البراهين الجليّة - ج ١

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ١

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-628-8
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وركب بكم ما تعلمون حتّى أتته منيّته فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ قلّد أبي الأمر وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقصف عمره وانبتر عقبه وصار في قبره رهيناً بذنوبه. ثمّ بكى وقال : إنّ من أعظم الاُمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبئس منقلبه، وقد قتل عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأباح الخمر، وخرّب الكعبة، ولم أذق حلاوة الخلافة فلا أتقلّد مرارتها (١) . إلى آخره.

والغرض من نقل هذا شهادته على أبيه أنّه قتل الحسين رضي‌الله‌عنه ، ذكر ذلك ابن حجر في صفحة ١٣٤ من الصواعق (٢) .

وقال الشيخ الإمام يوسف سبط الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في كتاب تذكرة خواص الاُمّة ما لفظه : وأمّا المشهور عن يزيد في جميع الروايات : أنّه لمّا أحضر الرأس بين يديه جمع أهل الشام وجعل ينكت عليه بالخيزران وينشد أبيات ابن الزبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

وقعة الخزرج من وقع الأسل

قد قتلنا القرن من ساداتهم

وعدلنا قتل بدر فاعتدل (٣)

حتّى حكى القاضي أبو يعلى عن أحمد بن حنبل في كتاب الوجهين والروايتين أنّه قال : إن صحّ ذلك عن يزيد فقد فسق (٤) .

قال الشعبي وزاد فيها يزيد فقال :

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥٤، جواهر المطالب لابن الدمشقي ٢ : ٢٦١، الصواعق المحرقة ٢ : ٦٤١، ينابيع المودّة ٣ : ٦٣.

(٢) انظر الصواعق المحرقة تحقيق عبد الرحمن التركي وكامل الخرّاط ٢ : ٦٤١.

(٣) طبقات الشعراء للجمحي : ٥٨، الحماسة البصريّة ١ : ١٠٠ ـ ١٠١ / ٢١٣.

(٤) انظر الوجهين والروايتين (الديانات) : ١٠٦، الهامش : ٥.

٣٠١

لعبت هاشـم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم انتقم

من بني أحمد ما كان فعل (١)

قال مجاهد : نافق (٢) .

وقال الزهريّ : لمّا جاءت الرؤوس كان يزيد في منظره على جيرون فأنشد لنفسه :

لمّا بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت : صح أو لاتصح

فلقد قضيت من الغريم ديوني (٣)

وذكر ابن أبي الدنيا : إنّه لمّا نكت بالقضيب ثناياه أنشد لحصين بن الحمام المرّي :

صبرنا وكان الصبر منّا سجيّة

بأسيافنا تفريق هاماً ومعصما

نفلّق هاماً من رؤوس أحبّة

إلينا وهم كانوا أعقّ وأظلما (٤)

قال مجاهد : فوالله لم يبق في الناس أحد إلاّ سبّه وعابه وتركه.

قال ابن أبي الدنيا : وكان عنده أبو برزة الأسلمي فقال له : يا يزيد ارفع قضيبك فوالله لطال ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّل ثناياه.

قال : وكان عليّ بن الحسين والنساء موثّقين في الحبال، فناداه علي

____________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٣٥، وانظر تاريخ الطبري ٨ : ١٨٧، مرآة الزمان لابن الجوزي ٨ : ١٥٩، والفتوح لابن أعثم ٥ : ١٢٩.

(٢) المنتظم لابن الجوزي ٥ : ٣٤٣، البداية والنهاية لابن كثير ٨ : ٢٠٠.

(٣) انظر مرآة الزمان لابن الجوزي ٨ : ١٥٩.

(٤) شرح اختيارات المفضل ١ : ٣٢٥، وفيه :

صبرنا وكان الصبر منّا سجيّة

بأسيافنا يقطعن كفاً ومعصما

يفلّق هاماً من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

وانظر مرآة الزمان لابن الجوزي ٨ : ١٦٠.

٣٠٢

ابن الحسين : «يا يزيد ما ظنّك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآنا موثّقين في الحبال، عرايا على أقتاب الجمال» فلم يبق في القوم إلاّ من بكى (١) .

قال : وروى ابن أبي الدنيا عن الحسن البصري قال : ضرب يزيد رأس الحسين ومكاناً كان يقبّله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

قال : وقال الشعبي : لمّا دخل نساء الحسين على نساء يزيد قلن : واحسيناه. فسمعهنّ يزيد فقال :

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون الموت على النوائح (٣)

قال : وذكر ابن جرير في تاريخه : إنّ يزيد لمّا جيء برأس الحسين سُرّ أوّلا ثمّ ندم على قتله (٤) .

قال : وكتب يزيد بن معاوية إلى ابن عبّاس وذكر كتاب يزيد وجواب ابن عبّاس، وذكر فيما كتب ابن عباس ما لفظه : تسألني نصرتك ومودّتك وقد قتلت ابن عمّي وأهل رسول الله مصابيح الهدى ونجوم الدجى، غادرتهم جنودك بأمرك صرعى في صعيد واحد قتلى، أنسيت إنفاذ أعوانك إلى حرم الله لقتل الحسين، فما زلت وراءه تخيفه حتّى أشخصته إلى العراق عداوة منك لله ورسوله ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

إلى أن قال : يا يزيد ومن أعظم الشماتة حملك بنات رسول الله وأطفاله وحرمه من العراق إلى الشام اُسارى مجلوبين مسلوبين. إلى آخر

____________________

(١و٢) الردّ على المتعصب العنيد : ٥٩.

(٣) تذكرة الخواص : ٢٣٨، وانظر أنساب الأشراف ٣ : ٤١٩.

(٤) تذكرة الخواص : ٢٣٥ - ٢٣٨، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان ٨ : ١٥٨ - ١٦٠، تاريخ الطبري ٤ : ٣٥٢ - ٣٥٦.

٣٠٣

الكتاب.

قال الواقدي : فلمّا قرأ يزيد كتابه أخذته العزّة بالإثم وهمّ بقتل ابن عبّاس فشغله عنه أمر ابن الزبير، ثمّ أخذه الله بعد ذلك بيسير أخذاً عزيزاً. وقد روى الكتاب الواقدي وهشام وابن إسحاق وغيرهم (١) .

أقول : هؤلاء أئمّة الأخبار وشيوخ الحفاظ في الإسلام.

وقد أخرج سبط ابن الجوزي كلامهم من مصنّفاتهم ولا يعتبر في التواتر بأكثر من ذلك، فليعلم أنّ إنكار ابن تيميّة ليس إلاّ لفرط حبّ الاُمويّة، وغلبة النصب للذريّة العلويّة (٢) .

وأمّا إنكاره ظهور الحمرة في السماء وما يشبه ذلك بسبب قتل الحسين فهو كذلك من النصب وشدّة العداوة.

فقد أخرج البيهقي وأبو نعيم عن بصيرة الأزديّة قالت : لمّا قتل الحسين مطرت السماء دماً، فأصبحنا وحبابنا وجرارنا وكلّ شيء لنا ملآن دماً (٣) .

وأخرج البيهقي وأبو نعيم عن الزهري قال : بلغني أنّه يوم قتل الحسين لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس إلاّ وجد تحته دم عبيط (٤) .

____________________

(١) حكاه عنهم في تذكرة الخواص : ٢٤٨، وانظر تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٤٨، والمعجم الكبير للطبراني ١٠ : ٢٤١ / ١٠٥٩٠، وأخبار الدولة العبّاسية تحقيق عبد العزيز الدوري وعبد الجبار المطلبي : ٨٦، الكامل في التاريخ لابن الأثير ٤ : ١٢٧ - ١٢٨.

(٢) راجع مرآة الزمان ٨ : ١١٦ - ١٣٠، وتذكرة الخواص : ٢٤٠ - ٢٤٧ وكلاهما لسبط ابن الجوزي ، والمنتظم ٥ : ٣٣٥ - ٣٤٩، والتبصرة ٢ : ١١ - ١٨، وكتاب الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد وهذه لأبي فرج ابن الجوزي.

(٣) دلائل النبوّة للبيهقي ٦ : ٤٧١، وانظر الصواعق المحرقة ٢ : ٥٦٨.

(٤) دلائل النبوّة للبيهقي ٦ : ٤٧١، المعجم الكبير للطبرانيّ ٣ : ١١٣ / ٢٨٣٤.

٣٠٤

وأخرج البيهقي عن أمّ حبّان قالت : يوم قتل الحسين عليه‌السلام أظلمت علينا ثلاثاً، ولم يمسّ منا أحد من زعفرانهم شيئاً ويجعله على وجهه إلاّ احترق، ولم يقلب حجر بيت المقدس إلاّ وجد تحته دم عبيط (١) .

وأخرج البيهقي عن علي بن مسهر، قال : حدّثني جدّتي قالت : كنت أيام قتل الحسين جارية شابّة، فكانت السماء أيّاماً تبكي له (٢) .

ذكر كلّ ذلك في رسالة سرّ الشهادتين الملاّ عبد العزيز الدهلوي صاحب التحفة (٣) .

وجمع الجلال السيوطي جملة من الروايات في كل ذلك في كتابه الخصائص الكبرى في الجزء الثاني في باب إخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الحسين، وقدطبع كتاب الخصـائص في حيدر آباد دكن من بلاد الهند، والباب المذكورفي صفحة ١٢٥ من الجزء الثاني (٤) ، فراجعه حتّى تعرف نصب ابن تيميّة في إنكاره.

قال سبط بن الجوزي في كتاب تذكرة أعلام الاُمّة ما لفظـه : ذكر ابن سعد في الطبقات : إنّ هذه الحمرة لم تر في السماء قبل أن يقتل الحسين. قال جدّي أبو الفرج في كتاب التبصرة : لمّا كان الغضبان يحمرّ وجهه عند الغضب فليستدلّ بذلك على غضبه، وأنّه أمارة السخط، والحق سبحانه ليس بجسم فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الاُفق، وذلك

____________________

(١) انظر الخصائص الكبرى للسيوطيّ ٢ : ١٩٣ و ٢١٤.

(٢) دلائل النبوّة ٦ : ٤٧٢.

(٣) سرّ الشهادتين : ٣٣ - ٣٤.

(٤) وفي الخصائص نشر دار الكتب العلمية بيروت ـ سنة ١٤٠٥ هـ ـ ٢ : ٢١٢.

٣٠٥

دليل على عظم الجناية (١) .

إلى أن قال : وقال ابن سيرين : لمّا قتل الحسين أظلمت الدنيا ثلاثة أيام ثمّ ظهرت الحمرة (٢) .

قال الشبراوي في كتابه الاتحاف : ولعلّ المراد شدّة الحمرة فلا ينافي الأحاديث التي علّقت دخول وقت العشاء بمغيب الشفق الأحمر (٣) . انتهى.

يريد دفع ما أورده ابن تيميّة (٤) .

وأيضاً الحمرة الحادثة لا تختصّ بالحمرة في الشفق فقد يظهر في غيره، ولم يكن ذلك قبل قتل الحسين، لكن الذين في قلوبهم مرض يبتغون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.

ثمّ إنّ سبط بن الجوزي أسند عن هلال بن ذكوان قال : لمّا قتل الحسين مكثنا شهرين أو ثلاث كأنّما لطخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس. قال هلال بن ذكوان : وخرجنا في سفر فمطرنا مطراً بقي أثره في ثيابنا مثل الدم (٥).

قال سبط بن الجوزي بعد روايته ذلك : وقال ابن سعد : ما رفع حجر في الدنيا إلاّ وتحته دم عبيط، ولقد مطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب مدّة حتّى تقطّعت.

____________________

(١) التبصرة ٢ : ١٥، وانظر تذكرة الخواص : ٢٤٥ - ٢٤٦، ومرآة الزمان في تواريخ الأعيان ٨ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) تذكرة الخواص : ٢٤٥ - ٢٤٦.

(٣) الاتحاف بحبّ الأشراف : ٤٢.

(٤) منهاج السنّة ٤ : ٥٦٠.

(٥) تذكرة الخواص : ٢٤٥ - ٢٤٦، وانظر التبصرة لجدّ ابن الجوزي ٢ : ١٤.

٣٠٦

وقال السدي : لمّا قتل الحسين بكت السماء وبكاؤها حمرتها (١) . انتهى ما أردنا نقله من كتاب سبط بن الجوزي، وكلّ من نقل عنه نصّ ابن تيميّة على اعتبار نقله من مصنّفاته مكرّراً.

وذكر في جمع الفوائد ما لفظه : الزهري : ما رفع بالشام حجر إلاّ (وجد تحته دم عبيط) (٢) . ولم ترفع حصاة ببيت المقدس إلاّ وجد تحتها دم عبيط (٣) .

أبو قبيل : لمّا قتل الحسين انكسفت الشمس حتّى بدت الكواكب (٤) ، انتهى.

وفي المشكاة ما لفظه : ولمّا بعثوا برأسه الشريف إلى يزيد الظالم، فنزلوا أوّل مرحلة، فجعلوا يشربون النبيذ، فبيناهم إذ خرجت يد من الحائط معها قلم من حديد فكتبت سطراً بدم :

أترجوا اُمّة قتلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب (٥)

فهربوا وتركوا الرأس الشريف، أخرجه منصور بن عمّار (٦) .

قال : وذكر أبو نعيم الحافظ في كتابه دلائل النبوّة عن نضرة الأزديّة أنّها قالت : لمّا قتل الحسين أمطرت السماء دماً، فأصبحنا فإذا رحالنا

____________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٤٥ - ٢٤٦.

(٢) بدل ما بين القوسين في المصدر : إلاّ عن دم. وفي رواية :

(٣) جمع الفوائد ٣ : ٥٣٥ / ٨٧٩٩ و ٨٨٠٠، وانظر السنن الكبرى للبيهقي ٣ : ٣٣٧، المعجم الكبير ٣ : ١١٣ / ٢٨٣٤ و ١١٤ / ٢٨٣٨، ينابيع المودّة ٣ : ١٧ / ٢٣.

(٤) جمع الفوائد ٣ : ٥٣٥ / ٨٨٠١، وانظر ينابيع المودّة ٣ : ١٧ / ٢٣.

(٥) في نسخة زاد هذا البيت وكتب عليه زائد :

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

(٦) انظر المعجم الكبير للطبراني ٣ : ١٢٣ / ٢٨٧٣، تاريخ دمشق ١٤ : ٢٤٣ - ٢٤٤، تهذيب الكمال ٦ : ٤٤٣، الصواعق المحرقة ٢ : ٥٦٨، ينابيع المودّة ٣ : ١٤ / ١٧.

٣٠٧

وجرارنا مملوءة دماً (١) .

وفي أحاديث غيرها : أنّ السماء اسـودّت حتّى رُئيت النجـوم نهاراً، ولم يرفع حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط (٢) . انتهى موضع الحاجة.

وقال ابن الصبّاغ المالكي المكّي في كتابه الفصول المهمّة : ثمّ إنّهم دخلوا بالرأس فوضعوه بين يدي يزيد، وكان في يده قضيب، فجعل ينكت به في ثغره ثمّ قال : ما أنا وهذا إلاّ كما قال الحصين :

أبوا قومنا أن ينصفونا فأنصفت

قواضب في أيماننا تقطر الدما

نفلِّق هاماً من رؤوس أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال أبو برزة كان حاضراً : أتنكت يا يزيد بقضيبك في ثغر الحسين؟! أماأ نّه لقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرشفه (٣) .

قال : ثمّ إنّه أدخل نساء الحسين والرأس بين يديه (٤) . إلى آخر ما ذكره. وقال قبل نقله هذا : ثمّ إنّ القوم ساقوا الحريم والأطفال كما تساق الأسارى حتّى أتوا الكوفة، قال : فلمّا دخلوا على عبيد الله بن زياد أرسل بهم ابن زياد وبرأس الحسين صبيحتهم إلى الشام إلى يزيد بن معاوية مع شخص يقال له : زجر بن قيس ومعهم جماعة هو مقدّمهم، وأرسل بالنساء والصبيان على أقتاب الجمال عرايا حفايا مسلّبات ومعهم علي بن الحسين،

____________________

(١) انظر الثقات لابن حبّان ٥ : ٤٨٧، دلائل النبوة للبيهقي : ٤٧١، ذخائر العقبى : ١٥٥، تهذيب الكمال ٦ : ٤٣٣، وينابيع المودّة ٣ : ١٥ / ١٨.

(٢) انظر الصواعق المحرقة ٢ : ٥٦٨، المواهب اللدنيّة ٣ : ٥٦٩، ينابيع المودّة ٣ : ١٥ / ١٩.

(٣) الفصول المهمّة : ١٩٤، وانظر الكامل في التاريخ لابن الأثير ٤ : ٨٥، نهاية الأرب للنويري ٢٠ : ٤٦٨.

(٤) الفصول المهمّة : ١٩٤، وانظر الكامل في التاريخ لابن الأثير ٤ : ٨٥، نهاية الأرب للنويري ٢٠ : ٤٦٨.

٣٠٨

وقد جعل ابن زياد الغلّ في يديه وفي عنقه ورجليه، ولم يزالوا سائرين بهم على تلك الحالة إلى أن وصلوا إلى الشام (١) . انتهى موضع الحاجة.

وقال أبو الفرج الأصفهاني المرواني بعد ذكر مقتل الحسين ما لفظه : وحمل أهله أسرى (٢) .

وذكر أسماءهم، ثمّ قال : لمّا اُدخلوا على يزيد ـ لعنه الله أقبل قاتل الحسين بن عليّ يقول :

أوفر ركابي فضّة أو ذهبا

فقد قتلت الملك المحجّبا

قتلت خير الناس اُمّاً وأبا

وخيرهـم إذ ينسـبون نسبا

ووضع الرأس بين يدي يزيد لعنه الله في طست، فجعل ينكته على ثنييه بالقضيب ويقول :

نفلِّق هاماً من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

انتهى (٣) .

قال الشبراوي في كتابه الاتحاف : ومن عجائب الدهر الشنيعة وحوادثه الفظيعة أن يحمل آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أقتاب الجمال موثّقين بالحبال والنساء مكشّفات الوجوه والرؤوس من العراق إلى أن دخلوا دمشق الشام، فاُقيموا على درج الجامع حيث يقام الأسارى والسبي، والأمر كلّه لله لا حول ولا قوة إلاّ به .

ثمّ قال : قال أبو الفضل : وبعد أن وصل الرأس الشريف إلى دمشق، وضعت في طست بين يدي يزيد، وصار يضرب ثناياه الشريفة بقضيب،

____________________

(١) الفصول المهمّة : ١٩٣.

(٢) مقاتل الطالبيّين : ١١٩.

(٣) نفس المصدر : ١١٩، وانظر مروج الذهب ٣ : ٦١.

٣٠٩

ثم أمر بصلبه فصلب ثلاثة أيام بدمشق، وشكر لابن زياد صنيعه، وبالغ في أكرامه ورفعه حتّى صار يدخل على نسائه، ثمّ ترك الرأس الشريف بعد صلبه في خزانة السلاح، فلم يزل هناك حتّى ولي سليمان بن عبد الملك، فبعث إليه فجييء به وقد نحل وبقي عظماً أبيض، فجعله في سفط وطيب وجعل عليه كفناً وصلّى عليه ودفنه في مقابر المسلمين بدمشق (١) .

قال : ولمّا دخلت التيموريّة إلى الشام سألوا عن موضع الرأس فنبشوه وأخذوه، والله أعلم (٢) .

أقول : فلينصف المؤمن المحقّ أنّ هؤلاء الرواة الأعاظم شيوخ الأخبار وأهل العلم بالآثار كلّهم يكذبون؟! أو كلّ ما قالوه موضوع كذب؟! أو ابن تيميّة الكذوب الذي يعاند في النصب ولا يؤمن للمؤمنين وينتصر للمنافقين أعداء أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!.

كلام المحقّق التفتازاني في شرح المقاصد

فيمن حارب عليّاً والحسين عليهما الرحمة والرضوان

هذا العلاّمة سعد الدين اُستاذ المحقّقين (٣) في عقائد المسلمين يقول في شرح المقاصـد الذي عليه معوّل علماء أهل السنّة وإليه مرجعهم ما لفظه بحروفه : ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشـاجرات على

____________________

(١و٢) الاتحاف بحبّ الأشراف : ٦٩ - ٧٠.

(٣) مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازانيّ، ولد بتفتازان قرية بنواحي نسا وراء الجبل من خراسان سنة ٧١٢ أو ٧٢٢ هـ ، برع بالعربية والبيان والمنطق وبالفقه والاُصول والتفسير والكلام وصنّف في أكثر العلوم، من مصنّفاته : المطول في البلاغة، تهذيب المنطق، وغيرهما، توفّي بسمرقند سنة ٧٩٢ وقيل : ٧٩١ أو ٧٩٣ هـ. انظر الدرر الكامنة ٤ : ٢١٤ / ٤٩٣٣، الأعلام للزركلي ٧ : ٢١٩.

٣١٠

الوجه المسـطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات، يدلّ بظاهـره على أنّ بعضهم قد حاد عن طريق الحقّ، وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد، وطلب الملك والرئاسة، والميل إلى اللذاتوالشهوات ; إذ ليس كلّ صحابي معصوماً، ولا كلّ من لقى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخير موصوفاً، إلاّ أن العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكروا لهامحامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلى أنّهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق ; صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حقّ كبار الصحابة، سيما المهاجرين منهم والأنصار، والمبشّرين بالثواب في دار القرار.

وأمّا ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، إذ تكاد تشهد به الجماد والعجماء، ويبكي له من في الأرض والسماء، وتنهدّ منه الجبالوتنشقّ الصخور، ويبقى سوء عمله على كرّ الشهور ومرّ الدهور، فلعنة الله على من باشر أو رضي أو سعى، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى.

فإن قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن على يزيد (١) مع علمهم بأنّه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد.

قلنا : تحامياً عن أن يرتقى إلى الأعلى فأعلى كما هو شعار الروافض على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم، فرأى المعتنون بأمر الدين

____________________

(١) كعبد المغيث بن زهير الحربي، فقد كتب كتاباً يمنع من لعن يزيد، وقد ردّه أبوالفرج بن الجوزي بكتاب أسماه : الرد على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد. انظر الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب ١ : ٢٩٩.

٣١١

إلجام العوام بالكلّية طريقاً إلى الاقتصاد في الاعتقاد، وبحيث لا تزل الأقدام عن السواء، ولا تضلّ الأفهام بالأهواء، وإلاّ فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق؟ وكيف لا يقع عليهما الاتّفاق (١) ؟، إلى آخر كلامه.

وهو الكلام الحقّ، لكن ابن تيميّة أنكر ما تكاد تشهد به الجماد والعجماء، ويبكي له من في الأرض والسماء، بغضاً منه وعداوة لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونفى عن يزيد قتل الحسين، وسبي نسائه، ونكت الرأس الشريف، وكلّ قبائح أفعاله مع نصّ جمهور أهل السنّة بإثبات ذلك (٢) .

[كلام المتلخص بكشفي تلميذ الدهلوي] :

قال العلاّمة شاه سلامة الله (٣) في تحرير الشهادتين ما لفظه : فلا ريب في أنّ يزيد هو الآمر بقتل الحسين والراضي به والمستبشر بذلك، وعلى ذلك عقيدة جمهور أهل السنّة والجماعة، كما في الكتب المعتمدة مثل : مفتاح النجاة للميرزا محمّد بدخشي (٤) ، ومناقب السادات لملك العلماء

____________________

(١) شرح المقاصد ٥ : ٣١٠ - ٣١١.

(٢) راجع ما مرّ في الصفحات : ٢٩٨.

(٣) في هامش النسختين : المتلخّص بكشفي تلميذ الملاّ عبد العزيز الدهلوي صاحب التحفة الإثنى عشريّة، الحنفي القارئ، حرّر رسالة اُستاذه ملاّ عبد العزيز المسمّاة بسرّ الشهادتين شهادة الحسن والحسين عليهما‌السلام.

(٤) الشيخ العالم المحدّث الميرزا محمّد بن رستم بن قباد الحارثي البدخشانيّ، أحد الرجال المشهورين في الحديث والرجال. مؤلّف مفتاح الفلاح في مناقب آل العبا، ونزل الأبرار بما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار، توفّي سنة ١٢٠٠ هـ، وفي خلاصة العبقات كان حيّاً سنة ١٢٢٦ هـ. راجع نزهة الخواطر ٦ : ٢٥٩، الغدير ١ : ١٤٣ / ٣٢٣.

٣١٢

القاضي شهاب الدين الدولة آبادي (١) ، وشرح العقائد النسفي لسعد الدين التفتازاني، وتكميل الإيمان للشيخ المحدّث عبد الحقّ الدهلوي (٢) ، وغير ذلك من الكتب المعتمدة التي ذكروا فيها ذلك بالشواهد والدلائل، ولهذا ثبت لعن هذا الملعون بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة، وهو مختار راقم هذه الحروف، ومختار اُستاذه، وأنّ يزيد كان راضياً ومستبشراً، وهو الآمر بقتل الحسين فاستحق اللعنة الأبديّة والوبال والنكال السرمدي، ولو تأمّل المتأمّل في حاله لحكم بقصور الاقتصار على مجرد لعنه كما أفاده اُستاد البريّة صاحب التحفة الإثنى عشريّة في رسالة حسن العقيدة في الحاشية على كلمة : «عليه ما يستحقّه» فإنّه علّق عليها ما لفظه : إنّها كناية عن اللعن والكناية أبلغ من التصريح.

قال : والحقّ إنّ الاكتفاء باللعنة في حقّ يزيد من القصور، لأنّ ذلك جزاء قتل مطلق المؤمن شرعاً قال الله تعالى : ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَــلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) (٣) وليزيد زيادات على القتل وخصوصيّات لا تعدّ، فله زيادات

____________________

(١) ملك العلماء، أحمد بن شمس الدين بن عمر الزوالي الدولة آباديّ، الهندي، الحنفي، شهاب الدين، مفسّر، نحوي، عارف بالبلاغة، تولّى القضاء، من مؤلّفاته : البحر الموّاج والسراج الوهّاج في تفسير القرآن، أسباب الفقر والغناء، وغيرهما، توفّي سنة ٨٤٨ هـ. انظر نزهة الخواطر ٣ : ١٩، الأعلام للزركلي ١ : ١٧٨.

(٢) عبد الحقّ بن سيف الدين بن سعد الله الدهلويّ ثمّ البخاريّ، الحنفيّ، الملقّب بحقّي القاضي، أبو محمّد، محدّث، صوفي مشارك في بعض العلوم، من تصانيفه الكثيرة : زبدة الآثار في أخبار قطب الأخيار، جذاب القلوب إلى ديار المحبوب في أحوال المدينة المنوّرة ، وغيرهما، توفّي سنة ١٠٥١ أو ١٠٥٢ هـ . انظر أبجد العلوم ٣ : ١٨٢، كشف الظنون ١ : ٥٨١، معجم المؤلّفين ٥ : ٩١.

(٣) سورة النساء ٤ : ٩٣.

٣١٣

 على اللعنة لا يعلم حدّها وحدودها إلاّ الله (١) . انتهى.

أقول : فثبت من مجموع ما نقلناه أنّه كان من الظالمين الذين تباح لعنتهم بالعين، وأنّه مات مصرّاً على ذلك.

وأمّا قول ابن تيميّة : إنّه من جملة المغفور لهم لأنّه قد ثبت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أوّل جيش يغزو القسطنطنيّة مغفور لهم» (٢) وأوّل جيش غزاها كان أميرهم يزيد (٣) .

فالجواب : بأنّ دخوله فيهم لو سلّم لا يمنع من خروجه منهم بدليل خاص مثل : إنشاده أبيات ابن الزبعرى وما زاده الصريح بالكفر، وأمره بقتل الحسين وخذلانه، وضربه بالقضيب ثنايا الحسين، وحمله آل الرسول سبايا على أقتاب الجمال الثابت بالتواتر.

قال السعد التفتازاني في شرح العقيدة : والحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسين رضي‌الله‌عنه واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا تواتر معناه وإن كان تفاصيله آحاداً، فنحن لا نتوقّف في شأنه بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه (٤) . انتهى.

وقوله : «بل في إيمانه» أي بل لا نتوقّف في عدم إيمانه بقرينة ما بعده وما قبله.

وقال قبل هذا : واتّفقوا على جواز اللعن على من قتله أو أمر به أو أجازه أو رضي به (٥) .

____________________

(١) تحرير الشهادتين مخطوط.

(٢) تقدّم مصدره في ص : ٣٠٠.

(٣) منهاج السنّة ٤ : ٥٧٢.

(٤) شرح العقائد النسفية : ١٠٣.

(٥) نفس المصدر : ١٠٣.

٣١٤

وقال السيد السمهودي (١) في جواهر العقدين : اتّفق العلماء على جواز لعن من قتل الحسين أو أمر بقتله أو أجازه أو رضي به (٢) .

أقول : فإذا ثبت بالتواتر أمر يزيد بقتل الحسين ورضاه به وسروره بقتله ثبت جواز لعنه بالإجماع وكفره عند جمهور أهل السنّة والجماعة.

قال الإمام ابن الجوزي : سألني سائل عن يزيد بن معاوية؟ فقلت : يكفيه ما به. فقال لي : أتجوّز لعنه؟ فقلت : قد أجازها العلماء المتورّعون (٣) منهم أحمد بن حنبل، فإنّه ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة (٤) .

ثمّ روى ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى بإسناده إلى صالح بن أحمد ابن حنبل قال : قلت لأبي : إنّ قوماً ينسبونا إلى موالاة يزيد؟ فقال : يا بني وهل يوالي يزيد أحد يؤمن بالله؟! فقلت : ولم لا تلعنه؟ فقال : يا بني رأيتني لعنت شيئاً؟ يا بني ولم لا يلعن من لعنه الله تعالى في كتابه؟! فقلت : وأين لعن يزيد في كتابه؟ فقال : في قوله تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الارْضِ )إلى قوله : ( أَبْصَـرَهُمْ ) (٥) وهل يكون فساد أعظم من قتل الحسين رضي‌الله‌عنه وقد قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

____________________

(١) علي بن عبد الله بن أحمد الحسيني الشافعي، نور الدين أبو الحسن، ويعرف بالشريف السمهودي، مؤرّخ المدينة ومفتيها، ولد بسمهود بصعيد مصر، ونشأ بالقاهرة، واستوطن المدينة وتوفّي بها سنة ٩١١ هـ ودفن بالبقيع عند قبر الإمام مالك، من مصنّفاته : وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، وجواهر العقدين، وغيرهما. انظر الأعلام للزركلي ٤ : ٤٠٧، معجم المؤلّفين ٧ : ١٢٩، نفحات الأزهار ٨ : ٣٤٢.

(٢) جواهر العقدين (مخطوطة مجلس الشورى) الورقة ١١٢.

(٣) في المصدر : الورعون.

(٤) انظر الردّ على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد : ١٣، وتذكرة الخواص : ٢٥٧.

(٥) سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٤٧ : ٢٢ - ٢٣.

٣١٥

لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ ) (١) وأي أذى أشدّ على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قتل الحسين الذي هو لهولبنته البتول قرّة عين (٢) ؟!.

وفي رواية : لمّا سأله صالح فقال : يا بني ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه العزيز في الرعد، والقتال، والأحزاب :

قال الله تعالى : ( وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِى أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الاْرْضِ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٣) وأي قطيعة أفضح من قطيعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ابن بنته الزهراء.

وقال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (٤) .

وقال الله تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الاَْرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَـلـِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَـرَهُمْ ) (٥) .

وقال ابن الجوزي : قد صنّف القاضي أبو يعلى كتاباً ذكر فيه من يستحقّ اللعنة، وذكر منهم يزيد (٦) .

ثمّ أورد حديث : «من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله وعليه لعنة

____________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

(٢) انظر الردّ على المتعصب العنيد : ٤٠ - ٤١، تذكرة الخواص : ٢٥٧ - ٢٥٨، الصواعق المحرقة ٢ : ٦٣٥.

(٣) سورة الرعد ١٣ : ٢٥.

(٤) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

(٥) سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٤٧ : ٢٢ - ٢٣.

(٦) انظر الردّ على المتعصب العنيدالمانع من ذمّ يزيد : ٤١، تذكرة الخواص : ٢٥٨، الصواعق المحرقة ٢ : ٦٣٥.

٣١٦

الله والملائكة والناس أجمعين» (١) ولا خلاف أنّ يزيد غزا المدينة بجيش مسلم بن عقبة وأخاف أهلها (٢) .

قال السيد السمهودي بعد هذا : قلت : حصل من ذلك الجيش من القتل والسبي والفساد وإخافة أهل المدينة ما هو مشهور معلوم، ولم يرض مسلم بن عقبة إلاّ يبايعوه ليزيد على أنّهم خول له إن شاء باع وإن شاء أعتق (٣) . فقال بعضهم (٤) : البيعة على كتاب الله وسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضرب عنقه، وقتل بقاياالصحابة وأبناءهم، ثمّ انصرف جيشه هذا إلى مكّة المشرّفة لقتال ابن الزبير، فوقع منهم رمي الكعبة بالمنجنيق، وإحراقها بالنار، فلا شيء أعظم من هذه العظائم التي وقعت، وهي مصداق ما رواه أبو يعلى من حديث أبي عبيدة رفعه : «لا يزال اُمراء اُمّتي قائمين بالقسط حتّى يتسلّمه رجل من بني اُميّة يقال له : يزيد» (٥) . ورواه غير أبي يعلى بدون تسمية يزيد (٦) ; لأنّهم كانوا يخافون من تسميته.

ولهذا روى ابن أبي شيبة (٧) وغيره (٨) عن أبي هريرة أنّه قال : اللهم لا

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٥٥.

(٢) انظر الردّ على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد : ٤١، تذكرة الخواص : ٢٥٨، الصواعق المحرقة ٢ : ٦٣٥.

(٣) راجع مرآة الزمان لابن الجوزي ٨ : ٢٠٧.

(٤) وهو سعيد بن المسيب كما في مرآة الزمان ٨ : ٢١٦.

(٥) مسند أبي يعلى ١ : ٣٥٩ / ٨٦٧ – ٨٦٨ ، بتفاوت يسير.

(٦) الفتن لنعيم بن حمّاد : ١٩٠ / ٧٨٢، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث : ١٩٤ / ٦١٥، مجمع الزوائد ٥ : ٢٤١، كنز العمّال ١١ : ١٦٨ / ٣١٠٦٩ - ٣١٠٧٠.

(٧) عنه في فتح الباري ١٣ : ٨.

(٨) الأنساب للسمعاني ٢ : ٥٦٩ / ٤٠٤٠، تاريخ دمشق ٥٩ : ٢١٧، سير أعلام النبلاء ٢ : ٦٢٦.

٣١٧

تدركني سنة ستّين، ولا إمرة الصبيان، وكانت ولاية يزيد فيها (١) . انتهى.

أقول : فأين يقع بعد هذه العظائم حديث غزو الروم، فيزيد ليس من أهل المغفرة حتّى يدخل في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مغفور لهم» (٢) .

ولو كابر مكابر فنقول : قد صحّ قوله : «لعن الله من أخاف مدينتي» (٣) والآخر ينسخ الأوّل.

وقد قال سبط بن الجوزي ما لفظه : وأمّا قوله عليه‌السلام : «أوّل جيش يغزوا القسطنطنية» فإنّما يعني أبا أيوب الأنصاري لأنّه كان فيهم، ولا خلاف أنّ يزيدأخاف أهل المدينة وسبى أهلها ونهبها وأباحها، (وتسمي وقعة الحرّة) (٤) .

وذكر ما ذكر أحمد في مسنده بإسناده عن السائب بن خلاّد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلا» (٥) .

وقال البخاري : حدّثنا حسين بن حريث، أخبرنا أبو الفضل، عن جعيد، عن عائشة قالت : سمعت سعداً يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(١) جواهر العقدين (مخطوطة مجلس الشورى) الورقة ١١٢.

(٢) راجع ص : ٣٠٠.

(٣) ورد بهذا المضمون في مسند أحمد ٤ : ٥٦ ، المصنّف لعبد الرزاق ٩ : ٢٦٣ ، تاريخ دمشق ٥٨ : ١٠٩ ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة بتحقيق الزيني ١ : ١٨٣ ، وبتحقيق الشيري ١ : ٢٣٦ .

(٤) انظر تذكرة الخواص الهامش (٣) من الصفحة : ٢٥٨، وما بين القوسين ليس في المصدر.

(٥) مسند أحمد ٤ : ٥٥ - ٥٦، المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ٤٠٩ / ٣٢٤١٧، المعجم الكبير للطبراني ٧ : ١٤٣، السنن الكبرى للنسائي ٢ : ٤٨٣ / ٤٢٦٥ - ٤٢٦٦.

٣١٨

يقول : «لايكيد أحد أهل المدينة إلاّ انماع كما ينماع الملح في الماء» (١) .

وأخرجه مسلم أيضاً بمعناه وفيه : «لا يريد أهل المدينة أحد بسوء إلاّ أذابه الله في النار ذوب الرصاص» (٢) .

ولا خلاف أنّ يزيد أخاف أهل المدينة وسبى أهلها ونهبها وأباحـها وتسمّى وقعة الحرة، وسببه ما رواه الواقدي (٣) ، وابن إسحاق (٤) ، وهشام ابن محمّد (٥) . وذكر القصّة.

ثمّ ذكر أشعاره الدالّة على فساد عقيدته، واستدلال جدّه على جواز لعنة يزيد ببعض ما تقدّم.

ثمّ قال : ولمّا لعنه جدّي أبو الفرج على المنبر ببغداد بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء قام جماعة من الجفاة من مجلسه فذهبوا، فقال جدّي : ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود.

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٥٦ / ١٣٦.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ١٠٠٧ / ١٣٨٦.

(٣) محمّد بن عمر بن واقد، الأسلمي بالولاء، أبو عبد الله الواقدي، القاضي ببغداد، من قدماء المؤرّخين، صاحب التصانيف، سمع من صغار التابعين فمن بعدهم بالحجاز والشام وبغداد، توفّي سنة ٢٠٧ وقيل : ٢٠٩ هـ. انظر سير أعلام النبلاء ٩ : ٤٥٤ / ١٧٢، الأعلام للزركلي ٦ : ٣١٠٠.

(٤) محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبي ولاءً، أبو بكر، وقيل : أبو عبد الله المدني، صاحب السيرة، وكان عالماً، ذكياً، حافظاً، أخبارياً، نسّابة، ثبتاً في الحديث عند الأكثر، ولد بالمدينة سنة ٨٠ هـ، وتوفّي ببغداد سنة ١٥١ وقيل : ١٥٢ هـ. الطبقات الكبرى ٧ : ٣٢١٢، تهذيب الكمال ٢٤ : ٤٢٥.

(٥) أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب بن بشر بن زيد بن عمرو بن الحارث الكلبيّ الكوفي، المعروف بابن الكلبي، محدّث، إمامي، جليل القدر، حسن الحديث، مؤرّخ، نسّابة، عالم بأخبار العرب وأيامها وسيرهم، وكان حافظاً مفسّراً مؤلّفاً، توفّي سنة ٢٠٦ هـ. انظر رجال النجاشي : ٤٣٤ / ١١٦٦، تاريخ بغداد ١٤ : ٤٥ / ٧٣٨٦، نقد الرجال ٥ : ٥٢ / ٥٧١٢.

٣١٩

قال : وحكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم أنّ جماعة سألوا جدّي عن يزيد؟ فقال : ما تقولون في رجل ولي ثلاث سنين، في السنة الاُولى قتل الحسين ، والثانية أخاف المدينة وأباحها، والثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها؟ فقالوا : نلعن؟ فقال : فالعنوه (١) . انتهى موضع الحاجة من كلامه.

ولو أردنا جمع كلمات العلماء في كفره ولعنه لأطال بنا المقام، وفيما ذكرنا كفاية لمن أنصف وتدبّر.

فصـل :

في تنقيصه وتشنيعه في الأئمّة من أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو كفر بإجماع الأئمّة الأربعة، لأنّه إنكار لأمر متواتر من الشرع، معلوم من الدين بالضرورة، أعني وجـوب تعظيمهم ومودّتهم، وقد اعتقد ابن تيميّة عكس ما تواتر من الشرع المعلوم من الدين بالضرورة، فنقّص وشنّع وبالغ في الحطّ من أهل البيت الطاهرين، فمن تنقيصاته في الأئمّة الاثنى عشر من أهل البيتعليهم‌السلام:

ما ذكره في صفحة ٢٣٠ من الجزء الأوّل من منهاجه من نفي تميزهم في شيء من العلم، ولا لهم فيه وراثة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل لهم حكم أمثالهم من أهل زمانهم، قال : وأمّا الحسن والحسين فمات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهما صغيران في سنّ التمييز، فروايتهما عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليلة، وأمّا سائر الاثنى عشر فلم يدركوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقول [القائل] (٢) : إنّهم نقلوا عن جدّهم. إن أراد بذلك أنّه اُوحي إليهم ما قال جدّهم فهذه نبوّة كما كان

____________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٥٨ ـ ٢٦١، وانظر الردّ على المتعصّب العنيد المانع من ذم يزيد.

(٢) في النسختين : البتي، والمثبت من المصدر.

٣٢٠