معاني القرآن - ج ١

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء

معاني القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء


المحقق: أحمد يوسف نجاتي و محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٠٩
الجزء ١ الجزء ٣

ثم قال تصديقا لنفاقهم (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا) فنصب (فئتين) بالفعل (١) ، تقول : مالك قائما ، كما قال الله تبارك وتعالى (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) (٢) فلا تبال أكان المنصوب معرفة أو نكرة ؛ يجوز فى الكلام أن تقول : مالك الناظر فى أمرنا ، لأنه كالفعل الذي ينصب بكان وأظنّ وما أشبههما. وكل موضع صلحت فيه فعل ويفعل من المنصوب جاز نصب المعرفة منه والنكرة ؛ كما تنصب كان وأظنّ ؛ لأنهن نواقص فى المعنى وإن ظننت أنهن تامّات. ومثل مال ، ما بالك ، وما شأنك. والعمل فى هذه الأحرف بما ذكرت لك سهل كثير. ولا تقل : ما أمرك القائم ، ولا ما خطبك القائم ، قياسا عليهن ؛ لأنهن قد كثرن ، فلا يقاس الذي لم يستعمل على ما قد استعمل ؛ ألا ترى أنهم قالوا : أيش عندك؟ ولا يجوز القياس على هذه فى شىء من الكلام.

وقوله : (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) يقول : ردّهم إلى الكفر. وهى (٣) فى قراءة عبد الله وأبىّ والله ركسهم.

وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ...) (٩٠)

يقول : إذا واثق القوم النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألّا يقاتلوه ولا يعينوا عليه ، فكتبوا صلحا لم يحلّ قتالهم ولا من اتّصل بهم ، فكان رأيه فى قتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كرأيهم فلا يحلّ قتاله. فذلك قوله (يصلون) معناه : يتصلون بهم.

__________________

(١) يريد به متعلق الجارّ والمجرور.

(٢) آية ٣٦ سورة المعارج.

(٣) يريد أن الثلاثىّ لغة فيه.

٢٨١

وقوله (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) ، يقول : ضاقت صدورهم عن قتالكم أو قتال قومهم. فذلك معنى قوله (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) أي ضاقت صدورهم. وقد قرأ الحسن «حصرة صدورهم» ، والعرب تقول : أتانى ذهب عقله ، يريدون قد ذهب عقله. وسمع الكسائىّ بعضهم يقول : فأصبحت نظرت إلى ذات التنانير (١). فإذا رأيت فعل بعد كان ففيها قد مضمرة (٢) ، إلا أن يكون مع كان جحد فلا تضمر فيها (قد مع جحد) (٣) لأنها توكيد والجحد لا يؤكّد ؛ ألا ترى أنك تقول : ما ذهبت ، ولا يجوز ما قد ذهبت.

وقوله : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ) (٩١)

معناه : أن يأمنوا فيكم ويأمنوا فى قومهم. فهؤلاء بمنزلة الذين ذكرناهم فى أن قتالهم حلال إذا لم يرجعوا.

وقوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (٩٢)

مرفوع على قولك : فعليه تحرير رقبة. والمؤمنة : المصلّية المدركة. فإن (٤) لم يقل : رقبة مؤمنة ، أجزأت الصغيرة التي لم تصلّ ولم تبلغ.

وقوله : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) كان الرجل يسلم فى قومه وهم كفّار فيكتم إسلامه ، فمن قتل وهو غير معلوم إسلامه من هؤلاء أعتق قاتله رقبة ولم تدفع ديته إلى الكفار فيقووا بها على أهل الإسلام. وذلك إذا (٥) لم

__________________

(١) ذات التنانير : عقبة بحذاء زبالة.

(٢) انظر ص ٢٤ من هذا الجزء.

(٣) زيادة فى ش ، ج.

(٤) كذا فى ش. وفى أ ، ج : «فإذا».

(٥) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «أنه».

٢٨٢

يكن بين قومه وبين النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد. فإن كان عهد جرى مجرى المسلم.

وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) (٩٤)

(فتثبّتوا (١) ـ قراءة عبد الله بن مسعود وأصحابه. وكذلك التي فى الحجرات (٢). ويقرأان : فتثبّتوا) وهما متقاربتان (٣) فى المعنى. تقول للرجل : لا تعجل بإقامة حتى تتبين وتتثبت.

وقوله : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) ذكروا أنه رجل سلّم على بعض سرايا المسلمين ، فظنّوا أنه عائذ بالإسلام وليس بمسلم فقتل. وقرأه العامة : السلم. والسلم : الاستسلام والإعطاء بيده.

وقوله : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) (٩٥) يرفع (٤) (غير) لتكون كالنعت للقاعدين ؛ كما قال : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) وكما قال (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) (٥) وقد ذكر أن (غير) نزلت بعد أن ذكر فضل المجاهد على القاعد ، فكان الوجه فيه الاستثناء والنصب (٦). إلا أنّ اقتران (غير) بالقاعدين يكاد يوجب الرفع ؛ لأن الاستثناء ينبغى

__________________

(١) ثبت ما بين القوسين فى أ. وسقط فى ش ، ح.

(٢) آية ٦.

(٣) كذا فى أ ، ج. وفى ش : «مقاربتان».

(٤) كذا فى ش ، ج. وفى أ : «ترفع».

(٥) آية ٣١ سورة النور.

(٦) وهو قراءة نافع وابن عامر والكسائىّ.

٢٨٣

أن يكون بعد التمام. فتقول (١) فى الكلام : لا يستوى المحسنون والمسيئون إلا فلانا وفلانا. وقد يكون نصبا على أنه حال كما قال : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) (٢) ولو قرئت خفضا (٣) لكان وجها : تجعل (٤) من صفة المؤمنين.

وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) (٩٧)

إن شئت جعلت (تَوَفَّاهُمُ) فى موضع نصب (٥). ولم تضمر تاء مع التاء ، فيكون مثل قوله (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) (٦) وإن شئت جعلتها رفعا ؛ تريد : إن الذين تتوفاهم الملائكة. وكل موضع اجتمع فيه تاءان جاز فيه إضمار إحداهما ؛ مثل قوله (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٧) ومثل قوله (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) (٨).

وقوله : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ) (٩٨)

فى موضع نصب على الاستثناء من (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) (٩).

وقوله : (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً) (١٠٠)

ومراغمة مصدران. فالمراغم : المضطرب والمذهب فى الأرض.

__________________

(١) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «فيقول».

(٢) آية ١ سورة المائدة.

(٣) وقد قرأ بذلك الأعمش وأبو حيوة ، كما فى البحر ٣ / ٣٣٠.

(٤) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «تجعلوا».

(٥) يريد أن يكون (توفى) فى «توفاهم» فعلا ماضيا ، فيكون مبنيا على الفتح ، وعبر عن الفتح بالنصب.

(٦) آية ٧٠ سورة البقرة.

(٧) من ذلك ما فى آية ١٥٢ سورة الأنعام.

(٨) آية ٥٧ سورة هود.

(٩) أي فى الآية السابقة.

٢٨٤

وقوله : (فَلْتَقُمْ ...) (١٠٢)

وكلّ لام أمر إذا استؤنفت ولم يكن قبلها واو ولا فاء ولا ثمّ كسرت. فإذا كان معها شىء من هذه الحروف سكّنت. وقد تكسر مع الواو على الأصل. وإنما تخفيفها مع الواو كتخفيفهم (وهو) قال ذاك ، (وهى) قالت ذاك. وبنو سليم يفتحون اللام إذا استؤنفت فيقولون : ليقم زيد ، ويجعلون اللام منصوبة فى كل جهة ؛ كما نصبت تميم لام كى إذا قالوا : جئت لآخذ حقّى.

وقوله : (طائِفَةٌ أُخْرى) ولم يقل : آخرون ؛ ثم قال (لَمْ يُصَلُّوا) ولم يقل : فلتصل. ولو قيل : «فلتصل» كما قيل «أخرى» لجاز ذلك. وقال فى موضع آخر : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) (١) ولو قيل : اقتتلتا فى الكلام كان صوابا. وكذلك قوله (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) (٢) ولم يقل : اختصما. وقال (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) (٣) وفى قراءة أبىّ «عليه الضلالة». فإذا ذكرت اسما مذكّرا لجمع جاز جمع فعله وتوحيده ؛ كقول الله تعالى (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) (٤). وقوله : (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) (٥) وكذلك إذا كان الاسم مؤنّثا وهو لجمع جعلت فعله كفعل الواحدة الأنثى مثل الطائفة والعصبة والرفقة. وإن شئت جمعته فذكّرته على المعنى. كلّ ذلك قد أتى فى القرآن.

__________________

(١) آية ٩ سورة الحجرات.

(٢) آية ١٩ سورة الحج.

(٣) آية ٣٠ سورة الأعراف.

(٤) آية ٥٦ سورة الشعراء.

(٥) آية ٤٤ سورة القمر.

٢٨٥

وقوله : (وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ ...) (١٠٤)

قال بعض المفسّرين : معنى ترجون : تخافون. ولم نجد معنى الخوف يكون رجاء إلا ومعه جحد. فإذا كان كذلك كان الخوف على جهة الرجاء والخوف ، وكان الرجاء كذلك ؛ كقوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) (١) : هذه : للذين لا يخافون أيام الله ، وكذلك قوله : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) (٢) : لا نحافون لله عظمة. وهى لغة حجازية. وقال الراجز :

لا ترتجى حين تلاقى الذائدا

أسبعة لاقت معا أم واحدا (٣)

وقال الهدلىّ (٤) :

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها

وخالفها فى بيت نوب عوامل

ولا يجوز : رجوتك وأنت تريد : خفتك ، ولا خفتك وأنت تريد رجوتك.

وقوله : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) (١١٢)

يقال : كيف قال «به» وقد ذكر الخطيئة والإثم؟.

وذلك جائز أن يكنى عن الفعلين وأحدهما مؤنّث بالتذكير والتوحيد ، ولو كثر لجاز الكناية عنه بالتوحيد ؛ لأن الأفاعيل يقع عليها فعل واحد ، فلذلك جاز. فإن شئت ضممت الخطيئة والإثم فجعلته كالواحد. وإن شئت جعلت الهاء للإثم

__________________

(١) آية ١٤ سورة الجاثية.

(٢) آية ١٣ سورة نوح.

(٣) كأن هذا فى وصف إبل. والذائد وصف من ذاد الإبل إذا طردها وساقها ودفعها.

(٤) هو أبو ذؤيب. فقوله : لم يرج لسعها : أي لم يخفه ولم يباله. و «خالفها» أي دخل عليها وأخد عسلها مراغما لها وهى لا تشتهى ذلك. ويروى «حالفها» أي لازمها. والنوب. النحل ، و «عوامل» أي تعمل فى الأكل من الثمار والزهر. ويروى «عواسل» أي ذوات عسل.

٢٨٦

خاصّة ؛ كما قال (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) (١) فجعله للتجارة. وفى قراءة عبد الله وإذا رأوا لهوا أو تجارة انفضّوا إليها فجعله للتجارة فى تقديمها وتأخيرها. ولو أتى بالتذكير فجعلا كالفعل الواحد لجاز. ولو ذكّر على نيّة اللهو لجاز. وقال (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) (٢) فثنّى. فلو أتى فى الخطيئة واللهو والإثم والتجارة مثنى لجاز. وفى قراءة أبىّ إن يكن غنىّ أو فقير فالله أولى بهم وفى قراءة عبد الله إن يكن غنىّ أو فقير فالله أولى بهما فأمّا قول أبىّ (بهم) (٣) فإنه كقوله (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ) (٤) ذهب إلى الجمع ، كذلك جاء فى قراءة أبىّ ، لأنه قد ذكرهم جميعا ثم وحّد الغنىّ والفقير وهما فى مذهب الجمع ؛ كما تقول : أصبح الناس صائما و (٥) مفطرا ، فأدّى اثنان عن معنى الجمع.

وقوله : (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ ...) (١١٣) يريد : لقد همت طائفة فأضمرت (٦).

وقوله : (أَنْ يُضِلُّوكَ) : يخطّئوك فى حكمك.

وقوله : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ...) (١١٤) (من) فى موضع خفض ونصب ؛ الخفض : إلا فيمن أمر بصدقة. والنجوى هنا رجال ؛ كما قال (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) (٧) ومن جعل النجوى فعلا كما قال (ما يَكُونُ

__________________

(١) آية ١١ سورة الجمعة.

(٢) آية ١٣٥ سورة النساء.

(٣) ثبت فى ش ، ج. وسقط فى أ.

(٤) آية ٢٦ سورة النجم.

(٥) كذا فى ش ، ج. وفى أ : «أو».

(٦) أى حذفت (قد).

(٧) آية ٤٧ سورة الإسراء.

٢٨٧

مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) (١) ف (من) حينئذ فى موضع رفع. وأمّا النصب فأن تجعل النجوى فعلا. فإذا استثنيت الشيء من خلافه كان الوجه النصب ، كما قال الشاعر (٢) :

وقفت فيها أصيلانا أسائلها

عيّت جوابا وما بالربع من أحد (٣)

إلا الأوارىّ لأيا ما أبيّنها

والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد (٤)

وقد يكون فى موضع رفع وإن ردّت على خلافها ؛ كما قال الشاعر (٥) :

وبلد ليس به أنيس

إلا اليعافير وإلّا العيس (٦)

وقوله : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً ...) (١١٧)

يقول : اللات والعزّى وأشباههما من الآلهة المؤنثة. وقد قرأ ابن عباس إن يدعون من دونه إلا أثنا جمع الوثن فضم الواو فهمزها ، كما قال (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) (٧)

__________________

(١) آية ٧ سورة المجادلة.

(٢) هو النابغة الذبيانىّ.

(٣) هذا ثانى أبيات قصيدة مدح بها النعمان بن المنذر ، واعتذر له فيها وكان واجدا عليه ومطلعها :

يا دارمية بالعلياء فالسند

أقوت وطال عليها سالف الأمد

وأصيلان تصغير أصيل وهو العشىّ.

(٤) الأوارىّ جمع الآرى وهو محبس الدابة. والنؤى : الحفير حول الخيمة أو الخباء يمنع الماء. والمظلومة : الأرض التي قد حفر فيها فى غير موضع الحفر. والجلد : الأرض الغليظة.

(٥) هوجران العود النميرىّ. وانظر العيني على هامش الخزانة ٣ / ١٠٧.

(٦) اليعافير جمع اليعفور ، وهو ولد الظبية. والعيس جمع أعيس وعيساء وهما وصفان من العيسة ، بكسر العين. وهو بياض يخالطه شقرة. أراد بها بقر الوحش.

(٧) آية ١١ سورة المرسلات.

٢٨٨

وقد قرئت إن يدعون من دونه إلا أنثا جمع الإناث ، فيكون مثل جمع الثمار والثمر (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) (١).

وقوله : (نَصِيباً مَفْرُوضاً ...) (١١٨)

جعل الله له عليه السبيل ؛ فهو كالمفروض.

وقوله : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ ...) (١١٩)

وفى قراءة أبىّ «وأضلهم وأمنّيهم».

وقوله : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً ...) (١٢٥) يقول القائل : ما هذه الخلّة؟ فذكر أنّ إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يضيف الضيفان ويطعم الطعام ، فأصاب الناس سنة جدب فعزّ الطعام. فبعث إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى خليل له بمصر كانت الميرة من عنده ، فبعث غلمانه معهم الغرائر والإبل ليميره ، فردّهم وقال : إبراهيم لا يريد هذا لنفسه ، إنما يريده لغيره. قال : فرجع غلمانه (٢) ، فمرّوا ببطحاء (٣) لينة. فاحتملوا من رملها فملئوا الغرائر ؛ استحياء من أن يردّوها فارغة ، فردّوا على إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبروه الخبر وامرأته نائمة ، فوقع عليه (٤) النوم همّا ، وانتبهت والناس على الباب يلتمسون الطعام (٥). فقالت للخبّازين : افتحوا هذه الغرائر واعتجنوا ، ففتحوها فإذا أطيب طعام ، فعجنوا واختبزوا. وانتبه

__________________

(١) آية ١٤١ سورة الأنعام. والقراءة التي ذكرها قراءة حمزة والكسائي وخلف. ووافقهم الأعمش. والباقون يفتحون الثاء والميم. وانظر إتحاف فضلاء البشر ٢١٤

(٢) كذا فى ج. وفى ش : «غلامه».

(٣) البطحاء : مسيل واسع فيه دقاق الحصى.

(٤) كذا فى ج. وفى ش : «قائمة».

(٥) هو هنا القمح.

٢٨٩

إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوجد ريح الطعام ، فقال : من أين هذا؟ فقالت امرأة إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا من عند خليلك المصرىّ. قال فقال إبراهيم : هذا من عند خليلى الله لا من عند خليلى المصرىّ. قال : فذلك خلّته.

وقوله : (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى ...) (١٢٧)

(معناه : (١) قل الله يفتيكم فيهنّ وما يتلى). فموضع (ما) رفع كأنه (٢) قال : يفتيكم فيهنّ ما يتلى عليكم. وإن شئت جعلت ما فى موضع خفض (٣) : يفتيكم الله فيهنّ وما يتلى عليكم غيرهنّ.

وقوله : (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) فى موضع خفض ، على قوله (٤) : يفتيكم فيهنّ وفى المستضعفين. وقوله : (وَأَنْ تَقُومُوا) (أن) موضع خفض على قوله : ويفتيكم فى أن تقوموا لليتامى بالقسط.

وقوله : (خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً ...) (١٢٨)

والنشوز يكون من قبل المرأة والرجل. والنشوز هاهنا من الرجل (٥) لامن المرأة. ونشوزه أن تكون تحته المرأة الكبيرة فيريد أن يتزوّج عليها شابّة فيؤثرها فى القسمة والجماع. فينبغى له أن يقول للكبيرة : إنى أريد أن أتزوّج عليك شابّة وأوثرها عليك ، فإن هى رضيت صلح ذلك له ، وإن لم ترض فلها من القسمة ما للشابّة.

__________________

(١) ثبت ما بين القوسين فى ج ، وسقط فى ش.

(٢) يريد أنه معطوف على فاعل «يفتيكم» وهو يعود على لفظ الجلالة. وسوّغ ذلك الفصل بقوله : «فيهنّ».

(٣) وهذا لا يجيزه البصريون ؛ لأنهم يوجبون فى العطف على الضمير المخفوض إعادة الخافض.

(٤) يريد أنه معطوف على الضمير فى «فيهنّ».

(٥) كذا فى ج ، وفى ش : «الرجال».

٢٩٠

وقوله : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) إنما عنى به الرجل وامرأته الكبيرة. ضنّ الرجل بنصيبه من الشابة ، وضنّت الكبيرة بنصيبها منه (١). ثم قال : وإن رضيت بالإمرة (٢).

وقوله : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ...) (١٢٩)

إلى الشابة ، فتهجروا الكبيرة كل الهجر (فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) وهى فى قراءة أبىّ (كالمسجونة).

وقوله : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ ...) (١٣٥)

هذا فى إقامة الشهادة على أنفسهم وعلى الوالدين والأقربين. ولا تنظروا فى غنى الغنىّ ولا فقر الفقير ؛ فإن الله أولى بذلك.

(فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى [أَنْ تَعْدِلُوا]) فرارا (٣) من إقامة الشهادة. وقد يقال : لا تتبعوا الهوى لتعدلوا ؛ كما تقول : لا تتبعنّ هواك لترضى ربك ، أي إنى أنهاك عن هذا كيما ترضى ربك. وقوله (وَإِنْ تَلْوُوا) وتلوا ، قد قرئتا جميعا (٤). ونرى الذين قالوا (تلوا) أرادوا (تلؤوا) فيهمزون الواو لانضمامها ، ثم يتركون الهمز فيتحوّل إعراب (٥) الهمز إلى اللام فتسقط الهمزة. إلا أن يكون المعنى فيها : وإن تلوا ذلك ، يريد : تتولّوه (أَوْ تُعْرِضُوا) عنه : أو تتركوه ، فهو وجه.

__________________

(١) فى ش ، ج : «منها» وهو غير مناسب للمقام.

(٢) الإمرة : الإمارة والولاية. أي رضيت بسلطان الزوج عليها إذا أعطى نصيبها ضرتها. والأقرب أن يكون هذا محرّفا عن : «بالأثرة» أي إيثار الزوج عليها ضرتها. وقوله : «وإن رضيت» شرط جوابه «فلا تميلوا».

(٣) هذا على أن (أن) فى (أن تعدلوا) فى معنى لئلا ؛ كما هو عند الكوفيين ، أو على تقدير خشية ، كما هو عند غيرهم. وأما المعنى الثاني فعلى تقدير لام الجر داخلة على (أن تعدلوا).

(٤) فالثانية قراءة ابن عامر وحمزة ، ووافقهما الأعمش. والأولى قراءة الباقين.

(٥) يريد حركتها ، وهى الضمّ.

٢٩١

وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ...) (١٣٧)

وهم الذين آمنوا بموسى ثم كفرا من بعده بعزيز ، ثم آمنوا بعزيز وكفروا بعيسى (١). وآمنت اليهود بموسى وكفرت بعيسى.

ثم قال : ([ثُمَ] ازْدادُوا كُفْراً) يعنى اليهود : ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ ...) (١٤١)

جزم. ولو نصبت (٢) على تأويل الصرف ؛ كقولك فى الكلام : ألم نستحوذ عليكم وقد منعناكم ، فيكون مثل قوله (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (٣) وهى فى قراءة أبىّ ومنعناكم من المؤمنين فإن شئت جعلت «ومنعناكم» فى تأويل «وقد كنا منعناكم» وإن شئت جعلته مردودا على تأويل (الم) كأنه قال : أما (٤) استحوذنا عليكم ومنعناكم. وفى قراءة أبىّ ألم تنهيا عن تلكما الشّجرة وقيل لكما (٥).

وقوله : (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (١٤٥)

يقال الدرك (٦) ، والدرك ، أي أسفل درج فى النار.

__________________

(١) كذا فى ج. وفى ش : «بموسى».

(٢) أي «نمنعكم» وبه قرأ ابن أبى عبلة. كما فى البحر ٣ / ٣٧٥.

(٣) آية ١٤٢ سورة آل عمران.

(٤) سقط فى ش ، وثبت فى ج.

(٥) فى آية ٢٢ سورة الأعراف.

(٦) وهى قراءة عاصم وحمزة والكسائىّ وخلف. وفتح الراء قراءة الباقين.

٢٩٢

وقوله : (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ...) (١٤٦)

جاء فى التفسير : من المؤمنين.

وقوله : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ...) (١٤٨)

وظلم (١). وقد يكون (مِنَ) فى الوجهين نصبا على الاستثناء على الانقطاع من الأوّل. وإن شئت جعلت (مِنَ) رفعا إذا قلت (ظُلِمَ) فيكون (٢) المعنى : لا يحبّ الله أن يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم. وهو الضيف إذا أراد النزول على رجل فمنعه فقد ظلمه ، ورخّص له أن يذكره بما فعل ؛ لأنه منعه حقّه. ويكون (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) كلاما تاما ، ثم يقول : إلا الظالم فدعوه ، فيكون مثل قول الله تبارك وتعالى (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) (٣) فإن الظالم لا حجّة له ، وكأنه قال إلا من ظلم فخلّوه. وهو مثل قوله (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) (٤) ثم استثنى فقال (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) (٥) فالاستثناء من قوله (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) وليست فيه أسماء. وليس الاستثناء (٦) من قوله (لَسْتَ عَلَيْهِمْ

__________________

(١) وهى قراءة زيد بن أسلم وابن أبى إسحاق وابن جبير وعطاء بن السائب.

(٢) فيكون «من ظلم» على هذا مرفوعا بالجهر. وفى البحر ٣ / ٣٨٢ : «وحسن ذلك كون الجهر فى حيز النفى ، وكأنه قيل : لا يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم» وردّ الطبرىّ هذا الوجه بأن الجهر لم يتوجه عليه النفى ، ولم يكتف بوقوعه فى حيز النفى.

(٣) آية ١٥٠ سورة البقرة.

(٤) آية ٢١ سورة الغاشية.

(٥) آية ٢٣ سورة الغاشية.

(٦) كذا فى ش. وفى ج : «استثناء» وكأنه لا يرى هذا الاستثناء لأن الرسول عليه الصلاة والسلام مسيطر فى دعوته على الجميع. ويرى بعضهم هذا الاستثناء ، ويجعل هذا آية موادعة نسخت بآية السيف. وانظر البحر ٨ / ٤٦٥.

٢٩٣

بِمُصَيْطِرٍ) ومثله ممّا يجوز أن يستثنى (الأسماء (١) ليس قبلها) شىء ظاهر قولك : إنى لأكره الخصومة والمراء ، اللهم إلّا رجلا يريد بذلك الله. فجاز استثناء الرجل ولم يذكر قبله شىء من الأسماء ؛ لأن الخصومة والمراء لا يكونان إلا بين الآدميّين.

وقوله : (قُلُوبُنا غُلْفٌ) (١٥٥)

أي (٢) أوعية للعلم تعلمه (٣) وتعقله ، فما لنا لا نفهم ما يأتى به (محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فقال الله تبارك وتعالى (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً).

وقوله : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ ...) (١٥٧)

الهاء هاهنا لعيسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) الهاء هاهنا للعلم ، كما تقول قتلته علما ، وقتلته يقينا ، للرأى والحديث والظنّ.

وقوله : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ...) (١٥٩)

معناه : من ليؤمننّ به قبل موته. فجاء التفسير بوجهين ؛ أحدهما أن تكون الهاء فى موته لعيسى ، يقول : يؤمنون إذا أنزل (٤) قبل موته ، وتكون الملّة والدين واحدا.

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى ج.

(٢) جعل «غلف» جمع غلاف. وأصله غلف بضم للام فسكن للتخفيف. ويجعله بعضهم جمع أغلف ، وهو المغطى خلقة ، ويكون هذا كقوله تعالى : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ).

(٣) كذا فى ش. وفى ج : «تفهمه».

(٤) كذا فى ش. وفى ج : «نزل».

٢٩٤

ويقال : يؤمن كل يهودىّ بعيسى عند موته (١). وتحقيق ذلك فى قراءة أبىّ إلا ليؤمننّ به قبل موتهم.

وقوله : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ ...) (١٦٣)

كما أوحينا إلى كلهم.

وقوله : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ ...) (١٦٤)

نصبه من جهتين. يكون من قولك : كما أوحينا إلى رسل من قبلك ، فإذا ألقيت (إلى) والإرسال (٢) اتصلت بالفعل فكانت نصبا ؛ كقوله (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٣) ويكون نصبا من (قصصناهم). ولو كان رفعا كان صوابا بما عاد من ذكرهم. وفى قراءة أبىّ بالرفع ورسل قد قصصناهم عليك من قبل ورسل لم نقصصهم عليك.

وقوله : (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ ...) (١٧٠)

(خيرا) منصوب باتصاله (٤) بالأمر ؛ لأنه من صفة الأمر ؛ وقد يستدلّ على ذلك ؛ ألم تر (٥) الكناية عن الأمر تصلح قبل الخير ، فتقول للرجل : اتق الله هو خير لك ؛ أي

__________________

(١) هذا هو الوجه الآخر. والهاء فى (موته) على هذا ترجع إلى «من ليؤمن».

(٢) كذا ، يريد المرسلين وهو «رسل» مجرور إلى : يريد حذف الجارّ والمجرور. وقد يكون الأصل : «الرسل».

(٣) آية ٣١ سورة الإنسان. وهو يريد فى الآية أن الأصل :

(أعد للظالمين) فألقيت اللام فانتصب المجرور بها. وهذا أحد الوجوه فى الآية. وقدر بعضهم : «وعذب الظالمين» فيكون من باب الاشتغال.

(٤) كأنه يريد أنه نائب عن المصدر فنصب نصب المصدر لكونه إياه. وحاصل ذلك أنه مفعول مطلق. وعلل ذلك بأن الأصل : هو (أي الإيمان مثلا) خير ، فانعقد من هذا اتحاد بين الإيمان وخير فلما حذف ضمير الإيمان وبقي خير الذي هو مرادف (إيمان) فكأنه قيل : آمنوا إيمانا. فانتصب خير كما ينتصب إيمان. ويذكر الناقلون مذهب الفراء أنه يقدر «آمنوا إيمانا خيرا» وهو يرجع إلى ما قلنا.

(٥) فى ش ، ج : «ترى» وهذا خطأ ، أو أن الأصل «ألا ترى».

٢٩٥

الاتقاء خير لك ، فإذا سقطت (هو) اتصل بما قبله وهو معرفة فنصب ، وليس نصبه على إضمار (يكن) ؛ لأن ذلك يأتى بقياس يبطل هذا ؛ ألا ترى أنك تقول : اتق الله تكن محسنا ، ولا يجوز أن تقول : اتق الله محسنا وأنت تضمر (تكن) ولا يصلح أن تقول : انصرنا أخانا (وأنت (١) تريد تكن أخانا).

وقوله : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ ...) (١٧١)

أي تقولوا : هم ثلاثة ؛ كقوله تعالى (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ) فكل ما رأيته بعد القول مرفوعا ولا رافع معه ففيه إضمار اسم رافع لذلك الاسم.

وقوله : (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) يصلح فى (أن) من وعن ، فإذا ألقيتا كانت (أن) فى موضع نصب. وكان الكسائىّ يقول : هى فى موضع خفض ، فى كثير من أشباهها.

وقوله : (وَلا يَجِدُونَ ...) (١٧٣)

ردّت على ما بعد الفاء فرفعت ، ولو جزمت (٢) على أن تردّ على موضع الفاء كان صوابا ، كما قال (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) (٣).

وقوله : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ...) (١٧٦)

(هلك) فى موضع جزم. وكذلك قوله (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) (٤) لو كان مكانهما يفعل كانتا جزما ؛ كما قال الكميت :

__________________

(١) ثبت ما بين القوسين فى ج ، وسقط فى ش.

(٢) كأنه يريد أنّ هذه الجملة معطوفة على قوله فى الآية ١٧٢ «ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا» وما بين ذلك اعتراض ، وإلا فلا يظهر وجه لما قال ، فإن التلاوة هكذا : «وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا».

(٣) آية ١٨٦ سورة الأعراف.

(٤) آية ٦ سورة التوبة.

٢٩٦

فإن أنت تفعل فللفاعلين

أنت المجيزين تلك الغمارا (١)

وأنشد بعضهم :

صعدة نابتة فى حائر

أينما الريح تميّلها تمل (٢)

إلا أن العرب تختار إذا أتى الفعل بعد الاسم فى الجزاء أن يجعلوه (٣) (فعل) لأن الجزم لا يتبين فى فعل ، ويكرهون أن يعترض شىء بين الجازم وما جزم. وقوله (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) معناه : ألّا تضلوا (٤). ولذلك صلحت لا فى موضع أن. هذه محنة (٥) ل (أن) إذا صلحت فى موضعها لئلا وكيلا صلحت لا.

__________________

(١) هذا من قصيدة يمدح فيها أبان بن الوليد بن عبد الملك. وانظر بعضها فى الخزانة ١ / ٨٢ «والمجيزين» وصف «الفاعلين» والغمار جمع الغمار ، وهو الماء الكثير يغمر من دخله ويغطيه.

(٢) هذا من قصيدة لكعب بن جعيل. والصعدة : القناة التي تنبت مستوية فلا تحتاج إلى تثقيف ، شبه بها المرأة. ووصف القناة أنها نبتت فى حائر وهو المكان المطمئن يتحير فيه الماء. وانظر الخزانة ١ / ٤٥٧.

(٣) ومن مجىء فعل الشرط المفصول باسم من أداة الشرط فعلا مضارعا شذوذا أو ضرورة قول عبد الله بن عنمة الضبىّ من أبيات :

يثنى عليك وأنت أهل ثنائه

ولديك إن هو يستزدك مزيد

وحق فعل الشرط فى ذلك أن يكون ماضيا. كما أن حق أداة الشرط فيه أن تكون (إن) دون غيرها.

(٤) قال الكسائي : المعنى يبين الله لكم لئلا تضلوا ـ ويردّ البصريون ذلك لأنهم لا يجيزون إضمار (لا) والمعنى عندهم : يبين الله لكم كراهة أن تضلوا ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وكذا فى الكشاف والبيضاوي. ورجح بأن حذف المضاف أسوغ وأشيع من حذف لا ـ وقال الطبري : وأن تضلوا فى موضع خفض عند بعضهم بمعنى يبين الله لكم بأن لا تضلوا ، وأسقطت لا من اللفظ وهى مطلوبة فى المعنى لدلالة الكلام عليها والعرب تفعل ذلك ، تقول : جئنك أن تلومنى ؛ بمعنى جئتك أن لا تلومنى ، كما قال القطامي فى صفة ناقة :

رأينا ما يرى البضراء فيها

فآلينا عليها أن تباعا

بمعنى الاتباع.

(٥) المحنة : اسم بمعنى الامتحان والاختبار. أي يتعرف بهذا حال أن ومعناها.

٢٩٧

من سورة المائدة

ومن قوله تبارك وتعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ...) (١)

يعنى : بالعهود. [والعقود] (١) والعهود واحد.

وقوله : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) وهى بقر الوحش والظباء والحمر الوحشيّة.

وقوله : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) فى موضع نصب بالاستثناء ، ويجوز الرفع ، كما يجوز : قام القوم إلا زيدا وإلّا زيد. والمعنى فيه : إلا ما نبينه لكم من تحريم ما يحرم وأنتم محرمون ، أو فى الحرم. فذلك قوله (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) يقول : أحلّت لكم هذه غير مستحلّين للصيد (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ). ومثله (إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) (٢) وهو (٣) بمنزلة قولك (فى قولك) (٤) أحلّ لك هذا الشيء لا مفرطا فيه ولا متعدّيا. فإذا جعلت (غير) مكان (لا) صار النصب الذي بعد لا فى غير. ولو كان (محلّين الصيد) نصبت ؛ كما قال الله جل وعز (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) وفى قراءة عبد الله (ولا آمّى البيت الحرام).

(إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) : يقضى ما يشاء.

وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ...) (٢)

كانت عامّة العرب لا يرون الصفا والمروة من الشعائر (٥) ، ولا يطوفون بينهما ، فأنزل الله تبارك وتعالى : لا تستحلّوا ترك ذلك.

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق خلت منها ش ، ج.

(٢) آية ٥٣ سورة الأحزاب.

(٣) كذا فى ش بحرف العطف. وفى ج : «هو» دون حرف العطف.

(٤) كذا. والأسوغ حذف ما بين القوسين.

(٥) كذا فى ش. وفى ج «شعائر».

٢٩٨

وقوله : (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) : ولا القتال فى الشهر الحرام.

(وَلَا الْهَدْيَ) وهو هدى المشركين : أن تعرضوا له ولا أن تخيفوا من قلّد بعيره. وكانت العرب إذا أرادت أن تسافر فى غير أشهر (١) الحرم قلّد أحدهم بعيره ، فيأمن بذلك ، فقال : لا تخيفوا من قلّد. وكان أهل مكّة يقلّدون بلحاء (٢) الشجر ، وسائر العرب يقلّدون بالوبر والشعر.

وقوله : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ) يقول : ولا تمنعوا من أمّ البيت الحرام أو أراده من المشركين. ثم نسخت هذه (٣) الآية التي فى التوبة (فَاقْتُلُوا) (٤) (الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) إلى آخر الآية.

وقوله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) قرأها يحيى بن وثّاب والأعمش : ولا يجرمنّكم ، من أجرمت ، وكلام (٥) العرب وقراءة القرّاء (يَجْرِمَنَّكُمْ) بفتح الياء. جاء التفسير : ولا يحملنّكم بغض قوم. قال الفرّاء : وسمعت العرب تقول : فلأن جريمة أهله ، يريدون : كاسب لأهله ، وخرج يجرمهم : يكسب لهم. والمعنى فيها متقارب : لا يكسبنّكم بغض قوم أن تفعلوا شرّا. ف (أن) فى موضع تصب. فإذا جعلت (٦) فى (أن) (على) ذهبت إلى معنى : لا يحملنّكم بغضهم على كذا وكذا ، على أن لا تعدلوا ، فيصلح طرح (على) ؛ كما تقول : حملتنى أن أسأل وعلى أن أسأل.

__________________

(١) كذا. والكوفيون يجيزون إضافة الموصوف للوصف.

(٢) لحاء الشجر : قشره.

(٣) كذا فى ج. وفى ش : «هى».

(٤) آية ٥.

(٥) فى اللسان (جرم) : «وقال أبو إسحق : يقال : أجرمنى كذا وجرمنى. وجرمت وأجرمت بمعنى واحد. وقيل فى قوله تعالى : (لا يَجْرِمَنَّكُمْ) : لا يدخلنكم فى الجرم ؛ كما يقال : آثمته أي أدخلته فى الإثم» وأبو إسحق هو الزجاج ، وهو بصرى. فقول القرطبي : «ولا يعرف البصريون الضم» موضع نظر.

(٦) أي إذا قدّرت حرف الجرّ المحذوف الداخل على (أن) هو (على).

٢٩٩

(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) وقد ثقّل (١) الشنان بعضهم (٢) ، وأكثر القرّاء على تخفيفه (٣). وقد روى تخفيفه وتثقيله عن الأعمش ؛ وهو : لا يحملنكم بغض قوم ، فالوجه إذا كان مصدرا أن يثقّل ، وإذا أردت به بغيض قوم قلت : شنآن.

و (أَنْ صَدُّوكُمْ) فى موضع نصب لصلاح (٤) الخافض فيها. ولو كسرت (٥) على معنى الجزاء لكان صوابا. وفى حرف عبد الله إن يصدّوكم فإن كسرت جعلت الفعل مستقبلا ، وإن فتحت جعلته ماضيا. وإن جعلته جزاء بالكسر صلح ذلك كقوله (٦) (أَفَنَضْرِبُ) (٧) (عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ) وأن ، تفتح وتكسر. وكذلك (أَوْلِياءَ) (٨) (إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ) تكسر. ولو فتحت لكان صوابا ، وقوله (باخِعٌ) (٩) (نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [فيه] (١٠) الفتح والكسر. وأمّا قوله (بَلِ) (١١) (اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) ف (أن) مفتوحة ؛ لأنّ معناها ماض ؛ كأنك قلت : منّ عليكم أن هداكم. فلو نويت الاستقبال جاز الكسر فيها. والفتح الوجه (١٢) لمضىّ أوّل الفعلين. فإذا قلت : أكرمتك أن أتيتنى ، لم يجز كسر أن ؛ لأنّ الفعل ماض.

وقوله : (وَتَعاوَنُوا) هو فى موضع جزم. لأنها أمر ، وليست بمعطوفة على (تَعْتَدُوا).

__________________

(١) كذا فى ج. وفى ش : «تقول» وهو تحريف. وتثقيل الشنآن تحريك نونه بالفتح ، وتخفيفه : تسكينها.

(٢) من هؤلاء أبو عمرو والكسائىّ وابن كثير وحمزة وحفص.

(٣) وهى قراءة ابن عامر وأبى بكر.

(٤) كذا فى ج. وفى ش : «لصالح».

(٥) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو.

(٦) كذا فى ج. وفى ش : «قوله».

(٧) آية ٦ سورة الزخرف. والكسر قراءة نافع وحمزة والكسائىّ وأبى جعفر وخلف. ووافقهم الحسن والأعمش. والباقون بالفتح ، كما فى الإتحاف.

(٨) آية ٢٣ سورة التوبة.

(٩) آية ٣ سورة الشعراء.

(١٠) زيادة يقتضيها المقام.

(١١) آية ١٧ سورة الحجرات.

(١٢) فى ش ، ج : «والوجه».

٣٠٠