القواعد الفقهيّة - ج ١

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٤
الجزء ١ الجزء ٢

عليك أو نقصان.

(رواه في الوسائل في المجلد ٥ في أبواب الخلل في الصلاة في الباب ٣٢ ، الحديث ٣).

وهذه الرواية لو تمت كانت أوسع من حديث لا تعاد بناء على ما عرفت من التشكيك في شموله للزيادة ، ولكن هذه تدل على ان الزيادة والنقيصة السهويتين لا تضران بالصلاة بل يمكن علاجهما بسجدة السهو فإنها جابرة لهما فلا تجب الإعادة لا محالة.

والذي يوهن الاستدلال بالأولى منهما ما ورد في ذاك الباب بعينه من اجزاء تسبيح الركوع والسجود عن القراءة ، فعن ابى بصير عن ابى ـ عبد الله عليه‌السلام قال ان نسي أن يقرأ في الاولى والثانية أجزأه تسبيح الركوع والسجود (الحديث).

(الحديث ٣ من الباب ٢٩ من أبواب القراءة).

وهذا دليل على بدلية التسبيح عن القراءة لا جواز تركه مطلقا مع إتمام الركوع والسجود ، وبالجملة لا يتجاوز دلالة الحديث ـ لو قلنا به ـ عن حد الاشعار على كفاية الركوع والسجود عن غيرهما عند النسيان فلا يمكن الاستدلال به ، لا سيما مع عدم عموم فيه يشمل غير القراءة من الاجزاء.

ويوهن الثاني ـ مضافا الى وهنه بالإرسال (ومع الغض عنه لكون المرسل ابن ابى عمير) ضعيف بوجود سفيان بن السمط الذي من المجاهيل بأن الرواية ليست في مقام بيان قاعدة كلية حاكمة بعدم فساد الصلاة بالزيادة والنقيصة في اجزائها بل هي ناظرة إلى بيان تدارك ما عرضه من

٥٢١

النقيصة والزيادة بعد الفراغ عن صحتها معه.

والحاصل ان الحكم بصحة الصلاة في كل زيادة ونقيصة سهوية شيء والحكم بلزوم تداركها بعد الفراغ عن صحتها بسجدة السهو شيء ، آخر والظاهر ان الرواية بصدد بيان الثاني لا الأول.

فإذا ثبت صحة الصلاة مع الإخلال ببعض ما يعتبر فيها نقيصة وزيادة وجب تداركه بسجدة السهو ، وهذا لا ربط له بما نحن فيه.

٥٢٢

٤ ـ هل تجري القاعدة في

موانع الصلاة؟

لا شك في شمول القاعدة للاجزاء والشرائط إنما الكلام في شمولها للموانع ، مثلا إذا كان المصلى ناسيا لمانعية لبس الذهب للرجال أو لموضوعه وصلى وفي يده خاتم من ذهب ، فهل يمكن الفتوى بصحة صلوته نظرا إلى انه اتى بالخمسة كملا من دون الإخلال بشيء منها فيشمله إطلاق الحديث؟

الظاهر في بدء النظر هو ذلك ؛ لعدم المانع من شمول الإطلاق له ، ولكن عند التأمل الصادق يظهر عدم شموله لها أو الشك فيه وذلك لأمرين ،

أولهما ـ ان الظاهر من الاستثناء كون المستثنى منه من جنس المستثنى فإنه في الحقيقة إخراج ما لولاه لدخل ، واما انقطاع الاستثناء فهو أمر مخالف لظاهر الجملة الاستثنائية لا يصار اليه الا بدليل.

وحيث ان المستثنى في محل البحث هو من الاجزاء والشرائط فقط يعلم ان المستثنى منه أيضا ليس الا منها ، واحتمال اندراج الموانع

٥٢٣

كلها في المستثنى منه وان كان غير بعيد ، الا ان اختصاص المستثنى بهما قد يكون قرينة على اختصاص المستثنى منه أيضا ، ولا أقل من كونه من قبيل المحفوف بما يحتمل القرينية وهو مانع عن الإطلاق والعموم كما ذكر في محله فتأمل.

ثانيهما ـ ما ورد في ذيل الحديث من قوله «ان القراءة سنة والتشهد سنة والسنة لا تنقض الفريضة كالتعليل لما ذكر في صدره ، وهو أيضا قرينة على ان محط البحث هو الاجزاء والشرائط فقط وان ما كان منها سنة (غير ركن) لا يوجب نقض الفريضة (أعني الواجبات الركنية) فتأمل.

وعلى كل حال لا تطمئن النفس بإطلاق القاعدة ويقوى فيها انصرافها الى خصوص الاجزاء والشرائط فكان الموانع مسكوت عنها ، ولا أقل من الشك في الشمول اللازم معه الرجوع الى مقتضى القاعدة الأولية وهو الفساد بالإخلال بشيء مما يعتبر في المركب وجودا أو عدما.

٥٢٤

٥ ـ هل تشمل القاعدة زيادة

الاجزاء أيضا؟

لا ريب في شمولها لنقص شيء من الاجزاء والشرائط ، وانما البحث في شمولها لزيادة ما يمكن الزيادة فيها.

واعلم ان هناك أقوالا ثلثة :

أولها ـ انها مختصة بالنقيصة ولا تشمل الزيادة ابدا.

ثانيها ـ انها تعم النقيصة والزيادة معا ، ولا تختص بزيادة غير الخمسة ، بل تشمل زيادة الخمسة أيضا (فيما يتصور فيه الزيادة) فالخمسة انما استثنيت من حيث النقيصة فقط ولم تستثن من ناحية الزيادة ، فزيادتها أيضا لا توجب الفساد.

ثالثها ـ انها تعم الأمرين ولكن زيادة الخمسة كنقيصتها توجب البطلان فهي مستثناة من الجانبين فالمعنى انه لا تعاد الصلاة من نقيصة أو زيادة شيء ما عدا نقيصة أو زيادة الخمسة.

٥٢٥

وإذ قد عرفت ذلك نرجع الى دليل كل من هذا الأقوال :

اما القول الأول فيدل عليه ان نفس أدلة اعتبار الشرائط والاجزاء لا تدل على المنع عن الزيادة لو لا أدلة المانعية ، وان شئت قلت : أدلة الجزئية والشرطية انما تدل على اختلال الماهية المركبة عند فقدانها واما إذا وجدت ـ سواء وجدت مرة أو مرارا ـ فلا تدل على اختلالها به كما هو ظاهر.

نعم أدلة الموانع قد تدل على المنع من زيادة بعض الاجزاء أو جميعها وهذا أمر لا دخل له بأدلة اعتبار الاجزاء والشرائط.

وبعد ما عرفت آنفا من عدم شمول إطلاق القاعدة ودليلها لغير الاجزاء والشرائط وانها لا دلالة لها على حكم الموانع ينتج عدم شمولها للزيادة مطلقا فإنها أمر تعود إلى المانعية غير الداخلة في القاعدة.

ويدل على القول الثاني ان الحكم ببطلان الصلاة بزيادة بعض اجزائها أو جميعها في الحقيقة ترجع الى اشتراط عدمها فيها ، فالشرط تارة يكون وجوديا كالطهارة وغيرها ، واخرى عدميا كعدم الزيادة ، فإذا قلنا بعموم القاعدة للشرائط كلها ـ ومنها عدم الزيادة ـ فتشمله أيضا فالحديث دال على ان الإخلال بأي شيء من الشرائط الوجودية والعدمية غير مضر ما عدا الإخلال بخصوص الخمسة الظاهر في نقيصتها فقط ، فيبقى زيادة الاجزاء مطلقا تحت المستثنى منه ،

ويدل على القول الثالث ان إرجاع مانعية الزيادة إلى شرطية عدمها أمر خارج عن متفاهم العرف وانما هو دقة عقلية لا يعتنى بها في هذه الأبواب ، بل الذي يفهمه أهل العرف ان أصل الزيادة كالنقيصة مفسدة ،

٥٢٦

لا ان عدم الزيادة شرط.

فالمستفاد من حديث لا تعاد ـ على إطلاقه ـ انه لا يضر الإخلال بالنقصية والزيادة من ناحية غير الخمسة ، وانما يضر الإخلال بهما من الخمسة مطلقا.

هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه كل من المذاهب الثلاث ولكن الحق هو القول الأول فتختص بالنقيصة دون الزيادة.

والدليل على ما اخترناه يبتني على مقدمة وهي :

ان ما يقال من ان أدلة اعتبار الاجزاء والشرائط ناظرة إلى اعتبارها في مقابل انعدامها لا في مقابل الزيادة كيفما كان ، كلام شعري لا حقيقة تحته ، لان المركبات الشرعية كالمركبات الخارجية كلها محدودة من الجانبين ، من جانب الزيادة والنقيصة فإنا لا نجد مركبا عرفيا أو شرعيا يكتفى فيه بمجرد وجود الأجزاء بأي كمية ومقدار كان ، فكما ان أصل وجود الجزء لازم لأخذ النتيجة المرغوبة من المركب فكذا مقدارها أيضا معتبر قطعا.

فالناظر الى تحديد الاجزاء من الجانبين هو نفس أدلة الجزئية لا انه دليل آخر يدل على مانعية الزيادة ، وهذا أمر ظاهر لمن سبر مواردها في العرف والشرع.

وحديث لا تعاد كالاستثناء من أدلة الاجزاء والشرائط فلا بد ان يكون عاما شاملا للنقيصة والزيادة كما ان نفس تلك الأدلة كذلك.

ولكن الذي يوهن إطلاقه هو ذيل الحديث الذي يكون كالعلة لما في صدره ، وهو قوله التشهد سنة والقراءة سنة والفريضة لا تنقض

٥٢٧

بالسنة ، ومن المعلوم ان هذا التعليل انما هو في ناحية الفقدان والنقيصة لأنه يقول : ان الفرائض وهي الأجزاء الركنية إذا وجدت لا تضرها فقد الاجزاء غير الركنية وهي السنة في اصطلاح الحديث.

هذا مضافا الى عدم تصور الزيادة في ثلثة من الخمسة وهي الوقت والقبلة والطهور وانما يتصور في اثنين منها ، وهذا وان لم يكن مانعا عن عموم الحديث للزيادة أيضا الا انه يوهنه في الجملة فتدبر.

فالحكم بعموم القاعدة لزيادة الاجزاء لا يخلو عن اشكال.

٥٢٨

٦ ـ هل تختص القاعدة بمن فقد الشرط

والجزء في تمام الصلاة؟

لا ينبغي الكلام في عمومها لمن فقد شيئا من اجزائها وشرائطها في تمام الصلاة ولكن إذا فقد شيئا منها في بعض صلوته كمن صلى ركعة بلا ستر شرعي ثمَّ التفت واستتر ، أو صلى في النجاسة ركعة ثمَّ التفت والقى الثوب النجس عن عاتقه مع وجود غيره الطاهر.

قد يتوهم ان لفظ «الإعادة» ظاهر فيمن اتى بصلوته تماما ثمَّ رجع واتى به ثانيا وان من قطع صلوته وبنى عليها بعدا لا يصدق في حقه الإعادة وقد يكون هذا مانعا عن الأخذ بالعموم.

ولكنه توهم فاسد لإطلاق لفظ الإعادة على القطع في الأثناء والبناء على العمل ، ولا يختص بما بعده ، وقد عبر عنه بالإعادة في كثير من الموارد من دون اى حزازة مثل قوله عليه‌السلام في حديث زرارة الواردة في أبواب الاستصحاب «قلت ان رأيته في ثوبي وانا في الصلاة قال تنقض الصلاة وتعيد.»

وان أبيت عن عدم شمول الحديث له فلا شك في شمولها بالأولوية القطعية فإذا صحت الصلاة مع ترك الستر نسيانا في مجموعها فكيف لا تصح إذا تركه في ركعة منها مثلا؟

٥٢٩

٧ ـ حكم سائر الأركان ما ذا؟

قد ثبت لنا من سائر الأدلة ان أركان الصلاة لا تختص بالاثنين من الخمسة اللذين من الاجزاء وهما الركوع والسجود ، بل تكبيرة الإحرام والقيام المتصل بالركوع والقيام عند تكبيرة الإحرام أيضا منها وأنه لو أخل بها ولو سهوا بطلت صلوته ، مع عدم ذكرها في عداد الخمسة المذكورة في المستثنى.

ويمكن ان يجاب عنه :

أولا ـ بأن الرواية عام كسائر العمومات قابل للتخصيص ، فتخصص بسائر الأركان كغيرها من العمومات.

اللهم الا ان يقال ان العمومات المشتملة على العدد في المخصص يشكل تخصيصها بمخصص آخر فإنه أشبه شيء بالمعارض لا المخصص ، فاذا قال المولى أكرم العلماء الا اثنين منهم ، ثمَّ ورد في دليل آخر نفى الا ـ كرام من واحد آخر كان كالمعارض له ، ولا سيما فيما إذا كان الاستثناء من النفي فإنه أقوى مفادا ، وكيف يمكن جعل الاثنين ثلثا أو الثلث أربعا وما

٥٣٠

الداعي على ذكر خصوص الاثنين.

اللهم الا ان يكون هناك داع الى التخصيص بالذكر مستفادا من قرائن المقام أو الكلام ، اما في مثل ما نحن فيه لا نجد وجها في تخصيص الخمس من بين الأركان بالذكر واى فرق بينها وبين غيرها.

وثانيا ـ ان شيئا من هذه الأمور الثلاثة لا يوجب تخصيصا زائدا فيه وان كان في بدء النظر كذلك.

اما القيام المتصل بالركوع ـ والمراد منه ان يكون ركوعه عن قيام ، لا عن جلوس بان يرجع من القعود الى حد القيام منحنيا ـ فلانه محقق لعنوان الركوع وبدونه لا يصدق عنوانه فالإخلال بهذه القيام ، والاكتفاء بأدائه من قعود ، إخلال بنفس الركوع واقعا فليس هذا ركنا مستقلا في قبال سائر الأركان بل هو محقق لو احد من الخمسة المذكورة في الرواية.

واما تكبيرة الإحرام فإنها محققة لعنوان الصلاة وافتتاحها ، وبدونها لا تفتتح الصلاة ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المصلى ، فلا تتحقق الصلاة بدونها ، ومن الواضح ان قاعدة لا تعاد موضوعها الصلاة فإذا لم يصدق عنوانها لم يكن لها موضوع ، ويستفاد ذلك من روايات متعددة وردت في بابها.

فعدم ذكرها في الحديث انما هو من جهة أنها مذكورة في الواقع بعد أخذ عنوان الصلاة في موضوع القاعدة ، فليست هي تخصيصا زائدا في القاعدة.

واما القيام عند التكبير فهو شرط في صحتها شرعا وبدونه لا تتحقق

٥٣١

تكبيرة الإحرام التي هي محققة لعنوان الصلاة وافتتاح لها ، فليس واجبا مستقلا ركنيا حتى نحتاج الى تخصيص زائد في القاعدة.

فتلخص من جميع ما ذكر ان المستثنى من القاعدة في الحقيقة ليست إلا الخمسة المذكورة فيها واما غيرها مما عدوه من أركان الصلاة فاما يعود إليها بنحو من الاعتبار أو محقق لموضوع القاعدة وهي الصلاة فتدبر.

٥٣٢

٨ ـ في تعارض القاعدة مع

غيرها مما ورد في حكم الزيادة

قد يتوهم ان هناك تعارضا بين القاعدة وبين ما ورد في أبواب الخلل من بطلان الصلاة بمطلق الزيادة فيها ، فقد روى أبو بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه قال : «من زاد في صلوته فعليه الإعادة».

(رواه في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب الخلل ، الحديث ٢)

فاذا قلنا بأن القاعدة تختص بباب النقيصة ولا دلالة لها على حكم الزيادة كما قويناه آنفا فلا كلام ، اما لو قلنا بما اختاره بعض من إطلاقها وشمولها للزيادة والنقيصة معا ـ كما في القولين الآخرين ـ فيقع التعارض بينهما ، ولا مناص من علاجه بنحو من الأنحاء المذكورة في بابه.

ولكن قبل كل شيء لا بد من ملاحظة النسبة بين الدليلين :

فقد يقال بوجوب ملاحظة النسبة بين كل واحد من المستثنى والمستثنى منه مع حديث ابى بصير.

وفيه ما لا يخفى من الضعف فان العام المخصص بالمتصل دليل

٥٣٣

واحد ولذا لا ينعقد له ظهور من الأول في العموم بعد ذكر الخاص متصلا به ، فلا معنى للتفكيك بينهما ، فهذا الاحتمال ساقط جدا.

فلا بد من ملاحظة النسبة بين حديث زرارة المشتمل على القاعدة كملا ، وحديث ابى بصير ، ومعلوم ان النسبة بينهما عموم من وجه.

لأن القاعدة تشمل الزيادة والنقيصة معا على الفرض فهي أعم من حديث ابى بصير المختص بالزيادة ، ولكنها أخص منه من جهة ، لاستثناء الخمس منها دون حديث ابى بصير ، فهي أعم وأخص من وجه.

ومورد التنازع بينهما هو الزيادة في غير الخمس ، فإن القاعدة تدل على صحة الصلاة معها وحديث ابى بصير يدل على وجوب الإعادة عليه.

هذا ويمكن القول بوجوب تقديم القاعدة عليه لوجهين.

الأول : أنها أظهر من غيره لاشتمالها على التعليل بقوله : القراءة سنة والتشهد سنة. ولا تنقض السنة بالفريضة ، بينما لا يكون في حديث ابى بصير تعليل.

الثاني ـ ان القاعدة ليست في مرتبة حديث الزيادة بل هي مقدمة عليه بالحكومة.

لا يقال دليل الحاكم لا بد ان يكون ناظرا الى دليل المحكوم ـ كما حققناه في محله ـ خلافا لمن لم يعتبر ذلك ، ومن المعلوم انه لا نظر لواحد من هذين الدليلين الى الأخر حتى يكون أحدهما حاكما على الأخر ، بل واحد منهما مثبت لوجوب الإعادة في الزيادة والأخر ناف له ، وبينهما مضادة لا حكومة.

فإنا نقول : ان القاعدة بمقتضى دليلها ناظرة إلى تحديد دائرة

٥٣٤

مدلول حديث ابى بصير إذ لو لم يكن هناك دليل على مانعية الزيادة (بمقتضى حديث ابى بصير الذي هو مكمل لأدلة اعتبار جزئية اجزاء الصلاة) لم يكن موقع للقاعدة بالنسبة إلى حكم الزيادة.

وبعبارة أخرى مفروض الكلام في القاعدة فساد الصلاة من ناحية النقيصة والزيادة بحسب طبعها الاولى ولكن القاعدة يجعل لها حدا وان الإعادة المفروضة منفية في غير الخمس ، فهي ناظرة إلى تحديد حكمها وهو كاف في باب الحكومة.

والحاصل ان قوله «لا تعاد إلخ» انما هو بعد فرض وجوب الإعادة بنحو الإطلاق بمقتضى دليل آخر ، مثل حديث ابى بصير الدال على ان من زاد في صلوته فعليه الإعادة وبدونه ليس لها معنى محصل فتدبر.

هذا ولكن قد عرفت ان الزيادة لا تتصور في غير الاثنين من الخمس وهما الركوع والسجود فيلزم تخصيص حكم من زاد في صلوته فعليه الإعادة ـ بالمآل ـ بهذين ، وعندئذ يمكن ان يقال باستهجان هذا التخصيص وان إخراج ما عدا الركوع والسجود وإبقائهما تحته أمر بشيع ، وهل يحتمل ان يكون المراد من قوله من زاد في صلوته فعليه الإعادة ، من زاد في ركوعه وسجوده فعليه الإعادة ولو كان كذلك فلم عدل عن التعبير به اليه.

ولعل هذا من المؤيدات لما اخترناه سابقا من عدم شمول القاعدة للزيادة أصلا وعليه لا يلزم شيء من هذا المحذور فتدبر.

وقد يقال ان استهجان التخصيص انما يكون في فرض اختصاص حديث ابى بصير بالزيادة السهوية ، واما لو قلنا بأنه يعم السهوية والعمدية والزيادة العمدية دائما موجبة للفساد خارجة عن تحت قاعدة لا تعاد ، فما

٥٣٥

يبقى تحت حديث ابى بصير شيء كثير.

ولكنه مدفوع بان الحديث منصرف عن الزيادة العمدية قطعا لأنه بصدد بيان حكم من يريد الامتثال ومن الواضح ان مثله لا يزيد في صلوته عمدا ، وهو نظير ما ذكرنا في خروج النقيصة العمدية عن تحت قاعدة لا تعاد.

هذا ولكن ما ذكر انما يصح إذا كان هناك دليل على البطلان بالزيادة من قبل ، وعندئذ يصح ان يقال ان المريد للامتثال لا يخالفه عمدا ، واما إذا كان دليل البطلان هو هذا الحديث وشبهه فلم يكن هناك مانع عن شمولها للزيادة العمدية.

والحاصل ان الدليل على شرطية عدم الزيادة هو هذا الحديث (حديث ابى بصير) وشبهه المكمل لأدلة الاجزاء والشرائط وهو شامل للزيادة العمدية والسهوية معا فلا موجب لاستهجان التخصيص هنا.

وهنا احتمال آخر في معنى الحديث يبتني على اختصاصه بالزيادة في الركعات فقط إذ زيادة بعض الاجزاء لا تعد زيادة في الصلاة وليس مجرد الجزء صلاة ، وانما الزيادة فيها تكون بركعة فإنها أقل ما يصدق عليه عنوان الصلاة وعلى هذا لا دخل بالحديث لما نحن بصدده أصلا ولا يبقى محل للمعارضة بينه وبين القاعدة وتمام الكلام في معنى الحديث من هذه الناحية موكول الى محله من كتاب الصلاة باب الخلل.

٥٣٦

٩ ـ قاعدة الميسور

٥٣٧
٥٣٨

معنى قاعدة الميسور وموردها

إذا تعذر بعض اجزاء المركبات الشرعية كالصلاة والحج والوضوء وغيرها (كمن لا يقدر على السورة لضيق الوقت) أو بعض شرائطها ، (كمن لا يقدر على الستر أو مراعاة القبلة) أو اضطر الى ارتكاب بعض الموانع (كما إذا اضطر المصلي إلى الصلاة في الثوب النجس أو اجزاء غير المأكول) فإن قام هناك دليل خاص على وجوب الإتيان بالباقي ، أو وجوب ترك الكل لعدم الأمر بالباقي فلا كلام.

اما ان لم يكن هناك دليل على شيء من الطرفين فهل هناك قاعدة تقتضي وجوب الباقي إلا ما خرج بالدليل أم لا؟

المعروف في كثير من كلمات القوم نعم ، وهو المسمى بقاعدة الميسور ، مأخوذة من الحديث المشهور الاتى «الميسور لا يسقط بالمعسور» يعنى تعسر البعض لا يكون موجبا لسقوط الباقي إذا كان التعسر موجبا لسقوط التكليف بالمعسور.

ثمَّ انه لا إشكال في ان قضية إطلاقات أدلة الجزئية والشرطية هي سقوط الباقي بتعذر بعض الاجزاء أو الشرائط ، أو الاضطرار الى ارتكاب بعض الموانع ، وذلك لان إطلاقها دليل على اعتبارها في المأمور به

٥٣٩

مطلقا حتى في ظرف التعذر ولازمه عدم الفائدة في فعل الباقي وهو واضح.

مدركها واسنادها

استدل للقاعدة بأمور مختلفة ولكن العمدة من بينها الروايات الثلث ، المرسلات ، المشهورات ، وسيأتي الإشارة إلى أمور أخر استدل بها لها أيضا ان شاء الله.

الاولى ، ما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم.

الثانية ما روى عن على عليه‌السلام الميسور لا يسقط بالمعسور.

الثالثة ما روى عنه عليه‌السلام أيضا : ما لا يدرك كله لا يترك كله ولكن رواهما في الكفاية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا بينما صرح غير واحد بنقلهما عن على عليه‌السلام وقد نقل المحقق الاشتيانى في تعليقاته عن غوالي اللئالي روايتهما عن على عليه‌السلام.

والظاهر انهما كذلك مرويان عنه عليه‌السلام.

وقد روى الحديث الأول مسندا عن طرق العامة فقد رواه البيهقي في سننه عن احمد بن حنبل عن يزيد بن هارون عن الربيع بن مسلم القرشي عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال ايها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو قلت نعم لو لوجبت ولما استطعتم ثمَّ قال

٥٤٠