القواعد الفقهيّة - ج ١

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٤
الجزء ١ الجزء ٢

عدم اختصاص القرعة بباب القضاء مثل قوله : «كل مجهول ففيه القرعة» فإن ظاهره يشمل المجهولات كلها وقع فيها التشاح أم لا ، بل الروايات العامة التي وقعت عقيب السؤال عن بعض مسائل التنازع أيضا ظاهرة في ذلك ، فان المورد لا يكون مخصصا فتدبر.

رابعا ـ الظاهر ان بناء العقلاء عليها أيضا لا يختص بأبواب المنازعات بل يعتمدون عليها في مطلق تزاحم الحقوق وان لم يكن مظنة للتنازع فتأمل. بالجملة القول باختصاص هذه القاعدة بها مع انه مخالف لظواهر كلمات الأصحاب وإطلاقات روايات الباب ، بل صريح بعضها. لا دليل عليه يعتد به كما عرفت.

٣٦١

الثالث ـ في شرائط جريانها

قد يقال ان عمومات القرعة لا يجوز العمل بها الا فيما عمل به الأصحاب ، قال المحدث الخبير الشيخ الحر (قدس‌سره) في «الفصول المهمة» على ما حكى عنه ، بعد نقل بعض روايات القرعة وعموماتها : «ومعلوم ان هذا العموم له مخصصات كثيرة» وزاد بعضهم انه لو لم يكن كذلك لجاز لنا ترجيح الحكم في المسائل الشرعية بالقرعة ، وقال العلامة الأنصاري (قدس‌سره) : «ان أدلة القرعة لا يعمل بها بدون جبر عمومها بعمل ـ الأصحاب أو جماعة منهم».

وكان الوجه فيه انه لا يمكن العمل بظاهر عموماتها في كل مجهول ، حتى مع وجود أمارات أو أصول عملية ، من البراءة والاستصحاب وغيرهما ، فإنه لم يقل به احد.

فلا بد من تخصيصها بإخراج جميع هذه الموارد منها.

وان شئت قلت انها مخصصة بتخصيصات كثيرة بلغت حد تخصيص الأكثر ، مع ان التخصيص كذلك أمر مستهجن غير جائز ، فهذا يكشف عن وجود قرينة أو مخصص متصل معها وصلت الى أصحابنا الأقدمين ولم تصل إلينا ؛ ولما كان عنوان المخصص مبهما عندنا والقرينة مجهولة لنا لم يجز العمل بعموماتها لان إبهامها يسرى إليها (كما ذكر في محله) (فح) لا يجوز العمل بها الا فيما عمل الأصحاب به. هذا ويرد عليه :

أولا ـ ان احتمال وجود قرائن عندهم غير ما بأيدينا وغير ما أودعوه في كتبهم مما يرشدهم الى مغزى هذه العمومات ، ضعيف جدا ، ولو كان كذلك فلما ذا أهملوا ذكرها في كتبهم المعدة للرواية؟ ولما ذا لم يستندوا إليها في كتبهم الفقهية الاستدلالية بل استندوا الى نفس هذه الروايات التي بأيدينا؟ وهل هذا الا إغراء بالجهل في مورد يجب الاهتمام به

٣٦٢

فحاشاهم ثمَّ حاشاهم.

ثانيا ـ قد عرفت سابقا ان المراد من «المجهول» الوارد في عمومات الباب ، بقرينة شأن ورود رواياتها ، وما ثبت عند العقلاء في أمر القرعة ، ليس كل مشكوك بل ما ليس طريق إلى إثباته ، لأمن الأمارات الشرعية والعقلائية ولا من الأصول العملية العقلية والنقلية (فح) لا يرد عليها تخصيصات كثيرة كما هو ظاهر.

وكان منشأ توهم كثرة التخصيص هو ما يظهر من عنوان «المجهول» بادي الأمر ، ولكن بعد ما عرفت هنا وفيما سبق في تحقيق المراد منه ، لا يبقى وجه لهذا التوهم فراجع وتدبر.

والحاصل ان موارد وجود الامارات ، والأصول العملية خارجة عن تحت عمومات القرعة بالتخصص لا بالتخصيص فإنها ليس من المجهول بما عرفت له من المعنى.

هل القرعة من الامارات أو الأصول العملية؟

ظاهر كثير من رواياتها انها من الامارات بل يظهر من بعضها أنها أمارة قطعية في مواردها لا تخطى عن الواقع المجهول ابدا ، مثل ما روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس من قوم تقارعوا ثمَّ فوضوا أمرهم الى الله الا خرج سهم المحق (١)

وما روى في مناظرة الطيار وزرارة الدال على ان القرعة على طبق رأى زرارة فقيه أهل البيت عليهم‌السلام كانت كاشفة عن الواقع كشفا دائما لا يقع التخلف فيه ، ولذا لو احتمل كذب المتداعيين جميعا لا بد من إلقاء سهم لهذا وسهم لذاك وسهم مبيح (٢)

والظاهر ان تفويض الأمر الى الله والدعاء عندها أيضا لا يكون إلا لكشف الواقع المجهول.

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٢٩.

(٢) راجع الصفحة ٣٣١.

٣٦٣

ويؤيده ما ورد في قضية شيخ البطحاء عبد المطلب وقرعته لكشف مرضات ربه بالفداء عن عبد الله (١).

وما ورد في تفسير العياشي في حديث يونس من قوله : «فجرت السنة ان السهام إذا كانت ثلث مرات لا تخطى» (٢).

وما روى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ما من قوم فوضوا أمرهم الى الله عزوجل وألقوا سهامهم الا خرج السهم الأصوب» (٣).

هذا ولكن يظهر من بعض اخبارها ان حجيتها ليست بملاك كشفها عن الواقع المجهول بل بملاك أنها «أقرب الى العدالة» وأبعد من العمل بالميول والأهواء في موارد جريانها ، مثل ما ورد في رواية ابن مسكان عن الصادق عليه‌السلام : «وأي قضية أعدل من قضية يجال عليها بالسهام يقول الله (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)» (٤).

ويؤيد هذا استشهاده بقضية يونس ، بناء على كفاية إلقاء واحد غير معين منهم عند الحوت لدفع شره فتأمل.

ويؤيده أيضا ما ورد في غير واحد من اخبارها من قوله «كل ما حكم الله فليس بمخطئ» في مقام الجواب عن قول السائل : «ان القرعة تخطى وتصيب» بناء على ان المراد منه عدم الخطاء في الحكم بحجية القرعة ، وانه إذا حكم الله سبحانه بشيء ففيه مصلحة لا محالة ، فخطاء القرعة عن الواقع أحيانا لا يمنع عن صحة هذا الحكم واشتماله على المصلحة ، واما لو قلنا ان المراد منه عدم خطاء القرعة عن الواقع المجهول كان دليلا آخر على كونها امارة قطيعة.

هذا ويمكن ان يقال انه لا منافاة بين الملاكين ولا مانع من كون حجيتها بكليهما :

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٤٧.

(٢) راجع الصفحة ٣٣٣.

(٣) راجع الصفحة ٣٣٤.

(٤) راجع الصفحة ٣٣٤.

٣٦٤

ملاك الإصابة وملاك العدالة ، واما حمل الأول على ماله واقع ثابت مجهول ، والثاني على ما ليس كذلك فيدفعه الاستشهاد بملاك العدالة في ذيل مسئلة خنثى المشكل وكيفية ميراثه (١) بناء على عدم خروج الخنثى عن الجنسين في الواقع كما هو المشهور.

والانصاف انه لا يمكن رفع اليد عن تلك الروايات الكثيرة الظاهرة في كونها امارة على الواقع ؛ اما دائما أو غالبا ولا مانع منه عقلا إذا انحصر الطريق فيها وفوض الأمر الى الله تبارك وتعالى ، العالم بخفيات الأمور اللطيف بعبادة. ولقد جربنا هذا الأمر في باب الاستخارة ؛ التي هي من القرعة على ما اختاره بعضهم وسيأتي الإشارة اليه ان شاء الله في آخر المسئلة ، ورأينا منها عجائب جمة في إصابة الواقع وكشف المجهول إذا استعملت في محلها وفوض الأمر الى الله وقرنت بالإخلاص والابتهال.

ثمَّ اعلم ان كون القرعة امارة على الواقع وكاشفا عنه دائما أو غالبا لا يوجب تقدمها على أصول العملية ولا معارضتها لسائر الامارات ، وذلك لما عرفت من ان أماريتها انما هي فرض خاص ومنحصر بالأمور المجهولة المشكلة التي لا طريق الى حلها لا من الامارات ولا من الأصول العملية.

وبعبارة أخرى موضوعها مختص بموارد فقد الأدلة والأصول الأخر ؛ وعليه لا تعارض شيئا منها ولا يقدم عليها بل إنما تجري في موارد فقدها.

ثمَّ ان من المعلوم ان الكلام في أماريتها وعدمها انما هو في خصوص ماله واقع ثابت مجهول ، واما ما ليس كذلك من موارد تزاحم الحقوق أو المنازعات التي يرجع فيها إلى القرعة كما في قضية زكريا وتشاح احبار بني إسرائيل في كفالة مريم ؛ وكما في قضية يونس على احتمال مضى ذكره ، وكذلك فيمن نذر أو اوصى بعتق أول مملوك فملك سبعة في زمان واحد ، وأشباهها ، فلا موقع لهذا النزاع فيها كما هو ظاهر.

فالرجوع إليها (ح) انما يكون بملاك اقربيتها إلى العدالة وابعديتها عن الترجيح بلا مرجح

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٣٤.

٣٦٥

الذي يكون منشأ للتشاح والبغضاء غالبا.

هل تختص القرعة بالإمام أو تائبه؟

بقي هنا شيء وهو ان اجراء القرعة هل يجوز لكل أحد ؛ أو يختص بحكام الشرع أو خصوص الامام عليه‌السلام؟

اما الأخير فالظاهر انه لا يقول به أحد ، فإن لازمه تعطيل القرعة بتا عند عدم حضوره عليه‌السلام وكلمات الأصحاب متفقة على خلافه ، فهم يعتمدون عليها في كثير من المسائل الفقهية ، وكتبهم مشحونة بذلك.

واما الثاني فقد ذهب اليه بعضهم كالمحقق النراقي (قده) في عوائده ، فقال باختصاصها به عليه‌السلام أو بنائبه الخاص أو العام ؛ لعموم أدلة النيابة عنه عليه‌السلام الا انه قال. ويستثنى منه ما خرج بالدليل كمسئلة الشاة الموطوئة.

وفصل المحدث الكاشاني (قدس‌سره) فيما حكى عنه من كتابه «الوافي» بين ما كان له واقع ثابت مجهول فيختص بالإمام عليه‌السلام وما ليس كذلك فهو عام.

وما افاده مع انه لا دليل عليه مخالف أيضا لكلمات الأصحاب وفتاواهم ، لأنا نراهم معتمدين عليها عند عدم حضوره عليه‌السلام فيما له واقع مجهول وما ليس له على حد سواء. هذا بحسب الأقوال.

واما الروايات الواردة في القرعة فالسنتها مختلفة : يظهر من بعضها اختصاصها بالإمام عليه‌السلام مثل رواية ثعلبة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال سئل عن مولود ليس بذكر ولا أنثى ليس له إلا دبر كيف يورث قال يجلس الامام ويجلس عنده ناس من المسلمين فيدعون الله ويجال السهام عليه اى ميراث يورثه أميراث الذكر أو ميراث الأنثى؟ فأي ذلك خرج عليه ورثه (الحديث).

وما في مرسلة حماد عن أحدهما عليه‌السلام : القرعة لا تكون إلا للإمام (١).

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٤٦.

٣٦٦

وما في رواية يونس قال : في رجل كان له عدة مماليك فقال أيكم علمني آية من كتاب الله فهو حر ، فعلمه واحد منهم ؛ ثمَّ مات المولى ولم يدر أيهم الذي علمه؟ قال يستخرج بالقرعة؟ قال لا يستخرجه إلا الإمام لأن له على القرعة كلاما ودعاء الا يعلمه غيره (١)

وظاهر هذه الروايات لا سيما الأخيرتين اختصاصها بالإمام عليه‌السلام.

ويظهر من بعضها الأخر كونها من وظائف الوالي ، مثل ما في مصححة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال إذا وطأ رجلان أو ثلثة جارية في طهر واحد ، فولدت ، فادعوه جميعا ، أقرع الوالي بينهم فمن قرع كان الولد ولده الحديث (٢).

ويظهر من طائفة ثالثة منها ان أمرها بيد الإمام أو المقرع (اى شخص كان) مثل ما رواه الفضيل قال سئلت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مولود ليس له ما للرحال ولا له ما للنساء؟ قال يقرع الإمام أو المقرع ، يكتب على سهم عبد الله وعلى سهم امة الله ثمَّ يقول الإمام أو المقرع : اللهم. الحديث) (٣).

وكثير منها مطلقة لا يختص بالإمام أو غيره أو وقع التصريح فيها بعنوان «القوم» ؛ كما يظهر لمن راجع الأحاديث السابقة.

وظاهر روايات الشاة الموطوئة ان المقرع هو صاحب الشياة قال : «ان عرفها ذبحها وأحرقها وان لم يعرفها قسمها نصفين» (الحديث) (٤).

والانصاف ان اختلاف هذه التعابير لا يدل على اختلاف في الحكم فان غالب موارد جريانها هو موارد التنازع المحتاجة إلى القضاء الشرعي ومن المعلوم ان أمرها (ح) الى الامام عليه‌السلام أو من هو منصوب من قبله عموما أو خصوصا من الوالي والقاضي ، من العلماء العدول و

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٣٨.

(٢) راجع الصفحة ٣٤٢.

(٣) راجع الصفحة ٣٤١.

(٤) راجع الصفحة ٣٤٤.

٣٦٧

روات أحاديثهم ، فالقرعة في هذه المقامات تكون كإقامة البينة والإحلاف لا يعتبر الا عند من بيده أمر القضاء.

واما في غير هذه المقامات فظاهر إطلاقات الأدلة ان أمرها بيد مالك البهيمة في مثل الشاة الموطوئة أو من هو منصوب من قبله ، أو بيد الوصي فيما إذا كان الشك في أموال الموصى ، أو كل مكلف لو لم يختص الأمر بشخص خاص ، ولكن لا يبعد ان يكون هذا القسم الأخير داخلا في الحسبة ويكون أمرها أيضا بيد الحاكم لو كان والا فبيد عدول المؤمنين. هذا ما يقتضيه قواعد القوم.

والظاهر انه لا يستفاد من روايات الباب ما ينافي ذلك فان قوله : القرعة لا تكون إلا للإمام في مرسلة حماد ، مع ضعفها بالإرسال ، قابلة للحمل على موارد الدعاوي والتنازع التي يكون أمرها بيد الإمام أو من نصبه خصوصا أو عموما (فتأمل).

واما رواية يونس الحاصرة لمستخرج القرعة بالإمام ، لأن له كلاما ودعاء لا يعلمه غيره ، فشاذ جدا ، لعدم دليل يعتد به على لزوم الدعاء عندها وإطلاق جل ـ الروايات خالية عنها ؛ مع انه لم ينقل من الفقهاء قول بوجوب الدعاء ، وقد صرح ـ المحقق النراقي في العوائد باستحباب الدعاء من دون نقل خلاف ؛ فلا بد من حمل الرواية على ضرب من الندب والفضيلة.

هذا مع انه لم يعهد من رواياتها دعاء لا يعلمه غيره بل المذكور فيها دعاء مأثور في رواية «فضيل بن يسار» يقرئها الإمام أو المقرع كما صرح به فيها.

والحاصل ان رواية يونس مع مخالفتها لصريح أو إطلاق جميع روايات الباب لا يمكن الاعتماد على ظاهرها من وجوه شتى.

واما ما دل على كونها من وظائف الوالي فموردها من الدعاوي التي أمرها بيده ، فلا يمكن رفع اليد عن مقتضى القواعد الأولية بها في غير هذه الموارد.

٣٦٨

الأمر الرابع ـ كيفية إجراء القرعة

قد عرفت ان القرعة كانت متداولة بين العقلاء من قديم الزمان ، ولم تكن مقيدة بكيفية خاصة عندهم.

بل كان كيفيتها جعل علامات لكل واحد من أطراف الدعوى أو ذوي الحقوق المتزاحمة أو غيرها ؛ مما كان طرفا للاحتمال ، ثمَّ الرجوع الى ما يخرج صدفة من بينها ، بحيث لا يحتمل فيه اعمال نظر خاص ، بل كان استخراج واحد معين من بين أطراف ـ الاحتمال مستندا الى مجرد الصدفة والاتفاق ؛ كي يكون حاسما للنزاع والتشاح.

ومن الواضح ان هذا المقصود يؤدى بكيفيات عديدة لا تحصى ، فلا فرق فيها عندهم بين «الرقاع» و «السهام» و «الحصى» وغيرها ، ولا خصوصية في شيء منها بعد اشتراكها جمعيا في أداء ذاك المقصود.

ومن هنا اختلفت عادة الأقوام في اقتراعاتهم ، فكل يختار نوعا أو أنواعا منها ، من غير ان يكون نافيا للطرق الأخر ، ولكن الكتابة والرقاع أكثر تداولا اليوم ، لسهولتها وإمكان الوصول إليها في جل موارد الحاجة ، مع بعدها عن احتمال اعمال الميول والأهواء الخاصة.

وقد تستخرج الرقاع بيد صبي أو بسبب ماكينة مخصوصة ليكون أبعد من سوء الظن وأقرب الى العدالة في استخراجها. هذا ما عند العقلاء.

٣٦٩

واما الروايات الواردة في هذه القاعدة فهي مختلفة : أكثرها مطلقة خالية عن تعيين كيفية خاصة للاقتراع وهي دليل على إيكال الأمر الى ما كان متداولا بين العقلاء وأهل العرف ، وإمضاء طريقتهم في ذلك.

ولكن ورد في غير واحد منها طرق خاصة للقرعة من دون نص على حصرها فيه (على الظاهر).

منها ـ الاقتراع بالسهام كما في الرواية الحادية عشرة من الروايات الخاصة التي ذكرناها عند بيان مدركها من السنة ، الواردة في باب ميراث الخنثى قال : يكتب على سهم عبد الله وعلى سهم امة الله ، الى ان قال ثمَّ تطرح السهام (السهمان) في سهام مبهمة ثمَّ تجال السهام ، على ما خرج ورث عليه (١).

وقد ورد في غيرها التعبير بالسهم أيضا ، وكانّ هذا النحو كان أكثر تداولا في تلك الأيام.

ومنها ـ الاقتراع بالخواتيم كما ورد في أبواب قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام في قضية شاب خرج أبوه مع جماعة في سفر فرجعوا ولم يرجع أبوه ، وشهدوا جميعا بموته ، ولم يقبل الشاب ذلك فشكى الى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقضى بينهم بطريق بديع عجيب اثبت فيه كذبهم ؛ فاعترفوا بقتلهم إياه ، وفي ذيله ان الفتى والقوم اختلفوا في مال المقتول كم كان فأخذ أمير ـ المؤمنين عليه‌السلام خاتمه وجميع خواتيم من عنده ثمَّ قال : أجيلوا بهذه السهام فأيكم أخرج خاتمي فهو صادق في دعواه لأنه سهم الله وسهم الله لا يخيب.

ويظهر منه إطلاق السهم على الخواتيم وكل ما يعين به حق أحد طرفي الدعوى.

هذا ولكن هل يمكن الاعتماد على الحكم المذكور فيها من حيث ان المدعى لزيادة المال مدع ، والمدعى للنقصان منكر ، فلا بد من اجراء القواعد المعهودة في باب القضاء للمدعي والمنكر ، أو لا بد من العمل بهذا الحكم في خصوص مورده ، أو ان مثل هذا النحو

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٤١.

٣٧٠

من القضاء يختص بالإمام عليه‌السلام؟ وتمام الكلام فيه في محله.

ومنها ـ الافتراع بالكتابة على الرقاع كما روى انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرع بالكتابة على الرقاع (١).

ومنها ـ الاقتراع بالبعرة والنوى كما روى انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرع في بعض الغنائم بالبعرة وانه أقرع مرة أخرى بالنوى (٢).

ومنها ـ الاقتراع بالأقلام كما ورد في قضية زكريا وقد مر معناه.

وليس في شيء من ذلك تصريح بانحصار الطريق فيه ، فمن هنا يعلم ان الشارع امضى ما لدى العرف والعقلاء لعدم خصوصية في شيء من طرقها.

واما الدعاء بالمأثور الوارد في بعض احاديث الباب ؛ أو مطلق الدعاء كما يظهر من بعضها الأخر ، فقد عرفت انه لا دليل على وجوبه بعد خلو جل الروايات وكلمات ـ الأصحاب عنه. ولكن لا ينبغي الريب في رجحانه.

هذا ولكن في رجحانه عند عدم ثبوت واقع مجهول في موارد القرعة ، يراد استخراجه بها ، تأملا واشكالا ؛ نظرا الى ان قوله : «اللهم رب السموات السبع أيهم كان الحق له فأده اليه» الوارد في رواية «البصري» في باب تعارض البينتين المتساويتين أو قوله : «اللهم أنت الله لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون فبين لنا أمر هذا المولود» الوارد في رواية «الفضيل» في باب ميراث الخنثى ؛ ظاهر في اختصاص الدعاء بما إذا كان له واقع مجهول فيسئل الله تعالى إخراج الحق بالقرعة اللهم الا ان يقال انه ليس دائما بقصد الإنشاء بل بعنوان التأسي ، ولكنه بعيد.

__________________

(١ و ٢) رواه في العوائد ص ٢٢٦.

٣٧١

الأمر الخامس

هل القرعة واجبة في مواردها أو جائزة؟

قد وقع البحث في ان إجرائها في مواردها واجبة أو جائزة؟ وبعبارة أخرى هل هي رخصة أو عزيمة أو تختلف باختلاف المقامات؟ وعلى تقدير الجواز فهل يجب العمل بها بعد إجرائها أولا؟ فهنا مقامان :

اما المقام الأول فلم أظفر على كلام صريح للقوم فيه عدا ما أفاده العلامة النراقي (قدس‌سره) في «العوائد» فقد ذكر في كلام طويل له هناك تفصيلا حاصله :

ان موارد القرعة مختلفة :

فتارة تجب بمقتضى الأمر الوارد في أحاديثها كما في الشاة الموطوئة.

واخرى تجب تعيينا لتوقف الواجب ؛ وهو تعيين الحق ، عليها ؛ وذلك فيما إذا كان له واقع معين وجب الوصول اليه اما لرفع التنازع كما في الولد المتداعي فيه أو شبه ذلك ، ولم يكن هناك طريق آخر للتعيين ، أو فيما إذا لم يكن له واقع ثابت ولم يكن هناك دليل على التخيير ؛ كما إذا اوصى بعتق اربع رقبات من عشرين رقبة مثلا ولم يكن هناك دليل على تخيير الموصي فإنه أيضا يجب الرجوع فيه الى القرعة.

وثالثة يجب تخييرا بينها وبين الرجوع الى التخيير ، كالمسألة السابقة (أعني مسئلة الوصية) إذا كان هناك إطلاق في كلام الموصى يدل على تخيير الوصي في ذلك ؛ وكما في تعيين حق القسم للزوجات إذا لم يكن هناك مرجح.

٣٧٢

ورابعة ما لا يجب لا تعيينا ولا تخييرا وذلك فيما لا يجب التعيين فيه كتقديم احد المتعلمين في علم مستحب أو تقديم احدى الزوجتين المتمتع بهما في الليلة (انتهى مخلصا).

أقول : يرد عليه أولا : ان حمل الأمر في القسم الأول (أعني مسئلة الشاة الموطوئة) على الأمر المولوي الوجوبي غير معلوم ، بل الأظهر انه إرشادي للتخلص عن الشاة المحرمة وعن الاحتياط اللازم في أطراف الشبهة المحصورة ، فلو كان هناك آثار لا تترتب على حلية لحمها وأراد الانتفاع بها ، فقط لم يبعد الحكم بعدم وجوب إجراء القرعة فيها وكذلك إذا أراد الانتفاع بلحمها بعد برهة طويلة من الزمان فان وجوب إجراء القرعة فيها فعلا غير معلوم (فتأمل).

وثانيا : إذا لم ينحصر الطريق في القرعة ، بل أمكن الرجوع الى «التخيير» كما في مثال الوصية المطلقة فلا بد من الرجوع اليه فقط ولا دليل على مشروعية القرعة هناك ، وكذا فيما إذا لم يكن هناك أمر يجب تعيينه كما في مثال المتعة أو المتعلمين لغير الواجب ، وذلك لعدم دلالة أدلتها على مشروعيتها في هذه الموارد.

والحاصل ان المستفاد من أدلتها ، مشروعيتها فيما إذا كان هناك أمر لازم التعيين (سواء كان له واقع ثابت مجهول ؛ أم لا) ولم يكن طريق آخر للتعيين ، واما في غيره مما ليس هناك أمر لازم التعيين فالقرعة كالعدم ، بمعنى ان الأخذ بمقتضى القرعة فيها والعمل بها انما هو من باب انه احد الأطراف المخير فيها لا من باب انه استخرج بالقرعة.

ان قلت : ان ظاهر إطلاق أدلة مشروعيتها في كل مجهول جواز الرجوع إليها حتى في موارد لا يجب التعيين فيها.

قلنا : قد عرفت ان المجهول في اخبار الباب ـ كما تشهد به قرائن كثيرة ـ هو الأمر المشكل الذي لا طريق الى تعيينه مع لزوم تعيينه.

٣٧٣

المقام الثاني ـ في انه هل يجب العمل بها بعد إجرائها أو يجوز العدول عنها الى غيرها ، وحاصل القول فيه انه لا إشكال في وجوب العمل بما يستخرج بالقرعة في موارد يجب إجرائها فإن وجوب إجرائها مقدمة لوجوب العمل بها من غير فرق بين ما له واقع ثابت أو غيره وان كان في الأول أظهر نظرا الى ان ما يستخرج منها هو الحق كما ورد في روايات الباب

فإذا أجريت في تعيين ميراث الخنثى مثلا فوقعت على سهم المذكر أو الأنثى ؛ أو أجريت في تعيين من يجب عتقه من بين العبيد الموصى بعتق بعضهم من دون تعيين ، فعلى الحاكم أو الوصي العمل بها ولا يجوز له إهمالها والعدول إلى قرعة أخرى (والمفروض عدم طريق آخر هناك غير القرعة).

نعم يجوز لصاحب الحق غمض النظر عن حقه بعد ما خرج السهم له ، كما ان للمتقارعين التصالح على حقوقهم بعد خروج السهم لأحدهما أو لهما في مثل تقسيم الأموال المشتركة ، والتراضي على أمر خاص.

ولكن هذا يختص بما إذا كان من «الحقوق» مثل ما عرفت من تقسيم الشركاء أموالهم ، أو تقسيم الغنائم وغيرها ، واما إذا كان من سنخ «الاحكام» كما في مسئلة الولد المتنازع فيه وشبهه فلا يجوز ذلك أصلا ، لعدم جواز تغييره بالتراضي والتصالح وشبههما كما هو واضح.

وكذلك مسئلة الشاة الموطوئة فان خروج القرعة على واحدة من الشياة تجعلها بحكم الموطوئة. لو لم تكن موطوئة واقعا (فح) لا معنى لتغييرها وجعل غيرها في محلها بقرعة أخرى أو غيرها.

هذا كله في موارد وجوب القرعة اما إذا قلنا بمشروعيتها في موارد لا يجب فيها إجرائها كما في مسئلة المتعلمين لغير الواجب وشبهها فكما أن إجرائها غير واجب في هذه الموارد ، كذلك العمل بها بعد إجرائها أيضا غير واجب ؛ فله العدول عما خرج بالقرعة إلى غيره إذا لم يكن هناك محذور آخر (فتأمل).

هذا تمام الكلام في قاعدة القرعة.

٣٧٤

هل الاستخارة من أنواع القرعة؟

الظاهر ان الاستخارة بالرقاع والحصى والبندقة والسبحة وما شاكلها ، مما ورد في روايات مختلفة ، نوع من القرعة ، وانه إذا أشكل على الإنسان أمر يفوضه الى الله تعالى ، ثمَّ يدعو ببعض الدعوات المأثورة ثمَّ يستخرج السهم أو الرقعة أو البندقة أو غيرها مما كتب عليه فعل شيء أو تركه ؛ أو علم عليه بعلامة ؛ فيعمل على طبقه.

الا انها يتفاوت مع القرعة المعروفة في ان القرعة تكون في موارد لا يعلم حكمها الشرعي الجزئي ، لاشتباه موضوعها ، وفي الغالب مما تزاحم فيه الحقوق ، بينما تكون الاستخارة فيما يعلم حكمها الشرعي وموضوعه وتدور الأمر بين أمور مباحة ولكن يشك في صلاحها وفسادها للفاعل ، في عاجلة أو آجله ؛ فاذا لم ينته امره الى طريق بين ، يتوسل إليها للكشف ما هو صلاحه ورفع تحيره.

وقد عقد العلامة المجلسي (قدس الله سره) في أواخر المجلد الثامن عشر من «بحار الأنوار» أبوابا أورد فيها كثيرا من الروايات الدالة على جواز الاستخارة بالدعاء ثمَّ العمل بما يقع في قلبه ؛ أو بالاستشارة بعد الدعاء ثمَّ العمل بما يجرى على لسان من يستشيره ، أو بالرقاع والبنادق والسبحة والحصى والقرآن الكريم.

وقد وقع الكلام في مشروعية الاستخارة بغير الدعاء والاستشارة ، والمحكى عن أكثر الأصحاب جواز وعن ابن إدريس وبعض آخر إنكاره أو التردد فيه.

وذكر العلامة المجلسي (قده) في آخر ما أورده في هذا الباب كلاما أحببنا إيراده هنا لما فيه من الفائدة ومزيد بصيرة فيما نحن بصدده ، قال ما نصه :

«ان الأصل في الاستخارة الذي يدل عليه أكثر الأخبار المعتبرة هو ان لا يكون

٣٧٥

الإنسان مستبدا برأيه ، معتمدا على نظره وعقله ، بل يتوسل بربه تعالى ويتوكل عليه في جميع أموره ، ويقر عنده بجهله بمصالحه ، ويفوض جميع ذلك اليه ، ويطلب منه ان يأتي بما هو خير له في أخراه وأولاه ، كما هو شأن العبد الجاهل العاجز مع مولاه العالم القادر ، فيدعو بأحد الوجوه المتقدمة مع الصلاة أو بدونها ، بل بما يحضر بباله من الدعاء ان لم يحضره شيء من ذلك ، للأخبار العامة ، ثمَّ يرضى بكل ما يترتب على فعله من نفع أو ضر.

وبعد ذلك ، الاستخارة من الله سبحانه ثمَّ العمل بما يقع في قلبه ، ويغلب على ظنه أنه أصلح له.

وبعده الاستخارة بالاستشارة بالمؤمنين.

وبعده الاستخارة بالرقاع أو البنادق أو «القرعة بالسبحة» والحصا أو التفأل بالقرآن الكريم.

والظاهر جواز جميع ذلك ، كما اختاره أكثر أصحابنا وأوردوها في كتبهم الفقهية والدعوات وغيرها ، وقد اطلعت هاهنا على بعضها» ثمَّ قال :

«وأنكر ابن إدريس الشقوق الأخيرة ، وقال انها من أضعف أخبار الاحاد وشواذ الاخبار ، لان رواتها فطحية ملعونون ، مثل زرعة وسماعة ، وغيرهما فلا يلتفت الى ما اختصا بروايته ولا يعرج عليه ، قال : والمحصلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه الا ما اخترناه ، ولا يذكرون «البنادق» و «الرقاع» و «القرعة» إلا في كتب العبادات دون كتب الفقه ، وذكران الشيخين وابن البراج لم يذكروها في كتبهم الفقهية.

ووافقه المحقق (قده) فقال : اما الرقاع وما يتضمن افعل ولا تفعل ففي حيز ـ الشذوذ فلا عبرة بهما.

وأصل هذا الكلام من المفيد (ره) في المقنعة حيث أورد أولا أخبار الاستخارة بالدعاء ، والاستشارة وغيرهما مما ذكرنا أولا ، ثمَّ أورد استخارة ذات الرقاع وكيفيتها

٣٧٦

ثمَّ قال : قال الشيخ وهذه الرواية شاذة ليست كالذي تقدم لكنا أوردناها للرخصة دون تحقيق العمل بها».

ثمَّ ذكر المجلسي (قده) بعد كلام له مما يدل على اختلاف نسخ المقنعة في ذلك ما نصه :

«قال الشهيد (رفع الله درجته) في الذكرى : «وإنكار ابن إدريس الاستخارة بالرقاع لا مأخذ له مع اشتهارها بين الأصحاب وعدم راد لها سواه ومن أخذ مأخذه كالشيخ نجم الدين ؛ قال وكيف تكون شاذة وقد دونها المحدثون في كتبهم والمصنفون في مصنفاتهم.» (١)

هذا ولكن الأمر في جوازها سهل بعد كون موردها أمورا مباحة يتردد بينها ، ثمَّ يتوكل على الله ويعمل بما يخرج من الرقاع وشبهها رجاء الوصول الى المطلوب ، ولعل عدم ذكر كثير منهم لها في الكتب الفقهية مستند الى هذا المعنى.

وعلى كل حال فمما يدل على ان الاستخارة بهذه الأمور نوع من القرعة أمور :

منها ـ التعبير عنها في بعض رواياتها بالمساهمة ـ التي هي القرعة كما عرفت سابقا عند ذكر الايات الدالة عليها ـ مثل رواية عبد الرحمن بن سيابة قال. خرجت إلى مكة ومعى متاع كثير فكسد علينا فقال بعض أصحابنا ابعث به الى اليمن فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال لي : ساهم بين مصر واليمن ثمَّ فوض أمرك الى الله ، فأي البلدين خرج اسمه في السهم فابعث اليه متاعك فقلت : كيف أساهم؟ قال : اكتب في رقعة بسم الله الرحمن الرحيم انه لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة أنت العالم وانا المتعلم فانظر في أي الأمرين خيرا لي حتى أتوكل عليك فيه ، فاعمل به ، ثمَّ اكتب مصرا ان شاء الله ، ثمَّ اكتب في رقعة أخرى مثل ذلك ، ثمَّ اكتب يحبس ان شاء الله ولا يبعث به الى بلدة منهما ، ثمَّ اجمع الرقاع فادفعها الى من يسترها عنك ، ثمَّ ادخل يدك فخذ رقعة

__________________

(١) بحار الأنوار المجلد ١٨ طبعة أمين الضرب ص ٩٤١ و ٩٤٢.

٣٧٧

من الثلث رقاع ، فأيها وقعت في يدك فتوكل على الله فاعمل بما فيها ان شاء الله».

وفيها من الدلالة على ان الاستخارة نوع من القرعة من وجوه شتى لا يخفى على ـ المتأمل. ومثله غيره.

ومنها ـ اتحاد كيفية العمل والدعاء فيهما ؛ روى ابن طاوس في كتاب «أمان ـ الاخطار» وفي «الاستخارات» نقلا عن كتاب عمرو بن ابى المقدام عن أحدهما عليهما‌السلام في ـ المساهمة يكتب :

«بسم الله الرحمن الرحيم اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اسئلك بحق محمد وآل محمد ان تصلى على محمد وآل محمد ؛ وان تخرج لي خير السهمين في ديني ودنياي وآخرتي ، وعاقبة امرى ، في عاجل امرى وآجله انك على كل شيء قدير ؛ ما شاء الله لا قوة إلا بالله ؛ صلى الله على محمد وآله ـ ثمَّ تكتب ما تريد في الرقعتين وتكون الثالثة غفلا (١) ثمَّ تجيل السهام ، فأيما خرجت عملت عليه ، ولا تخالف ؛ فمن خالف لم يصنع له ، وان خرج الغفل رميت به» (٢)

وهذه الرواية بإطلاقها شاملة لموارد القرعة وهو ما يشك في حكمه الشرعي الجزئي ولا طريق إلى إثباته ، وموارد الاستخارة وهو ما يشك في صلاحه وفساده للفاعل مع العلم بجوازه فعله وتركه ؛ كما فهمه ابن طاوس (قده).

وقد مر في كلام العلامة المجلسي قده قوله : «أو القرعة بالسبحة.» وهذا أيضا دليل على إطلاقها عليها.

وببالي انه (قدس‌سره) تمسك على مشروعية الاستخارة بالرقاع وشبهها ؛ بإطلاقات ـ

__________________

(١) الغفل بالضم كما عن القاموس من لا يرجى خيره ولا يخشى شره ، وما لا علامة فيه من القداح.

(٢) رواه في الوسائل في أبواب القرعة ، من كتاب القضاء ، من المجلد الثالث.

٣٧٨

القرعة التي مضى ذكرها ؛ وانها لكل أمر مشكل ، وان كان في الاستدلال بها ما لا يخفى فإنها بقرينة فهم الأصحاب والموارد الخاصة التي وردت هذه العمومات فيها مختصة بما يشك في حكمه الشرعي الجزئي من جهة اشتباه موضوعه ، ولا أقل من أنها منصرفة إليها ؛ وعلى كل حال ؛ كونها من أنواع القرعة مما لا ينبغي الشك فيها.

هذا تمام الكلام فيما يلحق بقاعدة القرعة وبه يتم الجزء الثاني من كتابنا هذا ؛ وسنوافيك الكلام في القواعد الباقية في الاجزاء الاتية بعون الله الملك العلام وكان الفراغ منه ليلة الخميس الثاني عشر من شوال المكرم سنة ١٣٨٨ (والحمد لله أولا وآخرا)

٣٧٩
٣٨٠