقّق المجمع على فضله وعلمه أحمد بن حجر العسقلاني قال في كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاري في شرحه لحديث أبي هريرة قال : أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كخ كخ أما شعرت إنّا لا نأكل الصدقة» (٣) الخبر ما معناه.

____________________

(١) منهاج السنّة ٢ : ٤٥٩.

(٢) نفس المصدر ٢ : ٤٥٩ - ٤٦٠.

(٣) البخاري ٢ : ٦٢٨ / ١٣٩٤، سنن الدارمي ١ : ٣٨٧، سنن النسائي ٥ : ١٥٤ / ٨٦٤٥، السنن الكبرى للبيهقي ٧ : ٢٩، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٢٧٠ / ٦٢٢٦.

٣٢١

فإن قيل : لم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسن : «أما شعرت» والحسن بن علي كان في ذلك الوقت رضيعاً لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كخ كخ» فإنّه لا يقال ذلك إلاّ للرضيع؟

قلنا : لأنّ الحسن لم يكن كغيره، فإنّه في هذا السنّ كان يطالع اللّوح، إذعلومهم لدنيّة وُهِبُوها، ولم تكن من العلوم الكسبيّة التي تتوقّف على الكسب والبلوغ إلى حدّ يمكن فيه الكسب (١) . انتهى.

أقول : ويشهد له ما أخرجه الطبراني في معجمه، والسيوطي في جمع الجوامع، وعليّ المتقي في كنز العمّال، والسيّد علي بن شهاب الدين الهمداني في مودة القربى وروضة الفردوس، والمحبّ الطبري في ذخائر العقبى، وغيرهم : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي فليوالِ عليّاً من بعدي، وليوالِ وليّه، وليقتد بإهل بيتي من بعدي، فإنّهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذّبين بفضلهم من اُمّتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي» (٢) .

والأئمّة الاثنا عشر هم القدر المتيقّن من أهل بيته، المخصوصين الذين فضّلوا كتاباً وسنّةً بفضائل خاصّة شهيرة.

إنّ التدبّر فيما جاء من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأئمّة الاثنى عشر عموماً وخصوصاً كيفاً وكمّاً صريحاً وإشارةً، يدلّ على أنّ علمهم لدنّي

____________________

(١) انظر فتح الباري ٣ : ٢٧٦ - ٢٧٧، ملحقات إحقاق الحقّ ٢ : ٣١٢.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٥ : ١٩٤ / ٥٠٦١، جمع الجوامع (جامع الأحاديث) ٩ : ٣١٣ / ٢٧٧١، حلية الأولياء ١ : ٨٦، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٧٠، تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٢ : ٢٤، كنز العمال ١٢ : ١٠٣ / ٣٤١٩٨، ينابيع المودّة ١ : ٣٧٩ / ٢، المستدرك للحاكم ٣ : ١٢٨، مجمع الزوائد ٩ : ١٠٨، التدوين في أخبار قزوين ٢ : ٤٨٥.

٣٢٢

موهوب من الله، وأنّهم أوعية الأسرار النبويّة والحكم الإلهيّة بإرادة ربّانيّه، كما طهّرهم تطهيراً، ولذلك كانوا أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض، بل يفهم من حديث الثقلين وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلّ زمان إلى قيام الساعة، حتّى يتوجّه التمسّك بهم كالقرآن.

ويؤيده حديث : «في كلّ خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألاوإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّوجلّ فانظروا من توفدون». أخرجه الملاّ في الوسيلة أعني وسيلة المتعبّدين (١) لعمر بن محمّد بن خضر الأردبيلي (٢) المعروف بالملاّ.

والذي يدلّ على أنّ علومهم لدنيّة إلهاميّة من الله بواسطة ملك الإلهام أو النكت في القلب أو الكشف والشهود، فجملة أحاديث صحيحة :

منها : ما دلّ على أنّهم معصومون، أخرج إبراهيم بن محمّد الحمويني الشافعي في كتابه فرائد السمطين بإسناده عن الأصبغ بن نباته (٣) ، عن

____________________

(١) وسيلة المتعبّدين (مخطوط)، وحكاه عنه محبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى : ٤٩، وانظر شرف المصطفى للخركوشي ٥ : ٣١٧ / ٢٢٦٦، الصواعق المحرقة ٢ : ٤٤١، جواهر العقدين ٢ : ٩١، ينابيع المودّة ٢ : ١١٤. ملحقات إحقاق الحقّ ١٨ : ٤٤٧ و٢٤ : ٢٤٠، الفصول المهمّة للسيد شرف الدين : ١٨٧، نفحات الأزهار ١٩ : ١٨٧.

(٢) أو الإربلي، أبو حفص معين الدين الموصليّ، نزيل دمشق، كان صالحاً، زاهداً، عالماً، صوفياً، توفي سنة ٥٧٠ هـ، وقيل غير ذلك. انظر المنتظم ١٠ : ٢٤٩، الأعلام للزركلي ٥ : ٦٠.

(٣) الأصبغ بن نباتة بن الحارث بن عمرو بن فاتك بن عامر بن مجاشع بن دارم،

٣٢٣

ابن عبّاس رفعه، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطّهرون معصومون» (١) .

ومنها : ما أخرجه أخطب الخطباء موفق بن أحمد الخوارزمي الحنفي في كتاب المناقب بإسناده عن أبي إسحاق، عن الحارث وسعيد بن بشير، عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا واردكم على الحوض، وأنت يا عليّ الساقي، والحسن الذائد، والحسين الآمر، وعلي ابن الحسين الفارض (٢) ، ومحمّد بن عليّ الناشر، وجعفر بن محمّد السائق، وموسى بن جعفر محصي المؤمنين والمبغضين وقامع المنافقين، وعليّ بن موسى مزيّن المؤمنين، ومحمّد بن عليّ منزل أهل الجنّة في درجاتهم، وعليّ بن محمّد خطيب شيعته ومزوّجهم الحور العين، والحسن ابن علي سراج أهل الجنّة يستضيئون به، والمهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله إلاّ لمن يشاء ويرضى» (٣) .

____________________

التميمي، الحنظلي، الدارمي، المجاشعي، أبو القاسم الكوفي. من المتقدّمين من سلفنا الصالح، كان من خاصّة أميرالمؤمنين عليه‌السلام وذخائره ممّن قد بايعه على الموت، ومن شرطة الخميس، وكان شيخاً ناسكاً عابداً شجاعاً من فرسان أهل العراق. ووثّقه من علماء العامّة العجلي، وضعّفه كثير منهم، قال ابن حبّان : فتن بحبّ علي عليه‌السلام فأتى بالطامّات، فاستحقّ الترك. له في الفقه والتفسير والحكم روايات كثيرة أكثرها عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام . رجال النجاشي : ٨ / ٥، معالم العلماء ١ : ٢٦٦ / ١٣٩، ميزان الاعتدال ١ : ٢٧ / ١٠١٤.

(١) فرائد السمطين ٢ : ١٣٣ / ٤٣٠ و ٢ : ٣١٣ / ٥٦٣، وراجع كمال الدين للشيخ الصدوق رحمه‌الله : ٢٨٠ / ٢٩، كفاية الأثر للخزاز : ١٩، ينابيع المؤدّة ٢ : ٣١٦ و٣ : ٢٩١، ملحقات إحقاق الحق ١٣ : ٦٠ و ٢٢ : ١٢ و ٢٤ : ٥١٥.

(٢) كذا في النسختين، وفي المصدر : الفارط.

(٣) لم نعثر عليه في كتابه المناقب، وهو موجود في كتابه مقتل الحسين ١ : ٩٤،

٣٢٤

ومنها : أخبار الأمان الدالّة على أنّ أهل بيته أمان للاُمّة من جهة دينهم، وهم الملجأ والملاذ، وإليهم يرجع في الاختلاف، أخرجها أبو عمر مسدّد وابن أبي شيبة، وأبو يعلى في مسانيدهم (١) ، والطبراني (٢) بإسنادهم عن إياس بن سلمة، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من اُمّتي» (٣) .

وأخرج الحاكم في المستدرك بإسناده عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب ابليس» وصحّحه وقال : صحيح الإسناد (٤) .

وأخرج أحمد في المناقب بإسناده عن علي رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض» (٥) .

____________________

ومائة منقبة (المنقبة الخامسة) : ٢٢ - ٢٤، الطرائف للسيد ابن طاوس : ١٧٤ / ٢٧١، الصراط المستقيم للنباطي ٢ : ١٥٠، وبحار الأنوار ٣٦ : ٢٧٠.

(١) عنهم في المطالب العالية لابن حجر ١٦ : ٢١٥ - ٢١٧ / ٣٩٧٢، وجمع الجوامع للسيوطي ٤ : ١٩٩ / ١٢٠٤٠، وكنز العمّال ١٢ : ٩٢ / ٣٤١٥٥ و ١٠١ / ٣٤١٢٢.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٧ : ٢٢ / ٦٢٦٠.

(٣) وانظر أيضاً فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ : ٦٧١ / ١١٤٥، مسند الروياني ٢ : ٢٥٣ / ١١٥٢ و ١١٦٤، معجم ابن الأعرابي ٣ : ٩٧٧ / ٢٠٧٩، المعرفة والتاريخ للفسوي١ : ٥٣٨، ذخائر العقبى : ٢٧، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٤٨٨ فرائد السمطين ٢ : ٢٥٣ / ٥٢٢، نظم درر السمطين : ٢٩٢، سبل الهدى والرشاد ١١ : ٦ ـ ٧.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٩، وراجع كنز العمّال ١٢ : ١٠١ / ٣٤١٨٩.

(٥) فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ٢٩٦ - ٢٩٨ / ٢٦٧، فضائل الصحابة ٢ : ٦٧١ / ١١٤٥، وعنه في ذخائر العقبى : ٢٧.

٣٢٥

أقول : وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الاختلاف» صريح في أنّ الحقّ والعلم عندهم، والمتيّقن منهم الأئمّة الاثنا عشر.

وقال السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في رشفة الصادي : روى السلف رضي الله عنهم : أنّ من أطلق لسانه في الذريّة العلويّة لا يموت إلاّ مرتدّاً عن الإسلام إن لم يتب توبة مثمرة للندم والإقلاع والعزم على أن لا يعود، مع استيفاء التعزير الشرعي من السباب، والاستحلال من الشريف الذي سبّه، وواجب على ولاة المسلمين أن يشدّدوا في التنكيل والتهديد على من فعل ذلك، لمخالفته للقرآن وعناده للسنّة، وقد شوهد كثير من المبتلين بسبّ الذريّة لم يلبثوا إلاّ قليلا حتّى عجّل الله العقوبة عليهم بالمصائب العظام ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون.

قال : وفي فتاوى العلاّمة سالم باصهي الحضرمي رحمه‌الله : مسألة : ما حكم من ثلب ذريّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

حاصل ما أجاب به : أنّه قدم على ما يسخط الله عليه ويمقته به، لأنّ الإيمان منوط بحبّهم والنفاق مربوط ببغضهم. وأطال إلى أن قال : فيجب على الوالي استتابته وتعزيره، فإن لم يتب مستحلاّ لذلك قتل واُغرِيَ بجيفته الكلاب (١) ، انتهى.

وقال : أمّا من ابتلاه الله بسبّ الأشراف والحطّ عليهم وانتقاص أعراضهم والعياذ بالله فهو الواقف على شفا جرف من العناد والمراغمة لله ولرسوله، جدير أن ينهار به في نار جهنّم وقد انتهك حرمة من حرمات الله والرسول وارتكب مرتبة من كبائر الذنوب، فعن الحسين بن علي رضي‌الله‌عنه قال :

____________________

(١) عنه في رشفة الصادي : ١١٢.

٣٢٦

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سبّ أهل بيتي فأنا بريء منه والإسلام» (١) .

قال بعضهم : هذا الحديث أيضاً مصرّح بكفر من سبّ شريفاً والعياذ بالله تعالى، وإذا كانت اللعنة وهي الطرد عن رحمة الله تعالى واقعة من الله ورسوله ومن كلّ نبي على من استحلّ منهم ما حرّم الله تعالى كما في حديث عائشة فلا يبعد كفر السابّ لهم لا سيما إن كان السبّ مقروناً باستخفاف بمقام الشرف أو استحلال لذلك (٢) ، انتهى.

أقول : حديث عايشة الذي أشار إليه ما رواه الطبراني في الكبير وابن حبّان في صحيحه والحاكم وقالا : صحيح عن عائشة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ستّة لعنهم الله وكلّ نبي مجاب» وعدّ منهم : «المستحل من عترتي ماحرّم الله» (٣) .

وعن عليّ كرّم الله وجهه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله» أخرجه الجعابي في الطالبيين (٤) .

وفي روض الأخيار عن عليّ كرّم الله وجهه مرفوعاً : «الويل لظالم

____________________

(١) رشفة الصادي : ١١٢، والحديث في ينابيع المودّة ٢ : ٣٧٨ / ٧٤، نقلاً عن الجعابي في الطالبيين، والجعابي : هو محمّد بن عمر بن سعد بن سالم بن البراء بن سبرة بن سيّار أبو بكر التميمي، قاض الموصل، يعرف بابن الجعابي، المولود سنة ٢٨٤ هـ المتوفّي سنة ٣٥٥ هـ كان هو وأبوه من مشايخ الشيخ المفيد رحمه‌الله ، كان من حفاظ الحديث، وأجلاء أهل العلم. رجال النجاشي : ٣٩٤ / ١٠٥٥، سير أعلام النبلاء ١٦ : ٨٨ / ٦٩.

(٢) حكاه في رشفة الصادي : ١١١ - ١١٢. وانظر ملحقات إحقاق الحقّ ٩ : ٦٧٣.

(٣) المعجم الكبير ٣ : ١٢٦ / ٢٨٨٣، صحيح ابن حبّان ٣ : ٦٠ / ٥٧٤٩، المستدرك للحاكم ١ : ٣٦ و ٢ : ٥٢٥ و ٤ : ٩٠.

(٤) عنه في جواهر العقدين ٢ : ٢٥٨، ورشفة الصادي : ١٠٧، وينابيع المودّة ٢ : ٣٧٧ / ٧٠.

٣٢٧

أهل بيتي عذابهم مع المنافقين في الدرك الأسفل» (١) .

وعن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يافاطمة إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» (٢) .

قال السيد السمهودي في [جواهر العقدين] (٣) بعد ايراده هذا الحديث : فمن آذى شخصاً من أولاد فاطمة أو أبغضه فقد جعل نفسه عرضة لهذا الخطر العظيم، وبضدّه من تعرّض لمرضاتها في حبّهم وإكرامهم، كما يؤخذ ممّاتقدّم (٤) ، انتهى.

وقال السهيلي (٥) : هذا الحديث يدلّ على أنّ من سبّها كفر، ومن صلّى عليها فقد صلّى على أبيها، واستنبط أنّ أولادها مثلها لأنّهم بضعة منها وفكّ الفرع من أصله هو فكّ الشيء من نفسه وهو غير ممكن ومحال باعتبار أنّ ذلك الفرع هو الشخص المعمول من مادة ذلك الأصل ونتيجته المتولد منه (٦) ، انتهى كلام السهيلي.

وقال السيّد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي : قال بعض العلماء :

____________________

(١) روض الأخيار : ٣٩٤، ربيع الأبرار ٣ : ٣١٦.

(٢) ذخائر العقبى : ٤٩، المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣ : ١٥٣ - ١٥٤، مجمع الزوائد ٩ : ٢٠٣، الآحاد والمثاني ٥ : ٣٦٣ / ٢٩٥٩، المعجم الكبير للطبراني ١ : ١٠٨ / ١٨٢ و ٢٢ : ٤٠١ / ١٠٠١، اُسد الغابة ٥ : ٥٢٢، كنز العمّال ٢ : ٦٣ / ٣١٢٥ و١٣ : ٦٧٤ / ٣٧٧٢٥، جواهر العقدين ٢ : ٢٦٥، رشفة الصادي : ١٠٩.

(٣) بدل ما بين المعقوفتين : فرائد السمطين، وهو سهو.

(٤) جواهر العقدين ٢ : ٢٦٥، وعنه في رشفة الصادي : ١١٠.

(٥) أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعميّ السهيليّ، حافظ، أديب، عالم بالتفسير والسير، ومن مصنّفاته : الروض الاُنف، ونتائج الفكر، وغيرهما، ولد في سهيل من أعمال مالقة سنة ٥٠٨ هـ وتوفّي سنة ٥٨١ هـ. تذكرة الحفاظ ٤ : ١٣٤٨ / ١٠٩٩، كشف الظنون ١ : ٤٢١، الأعلام للزركلي ٣ : ٣١٣.

(٦) انظر الروض الاُنف ٣ : ٤٤٠، ورشفة الصادي : ١١٠.

٣٢٨

يدخل في هذا الوعيد من آذاهم ولو بمباح يجوز للإنسان فعله. واحتج لذلك : بأنّ أذاهم أذى فاطمة وأبيها، وأذيته عليه‌السلام ولو بالمباح محظورة قطعاً.

قال : ومال إلى قول هذا البعض كثير من العلماء (١) ، انتهى.

أقول : فكيف بمن آذى خواصّ أولادها وخاصّة ذريّتها والأئمّة العلماء من أولادها كما عرفت من ابن تيميّة لعنه الله، أو تقول : هذه التنقيصات لاتؤذيهم، وتكابر الضرورة والوجدان، فقد والله تأذّى كلّ الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقرّبين، والأولياء والصالحين من تشنيعاته وتنقيصاته من أهل البيت الطاهرين عليّ وفاطمة وأولادهم، فإنّه لم يرع فيهم إلاًّ ولا ذمّةً، فابن تيميّة مصداق الوعيد في حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه(٢) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلاّ أدخله الله النار» أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (٣) .

وما عن جابر رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحبّنا أهل البيت إلاّ مؤمن تقي ولا يبغضنا إلاّ منافق شقي» (٤) أخرجه الملاّ (٥) .

____________________

(١) رشفة الصادي : ١١١ - ١١٢.

(٢) سعد بن مالك بن سنان الخزرجيّ الأنصاري، من الصحابة شهد مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر غزواته، روى عنه كثير من الصحابة، توفّي يوم الجمعة سنة ٧٤ هـ ودفن بالبقيع. رجال الطوسي : ٦٥ / ٥٨٧، تهذيب الكمال ١٠ : ٢٩٤ / ٢٢٢٤.

(٣) المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣ : ١٥٠ و ٤ : ٣٥٢، وراجع صحيح ابن حبّان ١٥ : ٤٣٥ / ٦٩٧٨، جزء بن الحسين بن رشيق : ٨٧ - ٨٨ / ٨٥، المناقب لمحمّد بن سليمان الكوفي ٢ : ١٢٠ / ٦٠٧، كشف الأستار عن زوائد البزّار ٤ : ١٢٢ / ٣٣٤٨، كنز العمّال ١٢ : ١٠٤ / ٣٤٢٠٤، .

(٤) شرف المصطفى للخركوشي ٥ : ٣٣٣ / ٢٢٤٨، ذخائر العقبى : ٢٨، ينابيع المودّة ٢ : ١١٦ / ٣٣٠، وأخرجه الخزاز في الكفاية : ١١٠.

(٥) وسيلة المتعبّدين (مخطوط).

٣٢٩

وقال عليه‌السلام : «من أبغض أهل البيت فهو منافق» (١) أخرجه الديلمي (٢) .

وعنه عليه الصلاة والسلام أنّه قال : «لو أنّ رجلا صفن بين الركن والمقام فصلّى وصام، ثم لقى الله وهو مبغض لأهل بيت محمّد دخل النار» (٣) . «صفن» : من الصُفُون وهو جمع القدمين.

وروى الحاكم بإسناده عن أبي هريرة : إنّ سبيعة بنت أبي لهب رضي الله عنها جاءت إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله إنّ الناس يقولون : إنّي ابنة حطب النار. فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مغضب شديد الغضب فقال : «ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي، ألا من آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله» (٤) .

قال : وعن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله سيحرّم الجنّة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبّهم» (٥) أخرجه علي بن موسى الرضا.

____________________

(١) فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأحمد بن حنبل : ٢٨٣ / ٢٤٨، ذخائر العقبى : ٢٨، ينابيع المودّة ٢ : ١١٦ / ٣٢٩.

(٢) عنه في الجامع الكبير للسيوطي، وانظر فضائل الصحابة ٢ : ٦٦١ / ١١٢٦، ذخائر العقبى : ١٨، شرف المصطفى ٥ : ٣٣٣ / ٢٢٨٦، الصواعق المحرقة ٢ : ٥٠٣ و ٦٨٧.

(٣) أخبار مكّة للفاكهي ١ : ٤٧٠ / ١٠٣٨، المعجم الكبير للطبراني ١١ : ١٤٢، المستدرك للحاكم ٣ : ١٤٨ - ١٤٩، مجمع الزوائد ٩ : ١٧١، كنز العمّال ١٢ : ٤٢، شواهد التنزيل ١ : ٥٥١.

(٤) لم نعثر عليه في المستدرك، وقد تقدّم في الصفحة : ٢٦٥ أنّ المصنّف رواه عن الطبراني والبيهقي، انظر المعجم الكبير ٢٩ : ٢٥٨ / ٦٦٠، شرف المصطفى٥ : ٣٥٧ - ٣٥٨ / ٢٣١٢، اُسد الغابة ٧ : ١٣٩ / ٦٩٨٢، ذخائر العقبى : ١٧.

(٥) مسند زيد بن علي : ٤٦٣ ، ذخائر العقبى : ٣٠ ، مسند الرضا لداوُد بن سليمان :

٣٣٠

وعنه رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اشتدّ غضب الله وغضب رسوله وغضب ملائكته على من أهرق دم نبي أو آذاه في عترته» (١) أخرجه علي بن موسى الرضا.

أقول : وقد ذكر القاضي عياض في الشفا فتوى أبي المطرف الشعبي في رجل أنكر تحليف امرأة بالليل وقال : لوكانت بنت أبي بكر الصديق ماحُلِّفَت إلاّ بالنهار، وصوّب قوله بعض المتّسمين بالفقه، فقال أبو المطرف : ذكر هذا لابْنَةِ أبي بكر فى مثل هذا يوجب عليه الضرب الشديد والسجن الطويل، والفقيه الذي صوّب قوله هو أحق باسم الفسق من اسم الفقه، فيتقدم إليه في ذلك ويُزْجَر ولا تقبل فتواه ولا شهادته، وهي جرحة ثابتة فيه، ويبغض في الله (٢) ، انتهى.

قال الشريف أبو بكر في رشفة الصادي بعد حكايته ذلك : فليتأمّل المتحرّج لدينه بعين بصيرته ما أفتى به هذا الإمام الجليل القدر، ونقله عنه الإمام الآخر مصوّباً له على ذكر بنت أبي بكر بما يومئ إلى الاستخفاف بشأنها بأنّه يستوجب الضرب الشديد والسجن الطويل، وبأنّ الفقيه الموصوب قوله فاسق ساقط الشهادة، ولا ريب في أنّ النكير والشنعة على المعرّض بمثل ذلك على أحد الذريّة الطاهرة أكبر وألزم، والمقت والعقوبة عليه أشدّ وأعظم، فالاسترسال في مثل هذه الأقوال ممّا يؤدّي بصاحبه إلى سوء الحال وخيبة المال، أعاذنا الله والمسلمين من ذلك الحظر المهول،

____________________

١٤٤ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٣٣ / ٦٥ ، أمالي الطوسي : ١٦٥ / ٢٨٣ ، تفسير القرطبي ١٦ : ١٦ ( آية المودّة ) ، رشفة الصادي : ١٠٧ .

(١) أمالي الصدوق : ٣٧٧ / ٧، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٦ / ١١، ذخائر العقبى : ٤٩، كنز العمّال ٤ : ٥٢٩ ـ ٥٣٠ و ١٢ : ٩٣ / ٣٤١٤٣، رشفة الصادي : ١٠٧.

(٢) الشفا بتعريف حقوق المصطفى : ٤٤٤، ونسيم الرياض فى شرح الشفا ٦ : ٤٤٢.

٣٣١

وعصمنا من إساءة الأدب على سلالة الرسول الأمين (١) ، انتهى.

أقول : وعن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ لله عزّوجلّ ثلاث حرمات، فمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له دنياه ولا آخرته» قال : قلت : وما هنّ؟ قال : «حرمة الإسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي» أخرجه الطبراني في الكبير (٢) .

وابن تيميّة أفسد عقائد الناس، وشقّ العصا، فلم يحفظ حرمة الإسلام، وحرّم السفر للزيارة، وحرم الاستغاثة به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يحفظ حرمته عليه‌السلام ، وشنّع على أهل بيته، وحطّ منهم، ورماهم بالعظائم كما تقدّم نقله، فلم يحفظ رحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولهذا لم يحفظ الله له ديناً، بل أضلّه وأعماه وخذله وأغواه كما نصّ عليه علماء عصره (٣) ، ولا حفظ له ديناً بل خذله ونكبه حتّى صار يضرب به المثل، ونكب وحبس مرّات حتّى مات في الحبس، بعد ما كفّره علماء عصره بالكفر البراح الصريح، كما حكاه ابن حجر المكّي في الفتاوي الحديثيّة (٤) ، وكلّ هذا من سوء عمله ( وَمَن كَانَ فِى هَـذِهِى أَعْمَى فَهُوَ فِى الاخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (٥) .

وذهبت بابن تيميّة الأباطيل، ولم يلتفـت إلى قول رسـول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ياأيّها الناس إنّ الشرف والفضل والمنزلة والولاية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريّته فلاتذهبن بكم الأباطيل» أخرجه ابن حبّان في الكبير من حديث

____________________

(١) رشفة الصادي : ١١٧ - ١١٨.

(٢) المعجم الكبير ٣ : ١٢٦ / ٢٨٨١، المعجم الأوسط ١ : ١٦٢ / ٢٠٥، مجمع الزوائد ١ : ٨٨ و٩ : ١٦٨، نظم درر السمطين : ٢٩٩.

(٣) راجع ص : ٨٤ وما بعدها.

(٤) الفتاوى الحديثيّة : ٨٧.

(٥) سورة الإسراء ١٧ : ٧٢.

٣٣٢

حذيفة رضي‌الله‌عنه من أثناء حديث طويل (١) .

وأخرج الحاكم عن أبي هريرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «خيركم خير لأهلي من بعدي» (٢) .

وابن تيميّة شرّهم لأهله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده، فإنّي لم أقف إلى اليوم على رجل من علماء أهل القبلة يحطّ من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ابن تيميّة حتّى الخوارج والنواصب.

وصحّ عن ابن عبّاس في قوله تعالى : ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَــلِحًا ) (٣) أنّه قال : حفظا بصلاح أبيهما وما ذكر عنهما صلاحاً (٤) .

وروي أنّه كان بينهما سبعة (٥) أو تسعة أباء (٦) .

فكيف لا يحفظ ابن تيميّة العترة الطاهرة أولاد رسول الله به مع قلّة الوسائط بينهم وبينه!!

ولذا قال جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه : «احفظوا فينا ما حفظه العبد الصالح في اليتيمين ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَــلِحًا ) » (٧) أخرجه عبد العزيز ابن الأخضر في

____________________

(١) حكاه عنه في جواهر العقدين ٢ : ٢٨٤، وانظر ينابيع المودّة ٢ : ٣٨٠ / ٨١، الصواعق المحرقة ٢ : ٥١٢، نظم درر السمطين للزرندي ٢٠٧ - ٢٠٨، تاريخ دمشق ١٤ : ١٧٣.

(٢) المستدرك للحاكم ٣ : ٣١١، مجمع الزوائد ٩ : ١٧٤، السنّة لأبي عاصم : ٦٠٢، مسند أبي يعلى ١٠ : ٣٣٠ / ٥٩٢٤، تاريخ بغداد ٧ : ٢٧٧ / ٣٧٦٥، كنز العمّال ١٢ : ٩٤ / ٣٤١٤٦.

(٣) سورة الكهف ١٨ : ٨٢.

(٤) كتاب الزهد والرقاق لابن المبارك : ١٢٩ / ٣٣٢، مسند الحميدي ١ : ١٨٤ / ٣٧٢، جامع البيان للطبريّ ١٦ : ٥، المستدرك للحاكم ٢ : ٣٦٩، التدوين في أخبار قزوين ٢ : ١٥٨، مجمع البيان ٦ : ٤٣٢.

(٥) التفسير الكبير للفخر الرازي ٢١ : ١٦٢، مجمع البيان للطبرسي ٦ : ٣٧٧.

(٦و٧) انظر الصواعق المحرقة ٢ : ٥٠٨، رشفة الصادي : ١٥٣.

٣٣٣

معالم العترة (١) .

وقال عليّ بن الحسين رضي‌الله‌عنه في أثناء حديث : «أنّ الله عزّوجلّ ذكر أقواماً بآبائهم فحفظ الأبناء للآباء قال الله تعالى : ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَــلِحًا ) ولقد حدّثني أبي عن آبائه : إنّه كان التاسع من ولده ونحن عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احفظوها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أخرجه الزرندي ونقله عنه السمهودي (٢) .

فويل لابن تيميّة المتجرّي على تدليس الباطل والمطبوع على الخيانة والكذب في حقّ أهل بيت النبيّ، والمشنّع عليهم، والمنقّص لهم، والمخطِّئ لعلمائهم الراسخين في العلم والوارثين له من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما عرفت.

وهذا الإمام الفخر الرازي يقول : إنّ تخطئات الإمام الشافعي إيذاء لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه قرشيّ. قال في رسالته الموضوعة في ترجيح الشافعي على غيره من المجتهدين : الحجة السادسة : القول بإنّ قول الشافعي خطأ في مسـألة كذا إهانة للشافعي القرشي، وإهانة القرشي غير جائزة، فوجب أن لا يكون القطع بخطائه في شيء من المسائل.

إنّما قلنا : إنّ تخطئته إهانة; لأنّ اختيار الخطأ إن كان للجهل فنسبة الإنسان إلى الجهل إهانة، وإن كان مع العلم كانت مخالفة الحقّ مع العلم بكونه حقّاً من أعظم أنواع المعاصي، وكانت نسبة الإنسان اليه إهانة له.

وإنّما قلنا : إنّ إهانة القرشي غير جائزة; لما روى الحافظ بإسناده عن سعد بن أبي وقّاص أنّه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من يريد هوان

____________________

(١) الشيخ الحافظ أبو محمّد عبد العزيز بن محمود المبارك البزار البغدادي الحنبليّ، المحدّث المكثر المصنّف، له كتب، منها معالم العترة النبويّة، توفّي سنة ٦١١ هـ. البدايةوالنهاية ١٣ : ٧٠. كشف الظنون ٢ : ١٧٢٦، الكنى والألقاب ١ : ١٩٩ ـ ٢٠٠.

(٢) معارج الاُصول : ١١٥، وانظر جواهر العقدين ٢ : ٢٦٦، ورشفة الصادي : ١٥٣.

٣٣٤

قريش أهانه الله» (١) .

وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة : أنّ سبيعة بنت أبي لهب جاءت إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يارسول الله إنّ الناس يصيحون بي ويقولون : إنّك ابنة حمّالة حطب النار. فقام عليه‌السلام وهو مغضب شديد الغضب فقال : «ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي، ألا من آذى قرابتي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله » (٢) ومن آذى الله كان ملعوناً لقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ ) (٣) فإذن ظهر وجه الاستدلال ظهوراً لايرتاب فيه عاقل.

وكان الحاكم أبو عبد الله الحافظ يقول : يجب على الرجل أن يحذر من معاندة الشافعي وبغضه وعداوته لئلاّ يدخل تحت هذا الوعيد (٤) انتهى.

فكيف بمن يخطّئ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب في مسائل كثيرة، وينسبه إلى الجهل بالنصّ، وعدم اتّباع السنّة، وإلى مخالفة النصّ المتواتر، ويخطّئه في حروبه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صفّين والجمل، ويشنّع عليه بفسادالرأي في الخلافة، وبحبّ الرئاسة، وأنّه قتل المسلمين على الولاية والرئاسة لا للديانة، وأنّ خلافته لم يحصل للمسلمين فيها إلاّ الشرّ والفتنة في دينهم ودنياهم ، وأنّه آذى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة في

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٧١ و ١٨٣، سنن الترمذي ٥ : ٣٧٣ / ٣٩٩٦، المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ٤٠٦ / ٣٢٣٨٢، مسند أبي يعلى ١ : ٣٢٧ / ٧٧١، المعجم الأوسط للطبراني ٤ : ١٣٤ / ٣٢٢٤.

(٢) ذخائر العقبى : ١٧، اُسد الغابة ٧ : ١٣٩ / ٦٩٨٢، الإصابة ٧ : ١٠٢ / ١١١٤٢.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

(٤) مناقب الشافعي للرازي : ٣٨٤ - ٣٨٥.

٣٣٥

الخطبة لبنت أبي جهل، وأنّ في إيمانه قولين لأنّه آمن في حال صباه، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذمّ مصاهرته، وأنّ إثبات إيمانه وعدالته موقوف على إثباتهما للشيخين، وأنّه وفاطمة كرها ما رضي الله وردّا أمر الله وسخطا حكمه، وقال : صدرت منه ذنوب اقتضت أن يكفّره بها الخوارج، ذكر ذلك في صفحة ١٢٠ من الجزء الثاني من منهاج السنّة (١) .

وفي صفحة ١١٨ منه أنكر أن يكون المراد بالقربى في الآية ذوي قربى النبيّ ، ونفى وجوب المودّة لهم بالآية، وغلّط المستدلّ بالآية على ذلك (٢) ، وحتّى نفى طهارة أهل البيت في صفحة ١١٧ من هذا الجزء، وأنّ المراد بالآية أمرهم بالطهارة لا إخبارهم بوقوعها (٣) .

كلّ ذلك بغضاً وعداوةً لأهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الموجب لإنكار ما علم ضرورة من الدين في حقّهم، فيكون ابن تيميّة كافراً بإجماع المسلمين المحقّين.

[كلام فريد الدين نيسابوري المعروف بعطار(٤) ] :

قال ابن حجر في الصواعق : قال الشيخ الجليل فريد الدين أحمد بن محمّد النيسابوري رحمه‌الله : من آمن بمحمّد ولم يؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن،

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٣٦ - ٣٧.

(٢) نفس المصدر ٤ : ٢٥ - ٢٦.

(٣) نفس المصدر ٤ : ٢١.

(٤) كان كأبيه طبيباً عطاراً أي صيدلياً، وكان أيضاً من كبار مشايخ الصوفيين، ولد في كدكن من قرى نيشابور سنة ٥١٣ أو ٥٣٧ هـ، وقتل بيد المغول سنة ٦٢٧ هـ، وقبره معروف في نيشابور، من مصنّفاته : تذكرة الأولياء، ومنطق الطير، وغيرهما. انظر الأنوار الساطعة في المائة السابعة (طبقات أعلام الشيعة) : ١٤٧.

٣٣٦

أجمع العلماء والعرفاء على ذلك ولم ينكره أحد (١) ، انتهى.

[كلام شاه سلامة الله] :

وقال شاه سلامة الله في كتابه معركة الآراء : ومحبت باعترت رسول فرض عين وجزء ايمان است نزد أهل سنّت، واستخفاف واسائه أدب نسبت باين عتبات عاليات كفر صريح است وكمال خسران، انتهى.

وقال في كتاب إيضاح لطافة المقال بوجوب التعزير لمريد خلاف الأدب مع أهل بيت النبيّ، قال : بل يكفر هذا الشرّير بإساءة الأدب معهم، ونعتقد أنّ حبّهم يساوي حبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ مبغضهم كافر سيّيء الخاتمة.

وقال أيضاً في إيضاح لطافة المقال ما لفظه : وملك العلماء شهاب الدين ابن عمر دولت آبادي در رساله مناقب السادات ميفرمايد : في الذين هم حجّة الله على الورى فيهم نزلت : ( هَلْ أَتَى ) و : ( قُل لاَّ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ) (٢) وعليه قول الشاعر (٣) :

من معشر حبّهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

وقال : يقول : مودّة القربى قد وجبت على المؤمن السنّي بالنصّ الصريح، (وقد ثبت أنّ من لم يقبل وينقاد إلى ذلك) (٤) فليس بمؤمن

____________________

(١) لم نعثر على القول في الصواعق، نعم نسبه الدهلوي في كتابه التحفة الاثنا عشرية : ٥٦٤ الباب الحادي عشر إلى فريد الدين العطار. وانظر تشييد المطاعن ٤ : ٣٥٩.

(٢) سورة الشـورى ٤٢ : ٢٣.

(٣) الفرزدق، من قصيدته المعروفة المعروفة التي يمدح بها الإمام علي بن الحسين السجّاد عليه‌السلام ، ديوانه : ٢٠٣ -٢٠٥.

(٤) بدل ما بين القوسين في القول الصراح : ٤٩ : ومن لم يقبل ولم يتبع.

٣٣٧

موحّد بل كافرملحد ملعون مرتد (١) ، انتهى.

وقال أيضاً في الإيضاح : ومنها ما ذكره ملك العلماء شهاب الدين بن عمر الدولة آبادي في رسالته مناقب السادات : لو أنّ إنساناً آمن بجميع شرائع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدّق بها وأهان علوياً أو صغّره بأن قال : عليوي أو صغّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك كفر، نعوذ بالله منه. ونقل أيضاً ذلك عن مصابيح الدين (٢) .

وفي رسالة مولانا صدر الدين ورسالة مولانا ضياء الدين البرني (٣) : أنّ العلماء أفتوا أنّ إهانة أولاد الرسول وإيذائهم كفر وكفرى، انتهى.

وقد سمعت تنقيصات ابن تيميّة وإهاناته لأولاد الرسول ولعليّ ابن عمّ الرسول لا يألوهم خبالاً ولا يترك شرّاً يقدر عليه إلاّ فعله بهم، فهو من شرار الزائغين الذين ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون ) (٤) .

في أنّ أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم المرجع في الدين في كلّ زمان :

مع أنّ علماء السنّة رووا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث : «في كلّ خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله،

____________________

(١) انظر تشييد المطاعن ٤ : ٣٧٤.

(٢) انظر تشييد المطاعن ٤ : ٣٧٥، وعبقات الأنوار ١٧ : ٢١٦.

(٣) ضياء الدين بن مؤيد الملك بن بارسك برلانس البرني الهندي، صوفي، من مشاهير الفضلاء ومن خلفاء سلطان المشايخ نظام الدين، توفّي بدلهي سنة ٧٢٦ هـ، من مصنّفاته : ثناى محمّدي، ومآثر السادات، وتاريخ فيروز شاهي، وغيرها. انظر كلمات الصادقين : ٨٧ - ٨٨، نزهة الخواطر ٢ : ١١ / ١٢١.

(٤) سورة التوبة ٩ : ٣٢.

٣٣٨

فانظروا من توفدون » أخرجه الملاّ (١) .

وفي الرشفة عن إبراهيم بن شيبة الأنصاري قال : جلست إلى الأصبغ ابن نباته فقال : ألا أقرؤك ما أملاه عَلَيَّ عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، فأخرج صحيفة فيها مكتوب : «هذا ما أوصى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته واُمّته، وأوصى أهل بيته بتقوى الله ولزوم طاعته، وأوصى اُمّته بلزوم أهل بيته، وأنّ أهل بيته يأخذون بحجزة نبيّهم، وأنّ شيعتهم يأخذون بحجزتهم يوم القيامة، وأنّهم لم يدخلوكم باب ضلالة، ولم يخرجوكم عن باب هدىً» (٢) .

قال الشريف أبو بكر شهاب الدين العلوي في الرشفة : قال العلماء : والذين وقع الحثّ على التمسّك بهم من أهل البيت النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعترة الطاهرة هم العلماء بكتاب الله عزّوجلّ، منهم إذ لا يحثّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التمسّك إلاّ بهم، وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق حتّى يردوا الحوض (٣) ، ولهذاقال : «لا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا» (٤) ..

واختصّوا بمزيد الحثّ على غيرهم من العلماء كما تضمنته الأحاديث السابقة، وذلك مستلزم لوجود من يكون أهلا للتمسّك به منهم في كلّ زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة، حتّى يتوجّه الحثّ إلى التمسّك به، كما أنّ

____________________

(١) وسيلة المتعبّدين (مخطوط)، ذخائر العقبى : ٢٧، جواهر العقدين ٢ : ٩١، ينابيع المودّة ٢ : ١١٣ / ٣١٨.

(٢) رشفة الصادي : ١٢٢، نظم درر السمطين : ٢٤٠، جواهر العقدين ٢ : ٩٠، ملحقات إحقاق الحقّ ١٨ : ٥٠٤.

(٣) انظر جواهر العقدين ٢ : ٧٢ - ٨٩.

(٤) المعجم الكبير للطبراني ٣ : ٦٦ / ٢٦٨١ و ٥ : ١٦٦ - ١٦٧ / ٤٩٧١، مجمع الزوائد ٩ : ١٦٤، جامع الأحاديث ٣ : ٢٤١ - ٢٤٢ / ٨٣٩٦.

٣٣٩

الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً للاُمّة كما سيأتي، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض.

بل ذهب بعض العلماء إلى أنّ المجدّد الذي يبعث على رأس كلّ مائة سنة لا يكون إلاّ من أهل البيت، مستدلاّ بحديث أحمد بن حنبل الآتي.

وقد ذكر ذلك الجلال السيوطي(قدس سره) في منظومة له ذكر فيها المجدّدين (١) قال :

وأن يكون في حديث قد روي

من أهل بيت المصطفى وهو قوي

والحديث المذكور هو ما أخرجه ابن عساكر من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل رضي الله عنهما قال : سمعت أبي يقول : رويت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «يقيّض الله في رأس كلّ مائة سنة رجلا من أهل بيتي يعلّم اُمّتي الدين» (٢) .

وأخرج أبو سعيد (٣) الهروي من طريق حميد بن زنجويه قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : يروى في الحديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ الله يمنّ على أهل دينه في رأس كلّ مائة سنة برجل من أهـل بيتي يبيّن لهم أمر دينهم» (٤) .

قال الحافظ جلال الدين المذكور : وأقول : إنّ الرواية المقيّدة بقوله : «من أهل بيتي» وإن كانت غير معروفة السند، فإنّ أحمد أوردها بغير إسناد، ولم يوقف على إسنادها في شيء من الكتب ولا الأحاديث، إلاّ أنّها

____________________

(١) التي أوردها المحبّي في خلاصة الأثر ٣ : ٣٤٥ .

(٢) تاريخ دمشق ٥١ : ٣٣٩.

(٣) وكذا في رشفة الصادي وفي المصادر : إسماعيل بدل : سعيد.

(٤) ذم الكلام للهروي ٤ : ٢٦٦ / ١١٠٨، حلية الأولياء ٩ : ٩٧، توالي التأسيس لابن حجر : ٤٨، عون المعبود ١١ : ٣٠٠ - ٣٠٨، ملحقات إحقاق الحقّ ٢٩ : ٢٥٩.

٣٤٠