القواعد الفقهيّة - ج ١

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٤
الجزء ١ الجزء ٢

وهو القائم من بعدي (١).

ونقل الروات له واحدا بعد واحد شاهد على جواز التسمية في الجملة.

٤ ـ وما رواه أيضا عن أبي نصرة عن ابى جعفر عليه‌السلام عن جابر بن عبد الله عن فاطمة (عليها‌السلام) انه وجد معها صحيفة من درة فيها أسماء الأئمة من ولدها فقرأه ـ الى ان قال ـ أبو القاسم محمد بن الحسن حجة الله على خلقه القائم ، أمه جارية اسمها نرجس (٢).

ونقل جميع روات السند مضافا الى نقل جابر دليل على عدم المنع من التسمية في جميع الحالات والظروف.

٥ ـ وما رواه أيضا عن ابى الجارود عن ابى جعفر عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام على المنبر : يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان ـ وذكر صفة القائم وأحواله ـ الى ان قال ـ له اسمان : اسم يخفى فاحمد واما الذي يعلن فمحمد ـ الحديث (٣).

وهو دليل على ان التصريح باسمه بمحمد حتى من فوق المنبر جائز.

٦ ـ ما رواه بأسانيده الكثيرة عن الحسن بن محبوب عن ابى الجارود عن ابى جعفر عليه‌السلام عن جابر قال دخلت على فاطمة عليها‌السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثنى عشر آخرهم

__________________

(١) الحديث ١٧ من الباب ٣٣ من أبواب الأمر بالمعروف.

(٢) الحديث ١٨ من الباب ٣٣ من أبواب الأمر بالمعروف.

(٣) الحديث ١٩ من الباب ٣٣ من أبواب الأمر بالمعروف.

٥٠١

القائم ، ثلثة منهم محمد وأربعة منهم على (١).

٧ ـ ما رواه أيضا عن المفضل بن عمر قال : دخلت على الصادق عليه‌السلام فقلت : لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك فقال الإمام بعدي ابني موسى والخلف المأمول المنتظر محمد بن الحسن بن على بن محمد بن على بن موسى (٢).

٨ ـ ما رواه الطبرسي في إعلام الورى عن محمد بن عثمان العمرى عن أبيه ، عن ابى محمد الحسن بن على عليه‌السلام في الخبر الذي روى عن آبائه (عليهم‌السلام) ان الأرض لا تخلو من حجة الله على خلقه وان من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية فقال ان هذا حق كما ان النهار حق فقيل يا بن رسول الله فمن الحجة والامام بعدك؟ فقال ابني «محمد» هو الامام والحجة بعدي فمن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية (٣) :

الى غير ذلك مما في هذا المعنى.

ولقد أجاد صاحب الوسائل في آخر الباب ٣٣ من أبواب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حيث قال : «والأحاديث في التصريح باسم المهدى محمد بن الحسن عليه‌السلام وفي الأمر بتسميته عموما وخصوصا تصريحا وتلويحا ، فعلا وتقريرا في النصوص والزيارات والدعوات والتعقيبات والتلقين وغير ذلك كثيرة جدا» ثمَّ أضاف إليه في حاشية منه على أخر

__________________

(١) الحديث ٢٠ من الباب ٣٣ من أبواب الأمر بالمعروف.

(٢) الحديث ٢٢ من الباب ٣٣ من أبواب الأمر بالمعروف.

(٣) الحديث ٢٣ من الباب ٣٣ من أبواب الأمر بالمعروف.

٥٠٢

احاديث هذا الباب انه : «قد صرح باسمه عليه‌السلام جماعة من علمائنا في كتب الحديث والأصول والكلام وغيرها منهم العلامة والمحقق والمقداد والمرتضى وابن طاوس وغيرهم ، والمنع نادر وقد حققناه في رسالة مفردة» (انتهى).

هذا هو ما ورد في هذا الباب من طوائف الاخبار وكلمات الأصحاب ، ولا ينبغي الشك في ان القول بمنع التسمية تعبدا كلام خال عن التحقيق وان صرح به بعض الأكابر بل الظاهر ان المنع منه يدور مدار وجود ملاك التقية ، وفي غيره كأمثال زماننا هذا لا يمنع على التحقيق.

وما أفاده العلامة المجلسي قدس‌سره بعد ذكر بعض ما دل على النهى عن التسمية الى ان يظهر القائم عليه‌السلام : «ان هذه التحديدات مصرحة في نفى قول من خص ذلك بزمان الغيبة الصغرى تعويلا على بعض العلل المستنبطة والاستبعادات الوهمية» ممنوع جدا ، لما قد عرفت من ان هذا ليس علة مستنبطة واستبعادا وهميا بل صرح به في روايات عديدة ليست بأقل من غيرها ، هذا مضافا الى ما دل على جواز التسمية والتصريح به وقد عرفتها في الطائفة الرابعة وهي أكثر عددا وأقوى دلالة من غيرها.

والحاصل ان المنع يدور مدار الخوف عليه عليه‌السلام أو علينا بالموازين المعتبرة في التقية وذلك لأمور :

أولا ان هذا هو الطريق الوحيد في الجمع بين الاخبار وحمل مطلقها على مقيدها ، فالمطلقات وهي الطائفة الاولى بل الثانية أيضا ـ فإنها مطلقة من ناحية الخوف وعدمه وان كانت مغياة بظهوره فإنه لا ينافي تقييدها بما ذكرنا ـ تقيد بالطائفة الثالثة الدالة على دوران الحكم مدار التقية ، ولو لا

٥٠٣

ذلك تعارضت وتساقطت لو قلنا بان كل طائفة منها قطعية أو كالقطعية لتظافرها ، أو يقال بالتخيير بناء على كون إسنادها ظنية وعندئذ يمكن الحكم بالجواز.

ومن أقوى القرائن على الجمع الذي ذكرنا هو الطائفة الرابعة المصرحة بجواز التسمية في الجملة ـ وليت شعري ما ذا يقول القائل بحرمة التسمية مطلقا في هذه الطائفة المتظافرة جدا؟ فهل يمكن طرح جميعها مع كثرتها وفتوى كثير من الأصحاب على طبقها؟ أو يمكن ترجيح غيرها عليها؟

كلا لا طريق الى حلها الا بما ذكرنا.

ثانيا ـ قد ورد أحاديث كثيرة من طرق أهل البيت والسنة صرح فيها بان اسم المهدى اسم النبي وكنيته عليه‌السلام كنيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومن المعلوم ان هذا في قوة التسمية فإن الظاهر من بعض الاخبار الدالة على عدم ذكر الاسم هو عدم الدلالة عليه بحيث لا يعلم المخاطب من الناس ما يكون اسمه الشريف ، لا مجرد التلفظ به ، اللهم الا ان يقال ان ذلك وان كان مفاد بعض اخبار الباب ولكن ينافيه بعضها الأخر الدال على حرمة التلفظ به لا الدلالة عليه ولو بنحو من الكناية فراجع وتدبر.

ثالثا ـ ان القول بحرمة التلفظ باسمه الشريف من دون التقية ومحذور آخر ، مع جواز الدلالة عليه بالكناية أو بمثل م ح م د يحتاج الى تعبد شديد ، فأي حزازة في ذكر اسمه الشريف في اللفظ مع جواز ذكرها كناية ، كالقول بان اسمه اسم جده رسول الله أو بالحروف المقطعة ، مع فرض عدم اى محذور ظاهر بتاتا؟

٥٠٤

واى شبيه لمثل هذا الحكم في الأحكام الشرعية؟

ومثل هذا الاستبعاد وان لم يكن بنفسه دليلا في الأحكام الفقهية الا انه يمكن جعله تأييدا لما ذكرنا.

ويؤيده أيضا بعض ما ورد في عدم جواز التصريح باسم غيره عليه‌السلام من الأئمة عليهم‌السلام عند التقية ، فلا يختص الحكم باسمه الشريف مثل ما رواه الكليني بإسناده إلى عنبسة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : إياكم وذكر على وفاطمة (عليهما‌السلام) فان الناس ليس شيء أبغض إليهم من ذكر على وفاطمة (١).

ومن العجب ما حكى عن الصدوق قدس‌سره انه بعد الاعتراف بالتصريح باسمه في رواية اللوح قال جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم والذي اذهب اليه النهي عن التسمية انتهى.

وقد عرفت انه لا ينحصر التصريح باسمه الشريف برواية اللوح ولا ينحصر الدليل بروايات الطائفة الرابعة المصرحة بالاسم ، ومع ذلك لم لم يختر ـ القول بالجواز عند عدم التقية كما اختاره صاحب الوسائل ويظهر من كثير من الأصحاب؟

فلعله رآه موافقا للاحتياط ، وهو وان كان كذلك الا ان الاحتياط في عمل النفس شيء والفتوى بالاحتياط شيء آخر ، وبالجملة هذا الاحتياط ضعيف جدا لا يجب مراعاته.

فتلخص عن جميع ، ما ذكر جواز التسمية باسمه الشريف ـ وهو «محمد»

__________________

(١) الحديث ٢ من الباب ٣٣ من أبواب الأمر بالمعروف.

٥٠٥

بن الحسن العسكري» عجل الله تعالى له الفرج ـ في أمثال زماننا هذا مما لا تقية فيه من هذه الناحية.

إلى هنا ينتهى الكلام في أحكام التقية وفروعها.

وقد وقع الفراغ منه في الجمادى الأخرى من سنة ١٣٩٢ (والحمد لله)

٥٠٦

٨ ـ قاعدة لا تعاد

مدركها

إسناده ودلالته

جواب ما فيها من الإشكالات

ما يتفرع عليها من الفروع

معارضها والجواب عنه

٥٠٧
٥٠٨

من القواعد الفقهية قاعدة لا تعاد وهي قاعدة عامة تجري في جميع أبواب اجزاء الصلاة وشرائطها وموانعها (على القول بحجيتها) وبهذا دخلت في سلك القواعد الفقهية لما قد عرفت من ان ضابطها اشتمالها على أحكام عامة لا يختص بباب خاص.

وباشتمالها على الحكم تمتاز عن المسائل الأصولية فإنها لا تشتمل على حكم شرعي بل تكون قواعد تقع في طريق استنباط الاحكام.

وبعدم اختصاصها بباب خاص وموضوع معين تمتاز عن المسائل الفقهية المختصة بمواضيع معينة.

وعلى هذا لا يمنع اختصاص هذه القاعدة بأبواب الصلاة من انسلاكها في سلك القواعد الفقهية فإن هذه الأبواب تحتوي مواضيع مختلفة غاية الاختلاف.

أصل القاعدة

لا شك في ان الحكم الاولى في المركبات الشرعية وغيرها الفساد ذا أخل بشيء من اجزائها وشرائطها أو اتى بشيء من موانعها ، إذ مع

٥٠٩

الإخلال بشيء من هذه لا توجد المركب على الفرض ، سواء كان ذلك عمدا أو سهوا أو جهلا إذا كانت الجزئية والشرطية والمانعية مطلقة.

فالحكم بالبطلان وعدم الاجتزاء ولزوم الإعادة هو الأصل الاولى في جميع هذه الموارد.

ولا فرق في ذلك بين ان يكون الدليل على الجزئية أو الشرطية أو المانعية بلسان نفى الماهية مثل قوله «لا صلاة الا بطهور» وقوله «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» ، أو بلسان الأمر مثل قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(١).

أو بلسان وجوب الإعادة عند الإخلال بها كما ورد في غير واحد من أبواب الاجزاء والشرائط والموانع مثل قوله عليه‌السلام في حديث زرارة بعد السؤال عن اصابة شيء من الدم أو المني بثوب المصلى ونسيانه والصلاة معه والذكر بعد الفراغ منها «تعيد الصلاة وتغسله».

لعدم الفرق بين جميع هذه الصور ، وإطلاقها دليل على عدم اختصاص الجزئية وشبهها بحال خاص.

وما قد يتوهم من انه إذا كان الدليل عليها بلسان الأمر ـ والأمر لا يشمل الناسي وشبهه ـ كان مختصا بالعالم العامد الذاكر ، وغيره خارج عن نطاق إطلاق دليل الجزئية والشرطية والمانعية ، ومع عدم ثبوت هذه الأمور في حقهم لا مناص عن الحكم بالصحة عند تركها غفلة ونسيانا وشبههما ، فاسد جدا ، فان مثل هذه الأوامر أو أمر إرشادية ، ترشد إلى الجزئية تارة والشرطية

__________________

(١) سورة المائدة ـ ٦.

٥١٠

أو المانعية أخرى ، وليست على وزان الأوامر المولوية المختصة بالذاكر العامد.

هذا مضافا الى ان الأوامر المولوية الواردة في أبواب الأحكام التكليفية أيضا عامة شاملة للجاهل والناسي أيضا ، وان سقطت عن الفعلية في حقهم ما دامت هذه الأعذار ، فإذا ارتفعت وأمكن التدارك بالإعادة أو القضاء وجب.

وبالجملة لا ينبغي الريب في ان قضية الأصل الاولى هو الفساد عند الإخلال بشيء من هذه الأمور.

نعم يستثنى منه ما إذا كان الحكم بالجزئية أو الشرطية منتزعا عن حكم تكليفي فعلى مثل ما افتى به المشهور من بطلان الصلاة في الأرض المغصوبة أو اللباس المغصوب فإنه لا دليل على شرطية الإباحة أو مانعية الغصب الا من ناحية حكم العقل بعدم جواز اجتماع الأمر والنهى أو عدم إمكان التقرب الى الله تعالى بفعل يتحد مع عنوان محرم.

ومن الواضح ان الفساد هنا مشروط بفعلية حكم الغصب بحيث لا يمكن التقرب معه بالصلاة فلو نسي أو غفل أو جهل به ، بحيث لم تكن الحرمة فعلية لم يكن هناك مانع عن صحة الصلاة. وهذا هو الفارق بينه وبين غيره من الموانع والشرائط.

فالغافل والجاهل والناسي لحكم الغصب وموضوعه تصح صلوتهم لعدم المانع في حقهم.

إذا تبين ذلك فاعلم :

أن فقهائنا رضوان الله عليهم استثنوا من أصالة الفساد الجارية في

٥١١

المركبات عند الإخلال بشيء من اجزائها وشرائطها وموانعها ، أبواب الصلاة وأفتوا بصحتها عندئذ إلا في خمسة أشياء الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود (ثلثة من الشرائط واثنان من الاجزاء) وسماه جمع من المتأخرين والمعاصرين ب «قاعدة لا تعاد» أخذا مما ورد في الحديث الاتى.

٥١٢

١ ـ مدرك القاعدة

المدرك الوحيد لهذه القاعدة هو صحيحة زرارة عن ابى جعفر الباقر عليه‌السلام قال : لا تعاد الصلاة الا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ـ ثمَّ قال ـ القراءة سنة والتشهد سنة والتكبير سنة ولا تنقض السنة بالفريضة.

رواها في الوسائل في المجلد الثالث في أبواب القبلة الباب ٩ ، الحديث ١.

وكذا في المجلد الأول في أبواب الوضوء الباب ٣ ، الحديث ٨.

وكذا في المجلد الرابع في أبواب أفعال الصلاة الباب الأول الحديث ١٤.

وهذا الحديث صحيح سندا ودلالة.

أما السند

فقد رواه الصدوق (رحمه‌الله) في الخصال عن أبيه ، عن سعد (بن عبد الله القمي) عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز

٥١٣

بن عبد الله (السجستاني) عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام.

ورواه أيضا في «الفقيه» بإسناده إلى زرارة عنه عليه‌السلام.

وذكر في جامع الرواية وغيره ان اسناد الصدوق إلى زرارة صحيح.

وسنده اليه ـ كما ذكره في آخر كتابه ـ هو هكذا «عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن عيسى بن عبيد والحسن بن طريف وعلى بن إسماعيل بن عيسى كلهم عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة بن أعين.

ورواه في التهذيب بإسناده إلى زرارة.

وعلى كل حال الحديث صحيح من حيث السند قابل للاعتماد عليه ، فلا غبار اليه من هذه الناحية.

واما الدلالة

لا كلام في دلالة الحديث بل صراحته في عدم وجوب إعادة الصلاة عن الإخلال بما عدا الخمسة في الجملة إنما الكلام في مقدار دلالتها وإطلاقها من جهات مختلفة.

فإن الإخلال بما عدا الخمسة يتصور على وجوه :

أولها : ان يكون الإخلال ناشيا من ناحية النسيان ، اما نسيان الحكم نسيان الموضوع.

ثانيها : ان يكون مستندا الى الجهل وعدم العلم ، اما بالحكم أو موضوع

٥١٤

ثالثها : ان يكون مع العلم والعمد.

لا إشكال في شمول إطلاقها للصورة الاولى وعدم وجوب الإعادة منه سواء كان النسيان في جانب الموضوع أو الحكم ، بل القدر المتيقن منها هو هذه الصورة.

واما الصورة الأخيرة فلا ينبغي الشك في خروجها عنها وانصرافها منها وبقائها على حالها من وجوب الإعادة عند الإخلال بشيء من الشرائط والاجزاء.

وما أجود ما قاله سيدنا الأستاذ العلامة المحقق البروجردي قدس الله سره في هذا المقام من «ان القاعدة انما هو بصدد بيان حكم المريد للامتثال المخل ببعض الجوانب ومن الواضح ان من كان بهذا الصدد لا يتصور في حقه الإخلال العمدي ، واما من ليس بصدد الامتثال من أول أمره فهو خارج عن نطاق بحثها قطعا».

ويمكن ان يقال أيضا انه لا يجوز على المولى الحكيم الحكم بعدم وجوب الإعادة في هذه الصورة ـ صورة الإخلال ببعض ما يعتبر في الواجب عمدا ـ فإنه دليل على عدم وجوب ما أخل به من أصل ـ وهو خلاف الفرض ، فاذا كان واجبا فكيف يرخص في تركه وهل هذا الا نقض الغرض؟

فشمولها لصورة العمد والعلم تعود إلى أمر محال.

وما قد يقال :

ان هذا ليس بدعا من الأمر ولا مانع من أمر المولى بشيء مركب ذات اجزاء وشرائط على نحو الوجوب ثمَّ الحكم بصحته عند الإخلال

٥١٥

ببعضها ، وقد وقع ذلك في باب القصر والإتمام ، والجهر والإخفات ، فإن القصر أو الجهر والإخفات مع كونها واجبة في محلها فقد حكموا بصحة العمل مع الإخلال بها جهلا ولو كان عن تقصير الذي في حكم العمد.

فكما ان الجاهل المقصر في هذين البابين يكون آثما ولكن يحكم بصحة اعماله مع إخلاله ببعض ما يعتبر في الصلاة من الشرائط ، فكذا الكلام فيمن أخل بشيء عامدا يحكم بصحة صلوته بمقتضى هذه القاعدة وان كان آثما في الجملة.

ويجرى هنا ما ذكروه في توجيه الصحة وتفسيرها هناك من ان لأمر المولى قد يكون مراتب ، فإذا أخل ببعض مراتبها بترك بعض الاجزاء أو الشرائط فقد نال بمرتبة أخرى منه وأحرز شيئا من الملاك والمطلوبية وان أضاع بعضه ، والمفروض انه بعد إحرازه بهذا المقدار لا يبقى موضوع لإحراز الباقي فيسقط الأمر ويصح العمل ويكون اثما من حيث الإخلال أيضا.

ممنوع ، بان هذا الوجه انما يصح إذا كان الأمر ذا مراتب وكان من قبل تعدد المطلوب ، وكان الشرائط والاجزاء الخمسة مطلوبة في حد ذاتها وغيرها من الاجزاء والشرائط مطلوبات أخر ـ كما ذكروا ذلك في باب الجهر والإخفات والقصر والإتمام.

ولكنك خبير بان هذا فرض غير واقع في ما عدا الخمسة وقد قام الإجماع على ان الصلاة بجميع اجزائها وشرائطها مطلوب واحد لا تعدد فيه الا في مسئلتى الجهر والإخفات والقصر والإتمام ـ فقد ذكروا فيه ما ذكروه وانما هو في فرض الجهل لا فرض العمد.

والحاصل ان هذا التوجيه انما يصح في فرض إمكان تعدد الطلب

٥١٦

واما في غيره ـ وما نحن فيه منه ـ فيستحيل ذلك ، فما ذكرنا من ان هذا أمر غير ممكن ـ في المقام ـ يكون تاما صحيحا مع حفظ الفرض.

يبقى الكلام في الصورة الثانية ـ وهي صورة الجهل موضوعا أو حكما فنقول :

الجاهل اما يكون جهله بسيطا ويكون ملتفتا الى جهله شاكا في الحكم أو موضوعه (الملازم للجهل البسيط) فالإنصاف انه بحكم العامد الذي قد عرفت انصراف القاعدة عنه بل استحالة شمولها له ، فإنه في الواقع نوع من العمد وكيف يتصور كون الإنسان بصدد امتثال أمر مولاه وهو شاك في حصول المأمور به باجزاء وشرائط خاصة وهو لا يعتنى بهذا الشك وبما لا يعلمه من الاجزاء والشرائط بل يشكل تمشي قصد القربة منه في كثير من الأحيان.

ولو قلنا بشمول القاعدة لمثله كانت باعثة للمكلفين الى الجهل وداعية لهم الى ترك الجد والاجتهاد في تحصيل العلم باجزاء الصلاة وشرائطها ، فإن إعلانها بصحة صلاة الجاهل المقصر داع الى هذا لا محالة ، وهو كما ترى.

واما الجاهل بالجهل المركب ، الغافل عن جهله ، العالم بخلافه ، كمن يعتقد عدم جزئية السورة مع انها في الواقع كذلك فلا يبعد شمول إطلاق الدليل له لعدم المانع منه ولا وجه للانصراف وشبهه.

٥١٧

٢ ـ اشكال على القاعدة ودفعه

وهاهنا إشكال

ينشأ من ان القاعدة لا شك انها بصدد الصحة الواقعية فإذا قلنا بشمولها للجاهل المركب لزم الحكم بصحة صلاة مثل هذا الجاهل التارك لبعض أجزائها أو شرائطها (ما عدا الخمسة) واقعا وهو نوع من التصويب الباطل ، إذا للازم كون الحكم واقعا في حق العالم اشتمال صلوته على عشرة اجزاء وفي حق الجاهل خمسة أجزاء فقط ، وهذا هو التفرقة بين العالم والجاهل في الأحكام الواقعية وهو التصويب الباطل.

ويمكن ان يجاب عنه

بان هناك فرقا واضحا بين العالم والجاهل وهو ان العالم يستوفي بعلمه تمام مصلحة العمل ، ولكن الجاهل لا يستوفي منه الا مقدارا منه مع عدم إمكان استيفاء الباقي بعد استيفاء هذا المقدار.

وان هو الا نظير العبد التارك لأمر المولى القائل اسقني ماء باردا

٥١٨

فأتاه بماء غير بارد وشرب المولى منه ، لم يحتج بعد ذلك الى الماء البارد ، والحاصل انه لما اتى بالناقص لم يبق مجال للإتيان بالكامل.

وان شئت قلت : هذا من قبيل الإتيان بغير المأمور به الرافع لموضوع المأمور به كما في المثال السابق وهذا أمر واقع في العرف والشرع.

فالمأمور به الواقعي هو المشتمل على عشرة أجزاء لا غير ، واما المشتمل على خمسة أجزاء فهو حاو لشيء من المصلحة من دون ان يكون مأمورا به فلا يلزم محذور التصويب.

ومثل هذا البيان وان كان ممكنا في حق العالم العامد التارك لبعض الاجزاء الا انه خلاف ما ثبت بالدليل والإجماع فتأمل.

ويمكن الجواب عنه أيضا ـ كما ذكره بعض اجلة العصر ـ ان الحكم الواقعي الإنشائي في حق الجميع ـ الجاهل والعالم ـ سواء وهو عشرة أجزاء مثلا ، وانما الفرق بين الجاهل والعالم في الحكم الفعلي فالعالم حكمه الفعلي يدور على عشرة أيضا والجاهل يدور حكمه الفعلي على خمسة أجزاء فإذن لا يلزم التصويب فإنه انما يلزم إذا كان الحكم بجميع مراتبه مختلفا بين العالم والجاهل لا ما إذا اتحدا في مرحلة الإنشاء

وهذا الجواب مثل ما ذكروه في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي مع الاعتذار عن محذور التصويب باشتراك الحكم الإنشائي بين الجميع مع اختلاف العالم والجاهل في الفعلية ، نعم كلامهم هناك انما هو في الحكم التكليفي وهنا في الحكم الوضعي والظاهر ان هذا المقدار من التفاوت لا يوجب محذورا في المقام.

٥١٩

٣ ـ هل تكون للقاعدة مدارك

أخر غير ما ذكر؟

قد ذكر العلامة الأنصاري قدس الله سره الشريف في بعض كلماته مدارك اخرى للقاعدة :

منها رواية منصور بن حازم المروية في أبواب القراءة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انى صليت المكتوبة فنسيت ان اقرء في صلوتى كلها؟ فقال أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت : بلى ، قال تمت صلوتك إذا كان نسيانا.

(رواه في الوسائل في الباب ٢٩ من أبواب القراءة الحديث ٢) ،

ومفاد الرواية ان من أتم ركوعه وسجوده تمت صلوته ولا يضره الإخلال بغيرهما من الاجزاء الأخر.

ومنها ـ ما رواه ابن ابى عمير عن بعض أصحابنا عن سفيان بن السمط عن ابى عبد الله عليه‌السلام «تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل

٥٢٠