معاني القرآن - ج ١

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء

معاني القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء


المحقق: أحمد يوسف نجاتي و محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٠٩
الجزء ١ الجزء ٣

وقوله : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ ...) (٩٦)

الصيد : ما صدته ، وطعامه ما نضب (١) عنه الماء فبقى على وجه الأرض.

قوله : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ...) (١٠١)

خطب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس ، وأخبرهم أن الله تبارك وتعالى قد فرض عليهم الحجّ ، فقام رجل فقال : يا رسول الله (أوفى) (٢) كلّ عام؟ فأعرض عنه. ثم عاد (فقال (٣) : أفي كل عام؟ فأعرض عنه ، ثم عاد) فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما يؤمنك أن أقول (نعم) فيجب عليكم ثم لا تفعلوا فتكفروا؟ اتركوني ما تركتكم».

و (أشياء) فى موضع خفض لا تجرى. وقد قال فيها بعض النحويين : إنما كثرت فى الكلام وهى (أفعال) فأشبهت فعلاء فلم تصرف ؛ كما لم تصرف حمراء ، وجمعها أشاوى ـ كما جمعوا عذراء عذارى ، وصحراء صحارى ـ وأشياوات ؛ كما قيل : حمراوات. ولو كانت على التوهّم لكان أملك الوجهين بها أن تجرى ؛ لأن الحرف إذا كثر به الكلام خفّ ؛ كما كثرت التسمية بيزيد فأجروه وفيه ياء زائدة تمنع من الإجراء. ولكنا نرى أن أشياء جمعيت (٤) على أفعلاء كما جمع ليّن وأليناء ، فحذف من وسط أشياء همزة ، كان ينبغى لها أن تكون (أشيئاء) فحذفت الهمزة لكثرتها. وقد قالت العرب : هذا من أبناوات سعد ، وأعيذك بأسماوات الله ، وواحدها أسماء وأبناء تجرى ، فلو منعت أشياء الجري لجمعهم إياها أشياوات لم أجر أسماء ولا أبناء ؛ لأنهما جمعتا أسماوات وأبناوات.

__________________

(١) أي غار وذهب فى الأرض ، وهنا حسر عنه ماء البحر.

(٢) كذا فى ش. وفى ج : «أ في».

(٣) سقط ما بين القوسين فى ش ، وثبت فى ج.

(٤) أي جعلت على هذه الصيغة.

٣٢١

وقوله : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ ...) (١٠٣)

قد اختلف فى السائبة. فقيل : كان الرجل يسيّب من ماله ما شاء ، يذهب به إلى الذين يقومون على خدمة آلهتهم. قال بعضهم : السائبة إذا ولدت الناقة عشرة (١) أبطن كلهنّ (٢) إناث سيّبت فلم تركب ولم يجزّ لها وبر ، ولم يشرب لبنها إلا ولدها أو ضيف حتى تموت ، فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء وبحرت أذن ابن (٣) ابنتها ـ يريد : خرقت ـ فالبحيرة ابنة السائبة ، وهى بمنزلة أمّها. وأمّا الوصيلة فمن الشاء. إذا ولدت الشاة سبعة أبطن عناقين عناقين (٤) فولدت فى سابعها عناقا وجديا قيل : وصلت أخاها ، فلا يشرب لبنها النساء وكان للرجال ، وجرت مجرى السائبة. وأما الحامى فالفحل من الإبل ؛ كان إذا لقح ولد ولده حمى ظهره ، فلا يركب ولا يجزّ له وبر ، ولا يمنع من مرعى ، وأىّ إبل ضرب فيها لم يمنع.

فقال الله تبارك وتعالى (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ) هذا أنتم جعلتموه كذلك. قال الله تبارك وتعالى (وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ).

وقوله : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ...) (١٠٥)

هذا أمر من الله عزوجل ؛ كقولك : عليكم (٥) أنفسكم. والعرب تأمر من الصفات (٦) بغليك ، وعندك ، ودونك ، وإليك. يقولون : إليك إليك ، يريدون : تأخّر ؛

__________________

(١) كذا فى ج. وفى ش : «عشر».

(٢) كذا فى ج. وفى ش : «كلهم».

(٣) كذا. وكأن الصواب حذف هذا اللفظ ، كما يعلم مما بعد.

(٤) العناق : الأنثى من ولد المعز.

(٥) ثبت فى ج ، وسقط فى ش.

(٦) يريد الظروف وحروف الجرّ.

٣٢٢

كما تقول : وراءك وراءك. فهذه الحروف كثيرة. وزعم الكسائىّ أنه سمع : بينكما البعير فحذاه. فأجاز ذلك فى كلّ الصفات التي قد تفرد ، ولم يجزه فى اللام ولا فى الباء ولا فى الكاف. وسمع بعض العرب تقول (١) : كما أنت زيدا ، ومكانك زيدا. قال الفراء : وسمعت [بعض] (٢) بنى سليم يقول فى كلامه : كما أنتنى ، ومكانكنى ، يريد انتظرنى فى مكانك.

ولا تقدّمنّ ما نصبته هذه الحروف قبلها ؛ لأنها أسماء ، والاسم لا ينصب شيئا قبله ؛ تقول : ضربا زيدا ، ولا تقول : زيدا ضربا. فإن قلته نصبت زيدا بفعل مضمر قبله كذلك ؛ قال الشاعر :

يا أيها المائح دلوى دونكا

إن شئت نصبت (الدلو) بمضمر قبله ، وإن شئت جعلتها رفعا ، تريد : هذه دلوى فدونكا.

(لا يَضُرُّكُمْ) رفع ، ولو جزمت كان صوابا ؛ كما قال (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) لا تخف ، و (لا تَخافُ) (٣) جائزان.

وقوله : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ...) (١٠٦)

يقول : شاهدان أو وصيّان ، وقد اختلف فيه. ورفع الاثنين بالشهادة ، أي ليشهدكم اثنان من المسلمين.

__________________

(١) كذا فى ش ، ج. فإن كان القائل امرأة فهو صحيح ، وإلا فهو نصحيف عن «يقول» ؛ إلا أن يريد ببعض العرب جماعة منهم.

(٢) زيادة يقتضيها السياق خلت منها نسختا ش ، ج.

(٣) آية ٧٧ سورة طه.

٣٢٣

(أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) من غير دينكم. هذا فى السّفر ، وله حديث طويل. إلا أنّ المعنى فى قوله (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) فمن قال : الأوليان أراد وليّى الموروث ؛ يقومان مقام النصرانيّين إذا اتّهما أنهما اختانا ، فيحلفان بعد ما حلف النصرانيّان وظهر على خيانتهما ، فهذا وجه قد قرأ به علىّ ، وذكر عن (١) أبىّ بن كعب. حدّثنا الفراء قال حدّثنى قيس بن الربيع عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس أنه قال الأولين يجعله نعتا للذين. وقال أرأيت إن كان الأوليان صغيرين كيف يقومان مقامهما. وقوله (اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ) معناه : فيهم ؛ كما قال (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) (٢) أي فى ملك ، وكقوله (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) (٣) جاء التفسير : على جذوع النخل. وقرأ الحسن (الأوّلان) يريد : استحقّا بما حقّ عليهما من ظهور خيانتهما. وقرأ عبد الله بن مسعود الأولين كقول ابن عباس. وقد يكون (الْأَوْلَيانِ) هاهنا النصرانيّين ـ والله أعلم ـ فيرفعهما ب (استحقّ) ، ويجعلهما الأوليين باليمين ؛ لأن اليمين كانت عليهما ، وكانت البيّنة على الطالب ؛ فقيل الأوليان بموضع اليمين. وهو على معنى قول الحسن.

وقوله (أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ) غيرهم على (٤) أيمانهم فتبطلها.

وقوله : (قالُوا لا عِلْمَ لَنا ...) (١٠٩)

قالوا : فيما ذكر من هول يوم القيامة. ثم قالوا : إلا ما علمتنا (٥) ، فإن كانت على ما ذكر ف (ما) التي بعد (إلا) فى موضع نصب ؛ لحسن السكوت على قوله : (لا علم لنا) ، والرفع جائز.

__________________

(١) كذا فى ج. وفى ش : «أن».

(٢) آية ١٠٢ سورة البقرة.

(٣) آية ٧١ سورة طه.

(٤) كذا. وهو لا يريد التلاوة فإنها : «بعد أيمانهم» وإنما يريد التفسير.

(٥) ليس فى الآية (إلا ما علمتنا) والتلاوة (قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب).

٣٢٤

وقوله : (إِذْ أَيَّدْتُكَ ...) (١١٠)

على فعّلتك ؛ كما تقول : قوّيتك. وقرأ مجاهد (آيدتك) على أفعلتك. وقال الكسائىّ : فاعلتك ، وهى تجوز. وهى مثل عاونتك.

وقوله : (فِي الْمَهْدِ) يقول : صبيّا (وَكَهْلاً) فردّ الكهل على الصفة ؛ كقوله (دَعانا) (١) (لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً).

وقوله : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي ...) (١١١)

يقول : ألهمتهم ؛ كما قال (وَأَوْحى) (٢) (رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) أي ألهمها.

وقوله : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ...) (١١٢)

بالتاء والياء. قرأها أهل المدينة وعاصم بن أبى النجود والأعمش بالياء : (يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) وقد يكون ذلك على قولك : هل يستطيع فلان القيام معنا؟ وأنت تعلم أنه يستطيعه ، فهذا وجه. وذكر (٣) عن علىّ وعائشة رحمهما‌الله أنهما قرآ هل تستطيع ربّك بالتاء ، وذكر عن معاذ أنه قال : أقرأنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل تستطيع ربّك بالتاء ، وهو وجه حسن. أي هل تقدر على أن تسأل ربك (أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ).

وقوله : (تَكُونُ لَنا عِيداً ...) (١١٤)

(وتكن لنا). وهى فى قراءة عبد الله تكن لنا عيدا بغير واو. وما كان من نكرة قد وقع عليها أمر جاز فى الفعل بعده الجزم والرفع. وأمّا المائدة فذكر

__________________

(١) آية ١٢ سورة يونس.

(٢) آية ٦٨ سورة النحل.

(٣) كذا فى ج. وفى ش : «ذلك».

٣٢٥

أنها نزلت ، وكانت خبزا وسمكا. نزلت ـ فيما ذكر ـ يوم الأحد مرّتين ، فلذلك اتخذوه عيدا. وقال بعض المفسّرين : لم تنزل ؛ لأنه اشترط عليهم أنه إن أنزلها فلم يؤمنوا عذّبهم ، فقالوا : لا حاجة لنا فيها.

وقوله : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) (١١٦)

(عِيسَى) فى موضع رفع ، وإن شئت نصبت (١). وأمّا (ابْنَ) فلا يجوز فيه إلا النصب. وكذلك تفعل فى كل اسم دعوته باسمه ونسبته إلى أبيه ؛ كقولك : يا زيد بن عبد الله ، ويا زيد بن عبد الله. والنصب فى (زيد) فى كلام العرب أكثر.

فإذا رفعت فالكلام على دعوتين ، وإذا نصبت فهو دعوة. فإذا قلت : يا زيد أخا تميم ، أو قلت : يا زيد ابن الرجل الصالح رفعت الأوّل ، ونصبت الثاني ؛ كقول الشاعر (٢) :

يا زبرقان أخا بنى خلف

ما أنت ويل أبيك والفخر

وقوله : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) (١١٩)

ترفع (اليوم) ب (هذا) ، ويجوز أن تنصبه (٣) ؛ لأنه مضاف إلى غير اسم ؛ كما قالت العرب : مضى يومئذ بما فيه. ويفعلون ذلك به فى موضع الخفض ؛ قال الشاعر (٤) :

رددنا لشعثاء الرسول ولا أرى

كيومئذ شيئا تردّ رسائله

__________________

(١) كذا فى ش. وفى ج : «نصب».

(٢) هو المخبل السعدىّ ، يهجو الزبرقان بن بدر. وبنو خلف رهطه الأدنون من تميم. وانظر الكتاب ١ / ١٥١ ، والخزانة ٢ / ٥٣٥.

(٣) وهو قراءة نافع ، ووافقه ابن محيصن.

(٤) هو جرير. والبيت من قصيدته التي أوّلها :

ألم تر أن الجهل أقصر باطله

وأمسى عماه قد تجلت مخابله.

٣٢٦

وكذلك وجه القراءة فى قوله : (مِنْ) (١) (عَذابِ يَوْمِئِذٍ) ؛ (وَمِنْ) (٢) (خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) ويجوز خفضه فى موضع الخفض ؛ كما جاز رفعه فى موضع الرفع. وما أضيف إلى كلام ليس فيه مخفوض فافعل به ما فعلت فى هذا ؛ كقول الشاعر (٣) :

على حين عاتبت المشيب على الصبا

وقلت ألمّا تصح والشيب وازع

وتفعل ذلك فى يوم ، وليلة ، وحين ، وغداة ، وعشيّة ، وزمن ، وأزمان وأيام ، وليال. وقد يكون قوله : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) كذلك. وقوله : (هذا (٤) يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) فيه ما فى قوله : (يَوْمُ يَنْفَعُ) وإن قلت (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) كما قال الله : (وَاتَّقُوا) (٥) (يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ) تذهب إلى النكرة كان صوابا. والنصب فى مثل هذا مكروه فى الصفة ؛ وهو على ذلك جائز ، ولا يصلح فى القراءة.

__________________

(١) آية ١١ سورة المعارج. وقراءة فتح الميم من (يومئذ) فى الآيتين لنافع والكسائىّ. وقراءة الباقين كسر الميم.

(٢) آية ٦٦ سورة هود.

(٣) هو النابغة الذبيانىّ. وانظر الكتاب ١ / ٣٦٩ ، والخزانة ٣ / ١٥١.

(٤) آية ٣٥ سورة المرسلات.

(٥) آية ١٢٣ سورة البقرة.

٣٢٧

من سورة الأنعام

ومن سورة الأنعام :

قوله تبارك وتعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) (٦) القرن ثمانون سنة. وقد قال بعضهم : سبعون (١).

وقوله (٢) : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) (٩)

: فى صورة رجل ؛ لأنهم لا يقدرون على النظر إلى صورة الملك.

وقوله : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (١٢) إن شئت جعلت (الرحمة) غاية كلام ، ثم استأنفت بعدها (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) وإن شئت جعلته (٣) فى موضع نصب ؛ كما قال : (كَتَبَ) (٤) (رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ) والعرب تقول فى الحروف التي يصلح معها جواب الأيمان بأن المفتوحة وباللام. فيقولون : أرسلت إليه أن يقوم ، وأرسلت إليه ليقومنّ. وكذلك قوله : (ثُمَ) (٥) (بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) وهو فى القرآن كثير ؛ ألا ترى أنك لو قلت : بدا لهم أن يسجنوه كان صوابا.

وقوله : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ) (١٤) مخفوض (٦) فى الإعراب ؛ تجعله صفة من صفات الله تبارك وتعالى. ولو نصبته على المدح كان صوابا ، وهو معرفة. ولو نويت الفاطر الخالق نصبته على القطع ؛

__________________

(١) والصحيح أن القرن مائة سنة ، راجع ج ٩ شرح القاموس.

(٢) سقط ما بين القوسين فى ش ، وثبت فى ج.

(٣) أي «ليجمعنكم».

(٤) آية ٥٤ سورة الأنعام.

(٥) آية ٣٥ سورة يوسف.

(٦) أي «فاطر».

٣٢٨

إذ لم يكن فيه ألف ولام. ولو استأنفته فرفعته كان صوابا ؛ كما قال : (رَبِّ السَّماواتِ) (١) (وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ) :

وقوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) (١٨)

كلّ شىء قهر شيئا فهو مستعل عليه.

وقوله : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (١٩)

يريد : ومن بلغه القرآن من بعدكم ، و (بلغ) صلة ل (من). ونصبت (من) بالإنذار. وقوله : (آلِهَةً أُخْرى) ولم يقل : أخر ؛ لأن الآلهة جمع ، (والجمع) (٢) يقع عليه التأنيث ؛ كما قال الله تبارك وتعالى : (وَلِلَّهِ) (٣) (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) وقال الله تبارك وتعالى : (فَما) (٤) (بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) ولم يقل : الأول والأوّلين. وكلّ ذلك صواب.

وقوله : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) (٢٠)

ذكر أنّ عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام : ما هذه المعرفة التي تعرفون بها محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : والله لأنابه إذا رأيته أعرف منى بابني وهو يلعب مع الصبيان ؛ لأنى لا أشكّ فيه أنه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ ولست أدرى ما صنع النساء فى الابن. فهذه المعرفة لصفته فى كتابهم.

وجاء التفسير فى قوله : (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) يقال : ليس من مؤمن ولا كافر إلا له منزل فى الجنة وأهل وأزواج ، فمن أسلم وسعد صار إلى منزله وأزواجه

__________________

(١) آية ٣٧ سورة النبأ. وقراءة رفع «رب» و «الرحمن» عند نافع وابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر ، وقراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب بجرّهما.

(٢) سقط ما بين القوسين فى ج ، وثبت فى ش.

(٣) آية ١٨٠ سورة الأعراف.

(٤) آية ٥١ سورة طه.

٣٢٩

(ومن (١) كفر صار منزله وأزواجه) إلى من أسلم وسعد. فذلك قوله (الَّذِينَ) (٢) (يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) يقول : يرثون منازل الكفار ، وهو قوله : (الَّذِينَ) (٣) (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ).

وقوله : (وَاللهِ رَبِّنا) (٢٣)

تقرأ (٤) : ربّنا وربّنا خفضا ونصبا. قال الفرّاء : وحدّثنى الحسن بن عيّاش (٥) أخو أبى بكر بن عياش عن الأعمش عن الشعبىّ عن علقمة (٦) أنه قرأ (وَاللهِ رَبِّنا) قال : معناه : والله يا ربّنا. فمن قال (رَبِّنا) جعله محلوفا به.

وقوله : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ ...) (٣٢)

جعلت الدار هاهنا اسما ، وجعلت الآخرة من صفتها ، وأضيفت فى غير هذا الموضع (٧). ومثله ممّا يضاف إلى مثله فى المعنى قوله (إِنَ) (٨) (هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) والحق هو اليقين ؛ كما أنّ الدار هى الآخرة. وكذلك أتيتك بارحة الأولى ، والبارحة الأولى. ومنه : يوم الخميس ، وليلة الخميس. يضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه ؛ كما اختلف الحق واليقين ، والدار [و (٩)] الآخرة ، واليوم والخميس. فإذا اتفقا لم تقل العرب : هذا حقّ الحقّ ، ولا يقين اليقين ؛ لأنهم يتوهمون إذا

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى ج ، وثبت فى ش.

(٢) آية ١١ سورة المؤمنون.

(٣) آية ١٥ سورة الزمر ، ٤٥ سورة الشورى.

(٤) النصب قراءة حمزة والكسائىّ وخلف ، والجر قراءة الباقين.

(٥) هو أبو محمد الكوفىّ. روى عن الأعمش وغيره. مات سنة ١٧٢ ه‍. وأخوه أبو بكر مات سنة ١٩٣

(٦) هو علقمة بن قيس النخعىّ. مات سنة ٦٢

(٧) كما فى الآية ١٠٩ سورة يوسف. على أن ابن عامر قرأ هنا : «ولدار الاخرة» بالإضافة.

(٨) آية ٩٥ سورة الواقعة.

(٩) سقطت الواو فى ش ، ج. وما أثبتناه هو المناسب للمقام.

٣٣٠

اختلفا فى اللفظ أنهما مختلفان فى المعنى. ومثله فى قراءة عبد الله وذلك (١) الدين القيّمة وفى قراءتنا (دِينُ الْقَيِّمَةِ) والقيّم والقيّمة بمنزلة قولك : رجل راوية وهّابة للأموال ؛ ووهّاب وراو ، وشبهه.

وقوله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) (٣٣)

قرأها العامّة بالتشديد. قال : حدّثنا الفراء قال حدّثنى قيس بن الربيع الأسدىّ عن أبى إسحاق السبيعىّ (٢) عن ناجية (٣) بن كعب عن علىّ أنه قرأ (٤) (يُكَذِّبُونَكَ) مخفّفة. ومعنى التخفيف ـ والله أعلم ـ : لا يجعلونك كذّابا ، وإنما يريدون أن ما جئت به باطل ؛ لأنهم لم يجرّبوا عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كذبا فيكذّبوه وإنما أكذبوه (٥) ؛ أي ما جئت به كذب لا نعرفه. والتكذيب (٦) : أن يقال : كذبت. والله أعلم.

وقوله : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ...) (٣٥)

فافعل (٧) ، مضمرة ، بذلك. جاء التفسير ، وذلك معناه. وإنما تفعله العرب فى كل موضع يعرف فيه معنى الجواب ؛ ألا ترى أنك تقول للرجل : إن استطعت أن تتصدق ، إن رأيت أن تقوم معنا ، بترك الجواب ؛ لمعرفتك بمعرفته به (٨). فإذا جاء

__________________

(١) آية ٥ سورة البينة.

(٢) هو عمرو بن عبد الله الهمدانىّ الكوفىّ. توفى سنة ١٢٧ ه‍.

(٣) صحابىّ جليل. توفى فى أيام معاوية.

(٤) وهى قراءة نافع والكسائىّ.

(٥) كذا فى ج. وهو يوافق عبارة اللسان. وفى ش : «يكذبوه».

(٦) حاصل هذا أن التكذيب : النسبة إلى الكذب. والإكذاب للرجل أن يجد كلامه باطلا ، وإن لم يكن القائل كاذبا فيه عارفا بكذبه.

(٧) هذا جواب الشرط المحذوف.

(٨) ثبت فى ج ، وسقط فى ش.

٣٣١

ما لا يعرف جوابه إلا بظهوره أظهرته ؛ كقولك للرجل : إن تقم تضب خيرا ، لا بدّ فى هذا من جواب ؛ لأن معناه لا يعرف إذا طرح.

وقوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ ...) (٣٨)

(الطائر) مخفوض. ورفعه (١) جائز (كما (٢) تقول : ما عندى من) رجل ولا امرأة ، وامرأة ؛ من رفع قال : ما عندى من رجل ولا عندى امرأة. وكذلك قوله : (وَما) (٣) (يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) ثم قال (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ ، وَلا أَكْبَرَ) ، (وَلا أَكْبَرَ) إذا نصبت (أصغر) فهو فى نيّة خفض ، ومن رفع ردّه على المعنى.

وأمّا قوله (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) فإنّ الطائر لا يطير إلا بجناحيه. وهو فى الكلام بمنزلة قوله (له (٤) تسع وتسعون نعجة [ولى نعجة] أنثى) ، وكقولك للرجل : كلّمته بفىّ ، ومشيت إليه على رجلىّ ، إبلاغا فى الكلام.

يقال : إنّ كل صنف من البهائم أمّة ، والعرب تقول صنف [وصنف (٥)].

(ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) حشرها : موتها ، ثم تحشر مع الناس فيقال لها : كونى ترابا. وعند ذلك يتمنّى الكافر أنه كان ترابا مثلها.

__________________

(١) وبه قرأ الحسن وعبد الله بن أبى إسحاق.

(٢) سقط ما بين القوسين فى ج ، وثبت فى ش.

(٣) آية ٦١ سورة يونس ، وآية ٣ سورة سبأ ، والقراءة بالوجهين فى الآية الأولى. فقرأ حمزة ويعقوب وخلف بالرفع ، والباقون بالفتح. فأما فى آية سبأ فقد اتفق على الرفع إلا فى رواية عن المطوعى ؛ كما فى الإتحاف.

(٤) آية ٢٣ سورة ص. وهذه قراءة ابن مسعود كما فى البديع.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٣٣٢

وقوله : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ ...) (٤٠)

العرب لها فى (أرأيت) لغتان ، ومعينان.

أحدهما أن يسأل الرجل الرجل : أرأيت زيدا بعينك؟ فهذه مهموزة. فإذا أوقعتها على الرجل منه قلت : أرأيتك على غير هذه الحال؟ تريد : هل رأيت نفسك على غير هذه الحال. ثم (١) تثنّى وتجمع ، فتقول للرجلين : أرايتما كما ، وللقوم : أرأيتموكم ، وللنسوة : أرأيتنّكنّ (٢) ، وللمرأة : أرأيتك ، تخفض التاء والكاف ، لا يجوز إلا ذلك.

والمعنى الآخر أن تقول : أرأيتك ، وأنت تريد : أخبرنى (وتهمزها) (٣) وتنصب التاء منها ؛ وتترك الهمز إن شئت ، وهو أكثر كلام العرب ، وتترك التاء موحّدة مفتوحة للواحد والواحدة [والجميع (٤) فى] مؤنّثه ومذكّره. فتقول للمرأة : أرايتك زيدا هل خرج ، وللنسوة : أرايتكنّ زيدا ما فعل. وإنما تركت العرب التاء واحدة لأنهم لم يريدوا أن يكون الفعل منها واقعا على نفسها ، فاكتفوا بذكرها فى الكاف ، ووجّهوا التاء إلى المذكّر والتوحيد ؛ إذ لم يكن الفعل واقعا. وموضع الكاف نصب وتأويله رفع ؛ كما أنك إذا قلت للرجل : دونك زيدا وجدت الكاف فى اللفظ خفضا وفى المعنى رفعا ؛ لأنها مأمورة.

والعرب إذا أوقعت فعل شىء على نفسه قد كنى فيه عن الاسم قالوا فى الأفعال التامّة غير ما يقولون فى الناقصة. فيقال للرجل : قتلت نفسك ، وأحسنت إلى

__________________

(١) سقط هذا الحرف فى ش ، وثبت فى ج.

(٢) رسم فى اللسان (رأى) : «أرأتن كن» وظاهر أن «أرأتن» تحريف عن «أرأيتن».

(٣) فى عبارة اللسان : «فتهمزها».

(٤) ثبت ما بين الجاصرين فى عبارة اللسان ، وسقط فى ش ، ج.

٣٣٣

نفسك ، ولا يقولون : قتلتك ولا أحسنت إليك. كذلك قال الله تبارك وتعالى (فَاقْتُلُوا) (١) (أَنْفُسَكُمْ) فى كثير من القرآن ؛ كقوله (وَما) (٢) (ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) فإذا كان الفعل ناقصا ـ مثل حسبت وظننت ـ قالوا : أظنّنى خارجا ، وأحسبنى خارجا ، ومتى تراك خارجا. ولم يقولوا : متى ترى نفسك ، ولا متى تظنّ نفسك. وذلك أنهم أرادوا أن يفرقوا بين الفعل الذي قد يلغى ، وبين الفعل الذي لا يجوز إلغاؤه ؛ ألا ترى أنك تقول : أنا ـ أظنّ ـ خارج ، فتبطل (أظنّ) ويعمل فى الاسم فعله. وقد قال الله تبارك وتعالى (إِنَ (٣) الْإِنْسانَ لَيَطْغى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) ولم يقل : رأى نفسه. وربما جاء فى الشعر : ضربتك أو شبهه من التامّ. من ذلك قول الشاعر (٤) :

هذا حذرا يا جارتىّ فإننى

رأيت جران العود قد كاد يصلح

لقد كان لى فى ضرّتين عدمتنى

وما كنت ألقى من رزينة أبرح

والعرب يقولون : عدمتنى ، ووجدتني ، وفقدتنى ، وليس بوجه الكلام.

وقوله : (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا ...) (٤٣)

معنى (فلولا) فهلا. ويكون معناها على معنى لولا (٥) ؛ كأنك قلت : لو لا عبد الله لضربتك. فإذا رأيت بعدها اسما واحدا مرفوعا فهو بمعنى لو لا التي جوابها اللام ؛ وإذا لم تر بعدها اسما فهى استفهام ؛ كقوله : (لَوْ لا) (٦) (أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ [فَأَصَّدَّقَ

__________________

(١) آية ٥٤ سورة البقرة.

(٢) آية ١٠١ سورة هود.

(٣) آيتا ٦ ، ٧ سورة العلق.

(٤) هو عامر بن الحارث النميرىّ عند صاحب القاموس تبعا للصاغاتىّ. وعند الجوهرى : المستورد. وقد لقب جران العود لهذا الشعر. والعود : البعير المسنّ وجرانه مقدّم عنقه. كان له امرأتان لا ترضيانه ، فاتخذ من جران العود سوطا قدّه من جران عود نحره ، وهو أصلب ما يكون. فقوله : «يا جارتى» يريد زوجتيه.

(٥) كذا فى ج. وفى ش : «لو لاك».

(٦) آية ١٠ سورة المنافقين.

٣٣٤

وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ]) وكقوله : (فَلَوْ لا) (١) (إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ [تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ]) وكذلك (لوما) فيها ما فى لو لا : الاستفهام والخبر.

وقوله : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) (٤٤)

يعنى أبواب الرزق والمطر وهو (٢) الخير فى الدنيا لنفتنهم فيه. وهو مثل قوله : (حَتَّى (٣) إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) ومثله (وَأَنْ (٤) لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) والطريقة طريقة (٥) الشرك ؛ أي لو استمرّوا عليها فعلنا ذلك بهم.

وقوله : (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) المبلس : اليائس المنقطع رجاؤه. ولذلك قيل للذى يسكت عند انقطاع حجته ولا يكون عنده جواب : قد أبلس ؛ وقد قال الراجز (٦) :

يا صاح هل تعرف رسما مكرسا

قال نعم أعرفه ، وأبلسا

أي لم يحر إلىّ جوابا.

وقوله : (يَأْتِيكُمْ بِهِ) (٤٦) كناية عن ذهاب (٧) السمع والبصر والختم على الأفئدة. وإذا كنيت عن الأفاعيل وإن كثرت وحّدت الكناية ؛ كقولك للرجل : إقبالك وإدبارك يؤذينى. وقد يقال : إن الهاء التي فى (٨) (بِهِ) كناية عن الهدى ، وهو كالوجه الأوّل.

__________________

(١) آيتا ٧٦ ، ٧٧ سورة الواقعة.

(٢) ثبت فى ج ، وسقط فى ش.

(٣) آية ٢٤ سورة يونس.

(٤) آيتا ١٦ ، ١٧ سورة الجنّ

(٥) هذا أحد وجهين فى تفسير الطريقة.

والوجه الآخر أنها طريقة الهدى والإسلام. والنعمة والخير يكونان للكافر استدراجا ، وللمؤمن ابتلاه.

(٦) هو العجاج. و «مكرسا» أي فيه الكرس ـ بكسر فسكون ـ أي أبوال الإبل وأبعارها يتلبد بعضها على بعض فى الدار.

(٧) هذا تسمح فى التعبير ، والمراد : كناية عن السمع والبصر الذاهبين والأفئدة المختوم عليها.

(٨) كذا فى ج. وفى ش : «به».

٣٣٥

وقوله : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) (٥١)

يقول : يخافون أن يحشروا إلى ربهم علما بأنه سيكون. ولذلك (١) فسّر المفسرون (يَخافُونَ) : يعلمون.

وقوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) (٥٢)

يقول القائل : وكيف يطرد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من يدعو ربه حتى ينهى عن ذلك؟ فإنه بلغنا أن عيينة بن حصن الفزارىّ دخل على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده سلمان وبلال وصهيب وأشباههم ، فقال عيينة : يا رسول الله لو نحيّت هؤلاء عنك لأتاك أشراف قومك فأسلموا. فأنزل الله تبارك وتعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ).

وقوله : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ) (٥٤)

تكسر الألف من (أنّ) والتي بعدها (٢) فى جوابها على الائتناف ، وهى قراءة (٣) القرّاء (٤). وإن شئت فتحت الألف من (أنّ) تريد : كتب ربكم على نفسه أنه من عمل. ولك فى (أنّ) التي بعد الفاء الكسر والفتح. فأمّا من (٥) فتح فإنه يقول : إنما يحتاج الكتاب إلى (أنّ) مرة واحدة ؛ ولكن الخبر هو موضعها ، فلما دخلت فى ابتداء

__________________

(١) كذا فى ش. وفى ج : «ذلك».

(٢) ثبت هذا الحرف فى ج ، وسقط فى ش.

(٣) كذا فى ج. وفى ش : «فى قراءة».

(٤) الكسر فى إنّ الأولى وإنّ الثانية قراءة ابن كثير وأبى عمرو وحمزة والكسائىّ.

(٥) الفتح فى الموضعين قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب.

٣٣٦

الكلام أعيدت إلى موضعها ؛ كما قال : (أَيَعِدُكُمْ) (١) (أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) فلمّا كان موقع أنّ : أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم دخلت فى أوّل الكلام وآخره. ومثله : (كُتِبَ) (٢) (عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) بالفتح. ومثله : (أَلَمْ) (٣) (يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) ولك أن تكسر (٤) (إن) التي بعد الفاء فى هؤلاء الحروف على الاستئناف ؛ ألا ترى أنك قد تراه حسنا أن تقول : «كتب أنه من تولاه فهو يضله» بالفتح. وكذلك «وأصلح فهو غفور رحيم» لو كان لكان صوابا. فإذا حسن دخول (هو) حسن الكسر.

وقوله : وليستبين سبيل المجرمين (٥٥)

ترفع (السبيل) بقوله : (وليستبين) لأنّ (٥) الفعل له. ومن (٦) أنّث السبيل قال : (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ). وقد يجعل (٧) الفعل للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتنصب (٨) السبيل ، يراد به : ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين.

وقوله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) يقض الحقّ (٥٧)

كتبت بطرح الياء لاستقبالها الألف واللام ؛ كما كتب (سَنَدْعُ) (٩) (الزَّبانِيَةَ) بغير واو ، وكما كتب (فَما) (١٠) (تُغْنِ النُّذُرُ) بغير ياء على اللفظ. فهذه قراءة أصحاب (١١)

__________________

(١) آية ٣٥ سورة المؤمنون.

(٢) آية ٤ سورة الحج.

(٣) آية ٦٣ سورة التوبة.

(٤) فتح الأولى وكسر الثانية قراءة نافع وأبى جعفر.

(٥) وهذه القراءة بالياء فى الفعل ورفع السبيل قراءة أبى بكر وحمزة والكسائىّ وخلف.

(٦) وهذه قراءة ابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وحفص.

(٧) كذا فى ش. وفى ج : «جعل».

(٨) وهذه قراءة نافع وأبى جعفر.

(٩) آية ١٨ سورة العلق.

(١٠) آية ٥ سورة القمر.

(١١) وهى قراءة أبى عمرو وحمزة والكسائىّ ، فهى قراءة سبعية.

٣٣٧

عبد الله. وذكر عن علىّ (١) أنه قال : (يَقُصُّ الْحَقَّ) بالصاد. قال حدّثنا الفرّاء قال : وحدّثنى سفيان (٢) بن عيينة عن عمرو (٣) بن دينار عن رجل عن ابن عباس أنه قرأ (يقضى بالحق) قال الفرّاء : وكذلك هى فى قراءة عبد الله.

وقوله : (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ) (٥٩)

يجوز رفعها.

وقوله : (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (٦٣)

يقال : خفية وخفية. وفيها لغة بالواو ، ـ ولا تصلح فى القراءة ـ : خفوة وخفوة ؛ كما قيل : قد حلّ حبوته وحبوته وحبيته.

وقوله : (لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ) (٦٣)

قراءة أهل الكوفة ، ـ وكذلك هى فى مصاحفهم ـ «أن (٤) ج ى ن ألف» وبعضهم (٥) بالألف (أنجانا) وقراءة الناس (أنجيتنا) بالتاء.

وقوله : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) (٦٥)

كما فعل بقوم نوح : المطر والحجارة والطوفان (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) : الخسف (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) : يخلطكم شيعا ذوى أهواء.

__________________

(١) وهى قراءة نافع وابن كثير وعاصم.

(٢) كانت وفاته سنة ١٩٨

(٣) هو أبو محمد المكىّ. توفى سنة ١١٦

(٤) رسمها هكذا ، يريد أنجانا بألف بعد الجيم ممالة ، فرسمها ياء للدلالة على إمالتها. وهذه قراءة حمزة والكسائي وخلف.

(٥) أي بعض أهل الكوفة وهو عاصم.

٣٣٨

وقوله : (وَلكِنْ ذِكْرى) (٦٩)

فى موضع نصب أو رفع ؛ النصب بفعل مضمر ؛ (ولكن) نذكرهم (ذكرى) والرفع على قوله (ولكن) هو (ذكرى).

وقوله : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً ...) (٧٠)

يقال : ليس من قوم إلّا ولهم عيد فهم يلهون فى أعيادهم ، إلا أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فإن أعيادهم برّ وصلاة وتكبير وخير.

وقوله : (وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ) أي ترتهن (١) (والعرب (٢) تقول : هذا عليك بسل أي حرام. ولذلك قيل : أسد باسل أي لا يقرب) والعرب تقول : أعط الراقي بسلته ، وهو أجر الرقية.

وقوله : (يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا ...) (٧١)

كان أبو بكر الصدّيق وامرأته يدعوان عبد الرحمن ابنهما إلى الإسلام. فهو قوله : (إِلَى الْهُدَى ائْتِنا) أي أطعنا ، ولو كانت «إلى الهدى أن ائتنا» لكان صوابا ؛ كما قال : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ) (٣) فى كثير من أشباهه ، يجىء بأن ، ويطرحها.

وقوله : (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ...) (٧٢)

مردودة على اللام التي فى قوله : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ) والعرب تقول : أمرتك لتذهب (وأن (٤) تذهب) فأن فى موضع نصب بالردّ على الأمر. ومثله فى القرآن كثير.

__________________

(١) فى ش ، ج : «يرتهن».

(٢) ثبت ما بين القوسين فى ج ، وسقط فى ش.

(٣) آية ١ سورة نوح.

(٤) ثبت ما بين القوسين فى ش ، وسقط فى ج.

٣٣٩

وقوله : (كُنْ فَيَكُونُ ...) (٧٣)

يقال إنّ قوله : (فَيَكُونُ) للصّور خاصّة ، أي يوم يقول للصّور : (كُنْ فَيَكُونُ). ويقال إن قوله : (كُنْ فَيَكُونُ) لقوله (١) هو الحقّ من نعت القول ، ثم تجعل فعله (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) يريد : يكون قوله الحقّ يومئذ. وقد يكون أن تقول : (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ) لكل شىء فتكون كلمة مكتفية وترفع القول بالحقّ ، وتنصب (اليوم) لأنه محل لقوله الحقّ.

والعرب تقول : نفخ فى الصور ونفخ ، وفى قراءة عبد الله : كهيئة الطير فأنفخها فتكون طيرا بإذنى (٢) وقال الشاعر :

لو لا ابن جعدة لم يفتح قهندزكم

ولا خراسان حتى ينفخ الصور (٣)

ويقال : إن الصور قرن ، ويقال : هو جمع للصور (٤) ينفخ فى الصور فى الموتى. والله أعلم بصواب ذلك.

وقوله : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ...) (٧٤)

يقال : آزر فى موضع خفض ولا يجرى لأنه أعجمىّ. وقد أجمع أهل النسب على أنه ابن تارح ، فكأن آزر لقب له. وقد بلغني أن معنى (آزر) فى كلامهم معوّج ، كأنه عابه بزيغه وبعوجه عن الحقّ. وقد قرأ بعضهم (٥) (لِأَبِيهِ آزَرَ) بالرفع على النداء (يا) وهو وجه حسن. وقوله : (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) نصبت الأصنام بإيقاع الفعل عليها ، وكذلك الآلهة.

__________________

(١) يريد أن «قوله» فاعل «يكون». و «الحق» نعمت القول. وقوله : «هو» المناسب : «و».

(٢) هذا فى الآية ١١٠ سورة المائدة.

(٣) القهندز كلمة أعجمية معناها الحصن أو القلعة فى وسط المدينة. وهو اسم لأربعة مواضع.

(٤) كذا. والمراد أنه جمع مرادف للصور ـ بضم الصاد وفتح الواو ـ فى أنه جمع صورة. وقد يكون الأصل : «للصورة».

(٥) هو يعقوب.

٣٤٠