معاني القرآن - ج ١

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء

معاني القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء


المحقق: أحمد يوسف نجاتي و محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٠٩
الجزء ١ الجزء ٣

فقال عزوجل : (يا أَيُّهَا (١) الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ).

ووصف (٢) المنافقين فقال : (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتّبعوك).

وقوله : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) (٤٥) أي (لا يَسْتَأْذِنُكَ) بعد غزوة تبوك فى جهاد (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) به.

ثم قال : (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ) بعدها (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)

وقوله : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) (٥٢) : الظفر أو الشهادة ، فهما الحسنيان. والعرب تدغم اللام من (هل) و (بل) عند التاء خاصة. وهو فى كلامهم عال كثير ؛ يقول : هل تدرى ، وهتّدرى. فقرأها القراء على ذلك ، وإنما استحبّ فى القراءة خاصّة تبيان ذلك ، لأنهما منفصلان ليسا من حرف واحد ، وإنما بنى القرآن على الترسّل والترتيل وإشباع الكلام ؛ فتبيانه أحب إلىّ من إدغامه ، وقد أدغم القرّاء (٣) الكبار ، وكلّ صواب.

وقوله : (أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) (٥٣) وهو أمر فى اللفظ وليس بأمر فى المعنى ؛ لأنه أخبرهم أنه لن يتقبّل منهم.

وهو فى الكلام بمنزلة إن فى الجزاء ؛ كأنك قلت : إن أنفقت طوعا أو كرها فليس بمقبول منك. ومثله (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) (٤) ليس بأمر ، إنما هو على تأويل الجزاء. ومثله قول الشاعر (٥) :

أسيئي بنا أو أحسنى لا ملومة

لدينا ولا مقليّة إن تقلّت

__________________

(١) سبق ذكر لهذه الآية.

(٢) يريد أنهم وصفوا بما فى الآية الآتية. وهى فى الآية ٤٢ من السورة.

(٣) هم حمزة والكسائىّ وخلف فى رواية هشام.

(٤) آية ٨٠ سورة التوبة.

(٥) هو جميل فى قصيدة يتغزل فيها بثينة.

٤٤١

وقوله : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا) (٥٤)

(أنهم) فى موضع رفع لأنه اسم للمنع ؛ كأنك قلت : ما منعهم أن تقبل منهم إلا ذاك. و (أن) الأولى فى موضع (١) نصب. وليست بمنزلة قوله : (وَما أَرْسَلْنا) (٢) (قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ) هذه فيها واو مضمرة ، وهى مستأنفة (٣) ليس لها موضع. ولو لم يكن فى جوابها اللام لكانت أيضا مكسورة ؛ كما تقول : ما رأيت منهم رجلا إلا إنه ليحسن ، وإلّا إنه يحسن. يعرّف أنها مستأنفة أن تضع (هو) فى موضعها فتصلح ؛ وذلك قولك : ما رأيت منهم رجلا إلا هو يفعل ذلك. فدلّت (هو) على استئناف إنّ.

وقوله : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٥٥)

معناه : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم فى الحياة الدنيا. هذا معناه ، ولكنه أخّر ومعناه التقديم ـ والله أعلم ـ لأنه إنما أراد : لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم فى الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها فى الآخرة. وقوله (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) أي تخرج أنفسهم وهم كفّار. ولو جعلت الحياة الدنيا مؤخّرة (٤) وأردت : إنما يريد الله ليعذبهم بالإنفاق كرها ليعذبهم بذلك فى الدنيا ، لكان وجها حسنا.

__________________

(١) إذ المصدر المؤول فيها مفعول ثان لمنع.

(٢) آية ٢٠ سورة الفرقان.

(٣) يريد أنها فى صدر جملة وليست فى موضع المفرد. وجملتها فى موضع النصب لأنها حال.

(٤) أي غير منوىّ تقديمها ، كما فى الرأى السابق.

٤٤٢

وقوله : (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) ـ أى حرزا ـ (أَوْ مَغاراتٍ) (٥٧)

وهى الغيران ؛ واحدها غار فى الجبال (أَوْ مُدَّخَلاً) يريد : سربا فى الأرض.

(لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) مسرعين ؛ الجمح هاهنا : الإسراع.

وقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) (٥٨)

يقول : بعيبك ، ويقولون : لا يقسم بالسّويّة.

(فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا) فلم يعيبوا.

ثم إن الله تبارك وتعالى بيّن لهم لمن الصدقات.

فقال : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) (٦٠)

وهم أهل صفّة (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كانوا لا عشائر لهم ، كانوا يلتمسون الفضل بالنهار ، ثم يأوون إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهؤلاء الفقراء.

(وَالْمَساكِينِ) : الطوّافين على الأبواب (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) وهم السعاة.

(وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) وهم أشراف العرب ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطيهم ليجترّبه إسلام قومهم.

(وَفِي الرِّقابِ) يعنى المكاتبين (وَالْغارِمِينَ) : أصحاب الدّين الذين ركبهم فى غير إفساد.

__________________

(١) هى موضع مظلل من المسجد.

٤٤٣

(وَفِي سَبِيلِ اللهِ) : الجهاد (وَابْنِ السَّبِيلِ) : المنقطع به ، أو الضيف.

(فريضة من الله) نصب على القطع. والرفع فى (فريضة) جائز لو قرئ (١) به. وهو فى الكلام بمنزلة قولك : هو لك هبة وهبة ، وهو عليك صدقة وصدقة ، والمال بينكما نصفين ونصفان ، والمال بينكما شقّ الشعرة وشقّ ....

وقوله : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) (٦١)

اجتمع قوم على عيب (٢) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فيقول رجل منهم : إن هذا يبلّغ محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيقع بنا ، ف (يَقُولُونَ) : إنما (هُوَ أُذُنٌ) سامعة إذا أتيناه صدّقنا ، فقولوا ما شئتم. فأنزل الله عزوجل (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) أي كما تقولون ، ولكنه لا يصدّقكم ، إنما يصدّق المؤمنين.

وهو قوله : (يُؤْمِنُ بِاللهِ) : يصدق بالله. (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) : يصدّق المؤمنين. وهو كقوله : (لِلَّذِينَ) (٣) (هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) أي يرهبون ربهم.

وأما قوله : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فمتصل بما قبله. وقوله : (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا) إن شئت خفضتها (٤) تتبعها لخير ، وإن شئت (٥) رفعتها أتبعتها الأذن. وقد (٦) يقرأ : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) كقوله : قل أذن أفضل لكم ؛ و (خير) إذا خفض فليس على معنى أفضل ؛ إذا خفضت (خير) فكأنك قلت : أذن صلاح لكم ، وإذا قلت : (أذن خير لكم) ، فإنك قلت : أذن أصلح لكم. ولا تكون الرحمة إذا رفعت (خير) إلا رفعا. ولو نصبت الرحمة على

__________________

(١) قرأ به إبراهيم بن أبى عبلة ؛ كما فى القرطبي.

(٢) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «غيب».

(٣) آية ١٥٤ سورة الأعراف.

(٤) والخفض قراءة حمزة.

(٥) سقط فى أ.

(٦) قرأ بهذا الحسن.

٤٤٤

غير هذا الوجه كان صوابا : (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ، ورحمة) يفعل ذلك. وهو كقوله : (إِنَّا (١) زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ. وَحِفْظاً).

وقوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (٦٢)

وحّد (٢) (يرضوه) ولم يقل : يرضوهما ؛ لأن المعنى ـ والله أعلم ـ بمنزلة قولك : ما شاء الله وشئت ؛ إنما يقصد بالمشيئة قصد الثاني ، وقوله : (ما شاءَ اللهُ) تعظيم لله مقدّم قبل الأفاعيل ؛ كما تقول لعبدك : قد أعتقك الله وأعتقتك. وإن شئت أردت : يرضوهما فاكتفيت بواحد ؛ كقوله :

نحن بما عندنا وأنت بما عن

دك راض والرأى مختلف

ولم يقل : راضون.

وقوله : (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً) (٦٦) والطائفة واحد واثنان ، وإنما نزل فى ثلاثة نفر استهزأ رجلان برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، وضحك إليهما آخر ، فنزل (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ) يعنى الواحد الضاحك (نُعَذِّبْ طائِفَةً) يعنى المستهزئين. وقد جاء (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ) (٣) يعنى واحدا. ويقرأ : «إن يعف عن طائفة منكم تعذّب طائفة». و «إن يعف ... يعذّب طائفة».

وقوله : (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) (٦٧)

: يمسكون عن النفقة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) آيتا ٥ ، ٦ من سورة الصافات.

(٢) كذا فى ش. وفى ا : «جديرأن».

(٣) آية ٢ سورة النور.

٤٤٥

وقوله : (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (٦٩)

أي فعلتم كأفعال الذين من قبلكم.

وقوله : (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ). يقول : رضوا بنصيبهم فى الدنيا من أنصبائهم فى الآخرة.

وقوله : (فَاسْتَمْتَعْتُمْ) أي أردتم ما أراد الذين من قبلكم.

وقوله : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) يريد : كخوضهم الذي خاضوا.

وقوله : (وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ) (٧٠)

يقال : إنها قريات قوم لوط وهود وصالح. ويقال : إنهم أصحاب لوط خاصّة.

جمعوا بالتاء على قوله : (وَالْمُؤْتَفِكَةَ) (١) (أَهْوى). وكأنّ جمعهم إذ قيل (الْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ) على الشيع والطوائف ؛ كما قيل : قتلت الفديكات ، نسبوا إلى رئيسهم أبى فديك (٢).

وقوله : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (٧٢)

رفع بالأكبر ، وعدل عن أن ينسق على ما قبله وهو مما قد وعدهم الله تبارك وتعالى ، ولكنه أوثر بالرفع لتفضيله ؛ كما تقول فى الكلام : قد وصلتك بالدراهم والثياب ، وحسن رأيى خير لك من ذلك.

وقوله : (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ) (٧٤)

هذا تعيير لهم ؛ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدم على أهل المدينة وهم محتاجون ، فأثروا من الغنائم ، فقال : وما نقموا إلا الغنى ف (أن) فى موضع نصب.

__________________

(١) آية ٥٣ سورة النجم.

(٢) هو من رءوس الخوارج.

٤٤٦

وقوله : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ) (٧٩)

يراد به : المتطوعين (١) فأدغم التاء عند الطاء فصارت طاء مشددة. وكذلك (ومن (٢) يطّوّع خيرا) ، (والمطّهّرين) (٣).

ولمزهم إياهم : تنقّصهم ؛ وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حثّ الناس على الصدقة ، فجاء عمر بصدقة ؛ وعثمان بن عفّان بصدقة عظيمة ، وبعض أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ ثم جاء رجل يقال له أبو عقيل بصاع من تمر ، فقال المنافقون : ما أخرج هؤلاء صدقاتهم إلا رياء ، وأما أبو عقيل فإنما جاء بصاعه ليذكر بنفسه ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ) يعنى المهاجرين (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ). يعنى أبا عقيل. والجهد لغة أهل الحجاز والوجد ، ولغة غيرهم الجهد والوجد.

وقوله : (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) (٨٣)

من الرجال ، خلوف وخالفون ، والنساء خوالف : اللاتي يخلفن فى البيت فلا يبرحن. ويقال : عبد خالف ، وصاحب خالف : إذا كان مخالفا.

وقوله : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ) (٩٠) وهم الذين لهم عذر. وهو فى المعنى المعتذرون ، ولكن التاء أدغمت عند الذال فصارتا جميعا (ذالا) مشدّدة ، كما قيل يذّكّرون ويذّكّر. وهو مثل (يخصّمون) (٤) لمن فتح الخاء ، كذلك فتحت العين لأن إعراب التاء صار فى العين ؛ كانت ـ والله أعلم ـ

__________________

(١) حكى فى الإعراب المفسر : المطوعين. ولو لا هذا لقال : المتطوعون.

(٢) فى الآية ١٥٨ من سورة البقرة. ويريد المؤلف قراءة حمزة والكسائي. وقراءة العامة : تطوع

(٣) آية ١٠٨ سورة التوبة.

(٤) فى آية ٤٩ سورة يس.

٤٤٧

المعتذرون. وأما المعذّر على جهة المفعّل فهو الذي يعتذر بغير عذر ؛ حدّثنا محمد قال حدّثنا الفراء قال : وحدّثنى أبو بكر بن عيّاش عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس ، وأبو حفص الخرّاز عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قرأ (١) : (المعذرون) ، وقال : لعن الله المعذّرين ؛ ذهب إلى من يعتذر بغير عذر ، والمعذر : الذي قد بلغ أقصى العذر. والمعتذر قد يكون فى معنى المعذر ، وقد يكون لا عذر له. قال الله تبارك وتعالى فى الذي لا عذر له :

(يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ) (٩٤)

ثم قال : (لا تعتذروا) لا عذر لكم. وقال لبيد فى معنى الاعتذار بالأعذار إذا جعلهما واحدا :

وقوما فقولا بالذي قد علمتما

ولا تخمشا وجها ولا تحلقا الشعر

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

يريد : فقد أعذر.

وقوله : (حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا) (٩٢)

(يجدوا) فى موضع نصب بأن ، ولو كانت رفعا على أن يجعل (لا) فى مذهب (ليس) كأنك قلت : حزنا أن ليس يجدون ما ينفقون ، ومثله. قوله : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) (٢). وقوله : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) (٣).

وكلّ موضع صلحت (ليس) فيه فى موضع (لا) فلك أن ترفع الفعل الذي بعد (لا) وتنصبه.

__________________

(١) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «قال».

(٢) آية ٨٩ سورة طه.

(٣) آية ٧١ سورة المائدة.

٤٤٨

وقوله : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) (٩٧)

نزلت فى طائفة من أعراب أسد وغطفان وحاضرى المدينة. و (أجدر) كقولك : أحرى ، وأخلق.

(وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا) موضع (أن) نصب. وكل موضع دخلت فيه (أن) والكلام الذي قبلها مكتف بما خفضه أو رفعه أو نصبه ف (أن) فى موضع نصب ؛ كقولك : أتيتك أنّك محسن ، وقمت أنك مسىء ، وثبتّ عندك أنك صديق وصاحب. وقد تبين لك أن (أن) فى موضع نصب ؛ لأنك تضع فى موضع (أن) المصدر فيكون نصبا ؛ ألا ترى أنك تقول : أتيتك إحسانك ، فدلّ الإحسان بنصبه على نصب أن. وكذلك الآخران.

وأما قوله : (وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا) فإن وضعك المصدر فى موضع (أن) قبيح ؛ لأن أخلق وأجدر يطلبن الاستقبال من الأفاعيل فكانت ب (أن) تبين المستقبل ، وإذا وضعت مكان (أن) مصدرا لم يتبيّن استقباله ، فلذلك قبح. و (أن) فى موضع نصب على كل حال ؛ ألا ترى أنك تقول : أظن أنك قائم فتقضى على (أن) بالنصب ، ولا يصلح أن تقول : أظن قيامك ، فأظن نظير لخليق ولعسى (وجدير) (١) وأجدر وما يتصرف منهن فى (أن).

وقوله : (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) (٩٨)

يعنى : الموت والقتل.

يقول الله تبارك وتعالى : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) وفتح السين من (السوء) هو وجه الكلام ، وقراءة أكثر القرّاء. وقد رفع مجاهد (٢) السين فى موضعين : هاهنا وفى

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى ش ، ج. وثبت فى أ.

(٢) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو.

٤٤٩

سورة الفتح (١). فمن قال : (دائِرَةُ السَّوْءِ) فإنه أراد المصدر من سؤته سوءا ومساءة ومسائية وسوائية ، فهذه مصادر. ومن رفع السين جعله اسما ؛ كقولك : عليهم دائرة البلاء والعذاب. ولا يجوز ضم السين فى قوله : (ما) (٢) (كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) ولا فى قوله : (وَظَنَنْتُمْ) (٣) (ظَنَّ السَّوْءِ) لأنه ضدّ لقولك : هذا رجل صدق ، وثوب صدق. فليس للسوء هاهنا معنى فى عذاب ولا بلاء ، فيضمّ.

وقوله : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) (١٠٠)

إن شئت خفضت الأنصار تريد : من المهاجرين ومن الأنصار. وإن شئت رفعت (الأنصار) تتبعهم قوله : (والسابقون) ، وقد قرأ بها الحسن البصرىّ. (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) : من أحسن من بعدهم إلى يوم القيامة. ورفعت (السابقون والذين اتبعوهم) بما عاد من ذكرهم فى قوله : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).

وقوله : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) (١٠١)

: مرنوا عليه وجرؤوا عليه ؛ كقولك : تمردوا.

وقوله : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ). يقال : بالقتل وعذاب القبر.

وقوله : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً) (١٠٢)

يقول : خرجوا إلى بدر فشهدوها. ويقال : العمل الصالح توبتهم من تخلّفهم عن غزوة تبوك.

__________________

(١) فى الآية ٦. والكلام فى «دائرة السوء» فقط.

(٢) آية ٢٨ سورة مريم.

(٣) آية ٦ سورة الفتح.

٤٥٠

(وَآخَرَ سَيِّئاً) : تخلّفهم يوم تبوك (عَسَى اللهُ) عسى من الله واجب إن شاء الله. وكان هؤلاء قد أوثقوا أنفسهم بسوارى المسجد ، وحلفوا ألّا يفارقوا ذلك حتى تنزل توبتهم ، فلمّا نزلت قالوا : يا رسول الله خذ أموالنا شكرا لتوبتنا ، فقال : لا أفعل حتى ينزل بذلك علىّ قرآن. فأنزل الله عزوجل : قوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) (١٠٣)

فأخذ بعضا.

ثم قال : (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) : استغفر لهم ؛ فإن استغفارك لهم تسكن إليه قلوبهم ، وتطمئن بأن قد تاب الله عليهم. وقد (١) قرئت (صلواتك). والصلاة أكثر.

وقوله : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) (١٠٦)

هم ثلاثة نفر مسمّون ، تخلّفوا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غزوة تبوك ، فلما رجع قال : (ما عذركم)؟ قالوا : لا عذر لنا إلا الخطيئة ، فكانوا موقوفين حتى نزلت توبتهم فى

قوله : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) (١١٧)

وقوله : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) (١١٨)

وهم كعب بن مالك ، وهلال بن أميّة ، ومرارة.

__________________

(١) وهى قراءة غير حفص وحمزة والكسائي وخلف.

٤٥١

وقوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً) (١٠٧)

هم بنو عمرو بن عوف من الأنصار ، بنوا مسجدهم ضرارا لمسجد قباء. ومسجد قباء أول مسجد بنى على التقوى. فلمّا قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غزوة تبوك أمر بإحراق مسجد الشقاق وهدمه.

ثم قال : (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) (١٠٨)

يعنى مسجد بنى عمرو. ثم انقطع الكلام فقال : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ). ثم قال : (فِيهِ رِجالٌ) الأولى صلة لقوله : (تقوم) والثانية رفعت الرجال.

وقوله : (أَسَّسَ) (١٠٤)

و (أَسَّسَ) (١) ، ويجوز أساس ، وآساس. ويخيّل إلىّ أنى قد سمعتها فى القراءة.

وقوله : (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ) (١١٠)

يعنى مسجد النفاق (ريبة) يقال : شكّا (إلا أن تقطّع) و (تقطّع) (٢) معناه : إلا أن يموتوا. وقرأ الحسن (إلى أن تقطّع) بمنزلة حتّى ، أي حتى تقطّع. وهى فى قراءة عبد الله ولو قطّعت قلوبهم حجة لمن قال (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ) بضم التاء.

__________________

(١) وهى قراءة نافع وابن عامر. والأولى بالبناء للفاعل قراءة الباقين.

(٢) الجمهور على قراءة (تقطع قلوبهم) وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص ويعقوب كذلك إلا أنهم فتحوا التاء (تقطع قلوبهم) وروى عن يعقوب وأبى عبد الرحمن (تقطع) مخفف القاف مبنيا لما لم يسم فاعله. وروى عن شبل وابن كثير (تقطع قلوبهم) أي أنت تفعل ذلك بهم (من تفسير القرطبي).

٤٥٢

وقوله : (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) (١١١)

قراءة أصحاب عبد الله يقدّمون المفعول به قبل الفاعل. وقراءة العوام (١) : (فيقتلون ويقتلون).

وقوله : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) خارج من قوله : (بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) وهو كقولك : علىّ ألف درهم عدّة صحيحة ، ويجوز الرفع لو قيل.

وقوله : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) (١١٢)

استؤنفت بالرفع لتمام الآية قبلها وانقطاع الكلام ، فحسن الاستئناف. وهى فى قراءة عبد الله «التائبين العابدين» فى موضع خفض ؛ لأنه نعت للمؤمنين : اشترى من المؤمنين التائبين. ويجوز أن يكون (التائبين) فى موضع نصب على المدح ؛ كما قال :

لا يبعدن قومى الذين هم

سمّ العداة وآفة الجزر (٢)

النازلين بكل معترك

والطيّبين معاقد الأزر

وقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) (١١٥)

سأل المسلمون النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمّن مات من المسلمين وهو يصلّى إلى القبلة الأولى ، ويستحلّ الخمر قبل تحريمها ، فقالوا : يا رسول الله أمات إخواننا ضلّالا؟ فأنزل الله تبارك وتعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) يقول : ليسوا بضلال ولم يصرفوا عن القبلة الأولى ، ولم ينزل عليهم تحريم الخمر.

__________________

(١) يريد غير حمزة والكسائي وخلف أصحاب القراءة الأولى.

(٢) انظر ص ١٠٥ من هذا الجزء. وقد ضبط فيه «الجزر» و «الأزر» بضم ما قبل الروى. والصواب تسكينها كما هنا.

٤٥٣

وقوله : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ) (١١٧)

وكاد تزيغ (١). [من] (٢) قال : (كادَ يَزِيغُ) جعل فى (كاد يزيغ) اسما (٣) مثل الذي فى قوله : (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) (٤) وجعل (يزبغ) به ارتفعت القلوب مذكّرا ؛ كما قال الله تبارك وتعالى : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها) (٥) و (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) (٦) ومن قال (تزيغ) جعل فعل القلوب مؤنّثا ؛ كما قال : (نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) (٧) وهو وجه الكلام ، ولم يقل (يطمئن) وكل فعل كان لجماع مذكر أو مؤنث فإن شئت أنّثت فعله إذا قدمته ، وإن شئت ذكّرته.

وقوله : (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً) (١٢٠) يريد بالموطئ الأرض (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) فى ذهابهم ومجيئهم إلا كتب لهم.

وقوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (١٢٢) لمّا عيّر المسلمون بتخلفهم عن غزوة تبوك جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبعث السريّة فينفرون جميعا ، فيبقى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) يعنى (٨) : جميعا ويتركوك وحدك.

ثم قال : (فَلَوْ لا نَفَرَ) معناه : فهلّا نفر (مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) ليتفقّه الباقون الذين تخلّفوا ويحفظوا على قومهم ما نزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من القرآن.

__________________

(١) قراءة الياء لحفص وحمزة. وقراءة التاء للياقين.

(٢) زيادة خلت منها الأصول.

(٣) كأنه يريد : ضمير الشأن والحديث. وهذا تأويل البصريين.

(٤) آية ١١ سورة الحجرات.

(٥) آية ٣٧ سورة الحج.

(٦) آية ٥٢ سورة الأحزاب.

(٧) آية ١١٣ سورة المائدة.

(٨) كذا فى ش ، ج. وفى ا : «يريد».

٤٥٤

(وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) يقول : ليفقّهوهم. وقد قيل فيها : إن أعراب أسد قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، فغلت الأسعار وملئوا الطرق بالعذرات ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ) يقول : فهلّا نفر منهم طائفة ثم رجعوا إلى قومهم فأخبروهم بما تعلّموا.

وقوله : (يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) (١٢٣)

يريد : الأقرب فالأقرب.

وقوله : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ) (١٢٤)

يعنى : المنافقين يقول بعضهم لبعض : هل زادتكم هذه إيمانا؟

فأنزل الله تبارك وتعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً ... وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) والمرض هاهنا النفاق.

وقوله : (أَوَلا يَرَوْنَ) (١٢٦) (وترون) (١) بالتاء. وفى قراءة عبد الله «أو لا ترى أنهم» والعرب تقول : ألا ترى للقوم وللواحد كالتعجّب ، وكما قيل «ذلك أزكى لهم ، وذلكم» وكذلك (ألا ترى) و (ألا ترون).

وقوله : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) (١٢٧)

فيها ذكرهم وعيبهم قال بعضهم لبعض (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) إن قمتم ، فإن خفى لهم القيام قاموا.

فذلك قوله : (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) دعاء عليهم.

__________________

(١) قراءة الخطاب لحمزة ويعقوب ، وقراءة الغيبة للباقين.

٤٥٥

وقوله : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) (١٢٨)

يقول : لم يبق بطن من العرب إلّا وقد ولدوه. فذلك قوله (مِنْ أَنْفُسِكُمْ).

وقوله : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) (ما) فى موضع رفع ؛ معناه : عزيز عليه عنتكم. ولو كان نصبا : عزيزا عليه ما عنتم حريصا رءوفا رحيما ، كان صوابا ، على قوله لقد جاءكم كذلك. والحريص الشحيح أن يدخلوا النار.

٤٥٦

سورة يونس

ومن سورة يونس : بسم الله الرحمن الرحيم

قوله : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا) (٢)

نصبت (عجبا) ب (كان) ، ومرفوعها (أَنْ أَوْحَيْنا) وكذلك أكثر ما جاء فى القرآن إذا كانت (أن) ومعها فعل : أن يجعلوا الرفع فى (أن) ، ولو جعلوا (أن) منصوبة ورفعوا الفعل كان صوابا.

وقوله : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا) (٤)

رفعت المرجع ب (إليه) ، ونصبت قوله (وعد الله حقّا) بخروجه منهما (١). ولو كان رفعا كما تقول : الحقّ عليك واجب وواجبا كان صوابا. ولو استؤنف (وعد الله حق) (٢) كان صوابا.

(إنه يبدأ الخلق) مكسورة لأنها مستأنفة. وقد فتحها بعض القرّاء (٣). ونرى أنه جعلها اسما للحق وجعل (وعد الله) متصلا بقوله (إليه مرجعكم) ثم قال : (حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) ؛ ف (أنه) فى موضع رفع ؛ كما قال الشاعر :

أحقّا عباد الله أن لست لاقيا

بثينة أو يلقى الثريا رقيبها (٤)

وقال الآخر :

أحقا عباد الله جرأة محلق

علىّ وقد أعييت عادا وتبّعا (٥)

__________________

(١) يريد أنه مصدر مؤكد للجملة السابقة.

(٢) وقرأ بهذا إبراهيم بن أبى عبلة.

(٣) من هؤلاء أبو جعفر والأعمش.

(٤) رقيب الثريا النجم الذي لا يطلع حتى تغيب الثريا.

وهو الإكليل. فقوله : أو يلقى الثريا كناية عن الاستحالة ، يقول : إنه لا يلقاها أبدا.

(٥) كأن محلقا رجل بعينه. وترى المصدر فى البيت صريحا ، وما قبله المصدر فيه مؤول.

٤٥٧

وقوله : (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) (٥)

ولم يقل : وقدّرهما. فإن شئت جعلت تقدير المنازل للقمر خاصّة لأنّ به تعلم الشهور. وإن شئت جعلت التقدير لهما جميعا ، فاكتفى بذكر أحدهما من صاحبه كما قال الشاعر (١) :

رمانى بأمر كنت منه ووالدي

بريئا ومن جول الطوىّ رمانى

وهو مثل قوله (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (٢) ولم يقل : أن يرضوهما.

وقوله : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) (١١)

يقول : لو أجيب الناس فى دعاء أحدهم على ابنه وشيهه بقولهم : أماتك الله ، ولعنك الله ، وأخزاك الله لهلكوا. و (استعجالهم) منصوب بوقوع الفعل : (يعجل) ؛ كما تقول : قد ضربت اليوم ضربتك ، والمعنى : ضربت كضربتك ، وليس المعنى هاهنا كقولك : ضربت ضربا ؛ لأن ضربا لا تضمر الكاف فيه ؛ لأنك لم تشبهه بشىء ، وإنما شبهت ضربك بضرب غيرك فحسنت فيه الكاف.

وقوله (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) ويقرأ : (لقضى إليهم أجلهم) (٣). ومثله (فَيُمْسِكُ) (٤) (الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) و (قضى عليها الموت).

__________________

(١) هو ابن أحمر ، أو هو الأزرق بن طرفة كما قال ابن برىّ. والطوىّ : البئر ، وجولها : جدارها. وقوله : من جول الطوىّ رمانى مثل. يريد أن ما رمانى به يعود قبحه عليه ، فإن من كان فى البئر ورمى بشىء من جدارها عاد عليه ما رمى به إذ ينجذب إلى أسفل. ويروى : «ومن أجل الطوى» وهو الصحيح ؛ لأن الشاعر كان بينه وبين خصمه منازعة فى بئر. وانظر اللسان فى جال.

(٢) آية ٦٢ سورة التوبة.

(٣) وهى قراءة ابن عامر ويعقوب. وما قبله قراءة الباقين.

(٤) آية ٤٢ سورة الزمر. وقد قرأ بالبناء للمفعول حمزة والكسائي وخلف ، وقرأ الباقون بالبناء للفاعل ونصب الموت.

٤٥٨

وقوله : (مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) (١٢)

يقول : استمرّ على طريقته الأولى قبل أن يصيبه البلاء.

وقوله : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) (١٦) وقد ذكر عن الحسن أنه قال : «ولا أدرأتكم به» فإن يكن فيها لغة سوى دريت وأدريت فلعلّ الحسن ذهب إليها. وأمّا أن تصلح من دريت أو أدريت فلا ؛ لأن الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما وسكنتا صحّتا ولم تنقلبا إلى ألف ؛ مثل قضيت ودعوت. ولعل الحسن ذهب إلى طبيعته وفصاحته فهمزها ؛ لأنها تضارع درأت الحدّ وشبهه. وربما غلطت العرب فى الحرف إذا ضارعه آخر من الهمز فيهمزون غير المهموز ؛ سمعت امرأة من طيئ تقول : رثأت زوجى بأبيات. ويقولون لبّأت بالحج وحلّأت السويق فيغلطون ؛ لأن حلّأت قد يقال فى دفع العطاش من الإبل ، ولّبأت ذهب إلى اللبأ (١) الذي يؤكل ، ورثأت زوجى ذهبت إلى رثيئة اللبن ؛ وذلك إذا حلبت الحليب على الرائب.

وقوله : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ) (٢١)

العرب تجعل (إذا) تكفى من فعلت وفعلوا. وهذا الموضع من ذلك : اكتفى ب (إذا) من (فعلوا) ولو قيل (من بعد ضراء مستهم مكروا) كان صوابا. وهو فى الكلام والقرآن كثير. وتقول : خرجت فإذا أنا بزيد. وكذلك يفعلون ب (إذ) ؛ كقول الشاعر (٢) :

بينما هنّ بالأراك معا

إذ أتى راكب على جمله

__________________

(١) هو أول اللبن عند الولادة.

(٢) هو جميل بن معمر العذرىّ. وقوله : «بينماهن» فى رواية الخزانة ٤ / ١٩٩ : «بينما نحن».

٤٥٩

وأكثر الكلام فى هذا الموضع أن تطرح (إذ) فيقال :

بينا تبغيه العشاء وطوفه

وقع العشاء به على سرحان (١)

ومعناهما واحد ب (إذ) وبطرحها (٢).

وقوله : (الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) (٢٢)

قراءة العامّة. وقد ذكر عن زيد بن ثابت (ينشركم) قرأها أبو جعفر (٣) المدنىّ كذلك. وكلّ صواب إن شاء الله.

وقوله : (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) يعنى الفلك ؛ فقال : جاءتها ، وقد قال فى أوّل الكلام (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) ولم يقل : وجرت ، وكلّ صواب ؛ تقول : النساء قد ذهبت ، وذهبن. والفلك تؤنث وتذكر ، وتكون واحدة وتكون جمعا. وقال فى يس (فِي الْفُلْكِ (٤) الْمَشْحُونِ) فذكّر الفلك ، وقال هاهنا : جاءتها ، فأنث. فإن شئت جعلتها هاهنا واحدة ، وإن شئت : جماعا. وإن شئت جعلت الهاء فى (جاءتها) للريح ؛ كأنك قلت : جاءت الريح الطيّبة ريح عاصف. والله أعلم بصوابه. والعرب تقول : عاصف وعاصفة ، وقد أعصفت الريح ، وعصفت. وبالألف لغة لبنى أسد ؛ أنشدنى بعض بنى دبير :

حتى إذا أعصفت ريح مزعزعة

فيها قطار ورعد صوته زجل (٥)

__________________

(١) التبغى : الطلب. والسرحان : الذئب. والطوف : الطواف. يريد أنه حين طلب الخير لنفسه أصابه الهلاك ، وقد ضرب له مثلا من يبغى العشاء فيصادفه ذئب يأكله ، وهو مثل لهم ؛ قال فى مجمع الأمثال : «يضرب فى طلب الحاجة يؤدّى صاحبها إلى التلف». وفى أصله أقاويل مختلفة.

(٢ ، ٣) وكذلك ابن عامر.

(٤) فى الآية ٤١

(٥) مزعزعة : شديدة تحريك الأشجار : وقطار جمع قطر ، يريد : ما قطر وسال من المطر. وزجل : مصوّت.

٤٦٠