البراهين الجليّة - ج ١

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ١

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-628-8
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

الزندقة وابن سبعين وغيرهما صاروا يطلبون النبوّة.

إلى أن قال : ومن هؤلاء مَن يقول بالحلول والاتّحاد، وهم في الحلول والاتّحاد نوعان :

نوع يقول بالحلول والاتّحاد العالم المطلق كابن عربي وأمثاله، ويقولون في النبوّة : أنّ الولاية أعظم منها، كما قال ابن عربي : مقام النبوّة في برزخ فويق الرسول دون الولي (١) ، إلى آخر ما ذكر (٢) .

ثمّ في الجزء الرابع في صفحة ١٤٨ قال : وقد يجعلون قوى النفس التي تقتضي فعل الخير هي الملائكة، وقواها التي تقتضي الشرّ هي الشياطين، وأن الملائكة التي تنزل على الرسل والكلام الذي سمعه موسى ابن عمران عليه‌السلام إنّما هو في نفوس الأنبياء، ليس في الخارج، بمنزلة ما يراه النائم، وما يحصل لكثير من الممرورين وأصحاب الرياضة حيث يتخيّل في نفسه أشكالا نورانيّة، ويسمع في نفسه أصواتاً، فتلك هي عندهم ملائكة الله، وذلك هو كلام الله، ليس له كلام منفصل، ولهذا يدّعي أحدهم أنّ الله كلّمه كما كلّم موسى بن عمران أو أعظم ممّا كلّم موسى; لأنّ موسى كُلِّم عندهم بحروف وأصوات في نفسه وهم يُكلَّمون بالمعاني المجرّدة العقليّة، وصاحب مشكاة الأنوار (٣) والكتب المضنون بها على غير أهلها وقع في كلامه قطعة من هذا النمط، وقد كفّرهم بذلك في مواضع اُخر ورجع عن ذلك واستقر أمره على مطالعة البخاري ومسلم وغيرهما، ومن

____________________

(١) انظر تفسير ابن عربي ١ : ١٧١، شرح فصوص الحكم للقيصري : ١٤٨.

(٢) منهاج السنّة ٥ : ٣٣٤.

(٣) وهو أبو حامد الغزالي المتوفّي سنة ٥٠٥ هـ .

١٦١

هنا سلك صاحب خلع النعلين ابن قسي (١) وأمثاله، وكذلك ابن عربي صاحب فصوص الحكم والفتوحات المكيّة، إلى آخر كلامه (٢) .

وفي آخر هذه الصفحة نسب إلى السهروردي إنّه كان يطلب أن يصير نبياً (٣).

وفي الصفحة التي بعدها وهي صفحة ١٥٠ نسب إليه أنّه عظّم أمر الأنوار، وقرّب دين المجوس الأوّل وهي نسخة الباطنيّة الإسماعليّة (٤) ، وكان له يد في السحر والسيميّات فقتله المسلمون على الزندقة بحلب في زمن صلاح الدين، وكذلك ابن سبعين الذي جاء من المغرب إلى مكّة،

____________________

(١) أبو القاسم أحمد بن قسي الأندلسي ، مصنّف خلع النعلين في الوصول إلى حضرة الجمعين ، شرحه الشيخ محيي الدين بن عربي المتوفّي سنة ٦٣٨ هـ ، وذكر أنّ المؤلّف كان من أهل الأدب والفضل متضلِّع في اللّغة . قال الذهبي : . . . كان أوّل أمره يدعي الولاية ، وكان ذا حيلة وشعبذة ، ومعرفة بالبلاغة . . . كان سيّيء الاعتقاد فلسفي التصوّف ، مبتدعاً ، أراد الثورة فظفر به عبد المؤمن وسجنه ، سمّي أصحابه بالمرابطين ، توفّي سنة ٥٤٥ هـ ، وقيل : حدود ٥٦٠ هـ . سير أعلام النبلاء ٢٠ : ٣١٦ / ٢١٠ ، تاريخ الإسـلام للذهبي ٣٨ : ٣٣٧ ، الوافي بالوفيـات ٧ : ٢٩٧ / ٣٢٨٢ .

(٢) منهاج السنّة ٨ : ٢١.

(٣) نفس المصدر ٨ : ٢٤.

(٤) الإسماعيلية فرقة تنسب إلى إسماعيل أكبر أولاد الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ، لاعتقادهم أنّ الإمامة فيه، وقيل : نسبة إلى ولده محمّد بن إسماعيل، وهي أيضاً اسم لجميع الفرق التي قالت بإمامتة، كالقرامطة والتعليمية والدروز في الشام والحشّاشون أتباع الحسن الصباح والسبعية وغيرها. ومحمّد بن إسماعيل عندهم الإمام السابع ولذا سميت أيضاً بالسبعية; لتميزها عن الاثني عشرية، وأشهر ألقابهم الباطنية، وإنّما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأنّ لكلّ ظاهر باطناً، ولكلّ تنزيل تأويلاً. المقالات والفرق : ٨١، ٢١٣، فرق الشيعة : ٦٩،الملل والنحل ١ : ٣٣٠، المواقف للايجي ٣ : ٦٧٥، تاريخ الإسلام ٢٠ : ٢٣٢، ٢٣٣، ٢٣٦، الوافي بالوفيات ٩ : ٦٢ / ٣.

١٦٢

وكان يطلب أن يصير نبيّاً، وجدّد غار حرّاء الذي نزل فيه الوحي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابتداء، وحكي عنه (١) أنّه كان يقول : لقد ذَرِب ابن آمنة حيث قال : «لا نبي بعدي» (٢) ، وكان بارعاً في الفلسفة وفي تصوّف المتفلسفة (٣) وما يتعلّـق بذلك، وهـو وابن عربي وأمثالهمـا كالصـدر القونوي (٤) ، وابن الفارض، والتلمساني (٥) ، منتهى أمرهم القول بوحدة الوجود [وأنّ الوجود] (٦) الواجب القديم الخالق هو الوجود الممكن المُحدَث المخلوق،

____________________

(١) انظر : تاريخ الإسلام للذهبي ٤٩ : ٢٨٣.

(٢) مسند أحمد ١ : ١٨٤ و ٢ : ٢٩٧ و ٣ : ٣٢ و ٥ : ٢٧٨، ٣٩٦، صحيح البخاري ٤ : ٦٣٤ / ١٦٠٤، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ / ٣١ - ٣٢.

(٣) في نسخة : التصوّف الفلسفي.

(٤) صدر الدين أبو عبد الله محمّد بن إسحاق بن محمّد بن يوسف بن علي القونوي الرومي الصوفي على مذهب أهل الوحدة. شيخ الاتّحاد بقونية، صحب ابن العربي، وقرأ كتاب جامع الاُصول على شرف الدين يعقوب الهذياني، ورواه عنه الشيخ قطب الدين الشيرازي، له مصنّفات في السلوك، فمن ذلك النفحات وتحفة الشكور وتجليّات وتفسير سورة الفاتحة، له مراسلات مع الخواجه نصير الدين الطوسي المسمّى بالمفارضات، توفّي سنة ٦٧٣ أو ٦٧٢ أو ٦٧١ هـ. الوافي بالوفيات ٢ : ٢٠٠ / ٥٧٢١، طبقات الشافعية للسبكي ٨ : ٤٥ / ١٠٦٩، الطبقات الكبرى للشعراني ١ : ٢٠٣، الأعلام للزركلي ٦ : ٣٠.

(٥) أبو الربيع سليمان بن علي، المنطقي الأديب المتقن في علوم النحو والأدب والفقه والاُصول، عفيف الدين التلمساني، كان كوميّ الأصل ـمن قبيلة كومة تنقّل في بلاد الروم، وسكن دمشق فباشر فيها بعض الأعمال، وكان يدّعي العرفان ويتصوّف ويتكلّم على اصطلاح القوم، يتّبع طريقة ابن العربي في أقواله وأفعاله، ونسبه جماعة إلى رقة الدين والميل إلى مذهب النصيرية. له من التصانيف : شرح أسماء الحسنى، وشرح منازل السائرين، وشرح الفصوص، وله ديوان مشهور. توفّي في دمشق سنة ٦٩٠ هـ ودفن بمقابر الصوفية. تاريخ الإسلام للذهبي ٥ : ٤٠٦، الوافي بالوفيات ١٥ : ٤٠٨ / ٥٥٧، الأعلام٣ : ١٣٠، طبقات الصوفية ٢ : ٤٢٠ / ٥١٢.

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.

١٦٣

ما ثَمَّ لا غير ولا سوى. إلى آخر تشنيعاته وكذبه وافترائه، وله في هذه الصفحة حماسات في فهم كلام الشيخ محي الدين ابن عربي (١) .

وفي صفحة ١٦٠ ذكر أنّ ابن عربي يعتقد أنّ خاتم الأنبياء يستفيد من خاتم الأولياء، وأنّه هو خاتم الأولياء (٢) .

ثمّ قال : فهذه الأقوال ونحوها هى الكفر المخالف لدين الإسلام باتّفاق أهل الإسلام، إلى آخره.

وفي كتابه المسمّى ببيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول المطبوع في هامش منهاجه.

قال في صفحة ٤ من هامش الجزء الأوّل : كما يفضّل ابن عربي الطائي خاتم الأولياء في زعمه على الأنبياء، وكما يفضل الفارابي (٣) ومبشر ابن فاتك (٤) وغيرهما الفيلسوف على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمّا الذين يقولون : إنّ

____________________

(١) منهاج السنّة ٨ : ٢٥.

(٢) منهاج السنّة ٨ : ٥٩.

(٣) الشيخ أبو نصر محمّد بن محمّد بن طرخان بن اوزلغ التركي، المشهور بالمعلم الثاني، أحد الأذكياء صاحب التصانيف في المنطق والموسيقى. كان من الفلاسفة المعروفين، وقالوا : لم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه، تركي الأصل، ولد في فاراب، وانتقل إلى بغداد، ورحل إلى مصر وشام واتّصل بسيف الدولة بن حمدان، توفّي بدمشق سنة ٣٣٩ هـ، كان يحسن اليونانية وأكثر اللغات الشرقية المعروفة في عصره، ويقال : إنّ الآلة المعروفة بالقانون من وضعه. الفهرست لابن النديم : ٣٦٨، سير أعلام النبلاء ١٥ : ٤١٦ / ٣٣١، الوافي بالوفيّات ١ : ١٠٦ / ١١، الكنى والألقاب ٣ : ٢، الأعلام للزركلي ٧ : ٢٠.

(٤) أبو الوفاء مبشر بن فاتك الآمري ، المعروف بالأمير محمود الدولة ، من أعيان أُمراء مصر ، أصله من دمشق توطّن مصر إلى أن مات بها سنة ٤٨٠ هـ . اشتغل في الهيئة والعلوم الرياضية الحكمية وصناعة الطب والأخبار والتواريخ ، وكان ممن

١٦٤

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم ذلك فقد يقولون : إنّ النبيّ أفضل من الفيلسوف، قال : وابن سينا وأمثاله من هؤلاء، وهذا في الجملة قول المتفلسفة والباطنيّة كالملاحدة الإسماعليّة وأصحاب رسائل أخوان الصفا (١) ، والفارابي، وابن سينا، والسهروردي المقتول، وابن رشد الحفيد (٢) ، وملاحدة الصوفيّة الخارجين عن طريقة المشايخ المتقدمين من أهل الكتاب والسنّة كابن عربي، وابن سبعين، وابن الطفيل صاحب رسالة حي بن يقظان (٣) ، وخلق

____________________

اجتمع به من العلماء وأخذ عنه كثيراً أبو علي الحسن بن الهيثم وأبو الحسن المعروف بالآمدي وغيرهما ، له مصنّفات منها : التنبيه والتبيين لمصالح الدنيا والدين ، مختار الحكم ومحاسن الكلم . عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة : ٥٦٠ ، الوافي بالوفيات ١٥ : ، معجم الاُدباء ١٧ : ٧٧ / ٢٤ ، الأعلام للزركلي ٥ : ٢٧٣ .

(١) مجموعة في إحدى وخمسـين رسالة من تأليف جماعة كان موطنها البصـرة ولم يعرف أشخاصهم، وذكر أبو حيّان أسماء خمسة ينتمون إليهم، وذهب البعض إلى أنّ مؤلّفه هو السيد أحمد بن عبد الله بن محمّد المكتوم بن إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام المتوفّي سنة ٢١٥ هـ. كشف الظنون ١ : ٩٠٢، أعيان الشيعة ٣ : ٢٢٦، معجم المطبوعات العربية ١ : ٤٠٩، الأعلام للزركلي ١ : ١٥٥ و ٣ : ٥٩، الذريعة ١ : ٣٨٣ / ١٩٨١ و٨ : ٩ / ١.

(٢) محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن رشد أبو الوليد القرطبي حفيد ابن رشد، الفقيه شيخ المالكية، عرض الموطأ على والده، وأخذ الطبّ عن أبي مروان بن جُرَّبُول، ودرس الفقه حتى برع، وأقبل على علم الكلام والفلسفة وعلوم الأوائل حتى صار يضرب به المثل، له مصنّفات كثيرة، توفّي سنة ٥٩٥ هـ . سير أعلام النبلاء ٢١ : ٣٠٧ / ١٦٤، الوافي بالوفيات ٢ : ١١٤ / ٤٥٠، الأعلام للزركلي ٥ : ٣١٦.

(٣) محمّد بن عبد الملك بن محمّد بن محمّد بن طفيل القيسي أبو بكر، أو أبوجعفر، حكيم طبيب، رياضي، شاعر، ولد في وادى آش، وتعلم الطب في غرناطة، وخدم حاكمها، ثمّ أصبح طبيباً للسلطان أبي يعقوب يوسف بالأندلس، قرأ على جماعة من أهلها منهم أبو بكر بن الصائغ المعروف بابن باجة، وكان بينه

١٦٥

كثير غير هؤلاء (١) .

وفي هامش صحفة ١٠ قال : وهذا الأصل نقيض الأصل الذي ذكره طائفة من الملحدين، كما ذكره الرازي (٢) في أَوّل كتابه نهاية العقول (٣) .

وفي صفحة ١٧٥ قال ما لفظه : وأمّا ملاحدة المتصوّفة كابن عربي الطائي، وصاحبه الصدر القونوي، وابن سبعين، وابن فارض وأمثالهم (٤) ، إلى آخر كلامه.

وفي هامش صفحة ١٩٥ قال : إذ صاحـب مشكاة الأنوار يعني أباحامدالغزالي (٥) : بنى كلامه على اُصول هؤلاء الملاحدة، وجعل ما

____________________

وبين ابن رشد مباحث ومراجعات، وكان متمكناً على الحكمة حريصاً على الجمع بين الشريعة والفلسفة من آثاره رسالة حي بن يقظان في أسرار الحكمة المشرقية، توفّي بمراكش سنة ٥٨١ هـ. وفيات الأعيان لابن خلّكان ٥ : ٤٩١ ذيل الترجمة : ٨٤٥، عيون الأنباء في طبقات الأطباء : ٥٣٥، الأعلام ٦ : ٢٤٩، معجم المؤلفين ١٠ : ٢٥٩.

(١) درء تعارض العقل والنقل ١ : ٩ - ١٢.

(٢) محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين بن علي القرشي التميمي البكري، أبو عبد الله المعروف بالفخر الرازي، الإمام المفسِّر، أحد فقهاء الشافعية المشاهير، أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل، أصله من طبرستان ومولده في الري وإليها نسب، ويقال له : ابن خطيب الري، رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان، وتوفّي في هرات سنة ٦٠٦ هـ، كان مبدأ اشتغاله على والده ثمّ على الكمال السماني، أقبل الناس على كتبه في حياته يتدارسونها، وكان يحسن الفارسية، من تصانيفه تفسير مفاتيح الغيب المعروف بالتفسير الكبير. الوافي بالوفيات ٤ : ٢٤٨ / ١٧٨٧، طبقات الشافعية الكبرى ٨ : ٨١ / ١٠٨٩، الأعلام للزركلي ٦ : ٣١٣.

(٣) درء تعارض العقل والنقل ١ : ٢١.

(٤) نفس المصدر ١ : ٢٩٠.

(٥) زين الدين محمّد بن محمّد بن محمّد بن أحمد أبو حامد الغزالي الطوسي الشافعي، تفقّه ببلده أوّلاً، ثمّ تحول إلى نيسابور مع جماعة من الطلبة، فلازم إمام

١٦٦

يفيض على النفوس من المعارف من جنس خطاب الله عزّوجلّ لموسى بن عمران عليه‌السلام ، كما تقوله القرامطة الباطنيّة ونحوهم من المتفلسفة، وجعل خلع النعلين الذي خوطب به موسى صلوات الله وسلامه عليه إشارة إلى ترك الدنيا والآخرة قال : وهو من جنس قول مَن يقول : إنّ النبوّة مكتسبة، ولهذا كان أكابرهؤلاء يطمعون في النبوّة، فكان السهروردي المقتول يقول : لا أموت حتّى يقال لي : قم فأنذر..

وكان ابن سبعين يقول : لقد ذرب ابن آمنة حيث قال : «لا نبي بعدي»، ولما جعل خلع النعلين إشارة إلى ذلك، أخذ ذلك ابن قسي ونحوه ووضع كتابه في خلع النعلين واقتباس النور من موضع القدمين من مثل هذا الكلام، ومن هنا دخل أهل الإلحاد من أهل الحلول والوحدة والاتّحاد، حتّى آل أمرهم إلى أن جعلوا وجود المخلوقات عين وجود الخالق سبحانه وتعالى، كما فعل صاحب الفصوص ابن عربي، وابن سبعين، وأمثالهما من الملاحدة المنتسبين إلى التصوّف والتحقيق (١) ، انتهى.

وفي كتابه جواب أهل العلم والإيمان كفّر ابن المرابط وغيره ممّن يقول بنفي التفاضل في كلام الله، وهم كلّ أهل السنّة والجماعة

____________________

الحرمين فبرع في الفقه في مدّة قريبة، ومهر في الكلام والجدل، حتى صار عين المناظرين، أصله من غزالة وهي قرية من أعمال طوس وقيل : كان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه، رحل إلى بغداد ودمشق والحجاز ومصر وبيت المقدس والاسكندرية، وعاد إلى وطنه، كان فيلسوفاً متصوّفاً، له آثار كثيرة في الفقه والاُصول والأخلاق وغيرها، توفّي سنة ٥٠٥ هـبطابران قصبة في طوس. تاريخ دمشق ٥٥ : ٢٠٠، سير أعلام النبلاء ١٩ : ٣٢٣ / ٢٠٤، الأعلام للزركلي ٧ : ٢٢.

(١) درء تعارض العقل والنقل ١ : ٣١٧ - ٣١٨.

١٦٧

الأشعريّة (١) .

وفي صحفة ٧٧ حطّ على أبي حامد الغزالي وشنّع عليه وجهّله فراجع (٢) .

وفي كتابه تفسير سورة الإخلاص ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) المطبوع بمصر ذكر في صفحة ٤٠ ما لفظه : وهؤلاء إذا حقّقت ما يقوله مَنْ هو أقربهم إلى الإسلام -كابن رشد الحفيد ـ وجدت غايته أن يكون الربّ شرطاً في وجود العالم لا فاعلاً له، وكذلك من سلك مسلكهم من المدّعين للتحقيق من ملاحدة الصوفيّة، كابن عربي وابن سبعين حقيقة قولهم : إنّ هذا العالم موجود واجب أزلي ليس له صانع غير نفسه، وهم يقولون : الوجود واحد، وحقيقة قولهم : إنّه ليس في الوجود خالق خلق موجوداً آخر، وكلامهم في المعاد والنبوات شرّ من كلام اليهود والنصارى وعبّاد الأصنام (٣) .

وفي صفحة ٧٢ منه طعن على الغزالي أبي حامد في النقل (٤) .

وفي صفحة ٨١ غلّط أحمد بن حنبل في المتشابه (٥) .

وفي رسالته التي سمّاها الفرقان في صفحة ١٤٠ شنّع بالتشنيع القبيح على الإمام الرازي، وكذلك في صفحة ١٤١ (٦) .

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ١٧ : ٤٥.

(٢) نفس المصدر ١٧ : ٦٥ - ٦٦.

(٣) تفسير سورة الإخلاص تحقيق محمّد خفاجي : ٦٦، مجموعة الفتاوى ١٧ : ١٦٣.

(٤) نفس المصدر : ١٠٧، مجموعة الفتاوى ١٧ : ١٩٤.

(٥) نفس المصدر : ١٢٤، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٠٧.

(٦) مجموعة الفتاوى ١٣ : ٩٧ - ٩٨.

١٦٨

وفي صفحة ١٤٥ حطّ على ابن سبعين، والصدر القونوي، وتلميذه ابن عربي، والبلياني (١) ، والتلمساني، وذكر كفريّات وحكاها عن التلمساني (٢) .

وفي صفحة ١٥٦ حطّ على أبي يزيد ونحوه (٣) .

وفي صفحة ١٦٩ حطّ على الشيخ محمّد بن السكران الصوفي (٤) .

وفي صفحة ١٧٣ شنّع على الشيخ عثمان شيخ زاوية دير ناعس (٥) وعلى أتباعه بالقبيح (٦) .

وفي صفحة ١٧٣ حطّ على الشيخ محمّد الخالدي، قال : نسبةً إلى شيطان كان يقربه يقال له : الشيخ خالد، وهم يقولون : إنّه من الإنس من رجال الغيب (٧) .

____________________

(١) هو أوحد الدين أبو عبد الله بن ضياء الدين ـ إمام الدين ـ مسعود بن محمّد بن علي ابن أحمد بن عمر بن إسماعيل بن علي الدقّاق، الصوفي، عارف بعلم الرمل شاعر، المذكور في النفحات، وإليه ينسب حفيده الأوحدي البلياني، من مصنّفاته رياض الطالبين أو رياض الصالحين، مفتاح الكور جهات الرمل، توفّي سنة ٦٨٦ هـ. نفحات الاُنس : ٢٩١ / ٣٢٥، هدية العارفين ١ : ٤٦٣، معجم المؤلفين ٦ : ١٥٠.

(٢) مجموعة الفتاوى ١٣ : ١٠٠ - ١٠١.

(٣) نفس المصدر ١٣ : ١٠٧.

(٤) نفس المصدر ١٣ : ١١٧.

(٥) عثمان بن محمد بن عبد الحميد ، التنوخي ، البعلبكي ، العدوي ، شيخ دير ناعس ، ويعد عند الصوفية كبير القدر وصاحب أحوال وكرامات وعبادات ومجاهدات ، وكان من أهل البرّ . توفّي سنة ٦٥١ أو ٦٥٠ هـ . تاريخ الإسلام للذهبي ٤٨ : ١٠٢ / ٢٧١ ، الوافي بالوفيات ١٩ : ٣٣٣ / ٣ ، عيون التواريخ لابن شاكر ٢٠ : ٧٢ .

(٦) مجموعة الفتاوى ١٣ : ١١٨.

(٧) نفس المصدر ١٣ : ١١٩.

١٦٩

وفي صفحة ١٧٥ سبّ اليونسيّة (١) ، والأحمديّة (٢) ، وجعلهم خنازير (٣) .

أقول : حكى التاج السبكي في الطبقات الكبرى عن أبي تراب : أنّ مَن لم يؤمن بكرامات الصوفيّة فقد كفر. قال التاج : إنّ الكرامات حقّ وقول أبي تراب : من لم يؤمن بها فقد كفر، بالغ في الحطّ على منكرها، وقد يؤوّل لفظة الكفر في كلامه ويحمل على أنّه لم يَعْنِ الكفر المخرِج عن الملّة ولكنّه كفر دون كفر، قال : وإنّي لأعجب أشدّ العجب من منكرها وأخشى عليه مقت الله (٤) ، انتهى.

وقد عرفت تشنيعات ابن تيميّة على كبار الصوفيّة.

وفي صفحة ١٧٨ قال : وهذه هي الاُصول العقليّة التي يعتمدون عليها هم ومن يوافقهم كالقاضي أبي يعلى وأبي المعالي، وأبي الوليد الباجي (٥)

____________________

(١) فرقة من المرجئة، ينتمون إلى يونس النمريّ وكان يزعم أنّ الإيمان هو المعرفة بالله عزّ وجلّ، والخضوع له، وهو ترك الاستكبار عليه، والمحبّة له، فمن اجتمعت فيه هذه الخلال فهو مؤمن. وزعم أنّ إبليس كان عارفاً بالله عزّوجلّ غير أنّه كفر باستكباره عليه. الملل والنحل ١ : ٣١٥، الأنساب للسمعاني ٥ : ٦٢٩ ذيل ترجمة ١١٥٠٦، شرح المواقف للجرجاني ٨ : ٣٨٧، الوافي بالوفيات ٢٩ : ١٨٣ / ٢١٩.

(٢) فرقة تُنسب إلى علي بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعي المغربي أبو العباس مؤسس الطريقة الرفاعية، شافعيّ المذهب، انضمّ إليه خلق من الفقراء وأحسنوا فيه الاعتقاد ويقال لهم : الأحمدية والبطائحية ولهم أحوال عجيبة من أكل الحيات حية، والنزول إلى التنانير وهي تتضرم، ذكرها ابن بطوطة في رحلته، توفّي سنة ٥٧٨ هـ. الوافي بالوفيات ٧ : ٢١٩ / ٣١٧٧، النجوم الظاهرة ٦ : ٨٤، طبقات الشافعية للأسنوي ١ : ٢٩٠ / ٥٤٤، الكنى والألقاب ٢ : ٢٤٨. رحلة ابن بطوطة ٢ : ١٠.

(٣) مجموعة الفتاوى ١٣ : ١٢٠.

(٤) الطبقات الكبرى ٢ : ٣١٥.

(٥) سلمان بن خلف بن سعد بن أيوب التجبيبي، الاُندلسي الباجي، المالكي، الفقيه الاُصولي المتكلم المفسّر الأديب الشاعر، رحل إلى بلاد المشرق فسمع هناك

١٧٠

تبعاً للقاضي أبي بكر وأمثاله، وهو وأتباعه يناقضون عبد الجبار (١) وأمثاله، كما ناقض الأشعري وأمثاله أبا علي (٢) وأبا القاسم (٣) ، وكلّ الاُصول العقليّة

____________________

الكثير، واجتمع بأئمّة ذلك الوقت كالقاضي أبي الطيب الطبري وأبي إسحاق الشيرازي، وجاور بمكّة مع الشيخ أبي ذرّ الهرويّ، وأقام ببغداد وبالموصل عند أبي جعفر السمناني قاضياً، وسمع الخطّيب البغدادي وسمع منه الخطيب أيضاً، ثمّ رجع إلى بلده بعد ثلاث عشرة سنة وتولّى القضاء هناك، قال ابن خلّكان : له مصنّفات عديدة توفّي سنة ٤٧٤ هـ. تاريخ دمشق ٢٢ : ٢٢٤ / ٢٦٦٠، وفيات الأعيان ٢ : ٣٤٠ / ٢٧٥، معجم الأدباء ١١ : ٢٤٦ / ٧٩،الوافي بالوفيات ١٥ : ٣٧٢ / ٥٢٠، الأعلام للزركلي ٣ : ١٢٥.

(١) ابن أحمد عبد الجبار بن أحمد بن خليل، العلاّمة المتكلّم، شيخ المعتزلة في عصره، أبو الحسن الهمداني الأسد آبادي، من كبار فقهاء الشافعية، الملقّب بقاضي القضاة ولا يطلق المعتزلة هذا اللقب على غيره، قرأ على أبي إسحاق بن عياش، ثمّ رحل إلى بغداد وقرأ على الشيخ أبي عبد الله البصري، وسمع من علي بن إبراهيم بن سلمة القطان وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب، وحدث عنه القاضيان الحسن بن علي الصيمري وأبو القاسم التنوخي وغيرهما، توفّي سنة ٤١٥ أو ٤١٤ هـ. تاريخ بغداد ١١ : ١١٣ / ٥٨٠٦، الأنساب للسمعاني ١ : ١٤١ / ٣٢٨، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٥ : ٩٧ / ٤٤٣، الأعلام ٣ : ٢٧٣.

(٢) أبو علي الجبائي محمّد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، المعروف بالجبائي، أحد أئمة المعتزلة، كان إماماً في علم الكلام ورأساً في الفلسفة، وأخذ هذا العلم عن أبي يوسف يعقوب عبد الله الشمام البصري رأس المعتزلة بالبصرة، وله مذهب في الاعتزال ومقالات مشهورة، وعنه أخذ الشيخ أبو الحسن الأشعري علم الكلام، وله معه مناظرة أرختها العلماء، توفّي سنة ٣٠٣ هـ، له مصنفات. الفهرست لابن النديم : ٥١، الأنساب للسمعاني ٢ : ٣٦ / ١٩٤٦، الوافي بالوفيات ٤ : ٧٤ / ١٥٣، طبقات الشافعية للسبكي ٢ : ٢٥٠، الغدير ٧ : ٨٢.

(٣) عبد الله بن أحمد بن محمود، أبو القاسم الكعبي البلخي، رأس المعتزلة ورئيسهم في زمانه وداعيتهم، صنف في الكلام كتباً كثيرة، وأقام ببغداد مدّة طويلة وانتشرت بها كتبه، ثمّ عاد إلى بلخ فأقام بها إلى حين وفاته. والكعبي نسبة إلى بني كعب،

١٧١

التي ابتدعها هؤلاء وهؤلاء باطلة في العقل والشرع، انتهى (١) .

فصار حاصله إبطال اُصول كلّ فرق أهل السنّة، فالرجل خارج عنهم، والخارج عنهم ليس من أهل السنّة.

وفي رسالة معارج الوصول المطبوعة أيضاً في الجزء الأوّل من مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيميّة في صفحة ١٨٠ وهي أوّل صفحات معارج الوصول ذكر شنايع على الفارابي، وأمثاله مثل بشر بن فاتك، ثمّ على ابن سينا ثمّ على علماء الكلام، ثمّ على علماء المكاشفة، وفي الصفحة التي بعدها شنّع على أبي حامد الغزالي، ثمّ على ابن سينا، ثمّ على ابن رشد الحفيد (٢) .

أقول : فمحصول هذه الفصول من كلامه أنّه عدوّ الإسلام، وكذا كتب إليه الشيخ الإمام نصر المنبجي في طي كلامه المتقدّم نقله في الشهادات، قال : فهو سائر زمانه يسبّ الأوصاف والذوات، ولم يقنع بسبّ الأحياء حتّى حكم بتكفير الأموات، ولم يكفه التعرّض على من تأخّر من صالحي السلف حتّى تعدّى إلى الصدر الأوّل ومن له أعلى المراتب في الفضل، فياويح مَن هؤلاء خصماؤه يوم القيامة، وهيهات أن لا يناله غضب وأنّى له السلامة، إلى آخر ما تقدّم (٣) .

وقال ابن حجر في الفتاوى الحديثيّة بعد نقله لكلام ابن تيميّة في

____________________

والبلخي منسوب إلى بلخ إحدى مدن خراسان. تنسب إليه الطائفة الكعبية منهم توفّي سنة ٣١٧ أو ٣١٩ هـ. سير أعلام النبلاء ١٤ : ٣١٣ / ٢٠٤، الوافي بالوفيات ١٧ : ٢٥ / ٢١، الأعلام للزركلي ٤ : ٦٥.

(١) مجموعة الفتاوى ١٣ : ١٢٢ - ١٢٣.

(٢) نفس المصدر ١٩ : ٨٥ - ٨٦.

(٣) تقدّم في المقصد الأول في الشهادات في ص : ٧٠ - ٧١.

١٧٢

الطعن على بعض علماء الصوفيّة ما لفظه : وهو يناسب ما كان عليه من سوء الاعتقاد حتّى في أكابر الصحابة ومن بعدهم إلى أهل عصره، وربّما أدّاه اعتقاده ذلك إلى تبديع كثير منهم.

إلى أن قال : ولا زال يتتبع الأكابر حتّى تمالأ عليه أهل عصره ففسّقوه وبدّعوه بل كفّره كثير منهم، إلى آخر ما تقدّم (١) .

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمته لابن تيميّة : فصار يردّ على صغير العلماء وكبيرهم وقديمهم وحديثهم (٢) .

ثم قال : وكان لتعصّبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتّى أنّه سبّ الغزالي، إلى آخر كلامه المتقدّم في المقصد الأوّل (٣) .

وقال ابن حجر المكّي في الجوهر المنظم بعد حكايته عقيدة ابن تيميّة الفاسدة ما لفظه : وضلّل من لم يعتقد ذلك من المتقدّمين والمتأخّرين (٤) .

وقال الشيخ محمّد البرنسي : إنّ ابن تيميّة نسب من لم يعتقد الجهةوالتجسيم إلى الضلال والتأثيم (٥) .

أقول : ولهذا قام عليه علماء عصره القائمين في حقّ الله وكفّروه ببدعهومنعوا الناس من عقيدته الزائغة.

وممّن ناظره الشيخ الإمام صدر الدين بن المرحل (٦) ، قال التاج

____________________

(١) راجع ص : ٨٧ - ٨٨، الفتاوى الحديثيّة : ٨٤.

(٢) الدرر الكامنة ١ : ٩٢.

(٣) راجع مقدمة المؤلف ص : ٦٦، والدرر الكامنة ١ : ٩٢ - ٩٣.

(٤) تقدم في ص : ٨٤.

(٥) تقدّم في المقصد الأوّل فى ص : ٧٩.

(٦) أبو عبد الله محمّد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد الشيخ صدر الدين، المعروف

١٧٣

السبكي في ترجمته : وله مع ابن تيميّة المناظرات الحسنة، وبها حصل عليه التعصب من أتباع ابن تيميّة (١) ، انتهى.

ومنهم أيضـاً : الشيخ نصـر المنبجي كان قد تقدم في الدولـة لاعتقاد بيرس الجاشنكه فيه، فبلغه أن ابن تيميّة يقع في ابن عربي، فأرسل منكراً عليه، وكتب إليه كتاباً طويلا تقدّم ذكره في الشهادات (٢) .

وممّن ناظره أيضاً : النور البكري على ما حكاه ابن جماعة في طبقات الشافعيّة ، وذلك لما رحل ابن تيميّة إلى مصر قام عليه وأنكر ما يقوله وآذاه، إلى آخر ماذكره ابن جماعة (٣) .

وذكر ابن حجر في الدرر الكامنة في أثناء ترجمة ابن تيميّة ما لفظه : وكان أشدّ الناس عليه في ذلك النور البكري، فإنّه لمّا عقد له المجلس بسبب ذلك يعني منعه من السفر لزيارة القبر المكرّم، قال بعض الحاضرين : يعزّر. فقال البكري : لا معنى لهذا القول، فإنّه إن كان تنقيصاً

____________________

بابن المرحّل وبابن الوكيل، تفقه على والده وعلى الشيخ شرف الدين المقدسي، وسمع الحديث من القاسم الإربلي. كان بارعاً في مذهبه، يضرب المثل باسمه، فارساً في البحث، وكان جامعاً للعلوم الشرعية والعقلية، واللغوية، فصيحاً، شاعراً، توفّي سنة ٧١٦ هـ. طبقات الشافعية للأسنوي ٢ : ٢٥٤ / ١١٤٣، الوافي بالوفيات ٤ : ٣٦٤ / ١٨٠٢، الدرر الكامنة ٤ : ٧٢ / ٤٢٩٨.

(١) طبقات الشافعيّة الكبرى ٩ : ٢٥٣ / ١٣٢٩.

(٢) تقدّم في مقدمة المؤلف في ص : ٧١.

(٣) محمّد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن سخر، قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله الكناني الحموي الشافعي، حاكم الإقليمين مصر وشام، محدّث فقيه، سمع الحديث واشتغل بالعلم فحصل على فنون متعددة وتقدّم أقرانه، كان مناظراً متفنناً مفسّراً خطيباً ورعاً، توفّي بمصر سنة ٧٣٣ هـ. الوافي بالوفيات ٢ : ١٨ - ٢٠ / ٢٦٨، طبقات الشافعية للسبكي ٩ : ١٣٩ / ١٣١١، الدرر الكامنة ٣ : ١٧١ / ٣٣٧٩، شذرات الذهب ٦ : ١٠٥.

١٧٤

يقتل، وإن لم يكن تنقيصـاً لا يعزّر، وقـد تقـدّم تمـام الكلام في الشـهادات (١) .

ومنهم : الإمام العلاّمة قاضي القضاة شيخ الإسلام إمام المجتهدين سيف المناظرين تقي الدين أبو الحسن عليّ بن عبد الكافي السبكي، قال ابن فضل الله العمري في كتابه مسالك الأبصار في أخبار ملوك الأمصار في أثناء ثنائه على التقي السبكي : قام حين خلّط على ابن تيميّة الأمر، وسوّل له قرينه الخوض في ضحضاح ذلك الجمر، حين سدّ باب الوسيلة، وأنكر شدّ الرحال لمجردّ الزيارة، وقطع رحمها، وما برح الإمام السبكي يدلج ويسير حتّى نصر صاحب ذلك الحمى الذي لا ينتهك نصراً مؤزّراً، وكشف من خبء الضمائر في الصدر عنه صدراً موغراً، فأمسك ما تماسك من باقي العُرى، وحصّل أجراً في الدنيا وفي الآخرة يرى، حتّى سهّل السبيل إلى زيارة صاحب القبر عليه الصلاة والسلام، وقد كادت تزوّر عنه [قسراً] (٢) صدور الركائب، وتجرّ قهراً أعنّة القلوب وهي لوائب، بتلك الشبه التي كادت شرارتها تعلق بحداد الأوهام، وتمدّ غيهب صداها صدأ على مزايا الأفهام ، وهيهات كيف يزار المسجد ويخفى صاحبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أيخفيه الإبهام ، أو تذاد المطى عنه وهي تتراشق إليه كالسهام، ولولاه عليه‌السلام لما عرف تفضيل ذلك المسجد، ولا يمّم إلى ذلك المحل مؤمل (٣) المغير ولاالمنجد ، ولولاه لما قدّس الوادي، ولا اُسّس على التقوى مسجد في ذلك النادي ، وكذلك قبلها، شكر الله له، قام في لزوم ما انعقد عليه

____________________

(١) راجع ص : ٦٥ ـ ٦٦، الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٢) عن المصـدر.

(٣) في المصدر : تأميل بدل : مؤمل.

١٧٥

الإجماع، وبعد الظهور بمخالفته الأطماع..

ومنع في مسألة الطلاق أن تجري في الكفّارة مجرى اليمين، وأن يجلى في صورة إن حقّقت لا بيمين (١) ، خوفاً على محفوظ الأنساب ومحفوظ الأحساب، لمّا كانت تؤدى إليه هذه العظيمة، وتستولي عليه هذه المصيبة العميمة..

وصنّف في الردّ على هاتين المسألتين كتابيه، بل جرّد سيفه، وأرهف دبابه (٢) ، وردّ القِرن وهو ألد خصيم، وشدّ عليه وهو يشدّ على غير هزيم، وقابله وهو العثير الذي يغشي الأبصار (٣) ، وقاتله وكم جَهِد جهد (٤) ما يثبت البطل لعليٍّ وفي يديه ذو الفقار.

وتطاعنا وتواقفت خيلاهما

وكلاهما بطل اللّقاء مقنّع (٥)

وما زال حتّى تقطّرت الصفاح، وتقصّرت (٦) الرماح، وتخفيت (٧) الكلم الأدلّة، وجفّ القلم حتّى لم يبق فيه بلّة، وانجلت غياهب ذلك الغين، وتبرق فيه صفحات الحقّ السوي والحظّ السعيد النبوي والنصر المحمدي إلاّ أنّه بالفتوح العلوي يجاهد، أيّد صاحب الشريعة وآزره، وردّ على من سدّ باب الذريعة وخذل ناصره، وأمضى يسابق إليه مرمى طرفه،

____________________

(١) حكاه عنه التاج السبكي في طبقات الشافعية الكبرى ١٠ : ١٤٩ - ١٥٠. وفي المصدر : وأن تجلى في صورة إن حقّقت لا تبين.

(٢) في المصدر : ذبابيه.

(٣) هكذا في نسخة من المصدر وفي المطبوع : وهو الشمس التي تعشي الأبصار.

(٤) ليست في المصدر.

(٥) البيت لأبي ذؤيب الهذلي انظر أشعار الهذليين ١ : ٣٨، وفيه :

فتنازلا وتواقفت خيلاهما

وكلاهما بطل اللّقاء مقنّع

(٦) في المصدر : تقصّفت .

(٧) في المصدر : تحيّفت.

١٧٦

جواد جرى على اعراقه، وجاء على أثر سباقه، إلى آخر كلامه. وقد أخرجه بتمامه التاج في الطبقات الكبرى (١) .

ومنهم : قاضي القضاة كمال الدين ابن الزملكاني الإمام المناظر، وله مع ابن تيميّة أبحاث، ذكر صاحب كشف الظنون بحث ابن تيميّة وابن الزملكاني في مسألة الطلاق وفي شدّ الرحال إلى قبور الأنبياء، قال : فصنّفوافيه ، منها : الأبحاث الجليّة، وكتاب الدرّة اليتيمة، قال : وبالغ العلاء في ردّه حتّى صرّح بكفر من أطلق عليه شيخ الإسلام، انتهى (٢) .

وقد تقدّم في المقصد الأوّل حقيقة المراد، وأنّه لا مبالغة في ذلك عند أهل السداد.

وقال اليافعي في ما تقدّم نقله : ثم نودي بدمشق وغيرها من كان على عقيدة ابن تيميّة حلّ ماله ودمه (٣) .

وقال الشيخ البرنسي في إتحاف أهل العرفان بعد كلام تقدّم نقله في الشهادات : فسقط ابن تيميّة من أعين علماء الاُمّة، وصار مثلة بين العوام فضلا عن الأئمّة، وتعقّب العلماء كلماته الفاسدة، وأظهروا عوار سقطاته، وبيّنوا قبائح أوهامه وغلطاته (٤) .

وقال ابن حجر في الجوهر المنظم : حتّى قام عليه علماء عصره، وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره، فحبسه إلى أن مات، وخمدت تلك

____________________

(١) الطبقات الكبرى ١٠ : ١٤٩ - ١٥١، وانظر أيضاً مسالك الأبصار في أخبار ملوك الأمصار ٥ : ٧٤٣.

(٢) كشف الظنون ١ : ٢٢٠.

(٣) مرآة الجنان ٤ : ٢٤٠ وقد تقدّم في ص : ٧١.

(٤) راجع ص : ٧٩.

١٧٧

البدع فزالت تلك الظلمات، إلى آخر ما تقدّم (١) .

وتقدّم أنّه قال : تمالأ عليه أهل عصره ففسّقوه وبدّعوه بل كفّره كثير منه (٢) ، انتهى.

____________________

(١و٢) راجع ص : ٨٦.

١٧٨

المقصد الثالث

في أنواع المكفّرات لابن تيميّة في اُصول

الدين وفروعه وهي تسعة أنواع

١٧٩
١٨٠