البراهين الجليّة - ج ١

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ١

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-628-8
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

النوع الثاني : من أنواع المكفّرات التي اعتقدها ابن تيميّة :

قوله بتفاضل كلام الله وتفاضل صفاته، ولا يصحّ التفاضل إلاّ في المخلوقات، واعتقد تنوّع صفات الله وتكثّر معناها، وأنّ النار الكبرى تفنى، وأنّ التوراة والإنجيل لم تبدّل ألفاظها وإنّما بدّلت معانيها، وأنّ مخالف الإجماع لا يكفر ولا يفسّق كما في الفتاوى الحديثيّة لابن حجر (١) .

وقد تقدّم أنّ من أنكر أمراً متواتراً معلوماً من الدين بالضرورة وكذا من اعتقد عكسه فهو كافر عند أئمّة أهل السنّة والجماعة، فابن تيميّة كافر عند أئمّة السنّة.

أقول : صرّح بتفاضل كلام الله وتفاضل صفاته في مواضع من كتاب جواب أهل العلم والإيمان :

منها في صفحة ٥٦وأصرّ على ذلك مع أنّه نقل هو عن أبي عبد الله بن المرابط الحكم على قائله بالكفر (٢) .

ونقل عن أبي عبد الله بن الدراح أنّه قال : أجمع أهل السنّة على أنّ ما ورد في الشرع ممّا ظاهره المفاضلة بين آي القرآن وسوره ليس المراد به تفضيل ذوات بعضها على بعض، إذ هو كلّه كلام الله وصفة من صفاته بل كلّه لله فاضل كسائر صفاته الواجب لها نعت الكمال (٣) . انتهى.

فلم يعبأ بالحكم بالكفر ولا بمخالفة الإجماع.

____________________

(١) الفتاوى الحديثية : ٨٥،

(٢) مجموعة الفتاوى ١٧ : ٤٥ - ٤٦.

(٣) نفس المصدر ١٧ : ٤٣ - ٤٤.

٢٤١

وصرّح بتعدّد الواجب وتعدّد القديم في مسمّى الربّ في صفحة ٩ من هامش الجزء الثالث من منهاج السنّة (١) .

وفي هامش صفحة ٨ صرّح بتركيب واجب الوجود وافتقاره إلى صفاته (٢) .

وصرّح بتركيب الذات من الصفات في هامش صفحة ٢٢١ من الجزء الثاني من المنهاج (٣) .

وصرّح بأنّ ذات الربّ موصوفة بصفات متنوّعة مختلفة (٤) في هامش الجزء الأوّل في صفحة ٢٣٩.

أقول : صفات الله عند أهل السنّة والجماعة ليست من المعدودات، فمن قال : إنّ قدرة الله وحياته غيران أو شيئان أو اثنان يصير كافراً، كما نصّ عليه الشيخ أبو الشكور (٥) في التمهيد، ونصّ أيضاً حافظ الدين النسفي في الفتاوى بأنّه لو قال : الحياة والقدرة شيئان أو عددان أو اثنان أو غيران يصير كافراً (٦) . انتهى.

فكيف بمن جعلها أنواعاً متكثّرة مختلفة فلا ريب في كفره؟!

وأمّا قوله بفناء النار، فقد حكاه عنه ابن حجـر في الفتاوى الحديثيّة (٧) ، وتلميذه ابن القيّم في حـادي الأرواح، وفي شفاء العليل،

____________________

(١) درء تعارض العقل والنقل ٣ : ١٨.

(٢) نفس المصدر ٣ : ١٦.

(٣) نفس المصدر ٢ : ٣٧٥.

(٤) نفس المصدر ١ : ٣٨٤.

(٥) الشيخ أبو الشكور هو محمّد بن عبد الله السائلي. «منه».

(٦) راجع ص : ٢٢٣ و٢٢٤، والتمهيد في بيان التوحيد (تمهيد أبي الشكور السالمي) : ٦٠.

(٧) الفتاوى الحديثيّة : ٨٥.

٢٤٢

وذكـر في الأخـير أنّ لابن تيمـيّة فيهـا مصـنّفاً مشـهوراً ذكـر ذلك فـي صـفحة٢٦٤ (١) .

وقال السفاريني (٢) في شرح قصيدته : إنّ لشيخ الإسلام أيضاً ميلا إلى هذا القول (٣) .

ورأيته يذكر في هامش صفحة ١٣٥ من الجزء الرابع من منهاج السنّة : أنّ الحركات في الجنّة تفنى ونوعها باق (٤) .

وأمّا ما نقل عنه في التوراة والإنجيل فهو صريح كلامه في رسالة الفرقان وهي أوّل رسائل الجزء الأوّل من مجموع الرسائل الكبرى.

قال في صفحة ١٨٠ : إنّ في الأرض نسخاً صحيحة من التوراة والإنجيل لم يحرّف وبقيت إلى عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إلى آخره (٥) .

وهذا نصّ منه صريح فقول المعاصر القاصر : فالعزو غير صحيح كما لايخفى، فليتدبّر (٦) . جهل منه وعدم تدبّر.

وأمّا حكاية تجويزه مخالفة الإجماع فصريح كلامه في مواضع من

____________________

(١) انظر حادي الأرواح ٢ : ٧٣٢ إلى آخر الفصل ٦٧، شفاء العليل ٢ : ٢٤٥، درء تعارض العقل والنقل ٢ : ٣٥٧.

(٢) أبو العون، شمس الدين، محمّد بن أحمد بن سالم بن سليمان، المعروف بابن السفاريني، النابلسي، الحنبلي، ولد في سفارين من قرى نابلس، ورحل إلى دمشق فأخذ عن علمائها وعاد إلى نابلس فدرس وأفتى، توفّي فيها سنة ١١٨٨ هـ، له تآليف عديدة. إيضاح المكنون ١ : ٢٩، الأعلام للزركلي ٦ : ١٤.

(٣) لوامـع الأنوار البهيّـة للسـفاريني ٢ : ٢٣٥، وانظر جلاء العينين في محاكمـة الأحمدين : ٤٨٣.

(٤) درء تعارض العقل والنقل ٤ : ١٦٠.

(٥) مجموعة الفتاوى ١٣ : ٥٨.

(٦) انظر جلاء العينين في محاكمة الأحمدين : ٦٠٠.

٢٤٣

مصنّفاته.

ذكر في رسالة الفرقان الصحابة والتابعين لهم، وقال : معرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم، وذلك أنّ إجماعهم لا يكون إلاّ معصوماً (١) .

ثمّ قال : وأمّا المتأخّرون عنهم الذين لم يتحرّوا متابعتهم وسلوك سبيلهم ولا لهم خبرة بأقوالهم وبأفعالهم، بل هم في كثير ممّا يتكلّمون به في العلم ويعملون به ولا يعرفون طريق الصحابة والتابعين في ذلك من أهل الكلام والرأي والزهد والتصوّف، فهؤلاء تجد عمدتهم في كثير من الاُمور المهمّة في الدين إنّما هو عمّا يظنّونه من الإجماع، وهم لا يعرفون في ذلك أقوال السلف ألبتّة، أو عرفوا بعضها ولم يعرفوا سائرها، فتارة يحلّون الإجماع ولا يعلمون إلاّ قولهم وقول من ينازعهم من طوائف المتأخّرين طائفة أو طائفتين أو ثلاث، وتارة عرفوا أقوال بعض السلف، والأوّل كثير في مسائل اُصول الدين وفروعه.

كما تجد كتب أهل الكلام مشحونة بذلك، يحلّون إجماعاً ونزاعاً، ولا يعرفون ما قال السلف في ذلك ألبتّة، بل قد يكون قول السلف خارجاً عن أقوالهم.

كما تجد ذلك في مسائل أقوال الله وأفعاله وصفاته، مثل : مسألة القرآن، والرؤية، والقدر، وغير ذلك، وهم إذا ذكروا إجماع المسلمين لم يكن لهم علم بهذا الإجماع، فإنّه لو أمكن العلم بإجماع المسلمين لم يكن هؤلاء من أهل العلم به; لعدم علمهم بأقوال السلف، فكيف إذا كان المسلمون يتعذّر القطع بإجماعهم في مسائل النزاع، بخلاف السلف فإنّه

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ١٣ : ١٧.

٢٤٤

يمكن العلم بإجماعهم كثيراً.

وإذا ذكروا نزاع المتأخّرين لم يكن بمجرّد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كلّ قول من تلك الأقوال سائغاً لم يخالف إجماعاً; لأنّ كثيراً من اُصول المتأخّرين محدث مبتدع في الإسلام مسبوق بإجماع السلف على خلافه، والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعاً، إلى آخره في صفحة ١٧و١٨ من الجزء الأوّل من مجموعة الرسائل الكبرى (١) .

فتدبّره كيف حكم بأنّ أقوال علماء الإسلام كلّها في مسائل أقوال الله وأفعاله وصفاته خارجة عن أقوال الصحابة والتابعين، وأنّهم إذا ذكروا إجماع المسلمين لم يكن لهم علم بهذا الإجماع؟!

بل صرّح في الجزء الثالث من منهاج السنّة بأنّ كتب الكلام والمقالات ليس فيها ما بعث الله به رسوله لأنّهم لا يعرفون ذلك في صفحة ٢٠٨ (٢) .

وصرّح في صفحة ٧٠ أنّ كلّ طوائف العلماء لا يعرفون الحقّ حتّى الأشعري (٣).

وفي صفحة ٧١رماه بقلّة العلم والمعرفة، وضلّل كلّ طوائف علماء الإسلام إلاّ من كان على عقيدته. أَبعد هذا يعبأ بمخالفة إجماعهم (٤) ؟!

والمعاصر القاصر لم يفهم مراد العلاّمة ابن حجر من حكايته عنه أنّ مخالف الإجماع لا يكفّر ولا يفسق وصار المعاصر القاصر يورد من كلام

____________________

(١) مجموعة الفتاوي (الطبعة الحديثة) ١٣ : ١٧.

(٢) منهاج السنّة ٦ : ٣٠٣.

(٣) نفس المصدر ٥ : ٢٨٠.

(٤) نفس المصدر ٥ : ٢٨٢.

٢٤٥

ابن تيميّة ما يدلّ على قوله بحجّية إجماع الاُمّة لأنّها لا تجتمع على ضلالة (١) .

فتدبّر ما نقلناه من لفظ حتّى تعرف صحّة النقل، ومخالفة ابن تيميّة لكلّ علماء الإسلام في مسائل اُصول الدين، وخروجه عن عقيدة علماء الدين وعامة اُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحقيقة.

النوع الثالث : من المكفّرات لابن تيميّة ما يرجع إلى تنقيص الأنبياء مثل قوله إنّ الأنبياء غير معصومين، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا جاه له ولا يتوسل به، وإنشاء السفر إليه بسبب الزيارة معصيّة لا تقصر الصلاة فيه، حكاه ابن حجر في الفتاوى الحديثيّة (٢) .

وقال في الجوهر المنظم : بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً، وإنّه لا تقصر فيه الصلاة، وأنّ جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعة (٣) . انتهى موضع الحاجة.

وقال سند المحدّثين البرنسي في إتحاف أهل العرفان : وقد تجاسر ابن تيميّة الحنبلي ـ عامله الله تعالى بعدله وادّعى أنّ السفر لزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرام، وأنّ الصلاة لا تقصر فيه لعصيان المسافر به (٤) . إلى آخره.

وقال الإمام تقي الدين السبكي في السيف الصقيل : ولم يقتصر على العقائد في علم الكلام حتّى تعدّى وقال : إنّ السفر لزيارة النبيّ معصية (٥) .

____________________

(١) انظر جلاء العينين في محاكمة الأحمدين : ٢٩٧ - ٢٩٨.

(٢) الفتاوى الحديثية : ٨٥.

(٣) الجوهر المنظم (الوهابية المتطرفة موسوعة نقديّة ١) : ٦٦.

(٤) عنه في استخراج المرام من استقصاء الإفحام ١ : ٢١٢.

(٥) السيف الصقيل ردّ ابن زفيل : ١٨.

٢٤٦

إلى آخره.

وقال العلاّمة الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة عند ترجمته لابن تيميّة : ومنهم يعني العلماء في عصره من نسبه إلى الزندقة لقوله : إنّ النبيّ لا يستغاث به، وأنّ ذلك تنقيص ومنع من تعظيم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) . إلى آخره .

وقال ابن بطوطة في رحلته وهو من معاصري ابن تيميّة في طي ما سيأتي نقله تماماً : وكتب عقداً شرعياً على ابن تيميّة باُمور منكرة.

إلى أن قال : ومنها : المسافر الذي ينوي بسفره زيارة القبر الشريف ـزاده الله طيباً لا يقصر الصلاة (٢) . إلى آخره.

وقال الإمام أبو العبّاس أحمد بن يحيى المعروف بابن فضل الله العمري في كتاب مسالك الأبصار في طي ترجمته لتقي الدين السبكي قال : وسدّ ـيعني ابن تيميّة باب الوسيلة بإنكاره السفر لمجرّد الزيارة، وأنّه قطع رحم الرسالة، وخالف ما انعقد عليه الإجماع على الإطلاق، وسدّ باب الذريعة (٣) . إلى آخر ما يأتي نقله في التنبيه.

هذا المشهود به على ابن تيميّة، وأمّا نصوصه المطابقة لذلك فكثيرة في مصنّفاته (٤) .

____________________

(١) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٢) رحلة ابن بطوطة ١ : ٣١٧.

(٣) مسالك الأبصار ٥ : ٧٤٦.

(٤) قال الجلال السيوطي في الخصائص الكبرى في صفحة ٢٠٢ من الجزء الثاني المطبوع بالهند في حيدر آباد قال الماوردي في تفسيره : قال ابن أبي هريرة : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز عليه الخطأ ويجوز على غيره من الأنبياء لأنّه خاتم النبيين فليس

٢٤٧

أمّا قوله بعدم عصمة الأنبياء من الذنوب والخطأ فصريح في صفحة ٢٢٦ وصفحة ٢٢٨ من الجزء الأوّل من منهاج السنّة (١) .

ونسب إليهم الظلم في صفحة ٢١٩ من الجزء الرابع من منهاج السنّة عند ذكره للوجه السادس من وجوه الجواب عن دعوى أن عهد الإمامة لا يصل إلى الظالم لقوله تعالى : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّــلِمِينَ ) (٢) (٣) .

قال : السادس : أنّه قال لموسى : ( إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلاَّ مَن ظَـلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنَا بَعْدَ سُوء فَإِنِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (٤) (٥) .

فحمل الاستثناء على المتّصل.

وحكم على بعضهم بالظلم (٦) . وقد قال الله : ( وَالْكَـفِرُونَ هُمُ الظَّــلِمُونَ ) (٧) .

ثمّ قال في هذه الصفحة : ونصوص الكتاب صريحة في أنّ كلّ بني آدم لابدّ أن يتوب، وهذه المسألة متعلّقة بمسألة العصمة هل الأنبياء معصومون من الذنوب، أم لا فيحتاجون إلى التوبة، والكلام فيها مبسوط قد تقدّم (٨) . انتهى.

____________________

بعده من يستدرك خطأه بخلافهم فذلك عصمة الله تعالى منه. وقال الإمام الحقّ : إنّه لا يخطئ اجتهاده. انتهى ما في الخصائص. «منه عفي عنه».

(١) منهاج السنّة ٢ : ٣٩٤ - ٣٩٩.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٢٤.

(٣) منهاج الكرامة : ٢٢٠.

(٤) سورة النمل ٢٧ : ١١.

(٥و٦) منهاج السنّة ٨ : ٢٨٧.

(٧) سورة البقرة ٢ : ٢٥٤.

(٨) منهاج السنّة ٨ : ٢٨٧.

٢٤٨

أقول : هناك أثبت الذنوب للأنبياء (١) .

قال : والذنوب إنّما تضرّ أصحابها إذا لم يتوبوا منها، والجمهور الذين يقولون بجواز الصغائر عليهم يقولون إنّهم معصومون من الإقرار عليها، وحينئذ فما وصفوهم إلاّ بما فيه كمالهم فإنّ الأعمال بالخواتيم، مع أنّ القرآن والحديث وإجماع السلف معهم (٢) .

إلى أن قال : وأمّا قوله : إنّ هذا ينفي الوثوق ويوجب التنفير (٣) ، فليس هذا بصحيح فيما قبل النبوّة ولا فيما يقع خطأ، ولكن غايته أن يقال : هذا موجود فيما يعدّ من الذنوب فيقال : إذا اعترف الرجل الجليل القدر بما هو عليه من الحاجة إلى توبته واستغفاره ومغفرة الله له ورحمته دلّ ذلك على صدقه وتواضعه وعبوديته لله (٤) .

إلى أن استدلّ بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللّهم اغفر لي هزلي وجدّي وخطأي وعمدي» (٥).

أقول : ولم يفهم المراد من ما ورد في الكتاب والسنّة ولا ما روي في المناجاة، قد أضلّه الله وأعماه فراجع صفحة ٢٢٦ و صفحة ٢٢٨ من الجزء الأوّل من منهاج الحشويّة فإنّه أوجب أن يصدر من الأنبياء المعصية حتّى يتوبوا فينالوا محبّة الله (٦) .

ثمّ قال : ومن اعتقد أنّ كلّ من لم يكفر ولم يذنب أفضل من كلّ مَن

____________________

(١) منهاج السنّة ٢ : ٣٩٤ - ٣٩٩.

(٢) نفس المصدر ٢ : ٤٠٠ - ٤٠١.

(٣) انظر منهاج الكرامة : ٤٢.

(٤) منهاج السنّة ٢ : ٤٠٣.

(٥) صحيح البخاري ٨ : ٤٤٨ / ١٢٦٦، منهاج السنّة ٢ : ٤٠٥.

(٦) منهاج السنّة ٢ : ٣٩٧.

٢٤٩

آمن بعد كفره أو تاب بعد ذنب فهو مخالف لما علم بالاضطرار (١) .

وشكّك في معراج النبيّ في صفحة ١٦٠ من الجزء الرابع من منهاج السنّة وهو كفر من دين الإسلام. إلى آخره (٢) .

وأمّا منعه من التوسّل والاستغاثة برسول الله وغيره من الأنبياء والأولياء فنصوصه بذلك في أكثر مصنّفاته.

قال في رسالة مناسك الحج المطبوعة في آخر الجزء الثاني من مجموع رسائله الكبير ما لفظه : وقد قال تعالى : ( يَـأَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٣) أي الله وحده حسبك وحسب المؤمنين الذين اتّبعوك، ومن قال : إنّ الله والمؤمنين حسبك فقد ضلّ، بل قوله من جنس الكفر، فإنّ الله وحده هو حسب كلّ مؤمن به (٤) .

وقال قبل ذلك : وكذلك من يقصد بقعة لأجل الطلب من مخلوق هي منسوبة إليه، كالقبر والمقام، أو لأجل الاستعاذة به ونحو ذلك، فهذا شرك وبدعة، كما تفعله النصارى ومن أشبههم من مبتدعة هذه الاُمّة حيث يجعلون الحجّ والصلاة من جنس ما يفعلونه من الشرك والبدع . إلى آخره (٥) .

مع أنّ هذا المحروم هو نقل عن العلماء في رسالة الاستغاثة وهي آخر ما في الجزء الأوّل من مجموع الرسائل الكبير ما لفظه : قال العلماء المصنّفون في أسماء الله تعالى : يجب على كلّ مكلّف أن يعلم أنّ لا غياث

____________________

(١) منهاج السنّة ٢ : ٣٩٨.

(٢) نفس المصدر ٨ : ٥٨.

(٣) سورة الأنفال ٨ : ٦٤.

(٤) مجموعة الفتاوى ٢٦ : ٨٧.

(٥) نفس المصدر ٢٦ : ٨٥.

٢٥٠

ولا مغيث على الإطلاق إلاّ الله، وأنّ كلّ غوث فمن عنده وإن كان جعل ذلك على يدي غيره، فالحقيقة له سبحانه وتعالى ولغيره مجاز (١) ، انتهى.

فإذا كان سبحانه جعل ذلك على يدي نبي أو ولي فالحقيقة له فما لهذا المحروم يجعله شركاً، حتّى ذكر في وصيّته الكبرى : أنّ من قال : يا سيدي فلان أجرني ، أو توكّلت عليك وأنت حسبي، أو أنا في حسبك، أو نحو هذه الأقوال فهو شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلاّ قتل، فإنّ الله إنّما أرسل الرسول وأنزل الكتب لتعبد الله وحده لا شريك له ولا تجعل مع الله إلهاً آخر (٢) ، انتهى.

أترى أنّ مسلماً يعتقد أنّ رسول الله خرج عن كونه رسول الله وصار مغيثاً على الإطلاق بذاته لذاته، كلاّ بل كلّ مستغيث به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغيث به لأنّه رسول الله وحبيب الله وولي الله ومحبوب الله، فالحقيقة لله والرسول في ذلك معنى حرفي لا معنى اسمي، فحجّة المتوسّل بالنبيّ والولي ما هو مرتكز في ذهن المسلم وتعليله لأنّه رسول الله وولي الله ومحبوب الله والوجيه عند الله، فهذه المعاني محفوظة في ذهن كلّ مسـلم، ومع حفظها لايكون الرسول والولي هو القادر بالذات، بل كلّه من الله عند كلّ مستغيث به ومتوسّل به، فكلّ كلمات هذا المبدع الحشوي سفسطة وزندقة وتنقيص للرسول والأولياء.

حتّى إنّه في صفحة ٥٥من الجزء الرابع من منهاج الحشويّة الذي سمّاه منهاج السنّة قال بتكفير من قال : حسبي الله ورسوله، أو أرغب إلى

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ١ : ٨٤.

(٢) نفس المصدر ٣ : ٢٤٤ - ٢٤٥.

٢٥١

الله ورسوله (١) .

وفسّر الشفاعة في كتاب جواب أهل العلم في صفحة ٦٩بأقبح الوجوه المستلزمة لنفي التوسل، قال ما لفظه : كلّ من شفع إليه شافع بلا إذنه، فقبل شـفاعته كان منفعلا عن ذلك الشافـع، فقد اثّرت شـفاعته فيه فصيّرته فاعلا بعد أن لم يكن، وكان ذلك الشافع شريكاً للمشفوع إليه في ذلك الأمر المطلوب بالشفاعة إذ كانت بدون إذنه (٢) . إلى آخره.

ألا قائل لهذا المحروم : إذا كان الشافع عبده ورسوله كيف يصير بشفاعته عند ربّه شريكاً له تعالى في ذلك الأمر؟! بل هو حبيبه والله يحبّ سؤال حبيبه، فلا يعقل أن لا يكون الله يحبّ شفاعة حبيبه، والمستشفع إنّما سأله الشفاعة لأنّه حبيب الله ورسوله المقرّب عنده، فالاستشفاع برسول الله وولي الله وشفاعة رسول الله وولي الله عند الله من حقيقة التوحيد لله سبحانه، وأن مسؤول إلاّ هو ولا قادر إلاّ هو، فكلّ ذلك توحيد وعبوديّة لا شرك ولا بدعة.

وقد أخرج الجلال السيوطي في الجزء الثاني من كتابه الخصائص الكبرى في باب اختصاصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجواز أن يقسم على الله به أحاديث يدلّ على ذلك، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو علّم ضريراً أن يقول : «اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي في حاجتي هذه فيقضيها لي، اللّهم شفعّه فيّ» (٣) ففعل الرجل فقام

____________________

(١) منهاج السنّة ٧ : ٢٠١ - ٢٠٦.

(٢) مجموعة الفتاوي ١٧ : ٦٣.

(٣) مسند أحمد ٤ : ١٣٨، سنن الكبرى النسائي ٦ : ١٦٩، المعجم الكبير للطبراني ٩ : ٣١ / ٨٣١١، المعجم الصغير ١ : ١٨٣، كتاب الدعاء : ٣٢٠ / ١٠٥٠ المستدرك للحاكم ١ : ٥١٩، تاريخ الإسلام الذهبي ١ : ٣٦٤، مجمع الزوائد ٢ : ٢٧٩.

٢٥٢

بصيراً في حديث صحيح الإسناد (١) . فراجعه.

لكن الله أعمى قلب ابن تيميّة وأصمّه حتّى ضلّل علماء الإسلام في مسألة التوسّل بالنبي وزيارة القبر الشريف في كتابه تفسير سورة التوحيد.

قال في صفحة ١١٧ : وهكذا يحسب كثير من أهل البدع والضلال والشرك المنتسبين إلى هذه الاُمّة، فإنّ أحدهم يدعوا ويستغيث بشيخه الذي يعظّمه وهو ميّت، أو يستغيث به عند قبره ويسأله وقد ينذر له نذراً ونحو ذلك (٢) . إلى آخر كلامه فراجعه فإنّ فيه الفضائح والشناعات.

وقال المحروم في آخر رسالة الاستغاثة : لا يعرف عن أحد من أئمّة المسلمين أنّه جوّز مطلق الاستغاثة بغير الله ولا أنكر على من نفى مطلق الاستغاثة عن غير الله (٣) . انتهى.

قد كذب على العلماء فإنّهم ينكرون عليه منعه من الاستغاثة برسول الله حتّى حكموا على ابن تيميّة بالزندقة، كما حكاه الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة، وقد تقدمت عبارته (٤) ويأتي تمامها في الشـهادات ومخالفتها لصريح الروايات الصحاح عن سيّد الأنبياء كما في شفاء السقام (٥) وخلاصة الكلام (٦) .

ومن ذلك قوله في في صفحة ١٢٤ من تفسير سورة التوحيد ما لفظه : وأمّا زيارة قبور الأنبياء والصالحين لأجل طلب الحاجات منهم، أو دعائهم

____________________

(١) الخصائص الكبرى ٢ : ٢٩٩.

(٢) انظر تفسير سورة الإخلاص : ١٧٢، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٤٥ - ٢٤٦.

(٣) مجموعة الفتاوى ١ : ٨٦.

(٤) تقدّم فى ص : ٦٥، وراجع الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٥) شفاء السقام من الصفحة ٢ إلى الصفحة ٤٠ فيها خمسة عشر حديثاً.

(٦) خلاصة الكلام : ٣١٤ ....

٢٥٣

والأقسام بهم على الله، أو ظنّ أنّ الدعاء أو الصلاة عند قبورهم أفضل منه في المساجد والبيوت، فهذا ضلال وشرك وبدعة باتّفاق المسلمين (١) .

وصرّح في صفحة ١٢١ : بأنّ آثار الأنبياء التي بالشام وبيت المقدّس ودمشق مثل الآثار الثلاثة التي بجبل قاسيون في غربيّه الربوة المضافة إلى عيسى عليه‌السلام ، وفي شرقيّه المقام المضاف إلى الخليل عليه‌السلام ، وفي وسطه وأعلاه مغارة الدّم المضافة إلى هابيل لما قتله قابيل.

قال : فهذه البقاع وأمثالها لم يكن السابقون الأوّلون يقصدونها ولا يزورونها ولا يرجون منها بركة، فإنّها محلّ الشرك ولهذا توجد فيها الشياطين كثيراً وقد رآهم غير واحد على صورة الإنس ويقولون لهم : رجال الغيب (٢) . إلى آخره.

وقال في صفحة ١٣٧ : المفسدة وهي اتّخاذ آثار الأنبياء مساجد وهي التي تسمّى المشاهد، وما اُحدث في الإسلام من المساجد والمشاهد على القبور والآثار فهي من البدع المحدثة في الإسلام من فعل من لم يعرف شريعة الإسلام، وما بعث الله به محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كمال التوحيد وإخلاص الدين وسدّ أبواب الشرك التي يفتحها الشيطان لبني آدم (٣) . إلى آخره.

إلى أن قال في آخر صفحة ١٣٨ : وعُمّار المشاهد يخافون غير الله ويرجون غيره ويدعون غيره، وهو سبحانه لم يقل : إنّما يعمر مشاهد الله، فإنّ المشاهد ليست بيوت الله إنّما هي بيوت الشرك (٤) . إلى آخره.

____________________

(١) تفسير سورة الإخلاص : ١٨٢، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٥٣.

(٢) تفسير سورة الإخلاص : ١٧٨، مجموعة الفتاوى ١٧ : .٢٥.

(٣) تفسير سورة الإخلاص : ٢٠٠، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٦٧.

(٤) تفسير سورة الإخلاص : ٢٠١، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٦٩.

٢٥٤

أقول : قال جلال الدين السيوطي في كتابه الخصائص الكبرى في صفحة ٢٠٣ من الجزء الثاني المطبوع بحيدر آباد الهند ما لفظه بحروفه : قال العلماء : محل الخلاف في التفضيل بين مكّة والمدينة في غير قبره الشريف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمّا هو فأفضل من الكعبة، بل ذكر ابن عقيل الحنبلي أنّه أفضل من العرش (١) . انتهى.

فقول ابن تيميّة : إنّما هي بيوت الشرك» تنقيص في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنقيص من مشهده الشريف بالضرورة، وتعظيم مشهد رسول الله ومشاهد الأنبياء وآثارهم من تعظيم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب، والمنع من تعظيمها، ووصفها بـ : بيوت الشرك وبيوت الشياطين من أقبح الكفر والتنقيص لأنبياء الله.

وقد ذكر المحروم في منهاج السنّة في الجزء الأوّل منه في صفحة ١٣١ وصفحة ١٣٣ نحو هذه الكفريات والخرافات فراجعه وتدبّر (٢) .

وقال في رسالة مناسك الحجّ : والزيارة البدعة أن يكون مقصود الزائر يطلب حوائجه من ذلك الميت، أو يقصد الدعاء عند قبره، أو يقصد الدعاء به (٣) .

وقال في الوصيّة الكبرى في صفحة ٢٩١ من الجزء الأوّل من مجموع رسائله الكبير ما لفظه : إنّ من أكبر أسباب عبادة الأوثان كان التعظيم للقبور بالعبادة ونحوها، قال الله تعالى في كتابه : ( وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ

____________________

(١) انظر الخصائص الكبرى (طبعة دار الكتب العلمية بيروت) ٢ : ٢٠٣.

(٢) منهاج السنّة ١ : ٤٧٤ - ٤٨٦.

(٣) مجموعة الفتاوي ٢٦ : ٨٢.

٢٥٥

ءَالِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ) (١) .

قال : ولهذا اتّفق العلماء على أنّ مَن سلّم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند قبره أنّه لا يتمسّح بحجرته ولا يقبّلها; لأنّ التقبيل والاستلام إنّما يكون لأركان بيت الله الحرام، فلا يشبّه بيت المخلوق ببيت الخالق (٢) . انتهى. فتدبّر.

وأمّا نصّه على حرمة السفر لزيارة رسول الله وسائر الأنبياء والأولياء ففي أكثر مصنّفاته :

قال في رسالته في مناسك الحجّ وقد طبعت في آخر مجموع الرسائل الكبير له ما لفظه : لا يسافر أحد ليقف بغير عرفات، ولا يسافر للوقوف بالمسجد الأقصى، ولا للوقوف عند قبر أحد لا من الأنبياء ولا من المشايخ ولا غيرهم باتّفاق المسلمين، بل أظهر قولي العلماء : إنّه لا يسافر أحد لزيارة قبر من القبور (٣) .

إلى أن قال : ولهذا كان أئمّة العلماء يعدّون من جملة البدع المنكرة السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين، وهذا في أصحّ القولين غير مشروع، حتّى صرّح بعض من قال ذلك : إنّ من سافر هذا السفر لا يقصر الصلاة لأنّه سفر معصية، وكذلك من يقصد بقعة لأجل الطلب من مخلوق وهي منسوبة إليه كالقبر والمقام، أو لأجل الاسـتعاذة به ونحو ذلك، فهذا شـرك وبدعة كما تفعله النصارى ومن أشبههم من مبتدعة هذه الاُمّة (٤) . إلى آخره.

____________________

(١) سورة نوح ٧١ : ٢٣.

(٢) مجموعة الفتاوى ٣ : ٢٤٧. وللاطّلاع أكثر راجع الجوهر المنظم (الوهابية المتطرفة موسوعة نفدبّة ١) : ١٥٨ - ١٦٢.

(٣) مجموعة الفتاوى ٢٦ : ٨٣.

(٤) نفس المصدر ٢٦ : ٨٥.

٢٥٦

وقال في رسالة زيارة بيت المقدّس في صفحة ٥٥من الجزء الثاني من مجموع رسائله الكبير المطبوع بمصر ما لفظه : ولو نذر السفر إلى قبر الخليل عليه‌السلام ، أو قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو إلى الطور الذي كلّم الله عليه موسى عليه‌السلام ، أو إلى جبل حراء الذي كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتعبّد فيه وجاءه الوحي فيه، أو الغار المذكور في القرآن، أو غير ذلك من المقابر والمقامات والمشاهد المضافة إلى بعض الأنبياء والمشايخ، أو إلى بعض المغارات، أو الجبال لم يجب الوفاء بهذا النذر باتّفاق الأئمّة الأربعة، فإنّ السفر إلى هذه المواضع منهي عنه; لنهي النبيّ : «لا تشدّ الرحال إلاّ...» (١) . إلى آخره (٢) .

وقال في تفسير سورة الإخلاص في صفحة ١٢١ : ولا تشدّ الصحابة الرحال لا إليه ـأي قبر الخليل ولا إلى غيره من المقابر (٣) ، إلى آخره.

وقد جمع الإمام تقي الدين السبكي جملة من نصوصه وفتاويه بالحرمة وزيّفها في شفاء السقام (٤) .

النوع الرابع من المكفّرات : التشنيع على بعض الصحابة من الخلفاء، والاستدراك عليهم بالاعتراضات، ورميهم بالعظائم.

قال ابن حجر في الجوهر المنظم بعد كلام يأتي : وتدارك على أئمّتهم سيما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة (٥) .

وقال في الفتاوي الحديثيّة بعد نقل عقيدته الفاسدة ما هذا لفظه :

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١٠١٤.

(٢) مجموعة الفتاوى ٢٧ : ٨ - ٩.

(٣) تفسير سورة الإخلاص : ١٧٧. ومجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٥٠.

(٤) شفاء السقام في زيارة خير الأنام : ١٣٨ - ١٦٠.

(٥) الجوهر المنظم (الوهابية المتطرفة موسوعة نقدية ١) : ٦٧.

٢٥٧

وهو يناسب ما كان عليه من سوء الاعتقاد حتّى في أكابر الصحابة (١) .

وقال البرنسي في إتحاف أهل العرفان : واستدرك على الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة حقيرة (٢) .

وقال العلاّمـة ابن حجـر العسـقلاني في الدرر الكامنة : فصـار يردّ على صغير العلمـاء وكبيرهـم قديمهـم وحديثهـم حتّى انتهى إلى عمـر فخطّـأَه (٣) .

قال : وقال في حقّ عليّ : أخطأ في سبعة عشر شيئاً، ثمّ خالف فيها نصّ الكتاب ، منها : اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الأجلين (٤) .

إلى أن قال : ومنهم من ينسبه إلى النفاق; لقوله في علىّ ما تقدّم، ولقوله : إنّه كان مخذولاً حيث ما توجه، وإنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنّما قاتل للرئاسة لا للديانة، ولقوله : إنّه كان يحب الرئاسة، وإنّ عثمان كان يحبّ المال، ولقوله : أبو بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول وعليّ أسلم صبيّاً والصبي لا يصحّ اسلامه على قول، ولكلامه في قصّة أبي العاص بن الربيع وما يؤخذ من مفهومها، فإنّه شنّع في ذلك على عليّ فالزموه بالنفاق لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يبغضك إلاّ منافق» (٥) انتهى موضع الحاجة (٦) .

وأمّا حطّه على عمر فقد سمعه بعض أجلاّء عصره علماً ومعرفةً وهو

____________________

(١) الفتاوى الحديثيّة : ٨٤ و ٨٦.

(٢) عنه في استخراج المرام من استقصاء الإفحام ١ : ٢١٢.

(٣) الدرر الكامنة ١ : ٩٢.

(٤) نفس المصدر ١ : ٩٣.

(٥) مسند أحمد ١ : ٩٥ و ١٢٨، سنن الترمذي ٥ : ٣٠٦ / ٣٨١٩، سنن النسائي ٨ : ١١٧، معجم الأوسط الطبراني ٣ : ٨٩ / ٢١٧٧.

(٦) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

٢٥٨

على جامع الجبل بالصالحيّة وقد ذكر عمر بن الخطّاب فقال : إنّ عمر له غلطات وبليّات وأي بليّات، حكاه في الفتاوي الحديثيّة (١) .

وقال البرنسي في إتحاف أهل العرفان : واستدرك على الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة حقيرة فسقط من أعين علماء الاُمّة (٢) .

وقال عبد الحليم في حلّ المعاقد : وله هفوات اُخر، كما يقول : إنّ أمبر المؤمنين سيدنا عثمان رضي‌الله‌عنه كان يحبّ المال، وأنّ أمير المؤمنين سيدنا علي رضي‌الله‌عنه ما صحّ إيمانه فإنّه آمن في حال صباه (٣) . انتهى.

أقول : هذا المشهود به عليه.

وأمّا نصوصه المطابقة لذلك فهي فوق حدّ الإحصاء :

قال في معارج الوصول المطبوع في الجزء الأوّل من مجموع رسائله الكبير قال في صفحة ٢٠٨ ما لفظه : وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنّه بدعة; إمّا لأحاديث ضعيفة ظنّوها صحيحة، وإمّا لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإمّا لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم (٤) . انتهى.

قال في منهاج السنّة : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر يضرب عبده وهو محرم فقال : «انظروا ما يفعل المحرم» (٥) . قال : ومثل هذا كثير (٦) .

____________________

(١) الفتاوى الحديثيّة : ٨٧.

(٢) عنه في استخراج المرام من استقصاء الإفحام ١ : ٢١٢.

(٣) حلّ المعاقد : ٨٠ - ٨١.

(٤) مجموعة الفتاوى ١٩ : ١٠٤.

(٥) انظر مسند أحمد ٦ : ٣٤٤، سنن أبي داوُد ٢ : ٢٢٣، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٨، المستدرك للحاكم ١ : ٤٥٤.

(٦) منهاج السنّة ٦ : ٢٦١.

٢٥٩

وقال في صفحة ٢١٤ من الجزء الثالث من منهاج السنّة : وكان النّاس ينفرون عن عمر لغلظته وشدّته أعظم من نفورهم عن عليّ حتّى كره بعضهم تولية أبي بكر له وراجعوه (١) . انتهى موضع الحاجة منه.

وقال في صفحة ١٣٥ من الجزء الثالث : وأمّا عمر فاشتبه عليه هل كان قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شدّة المرض أو كان من أقواله المعروفة، والمرض جائز على الأنبياء، ولهذا قال : ما له أهجر. فشكّ في ذلك ولم يجزم بأنّه هجر، والشكّ جائز على عمر (٢) . انتهى إلى آخر كلامه، فتدبّر حقيقة قوله.

وقال في صفحة ١٥٤ من الجزء الثاني من منهاج السنّة ما لفظه : وعمر بن الخطّاب أقلّ خطأً من عليّ عليه‌السلام ، وقد جمع العلماء مسائل الفقه التي ضعف فيها قول أحدهما، فوجد الضعف في قول علي رضي‌الله‌عنه أكثر، مثل إفتائه بأنّ المتوفّي عنها زوجها تعتدّ أبعد الأجلين (٣) ، مع أنّ سنّة رسـول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثابتة عنه الموافقة لكتاب الله تقتضي أنّها تحل بوضـع الحمل، وبذلك أفتى عمر وابن مسعود، ومثل إفتائه بأنّ المفوّضة يسقط مهرها بالموت (٤) .

إلى أن قال : وقد وجـد من أقوال علي عليه‌السلام المتناقضة في مسائل الطلاق واُم ولد والفرائض وغير ذلك أكثر ممّا وجد من أقوال عمر المتناقضة. انتهى (٥) .

____________________

(١) منهاج السنّة ٦ : ٣٢١.

(٢) نفس المصدر ٦ : ٢٤.

(٣) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٤٦٤، جواهر الكلام ٣٣ : ٤٦٠، المجموع للنووي ١٨ : ١٤٩.

(٤) رياض المسائل ١٢ : ٢٣، جواهر الكلام ٣٢ : ٩١، المجموع للنووي ١٦ : ٣٧٣.

(٥) منهاج السنّة ٤ : ١٨٣.

٢٦٠