معاني القرآن - ج ١

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء

معاني القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء


المحقق: أحمد يوسف نجاتي و محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٠٩
الجزء ١ الجزء ٣

منها. ألا ترى أنك تقول : يعطى من الزكاة الخمسون فما دونها. والدرهم فما فوقه ؛ فيضيق الكلام (١) أن تقول : فوقه ؛ فيهما. أو دونه ؛ فيهما. وأما موضع حسنها فى الكلام فأن يقول القائل : إن فلانا لشريف ، فيقول السامع : وفوق ذاك ؛ يريد المدح. أو يقول : إنه لبخيل ، فيقول الآخر : وفوق ذاك ، يريد بكليهما معنى أكبر. فإذا عرفت أنت الرجل فقلت : دون ذلك ؛ فكأنّك تحطّه عن غاية الشّرف أو غاية البخل. ألا ترى أنك إذا قلت : إنه لبخيل وفوق ذاك ، تريد فوق البخل ، وفوق ذاك ، وفوق الشّرف. وإذا قلت : دون ذاك ، فأنت رجل عرفته فأنزلته قليلا عن درجته. فلا تقولنّ : وفوق ذاك ، إلا فى مدح أو ذمّ.

قال الفرّاء : وأما نصبهم (بَعُوضَةً) فيكون من ثلاثة أوجه :

أوّلها : أن توقع الضّرب على البعوضة ، وتجعل (ما) صلة ؛ كقوله : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) (٢) [يريد عن (٣) قليل] المعنى ـ والله أعلم ـ إن الله لا يستحيى أن يضرب بعوضة فما فوقها مثلا.

والوجه الآخر : أن تجعل (ما) اسما ، والبعوضة صلة (٤) فتعرّبها بتعريب (ما). وذلك جائز فى (مِنْ) و (ما) لأنهما يكونان معرفة فى حال ونكرة فى حال ؛ كما قال حسّان بن ثابت :

فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حبّ النّبىء محمّد إيّانا (٥)

__________________

(١) فى ج ، ش : «فيضيق الكلام هاهنا أن تقول».

(٢) آية ٤٠ سورة المؤمنون.

(٣) ساقط من أ.

(٤) فى ج ، ش : «صلة له».

(٥) نسب هذا البيت لغير حسان أيضا ، ويرى النحاة أن «من» فى البيت نكرة موصوفة ، و «غيرنا» بالجرّ نعت لها ، والتقدير على قوم غيرنا. وقد روى «غيرنا» بالرفع على أن «من» اسم موصول و «غير» خبر لمبتدإ محذوف «هو غيرنا» والجملة صلة.

وانظر الخزانة ٢ / ٥٤٥ وما بعدها.

٢١

[قال الفرّاء : ويروى :

... على من غيرنا (١) *]

والرفع فى (بَعُوضَةً) هاهنا جائز ، لأن الصلة ترفع ، واسمها (٢) منصوب ومخفوض.

وأما الوجه (٣) الثالث ـ وهو أحبها إلىّ ـ فأن تجعل المعنى على : إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها. والعرب إذا ألقت «بين» من كلام تصلح «إلى» فى آخره نصبوا الحرفين المخفوضين اللذين خفض أحدهما ب «بين» والآخر ب «إلى». فيقولون : مطرنا ما زبالة فالثّعلبية (٤) ، وله عشرون ما ناقة فجملا ، وهى أحسن الناس ما قرنا فقدما (٥). يراد به ما بين قرنها إلى قدمها. ويجوز أن تجعل القرن (٦) والقدم معرفة ، فتقول : هى حسنة ما قرنها فقدمها. فإذا لم تصلح «إلى» فى آخر الكلام لم يجز سقوط «بين» ؛ من ذلك أن تقول : دارى ما بين الكوفة والمدينة. فلا يجوز أن تقول : دارى ما الكوفة فالمدينة ؛ لأن «إلى» إنما تصلح إذا كان ما بين المدينة والكوفة كلّه من دارك ، كما كان المطر آخذا ما بين زبالة إلى الثّعلبية. ولا تصلح الفاء مكان الواو فيما لا تصلح فيه «إلى» ؛ كقولك : دار فلان بين الحيرة فالكوفة ؛ محال. وجلست بين عبد الله فزيد ؛ محال ، إلا أن يكون مقعدك آخذا للفضاء الذي بينهما. وإنما امتنعت الفاء من الذي (٧) لا تصلح فيه «إلى» ؛ لأن الفعل فيه لا يأتى فيتّصل ، و «إلى»

__________________

(١) ما بين المربعين ساقط من ج ، ش.

(٢) يريد باسم الصلة الموصول.

(٣) انظر فى هذا الخزانة ٤ / ٣٩٩.

(٤) زبالة (كشمامة) ، والثعلبية (بفتح أوّله) :

موضعان من منازل طريق مكة من الكوفة.

(٥) يشار إلى البيت :

يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم

ولا حبال محب واصل تصل

أراد ما بين قرنا فلما أسقط «بين» نصب «قرنا» على التمييز لنسبة «أحسن».

(٦) فى ش : «مكان القرن».

(٧) ج ، ش : «... الفاء التي لا ...».

٢٢

محتاج إلى اسمين يكون الفعل بينهما كطرفة عين ، وإن قصر قدر الذي بينهما مما يوجد (١) ، فصلحت الفاء فى «إلى» ؛ لأنك تقول : أخذ المطر أوّله فكذا وكذا إلى آخره. فلمّا كان الفعل كثيرا شيئا بعد شىء فى المعنى كان فيه تأويل من الجزاء. ومثله أنهم قالوا : إن تأتنى فأنت محسن. ومحال أن تقول : إن تأتنى وأنت محسن ؛ فرضوا بالفاء جوابا فى الجزاء ولم تصلح الواو.

قال الكسائىّ : سمعت أعرابيّا ورأى الهلال فقال : الحمد لله ما إهلالك إلى سرارك. يريد ما بين إهلالك إلى سرارك ؛ فجعلوا النصب الذي كان يكون فى «بين» فيما بعده إذا سقطت ؛ ليعلم أنّ معنى «بين» مراد. وحكى الكسائىّ عن بعض العرب : الشّنق ما خمسا إلى خمس وعشرين. يريد ما بين خمس إلى خمس وعشرين. والشّنق : ما لم تجب فيه الفريضة من الإبل. والأوقاص (٢) فى البقر.

وقوله : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ...) (٢٦)

كأنه قال ـ والله أعلم ـ ماذا أراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد يضل به هذا ويهدى به هذا. قال الله : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ).

وقوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً ...) (٢٨)

على وجه التعجّب والتوبيخ ؛ لا على الاستفهام المحض ؛ [أي (٣)] ويحكم كيف تكفرون! وهو كقوله : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) (٤). وقوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ

__________________

(١) فى ج ، ش : «الذي بينهما فصلحت».

(٢) الأوقاص (جمع وقص بالتحريك) : ما بين الفريضتين مما لم تجب فيه الزكاة كالشنق.

(٣) زيادة يقتضيها السياق. (انظر تفسير الطبري ج ١ ص ١٤٩) والعبارة فى ج ، ش : «... المحض ، وهو كقوله : فأين ؛ أي ويحكم كيف تذهبون».

(٤) آية ٢٦ التكوير.

٢٣

وَكُنْتُمْ أَمْواتاً). المعنى ـ والله أعلم ـ وقد كنتم ، ولو لا إضمار «قد» لم يجز مثله فى الكلام (١). ألا ترى أنه قد قال فى سورة يوسف : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ) (٢). المعنى ـ والله أعلم ـ فقد كذبت. وقولك للرجل : أصبحت كثر مالك ، لا يجوز إلّا وأنت تريد : قد كثر مالك ؛ لأنهما جميعا قد كانا ، فالثانى حال للأوّل ، والحال لا تكون إلا بإضمار «قد» أو بإظهارها ؛ ومثله فى كتاب الله : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) (٣) يريد ـ والله أعلم ـ [جاءوكم قد حصرت صدورهم (٤)]. وقد قرأ بعض القرّاء ـ وهو الحسن البصرىّ ـ «خصرة صدورهم». كأنه لم يعرف الوجه فى (٥) أصبح عبد الله قام أو أقبل أخذ شاة ، كأنّه يريد فقد أخذ شاة. وإذا كان الأوّل لم يمض لم يجز الثاني بقد ولا بغير قد ، مثل قولك : كاد قام ، ولا أراد قام ؛ لأنّ الإرادة شىء يكون ولا يكون الفعل ، ولذلك كان محالا قولك : عسى قام ؛ لأن عسى وإن كان لفظها على فعل فإنها لمستقبل (٦) ، فلا يجوز عسى قد قام ، ولا عسى قام ، ولا كاد قد قام ، ولا كاد قام ؛ لأن ما بعدهما لا يكون

__________________

(١) جرى الفراء فى هذا على القاعدة المقررة عند الجمهور أن الجملة الفعلية الماضوية المثبتة إذا وقعت حالا فلا بد من «قد» ظاهرة أو مقدرة لتقربه من الحال ؛ نحو «وقد فصل لكم ما حرم عليكم» ، «وقد بلغني الكبر». فإن لم تكن ظاهرة قدرت نحو «أو جاءوكم حصرت صدورهم» ، «هذه بضاعتنا ردت إلينا» وذلك أيضا قول المبرد وأبى على الفارسي. قال أبو حيان : «والصحيح جواز وقوع الماضي حالا بدون «قد» ولا يحتاج إلى تقديرها لكثرة ورود ذلك ، وتأويل الكثير ضعيف جدا ؛ لأنا إنما نبنى المقاييس العربية على وجود الكثرة. وهذا مذهب الأخفش ، ونقل عن الكوفيين ، بل نقله بعضهم عن الجمهور أيضا.

(٢) آية ٢٧ من السورة المذكورة.

(٣) آية ٩٠ سورة النساء.

(٤) ما بين المربعين ساقط من أ.

(٥) فى ج ، ش «كأنه لم يعرف إجازة أصبح ... إلخ».

(٦) فى أ : «لمستقبل فيستقبل».

٢٤

ماضيا ؛ فإن جئت بيكون مع عسى وكاد صلح ذلك فقلت : عسى أن يكون قد ذهب ؛ كما قال الله : (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) (١).

وقوله : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) يعنى نطفا (٢) ، وكل ما فارق الجسد من شعر أو نطفة فهو ميتة ؛ والله أعلم. يقول : فأحياكم من النّطف ، ثم يميتكم بعد الحياة ، ثم يحييكم للبعث.

وقوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ ...) (٢٩) الاستواء فى كلام العرب على جهتين : إحداهما أن يستوى الرجل [و] (٣) ينتهى شبابه ، أو يستوى عن اعوجاج ، فهذان وجهان. ووجه ثالث أن تقول : كان مقبلا على فلان ثم استوى علىّ يشاتمنى وإلىّ سواء (٤) ، على معنى أقبل إلى وعلىّ ؛ فهذا معنى قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) والله أعلم. وقال (٥) ابن عباس : ثم استوى إلى السماء : صعد ، وهذا كقولك للرجل : كان قائما فاستوى قاعدا ، وكان قاعدا فاستوى قائما. وكلّ فى كلام العرب جائز.

فأما قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَ) فإن السماء فى معنى جمع ، فقال (فَسَوَّاهُنَّ) للمعنى المعروف أنهنّ سبع سموات. وكذلك الأرض يقع عليها ـ وهى واحدة ـ الجمع. ويقع عليهما التوحيد وهما مجموعتان ، قال الله عزوجل : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٦). ثم قال : (وَما بَيْنَهُما) ولم يقل بينهن ، فهذا دليل على ما (قلت (٧) لك).

__________________

(١) آية ٧٢ سورة النمل.

(٢) فى ش : «يعنى النطف».

(٣) فى الأصول «أو» بدل الواو.

(٤) فى ج ، ش : «استوى علىّ وإلىّ يشاتمنى» وكذا فى اللسان.

(٥) فى أ : «وقد قال».

(٦) آية ٥ سورة والصافات.

(٧) فى أ : (أخبرتك).

٢٥

وقوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ ...) (٣١) فكان (عَرَضَهُمْ) (١) على مذهب شخوص العالمين (٢) وسائر العالم ، ولو قصد قصد الأسماء بلا شخوص جاز فيه «عرضهنّ» و «عرضها». وهى فى حرف عبد الله «ثم عرضهنّ» وفى حرف أبىّ «ثم عرضها» ، فإذا قلت «عرضها» جاز أن تكون للأسماء دون الشخوص وللشخوص دون الأسماء.

وقوله : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ...) (٣٣) إن همزت قلت (أَنْبِئْهُمْ) ولم يجز كسر الهاء والميم ؛ لأنها همزة وليست بياء فتصير مثل «عليهم». وإن ألقيت الهمزة فأثبت الياء أو لم تثبتها جاز رفع «هم» وكسرها على ما وصفت لك فى «عليهم» و «عليهم».

وقوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا ...) (٣٥) إن شئت جعلت (فَتَكُونا) جوابا نصبا ، وإن شئت عطفته على أوّل الكلام فكان جزما ؛ مثل قول امرئ القيس :

فقلت له صوّب ولا تجهدنّه

فيذرك من أخرى القطاةفتزلق (٣)

__________________

(١) «عرضهم» : ساقط من ج ، ش.

(٢) فى أ : «الآدميين».

(٣) من قصيدته التي أولها :

ألا أنعم صباحا أيها الربع وانطق

وحدّث حديث الركب إن شئت واصدق

والضمير فى «له» يعود للغلام المذكور فى بيت قبله. وانظر ديوان امرئ القيس برواية الطوسي المخطوط بالدار. ووقع فى سيبويه ١ / ٤٥٢ نسبته الى عمرو بن عمار الطائي. ويقال : صوب الفرس أرسله فى الجري. وجهد دابته «كمنع» وأجهدها : بلغ جهدها وحمل عليها فى السير فوق طاقتها. وأذرت الدابة راكبها : صرعته ، وطعنه فأذراه عن فرسه أي صرعه. والقطاة : العجز أو ما بين الوركين ، أو مقعد الرديف من الدابة خلف الفارس. وزلق كفرح ونصر : زل وسقط. ويروى الشطر الثاني :

فيذرك من أعلى القطاة فتزلق

٢٦

فجزم. ومعنى الجزم كأنّه تكرير النهى ، كقول القائل : لا تذهب ولا تعرض لأحد. ومعنى الجواب والنّصب لا تفعل هذا فيفعل بك مجازاة ، فلمّا عطف حرف على غير ما يشاكله وكان فى أوّله حادث لا يصلح فى الثاني نصب. ومثله قوله : (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) (١) و (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) (٢) و (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) (٣). وما كان من نفى ففيه ما فى هذا ، ولا يجوز الرفع فى واحد من الوجهين إلا أن تريد الاستئناف ؛ بخلاف المعنيين ؛ كقولك للرجل : لا تركب إلى فلان فيركب إليك ؛ تريد لا تركب إليه فإنه سيركب إليك ، فهذا مخالف للمعنيين لأنه استئناف ، وقد قال الشاعر :

ألم تسأل الرّبع القديم فينطق

وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق (٤)

أراد : ألم تسأل الربع فإنه يخبرك عن أهله ، ثم رجع إلى نفسه فأكذبها ، كما قال زهير بن أبى سلمى المزنىّ :

قف بالدّيار التي لم يعفها القدم

بلى وغيّرها الأرواح والدّيم

فأكذب نفسه. وأمّا قوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ) (٥) فإنّ جوابه قوله : (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) والفاء التي فى قوله : (فَتَطْرُدَهُمْ)

__________________

(١) آية ٨١ سورة طه.

(٢) آية ٦١ سورة طه.

(٣) آية ١٢٩ سورة النساء.

(٤) البيت مطلع قصيدة لجميل بن معمر العذرى ، ويروى صدره :

ألم تسأل الربع القواء فينطق

والقواء : القفر الذي لا ينبت. والبيداء : القفر الذي يبيد من سلكه أي يهلكه. والسملق : الأرض التي لا تنبت شيئا أو السهلة المستوية الخالية. وانظر الخزانة ٣ / ٦٠١

(٥) آية ٥٢ سورة الأنعام.

٢٧

جواب لقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ففى قوله : (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) الجزم والنصب على ما فسّرت لك ، وليس فى قوله : (فَتَطْرُدَهُمْ) إلا النصب ، لأنّ الفاء فيها مردودة على محلّ وهو قوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ) و (عَلَيْكَ) لا تشاكل الفعل ، فإذا كان ما قبل الفاء اسما لا فعل فيه ، أو محلّا مثل قوله : «عندك وعليك وخلفك» ، أو كان فعلا ماضيا مثل : «قام وقعد» لم يكن فى الجواب بالفاء إلا النصب. وجاز فى قوله :

فيذرك من أخرى القطاة فتزلق

لأن الذي قبل الفاء يفعل والذي بعدها يفعل ، وهذا مشاكل بعضه لبعض ؛ لأنه فعل مستقبل فيصلح أن يقع على آخره ما يقع على أوّله ، وعلى أوّله ما يقع على آخره ؛ لأنه فعل مستقبل (١).

وقوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ ...) (٣٧)

ف (آدَمُ) مرفوع والكلمات فى موضع نصب. وقد قرأ بعض القرّاء : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) فجعل الفعل للكلمات ، والمعنى ـ والله أعلم ـ واحد ؛ لأن ما لقيك فقد لقينه ، وما نالك فقد نلته. وفى قراءتنا : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢) وفى حرف عبد الله : «لا ينال عهدى الظّالمون».

وقوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ [الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ (٣)] ...) (٤٠)

المعنى لا تنسوا نعمتى ، لتكن منكم على ذكر ، وكذلك كل ما جاء من ذكر النعمة فإن معناه ـ والله أعلم ـ على هذا : فاحفظوا ولا تنسوا. وفى حرف عبد الله :

__________________

(١) «لأنه فعل مستقبل» ساقط من ج ، ش.

(٢) آية ١٢٤ سورة البقرة.

(٣) زيادة فى أ.

٢٨

«ادّكروا» (١). وفى موضع آخر : (٢) : «وتذكّروا ما فيه». ومثله فى الكلام أن تقول : اذكر مكانى من أبيك».

وأمّا نصب الياء من (نِعْمَتِيَ) فإن كل ياء كانت من المتكلم ففيها لغتان : الإرسال والسّكون ، والفتح ، فإذا لقيتها ألف ولام ، اختارت العرب اللغة التي حرّكت فيها الياء وكرهوا الأخرى ؛ لأن اللّام ساكنة فتسقط الياء عندها لسكونها ، فاستقبحوا أن يقولوا : نعمتى (٣) التي ، فتكون كأنها مخفوضة على غير إضافة ، فأخذوا بأوثق الوجهين وأبينهما. وقد يجوز إسكانها عند الألف واللام ؛ وقد قال الله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) (٤) فقرئت بإرسال الياء ونصبها ، وكذلك ما كان فى القرآن مما فيه ياء ثابتة ففيه الوجهان ، وما لم تكن فيه الياء لم تنصب. وأمّا قوله : (فَبَشِّرْ عِبادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) (٥). فإن هذه بغير ياء ، فلا تنصب ياؤها وهى محذوفة ؛ وعلى هذا يقاس كل ما فى القرآن منه. وقوله : (فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) (٦) زعم الكسائىّ أن العرب تستحبّ نصب الياء عند كل ألف مهموزة سوى الألف واللام ، مثل قوله : (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) (٧) و (إِنِّي أَخافُ اللهَ) (٨). ولم أر ذلك عند العرب ؛ رأيتهم يرسلون الياء فيقولون : عندى أبوك ، ولا يقولون : عندى أبوك بتحريك الياء إلا أن يتركوا الهمز فيجعلوا الفتحة فى الياء فى هذا ومثله. وأما قولهم : لى ألفان ، وبي أخواك كفيلان ،

__________________

(١) ذكر هذه القراءة البيضاوي ولم ينسبها. ونسبها ابن خالويه إلى يحيى بن وثاب.

(٢) «فى موضع آخر» : ساقط من ج ، ش ، وهو يشير إلى قراءة ابن مسعود فى آية ٦٣ سورة البقرة : «واذكروا ما فيه لعلكم تتقون».

(٣) رسم فى أ : «نعمت» تحقيقا لحذف الياء فى اللفظ.

(٤) آية ٥٣ سورة الزمر.

(٥) آية ١٧ ، ١٨ سورة الزمر.

(٦) آية ٣٦ سورة النمل.

(٧) آية ٧٢ سورة يونس.

(٨) آية ٤٨ سورة الأنفال ، وآية ١٦ سورة الحشر. وفتح الياء قراءة نافع.

٢٩

فإنهم ينصبون فى هذين لقلتهما (١) ، [فيقولون : بي أخواك ، ولى ألفان ، لقلتهما (٢)] والقياس فيهما وفيما قبلهما واحد.

وقوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً ...) (٤١)

وكل ما كان فى القرآن من هذا قد نصب فيه الثّمن وأدخلت الباء فى المبيع أو المشترى ، فإن ذلك أكثر ما يأتى فى الشيئين لا يكونان ثمنا معلوما مثل الدنانير والدراهم ؛ فمن ذلك : اشتريت ثوبا بكساء ؛ أيّهما شئت تجعله ثمنا لصاحبه ؛ لأنه ليس من الأثمان ، وما كان ليس من الأثمان مثل الرقيق والدّور وجميع العروض فهو على هذا. فإن جئت إلى الدراهم والدنانير وضعت الباء فى الثّمن ، كما قال فى سورة يوسف : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) (٣) ؛ لأن الدراهم ثمن أبدا ، والباء إنما تدخل فى الأثمان ، فذلك قوله : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) (٤) ، (اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) (٥) ، [اشتروا الضلالة بالهدى (٦)](وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) (٧) ، فأدخل الباء فى أىّ هذين شئت حتى تصير إلى الدنانير والدراهم فإنك تدخل الباء فيهن مع العروض ، فإذا اشتريت أحدهما [يعنى الدنانير والدراهم] (٨) بصاحبه أدخلت الباء فى أيّهما شئت ؛ لأن كل واحد منهما فى هذا الموضع بيع (٩) وثمن ، فإن أحببت أن تعرف فرق ما بين العروض وبين الدراهم ، فإنك تعلم أن من اشترى عبدا بألف درهم معلومة ، ثم وجد به عيبا فردّه لم يكن له على البائع (١٠) أن يأخذ ألفه بعينه ، ولكن ألفا. ولو اشترى عبدا بجارية ثم وجد به عيبا لم يرجع بجارية أخرى مثلها ، فذلك دليل على أن العروض ليست بأثمان.

__________________

(١) أي لقلة (لى) و (بي) فكلاهما حرفان ، فلو سكنت الياء خفيت فتبدو الكلمتان كأنهما حرف واحد.

(٢) ما بين المربعين ساقط من أ.

(٣) آية ٢٠ من السورة المذكورة.

(٤) آية ٩ سورة التوبة.

(٥) الآية ٨٦ من البقرة.

(٦) زيادة خلت منها الأصول.

(٧) الآية ١٧٥ من البقرة.

(٨) ساقط من أ.

(٩) يراد بالبيع المبيع.

(١٠) فى الأصول «المشترى» والتصويب وجد بهامش نسخة (أ).

٣٠

وقوله : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (١) (٣٦)

فإنه خاطب آدم وامرأته ، ويقال أيضا : آدم وإبليس ، وقال : (اهْبِطُوا) يعنيه ويعنى ذرّيته ، فكأنه خاطبهم. وهو كقوله : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٢). المعنى ـ والله أعلم ـ أتينا بما فينا من الخلق طائعين. ومثله قول إبراهيم : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ). ثم قال : (وَأَرِنا مَناسِكَنا) (٣) وفى قراءة عبد الله «وأرهم مناسكهم» فجمع قبل أن تكون ذرّيته. فهذا ومثله فى الكلام مما تتبيّن به المعنى أن تقول للرجل : قد تزوّجت وولد لك فكثرتم وعززتم.

وقوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ...) (٤٨)

فإنه قد يعود على اليوم والليلة ذكرهما مرّة بالهاء وحدها ومرة بالصّفة فيجوز ذلك (٤) ؛ كقولك : لا تجزى نفس عن نفس شيئا وتضمر الصفة ، ثم

__________________

(١) يلاحظ أن هذه الآية ليست فى موضعها من الترتيب والأصول كلها على هذا الوضع.

(٢) آية ١١ سورة فصلت.

(٣) آية ١٢٨ سورة البقرة.

(٤) مراده بالصفة حرف الجر كما هو اصطلاح الكوفيين ، وهو هنا (فى) المتصل بالضمير العائد على اليوم (فيه) فحذف الجار والمجرور لأن الظروف يتسع فيها ما لا يتسع فى غيرها. والحذف هنا فيه خلاف بين النحويين ، قال البصريون : التقدير «واتقوا يوما لا تجزى فيه نفس عن نفس شيئا» ثم حذف فيه كما قال :

ويوما شهدناه سليما وعامرا * قليلا سوى طعن النهال نوافله

أي شهدنا فيه.

وقال الكسائي : هذا خطأ ؛ لا يجوز (فيه) والتقدير «واتقوا يوما لا تجزيه نفس» ، ثم حذف الضمير المنصوب ، وإنما يجوز حذف الهاء لأن الظروف عنده لا يجوز حذفها ، قال : لا يجوز هذا رجل قصدت ، ولا رأيت رجلا أرغب ، وأنت تريد قصدت إليه وأرغب فيه. قال : ولو جاز ذلك لجاز (الذي تكلمت زيد) بمعنى تكلمت فيه.

وقال الفراء : يجوز حذف (الهاء) و (فيه) ، وحكى جواز الوجهين عن سيبويه والأخفش والزجاج.

٣١

تظهرها فتقول : لا تجزى فيه نفس عن نفس شيئا. وكان الكسائىّ لا يجيز إضمار الصفة فى الصلات ويقول : لو أجزت إضمار الصفة هاهنا لأجزت : أنت الذي تكلمت وأنا أريد الذي تكلمت فيه. وقال غيره من أهل البصرة : لا نجيز الهاء ولا تكون ، وإنما يضمر فى مثل هذا الموضع الصفة. وقد أنشدنى بعض العرب :

يا ربّ يوم لو تنزّاه (١) حول

ألفيتنى ذا عنز وذا طول

وأنشدنى آخر :

قد صبّحت (٢) صبّحها السّلام

بكبد خالطها سنام

فى ساعة يحبّها الطّعام ولم يقل يحبّ فيها. وليس يدخل على الكسائىّ ما أدخل على نفسه ؛ لأن الصفة فى هذا الموضع والهاء متّفق معناهما ، ألا ترى أنك تقول : آتيك يوم الخميس ، وفى يوم الخميس ، فترى المعنى واحدا ، وإذا قلت : كلمتك كان غير كلّمت فيك ، فلما اختلف المعنى لم يجز إضمار الهاء مكان (فِي) ولا إضمار (فِي) مكان الهاء.

وقوله : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ ...) (٣) (٤١)

فوحّد الكافر وقبله جمع وذلك من كلام العرب فصيح جيد فى الاسم إذا كان مشتقّا من فعل ، مثل الفاعل والمفعول ؛ يراد به ولا تكونوا أوّل من يكفر فتحذف «من» ويقوم الفعل مقامها فيؤدّى الفعل عن مثل

__________________

(١) فى ج ، ش : «تذراه» ولم نعثر على هذا البيت فيما لدينا من مراجع.

(٢) صبحت أنت بالتصبيح يريد به الغداء مجازا ، من قولهم : صبح القوم وصبحهم سقاهم الصبوح ، وهو ما يشرب صباحا من لبن أو خمر.

(٣) هذه الآية ليست على الترتيب وكذا ما بعدها.

٣٢

ما أدّت «من» عنه من التأنيث والجمع وهو فى لفظ توحيد. ولا يجوز فى مثله من الكلام أن تقول : أنتم أفضل رجل ، ولا أنتما خير رجل ؛ لأن الرجل يثّنى ويجمع ويفرد [فيعرف (١)] واحده من جمعه ، والقائم قد يكون لشىء ولمن فيؤدّى عنهما وهو موحّد ؛ ألا ترى أنك قد تقول : الجيش مقبل والجند منهزم ، فتوحّد الفعل لتوحيده ، فإذا صرت إلى الأسماء قلت : الجيش رجال والجند رجال ؛ ففى هذا تبيان (٢) ؛ وقد قال الشاعر :

وإذا هم طعموا فألأم طاعم

وإذا هم جاعوا فشرّ جياع (٣)

فجمعه وتوحيده جائز حسن.

وقوله : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤٢)

إن شئت جعلت (وَتَكْتُمُوا) فى موضع جزم ؛ تريد به : ولا تلبسوا الحقّ بالباطل ولا تكتموا الحقّ ، فتلقى (لا) لمجيئها فى أوّل الكلام. وفى قراءة أبىّ : «ولا تكونوا أوّل كافر به وتشتروا بآياتى ثمنا قليلا» فهذا دليل على أنّ الجزم فى قوله : (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ) مستقيم صواب ، ومثله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) (٤) وكذلك قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٥) وإن شئت جعلت هذه الأحرف المعطوفة بالواو نصبا على ما يقول النحويّون من الصّرف ؛ فإن قلت : وما الصّرف؟

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) راجع تفسير الطبري ج ١ ص ١٩٩ طبع بولاق فى هذا البيان فعبارته أوضح.

(٣) من ثلاثة أبيات فى نوادر أبى زيد ١٥٢ ، نسبها إلى رجل جاهلىّ.

(٤) آية ١٨٨ سورة البقرة.

(٥) آية ٢٧ سورة الأنفال.

٣٣

قلت : أن تأتى بالواو (١) معطوفة على كلام فى أوّله حادثة لا تستقيم إعادتها على ما عطف عليها ، فإذا كان كذلك فهو الصّرف (٢) ؛ كقول الشاعر (٣) :

لا تنه عن خلق وتأتى مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

ألا ترى أنه لا يجوز إعادة «لا» فى «تأتى مثله» فلذلك سمّى صرفا إذ كان (٤) معطوفا ولم يستقم أن يعاد فيه الحادث الذي قبله. ومثله من الأسماء التي نصبتها العرب وهى معطوفة على مرفوع قولهم : لو تركت والأسد لأكلك ، ولو خلّيت ورأيك لضللت : لمّا لم يحسن فى الثاني أن تقول : لو تركت وترك رأيك لضللت ؛ تهبّيوا أن يعطفوا حرفا لا يستقيم فيه ما حدث فى الذي قبله. قال (٥) : فإنّ العرب تجيز الرّفع ؛ لو ترك عبد الله والأسد لأكله ، فهل (٦) يجوز فى الأفاعيل (٧) التي نصبت بالواو على الصّرف أن تكون مردودة على ما قبلها وفيها معنى الصّرف؟ قلت : نعم ؛ العرب تقول : لست لأبى إن لم أقتلك أو تذهب نفسى ، ويقولون : والله لأضربنّك أو تسبقنّى فى الأرض ، فهذا مردود على أوّل الكلام ، ومعناه الصّرف ؛ لأنّه لا يجوز على الثاني إعادة الجزم بلم ، ولا إعادة اليمين على والله لتسبقنّى ، فتجد ذلك إذا امتحنت الكلام. والصّرف فى غير «لا» كثير إلا أنا أخّرنا ذكره حتى تأتى مواضعه.

__________________

(١) فى ش ، ج : «الواو».

(٢) يسمى الكوفيون هذه الواو (واو الصرف) ؛ إرشاد بصرفه عن سنن الكلام إلى أنها غير عاطفة ، وشرط هذه الواو أن يتقدمها نفى أو طلب.

(٣) نسبه سيبويه فى كتابه ١ / ٤٢٤ (باب الواو) للأخطل. ويروى لأبى الأسود الدؤلي فى قصيدة طويلة.

(٤) فى أ : «كان به».

(٥) كأن الأصل : «قال قائل».

(٦) فى ش ، ج : «وهل».

(٧) الأفاعيل جمع أفعال جمع فعل ، عبر به إشارة إلى كثرة الوارد منه.

٣٤

وقوله : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها ...) (١) (٧٢)

وقوله : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) (٢) يقول القائل : وأين جواب (إِذْ) وعلام عطفت؟ ومثلها (٣) فى القرآن كثير بالواو ولا جواب معها ظاهر؟ والمعنى ـ والله أعلم ـ على إضمار (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ) أو «إذ كنتم» فاجتزئ بقوله : (اذْكُرُوا) فى أوّل الكلام ، ثم جاءت (إِذْ) بالواو مردودة على ذلك. ومثله من غير (إِذْ) قول الله : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) (٤) وليس قبله شىء تراه ناصبا لصالح ؛ فعلم بذكر النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمرسل إليه أنّ فيه إضمار أرسلنا ، ومثله قوله : (وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ) (٥) (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) (٦) (وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) (٧) يجرى هذا على مثل ما قال فى «ص» : (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) (٨) ثم ذكر الأنبياء الذين من بعدهم بغير (وَاذْكُرْ) لأنّ معناهم متّفق معروف ، فجاز ذلك. ويستدل على أنّ «واذكروا» مضمرة مع (إِذْ) أنه قال : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) (٩) (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) (١٠) فلو لم تكن هاهنا (وَاذْكُرُوا) لاستدللت على أنّها تراد ؛ لأنّها قد ذكرت قبل ذلك. ولا يجوز مثل ذلك فى الكلام بسقوط الواو إلّا أن يكون معه جوابه متقدّما أو متأخّرا ؛ كقولك : ذكرتك إذ احتجت إليك (١١) أو إذ احتجت ذكرتك.

__________________

(١) كذا فى الأصل ، ويلاحظ أن هذه الآية على غير ترتيب.

(٢) آية ٥٠ سورة البقرة.

(٣) فى ش ، ج «منها».

(٤) آية ٧٣ سورة الأعراف.

(٥) آية ٧٦ سورة الأنبياء.

(٦) آية ٨٧ من سورة الأنبياء.

(٧) آية ١٦ سورة العنكبوت.

(٨) آية ٤٥ من السورة المذكورة.

(٩) آية ٢٦ سورة الأنفال.

(١٠) آية ٨٦ سورة الأعراف.

(١١) «إليك أو إذ احتجت» : ساقط من ج ، ش.

٣٥

وقوله : (فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (٥٠)

يقال : قد كانوا فى شغل من أن ينظروا ، مستورين بما اكتنفهم من البحر أن يروا فرعون وغرفة ، ولكنّه فى الكلام كقولك : قد ضربت وأهلك ينظرون فما أتوك ولا أغاثوك ؛ يقول : فهم قريب بمرأى ومسمع. ومثله فى القرآن : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) (١) ، وليس هاهنا رؤية إنّما هو علم ، فرأيت يكون على مذهبين : رؤية العلم ورؤية العين ؛ كما تقول : رأيت فرعون أعتى الخلق وأخبثه ، ولم تره إنما هو بلغك (٢) ؛ ففى هذا بيان.

وقوله : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ...) (٥١)

ثم (٣) قال فى موضع آخر : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) (٤) (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) ، فيقول القائل : كيف ذكر الثلاثين وأتمّها بالعشر (٥) والأربعون (٦) قد تكمل بعشرين وعشرين ، أو خمسة وعشرين وخمسة عشر؟ قيل : كان ذلك ـ والله أعلم ـ أنّ الثّلاثين كانت عدد شهر ، فذكرت الثلاثون منفصلة لمكان الشّهر وأنّها ذو القعدة وأتممناها بعشر من ذى الحجة ، كذلك قال المفسّرون. ولهذه القصّة خصّت العشر والثلاثون بالانفصال.

وقوله : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (٥٣)

__________________

(١) آية ٤٥ سورة الفرقان.

(٢) العبارة فى ج ، ش : «ولم تره ونظرت. هذا بيان» ووجد بهامش نسخة أ بعد قوله : بلغك «ونظرت إلى ... ولم تأت إنما هو العلم». وفى موضع النقط كلمة غير واضحة ، قد تكون : منزلك.

(٣) فى أ : «و».

(٤) آية ١٤٢ سورة الأعراف.

(٥) فى أ : «بعشر».

(٦) فى ش ، ج : «أربعون».

٣٦

ففيه وجهان :

أحدهما ـ أن يكون أراد (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعنى التوراة ، ومحمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (الْفُرْقانَ) ، (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). وقوله : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) كأنّه خاطبهم فقال : قد آتيناكم علم موسى ومحمد عليهما‌السلام «لعلكم تهتدون» ؛ لأن التوراة أنزلت جملة ولم تنزل مفرّقة كما فرّق القرآن ؛ فهذا وجه. والوجه الآخر ـ أن تجعل التوراة هدى والفرقان كمثله ، فيكون : ولقد آتينا موسى الهدى كما آتينا محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم الهدى. وكلّ ما جاءت به الأنبياء فهو هدى ونور. (١) وإنّ العرب لتجمع بين الحرفين وإنّهما لواحد إذا اختلف لفظاهما (٢) ؛ كما قال عدىّ بن زيد :

وقدّمت (٣) الأديم لراهشيه

وألفى قولها كذبا ومينا

وقولهم (٤) : بعدا وسحقا ، والبعد والسّحق واحد ، فهذا وجه آخر. وقال بعض المفسّرين : الكتاب التّوراة ، والفرقان انفراق البحر لبنى إسرائيل. وقال بعضهم : الفرقان الحلال والحرام الذي فى التّوراة.

وقوله : (الْمَنَّ وَالسَّلْوى ...) (٥٧)

بلغنا أن المنّ هذا (٥) هذا الّذى يسقط على الثّمام (٦) والعشر ، وهو حلو كالعسل ؛ وكان بعض المفسّرين يسمّيه التّرنجبين (٧) الذي نعرف. وبلغنا أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) يبدو أن هنا سقطا ، وأن الأصل كما يؤخذ من إعراب القرآن للنخاس : «ويجوز أن يكون الفرقان هو الكتاب ، أعيد ذكره تأكيدا» وانظر القرطبي ١ / ٣٩٩.

(٢) فى ش ، ج : لفظهما».

(٣) كذا فى الأصول. والرواية المشهورة «وقددت» بمعنى شقت وقطعت ، والراهشان عرقان فى باطن الذراعين.

(٤) فى أ : «قوله».

(٥) سقط فى أ.

(٦) الثمام : نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص. والعشر : شجر من العضاه كبار الشجر وله صمغ حلو.

(٧) الترنجبين : تأويله عسل الندى ، وهو طلى يقع من السماء ندى شبيه بالعسل جامد متحبب يقع على بعض الأشجار بالشام وخراسان.

٣٧

قال : (الكمأة (١) من المنّ وماؤها شفاء للعين). وأما السّلوى فطائر كان يسقط عليهم لما أجموا (٢) المنّ شبيه بهذه السّمانى ، ولا واحد للسّلوى.

وقوله : (وَقُولُوا حِطَّةٌ ...) (٥٨)

يقول ـ والله أعلم ـ قولوا : ما أمرتم به ؛ أي هى حطة ؛ فحالفوا إلى كلام بالنّبطية ، فذلك قوله : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ).

وبلغني أنّ ابن عباس قال : أمروا أن يقولوا : نستغفر الله ؛ فإن يك كذلك فينبغى أن تكون (حِطَّةٌ) منصوبة فى القراءة (٣) ؛ لأنك تقول : قلت لا إله إلا الله ، فيقول القائل : قلت كلمة صالحة ، وإنما تكون الحكاية إذا صلح قبلها إضمار ما يرفع أو يخفض أو ينصب ، فإذا ضممت ذلك كله فجعلته كلمة كان منصوبا بالقول كقولك : مررت بزيد ، ثم تجعل هذه كلمة فتقول : قلت كلاما حسنا* ثم تقول : قلت زيد قائم ، فيقول : قلت كلاما (٤).* وتقول : قد ضربت عمرا ، فيقول أيضا : قلت كلمة صالحة.

فأما قول الله تبارك وتعالى : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) (٥) إلى آخر ما ذكر من العدد فهو رفع لأن قبله ضمير أسمائهم ؛ سيقولون : هم ثلاثة ، إلى آخر الآية. وقوله : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) (٦) رفع ؛ أي قولوا : الله واحد ، ولا تقولوا

__________________

(١) هذا الحديث رواه الشيخان وغيرهما. وانظر الجامع الصغير فى حرف الكاف.

(٢) أجم الطعام واللبن وغيرهما : كرهه ومله من المداومة عليه.

(٣) النصب على وجهين ؛ أحدهما ـ إعمال الفعل فيها وهو «قولوا» أي قولوا كلمة تحط عنكم أو زاركم. والثاني ـ أن تنسب على المصدر بمعنى الدعاء والمسألة ؛ أي حط اللهم أوزارنا وذنوبنا حطة. وبالنصب قرأ ابن أبى عبلة وطاوس اليماني. والقراءة العامة بالرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف ؛ أي مسئلتنا حطة ، أو أمرك حطة ؛ قال النيسابورى : وأصله النصب ، ومعناه اللهم حط عنا ذنوبنا فرفعت لإفادة الثبوت.

(٤) ما بين النجمتين ساقط من ج ، ش.

(٥) آية ٢٢ سورة الكهف.

(٦) آية ١٧١ سورة النساء.

٣٨

الآلهة ثلاثة. وقوله : (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) (١) ففيها وجهان : إن أردت : ذلك الذي قلنا معذرة إلى ربكم رفعت ، وهو الوجه. وإن أردت : قلنا ما قلنا معذرة إلى الله ؛ فهذا وجه نصب (٢). وأما قوله : (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا) (٣) فإن العرب لا تقوله إلّا رفعا ؛ وذلك أنّ القوم يؤمرون بالأمر يكرهونه فيقول أحدهم : سمع وطاعة ، أي قد دخلنا أوّل هذا الدّين على أن نسمع ونطيع فيقولون : علينا ما ابتدأناكم به ، ثم يخرجون فيخالفون ، كما قال عزوجل : (فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ [بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ]) [أي] فإذا خرجوا من عندك بدّلوا (٤). ولو أردت فى مثله من الكلام : أي نطيع ، فتكون (٥) الطاعة جوابا للأمر بعينه جاز النصب ، لأنّ كلّ مصدر وقع موقع فعل ويفعل جاز نصبه ، كما قال الله تبارك وتعالى : (مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ) (٦) [معناه والله أعلم : نعوذ بالله أن نأخذ]. ومثله فى النور : (قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) (٧) الرفع على ليكن منكم ما يقوله أهل السّمع والطاعة. وأما قوله فى النحل : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٨) فهذا قول أهل الجحد ؛ لأنهم قالوا لم ينزل شيئا ، إنما هذا أساطير الأوّلين* وأما الذين آمنوا فإنهم أقرّوا فقالوا : أنزل ربّنا خيرا (٩) ، ولو رفع خير على : الذي أنزله خير لكان صوابا ، فيكون بمنزلة قوله : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (١٠) و (قُلِ الْعَفْوَ) النّصب على الفعل : ينفقون

__________________

(١) آية ١٦٤ سورة الأعراف.

(٢) فى ش ، ج : «النصب».

(٣) آية ٨١ سورة النساء.

(٤) فى الأصول : «فإذا خرجوا من عندك بدلوا» ، وقد زدنا «أي» وأكلنا الآية كما ترى ، ليكون هذا تفسيرا لها.

(٥) فى أ : «تكون».

(٦) آية ٧٩ سورة يوسف.

وما بين المربعين ساقط من أ.

(٧) آية ٥٣ من السورة المذكورة.

(٨) آية ٢٤ وما بين النجمتين ساقط من ج ، ش.

(٩) يشير إلى قوله تعالى : (قالُوا خَيْراً) آية ٣٠ من سورة النحل.

(١٠) آية ٢١٩ سورة البقرة.

٣٩

العفو ، والرفع على : الذي ينفقون عفو الأموال. وقوله : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) (١) فأما السلام (فقول يقال) (٢) ، فنصب لوقوع الفعل عليه ، كأنّك قلت : قلت كلاما. وأما قوله : (قالَ سَلامٌ) فإنه جاء فيه نحن (سَلامٌ) وأنتم (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ). وبعض المفسرين يقول : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) يريد سلّموا عليه فردّ عليهم ، فيقول القائل : ألا كان السّلام رفعا كلّه أو نصبا كلّه؟ قلت : السّلام على معنيين : إذا أردت به الكلام نصبته ، وإذا أضمرت معه «عليكم» رفعته. فإن شئت طرحت الإضمار من أحد الحرفين وأضمرته فى أحدهما ، وإن شئت رفعتهما معا ، وإن شئت نصبتهما جميعا. والعرب تقول إذا التقوا فقالوا سلام : سلام ، على معنى قالوا السلام عليكم فردّ عليهم الآخرون. والنصب يجوز فى إحدى القراءتين «قالوا سلاما قال سلاما». وأنشدنى بعض بنى عقيل :

فقلنا السّلام فاتّقت من أميرها

فما كان إلّا ومؤها بالحواجب

فرفع السّلام ؛ لأنه أراد سلّمنا عليها فاتّقت أن تردّ علينا. ويجوز أن تنصب السلام على مثل قولك (٣) : قلنا الكلام ، قلنا السلام ، ومثله : قرأت «الحمد» (٤) وقرأت «الحمد» إذا قلت قرأت «الحمد» أوقعت عليه الفعل ، وإذا رفعت جعلته حكاية (٥) على قرأت (الْحَمْدُ لِلَّهِ).

وقوله : (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ...) (٦٠)

معناه ـ والله أعلم ـ فضرب فانفجرت ، فعرف بقوله : (فَانْفَجَرَتْ) أنه قد ضرب ، فاكتفى بالجواب ؛ لأنه قد أدّى عن المعنى ، فكذلك قوله : (أَنِ اضْرِبْ

__________________

(١) آية ٦٩ سورة هود.

(٢) فى ج ، ش : «فتسليمهم» بدل «فقول يقال».

(٣) «قلنا الكلام» : ساقط من ج ، ش.

(٤) فى ش ، ج : «الحمد لله».

(٥) سقط هذا الحرف فى أ.

٤٠