معاني القرآن - ج ١

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء

معاني القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء


المحقق: أحمد يوسف نجاتي و محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٠٩
الجزء ١ الجزء ٣

وقوله : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ...) (٧٦)

يقال : جنّ عليه الليل ، وأجنّ ، وأجنّه الليل وجنّه الليل ؛ وبالألف (١) أجود إذا ألقيت (على) وهى أكثر من جنّه الليل.

يقال فى قوله : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) قولان : إنما قال : هذا ربّى استدراجا للحجّة على قومه ليعيب (٢) آلهتهم أنها ليست بشىء ، وأن الكوكب والقمر والشمس أكبر منها ولسن بآلهة ؛ ويقال : إنه قاله على الوجه (٣) الآخر ؛ كما قال الله تبارك وتعالى لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أَلَمْ) (٤) (يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) واحتجوا هاهنا بقول إبراهيم : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ).

وقوله : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) (٨٣)

وذلك أنهم قالوا له : أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لسبّك إياها؟ فقال لهم : أفلا تخافون أنتم ذلك منها إذ سوّيتم بين الصغير والكبير والذكر والأنثى أن يغضب الكبير إذ سوّيتم به الصغير. ثم قال لهم : أمن يعبد إلها واحدا أحقّ أن يأمن أم من يعبد آلهة شتىّ؟ قالوا : من يعبد إلها واحدا ، فغضبوا على أنفسهم. فذلك قوله : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ).

__________________

(١) سقط حرف العطف فى ش ، وثبت فى ج.

(٢) كذا فى ج. وفى ش : «يعيب».

(٣) يريد أن إبراهيم كان يعتقد ما ذكره أولا ، يقولون : كان هذا فى صغره حيث لا يكون كفرو لا إيمان.

(٤) آيتا ٦ ، ٧ سورة الضحى.

٣٤١

وقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ...) (٨٤)

هذه الهاء لنوح : و (هدينا) من ذرّيته داود وسليمان. ولو رفع داود وسليمان على هذا المعنى إذ لم يظهر الفعل كان صوابا ؛ كما تقول : أخذت صدقاتهم لكل مائة (شاة (١) شاة) وشاة.

وقوله : (وَالْيَسَعَ ...) (٨٦)

يشدّد (٢) أصحاب عبد الله اللام ، وهى أشبه بأسماء العجم من الذين (٣) يقولون (وَالْيَسَعَ) لا تكاد العرب تدخل الألف واللام فيما لا يجرى ؛ مثل يزيد ويعمر إلا فى شعر ؛ أنشد بعضهم :

وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأحناء الخلافة كاهله (٤)

وإنّما أدخل فى يزيد الألف واللام لمّا أدخلها فى الوليد. والعرب إذا فعلت ذلك فقد أمسّت الحرف مدحا.

وقوله : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ ...) (٨٩)

يعنى أهل مكّة (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً) يعنى أهل المدينة (لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) بالآية (٥).

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى ج ، وثبت فى ش.

(٢) هؤلاء عندهم تشديد اللام مفتوحة وسكون الياء. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.

(٣) هم أهل الحرمين وأبو عمرو وعاصم.

(٤) من قصيدة لابن ميادة الرماح بن أبرد. والوليد بن يزيد هو الخليفة الأموىّ وقد قتل سنة ١٢٦ وقوله : «بأحناء الخلافة» فالأحناء جمع الحنو وهو الجهة ، والجانب. ويروى : «بأعباء الخلافة».

(٥) كذا فى ج ، وفى ش : «بالأمة».

٣٤٢

وقوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (٩١)

ما عظّموه حقّ تعظيمه. وقوله (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ) يقول : كيف قلتم : لم ينزل الله على بشر من شىء وقد أنزلت التوراة على موسى (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ) والقرطاس (١) فى هذا الموضع صحيفة. وكذلك قوله : (وَلَوْ) (٢) (نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) يعنى : فى صحيفة.

(تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) يقول : تبدون ما تحبون ، وتكتمون صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول (قُلِ اللهُ) أي : أنزله الله عليكم. وإن شئت قلت : قل (هو) الله.

وقد يكون قوله (قُلِ اللهُ) جوابا لقوله : (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) ، (قُلِ اللهُ) أنزله. وإنما اخترت رفع (اللهَ) بغير الجواب لأن الله تبارك وتعالى الذي أمر محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يسألهم : (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ) وليست بمسألة منهم فيجابوا ، ولكنه جاز لأنه استفهام ، والاستفهام يكون له جواب.

وقوله : (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) لو كانت جزما لكان صوابا ؛ كما قال (ذَرْهُمْ) (٣) (يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا).

__________________

(١) كذا فى ج ، وفى ش : «القراطيس».

(٢) آية ٧ سورة الأنعام.

(٣) آية ٣ سورة الحجر.

٣٤٣

وقوله : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى ...) (٩٢)

يقال فى التفسير : إنّ (١) أمّ القرى مكّة.

وقوله : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ) الهاء تكون لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللتنزيل.

وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ...) (٩٣)

يقال : إنها نزلت فى مسيلمة الكذّاب ، وذلك أنه ادّعى النبوة.

(وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ) ومن فى موضع خفض. يريد : ومن أظلم من هذا ومن هذا الذي قال : سأنزل مثل ما أنزل الله. نزلت فى عبد الله بن سعد بن أبى سرح. وذلك أنه كان يكتب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) كتب (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أو (عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فيقول له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سواء ؛ حتى أملّ عليه قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (٢) إلى قوله : (ثُمَ) (٣) (أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) فقال ابن أبى سرح (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) تعجّبا من تفصيل خلق الإنسان ، قال فقال له النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هكذا أنزلت علىّ ، فشكّ وارتدّ. وقال : لئن كان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم صادقا لقد أوحى إلىّ (كما (٤) أوحى إليه) ولئن كان كاذبا لقد قلت مثل ما قال ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ).

__________________

(١) ثبت هذا الحرف فى ج ، وسقط فى ش.

(٢) آية ١٢ سورة المؤمنون.

(٣) آية ١٤ سورة المؤمنون.

(٤) سقط ما بين القوسين فى ش ، وثبت فى ج.

٣٤٤

وقوله : (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) ويقال : باسطو أيديهم بإخراج أنفس الكفار. وهو مثل قوله : (يَضْرِبُونَ) (١) (وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) ولو كانت (باسطون) كانت (أيديهم) ولو كانت «باسطو أيديهم أن أخرجوا» كان صوابا. ومثله مما تركت فيه أن قوله : (يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا) وإذا طرحت من مثل هذا الكلام (أن) ففيه القول مضمر كقوله : (وَلَوْ) (٢) (تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) يقولون : (رَبَّنا).

وقوله : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى ...) (٩٤)

وهو جمع. والعرب تقول : [قوم (٣)] فرادى وفراد يا هذا فلا يجرونها ، شبهت بثلاث ورباع. وفرادى واحدها فرد ، وفرد ، وفريد ؛ وفراد (٤) للجمع ، ولا يجوز فرد فى هذا المعنى. وأنشدنى بعضهم :

ترى النعرات الزرق تحت لبانه

فراد ومثنى أصعقتها صواهله (٥)

وقوله : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ...) (٩٤)

قرأ حمزة ومجاهد (بَيْنَكُمْ) يريد وصلكم. وفى قراءة عبد الله لقد تقطع ما بينكم وهو وجه الكلام. إذا جعل الفعل لبين ترك نصبا ؛ كما قالوا : أتانى دونك من الرجال فترك نصبا وهو فى موضع رفع ؛ لأنه صفة. وإذا قالوا : هذا

__________________

(١) آية ٥٠ سورة الأنفال.

(٢) آية ١٢ سورة السجدة.

(٣) زيادة من اللسان فى عبارة الفرّاء (فرد)

(٤) كذا فى ج. وفى ش : «فردان» وهو يوافق عبارة اللسان. وكأن الصواب ما أثبت.

يريد أن (فراد) تأتى فى التكرير عند الجمع ، وليس كذلك فرد.

(٥) «فراد» كذا فى اللسان ، وهو المناسب. وفى ش ، ج : «فرادى». وتقدّم البيت.

٣٤٥

دون من الرجال رفعوه فى موضع الرفع. وكذلك تقول : بين الرجلين بين بعيد ، وبون بعيد ؛ إذا أفردته أجريته (١) فى العربية وأعطيته الإعراب.

وقوله : (فالِقُ الْإِصْباحِ ...) (٩٦)

والأصباح مصدر أصبحنا إصباحا ، والأصباح (٢) صبح كل يوم بمجموع.

وقوله : (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) الليل فى موضع نصب فى المعنى. فردّ الشمس والقمر على معناه لما فرق بينهما بقوله : (سَكَناً) فإذا لم تفرق بينهما بشىء آثروا الخفض. وقد يجوز أن ينصب وإن لم يحل بينهما بشىء ؛ أنشد بعضهم :

وبينا نحن ننظره أتانا

معلّق شكوة وزناد راع (٣)

وتقول : أنت أخذ حقّك وحقّ غيرك فتضيف فى الثاني وقد نوّنت فى الأوّل ؛ لأن المعنى فى قولك : أنت ضارب زيدا وضارب زيد سواء. وأحسن ذلك أن تحول بينهما بشىء ؛ كما قال امرؤ القيس :

فظلّ طهاة اللحم من بين منضج

صفيف شواء أو قدير معجّل (٤)

فنصب الصفيف وخفض القدير على ما قلت لك.

__________________

(١) ثبت فى ج ، وسقط فى ش.

(٢) وقد قرأ بهذا الحسن وعيسى بن عمر.

(٣) نسبه سيبويه فى الكتاب ١ / ٨٧ إلى رجل من قيس عيلان. وقوله : «ننظره» أي ننتظره. والشكوة وعاء كالدلو أو كالقربة الصغيرة أو وعاء من أدم يبرد فيه الماء. وفى رواية «وفضة» فى مكان (شكوة) وهى خريطة كالجعبة من الجلد بحمل فيها الراعي متاعه وزاده.

(٤) هذا من معلقته. يصف صيده وما فعل به. والصفيف : اللحم يشرح ، أو هو الذي يغلى إغلاءة ثم يرفع ، أو هو ما صف على الجمر ليشوى. والقدير : ما يطبخ فى القدر.

٣٤٦

وقوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ ...) (٩٨)

يعنى فى الرحم (١) (وَمُسْتَوْدَعٌ) فى صلب الرجل. ويقرأ (٢) (فَمُسْتَقَرٌّ) يعنى الولد فى الرحم (وَمُسْتَوْدَعٌ) فى صلب الرجل. ورفعها على إضمار الصفة ؛ كقولك : رأيت الرجلين عاقل وأحمق ، يريد منهما كذا وكذا.

وقوله : (فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ ...) (٩٩)

يقول : رزق كل شىء ، يريد ما ينبت ويصلح غذاء لكل شىء. وكذا جاء التفسير ، وهو وجه الكلام. وقد يجوز فى العربية أن تضيف النبات إلى كل شىء وأنت تريد بكل شىء النبات أيضا ، فيكون مثل قوله : (إِنَ) (٣) (هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) واليقين هو الحقّ. وقوله : (مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) الوجه الرفع فى القنوان ؛ لأن المعنى : ومن النخل قنوانه دانية. ولو نصب : وأخرج من النخل من طلعها قنوانا دانية لجاز فى الكلام ، ولا يقرأ بها لمكان الكتاب (٤).

وقوله : (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) نصب ، إلا أن جمع المؤنث بالتاء يخفض فى موضع النصب ، ولو رفعت (٥) الجنات تتبع (٦) القنوان كان صوابا.

وقوله : (وَ (٧) فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ) الوجه فيه الرفع ، تجعلها تابعة للقطع. ولو نصبتها وجعلتها تابعة للرواسى والأنهار كان صوابا.

__________________

(١) كذا فى ج. وفى ش : «الرجل».

(٢) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو.

(٣) آية ٩٥ سورة الواقعة.

(٤) يريد الكتابة ورسم المصحف.

(٥) قرأ به الأعمش ، ويروى عن عاصم.

(٦) أي فى الإعراب لا فى حكمه «من النخل». والتقدير : لهم جنات أو ثم جنات.

(٧) آية ٤ سورة الرعد.

٣٤٧

وقوله : (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ) يريد شجرة الزيتون وشجر الرمان ، كما قال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (١) يريد أهل القرية.

وقوله : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) يقول : انظروا إليه أول ما يعقد (وينعه) : بلوغه وقد قرئت (وينعه (٢) ، ويانعه (٣)). فأما قوله : (وَيَنْعِهِ) فمثل نضجه ، ويانعه مثل ناضجه وبالغه.

وقوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) (١٠٠)

إن (٤) شئت جعلت (الْجِنَ) تفسيرا للشركاء. وإن شئت جعلت نصبه على : جعلوا الجنّ شركاء لله تبارك وتعالى.

وقوله : (وَخَرَقُوا) : واخترقوا وخلقوا واختلقوا ، يريد : افتروا.

وقوله : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (١٠٢)

يرفع (خالِقُ) على الابتداء (٥) ، وعلى أن يكون خبرا. ولو نصبته إذ لم يكن فيه الألف واللام على القطع (٦) كان صوابا ، وهو مثل قوله : (غافِرِ) (٧) (الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ). وكذلك : (فاطِرِ (٨) السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لو نصبته إذا كان قبله معرفة تامّة جاز ذلك ؛ لأنك قد تقول : الفاطر السموات ، الخالق كل شىء ،

__________________

(١) آية ٨٢ سورة يوسف.

(٢) وهى قراءة ابن محيصن وابن أبى إسحق.

(٣) وهى قراءة محمد بن السميفع.

(٤) كذا فى ج. وفى ش : «وإن شئت».

(٥) وخبره «ذلكم الله ربكم» وفى الطبري : «يقول ـ تعالى ذكره ـ ، الذي خلق كل شىء وهو بكل شى عليم هو الله ربكم».

(٦) يريد نصبه على الحال.

(٧) آية ٣ سورة غافر.

(٨) آية ١ سورة فاطر.

٣٤٨

القابل التوب ، الشديد العقاب. وقد يجوز أن تقول : مررت بعبد الله محدّث زيد ، تجعله معرفة وإن حسنت فيه الألف واللام إذا كان قد عرف بذلك ، فيكون مثل قولك : مررت بوحشىّ قاتل حمزة ، وبابن ملجم قاتل علىّ ، عرف به حتى صار كالاسم له.

وقوله : (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) (١٠٥)

يقولون : تعلمت من يهود. وفى قراءة عبد الله وليقولوا درس يعنون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهو كما تقول فى الكلام : قالوا لى : أساء ، وقالوا لى : أسأت. ومثله : (قُلْ (١) لِلَّذِينَ كَفَرُوا) سيغلبون و (سَتُغْلَبُونَ).

وقرأ بعضهم (٢) (دارست) يريد : جادلت اليهود وجادلوك. وكذلك قال ابن عباس. وقرأها مجاهد (دارست) وفسّرها : قرأت على اليهود وقرءوا عليك.

وقد قرئت (٣) (درست) أي قرئت وتليت. وقرءوا (درست) وقرءوا (درست) يريد : تقادمت ، أي هذا الذي يتلوه علينا شىء قد تطاول ومرّبنا.

وقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) (١٠٩)

المقسمون الكفار. سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يأتيهم بالآية التي نزلت فى الشعراء (إِنْ (٤) نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)

__________________

(١) آية ١٢ سورة آل عمران. وقراءة الياء (سيغلبون) قراءة حمزة والكسائي وخلف. وقراءة التاء للباقين. وانظر ص ١٩١ من هذا الجزء.

(٢) من هؤلاء أبو عمرو وابن كثير ، ووافقهما ابن محيصن واليزيدي.

(٣) هى قراءة قتادة والحسن وزيد بن على.

(٤) آية ٤.

والمراد بالآية فى هذه الآية آية كونية ظاهرة يكون العلم عنها ضروريا. والظاهر أن المراد هنا ما يقترحونه من الآيات ، وإن لم تكن ملجئة حتى تنسق مع ختام الآية. وجرى على ذلك البيضاوي.

٣٤٩

فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينزلها وحلفوا ليؤمنن ، فقال المؤمنون : يا رسول الله سل ربك ينزلها عليهم حتى يؤمنوا ، فأنزل الله تبارك وتعالى : قل للذين آمنوا : وما يشعركم أنهم يؤمنون. فهذا وجه النصب فى أنّ ؛ وما يشعركم أنهم يؤمنون (و) نحن (نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا) ، وقرأ بعضهم : (إنها) مكسور الألف (إذا جاءت) مستأنفة ، ويجعل قوله (وما يشعركم) كلاما مكتفيا. وهى فى قراءة عبد الله : وما يشعركم (١) إذا جاءتهم أنهم لا يؤمنون.

و (لا) فى هذا الموضع (٢) صلة ؛ كقوله : (وَحَرامٌ) (٣) (عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) : المعنى : حرام عليهم أن يرجعوا. ومثله : (ما مَنَعَكَ) (٤) (أَلَّا تَسْجُدَ) معناه : أن تسجد.

وهى فى قراءة أبىّ : لعلها إذا جاءتهم لا يؤمنون وللعرب فى (لعلّ) لغة بأن يقولوا : ما أدرى أنك صاحبها ، يريدون : لعلك صاحبها ، ويقولون : ما أدرى لو أنك صاحبها ، وهو وجه جيد أن تجعل (أنّ) فى موضع لعل.

وقوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) (١١١)

هذا أمر قد كانوا سألوه ، فقال الله تبارك وتعالى : لو فعلنا بهم ذلك لم يؤمنوا (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).

وقوله : (قبلا) جمع قبيل. والقبيل : الكفيل. وإنما اخترت هاهنا أن يكون القبل فى معنى الكفالة لقولهم : (أَوْ تَأْتِيَ (٥) بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) يضمنون (٦)

__________________

(١) كذا فى ش. وفى ج : «يشعرهم». وهذه القراءة تؤيد قراءة الفتح فى «أنها».

(٢) أي على القراءة الأولى.

(٣) آية ٩٥ سورة الأنبياء.

(٤) آية ١٢ سورة الأعراف.

(٥) آية ٩٢ سورة الإسراء.

(٦) كذا فى ج. وفى ش : «يمضون».

٣٥٠

ذلك. وقد يكون (قبلا) : من قبل وجوههم ؛ كما تقول : أتيتك قبلا ولم آتك دبرا. وقد يكون القبيل (١) جميعا للقبيلة كأنك قلت : أو تأتينا بالله والملائكة قبيلة قبيلة وجماعة جماعة. ولو قرئت (٢) قبلا على معنى : معاينة كان صوابا ، كما تقول : أنا لقيته قبلا.

وقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) (١١٢)

نصبت العدوّ والشياطين بقوله : جعلنا.

وقوله : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) فإن إبليس ـ فيما ذكر ـ جعل فرقة من شياطينه مع الإنس ، وفرقة مع الجنّ ، فإذا التقى شيطان (٣) الإنسىّ وشيطان الجنىّ (٤) قال : أضللت صاحبى بكذا وكذا ، فأضلل به صاحبك ، ويقول (٥) له (شيطان (٦) الجنىّ) مثل ذلك. فهذا وحي بعضهم إلى بعض. قال الفرّاء : حدّثنى بذلك حيان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس.

وقوله : (وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (١١٣)

الاقتراف : الكسب ؛ تقول العرب : خرج فلان يقترف (٧) أهله.

وقوله : (مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (١١٤) من الشاكّين أنهم يعلمون أنه منزل من ربك.

__________________

(١) كذا فى ج. وفى ش : «القبيلة».

(٢) هى قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر.

(٣) كذا فى ج. وفى ش : «شياطين».

(٤) كذا فى ج. وفى ش : «الجن».

(٥) فى ش ، ج : «تقول».

(٦) كذا فى ج. وفى ش : «شياطين الجن».

(٧) فى الأساس : «يقترف لعياله». وفى اللسان : «يقترف لعياله». وكأن الحرف سقط هنا توسعا ، والأصل : لأهله ، وإلا فالاقتراف يتعدى إلى المال.

٣٥١

وقوله : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) (١١٦)

فى أكل الميتة (يُضِلُّوكَ) لأن أكثرهم كانوا ضلّالا. وذلك أنهم قالوا للمسلمين : أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربّكم! فأنزلت هذه الآية (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ).

وقوله : (هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُ) (١١٧)

(من) فى موضع (١) رفع كقوله : (لِنَعْلَمَ) (٢) (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) إذا كانت (من) بعد العلم والنظر والدراية ـ مثل نظرت وعلمت ودريت ـ كانت فى مذهب أىّ. فإن كان بعدها فعل لها رفعتها به ، وإن كان بعدها فعل يقع عليها نصبتها (٣) ؛ كقولك : ما أدرى من قام ، ترفع (من) بقام ، وما أدرى من ضربت ، تنصبها بضربت.

وقوله : (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) (١٢٠)

فأما ظاهره فالفجور والزنى ، وأما باطنه فالمخالّة : (٤) أن تتخذ المرأة الخليل وأن يتخذها.

وقوله : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) (١٢١)

يقول : أكلكم ما لم يذكر اسم الله عليه فسق أي كفر. وكنى عن الأكل ، كما قال : (فَزادَهُمْ) (٥) (إِيماناً) يريد : فزادهم قول الناس إيمانا.

__________________

(١) على أنه اسم استفهام ، فهو مبتدأ ، وخبره جملة «يضل». وجملة المبتدأ والخبر فى محل نصب علق عنه العامل. وهذا مبنى على جواز عمل اسم التفضيل فى المفعول به. وهو مذهب كوفى. والبصريون يأبونه ، ويجعلون «من» معمولا لفعل محذوف ، تقديره : «يعلم».

(٢) آية ١٢ سورة الكهف.

(٣) كذا فى ش. وفى ج : «نصبها».

(٤) كذا فى ج. وفى ش : «فالمخالفة».

(٥) آية ١٧٣ سورة آل عمران. يريد أن الضمير فى قوله : «وإنه لفسق». عائد على الأكل المفهوم من قوله : «ولا تأكلوا» ؛ كما فى آية آل عمران هذه ، فإن الضمير المستتر فى «فزادهم» يعود على الفول المفهوم من قوله : «قال لهم الناس».

٣٥٢

وقوله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) (١٢٢) أي كان ضالّا فهديناه.

وقوله : (نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) يعنى إيمانه.

وقوله : (الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ) (١٢٤)

أي من عند الله ، كذلك قال المفسرون. وهو فى العربية ؛ كما تقول : سيأتينى رزق عندك ، كقولك : سيأتينى الذي عند الله. سيصيبهم (١) الصغار الذي عنده ، ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينزله بهم. ولا يجوز فى العربية أن تقول : جئت عند زيد ، وأنت تريد : من عند زيد.

وقد يكون قوله : (صَغارٌ عِنْدَ اللهِ) أنهم اختاروا الكفر تعزّزا وأنفة من اتباع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجعل الله ذلك صغارا عنده.

وقوله : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) (١٢٥)

[من (٢)] ومن فى موضع رفع بالهاء التي عادت عليهما من ذكرهما.

وقوله : (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (٣) قرأها ابن عبّاس وعمر (حرجا). وقرأها الناس : حرجا. والحرج ـ فيما فسر ابن عباس ـ الموضع الكثير الشجر الذي لا تصل إليه الراعية. قال : فكذلك صدر الكافر لا تصل إليه الحكمة. وهو فى كسره وفتحه

__________________

(١) هذا تفسير للآية : «سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله».

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) وهى قراءة نافع وأبى بكر وأبى جعفر.

٣٥٣

بمنزلة الوحد (١) والوحد ، والفرد والفرد ، والدنف والدنف : تقوله (٢) العرب فى معنى واحد.

وقوله : (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) يقول : ضاق عليه المذهب فلم يجد إلا أن يصعد فى السماء وليس يقدر. وتقرأ (٣) كأنما يصّاعد يريد يتصاعد ، (و (يَصَّعَّدُ) (٤) مخففة.

وقوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ) (١٢٨)

يقول : قد أضللتم كثيرا.

وقوله : (وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) فالاستمتاع من الإنس بالجنّ أن الرجل كان إذا فارق (٥) فاستوحش أو قتل صيدا من صيدهم فخاف قال : أعوذ بسيّد هذا الوادي ، فيبيت آمنا فى نفسه. وأما استمتاع الجنّ بالإنس فما نالوا بهم من تعظيم الإنس إيّاهم ، فكان الجنّ (٦) يقولون : سدنا الجنّ والإنس.

وقوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) (١٣٠)

فيقول القائل : إنما الرسل من الإنس خاصة ، فكيف قال للجنّ والإنس (منكم)؟ قيل : هذا كقوله : (مَرَجَ (٧) الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ). ثم قال : (يَخْرُجُ (٨) مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح دون العذب. فكأنك قلت : يخرج من بعضهما ، ومن أحدهما.

__________________

(١) فى ش ، ج : «الواحد».

(٢) كذا فى ج. وفى ش : «تقول».

(٣) وهى قراءة أبى بكر والنخعي.

(٤) هى قراءة ابن كثير. ووافقه ابن محيصن.

(٥) كأنه يريد : فارق حيه أو رفقته.

(٦) أي سادتهم وكبراؤهم الذين يستعاذ بهم.

(٧) آية ١٩ سورة الرحمن.

(٨) آية ٢٢ سورة الرحمن.

٣٥٤

وقوله : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ) (١٣١)

إن شئت جعلت (ذلك) فى موضع نصب ، وجعلت (أن) مما يصلح فيه الخافض فإذا حذفته كانت نصبا. يريد : فعل ذلك أن لم يكن مهلك القرى. وإن شئت جعلت (ذلك) رفعا على الاستئناف إن لم يظهر الفعل. ومثله : (ذلِكَ (١) بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) و (ذلِكَ (٢) بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ). ومثله : (ذلِكَ (٣) لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ، و (ذلِكُمْ) (٤) (وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) الرفع والنصب فيه كله جائز.

وقوله : (مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) يقول : لم يكن ليهلكهم بظلمهم وهم غافلون لمّا يأتهم رسول ولا حجّة. وقوله فى هود : (وَما) (٥) (كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) يقول : لم يكن ليهلكهم بظلمهم ، يقول : بشركهم (وأهلها مصلحون) يتعاطون الحقّ فيما بينهم. هكذا جاء التفسير. وفيها وجه ـ وهو أحبّ إلىّ من ذا ؛ لأن الشرك أعظم الذنوب ـ والمعنى والله أعلم : لم يكن ليهلكهم بظلم منه وهم مصلحون.

وقوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) (١٣٥)

(من (٦) تكون له) فى موضع (٧) رفع ، ولو نصبتها (٨) كان صوابا ؛ كما قال الله تبارك وتعالى : (وَاللهُ (٩) يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ).

__________________

(١) آية ١٠ سورة الحج.

(٢) آية ١٨٢ سورة آل عمران.

(٣) آية ٥٢ سورة يوسف.

(٤) آية ١٨ سورة الأنفال.

(٥) آية ١١٧.

(٦) ثبت فى ج. وسقط فى ش.

(٧) على أنه اسم استفهام مبتدأ. والفعل معلق.

(٨) على أنه اسم موصول.

(٩) آية ٢٢٠ سورة البقرة.

٣٥٥

وقوله : (مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) إذا (١) كان الفعل فى مذهب مصدر مؤنثا مثل العاقبة ، والموعظة ، والعافية ، فإنك إذا قدّمت فعله قبله أنّثته وذكّرته ؛ كما قال الله عزوجل : (فَمَنْ (٢) جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) بالتذكير ، وقال (٣) : (قَدْ (٤) جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) بالتأنيث. وكذلك (وَأَخَذَ (٥) الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ)(وَأَخَذَتِ) (٦) فلا تهابنّ من هذا تذكيرا ولا تأنيثا.

وقوله : (هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ) (١٣٦) وبرعمهم ، وزعمهم ، ثلاث لغات. ولم يقرأ بكسر (٧) الزاى أحد نعلمه. والعرب قد تجعل الحرف فى مثل هذا ؛ فيقولون : الفتك (٨) والفتك والفتك ، والودّ والودّ والودّ ، فى أشباه لها. وأجود ذلك ما اختارته القرّاء الذين يؤثر عنهم القراءة. وفى قراءة عبد الله «وهذا لشركائهم» وهو كما تقول فى الكلام : قال عبد الله : إنّ له مالا ، وإنّ لى مالا ، وهو يريد نفسه. وقد قال الشاعر :

رجلان من ضبّة أخبرانا

إنا رأينا رجلا عريانا

ولو قال : أخبرانا أنهما رأيا كان صوابا.

__________________

(١) يذكر الوجه فى قراءتى «يكون» و «تكون». والأولى قراءة حمزة والكسائي. والثانية قراءة الباقين.

(٢) آية ٢٧٥ سورة البقرة.

(٣) كذا فى ج. وسقط هذا الفعل فى ش.

(٤) آية ٥٧ سورة يونس.

(٥) آية ٦٧ سورة هود.

(٦) آية ٩٤ سورة هود.

(٧) وإنما قرى بفتحها وضمها. والضمّ قراءة الكسائي ويحيى بن وثاب والسلمى والأعمش ، وهو لغة بنى أسد. والفتح قراءة الباقين ، وهو لغة أهل الحجاز.

(٨) هو مصدر فتك إذا ركب ما هتم به من الأمور ودعت إليه نفسه. وفى ش ، وج : «القتل» وهو تحريف.

٣٥٦

وقوله : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) (١٣٧)

وهم قوم كانوا يخدمون آلهتهم ، فزيّنوا لهم دفن البنات وهنّ أحياء. وكان أيضا أحدهم يقول : لئن ولد لى كذا وكذا من الذكور لأنحرنّ واحدا. فذلك قتل أولادهم. والشركاء رفع ؛ لأنهم الذين زيّنوا.

وكان بعضهم يقرأ : «وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم» فيرفع القتل إذا لم يسمّ فاعله ، ويرفع (الشركاء (١)) بفعل ينويه ؛ كأنه قال : زيّنه لهم شركاؤهم. ومثله قوله : (يُسَبِّحُ (٢) لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) ثم قال : (رِجالٌ (٣) لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ). وفى بعض (٤) مصاحف أهل الشام (شركايهم) بالياء ، فإن تكن مثبتة (٥) عن الأوّلين فينبغى أن يقرأ (زيّن) وتكون الشركاء هم الأولاد ؛ لأنهم منهم فى النسب والميراث. فإن كانوا يقرءون (زيّن) فلست أعرف جهتها ؛ إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون : أتيتها عشايا (٦) ثم يقولون فى تثنية (الحمراء (٧) : حمرايان) فهذا وجه أن يكونوا قالوا : «زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم

__________________

(١) كذا فى ج. وسقط فى ش.

(٢) آية ٣٦ سورة النور. وفتح الباء فى «يسبح» قراءة ابن عامر وأبى بكر عن عاصم.

(٣) آية ٣٧ سورة النور.

(٤) وعليها قراءة ابن عامر.

(٥) كذا فى ج. وفى ش : «على».

(٦) أي يبقون حرف العلة فى الطرف بعد الألف الزائدة على أصله ولا يبدلونه همزة فيقولون بنيت بنايا لا بناء. وانظر فى هذه اللغة اللسان (حمو). وهو يريد أنه اتباعا لهذه اللغة ولما ذكر بعد من قولهم فى تثنية حمراء : حمرايان ينطق بالهمزة ياء. وعلى ذلك فالشركاء يقال فيها الشركاى. ويحمل على هذا ما فى بعض مصاحف أهل الشام.

(٧) فى ش : «أحمر أحمريان» وما هنا عن ج.

٣٥٧

شركايهم» وإن شئت جعلت (زيّن) إذا فتحته فعلا لإبليس ثم تخفض الشركاء بإتباع الأولاد. وليس قول (١) من قال : إنما أرادوا مثل قول الشاعر :

فزججتها متمكّنا

زجّ القلوص أبى مزاده (٢)

بشىء. وهذا مما كان يقوله نحويّو أهل الحجاز ، ولم نجد مثله فى العربية.

وقوله : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) (١٣٩) وفى قراءة عبد الله «خالص لذكورنا» وتأنيثه لتأنيث الأنعام ؛ لأن ما فى بطونها مثلها فأنث لتأنيثها. ومن ذكّره فلتذكير (ما) وقد قرأ بعضهم «خالصه لذكورنا» يضيفه إلى الهاء وتكون الهاء لما. ولو نصبت الخالص (٣) والخالصة (٤) على القطع وجعلت خبر ما فى اللام التي فى قوله (لذكورنا) كأنك قلت : ما فى بطون هذه الأنعام لذكورنا خالصا وخالصة كما قال : «وله الدّين واصبا (٥)» والنصب فى هذا الموضع قليل ؛ لا يكادون يقولون : عبد الله قائما فيها ، ولكنه قياس.

وقوله : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) إن شئت رفعت (٦) الميتة ، وإن شئت نصبتها (٧) فقلت (ميتة) ولك أن تقول تكن (٨) ويكن بالتاء والياء.

__________________

(١) قيل هذا فى توجيه قراءة ابن عامر ببناء «زين» للمفعول ، ورفع «قتل» ونصب «أولادهم» ، وجرّ «شركائهم».

(٢) قيل المراد : زججت الكتيبة أي دفعتها. والقلوص :

الناقة الفتية ، وأبو مزادة كنية رجل.

(٣ ، ٤) قرأ بنصب الخالص «خالصا» ابن جبير ، وبنصب الخالصة «خالصة» ابن عباس والأعرج وقتادة وابن جبير فى رواية ، كما فى البحر.

(٥) آية ٥٢ سورة النحل. وقد ترك جواب لو. وهو محذوف أي لساغ مثلا.

(٦) هو قراءة ابن عامر.

(٧) هى قراءة الباقين بعد ابن عامر وأبى جعفر.

(٨) هى قراءة ابن عامر وأبى جعفر.

٣٥٨

وقد تكون الخالصة مصدرا لتأنيثها كما تقول : العاقبة والعافية. وهو مثل قوله : (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) (١).

وقوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) (١٤١) هذه الكروم ، ثم قال : (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً) فى لونه (وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) فى طعمه ، منه حلو ومنه حامض.

وقوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) هذا لمن حضره من اليتامى والمساكين.

وقوله : (وَلا تُسْرِفُوا) فى أن تعطوا كله. وذلك أن ثابت (٢) بن قيس خلّى بين الناس وبين نخله ، فذهب (٣) به كله ولم يبق لأهله منه شىء ، فقال الله تبارك وتعالى : (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).

وقوله : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) (١٤٢)

يقول : وأنشأ لكم من الأنعام حمولة ، يريد ما أطاق الحمل والعمل : والفرش : الصغار. ثم قال :

وقوله : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) (١٤٣)

فإن شئت جعلت الثمانية مردودة على الحمولة. وإن شئت أضمرت لها فعلا (٤).

وقوله : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) الذكر زوج ، والأنثى زوج ، ولو رفعت (٥) اثنين واثنين

__________________

(١) آية ٤٦ سورة ص.

(٢) هو ثابت بن قيس بن شماس الأنصارىّ الخزرجىّ ، خطيب الأنصار ، قتل فى وقعة اليمامة.

(٣) كذا فى ش. وفى ج : «قد ذهب».

(٤) أي أنشأ.

(٥) وقد قرأ بذلك أبان بن عثمان.

٣٥٩

لدخول (من) كان صوابا كما تقول : رأيت القوم منهم قاعد ومنهم قائم ، وقاعدا وقائما.

والمعنى فى قوله : (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ) يقول : أجاءكم التحريم فيما حرمتم من السائبة والبحيرة والوصيلة والحام من الذكرين أم من الأنثيين؟ فلو قالوا : من قبل الذكر حرم عليهم كل ذكر ، ولو قالوا : من قبل الأنثى حرمت عليهم كل أنثى.

ثم قال : (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ) يقول أم حرّم عليكم اشتمال الرحم؟ فلو قالوا ذلك لحرّم عليهم الذكر والأنثى ؛ لأن الرحم يشتمل على الذكر والأنثى. و (ما) فى قوله : «أمّا اشتملت» فى موضع نصب ، نصبته بإتباعه (١) الذكرين والأنثيين.

وقوله : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) (١٤٤)

يقول : أوصّاكم الله بهذا معاينة؟

وقوله : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) (١٤٥)

ثم قال جلّ وجهه : (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) وإن شئت (تكون (٢)) وفى (الميتة) وجهان الرفع والنصب. ولا يصلح (٣) الرفع فى القراءة ؛ لأنّ الدم منصوب بالردّ على الميتة وفيه ألف تمنع من جواز الرفع. ويجوز (أن تكون) لتأنيث الميتة ، ثم تردّ (٤) ما بعدها عليها.

__________________

(١) أي عطفه على ما ذكر.

(٢) وهى قراءة ابن عامر وأبى جعفر.

(٣) بل يصلح الرفع ، وقرأ به ابن عامر. وقوله : «أو دما» عطف على موضع «أن يكون» أي على المستثنى.

(٤) كأنه يريد أنه يصح تأنيث (تكون) بالنظر إلى «ميتة» وإن عطف عليها «دما» المذكر ، وهذا كما تقول جاءت هند ومحمد.

٣٦٠