البراهين الجليّة - ج ١

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ١

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-628-8
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

يا سبحان الله أليس حديث عمّار : «تقتلك الفئة الباغية» (١) في الصحيح من الحديث؟!

وقد روت الأئمّة : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار» (٢) .

لكن ابن تيميّة يكذب بالدين، ولا يؤمن للمؤمنين، بل ينصر

____________________

المناقب للخوارزمي : ١٩٠ / ٢٢٤ - ٢٢٦، مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي ٢ : ٣٣٧ / ٨١٢، ٨١٦، شرح الأخبار للقاضي نعمان ١ : ٣٣٩ / ٣٠٨، المسترشد للطبري : ٣٦٩، المعيار والموازنة للاسكافي : ١١٩، ٣٢٢ / ١١٩، كتاب السنّة لعمرو بن أبي عاصم : ٤٢٥ / ٩٠٧، المعجم الأوسط للطبراني ٩ : ١٩٨ / ٨٤٢٨، والمعجم الكبير ١٠ : ٩١ /  ١٠٠٥٣- ١٠٠٥٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٧ : ٤٨، الكامل لابن عدي ٢ : ٢١٩، علل الدار قطني ٥ : ١٤٨ / ٧٨٠، تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٦٨، ٤٧١، الموضوعات لابن الجوزي ٢ : ١٢، أُسد الغابة ٤ : ١٠٨، أنساب الأشراف للبلاذري : ١٣٨، مناقب ابن مردويه : ١٦٠، مجمع الزوائد ٦ : ٢٣٥ و ٧ : ٢٣٨، كنز العمال ١١ : ٢٩٢ / ٣١٥٥٢ و ١٣ : ١١٣ / ٣٦٣٦٧.

(١) مسند أحمد بن حنبل ٢ : ١٦١ و ٣ : ٥ و ٥ : ٣٠٦ و ٦ : ٣٠٠، صحيح مسلم ٤ : ٢٢٣٦ / ٢٩١٦، سنن الترمذي ٥ : ٣٣٣ / ٣٨٨٨، فضائل الصحابة للنسائي : ٥١، المستدرك للحاكم ٢ : ١٤٨ و ٣ : ٣٨٦، ٣٩١، فتح الباري لابن حجر ١ : ٤٣١، مسند أبي داوُد الطيالسي : ٩٠ / ٦٤٩، المعيار والموازنة للاسكافي : ٩٦ ، مسند ابن الجعد : ١٨٢، مسند ابن راهويه ٤ : ١٤٦، الآحاد والمثاني ٣ : ٤٣٦ / ١٨٧٠، مسند أبي يعلى ٣ : ٢٠٩ / ١٦٤٥، المعجم الأوسط للطبراني ٨ : ٢٥٩ / ٧٥٢٢، المعجم الكبير للطبراني ١ : ٣٢٠ / ٩٥٤.

(٢) المعيار والموازنة للاسكافي : ٣٥، سنن الترمذي ٥ : ٢٩٧ / ٣٧٩٨، المستدرك للحاكم ٣ : ١٢٤، تاريخ بغداد ١٤ : ٣٢١، ربيع الأبرار ١ : ٥٢٨، المناقب للخوارزمي : ١٠٤ / ١٠٧، شرح الأخبار للقاضي نعمان ٢ : ٦٠، الفصول المختارة : ٩٧، ٣٢١، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٢٩٧ و ١٨ : ٧٢، تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٤٩، مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه : ١١٣ - ١١٤، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ١ : ٩٨، فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة : ١٦٨، مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٥.

٢٨١

المنافقين، ويلدّ في خصام الطاهرين، وأصحاب سيد المرسلين، ولا يرعى فيهم إلاًّ ولا ذمّةً.

هذا أصرح في بيانه أنّه كان مخذولا :

حتّى قال في صفحة ١٢١ ما لفظه : قاتل عليها حتّى غلب وسفكت الدماء بسبب المنازعة التي بينه وبين منازعه، ولم يحصل بالقتال لا مصلحة الدين ولا مصلحة الدنيا، ولا قوتل في خلافته كافر ولا فرح مسلم (١) . انتهى.

في أنّه لم يُؤخذ عنه العلم :

ومن نصبه قوله في صفحة ١٥٧ من الجزء الرابع من منهاج السنّة : وكلّ من الصحابة الذين سكنوا الأمصار أخذ عنه الناس الإيمان والدين، وأكثر المسلمين بالمشرق والمغرب لم يأخذوا عن عليّ شيئاً، فإنّه كان ساكناً بالمدينة وأهل المدينة لم يكونوا يحتاجون إليه، ولما ذهب إلى الكوفة كان أهل الكوفة قبل أن يأتيهم قد أخذوا الدين عن سعد بن أبي الوقّاص، وابن مسعود، وحذيفة، وعمّار، وأبي موسى، وغيرهم (٢) . إلى آخر كلامه الممحّض في النصب والتشنيع والتنقيص.

وفي مناقب أحمد بن حنبل أخرج : أنّ عمر بن الخطّاب إذا أشكل عليه شيء أخذ من عليّ رضي‌الله‌عنه (٣) .

____________________

(١) منهاج السنّة ٧ : ٤٥٤.

(٢) نفس المصدر ٨ : ٤٩ - ٥٠.

(٣) مناقب أحمد بن حنبل حكاه عنه محبّ الطبري في الرياض النضرة ٣ : ١٦٢، ذخائر العقبى : ٨٩، ينابيع المودّة للقندوزي ٢ : ١٧٢، الغدير ٣ : ٩٨.

٢٨٢

وعن سعيد بن المسيب : كان عمر يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو الحسن. أخرجه أحمد وأبو عمرو (١) .

تكلّمه في إيمان عليّ :

وأنقل هنا من كلامه في عليّ ما لم أذكره هناك وإن تقدّم نقل مثله.

قال في صفحة ٤٢من الجزء الرابع من منهاج السنّة ما لفظه : الناس متنازعون في أوّل من أسلم، فقيل (٢) : أبو بكر أوّل من أسلم، فهو أسبق إسلاماً من عليّ. وقيل (٣) : إنّ عليّاً أسلم قبله، لكن عليّ كان صغيراً، وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء، ولا نزاع في أنّ إسلام أبي بكر أكمل وأنفع، فيكون هو أكمل سبقاً بالاتّفاق، وأسبق على الإطلاق على القول الآخر، فكيف يقال : عليّ أسبق منه بلا حجّة تدل على ذلك (٤) . انتهى.

ومن هنا حكم عليه علماء عصره بالنصب والنفاق، كما حكاه

____________________

(١) مناقب أحمد بن حنبل حكاه عنه محبّ الطبري في الرياض النضرة ٣ : ١٦١، ذخائر العقبى : ٩٢، الاستيعاب (هامش الإصابة ٣) : ٣٩، تذكرة الخواص : ١٣٤، السنن الكبرى للنسائي ٤ : ٣٢٣ / ٣٤٣، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ : ٣٣٩، كنز العمّال ١٠ : ٣٠٠ / ٢٩٥٠٩، أُسد الغابة ٤ : ٩٦، تهذيب الكمال ٢٠ : ٤٨٥، الإصابة ٣ : ٤٩٥، تهذيب التهذيب ٧ : ٢٩٦، الوافي بالوفيات ٢١ : ١٧٩، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ١٦٣، نهج الإيمان لابن جبر : ٢٨٣، الفصول المهمّة ١ : ١٩٩، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه‌السلام ١ : ١٩٥، الغدير ٣ : ٩٨.

(٢) انظر الاستيعاب (هامش الإصابة ٣) : ٢٧، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ : ١٢٣، الرياض النضرة ١ : ٨٣، الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ : ١٧١.

(٣) انظر : الاستيعاب (الإصابة ٣ : ٢٧)، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ : ١٢٤١١٦، المناقب لابن المغازلي : ١٣ ـ ١٦، المناقب للخوارزمي : ٥٢ ـ ٥٩، الرياض النضرة ٣ : ١١١ ـ ١١٣، الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ : ٢١، تاريخ مدينة دمشق : ٤٢ من أوّله.

(٤) منهاج السنّة ٧ : ١٥٥.

٢٨٣

العسقلاني في الدرر الكامنة وغيره (١) .

وقال في صفحة ٦٥من هذا الجزء بعد أن ذكر تنازع أبي بكر وعمر فيمن يولي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بني تميم حتّى ارتفعت أصواتهما (٢) ما لفظه : وليس تأذي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك بأكثر من تأذيه في قصّة فاطمة عليها‌السلام ، وقد قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ ) (٣) وقد أنزل الله تعالى في عليّ : ( يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلَوةَ وَأَنتُمْ سُكَـرَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ) (٤) لمّا صلّى فقرأ وخلط (٥) . وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وكان الإنسان أكثر شيء جدلا» لمّا قال له ولفاطمة : «ألا تصليان؟ فقالا : إنّما أنفسنا بيد الله سبحانه وتعالى» (٦) . انتهى. فتأمّل وتدبّر.

في ذمّ رأيه :

وقال في صفحة ١١٧ من الجزء الثالث من منهاج السنّة ما لفظه : وكانت رعيّته كثيرة المعصية له، وكانوا يشيرون عليه بالرأي الذي يخالفهم فيه ثمّ يتبيّن له أنّ الصواب كان معهم، كما أشار عليه الحسن باُمور، مثل

____________________

(١) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٢) صحيح البخاري ٥ : ٢٩٠ / ٨١٢، سنن الترمذي ٥ : ٦٣ / ٣٣١٩ فيه آية ( لا ترفعوا أصواتكم فوق..) سورة الحجرات ٤٩ : ٢.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

(٤) سورة النساء ٤ : ٤٣.

(٥) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٧٧، ١١٢، صحيح البخاري ٢ : ٤٩٣ الباب ٧٢١ الحديث ١٠٥١، صحيح مسلم ١ : ٥٣٧ الباب ٢٨ الحديث ٧٧٥، ذكر ابن تيمية هذه الفرية في ثلاث مرّات، وفي دلائل الصدق : وقد استنهضت ابن تيمية حمية النصب لمعارضة الأخبارـ التي وردت في فضائل الإمام علي عليه‌السلام فمخض زبد الباطل وروى ما افتراه بعض أسلافه من النواصب.

(٦) منهاج السنّة ٧ : ٢٣٧ - ٢٣٨.

٢٨٤

أن لا يخرج من المدينة دون المبايعة، وأن لا يخرج إلى الكوفة، وأن لا يقاتل بصفين، وأشار عليه أن لا يعزل معاوية، وغير ذلك من الاُمور (١) . انتهى.

وكلّه كذب وافتراء لا أصل له ولا أثر له في شيء من كتب شيوخ الحديث والمؤرّخين، ماله لم يسند ذلك؟! لكنّه كما قالت العلماء : له قوة على الافتراء والكذب، وقد أخزاه الله بمعاداته لأهل البيت.

في أنّ مقاتلته على الولاية والرئاسة :

انظر إلى ما قال في صفحة ١٢٩ من هذا الجزء قال : وشبهة قتلة عثمان أضعف بكثير من شبهة قتلة عليّ والحسين، فإنّ عثمان لم يقتل مسلماً، ولا قاتل أحداً على ولايته، ولم يطلب قتال أحد على ولايته أصلا، فإن وجب أن يقال : من قتل خلقاً من المسلمين على ولايته معصوم الدم، وأنّه مجتهد فيما فعله فلأن يقال : عثمان معصوم الدمّ وإنّه مجتهد فيما فعله من الأموال والولاية بطريق الأولى والأحرى (٢) . انتهى.

فتأمّل ما حكم به على عليّ والحسين رضي الله عنهما.

نسبته بالجهل وعدم المعرفة بالحقّ واحتجاجه بشبهة الجبر :

وقال في صفحة ١٣٦ : وكذلك (٣) قضى عليّ رضي‌الله‌عنه في المفوّضة بإن مهرها يسقط بالموت (٤) مع قضاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بروع بنت واشق بأنّ لها

____________________

(١) نفس المصدر ٥ : ٤٦٥ - ٤٦٦.

(٢) نفس المصدر ٥ : ٥١٧.

(٣) يعني أنّه كان عاجزاً عن معرفة الحقّ في نفس الأمر فهو معذور. «منه».

(٤) انظر الخلاف للشيخ الطوسي ٤ : ٣٧٨، المبسوط للسرخسي ٥ : ٦٢.

٢٨٥

مهرنسائها (١) ، وكذلك طلبه نكاح بنت أبي جهل حتّى غضب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرجع عن ذلك، وقوله لمّا ندبه وفاطمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الصلاة بالليل فاحتجّ بالقدر لما قال : «ألا تصليان؟ فقال عليّ : إنّما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا»، فولّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يضرب فخذه ويقول : «وكان الإنسان أكثر شيء جدلا» وأمثال هذا لم يقدح في عليّ لكونه مجتهداً ثمّ رجع إلى ما تبيّن له من الحقّ (٢) . انتهى. فتدبّر.

نسبة الظلم إلى عليّ والحسين عليهما‌السلام :

وقال في صفحة ١٣٧ من هذا الجزء ما لفظه : ولو قال قائل : إنّ عليّاً ظلم أهل صفّين والخوارج (٣) حتّى دعوا عليه بما فعله ابن ملجم، لم يكن هذا أبعد عن المعقول من هذا، وكذلك لو قال : إنّ آل أبي سفيان بن حرب دعوا على الحسين بما فُعِل به (٤) . انتهى موضع الحاجة من كلامه فتدبّر حتّى تعرف نصب الرجل.

____________________

(١) الأم للشافعي ٥ : ٦٨ و ٧ : ٩، مسند أحمد ٤ : ٢٧٩، سنن الدارمي ٢ : ١٥٥.

(٢) منهاج السنّة ٦ : ٢٨ - ٢٩.

(٣) بل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمره بقتالهم، انظر مناقب الإمام أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي ٢ : ٣٣٩، المعجم الكبير للطبراني ٤ : ١٧٢ / ٤٩، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٨ : ٢١ و ١٤ : ١٥، ضعفاء العقيلي ٢ : ٥١، الكامل لابن عدي ٢ : ١٤٦، تاريخ دمشق ١٦ : ٥٣ و ٤٢ : ٤٦٨، سير أعلام النبلاء ٢ : ٤١٠، البداية والنهاية ٧ : ٢٩٢ - ٢٩٣، تاريخ الإسلام للذهبي ١١ : ١١٩، فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة : ١٦٨، تنبيه الغافلين لابن كرامة : ١٣٢، بشارة المصطفى للطبري : ١٣٨، المناقب للخوارزمي : ١٩٤، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول لابن طلحة : ١٣٩، مجمع الزوائد ٦ : ٢٣٥، كنز العمّال للمتقي الهندي ١١ : ٢٩٢ / ٣١٥٥٣، ٣٥٢ / ٣١٧٢١ و ١٣ : ١١٠ / ٣٦٣٦١،

(٤) منهاج السنّة ٦ : ٣٢.

٢٨٦

جهله بالسنّة النبويّة :

وقال في آخر صفحة ١٣٩ من هذا الجزء : وعليّ رضي‌الله‌عنه قد خفي عليه من سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أضعاف ذلك ومنها ما مات ولم يعرفه (١) . انتهى.

أقول : وعرفه ابن تيميّة ولم يعرفه مَن ربّاه رسول الله وهو صبي ولم يفارقه حتّى مات، وعلّمه القرآن; وفيه تبيان كلّ شيء.

نسبة الفساد في الرأي إلى عليّ عليه‌السلام في حرب صفّين :

وابن تيميّة يقول في صفحة ١٤٠ من هذا الجزء : إنّ القتال يوم الجملوصفّين أفضى إلى أنواع من الفساد ما كان عليّ يظنّ أنّ الأمر يبلغ إلى ما بلغ، ولو علم ذلك لما فعل ما فعل كما أخبر عن نفسه (٢) . انتهى (٣) .

هل هذا إلاّ الإلحاد وقول الزور والافتراء؟!

____________________

(١) منهاج السنّة ٦ : ٤٣.

(٢) في الفصول المختارة (من العيون والمحاسن) للسيّد المرتضى رضي‌الله‌عنه : ١٧١ - ١٧٥ : وأصل هذه الشبهات من النظام على ما حكاه تلميذه الجاحظ الناصبي العثماني المعتزلي. قال الذهبي : النظام شيخ المعتزلة، أبو إسحاق إبراهيم بن سيار مولى آل حارث بن عباد الضبعي البصري المتكلّم.. إلى أن قال : ولم يكن النظام ممّن نفعه العلم والفهم، وقد كفّره جماعة. وقال بعضهم : كان النظام على دين البراهمة المنكرين للنبوّة والبعث ويخفي ذلك. توفّي سنة بضع وعشرين ومائتين، وقيل : ثلاثين تقريباً. انظر سير أعلام النبلاء ١٠ : ٥٤١ / ١٧٢، تاريخ بغداد ٦ : ٩٧ / ٣١٣١.

(٣) منهاج السنّة ٦ : ٤٤.

٢٨٧

تغليط عليّ في محاربته :

ثمّ لم يتمالك حتّى أظهر مكنون سريرته ونصبه قال في آخر هذه الصفحة : فلو قال قائل : قتال المسلمين هو عقوبة لهم، فلا يعاقبون حتّى يعلموا الإيجاب والتحريم، وأصحاب معاوية الذين قتلهم عليّ لم يكونوا يعلمون أنّ لهم ذنباً، فلم يجز لعليّ قتالهم على ما لا يعلمون أنّه ذنب، وإن كانوا مذنبين فإنّ غاية ما يقال لهم : إنّهم تركوا الطاعة الواجبة، لكن كثير منهم أو أكثرهم لم يكونوا يعلمون أنّه يجب عليهم طاعة عليّ ومتابعته، بل كان لهم من الشبهات والتأويلات ما يمنع علمهم بالوجوب، فكيف جاز قتال من لم يعلم أنّه ترك واجباً أو فعل محرماً (١) .

التصريح بفساد رأيه وذمّه :

ثمّ قال في صفحة ١٥٦ من هذا الجزء ما لفظه : وكان رأي عليّ في دماء أهل القبلة ونحوه من الاُمور العظائم (٢) .

إلى أن قال : فلا رأي أعظم ذمّاً من رأي اُريق به دم اُلوف مؤلّفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا دنياهم، بل نقص الخير عمّا كان، وزاد الشرّ على ما كان (٣) . انتهى.

وكلّ مسلم يؤمن بالحقّ يعلم بضرورة الإسلام أنّه لا يطعن على عليّ بهذا الطعن إلاّ منافق زنديق ملحد عدوّ للإسلام، يتوسّل بالطعن على عليّ إلى الطعن في رسول الله الذي قال في عليّ ما قال، ممّا صحّ في

____________________

(١) منهاج السنّة ٦ : ٤٧.

(٢) نفس المصدر ٦ : ١١١.

(٣) نفس المصدر ٦ : ١١٢ - ١١٣.

٢٨٨

الصحيحين وغيرهما من الصحاح الدّالة على أنّه انموذج رسول الله وشبيهه في العلم والعمل، لكن ابن تيميّة وأمثاله من الحشويّة من أجهل الناس وأضلّهم، فيهم نوع من ضلال الملاحدة، ونوع من خبث الخوارج، وليس في الطوائف المنتسبة إلى القبلة أعظم إفتراء للكذب على الله ورسوله وتكذيباً بالحقّ من المنتمين إلى الحشو، ولهذا لا يوجد التشبيه والتجسيم والإلحـاد أكثر ممّا يوجد فيهم، ومنهـم ابن تيميّة كفّر جميع المسـلمين ولم يستثنِ إلاّ مَن كان على عقيدته الفاسدة، وصار يعادي خيار عباد الله الصالحين، ويوالي الخوارج المارقين من الدين، فشقّ العصا، وشوّش عقائد الناس، وأفسد في الأرض، كما شهد عليه بذلك علماء عصره وقضاة مصره، وقد تقدّمت شهاداتهم بكفره وضلاله بعباراتهم المفصّلة في هدايات.

نفي اختصاصه عليه‌السلام بعلم من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذب الكتب المنسوبة إليه :

وحمله نصبه إلى نفي أن يكون عند عليّ علم من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصّه به :

قال في صفحة ١٧٨ : والكتب المنسوبة إلى عليّ أو غيره من أهل البيت في الأخبار بالمستقبلات كلّها كذب مثل كتاب الجفر والبطاقة وغير ذلك، وكذلك ما يضاف إليه من أنّه كان عنده علم من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصّه به دون غيره من الصحابة (١) . انتهى.

أقول : في سنن النسائي عن عبد الله بن نجي عن أبيه قال : قال عليّ : «كانت لي منزلة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن لأحد من الخلائق، فكنت آتيه كلّ سحر أقول : السلام عليك يا نبي الله، فإن تنحنح انصرفت

____________________

(١) منهاج السنّة ٨ : ١٣٦.

٢٨٩

إلى أهلي وإلاّ دخلت عليه» (١) .

«وكان لي مدخلان : مدخل بالليل، ومدخل بالنّهار» (٢) .

أقول : فكيف لا يكون لمثله علم من النبيّ خصّه به دون غيره؟! لكن ابن تيميّة ينكر الضروريّات.

وقد أخرج الديلمي : «أعلم اُمّتي من بعدي علي بن أبي طالب» (٣) .

وأخرج الترمذي : «أنا دار الحكمة وعليّ بابها» (٤) .

وأخرج الديلمي والطبراني : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٥) .

وأخرج الديلمي : «صاحب سرّي علي بن أبي طالب» (٦) .

وأخرج ابن عدي : «عليّ عيبة علمي» (٧) .

وأخرج الديلمي : «مثل عليّ في الناس مثل ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) في القرآن» (٨) .

قال ابن طلحة الحلبي الشافعي في الدر المنظم ما لفظه : وقال ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه : اُعطي الإمام علي رضي‌الله‌عنه تسعة أعشار العلم، وأنّه لأعلمهم بالعشر الباقي (٩) .

وقال أيضاً : أخذ بيدي الإمام عليّ ليلة مقمرة، فخرج بي إلى البقيع

____________________

(١) سنن النسائي ٣ : ١٧ / ١٢١٢.

(٢) نفس المصدر ٣ : ١٧ / ١٢١١.

(٣) نفس المصدر ١ : ٣٧٠ / ١٤٩١.

(٤) سنن الترمذي ٥ : ٣٠١ / ٣٨٠٧.

(٥) الفردوس بمأثور الخطاب ١ : ٤٤ / ١٠٦، المعجم الكبير ١١ : ٥٥ / ١١٠٦١.

(٦) الفردوس بمأثور الخطاب ٢ : ٤٠٣ / ٣٧٩٣.

(٧) الكامل ٥ : ١٦١ / ٩٥٠.

(٨) الفردوس بمأثور الخطاب ٤ : ١٣٤ / ٦٤١٧.

(٩) طبقات الفقهاء لأبي اسحاق الشيرازي الشافعي : ٤٢، ينابيع المودّة ١ : ٢١٣ / ١٨.

٢٩٠

بعد العشاء، فقال : «اقرأ يا عبد الله» فقرأت : بسم الله الرحمن الرحيم، فتكلّم لي في أسرار الباء إلى بزوغ الفجر (١) . انتهى.

وقال محمّد بن عليّ الحكيم الترمذي في شرح الرسالة الموسومة بالفتح المبين : قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو إمام المفسّرين، العلم عشرة أجزاء، لعلي تسعة أجزاء وللناس العشر الباقي، وهو أعلمهم به (٢) .

وقال أيضاً : يشرح لنا علي رضي‌الله‌عنه نقطة الباء من بسم الله الرحمن الرحيم ليلة، فانفلق عمود الصبح وهو بعد لم يفرغ، فرأيت نفسي في جنبه كالفوارة في البحر المثعنجر (٣) . إلى آخره.

ويشـهد لذلك ما أسـنده الترمذي والحمويني عن سـويد بن غفلـة، [عن] الصناعيّ (٤) ، عن علي رضي‌الله‌عنه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة وعلي بابها» (٥) .

وكذلك رواه الحمويني بسنده عن سلمة بن كهيل، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا دار الحكمة وعليّ بابها» (٦) .

وأسنده ابن المغازلي عن مجاهد، عن ابن عبّاس، وعن سلمة بن كهيل، عن علي رضي‌الله‌عنه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة وعليّ

____________________

(١) عنه في ينابيع المودّة ١ : ٢١٤ / ١٩ الباب ١٤.

(٢) نفس المصدر ١ : ٢١٦ / ٢٨ الباب ١٤.

(٣) عنه في ينابيع المودّة ١ : ٢١٦ / ٢٨ الباب ١٤، وانظر النهاية لابن الأثير ١ : ٢١٢، لسان العرب (ثعجر)، تاج العروس (ثعجر)، والمُثْعَنْجَر : أكثر موضع في البحر ماءً.

(٤) في المصدرين : الصُنابحيّ.

(٥) سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠١ / ٣٨٠٧، فرائد السمطين ١ : ٩٩ / ٦٨.

(٦) انظر فرائد السمطين ١ : ٩٩ / ٦٨، وينابيع المودّة ١ : ٢١٨ / ٣٢ الباب ١٤.

٢٩١

بابها» (١) .

وروى أحمد في مسنده، وموفق بن أحمد في المناقب بسنديهما، عن سعيد بن المسيّب قال : لم يكن أحد من الصحابة يقول : «سلوني» إلاّ عليّ ابن ابي طالب (٢) .

وقال عن الأصبغ بن نباته قال : سمعت أمير المؤمنين يقول : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علّمني ألف باب، وكلّ باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتّى علمت ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وعلمت علم المنايا والبلايا، وفصل الخطاب» (٣) .

وأيضاً قال الإمام زين العابدين، والإمام الباقر، والإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : «علّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً عليه‌السلام ألف باب يفتح من كلّ باب ألف باب» (٤) ، انتهى.

فيه : ندامته عليه‌السلام على المحاربة :

وممّا يشهد بنصب ابن تيميّة أنّه صحّح قول ابن حزم : إنّ عامّة ما روي في فضائل عليّ موضوع كذب (٥) .

وصحّح ما وضعه أعداؤه الخوارج وبنو اُميّة في مثالبه، وصار يستدلّ بالموضوع على نفي الثابت بالصحاح المستفيضة :

قال في صفحة ١٨من الجزء الرابع من منهاج السنّة : وممّا يبيّن أنّ

____________________

(١) المناقب للمغازلي : ٨٧ / ١٢٨ - ١٢٩، وانظر الشريعة للآجري ٤ : ٢٠٦٨ / ١٥٤٩، جزء ألف دينار : ٣٣٣ / ٢١٦.

(٢) فضائل الصحابة لابن حنبل ٢ : ٦٤٦ / ١٠٩٨، المناقب للخوارزمي : ٩٠ / ٨٣.

(٣) انظر نفس المصدر ١ : ٢٣١ / ٧٠ الباب ١٤.

(٤) انظر ينابيع المودّة ١ : ٢٣١ / ٧١ الباب ١٤.

(٥) انظر منهاج السنّة ٧ : ٣٢٠.

٢٩٢

عليّاً لم يكن يعلم المستقبل أنّه ندم على أشياء ممّا فعلها، وكان يقول :

لقـد عجزت عجـزة لا أعتـذر

سـوف أكيس بعدهـا واسـتمر

وأجمع الرأي الشتيت المنتشـر (١)

وكان يقول ليالى صفين : «يا حسن يا حسن ما أظنّ أبوك أن يبلغ الأمر هذا. لله دَرُّ مقام قامه سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، إن كان برّاً إنّ أجره لعظيمو إن كان إثماً إنّ خطره ليسير» وهذا رواه المصنّفون (٢) . انتهى.

إن كنت تعتمد على ما رواه المصنّفون فما لك لا تعتمد على ما روته أئمّة الحديث في مجاميعها وصحّحه بأنّ النبيّ أمر أمير المؤمنين كرّم الله وجهه بحرب الجمل وحرب صفّين وحرب الخوارج (٣) ، وأنّه يقاتلهم على تأويل القرآن كما قاتلهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تنزيله (٤) .

وقد عقد الجلال السيوطي في الخصائص الكبرى في صفحة ١٣٦ من الجزء الثاني المطبوع في حيدر آباد الهند (٥) باباً جمع فيه ما رووه في ذلك، وسيأتي منّا ذكره عند ذكرنا للروايات النبويّة التي كذّبها ابن تيميّة وهي صحيحة مرويّة .

وممّا يدلّ على أنّ أمير المؤمنين عليّاً كان يعلم حال كلّ محارب له

____________________

(١) الفتنة ووقعة الجمل للضبي : ٩٦، تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٧٥.

(٢) منهاج السنّة ٨ : ١٤٥.

(٣) تقدمت مصادره في ص ٢٨٠.

(٤) مسند أحمد ٣ : ٣١ و ٣٣، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ٤٠، المستدرك للحاكم ٣ : ١٢٣، المصنف ابن أبي شيبة ٦ : ٣٧٠ / ٣٢٠٧٣، صحيح ابن حبان ١٥ : ٣٨٥ / ٦٩٣٧، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ١٥٤ / ٨٥٤٠ - ٨٥٤١.

(٥) وفي الخصائص الكبرى ـ المطبوع في بيروت دار الكتب العلمية ـ ٢ : ٢٠٨.

٢٩٣

ومخالف عليه وما يؤل إليه أمرهم : مارواه شيخ المحدّثين مسلم بن الحجّاج، ذكر في صحيحه في باب تأويل سورة غافر ـأعني : ( حـم تَنزِيلُ الْكِتَـبِ ) مالفظه : وقد روى بعضهم عن ابن عبّاس أنّه قال : كان علي عليه‌السلام يعرف بها الفتن (١) ، قال : وأراه ذكر في هذا الحـديث : وكلّ جماعة كانت في الأرض أو تكون في الأرض، ومن كلّ فرقة كانت أو تكون في الأرض.

قال : قد روي عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال على المنبر : «سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله، وما من آية إلاّ وأعلم حيث اُنزلت، بحضيض جبل أو سهل، وسلوني عن الفتن فما فتنة إلاّ وقد علمت كبشها ومن يقتل فيها» (٢) . وقال : قد روي عنه من نحو هذا كثير (٣) ، انتهى.

وقال الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة ما لفظه : أبوليلى الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ستكون من بعدي فتنة،فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أوّل من آمن بي، وأوّل

____________________

(١) انظر غرائب التفسير للكرماني ٢ : ١٠٤٧، والعمدة لابن بطريق : ٣٣٦، والطرائف لابن طاوس : ٧٣ / ٨٩. وفي الكشف والبيان ـ تفسير الثعلبي - ٢٣ : ٣٢٨ في تفسير ( حم * عسق ) قال : وذكر عن ابن عباس... إلى أنّ قال : إنّ عليّا عليه‌السلام إنّما كان يعلم الفتن بهما، يعني السين والقاف.

(٢) انظر العمدة لابن بطريق : ٢٦٤ / ٤١٦، الطرائف لابن طاوس : ٧٢ / ٨٩، غاية المرام ٥ : ٢٣٨ الباب ٣٦ الحديث ١، ينابيع المودّة ١ : ٢٢٤ / ٤٩، الغدير ٦ : ١٩٢، إحقاق الحق ٤ : ٢٣١ - ٢٢٣.

(٣) انظر فضائل الصحابة لابن حنبل ٢ : ٦٤٦ / ١٠٩٨، فضائل أمير المؤمنين : ٢٦١ / ٢٢٠، نهج البلاغة ٢ : ١٢٩، والمعيار والموازنة : ٨٢، والغارات للثقفي ١ : ٧، والمستدرك للحاكم ٢ : ٣٥٢ و ٤٦٦، كنز العمّال ١٣ : ١٦٥ و ١٤ : ٦١٢ / ٣٩٧٠.

٢٩٤

من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الاُمّة، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين» (١) .

أقول : أبعد هذا تصلـح لابن تيميّـة الاعتراضـات على مثـل عليّ العالم بكلّ أموره، أو ينسب إليه الشكّ في قتاله، أو الندم على عمله، كلاّ ياابن تيميّة، فإنّه شبيه هارون العليم (٢) ، وأقضى أصحاب رسول الله (٣) ، ومثلك يا بن تيميّة لا يعترض عليه، مع أنّك في الوصيّة الكبرى بعد سردك لما جاء عن النبيّ في الخوارج من الأمر بقتلهم قلت : وهكذا كلّ من فارق جماعة المسلمين وخرج عن سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشريعته من أهل الأهواء المضلّة والبدع المخالفة (٤) .

فيكون مقاتل ولي الأمر منهم كما ذكرت : أنّ المسلمين الذين قتلوا الروافض قتلوهم بأمر الله ورسوله المستفاد من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الخوارج، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار» (٥) .

وقلت أنت في صفحة ٢١٠ و٢١١ من الجزء الثاني من منهاج السنّة : قدرواه مسلم في صحيحه من غير وجه، ورواه البخاري لكن في كثير من النسخ لم يذكره تامّاً .... ولكن لا يختلف أهل العلم بالحديث أنّ هذه

____________________

(١) الإصابة ٦ : ٢٣٢ / ١٠٤٧١.

(٢و٣) راجع المناقب للخوارزمي : ٨٢، كفاية الطالب : ٢٣٢، فرائد السمطين ١ : ٩٧، ينابيع المودّة ١ : ١٤ / ٢٧ -  ٢٨، و ٢ : ٧٠ / ٦ و ص ٢٣٩ و ٦٦٩ و ٣٠١ / ٨٥٩، «وأقضى أصحاب رسول الله» راجع ينابيع المودّة ١ : ..٢٢٥ و ٤ : ٦٥.

(٤) مجموعة الفتاوي ٣ : ٢٣٧، تقدّمت مصادر الخبر في الصفحة ٢٧٨ - ٢٧٩.

(٥) مجوعة الفتاوي ٣ : ٢٣٦ - ٢٣٧، تقدمت مصادر الخبر فى الصفحة ٢٧٩، وراجع البخاري ٤ : ٤١٥ الباب ٦٦٠ الحديث ١٠٠٥ و ١ : ٢٥٣ الباب ٣٠٤ الحديث ٤٢٨، والمستدرك للحاكم ٢ : ١٤٩.

٢٩٥

الزيادة هي في الحديث (١) .

ثمّ قلت : والحديث ثابت صحيح عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند أهل العلم بالحديثوالذين قتلوه هم الذين باشروا قتله، والحديث اُطلق فيه لفظ البغي لم يقيّده بمفعول كما قال تعالى : ( لاَيَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ) (٢) ولفظ البغي إذا اُطلق فهو الظلم كما قال الله تعالى : ( فَإِن بَغَتْ إِحْدَلـهُمَا عَلَى الاخْرَى فَقَـتِلُواْ الَّتِى تَبْغِى ) (٣) . إلى آخره (٤) .

فالفئة التي تدعوا إليها عمّار هي أهل الجنّة، والفئة التي تحارب عمّاراً وتقتله هي الفئة الباغية، وهي من أهل النار، وبلا خلاف بين الاُمّة ـحتّى من ابن تيميّة إنّ معاوية وحزبه قتلة عمّار بصفيّن، وعمّار كان من فئة علي رضي‌الله‌عنه فكان قتاله لهم بأمر الله ورسوله المستفاد من أمره بقتال الخوارج كما قلت يا ابن تيميّة بتنقيح هذا المناط في قتل المسلمين للروافض في رسالة الوصية الكبرى (٥) ، فإذا كان كذلك فلماذا تنكر أن يكون حرب صفيّن بأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أنكرته في صفحة ٢٢٨ من الجزء الثاني من منهاج السنّة (٦) ، وصرت تخطّأه، فكلّ من يُخَطِّئ عليّاً في ذلك ويعترض عليه يكون رادّاً على الله ورسوله كما لو كان يعترض على عليّ في قتال الخوارج.

وأيضاً أقول : إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب قد ولي الأمر، وقد

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٤١٤ - ٤١٥.

(٢) سورة الكهف ١٨ : ١٠٨.

(٣) سورة الحجرات ٤٩ : ٩.

(٤) منهاج السنّة ٤ : ٤١٨.

(٥) مجوعة الفتاوى ٣ : ٢٣٦ - ٢٣٧.

(٦) منهاج السنّة ٤ : ٤٨٥.

٢٩٦

اعترفت في صفحة ٢١٠ من الجزء الثاني من منهاج السنّة بوجوب طاعته، وبصحّة خلافته، حيث نقلت ورويت الأحاديث الصحاح عن الصحاح المتّفق على صحّتها بوجوب طاعة الوالي، ثمّ قلت بلا فصل : وعليّ رضي‌الله‌عنه كان قد بايعه أهل الكوفة بالمدينة ولم يكن في وقته أحقّ منه بالخلافة، وهو خليفة راشد تجب طاعته (١) . انتهى.

فإذا كان عليّ ولي الأمر، والله سبحانه قد أمر بطاعة ولي الأمر، وطاعة ولي الأمر طاعة الله ومعصيته معصية الله، فمن سخط أمره وحكمه فقد سخط أمر الله وحكمه، وابن تيميّة ردّ أمر الله وسخط حكمه وكره ما رضي الله باعتراضه على أمر أمير المؤمنين بمقاتلة معاوية وحزبه وأهل الجمل في البصرة، وخطّأه في ذلك بأقبح الوجوه كما عرفت، لأنّ الله يرضيه طاعته وطاعة ولي الأمر، فمن كره طاعة ولي الأمر فقد كره رضوان الله، والله يسخط لمعصيته، ومعصية ولي الأمر معصيته، فقد أتبع ما أسخط الله وكره رضوانه.

وأيضاً أقول : إنّ ابن تيميّة كفر في منهاج السنّة بما آمن به في رسالة الوصية الكبرى، قال فيها : نؤمن بالإمساك عمّا شجر بينهم ونعلم أنّ بعض المنقول في ذلك كذب وهم كانوا مجتهدين (٢) . إلى آخره.

وصار يشنّع على أمير المؤمنين ويرميه بالعظائم، وقتل النفوس المحترمة، وسفك دماء المسلمين، ويضرب له الأمثال، ويصدق عليه قول كلّ قائل وكلّ مصنّف، ويرمي كلّ ما رووا علماء الإسلام وشيوخ الحديث في مناقبهوفضائله بالوضع والكذب حتّى شكّك في إيمانه وإسلامه،

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٤١٣.

(٢) مجموعة الفتاوى ٣ : ٢٥٠.

٢٩٧

وخطّأه في اجتهاده وفتاويه، بل نسبه إلى مخالفة النصّ في الكتاب والسنّة، وإلى الاحتجاج على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقدر والجبر، وكفّر المحتج بالقدر في مواضع من كتبه كما عرفتها في المقصد الثاني مفصّلا، كما قد تقدّمت نصوصه بكلّ ذلك مع الدلالة على مواضعها من كتابه، وقد فهم منه العلماء النفاق في عليّ وبغضه له، وحكموا عليه بذلك لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يبغضك إلاّ منافق» (١) كما حكى كلّ ذلك مَن عرفت كابن حجر العسقلاني وغيره (٢) .

في محاماته ونصرته لأعداء آل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

فصـل : وزاد ابن تيمية في الطنبور نغمات، وصار يحامي عن أعداء أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويبرئهم من ظلمهم وأذيتهم وقتلهم وتشريدهم وسبي نسائهم وحمل رؤوسهم إلى الشام.

قال في صفحة ٢٤٩ وما بعدها من الجزء الثاني من منهاج السنّة، وفي صفحة ١٧٩ من الجزء الرابع منه : أنّ يزيد لم يأمر بقتل الحسين، ولا كان له غرض في ذلك (٣) .

وقال : وأمّا ما ذكروه من سبي نسائه والدوران بهم في البلدان وحملهم على الجمال بغير أقتاب فهذا كذب وباطل، ما سبى المسلمون ولله الحمدهاشميّة قطّ، ولا استحلّت اُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبي بني هاشم قطّ، ولكن أهل الهوى والجهل يكذبون كثيراً (٤) .

____________________

(١) انظر صحيح مسلم ١ : ٨٦ / ١٣١ الباب ٣٣ ، سنن الترمذي ٥ : ٢٩٨ / ٣٨٠٠ .

(٢) انظر الدرر الكامنة ١ : ٩٣، وابن حجر الهيثمي في الفتاوى الحديثيّة : ٨٤ - ٨٥.

(٣) منهاج السنّة ٤ : ٥٥٧ و ٨ : ١٤١.

(٤) نفس المصدر ٤ : ٥٥٨.

٢٩٨

قال : وبالجملة فما يعرف في الإسلام أنّ المسلمين سبوا امرأة يعرفون أنّها هاشميّة، ولا سبي عيال الحسين، بل لمّا دخلوا دار يزيد قامت النياحة في بيته وأكرمهم (١) .

قال : ولا طيف برأس الحسين، وهذه الحوادث فيها من الكذب ما ليس هذا موضع بسطه (٢) .

ثمّ أخذ يكذب الآيات التي حدثت بسبب قتل الحسين عليه‌السلام .

قال : إنّ كثيراً ممّا روي في ذلك كذب، مثل كون السماء أمطرت دماً فإنّ هذا ما وقع قطّ في قتل أحد، ومثل كون الحمرة ظهرت في السماء يوم قتل الحسين ولم تظهر قبل ذلك فإنّ هذا من الترّهات (٣) .

قال : وكذلك قول القائل : أنّه ما رفع حجر في الدنيا إلاّ وجد تحته دم عبيط هو أيضاً كذب بيّن (٤) . انتهى.

وقال في آخر صفحة ٢٥١ من هذا الجزء : إنّ القول في لعنة يزيد كالقول في لعنة أمثاله من الملوك الخلفاء وغيرهم، ويزيد خير من غيره (٥) .

وقال في صفحة ما بعدها : فالذي يجوّز لعنة يزيد وأمثاله يحتاج [إلى شيئين] (٦) : إلى ثبوت أنّه كان من الفسّاق الظالمين الذين تباح لعنتهم، وأنّه مات مصرّاً على ذلك. والثانية : أنّ لعنة المعيّن من هؤلاء جائزة، والمنازع

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥٥٩.

(٢) نفس المصدر ٤ : ٥٥٩.

(٣) نفس المصدر ٤ : ٥٦٠.

(٤) نفس المصدر ٤ : ٥٦٠.

(٥) نفس المصدر ٤ : ٥٦٧.

(٦) الزيادة عن المصدر.

٢٩٩

يطعن في المقدّمتين لا سيّما الاُولى (١) .

قال : وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أوّل جيش يغزو القسطنطينيّة مغفور لهم» (٢) وأوّل جيش غزاها كان أميرهم يزيد (٣) . إلى آخر كلامه حشره الله مع يزيد.

أقول : وأنا أورد في إثبات ما أنكره ابن تيميّة رواية مَن يحتجّ ابن تيميّة بكلامهم في سائر المقامات ويعترف بإمامتهم في الدراية.

قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي : ليس العجب إلاّ من ضرب يزيد ثنايا الحسين بالقضيب، وحمل آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أقتاب الجمال (٤)[أي] (٥) موثوقين بالحبال والنساء مكشفات الوجوه والرؤوس، وذكر أشياء من قبيح فعل يزيد، حكاه ابن حجر في الصواعق، وأيّده بأنّ يزيد بالغ في رفعه ابن زياد حتّى أدخله على نسائه لمّا دخل عليه بعد قتل الحسين، ذكر ذلك في صفحة ١١٩ من النسخة المطبوعة بالمطبعة الميمنيّة بمصر (٦) .

وحكى عن ولد يزيد أنّه صعد المنبر بعد موت يزيد فقال : إنّ هذه الخلافة حبل الله، وأنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحقّ به منه

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥٧١.

(٢) لم نعثر عليه في صحيح البخاري، نعم قال محمّد رشاد سالم محقّق المنهاج في الهامش ١ من المجلد ٤ الصفحة ٥٧٢ : لم أجد الحديث بهذا اللفظ، ولكن وجدت عن عبادة بن الصامت الحديث في البخاري : أوّل جيش من اُمتّي يغزون البحر... فراجع.

(٣) منهاج السنّة ٤ : ٥٧١ - ٥٧٢.

(٤) انظر تذكرة الخواص : ٢٦٠.

(٥)) الزيادة من الصواعق .

(٦) انظر الصواعق المحرقة تحقيق عبد الرحمن التركي وكامل الخرّاط ٢ : ٥٨٠، وتذكرة الخواص : ٢٦٠.

٣٠٠